العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #37  
قديم 01-23-2024, 02:04 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
Post

من آية 272 إلى آية281
"لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ "272.
قال الكلبي سبب نزول هذه الآية أن ناسًا من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار في اليهود وكانوا ينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم وأرادوهم على أن يسلموا ؛ أي كي يَدخلوا في الإسلام حاجةً منهم للصدقة . فنزلت هذه الآية . أي: ليس عليك- يا محمَّد- هداية الخَلْق إلى الإسلام هدايةَ توفيقٍ، وإنَّما عليك البلاغ وهو هداية الإرشاد. إنما عليك البلاغ المبين، والهداية بيد الله تعالى.فمهما منعت الصدقة عنهم أنت ومن معك من المؤمنين لن يهتدوا إلا بإذن الله.
عن ابنِ عبَّاسٍ قالوا: كانوا يكرَهونَ أنْ يرضَخوا لأنسابِهم وهم مشرِكونَ، فنزَلتْ"لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ..." حتى بلَغَ"وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ..."البقرة: 272. فرخَّصَ."الراوي : سعيد بن جبير - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم : 632 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
رَاضَخَ فلانٌ شيئًا: أَعطاهُ كَارهًا.
ففيها دلالة على أن النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر ولو لم يهتد.
فعليك وعلى أتباعك أن تعاملوا غيركم بما يوجبه عليكم إيمانكم من سماحة في الخلق، وعطف على المحتاجين حتى ولو كانوا من المخالفين لكم في الدين. على هذا المعنى الذي يؤيده سبب النزول يكون الضمير في قوله: هُداهُمْ يعود على غير المسلمين. هذه الصدقة التي أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هي صدقة التطوع، وأما المفروضة فلا يجزئ دفعها لكافر، لقوله صلّى الله عليه وسلّم" أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنْه إلى اليَمَنِ، فَقالَ: ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ."الراوي : عبدالله بن عباس –صحيح البخاري.
في الحديثِ:أنَّ الحَدَّ الفارقَ ما بيْنَ الغنيِّ والفقيرِ هو امتلاكُ قَدْرِ المالِ الذي تجبُ فيه الزَّكاةُ.
"لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ....." أي وما تنفقواقليل أو كثير على أي شخص كان من مسلم وكافر فلأنفسكم - أي: نفعه راجع إليكم يُخلِفَ اللهُ عليه في الدُّنيا أو الآخرةِ ، بالسعادة في الدنيا والبركة، وبالثواب الجزيل في الآخرة.
قالصلّى الله عليه وسلّم "ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري.
وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ : هذا إخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن إيمانهم أنها لا تكون إلا لوجه الله تعالى، لأن إيمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الإخلاص. وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله ، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب : ألبر أو فاجر أو مستحق أو غيره ، هو مثاب على قصده.
عن أبي هريرة رضي الله عنه :أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى سَارِقٍ فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدَيْ زَانِيَةٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ علَى زَانِيَةٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدَيْ غَنِيٍّ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى غَنِيٍّ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى سَارِقٍ وعلَى زَانِيَةٍ وعلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فقِيلَ له: أَمَّا صَدَقَتُكَ علَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عن سَرِقَتِهِ، وأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عن زِنَاهَا، وأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فيُنْفِقُ ممَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ.الراوي : أبو هريرة - المصدر : صحيح البخاري.
وفي الحديثِ : النِّيةُ الطيِّبةُ يحصُلُ بها الثَّمراتُ الطيِّبةُ.
وفي الحديثِ: دليلٌ على أنَّ الإنسانَ إذا نَوى الخيرَ وسَعى فيه وأخطأَ، فإنَّه يُكتَبُ له ولا يضُرُّه.
وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ : أي: إنَّ أيَّ صدقة تَتصدَّقون بها، قليلة كانت أو كثيرًة؛ فإنَّ أجرها يُؤدَّى إليكم في الآخرة كاملًا من غير نَقْص؛ فلا يَضيع عنده سبحانه مثقالُ ذرَّةٍ من ذلك. وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ: أي لا تُنْقَصون شيئًا مما وعدكم الله به على نفقتكم في سبيله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "........ يا كعبُ بنَ عُجرةَ الصَّلاةُ برهانٌ والصَّومُ جنَّةٌ حصينةٌ والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ ........"الراوي : كعب بن عجرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-صحيح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ".الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري.
