#10
|
||||
|
||||
![]() المجلس الحادي العاشر قوله تعالى"صَعِيدًا" هذه الأرض بزينتها، بقصورها وأشجارها ونباتها، سوف يجعلها الله تعالى" صَعِيدًا جُرُزًا" أي خالياً، كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا *} طه: 105 ، أي نسفًا عظيمًا ولهذا جاء مُنَكَّرًا: أي نسفًا عظيمًا، قال تعالى: ﴿ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ ﴿١٠٦﴾ ﴿ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ ﴿١٠٧﴾ طه " فَيَذَرُهَا " أي : فيدع أماكن الجبال من الأرض ، " قَاعًا صَفْصَفًا " أي : أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها ، و " القاع " : ما انبسط من الأرض ، و " الصفصف " : الأملس . ص: 295 ﴿ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾قال مجاهد : انخفاضًا وارتفاعًا . وقال الحسن : " العوج " : ما انخفض من الأرض ، و " الأمت " : ما نشز من الروابي ، أي : لا ترى واديا ولا رابية . وبلحظة: كن فيكون! إذًا هذه الأرض يا أخي لا يَتعلَّق قلبك بها فهي زائلة، هي ستصير كأن لم تكن كما قال عزّ وجل: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} يونس: 24 . وتأمل الجملة الآن: { {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ} } فيها مُؤكِّدان، «إنَّ» و«اللام»، ثم إنها جاءت بالجملة الاسمية الدالة على القدرة المستمرة، إذا قامت القيامة أين القصور؟ لا قصور، لا جبال، لا أشجار، الأرض كأنها حجر واحد أملس، ما فيها نبات ولا بناء ولا أشجار ولا غير ذلك، سيحولها الله تعالى { {جُرُزًا} } خالية من زينتها التي كانت عليها. تفسيرابن عثيمين * * * وذلك أن أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم، ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غمًا وأسفًا عليهم، ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الآية ونحوها عبرة، فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له: "إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ "سورة القصص - الجزء 20 - الآية 56 * أنواع الهداية *وموسى عليه السلام يقول: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾المائدة: ٢٥. فمن عداهم من باب أولى وأحرى، ها هي ذي نهاية المطاف . . نكوصًا عن الأرض المقدسة , وهو معهم على أبوابها . ونكولا عن ميثاق الله وهو مرتبط معهم بالميثاق . . فماذا يصنع ? وبمن يستجير ? ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾. . دعوة فيها الألم . وفيها الالتجاء . وفيها الاستسلام . وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم ! وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه . . ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول . وفي إيمان النبي الكليم . وفي عزم المؤمن المستقيم , لا يجد متوجَهًا إلا لله . يشكو له بثه ونجواه , ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين . فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق . . ما يربطه بهم نسب . وما يربطه بهم تاريخ . وما يربطه بهم جهد سابق . إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله , وهذا الميثاق مع الله . وقد فصلوه . فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق . وما عاد يربطه بهم رباط . . إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون . . إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون . . هذا هو أدب النبي . . وهذه هي خطة المؤمن . وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون . . لا جنس . لا نسب . لا قوم . لا لغة . لا تاريخ . لا وشيجة من كل وشائج الأرض ; إذا انقطعت وشيجة العقيدة ; وإذا اختلف المنهج والطريق . . قال تعالى:﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ ﴿الغاشية: ٢١﴾ ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ ﴿الغاشية: ٢٢﴾ * أنواع الهداية * يُقَالُ هَدَاهُ هُدًى وَهَدْيًا وَهِدَايَةً وَهِدْيَةً بِكَسْرِهِمَا أَرْشَدَهُ فَهَدَى وَاهْتَدَى . وَهَدَاهُ اللَّهُ الطَّرِيقَ دَلَّهُ . وَالْهُدَى بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الرَّشَادُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ . و إنّا لجاعلون أي مصيرون ما عليها مما كان زينة لها أو ما عليها مما هو أعم من الزينة وغيره " صعيدًا " ترابًا " جرزًا " خالية من زينتها التي كانت عليها، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن ما تضمنته أيدي المترفين من زينتها ، إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والحاق .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعُ الْفَوَائِدِ : الْهِدَايَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ :
__________________
|
|
|