#1
|
||||
|
||||
فقه الخلاف وأنواعه
فقه الخلاف وأنواعه المطلب الأول : فقه الخلاف قبل البدء في دراسة " الفقه " ، لابد من تعلم فقه الخلاف ، لأن الفقه به خلافات كثيرة . فكيف نواجه هذا الخلاف دون أن تحدث الفُرْقَة والتشاحن نتذكر مقولة للشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ ، ومفادها : " إذا اختلفنا بمقتضى الدليل فقد اتفقنا " . أي اتفقنا على منهج استقاء المعلومة ، أما اختلافنا في المسألة فهذا حدث مع أفضل القرون ، مع الصحابة الكرام " ولْنَعْلم أن عقل كل عالم ليس حُجَّة على عقل الآخر . ولا حرج إذا اتبعت ما تظن أنه الهدي ولو خالفت غيرك . ولنمثل لذلك بحديث ابن عمر : * عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يوم الأحزاب : " لا يصلينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة " فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيهم . وقال بعضهم : بل نصلي ، لم يُرَدْ مِنَّا ذلك . فذُكِرَ ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فلم يُعَنِّف واحدًا منهم . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 30 ) ـ باب : مرجع النبي من ... / حديث رقم : 4119 / ص : 471 . وحاصل ما وقع في القصة : أن بعض الصحابة : حملوا النهي على حقيقته ، ولم يبالوا بخروج الوقت ، ترجيحًا للنهي الثاني ـ وهو : " لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة " ـ على النهي الأول ـ وهو : النهي عن تأخير الصلاة عن وقتها وخاصة صلاة العصر . عن أبي المليح قال : كنا مع بُريدة في غزوة في يوم ذي غَيْمٍ فقال : بكَّروا بصلاة العصر فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " . صحيح البخاري . متون / ( 9 ) ـ كتاب : مواقيت الصلاة / ( 15 ) ـ باب : من ترك العصر / حديث رقم : 553 / ص : 69 . واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق : * عن جابر بن عبد الله " أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جاء يومَ الخندق بعد ما غربتِ الشمسُ يسبُّ كفار قريش ، وقال : يا رسول الله ، ما كدت أن أصلِّيَ حتى كادتِ الشمسُ أن تغربَ . قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : والله ما صليتها . فنزلنا مع النبىِ بُطْحَانَ ، فتوضأنا لها ، فصلى العصرَ بعد ما غربت الشمس ، ثم : صلى بعدها المغربَ " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 29 ) ـ باب : غزوة الخندق / حديث رقم : 4112 / ص : 468 . فجوزوا أن يكون ذلك عامّا في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع . والبعض الآخر : حملوا النهي على غير الحقيقة ، وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة . وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأن الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يعنف أحدًا من الطائفتين ، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ... / ص : 473 / بتصرف . فائدة مستخلصة مما سبق : ــــــــــ الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، لم يُعَنِّف أحد الفريقين ، لأن كل فريق أخلص ، وفعل الذي يظن أن فيه الاتباع والامتثال لأمر الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . فالعمدة في الأمر هو الامتثال لما يُظَن أنه الهدي ، وأنه الاتباع . * فمن صلى " العصر " في بني قريظة ، رغم خروج الوقت لاعتقاده أن هذا مَقْصد النبي من قوله لى الله عليه وعلى آله وسلم " لا تصلين العصر إلا في بني قريظة " لأن هذا ظاهر النص . فهو مأجور . ومن صلى " العصر " في وقته وقبل الوصول إلى بني قريظة لاعتقاده أن هذا هو الاتباع " للنص العام "... إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا " .سورة النساء / آية : 103 . وفهم أمر الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا تصلين العصر إلا في بني قريظة " ـ فهِمَ هذا ـ على أنه كناية عن الإسراع إلى بني قريظة وفَتْحَهَا حتى يدركوا صلاة العصر لوقتها في بني قريظة . فهو مأجور . * هذا مأجور ، وذاك مأجور ، لأن كُلاًّ منهما امتثل لما يظن فيه الاتباع . فاتبع ما تَرَجَّحَ عنده أنه الحق . ـ أما إذا صلى أحدهم مع الفريق الأول : وهم الذين قالوا " لا نصلي حتى نأتيهم " ، إذا صلى العصر معهم في بني قريظة بعد خروج الوقت ، وكان يعتقد أن الاتباع في الصلاة لوقتها ، ورغم هذا تابعهم وصلى معهم . فهذا آثم ، رغم اتفاقهما في الفعل . ـ وأما إذا صلى أحدهم مع الفريق الثاني " وهم الذين قالوا : " بل نصلي ، ولم يُرَدْ منَّا ذلك " ، إذا صلى العصر معهم على وقته وقبل الوصول إلى بني قريظة ، وكان يعتقد أن الاتباع في الصلاة ببني قريظة حتى لو خرج الوقت ، ورغم هذا تابعهم وصلى معهم العصر لوقته وقبل الوصول إلى بني قريظة . فهذا آثم ، رغم اتفاقهمافي الفعل . * * * * * ومضة ما سبق هو الاختلاف في المسائل الفقهية . ولكن قد يكون هناك خلاف في وجهات النظر ـ وليست خلافات فقهية بين العلماء . ويترتب على هذه الخلافات في وجهات النظر فُرْقَة وهجر وتجريح ، وهذا خلاف ما حض عليه الإسلام ، فالإسلام يدعو إلى : التضامن ، والتماسك ، والتعاون . مثاله : قد نختلف في موقف يترتب على فعله طاعة ، فإذا كانت هذه الطاعة نافلة والإمام يمنع هذا لما يراه من مفاسد تترتب على هذا الفعل وأن الأولى والاتباع ترك هذا الفعل الذي هو في نفسه نافلة وعمل مستحب ولكن المصلحة كما يراها الإمام ترك المستحب هذا تَعبُّدًا . تطبيقًا للقاعدة الفقهية : فَإِنْ تَزَاحَمْ عَدَدُ المَصَالِحِ* يُقدَّمُ الأَعلى مِنَ المَصَالِحِ وَضِدُّهُ تَزَاحُمُ المَفَاسِدِ * يُرتَكَبُ الأَدْنَى مِنَ المَفَاسِدِ فعلى المأموم التطاوع للإمام وعدم الخلاف وعدم الفُرقة . وهذه كانت وصية الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري عندما بعثهما لليمن للدعوة ، فقال لهما " تطاوعا ولا تختلفا " . قال البخاري في صحيحه : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا وكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي بُرْدةَ عن أبيه عن جده أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن قال " يسِّرا ولا تُعسرَا وبشرَا ولا تنفِّرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " .صحيح البخاري . متون / ( 56 ) ـ كتاب : الجهاد والسِّيَرِ / ( 164 ) ـ باب : ما يُكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه / حديث رقم : 3038 / ص : 356 . |
|
|