في هذا الحَديثِ يُرغِّبُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّدَقاتِ وإنْ كانتْ بأقَلِّ القليلِ، فيُخبِرُ أنَّ مَن تَصدَّقَ بقِيمةِ تَمرةٍ مِن كَسْبٍ طيِّبٍ حَلالٍ -ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الكسْبَ الحلالَ- فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى يَتقبَّلُها بيَمينِه كَرامةً لها، وكِلْتَا يَدَيْه تعالَى يَمِينٌ مُبارَكةٌ، ثمَّ يُنَمِّيها ويُضاعِفُ أجرَها لِتَثقُلَ في ميزانِ صاحبِها، كما يُربِّي المرءُ مُهْرَه الصَّغيرَ مِن الخَيْلِ الَّذي يَحتاجُ للرِّعايةِ والتَّربيَةِ، حتَّى تَكونَ تلك الصَّدقةُ مِثلَ الجبَلِ حَجْمًا وثِقَلًا يومَ القِيامةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقبَلُ عندَ اللهِ تعالَى إلَّا إذا كانت طيِّبةً؛ بأن تَكونَ خالصةً لله، ومِن كسْبٍ حلالٍ.
وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقوَّمُ بحَجمِها، وإنَّما تُقوَّمُ بإخلاصِ صاحِبِها، وبالمالِ الَّذي خرَجَتْ منه، حلالًا كان أو حرامًا.الدرر السنية.
" لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ"273.
بعد هذا التحريض الحكيم على بذل الأموال في وجوه الخير، خص- سبحانه - بالذكر طائفة من المؤمنين هي أولى الناس بالعون والمساعدة، ووصف هذه الطائفة بست صفات من شأنها أن تحمل العقلاء على المسارعة في إكرام أفرادها وسد حاجتهم.
أحدها الفقر، والفقير هو المعدِمأي الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم واحتياجهم إلى ضرورات الحياة.
والثاني قوله: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ : والإحصار في اللغة هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين ما يريده بسبب مرض أو شيخوخة أو عدو أو ذهاب نفقة أو ما يجري مجرى هذه الأشياء.
والمعنى: اجعلوا الكثير مما تنفقونه- أيها المؤمنون- لهؤلاء الفقراء الذين حصروا أنفسهم ووقفوها على الطاعات المتنوعة التي من أعظمها الجهاد في سبيل الله، أو الذين مُنِعُوا من الكسب بسبب مرضهم أو شيخوختهم، أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم في حالة شديدة من الفاقة والاحتياج. وعبر في الجملة الكريمة "بأحصروا" بالبناء للمجهول، للإشعار بأن فقرهم لم يكن بسبب تكاسلهم وإهمالهم في مباشرة الأسباب، وإنما كان لأسباب خارجة عن إرادتهم.
وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ تكريم وتشريف لهم، أي أن ما نزل بهم من فقر واحتياج كان بسبب إيثارهم إعلاء كلمة الله على أي شيء آخر، ففي سبيل الله هاجروا، وفي سبيل الله تركوا أموالهم فصاروا فقراء، وفي سبيل الله وقفوا أنفسهم على الجهاد، وفي سبيل الله أصابهم ما أصابهم وهم يطلبون أداء ما كلفهم- سبحانه - بأدائه.
الثالث قوله: لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ: عجزهم عن الأسفار لطلب الرزق والتكسب ، الرابع قوله: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ: الحسبان بحسب ظاهر الحال، أي الجاهل بأحوالهم الذي لا يعرفهم يظنهم أغنياء مع أنهم فقراء بحسب ظاهر حالهم، من أي شيء؟ قال" مِنَ التَّعَفُّفِ" أي: بسبب تعففهم وعدم سؤالهم الناس لكمال عفتهم. ، وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم.
الخامس: قوله: تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ - أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: يحسبهم الجاهل أغنياء فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن المتفرس فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، فالحسبان بحسب ظاهر الحال، وأما "تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ" فهو بمقتضى الفراسة والنظر والتدقيق، وكثير من الناس يكون عنده من الفراسة ودقة النظر ما يعرف به الأحوال الباطنة، فهؤلاء إذا رأيتهم عرفتهم بسيماهم، السيما بمعنى العلامة.
