#1
|
||||
|
||||
إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ
قال ابن ماجه في سننه :حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ أَسَدٍ ،قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ،قال: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ:
" أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ: لَهُ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ " سنن ابن ماجه»كتاب الأطعمة » باب القديد . الراوي : عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه-الصفحة أو الرقم: 2693 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر- الشرح كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحْسنَ الناسِ خُلقًا، ومتَّصِفًا بمكارِمِ الأخلاقِ كلِّها، ومنها التَّواضُعُ والرِّفقُ بالنَّاسِ، والتَّبسُّطُ مع أصحابِه دون تَضييعٍ للهَيبةِ والوَقارِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو مَسعودٍ رَضي اللهُ عنه: "أَتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجلٌ، فكَلَّمه، فجَعَل تَرْعُدُ فَرائصُه"، أي: تَفْزَعُ وتَرتجِفُ، وهذا كِنايةٌ عن شدَّةِ خوْفِه، و"الفَريصَةُ": اللَّحْمَةُ الَّتي بين الجنبِ والكَتِفِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُطَمْئِنًا "هَوِّنْ علَيك"، أي: خَفِّفْ عليك الأمرَ ولا تخَفْ؛ "فإنِّي لَسْتُ بمَلِكٍ"، أي: لستُ على صِفَةِ الملوكِ الجبابرَةِ الَّذين يَخافُهم النَّاسُ ويخشَوْنَ بطْشَهم وأذاهم، "إنَّما أنا ابنُ امرأةٍ تأكُلُ القَديدَ"؛ وهو اللَّحمُ المملَّحُ المجفَّفُ في الشَّمسِ، وكانوا يَفعَلون ذلك ليَحفَظوا اللُّحومَ، ووَجْهُ التَّواضُعِ في قولِه: "أنا ابنُ امرأةٍ تأكُلُ القَديدَ"؛ ...... فكان ذِكْرُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لذلكَ تهدئةً وتَأْنيسًا لِلرَّجُلِ، مَع إظْهارِ التَّواضعِ وعَدمِ التجَبُّرِ على النَّاسِ . وفي قولِه: "تأكُلُ القَديدَ"، أنَّهم لم يَكُنْ عندهم درَجةُ الرَّفاهيةِ الَّتي تكونُ في أبناءِ المُلوكِ؛ فربَّما أكلوا اللَّحمَ المخزَّنَ مِن ذَبائحِهم وليس الطَّازَجَ. وهذا الكلامُ مِن تواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مع النَّاسِ، ورِفقِه بهِم كما أمَره اللهُ تعالى فقال"وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ"الحجر: 88، وقال"وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"الشعراء: 215. -الدرر- فعلى من أنعم الله تعالى عليهم بنعمة الجاه أو المال، فجعل حاجة الناس إليهم؛ أن يقرءوا من السيرة النبوية ما يتعلق بجوانب التواضع، وخفض الجناح، ولِين الجانب؛ ليتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق، وكيفية التعامل مع الناس؛ فإن ذلك من واجبات الإيمان، ومن شُكْر الله تعالى على نعمه التي أنعم بها عليهم. ولا يحل لذي جاه أن يتكبر على الناس بجاهه وقد أعطاه الله تعالى إياه، ولا لذي مال أن يرى في نفسه ما لا يرى للناس وهو لا يرزق نفسه فضلا عن أن يرزق غيره، فإن تخلق بالكِبر من آتاه الله تعالى علوم الشريعة فهو من أقبح الناس؛ إذ لم ينفعه علمه في ذلك، وكان كالحمار يحمل أسفارًا. ومن آتاه الله تعالى نعمة فترفع بها على الناس فقد أوبق نفسه، وكفر نعمة ربه، والله تعالى قادر على أن يسلبه ما أعطاه، فيصير بعد العز إلى الذل، وبعد الغنى إلى الفقر، ويبقى له ما يستحق من عذاب الآخرة. فتواضعوا لله تعالى ربكم، واخفضوا لإخوانكم جناحكم، واحذروا الكبر والمتكبرين، واستعيذوا بالله تعالى من كبرهم "وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ"غافر:27.هنا-
__________________
|
|
|