السادس قوله: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا: الإلحاف هو الإلحاح في المسألة، قوله"لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا" إن نظرنا إلى ظاهر اللفظ فإن النفي للقيد، يعني: لا يسألون الناس سؤال إلحاف، ولكن يسألونهم سؤال تلطف وحياء وخجل، إذا رده المسؤول مرة ما عاد إليه مرة أخرى، هذا مقتضى ظاهر اللفظ، لكن مقتضى السياق وأن المقام مقام ثناء أن النفي نفي للقيد الذي هو الإلحاف والمقيد الذي هو السؤال، فهم لا يسألون الناس إلحافًا ولا غير إلحاف، بدليل قوله"يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ" ولو كانوا يسألون ما حسبهم الجاهل أغنياء، بل لظنهم فقراء بسبب سؤالهم، لكنه ذكر أعلى أنواع السؤال المذموم وهو الإلحاح ونفاه عنهم ؛ ولهذا تجد الإنسان إذا ألحَّ وإن كان فقيرًا يُثقِل عليك، وتَمل مسألته حتى ربما تأخذك العزة بالإثم ولا تعطيه مع علمك باستحقاقه؛ لأنه ألح، وتجد الإنسان الذي يظهر بمظهر الغني المتعفف تجدك ترق له وتعطيه أكثر مما تعطي السائل
فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات لما وصفهم به من جميل الصفات.
قال صلى الله عليه وسلم"ليسَ المِسْكِينُ الذي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ، ولَا اللُّقْمَةُ ولَا اللُّقْمَتَانِ، إنَّما المِسْكِينُ الذي يَتَعَفَّفُ، واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ يَعْنِي قَوْلَهُ"لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا"الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري.
وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: وهذه عامة أي خير يكون فإن الله به عليم. أي: إنَّ كلَّ ما تُنفِقونه من أيِّ خيرٍ كان قليلًا أو كثيرًا، فإنَّ الله تعالى يعلمه، ويُحصيه لكم، وسيَجزيكم عليه أتمَّ الجزاء. أي: وما تنفقوا من خير سواء أكان المنفَق قليلا أم كثيرا سرا أم علنا فإن الله يعلمه ويُحصيه لكم، وسيجازيكم عليه بأجزل الثواب، وأعظم العطاء.
*قال الشيخ العثيمين في تفسيره : من فوائد الآية الكريمة: أن تشاغل الإنسان بعمل يعد من سبيل الله يبيح أن نعطيه وننفق عليه، فلو تشاغل القادر على الكسب بطلب العلم فإننا نعطيه حتى من الصدقة الواجبة ليتفرغ لطلب العلم، ولو تفرغ إنسان للجهاد في سبيل الله أعطيناه ولَّا لا؟ نعم، أعطيناه، ولو من الصدقة الواجبة.
طيب، لو تفرغ الإنسان للعبادة فإنه لا يُعطى إلا من الصدقة المستحبة، أما من الزكاة فلا يُعطى، لأنه تفرغ لنفع قاصر لا يتعداه، وفرق بين النفع القاصر والنفع العام.
"الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"274.
بعد أن رغب سبحانه في الآ يات السالفة في الإنفاق وبين فوائده للمنفقين والمنفق عليهم ......، بيَّنَ هنا فضيلة الإنفاق في جميع الأوقات والأحوال ومضاعفة الأجر على ذلك. أي: إنَّ الإنفاق في أيِّ وقتٍ كان ليلًا أو نهارًا، وعلى أيِّ حالٍ وُجِد سرًّا أو علانيةً، فإنَّه سبب الجزاء على كلِّ حال؛ فليبادرْ إليه العبد- ولا يؤخِّره- في جميع الأوقات والأحوال وفي تقديم السر على العلانية والليل على النهار دليل على أن الصدقة كلما كانت أخفى فهي أفضل وأولى، ولكن قد تكون علانية أفضل إذا ترتب على ذلك مصلحة. ، فإنَّ مَن يقوم بذلك، له يوم القيامة أجرٌ عظيمٌ، فثوابهم عند الله مدخرًا يجدونه أحوج ما يكونون إليه، ولا يُصيبه خوفٌ على ما يُستقبَل، ولا يَعْتريه حزنٌ على ما مضَى، فيفوز بحصول المرغوب، والنَّجاة من المرهوب.
"الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" 275.
لما ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات ، المخرِجين الزكوات ، المتفضلين بالبر والصلات لذوي الحاجات والقرابات في جميع الأحوال والآنات شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات ، فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم.
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أي يتعاملون به أخذا وإعطاء لا يَقُومُونَإِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ : لا يقومونيوم القيامة للقاء الله إلا قيامًا كقيام المتخبِط المصروع المجنون حال صرعه وجنونه، وتخبط الشيطان له، وذلك لأنه يقوم قيامًا منكرًا مفزعا بسبب أخذه الربا الذي حرم الله أخذه.
فالآية الكريمة تصور المرابي بتلك الصورة المرعبة المفزعة، التي تحمل كل عاقل على الابتعاد عن كل مُعامَلة يشم منها رائحة الربا.
وقد رجح الإمام الرازي أن الآية الكريمة تصور حال المرابي في الدنيا والآخرة فقال ما ملخصه"إن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير الله، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطا ...وآكل الربا بلا شك أنه يكون مُفْرِطًا في حب الدنيا متهالكا فيها، فإذا مات على ذلك الحب صار ذلك حجابًا بينه وبين الله-تبارك وتعالى-، فالتخبط الذي كان حاصلا له في الدنيا بسبب حب المال أورثه التخبط في الآخرة وأوقعه في ذل الحجاب عن الله ، ...." .ا.هـ.
الفرق بين ربا الفضل وربا النسيئة للشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله:
ربا الفضل يعني ربا الزيادة، مثل أن يبيع الإنسان درهمًا بدرهمين، أو دينارًا بدينارين أو صاعًا من التمر بصاعين من التمر هذا ربا الفضل، ربا النسيئة تأخير القبض فيما يجب فيه القبض، فمثلاً الواجب فيما إذا باع الإنسان تمرًا بتمر، أن يكون التمران متساويين، وأن يكون القبض قبل التفرق، وإذا باع تمرًا بشعير، فالواجب أن يكون التقابض قبل التفرق، فإن تأخر القبض صار الأول؛ أي بيع تمر بتمر مثله فيه ربا النسيئة، وكذلك إذا باع تمرًا بشعير وتأخر القبض؛ فيكون فيه ربا نسيئة، وقد يجتمع ربا النسيئة والفضل؛ إذا باع تمرًا بأكثر منه، مع تأخر القبض؛ فهذا فيه ربا الفضل؛ من أجل الزيادة، وفيه ربا النسيئة؛ من أجل تأخير القبض؛ فصار ربا النسيئة يعني تأخير القبض فيما يجب فيه التقابض قبل التفرق من الربويات، والفضل هو الزيادة فيما يشترط فيه التساوي.
قال عبادة بن الصامت :غَزَوْنَا غَزَاةً وعلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكانَ فِيما غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِن فِضَّةٍ، فأمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا في أَعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ في ذلكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ، فَقالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَى عن بَيْعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بالفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بالبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بالمِلْحِ، إلَّا سَوَاءً بسَوَاءٍ، عَيْنًا بعَيْنٍ، فمَن زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فقَدْ أَرْبَى، فَرَدَّ النَّاسُ ما أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذلكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقالَ: أَلَا ما بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ، فَلَمْ نَسْمَعْهَا منه؟! فَقَامَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ فأعَادَ القِصَّةَ، ثُمَّ قالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بما سَمِعْنَا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وإنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ، أَوْ قالَ: وإنْ رَغِمَ، ما أُبَالِي أَنْ لا أَصْحَبَهُ في جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ."الراوي : عبادة بن الصامت- صحيح مسلم.
وفي الحديثِ: الاهتمامُ بتَبليغِ السُّننِ ونشْرِ العلمِ، وإنْ كَرِهه مَن كَرِهه..
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا :
بيان لزعمهم الباطل الذي سوغ لهم التعامل بالربا، ورد عليه بما يهدمه.
واسم الإشارة " ذَلِكَ " يعود إلى الأكل أو إلى العقاب الذي نزل بهم.
والمعنى: ذلك الأكل الذي استحلوه عن طريق الربا، أو ذلك العذاب الذي حل بهم والذي من مظاهره قيامهم المتخبط، سببه قولهم إن البيع الذي أحله الله يشابه الربا الذي نتعامل به في أن كلا منهما معاوضة. قد بلغ من اعتقادهم في حِل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع.
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا: جملة مستأنفة، وهي رد من الله-تبارك وتعالى- عليهم، وإنكار لتسويتهم الربا بالبيع.
قال الآلوسى: وحاصل هذا الرد من الله-تبارك وتعالى- عليهم: أن ما ذكرتم- من أن الربا مثل البيع- قياس فاسد الوضع لأنه معارض للنص فهو من عمل الشيطان، على أن بين البابين فرقا، وهو أن من باع ثوبا يساوى درهما بدرهمين فقد جعل الثوب مقابلا لدرهمين فلا شيء منهما إلا وهو في مقابلة شيء من الثواب. وأما إذا باع درهما بدرهمين فقد أخذ الدرهم الزائد بدون عوض، ولا يمكن جعل الإمهال عوضا إذ الإمهال ليس بمال في مقابلة المال.
وقوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ.
تفريع على الوعيد السابق في قوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا.. إلخ .
والمجيء بمعنى العلم والبلاغ، والموعظة: ما يعظ الله-تبارك وتعالى- به عباده عن طريق زجرهم وتخويفهم وتذكيرهم بسوء عاقبة المخالفين لأوامره.أي: فمن بلغه نهي الله-تبارك وتعالى- عن الربا، فامتثل وأطاع وابتعد عما نهاه الله عنه، فَلَهُ ما سَلَفَ أي فله ما تقدم قبضه من مال الربا قبل التحريم وليس له ما تقدم الاتفاق عليه ولم يقبضه.. لأن الله-تبارك وتعالى- يقول بعد ذلك وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ...
وقوله: وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ أي أمر هذا المرابي الذي تعامل بالربا قبل التحريم واجتنبه بعده، أمْره مفوض إلى الله-تبارك وتعالى-فهو الذي يعامله بما يقتضيه فضله وعفوه وكرمه.
قال ابن كثير: قوله فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ.. إلخ أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة لقوله: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وكما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة"ألا وإنَّ كلَّ شيءٍ مِن أمرِ الجاهليَّةِ مَوضوعٌ تحتَ قدميَّ هاتَينِ .........وربا الجاهليَّةِ موضوعٌ وأوَّلُ ربًا أضعُهُ رِبانا رِبا العبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ فإنَّهُ مَوضوعٌ كلُّهُ......"
الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم : 2512 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .

، ولم يأمرهم برد الزيادات المأخوذة في حال الجاهلية بل عفا عما سلف كما قال-تبارك وتعالى"فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ " أي فله ما كان قد أكل من الربا قبل التحريم.وفي هذه الجملة الكريمة بيان لمظهر من مظاهر السماحة فيما شرعه الله لعباده، لأنه- سبحانه - لم يعاقب المرابين على ما مضى من أمرهم قبل وجود الأمر والنهي، ولم يجعل تشريعه بأثر رجعي بل جعله للمستقبل، إذ الإسلام يجُب ما قبله.فما أكله المرابى قبل تحريم الربا فلا عقاب عليه فيه وهو ملك له، إلا أنه ليس له أن يتعامل به بعد التحريم، وإذا تعامل به فلن تقبل توبته حتى يتخلص من هذا المال الناتج عنه الربا.
ولقد توعد الله-تبارك وتعالى-من يعود إلى التعامل بالربا بعد أن حرمه الله-تبارك وتعالى- فقال" وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ".
أي ومن عاد إلى التعامل بالربا بعد أن نهى الله عنه فأولئك العائدون هم أصحاب النار الملازمون لها، والماكثون فيها بسبب تعديهم لما نهى الله عنه.
وفي هذه الجملة الكريمة تأكيد للعقاب النازل بأولئك العائدين بوجوه من المؤكدات منها:التعبير فيها بأولئك التي تدل على البعيد فهم بعيدون عن رحمة الله، والتعبير بالجملة الاسمية التي تفيد الدوام والاستمرار والتعبير، بكلمة أصحاب الدالة على الملازمة والمصاحبة، وبكلمة خالِدُونَ التي تدل على طول المكث.

" يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ"276.
أي: أن المال الذي يدخله الربا يذهبه الله، ويذهب بركته. أما المال الحلال الطيب الذي يبذل منه صاحبه في سبيل الله فإنه- سبحانه - يباركه وينميه ويزيده لصاحبه.
واعلم أن محق الربا وإرباء الصدقات يكون في الدنيا و الآخرة لعموم الأدلة.
روى البخاري عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ."الراوي : أبو هريرة/ صحيح البخاري / الصفحة أو الرقم: 1410.
في هذا الحَديثِ يُرغِّبُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّدَقاتِ وإنْ كانتْ بأقَلِّ القليلِ، فيُخبِرُ أنَّ مَن تَصدَّقَ بقِيمةِ تَمرةٍ مِن كَسْبٍ طيِّبٍحَلالٍ -ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الكسْبَ الحلالَ- فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى يَتقبَّلُها بيَمينِه كَرامةً لها، وكِلْتَا يَدَيْه تعالَى يَمِينٌ مُبارَكةٌ، ثمَّ يُنَمِّيها ويُضاعِفُ أجرَها لِتَثقُلَ في ميزانِ صاحبِها، كما يُربِّي المرءُ مُهْرَه الصَّغيرَ مِن الخَيْلِ الَّذي يَحتاجُ للرِّعايةِ والتَّربيَةِ، حتَّى تَكونَ تلك الصَّدقةُ مِثلَ الجبَلِ حَجْمًا وثِقَلًا يومَ القِيامةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقبَلُ عندَ اللهِ تعالَى إلَّا إذا كانت طيِّبةً؛ بأن تَكونَ خالصةً لله، ومِن كسْبٍ حلالٍ.
وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقوَّمُ بحَجمِها، وإنَّما تُقوَّمُ بإخلاصِ صاحِبِها، وبالمالِ الَّذي خرَجَتْ منه، حلالًا كان أو حرامًا.الدرر السنية.
ما أحدٌ أكثرَ من الربا إلَّا كان عاقبةُ أمرِه إلى قِلَّةٍ " الراوي : عبدالله بن مسعود / المحدث :الألباني /صحيح ابن ماجه /الصفحة أو الرقم: 2/241 / صحيح.
ففي هذه الآية الكريمة بشارة عظيمة للمتصدقين، وتهديد شديد للمرابين ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ: أي: أن الله-تبارك وتعالى- لا يرضى عن كل من كان شأنه الستر لنعمه والجحود لها، والتمادي في ارتكاب المنكرات، والابتعاد عن فعل الخيرات. أي: إنَّ الله تعالى لا يحبُّ كلَّ من كان كثيرَ الكُفْران، مُصرًّا على الكُفْر بنِعَمه، مقيمًا على ذلك، مُستحِلًّا أكْلَ الرِّبا، متماديًا في الإثم فيما نهاه عنه من أكْله وتَعاطِيه، وغير ذلك من معاصيه،فالآية الكريمة تهديد شديد لمن استحلوا الربا، أو فعلوه مع عدم استحلالهم له.
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"277.
وبعد هذا التهديد الشديد للمتعاملين بالربا، ساق- سبحانه - آية فيها أحسن البشارات للمؤمنين الصادقين .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أى إيمانا كاملا بكل ما أمر الله به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أى الأعمال الصالحة التي تصلح بها نفوسهم والتي من جملتها الإحسان إلى المحتاجين، والابتعاد عن الربا والمرابين وَأَقامُوا الصَّلاةَ بالطريقة التي أمر الله بها، بأن يؤدوها في أوقاتها بخشوع واطمئنان وَآتَوُا الزَّكاةَ أي أعطوها لمستحقيها بإخلاص وطيب نفس.
هؤلاء الذين اتصفوا بكل هذه الصفات الفاضلة لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي لهم ثوابهم الكامل عند خالقهم ورازقهم ومربيهم.
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يوم الفزع الأكبر ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لأي سبب من الأسباب، لأن ما هم فيه من أمان واطمئنان ورضوان من الله-تبارك وتعالى- يجعلهم في فرح دائم، وفي سرور مقيم.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" 278.
لَمَّا بيَّن في الآية المتقدِّمة أنَّ مَن انتهى عن الرِّبا فله ما سَلَف، فقد كان يجوز أن يُظَنَّ أنه لا فرْق بين المقبوضِ منه والباقي في ذِمَّة القوم، وأنَّ الممنوع هو إنشاء عَقدٍ رِبويٍّ بعد التحريم؛ لذا أَزالَ تعالى هذا الاحتمالَ بأنْ أمَر بترك ما بقي من الرِّبا في العقود السابقة، قبل التَّحريم. أي: تحريم ما بقي دينًا من الرِّبا وإيجاب أخذ رأس المال دون الزِّيادة على جهة الرِّبا. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حض لهم على ترك الربا أي إن كنتم مؤمنين حق الإيمان فامتثلوا أمر الله وذروا ما بقي من الربا مما زاد على رءوس أموالكم.
"فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ "279.
أي: فإن لم تتركوا ما بقي لكم على النَّاس من زيادةٍ على رأس المال، مُستَمرِّين على تَعاطي الرِّبا بعد إنذاركم ونهيكم عن ذلك، فأَعلِموا أنفسَكم وغيرَكم، مُستيقنين أنَّ الله تعالى يتوعَّدكم بحرب كائنة من الله-تبارك وتعالى- ورسوله، ومن حاربه الله ورسوله لا يفلح أبدًا.
وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ :أي: إن تُبْتُم فتركتُم أكْلَ الرِّبا، وأَنَبْتُم إلى الله عزَّ وجلَّ، فلكم رؤوس أموالكم من الدُّيون التي لكم على النَّاس دون الزِّيادة التي أحدثتموها على ذلك، فلا تَظْلِمُونَ الناسَ بأخْذ الزِّيادة، وَلا تُظْلَمُون بإعطائكم رؤوسَ أموالكم ناقصةً .
" وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" 280.
أي: إنْ كان الذي عليه الدَّين مُعسِرًا لا يَجِد ما يَردُّ به حقَّكم- وهو رؤوس أموالكم التي أَسلفتُموه إيَّاها دون زيادة- فعليكم أن تُمهِلوه حتى يتيسَّر له الوفاءُ به.
وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ :أي: إنَّ تصدُّقَكم على المدينِ المعسرِ بالتنازلِ والعفو عمَّا لكم عليه أو بإسقاط بعضه، خيرٌ لكم من إمهاله حتى يتيسَّر له القيام بردِّه لكم، فقوموا بذلك إذًا إن كنتم من ذوي العِلْم بفضل الصَّدقة، وما لصاحبها من ثوابٍ عظيم.
"من أنظرَ معسرًا كانَ لَه بِكلِّ يومٍ صدقةٌ ومن أنظرَه بعدَ حلِّهِ كانَ لَه مثلُه في كلِّ يومٍ صدقةٌ"الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي/ المحدث: الألباني / صحيح ابن ماجه/ الصفحة أو الرقم/ 1977-خلاصة حكم المحدث:صحيح

"من نفَّس عن غريِمه ، أو محا عنه ، كان في ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ"
الراوي: أبو قتادة /المحدث :الألباني / صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6576-خلاصة حكم المحدث:صحيح.

" أُتِيَ اللَّهُ بعَبْدٍ مِن عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقالَ له: مَاذَا عَمِلْتَ في الدُّنْيَا؟ قالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، قالَ: يا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكانَ مِن خُلُقِي الجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ علَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ، فَقالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عن عَبْدِي. فَقالَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ الجُهَنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الأنْصَارِيُّ، هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِن في رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ."الراوي : حذيفة بن اليمان -وعقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري - صحيح مسلم.

" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" 281.
أي: احذروا- أيُّها الناس- يومًا تزول فيه هذه الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها، فترجعون إلى الله فتَلقَونه فيه، فاحذروا أن تَرِدوا عليه بسيِّئات تُهلِككم، وبلا حسنات تُنجِيكم، فتَستحِقُّوا عقابَ الله تعالى، وهو يوم مُجازاة الأعمال، فتستوفي فيه كلُّ نَفْس جزاءها بالعدل من ربِّها، على ما قدَّمت واكتسَبتْ من سيِّئ وصالح، لا يُنقَصُون شيئًا من ثواب الحسنات، ولا يُزاد عليهم شيءٌ من عقوبة السيِّئات .
فإنَّ ممَّا يُهوِّن على العبدِ التزامَ الأمور الشرعيَّة، واجتنابَ المعاملات الرِّبوية، والإحسانَ إلى المُعسِرين، عِلْمُه بأنَّ له يومًا يَرجِع فيه إلى الله تعالى، ويُوفِّيه عملَه، ولا يظلمه مِثقالَ ذرَّة؛ ففي الآية ترغيبٌ في فِعْل ما أُمِر به أو نُدِب إليه ممَّا سبق؛ لأنَّ في تَرْك المنهيَّات سلامةً من آثامها، وفي فِعْل المطلوبات استكثارًا من ثوابها، والكلُّ يرجع إلى اتِّقاء ذلك اليوم الذي تُطلَب فيه السلامة وكثرة أسباب النجاح، وهو أيضًا صالح للتَّرهيب من ارتكاب ما نهي عنه ممَّا سبَق النَّهي عنه.
رد مع اقتباس
 


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 11:32 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر