العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-06-2018, 03:54 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,253
22- التلَقِّي عن الْمُبْتَدِعِ :

*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
القارئ :

الأمر الثاني والعشرون: التلَقِّي عن الْمُبْتَدِعِ :
احْذَرْ ( أبا الْجَهْلِ ) المبْتَدِعَ ، الذي مَسَّهُ زَيْغُ العَقيدةِ ؛ وغَشِيَتْهُ سُحُبُ الْخُرافةِ ؛ يُحَكِّمُ الْهَوَى ويُسَمِّيهِ العَقْلَ ، ويَعْدِلُ عن النَّصِّ ، وهل العَقْلُ إلا في النصِّ ؟! ويَستمْسِكُ بالضعيفِ ويَبْعُدُ عن الصحيحِ ، ويُقالُ لهم أيضًا : ( أهلُ الشُّبُهَاتِ ) ( وأهلُ الأهواءِ ) ولذا كان ابنُ المبارَكِ رَحِمَه اللهُ تعالى يُسَمِّي المبتَدِعَةَ ( الأصاغِرَ ) .
وقالَ الذهبيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( إذا رأيتَ المتكَلِّمَ المبْتَدِعَ يَقولُ : دَعْنَا من الكتابِ والأحاديثِ وهاتِ ( العَقْلَ ). فاعْلَمْ أنه أبو جَهْلٍ وإذا رأيتَ السالكَ التوحيديَّ يَقولُ : دَعْنَا من النقْلِ ومن العَقْلِ وهاتِ الذَّوْقَ والوَجْدَ ؛ فاعْلَمْ أنه إبليسُ قد ظَهَرَ بصورةِ بَشَرٍ ، أو قد حَلَّ فيه ، فإن جَبُنْتَ منه فاهْرُبْ ، وإلا فاصْرَعْهُ وابْرُكْ على صَدْرِه واقْرَأْ عليه آيةَ الكُرْسِيِّ واخْنُقْهُ ) اهـ .
الشيخ :
يقول: (احْذَرْ ( أبا الْجَهْلِ ) ) , أبا الجهل يعني صاحب الجهل , (المبْتَدِعَ الذي مَسَّهُ زَيْغُ العَقيدةِ ؛ وغَشِيَتْهُ سُحُبُ الْخُرافةِ ؛ يُحَكِّمُ الْهَوَى ويُسَمِّيهِ العَقْلَ) , وهذا التحذير الذي قاله الشيخ بكر أمر لازم , يجب أن نحذر أهل البدع وإن صاغوا البدع بصياغة مغرية مزخرفة فإنما هم كما قيل فيهم :

حُجَجٌ تَهَافَتْ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا ... حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ.1
فأنت كالظمآن يرى السراب فيحسبه ماء , حتى إذا جاءه وجد الله عنده فوفاه حسابه .2
احذر صاحب الهوى , وهؤلاء الذين يتبعون أهواءهم في العقيدة يسمون ذلك : العقل .
والحقيقة أنه عقل لكنه عَقَلَهُم عن الهدى إلى اتباع الهوى، فهم كما قال ابن القيم في أمثالهم :
هربوا من الرق الذي خلقوا له = وبلوا برق النفس والشيطان
(ويَعْدِلُ عن النَّصِّ) ويقول: لقد دل العقل على خلافه - سبحان الله - هل العقل يخالف النص؟! أبدا , لا يمكن لأي عقل صريح أي خالٍ من الشبهات والشهوات يخالف النقل الصريح , أبداً لكن العلة إما من النقل بحيث يكون غير صحيح , وإما من العقل بحيث يكون غير صريح .
أما مع صراحة العقل وصحة النقل فلا يمكن أن يوجد تعارض إطلاقا , ولهذا ينعى الله سبحانه وتعالى عن المخالفين للرسل ينعى عليهم عقولهم , يقول : {أفلا يعقلون} {أفلا تعقلون} {لا يفقهون} وما أشبه ذلك
فالعقل كما قال الشيخ : (وهل العَقْلُ إلا في النصِّ ؟!)
قال : (ويَستمْسِكُ بالضعيفِ ويَبْعُدُ عن الصحيحِ) , وأكثر ما يكون هذا في الوعاظ والقصاص , تجدهم يحشون أدمغتهم بالأحاديث الضعيفة من أجل تهييج الناس ترغيبا أو ترهيبا . يتأتي مثلا يقول: (قل هو الله أحد) يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يخلق من كل حرف من سورة (قل هو الله أحد) ألف طائر , ولكل طائر ألف لسان كلها تدعو أو تسبح لهذا الذي قرأها ) .
من قال هذا ؟ وأشياء عجيبة غريبة في فضائل الأعمال تذكر .
كذلك (ويُقالُ لهم أيضًا : ( أهلُ الشُّبُهَاتِ ) ( وأهلُ الأهواءِ ) ولذا كان ابنُ المبارَكِ رَحِمَه اللهُ تعالى يُسَمِّي المبتَدِعَةَ ( الأصاغِرَ ) ).
وهذا وصف مطابق لموصوفه , فهم أصاغر وإن عظموا أنفسهم , وكل من خالف النص فهو صغير .
أما كلام الذهبي فيقول : ( إذا رأيتَ المتكَلِّمَ المبْتَدِعَ يَقولُ : دَعْنَا من الكتابِ والأحاديثِ وهاتِ ( العَقْلَ ). فاعْلَمْ أنه أبو جَهْلٍ) وليس أبا علم , بل هو جاهل .
(وقالَ الذهبيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : وإذا رأيتَ السالكَ التوحيديَّ يَقولُ : دَعْنَا من النقْلِ ومن العَقْلِ وهاتِ الذَّوْقَ والوَجْدَ) , وهؤلاء الصوفية , الصوفية كل دينهم ذوق , ووجد .
فهذا أيضا يقول: (فاعْلَمْ أنه إبليسُ قد ظَهَرَ بصورةِ بَشَرٍ) . والظاهر أن الذهبي رحمه الله لقي النكد من هؤلاء , ولهذا شدد في تقبيح أوصافهم، (أو قد حَلَّ فيه) يعني هو إما شيطان أو حل فيه الشيطان .
(فإن جَبُنْتَ منه فاهْرُبْ ), يعني إن عجزت أن تجادله وتناظره فاهرب , لأن هذه هي الحكمة وإلا كنت تستطيع أن تجادله وتفحمه فاصرعه ، صرعا حسيا أو معنويا؟ نرى
(وإلا فاصْرَعْهُ وابْرُكْ على صَدْرِه) . هذا يدل على أنه حسي.
(واقْرَأْ عليه آيةَ الكُرْسِيِّ ) –حتى يخرج الشيطان- (واخْنُقْهُ) .
الإنسان يسمع كلام الذهبي رحمه الله هذا في ظني أنه إذا صرعه ثم برك على صدره ثم قرأ عليه آية الكرسي ثم خنقه ، سينجو ، لأن الشيطان خنقه حينئذ شديدا وقويا، ولكن على كل حال الظاهر أن الشيخ رحمه الله –الذهبي- قد أصابه ما أصابه من هؤلاء, والمعافى من عافاه الله منه .
لو ذهبت إلى بعض البلاد الإسلامية لوجدت من هؤلاء القوم عجبا , كما يذكر عنهم , كما يذكر عنهم العلماء السابقون أم نحن يعني يصلون إلى حد الجنون , يضربون بالطبول يضربون بالعصي على الأرض، يغبرون ، تغبير يأخذ كل واحد منهم سوط ويهللون بتهليلاتهم وأذكارهم ثم يضرب الإنسان الأرض , ومن كان أكثر غبار فهو أصدق إرادة , يعني إذا كان أكثر غبارا صار أشد وأقوى فيكون هذا دليلا على أنه مريد حقا .
القارئ :
وقالَ أيضًا رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقرأتُ بخطِّ الشيخِ الموَفَّقِ قالَ : سَمِعْنَا دَرْسَه – أي: ابنِ أبي عَصْرونَ – مع أخي أبي عُمرَ وانْقَطَعْنَا ، فسمعتُ أَخِي يقولُ : دَخَلْتُ عليه بَعْدُ ، فقالَ : لم انْقَطَعْتُم عَنِّي؟ قلتُ : إنَّ ناسًا يَقولون: إنك أَشْعَرِيٌّ. فقالَ : واللهِ ما أنا أَشعريٌّ. هذا معنى الْحِكايةِ ) اهـ .
الشيخ :
يعني يستفاد منه أنه لا ينبغي أن تجلس إلى مبتدع ولو كانت بدعته خفيفة كبدعة الأشعريين .
القارئ :
وعن مالِكٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ : ( لا يُؤْخَذُ العِلْمُ عن أربعةٍ : سفيهٌ يُعْلِنُ السَّفَهَ وإن كان أَرْوَى الناسِ ، وصاحبُ بِدعةٍ يَدْعُو إلى هَواهُ ، ومَن يَكْذِبُ في حديثِ الناسِ ، وإن كنتُ لا أتَّهِمُه في الحديثِ ، وصالحٍ عابدٍ فاضلٍ إذا كان لا يَحْفَظُ ما يُحَدِّثُ به ) .
فيا أيُّها الطالِبُ ! إذا كنتَ في السَّعةِ والاختيارِ ؛ فلا تَأْخُذْ عن مُبْتَدِعٍ : رافِضِيٍّ أو خارجيٍّ أو مُرْجِئٍ أو قَدَرِيٍّ أو قُبُورِيٍّ . . . وهكذا ؛ فإنك لن تَبْلُغَ مَبْلَغَ الرجالِ – صحيحَ العَقْدِ في الدينِ مَتينَ الاتِّصالِ باللهِ صحيحَ النظَرِ تَقْفُو الأَثَرَ إلا بِهَجْرِ المبْتَدِعَةِ وبِدَعِهِم .
الشيخ :
وظاهر كلام الشيخ رحمه الله ووفقه الله, أنه لا يؤخذ عن صاحب البدعة شيء حتى فيما لا يتعلق ببدعته , فمثلا إذا وجدنا رجلا مبتدعا لكنه جيد في علم العربية: البلاغة والنحو والصرف , فهل نجلس إليه ونأخذ منه العلم الذي هو مجيد فيه أو نهجره ؟
ظاهر كلام الشيخ أننا لا نجلس إليه , لأن ذلك يوجب مفسدتين :
المفسدة الأولى : اغتراره بنفسه فيحسب أنه على حق .
والمفسدة الثانية : اغترار الناس به حيث يتوارد عليه طلاب العلم ويتلقون منه , والعامي لا يفرق بين علم النحو وعلم العقيدة , لهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل الأهواء والبدع مطلقا , حتى وإن كان لا يجد علم العربية والبلاغة والصرف مثلا إلا فيهم , فسيجعل الله له خيرا منهم .
لأن كوننا نأتي إلى هؤلاء ونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم واغترار الناس بهم .
أسئلة يجيب عنها الشيخ
القارئ :
وكُتُبُ السِّيَرِ والاعتصامِ بالسُّنَّةِ حافلةٌ بإجهازِ أهلِ السُّنَّةِ على البِدْعَةِ ومُنابَذَةِ الْمُبْتَدِعَةِ والابتعادِ عنهم كما يَبْتَعِدُ السليمُ عن الأجْرَبِ المريضِ ولهم قِصَصٌ وواقعاتٌ يَطولُ شَرْحُها لكن يَطيبُ لي الإشارةُ إلى رُؤوسِ الْمُقَيَّدَاتِ فيها :
فقد كان السلَفُ رَحِمَهم اللهُ تعالى يَحتسِبونَ الاستخفافَ بهم وتَحقيرَهم ورَفْضَ المبتدِعِ وبِدْعَتَهُ ويُحَذِّرُون من مُخالَطَتِهم ومُشاوَرَتِهم ومُؤاكَلَتِهم فلا تَتَوَارَى نارُ سُنِّيٍّ ومُبتدِعٍ .
وكان من السلَفِ مَن لا يُصَلِّي على جَنازةِ مُبْتَدِعٍ ، فيَنصرِفُ وقد شُوهِدَ من العَلَّامَةِ الشيخِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، انصرافَه عن الصلاةِ على مُبْتَدِعٍ .
وكان من السلَفِ مَن يَنْهَى عن الصلاةِ خَلْفَهم ويَنْهَى عن حكايةِ بِدَعِهم ؛ لأنَّ القلوبَ ضَعيفةٌ والشُّبَهَ خَطَّافَةٌ .
وكان سهْلُ بنُ عبدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ لا يَرَى إباحةَ الأَكْلِ من الْمَيْتَةِ للمبتدِعِ عندَ الاضطرارِ ؛ لأنه باغٍ لقولِ اللهِ تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ … } الآيةَ . فهو باغٍ ببِدْعَتِه .
وكانوا يَطْرُدُونَهم من مَجالسِهم ؛ كما في قِصَّةِ الإمامِ مالِكٍ رَحِمَه اللهُ تعالى مع مَن سأَلَه عن كيْفِيَّةِ الاستواءِ وفيه بَعْدَ جوابِه المشهورِ : ( أَظُنُّكَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ) وأَمَرَ به فأُخْرِجَ .
وأخبارُ السلَفِ مُتكاثِرَةٌ في النُّفْرَةِ من المبتَدِعَةِ وهَجْرِهم حَذَرًا من شَرِّهم وتَحجيمًا لانتشارِ بِدَعِهم وكَسْرًا لنفوسِهم حتى تَضْعُفَ عن نَشْرِ البِدَعِ ، ولأنَّ في مُعاشَرَةِ السُّنِّيِّ للمُبتدِعِ تَزكيةً له لدَى الْمُبْتَدِئِ والعامِّيِّ – والعامِّيُّ مُشْتَقٌّ من العَمَى ، فهو بِيَدِ مَن يَقودُه غالبًا - .
ونَرَى في كتبِ المصطَلَحِ ، وآدابِ الطلَبِ ، وأحكامِ الْجَرْحِ والتعديلِ : الأخبارَ في هذا.
الشيخ :
المؤلف وفقه الله حذر هذا التحذير البليغ من أهل البدع وهم جديرون بذلك , ولاسيما إذا كان المبتدع سليط اللسان فصيح البيان , فإن شره يكون أكبر وأعظم , ولاسيما إذا كانت بدعته أيضا مكفرة أو مفسقة تفسيقا بالغا فإن خطره أعظم , ولاسيما إذا كان يتظاهر أمام الناس بأنه من أهل السنة لأن بعض أهل البدع عنده نفاق , تجده عند من يخاف منه يتمسكن ويقول أنا من أهل السنة وأنا لا أكره فلانا ولا فلانا من الصحابة وأنا معكم وهو كاذب فمثل هؤلاء يجب الحذر منهم , وقد مر علينا في الدرس الماضي أنه وإن كان المبتدع عنده علوم لا توجد عند أهل السنة ولا تتعلق بالعقيدة كمسائل النحو والبلاغة وما أشبهها فلا تأخذ منه . لأن يتولد من ذلك مفسدتان :
الأولى : اغتراره بنفسه.
والثانية : اغترار الناس به. الناس لا يعلمون، فلذلك يجب الحذر.
وقوله: (كان من السلف من لا يصلي على مبتدع), هذه على كل حال إذا كانت البدعة مكفرة فلا شك أن الصلاة عليه لا تجوز لقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنافقين : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } فهذا لا يصلى عليه .
أما إذا كانت غير مكفرة , فهذا ينظر فيما يترتب على ترك الصلاة عليه من المفسدة أو عدمها .
فإذا كان أهل السنة أقوياء وكان أهل البدعة في عنفوان دعوتهم فلا شك أن ترك الصلاة عليهم أولى , لأنه أهل السنة أقوى منهم وهؤلاء في عنفوان دعوتهم ربما إذا تركنا الصلاة عليهم يحصل بذلك ردع عظيم لهم .
وما ذكر عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله , مفتي البلاد السعودية في زمنهم يدل على قوته رحمه الله وصرامته , حيث انصرف عن الصلاة على مبتدع وأيضا الصلاة خلفه , من باب أولى أن يحذر الإنسان منه فإن كانت بدعته مكفرة فالصلاة خلفه مع العلم ببدعته المكفرة لا تصح , لأنه ائتم بمن ليس بإمام , وإن كانت دون ذلك فالصحيح أن الصلاة خلفه صحيحة لكن لا ينبغي أن يصلي خلفه .
وأما ما ذكر عن سهل بن عبد الله التستري الذي لا يبيح أكل الميتة للمبتدع وإن اضطر إلى ذلك , فإن كان هذا المبتدع كافرا فإنه لا يباح له عند الله أكل الميتة ولا أكل المزكاة,
لقوله الله تبارك وتعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا)
ولقوله الله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) فدل هذا على أن الطيبات من الرزق والزينة التي أخرج الله للعباد ليست خالصة لغير المؤمنين يوم القيامة بل يحاسبون عليها .
فإذا كانت بدعته مكفرة فإننا نقول لا يحل له أن يأكل الميتة عند الاضطرار ولا المزكاة عند الاختيار . لكن نقل تب إلى الله من بدعتك المكفرة وكل كما يأكل المؤمنون .
وإن كانت بدعته مفسقة , ففيما قاله رحمه الله نظر , لأن الصحيح أن قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) أي: غير مبتغ لأكل الميتة , ولا عاد : أي غير معتد لأكل ما لا يحتاج إليه .
هذا هو الصحيح في معنى الآية, والدليل على أن هذا هو الصحيح قوله تعالى : ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم )
ومن العلماء من قال إن المراد بالباغي: من بغى على الإمام , وليس كل فاعل معصية , ففي كلام سهل رحمه الله فيه هذا التفصيل .وهو إذا كانت بدعته مكفرة فحرام عليه أن يأكل الميتة والمذكاة ويحاسب بذلك عند الله ، وإن كانت غير مكفرة ففيما قاله نظر، أما طرده من المجالس ؟ فنعم , يطردوه من المجالس، وللشيخ أن يطرد من مجلسه ما دون ذلك إذا رأى من أحد الطلبة أنه يريد أن يفسد الطلب عند زملائه , بحيث يعتدون على الشيخ ولا يهابونه ويحتقرونه , فله أن يطرده , لأن هذا يعتبر مفسدا فيطرد .
والإمام مالك رحمه الله قال : ما أراك إلا مبتدعا , لأن الذين يسألون عن مثل ذلك هم المبتدعة , يسألون كيف استوى ؟ يحرجون بذلك أهل السنة , يقول: أخبرني كيف استوى؟ كيف استواؤه؟ والجواب عن ذلك سهل : أن الله تعالى أخبرنا أنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى .
وهل نعلم كيفية شيء لم نعلم به وهو غائب عنا ؟ أبدا .
لو قال لك قائل: إني بنيت بيتا , فقد علمت أنه بنى بيتا وتعرف كيف بناء البيت , لكن هل تعرف كيفية هذا البيت وما فيه من الحُجَر والغرف؟. الجواب: لا. إذا كنت لم تشاهده.
وهكذا صفات الله عز وجل , أخبرنا عنها ولم نخبر عن كيفيتها .
وقوله: (العامي : من العمى ), لم أعرف أنه مشتق من العمى إلا الآن فينظر في ذلك، هل هو من العمى؟ أو من العموم؟ أي من عموم الناس , والعامي لا شك أنه هو الجاهل الذي لا يعرف والجهل: عمى . فينظر في ذلك.
القارئ :
فيا أيُّها الطالِبُ ! كن سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، واحْذَر الْمُبْتَدِعَةَ أن يَفتِنُوكَ فإنهم يُوَظِّفُون للاقتناصِ والْمُخاتَلَةِ سُبُلًا ، يَفْتَعِلُون تَعبيدَها بالكلامِ المعسولِ – وهو : ( عَسَلٌ ) مَقلوبٌ
الشيخ :
العسل المقلوب كيف يكون؟ لسع.

القارئ :
وهُطولِ الدَّمعةِ ، وحُسْنِ البَزَّةِ ، والإغراءِ بالْخَيالاتِ ، والإدهاشِ بالكَرَامَاتِ ، ولَحْسِ الأَيْدِي ، وتَقبيلِ الأَكْتَافِ ........
وما وراءَ ذلك إلا وَحَمُ البِدعةِ ، ورَهَجُ الفِتنةِ ، يَغْرِسُها في فؤادِك ويَعْتَمِلُكَ في شِرَاكِه ، فواللهِ لا يَصْلُحُ الأَعْمَى لقِيادةِ العِميانِ وإرشادِهم .
الشيخ :
فضلا عن قيادة المبصرين. أليس كذلك؟ الله المستعان.
القارئ :
أمَّا الأَخْذُ عن عُلماءِ السنَّةِ فالْعَق العَسَلَ ولا تَسَلْ .
وفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ ؛ لتَنْهَلَ من مِيراثِ النُّبُوَّةِ صافيًا ، وإلا ، فلْيَبْكِ على الدِّينِ مَن كان باكيًا .
وما ذَكَرْتُه لك هو في حالِ السَّعةِ والاختيارِ ، أمَّا إن كنتَ في دِراسةٍ نِظاميَّةٍ لا خِيارَ لك ، فاحْذَرْ منه ، مع الاستعاذةِ من شَرِّه ؛ باليَقَظَةِ من دَسائسِه على حَدِّ قولِهم : ( اجْنِ الثِّمَارَ وأَلْقِ الخشَبَةَ في النارِ ) ولا تَتخاذَلْ عن الطلَبِ ، فأَخْشَى أن يكونَ هذا من التَّوَلِّي يومَ الزَّحْفِ ، فما عليك إلا أن تَتَبَيَّنَ أَمْرَه وتَتَّقِيَ شَرَّه وتَكْشِفَ سِتْرَهُ .
الشيخ :
هذا احتراز جيد , يعني أنه قد يلجأ إنسان إلى الأخذ عن مبتدع , وذلك في الدراسات النظامية , قد يندب إلى التدريس في علوم العربية أو في علوم أخرى من هو مبتدع ومعروف أنه من أهل البدعة , ولكن ماذا تعمل إذا كانت لا بد أن تدرس على هذا الشيخ ؟ نقول: خذ من خيره ودع شره , إن تكلم أمام الطلاب بما يخالف العقيدة فعليك بمناقشته إن كنت تقدر وإلا فارفعه لمن يقدر على مناقشته , واحذر أن تدخل معه في نقاش لا تستطيع التخلص منه , لأن هذا ضرر، ليس عليك أنت، ضرر على القول الذي تدافع عنه , لأنك إذا فشلت أمام هذا الأستاذ مثلا صار في هذا كسر للحق ونصر للباطل , لكن إذا كان عندك قدرة في مجادلته فعليك بذلك .
وربما يكون في هذا مصلحة للجميع , مصلحة لك أنت يهديه الله على يديك , ومصلحة له هو يهديه الله من بدعته , وهل يقال مثل ذلك في من ابتلوا في الدراسة مع الاختلاط على وجه نظامي ؟ لا، وواحد يقول: نعم , والثاني: يفصل , هاتوا ثالث يفصل، يمكن أن يقال بالتفصيل إن دعت الضرورة لذلك بأن لا يوجد جامعات أو مدارس خالية من ذلك فهنا قد تكون هناك ضرورة , وفي هذه الحال يجب على الطالب أن يبتعد عن الجلوس إلى امرأة أو التحدث معها أو تكرار النظر إليها , يعني بقدر ما يستطيع يبتعد عن الفتنة فأما إذا كان يمكن أن يدرس في مدارس أخرى خالية من الاختلاط , أو بها نصف اختلاط بأن يكون النساء في جانب والرجال في جانب آخر , وإن كان الدرس واحدا فليتق الله ما استطاع .
القارئ :
ومن النُّتَفِ الطريفةِ أنَّ أبا عبدِ الرحمنِ الْمُقْرِئَ حَدَّثَ عن مُرْجِئٍ ، فقيلَ له : لِمَ تُحَدِّثُ عن مُرْجِئٍ ؟ فقالَ : ( أَبيعُكم اللحمَ بالعِظامِ ) .
فالْمُقْرِئُ رَحِمَه اللهُ تعالى حَدَّثَ بلا غَرَرٍ ولا جَهالةٍ إذ بَيَّن فقالَ : ( وكان مُرْجِئًا ) .
الشيخ :
يعني معناه ما من لحم إلا وفيه عظم , فالباء هنا ليست للبدل بل للمصاحبة والمعية ,
فأنا أعلمكم أو أحدثكم بما حدثت به لكن أقول وكان مرجئا , فيكون العظم هنا في وسط اللحم , ولا شك أنه إذا دعت الحاجة إلى التحديث عن شخص صاحب بدعة لا شك أنه يُحَدث عنه لكن يبين حاله .
ما لم تكن بدعته مكفرة فإنه لا يقبل منه الحديث .
القارئ :
وما سَطَّرْتُه لك هنا هو من قَواعدِ مُعْتَقَدِكَ ؛ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ ؛ ومنه ما في ( العَقيدةِ السلَفِيَّةِ ) لشيخِ الإسلامِ أبي عثمانَ إسماعيلَ بنِ عبدِ الرحمنِ الصابونيِّ ؛ قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه ، ولا يُحِبُّونَهُم ، ولا يَصْحَبُونَهم ، ولا يَسْمَعُون كلامَهم ، ولا يُجالسونَهم ولا يُجادلونَهم في الدِّينِ ، ولا يُناظِرُونَهم ، ويَرَوْنَ صَوْنَ آذانِهم عن سَماعِ أباطلهم التي إذا مَرَّتْ بالآذانِ ، وقَرَّتْ في القلوبِ ، ضَرَّتْ ، وجَرَّتْ إليها من الوَساوِسِ والْخَطَراتِ الفاسدةِ ما جَرَتْ ، وفيه أَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولَه : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } ).
الشيخ :
كلام الصابوني رحمه الله يحتاج إلى بيان , فقوله : (ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه)
لا شك أن هذا أمر واجب، على كل مسلم أن يبغض من أحدث في دين الله ما ليس منه , لكن إذا كانت بدعته غير مكفرة فإنه يبغض من وجه ويحب من وجه آخر , لكن بدعته تبغض بكل حال .
ولا يصحبونه , أيضا الصحبة إذا صحبته تأليفا له ودعوة له فلا بأس لكن بشرط أنك إذا أيست من صلاحه تركته وفارقته .
لا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين , ولا يناظرنهم :
كل هذه تحتاج إلى قيود :
لا يسمعون كلامهم , إذا لم يكن في ذلك فائدة , فإن كان في ذلك فائدة بحيث يسمع كلامه ليرى ما عنده من باطل حتى يرد عليه , فإن السماع والاستماع هنا واجب , لأنه لا يمكنك أن ترد على قول إلا بعد أن تعرفه إذ أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره , وأيضا لا تسمع عن أقوال أهل البدع من أعدائهم بل من كتبهم , لأنه ربما تشوه المقالة , فإذا قلت: أنتم تقولون كذا وكذا قالوا: أبدا ما قلنا بهذا , أين كتبنا؟ ولهذا يخطئ بعض الناس حيث يحكم على شخص ببدعة أو بمفسق دون أن يرجع إلى الأصل , لا بد من الرجوع إلى الأصل لأنك إذا قلت لأحد أهل البدع أنتم قلتم كذا وكذا وقالوا لم نقل هذا هذه كتبنا تخسر كل الجولة ، ولا يوثق بكلامك , كذلك أيضا لا يجادلونهم في الدين, هذا يجب أن يقيد , لأن الله تعالى قال : ( وجادلهم بالتي هي أحسن)
فلا بد من المجادلة , كيف نعرف تميز الحق من الباطل إلا بالمجادلة والمناظرة.
نعم المجادلة التي يقصد بها المراء هذه (...) ويتركون , إذا علمنا أن الرجل يجادل مراءاة ما قصده الحق , فهذا (...) ويترك , وانظر إلى قصة أبي سفيان , حيث جعل ينادي يوم أحد: أفيكم محمد , أفيكم ابن أبي قحافة , أفيكم عمر ؟
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تجيبوه) . لماذا ؟
إهانة له وإذلالاً وعدم مبالاة به , فلما قال : أعل هبل , وافتخر بصنمه وشركه , قال : (أجيبوه) . الآن لا يمكن السكوت.
قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : (الله أعلى وأجلّ).
إذا كان صنمك قد علا اليوم فالله أعلى وأجل.
ثم قال : يوم بيوم بدر والحرب سجال.يوم بدر لمن؟ للمسلمين , ويوم أحد؟ لهؤلاء المشركين . قالوا له : لا سواء , قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار .
هذا أيضا افتخر بقومه واستذل المسلمين فلا بد من مجاوبته , قالوا: لا سواء , قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، على كل الحال المجادلة إذا كان المقصود بها بيان الحق كانت واجبة ولا بد منها, وكذلك المناظرة .
يرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات . هذا صحيح , الإنسان الذي يخشى على نفسه من سماع البدع أن يقع في قلبه شيء فالواجب عليه البعد وعدم السماع , وأما إذا كان عنده من اليقين والقوة والثبات ما لا يؤثر عليه سماعها فإنه إن كان في ذلك مصلحة سمعها , واستحببنا له أن يسمعها، وإن لم يكن في ذلك مصلحة قلنا الأولى أن لا تسمعها لما في ذلك من إضاعة الوقت واللغو.
(وفيه أَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولَه : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } )
الآية واضحة , { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } , لكن إذا كنت تريد أن تعرف ما هم عليه من الباطل لترده فإنه لا يدخل في الآية الكريمة .

سؤال : ما هي شروط وحدود إطلاق كلمة مبتدع ؟
الجواب:
هذا يعرف بتعريف البدعة , البدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع وبغير ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه من عقيدة أو قول أو فعل , فقولنا: (التعبد) خرج به الأمور العادية , هذه وإن لم تكن معروفة في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنها لا تضر . لكن إذا فعل الإنسان عبادة يدين الله بها سواء عقيدة أو قول أو فعل فهذه هي البدعة ومن تلبس بها فهو مبتدع .
لكن هل يضلل ويمقت ؟
نقول: لا , حتى تقوم عليه الحجة , ويبين له أن هذه بدعة , فإن أصر حينئذ قلنا إن الرجل فاسق أو كافر حسب ما تقتضيه هذه البدعة .
سؤال: هل الأشعري الذي له خير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن حوزة الدين (...) ؟
إذا كان ينشر بدعته هذا الأشعري يجب أن تبين حاله ولكنه يثنى عليه بما معه من الخير ما لم يحصل بذلك فتنة.

الشيخ:
الذي يبدو لي والله أعلم أنها من العموم ، يعني من عموم الناس، يعني عمومهم ، فالظاهر هذا أنها من العموم، ويدل على هذا أنها تقرن في بعض الأحيان بالخاصة ، لأن الخاصة هم: حاشية الإنسان وأقاربه وأصدقاؤه وما أشبه ذلك، الظاهر أنه من عموم الناس، العامة يعني عموم الناس ، الذين لا يتميزون في شيء، هذا كلام الشيخ بكر كل يخطئ ويصيب .
الكلام السابق كان بحث جديد على كلمة العامّي ، لأن الشيخ بكر قال: إنه من العمى، وطلبت من القارئ أن يبحث الموضوع فتبين لنا أن مقتضى المادة أنه مأخوذ من العموم وأن العامية المنسوب للعامة، يعني عامة الناس، الذين لا يتميزون بشيء يختصون به.
فهذا كان بحث من أجل كلمة العامي.
القارئ :
بسم الله الرحمن الرحيم، قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
وعن سليمانَ بنِ يَسَارٍ أنَّ رَجُلًا يقالُ له : صَبِيغٌ ، قَدِمَ المدينةَ ، فجَعَلَ يَسألُ عن مُتشابِهِ القرآنِ ؟ فأَرْسَلَ إليه عمرُ رَضِي اللهُ عَنْهُ وقد أَعَدَّ له عَراجينَ النخْلِ ، فقالَ : مَن أنت ؟ قال : أنا عبدُ اللهِ صَبِيغٌ ، فأَخَذَ عُرجونًا من تلك العَراجينِ فضَرَبَه حتى دَمِي رأسُه ، ثم تَرَكَه حتى برَأَ ، ثم عادَ، ثم تَرَكَه حتى بَرَأَ ، فدَعَى به ليَعودَ ، فقالَ : إن كنتَ تُريدُ قَتْلِي ، فاقْتُلْنِي قَتْلًا جَميلًا فأَذِنَ له إلى أرْضِه ، وكتَبَ إلى أبي موسى الأشعريِّ باليَمَنِ : لا يُجالِسْهُ أحَدٌ من المسلمينَ .رواه الدارِمِيُّ .
وقيلَ : كان مُتَّهَمًا برأيِ الخوارجِ .
الشيخ :
هذا الحديث إذا صح سنده واتصاله فهو يدل على شدة عمر رضي الله عنه , على أولئك الذين يريدون المتشابه من القرآن , لأنه كان يورد آيات متشابه.
مثلا يقول : ( لا يؤذن لهم فيعتذرون )
ثم يأتي بالآيات الأخرى التي تدل على أنهم يعتذرون ولا يقبل منهم . ويأتي يقول : ( ولا يكتمون الله حديثا )
ثم يأتي بآيات أخرى تدل على إقرارهم بذنوبهم .
وما أشبه ذلك . وهذا لا شك أنه سعي في الأرض بالفساد وتشكيك الناس ، وحقَّ لمن هذه حاله أن يفعل به أمير المؤمنين رضي الله عنه ما فعل .
وفيه أيضا : أن بعض الناس قد يورد المتشابهات لاشتباهها عليه حقيقة وهذا لا يلام , قد يورد المتشابهات لأنه من الأصل لم يركز نفسه على إرادة الجمع بين النصوص , فتجده دائما يتتبع الأشياء المتشابهة ثم يأتي: ما الجمع بين كذا وكذا؟ .
وهذه الحقيقة مهنة ليست جيدة . وأذكر أن محمد الخلوتي رحمه الله , كان له حاشية على متن (الممتع) , وكان كل ما أتى ببحث قال: يحتمل كذا ويحتمل كذا , فلقب عند بعض طلبة العلم بالشكاك لأنه لا يستقر على رأي .
ولهذا ينبغي أن تتخذ لنفسك طريقا بأن تبني على أن الأمور واضحة ولا تتبع المتشابهات , لأنك إن تتبعت المتشابهات ربما تزل .
عرجون النخل : العذق الذي فيه التمر , قال تعالى: ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )

القارئ :
والنوويُّ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ في كتابِ ( الأذكارِ ) : ( بابُ : التَّبَرِّي من أهلِ البِدَعِ والمعاصِي ) .
وذَكَرَ حديثَ أبي موسى رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ من الصالِقَةِ ، والحالِقَةِ ، والشاقَّةِ ) . متَّفَقٌ عليه .
الشيخ :
هذه الثلاث معناها واضح:
الصالقة : هي التي ترفع صوتها بالنياحة .
والحالقة : التي تحلق شعرها تسخطا , وسواء حلقته بالموسى أو نتفته باليد .
والشاقة : التي تشق الجيب عند المصيبة.
وإنما برئ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هؤلاء الثلاث , لعدم رضاهن بالقدر , ومن فعل من الرجال مثلهن فحكمه حكمهن .
لكنه ذكر ذلك لأن الغالب أن هذا يقع من النساء لأن الرجال أشد تحملا من النساء .
القارئ:
وعن ابنِ عمرَ بَراءَتُه من القَدَرِيَّةِ . رواه مسْلِمٌ .
الشيخ :
لأنه لما حدث بأن عندهم قوما يقولون: إن الأمر أُنف : يعني مستأنف وأن الله لم يقدره من قبل . قال للذي بلغه: أخبرهم بأن ابن عمر منهم بريء.
لأنهم أنكروا قضاء الله وقدره السابق.
تدرون من هم القدرية : هل هم الذين يثبتون القدر أم الذين ينفون القدر ؟
الذين ينفون القدر .
وهي نسبة عكسية لأن الذي يسمع القدرية يظن أن المعنى هم الذين يثبتون القدر . والأمر بالعكس , فهي نسبة سلب لا إيجاب , وهؤلاء القدرية يسمون مجوس هذه الأمة , وقد وردت في ذلك أحاديث , ووجه ذلك : أنهم جعلوا للحوادث محدثين , الحوادث الكونية التي من فعل الله أحدثها الله عز وجل كإنشاء الغيم وإنزال المطر وما أشبه ذلك , والحوادث التي تكون من فعل العبد استقل بها العبد , فهم يرون أن العبد مستقل بعمله وأن الله تعالى لا علاقة له به , إطلاقا , ولهذا سموا مجوسا لأنهم كالمجوس الذين يقولون: إن للحوادث خالقين , النور يخلق الخير والظلمة تخلق الشر .

القارئ :
والأمرُ في هَجْرِ المبتدِعِ يَنْبَنِي على مُراعاةِ المصالِحِ وتَكثيرِها ودَفْعِ الْمَفاسِدِ وتَقْلِيلِها ، وعلى هذا تَتَنَزَّلُ المشروعيَّةُ من عَدَمِها ؛ كما حَرَّرَه شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في مَوَاضِعَ .
الشيخ :
إذن عاد الشيخ إلى ما ذكرنا بالأمس وهو أن ينظر إلى المصالح , فإذا رأينا أن من المصلحة أن لا نهجره ولكن نبين الحق , لا نداهنه ونبقيه على بدعته ونقول: أنت على بدعتك ونحن على سنتنا , إذا رأينا من المصلحة هذا فترك الهجر أولى , وإن رأينا من المصلحة الهجر بأن يكون أهل السنة أقوياء وأولئك ضعفاء مهزومين فالهجر أولى .
القارئ :
والمبتدِعَةُ إنما يَكْثُرون ويَظْهَرون ؛ إذا قَلَّ العِلْمُ ، وفَشَا الْجَهْلُ، وفيهم يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رحِمَهُ اللهُ تعالى : ( فإنَّ هذا الصِّنْفَ يَكْثُرُون ويَظهرونَ إذا كَثُرَت الجاهليَّةُ وأَهْلُها ، ولم يكنْ هناك من أَهْلِ العلْمِ بالنُّبُوَّةِ والمتابَعَةِ لها مَن يُظْهِرُ أنوارَها الماحيةَ لظُلمةِ الضَّلالِ ، ويَكشِفُ ما في خِلافِها من الإِفْكِ والشرْكِ والْمُحَالِ ) اهـ .
فإذا اشْتَدَّ ساعِدُك في العِلْمِ ، فاقْمَعْ المبتدِعَ وبِدعتَه بلسانِ الْحُجَّةِ والبيانِ ، والسلامُ .
الشيخ :
صحيح، إذا اشتد ساعدك في العلم , أما إذا لم يكن عندك العلم الوافي في رد البدعة فإياك أن تجادل . لأنك إذا هزمت وأنت سني لعدم قدرتك على مدافعة هذا المبتدع , فهو هزيمة لمن ؟ هزيمة للسنة , ولذلك لا نرى أنه يجوز للإنسان أن يجادل مبتدعا إلا وعنده قدرة على مجادلته .
وهكذا أيضا مجادلة غير المبتدعة - الكفار - لا نجادلهم وإلا ونحن نعلم أننا على يقين من أمرنا , وإلا كان الأمر عكسيا , بدل أن يكون الانتصار لنا ولما نحن عليه من دين وسنة , يكون الأمر بالعكس .
ومن ذلك يعني من قوة الحجة أن يكون معك من يساعدك , كما قال الشاعر :
لا تخاصم بواحد أهل بيت = فضعيفان يغلبان قويا
إذا صار معك أحد فإن حجتك سوف تقوى . لأن هو يقمعهم من الخد الأيمن وأنت تقمعهم من الخد الأيسر ، حتى يضيع. (...)
هنا


*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له و لشيخنا
الثاني والعشرون التلقي عن المبتدع :
احذر "أبا الجهل" المبتدع، الذي مسه زيغ العقيدة ، وغشيته سحب الخرافة ، يحكم الهوى ويسميه العقل ، ويعدل عن النص ، وهل العقل إلا في النص ؟! ويستمسك بالضعيف ويبعد عن الصحيح ، ويقال لهم أيضاً : "أهل الشبهات " ، و "أهل الأهواء "، ولذا كان ابن المبارك رحمه الله تعالى يسمى المبتدعة : "الأصاغر ".
وقال الذهبي رحمه الله تعالى :
"إذا رأيت المتكلم المبتدع يقول : دعنا من الكتاب والأحاديث ، وهات (العقل)، فاعلم أنه أبو جهل ، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دعنا من النقل ومن العقل ، وهات الذوق والوجد ، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حل فيه ، فإن جَبُنْتَ (قال الشيخ : جبنت يعني ضعفت وخفت) منه فاهرب ، وإلا ، فاصرعه ، وابرك على صدره ، واقرأ عليه آية الكرسي ، واخنقه " اهـ.
وقال أيضا رحمه الله تعالى :
"وقرأت بخط الشيخ الموفق قال : سمعنا درسه -أي ابن أبى عصرون - مع أخي أبى عمر وانقطعنا ، فسمعت أخي يقول : دخلت عليه بعد ، فقال : لم انقطعتم عنى ؟ قلت : إنّ أناساً يقولون : إنك أشعري ، فقال : والله ما أنا أشعري. هذا معنى الحكاية " اهـ.
وعن مالك رحمه الله تعالى قال :
"لا يؤخذ العلم عن أربعة : سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس ، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه ، ومن يكذب في حديث الناس ، وإن كنت لا أتهمه في الحديث ، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به ".
فيا أيها الطلب! إذا كنت في السعة والاختيار ؛ فلا تأخذ عن مبتدع : رافضي ، أو خارجي ، أو مرجئ ، أو قدري ، أو قبوري ، وهكذا ، فإنك لن تبلغ مبلغ الرجال - صحيح العقد في الدين ، متين الإتصال بالله ، صحيح النظر ، تقفو الأثر - إلا بهجر المبتدعة وبدعهم.
وكتب السير والاعتصام بالسنة حافلة بإجهاز أهل السنة على البدعة ، ومنابذة المبتدعة ، والابتعاد عنهم ، كما يبتعد السليم عن الأجرب المريض ، ولهم قصص وواقعيات يطول شرحها ، لكن يطيب لي الإشارة إلى رؤوس المقيدات فيها :
فقد كان السلف رحمهم الله تعالى يحتسبون الاستخفاف بهم ، وتحقيرهم ورفض المبتدع وبدعته ، ويحذرون من مخالطتهم ، ومشاورتهم ، ومؤاكلتهم ، فلا تتوارى نار سني ومبتدع.

و كان من السلف من لا يصلى على جنازة مبتدع فينصرف ، وقد شوهد من العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم (م سنة 1389 هـ) رحمه الله تعالى ، انصرافه عن الصلاة على مبتدع.
وكان من السلف من ينهى عن الصلاة خلفهم ، وينهى عن حكاية بدعهم ، لأنّ القلوب ضعيفة ، والشبه خطافة.
وكان سهل بن عبد الله التستري لا يرى إباحة الأكل من الميتة. للمبتدع عند الاضطرار ، لأنه باغ ، لقول الله تعالى : (فمن اضطر غير باغ) الآية ، فهو باغ ببدعته.
وكانوا يطردونهم من مجالسهم ، كما في قصة الإمام مالك رحمه الله تعالى مع من سأله عن كيفية الاستواء ، وفيه بعد جوابه المشهور:"أظنك صاحب بدعة "، وأمر به، فأخرج.
وأخبار السلف متكاثرة في النُّفرة من المبتدعة وهجرهم ، حذراً من شرهم ، وتحجيما لانتشار بدعهم ، وكسرا لنفوسهم حتى تضعف عن نشر البدع ، ولأنّ في معاشرة السني للمبتدع تزكية له لدى المبتدئ والعامي – والعامي : مشتق من العمى ، فهو بيد من يقوده غالباً.
ونرى في كتب المصطلح ، وآداب الطلب ، وأحكام الجرح والتعديل : الأخبار في هذا. فيا أيها الطالب ! كن سلفيا على الجادة ، واحذر المبتدعة أن يفتنوك ، فإنهم يوظفون للاقتناص والمخاتلة سبلا ، يفتعلون تعبيدها بالكلام المعسول – وهو : (عسل) مقلوب - وهطول الدمعة ، وحسن البزة ، والإغراء الخيالات ، والإدهاش بالكرامات ، ولحس الأيدي ، وتقبيل الأكتاف ، وما وراء ذلك إلا وحم البدعة ، ورهج الفتنة ، يغرسها في فؤادك ، ويعتملك (قال الشيخ مصححا: و يَعْتَمِلُكَ) في شراكه ، فوالله لا يصلح الأعمى لقيادة العميان وإرشادهم. أما الأخذ عن علماء السنة ، فالعق العسل ولا تسل. وفقك الله لرشدك ، لتنهل من ميراث النبوة صافياً ، وإلا فليبك على الدين من كان باكياً.
وما ذكرته لك هو في حالة السعة والاختيار ، أما إن كنت في دراسة نظامية لا خيار لك ، فاحذر منه ، مع الاستعاذة من شره ، باليقظة من دسائسه على حد قولهم :"اجن الثمار وألق الخشبة في النار " ، ولا تتخاذل عن الطلب ، فأخشى أن يكون هذا من التولي يوم الزحف ، فما عليك إلا أن تتبين أمره وتتقى شره وتكشف ستره.
ومن النتف الطريفة أنّ أبا عبد الرحمن المقرئ حدّث عن مرجئ ، فقيل له : لم تحدث عن مرجئ ؟ فقال:"أبيعكم اللحم بالعظام ". فالمقرئ رحمه الله تعالى حدث بلا غرر ولا جهالة إذ بين فقال:"وكان مرجئاً ".
وما سطرته لك هنا هو من قواعد معتقدك ، عقيدة أهل السنة والجماعة ، ومنه ما في "العقيدة السلفية " لشيخ الإسلام أبى عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (م سنة 449 هـ)، قال رحمه الله تعالى :

ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ، ولا يسمعون كلامهم ، ولا يجالسونهم ، ولا يجادلونهم في الدين ، ولا يناظرونهم ، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرّت بالأذان ، وقرّت في القلوب ؛ ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت ، وفيه أنزل الله عز وجل قوله :"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره " أ هـ.
وعن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له : صبيغ ، قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ؟ فأرسل إليه عمر رضى الله عنه وقد أعدّ له عراجين النخل ، فقال : من أنت ؟ قال أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ عرجوناً من تلك العراجين ، فضربه حتى دمى رأسه ، ثم تركه حتى برأ ثم عاد ثم تركه حتى برأ ، فدعي به ليعود ، فقال : إن كنت تريد قتلى فاقتلني قتلاً جميلاً فأذن له إلى أرضه ، وكتب إلى أبى موسى الأشعري باليمن : لا يجالسه أحد من المسلمين. [رواه الدارمي].
وقيل: كان متهماً برأي الخوارج.
والنووي رحمه الله تعالى قال في كتاب "الأذكار " :
"باب : التّبرِّي من أهل البدع والمعاصي ".
وذكر حديث أبى موسى رضى الله عنه:"أنّ رسول الله صلي الله عليه وسلم برئ من الصالقة ، والحالقة ، والشاقة ". متفق عليه. وعن ابن عمر براءته من القدريّة. رواه مسلم.
والأمر في هجر المبتدع ينبني على مراعاة المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها ، وعلى هذا تتنزل المشروعية من عدمها ، كما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع.
والمبتدعة إنما يكثرون ويظهرون ، إذا قلّ العلم ، وفشا الجهل. وفيهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"فإنّ هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها ، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال " أ هـ.
فإذا اشتد ساعدك في العلم ، فاقمع المبتدع وبدعته بلسان الحجة والبيان ، والسلام.

الشيخ :
هذا فصل مهم من فصول هذه الرسالة هجر المبتدع وعدم التلقي عنه ، والمؤلف له رسالة في الباب هجر المبتدع.
[ولعلنا نرجئ البحث والحديث في هذا الأدب للغد ، وإن شاء الله في الغد يكون عندنا درس في هذا الأسبوع خلافا للأسابيع الأخرى ، الأسابيع السابقة لم نجعل للأربعاء درسا ، ونجعل إن شاء الله درسنا في الخامسة والنصف على المعتاد ، إن احتاج الوقت معنا أخذنا أيضا المغرب إن سمحتم بذلك ، لأنه ليس عندنا دورة غدا ، ليست هناك دروس في الدورة ، وإن شاء الله لعلنا نتدارس هذا الموضوع نحن وإياكم سويا غدا ، لأنّ فيه ضوابط عديدة وفيه قواعد متنوعة وفيه أحوال مختلفة ، وينبغي أن نتدارس الموضوع في هذه الأمور جميعا ،طيب]

الشيخ :
نشير إلى شيء من القواعد المتعلقة بهذا الأدب ، الأمر الأول والقاعدة الأولى أنّ البدعة تؤثر على ذهن الإنسان فلا يتمكن من التمييز والفهم كما يتمكن صاحب السنة وصاحب المعتقد الصحيح وذلك لأمور :
الأمر الأول : أنّ الفهم والعلم فيه إمداد من الله عز وجل لبعض عباده ، فالله عز وجل يزيد بعض العباد فهما وعلما على غيرهم ، وكلما قرب الإنسان من السنة وابتعد عن البدعة كلما كان فهمه أكثر.
الأمر الثاني : أنّ أهل السنة عندهم طمأنينة وسكون ، وبالتالي فاضطراب النفس ليس موجودا عندهم ، واضطراب النفس يغطي بعض قدرة الإنسان على العلم والتعلم ، ولذلك فنحن نختار أهل السنة لما لديهم من اليقين والطمأنينة والسكينة.
الأمر الثالث : أنّ العلوم يرتبط بعضها ببعض ، والمسائل يرتبط بعضها ببعض ، فعندما تأتي للمبتدع قد لا يثير إليك البدعة لكنه يتحدث في أثر من آثارها ، وبالتالي تظن انقطاع الصلة بين هذه المسألة ومسألة البدعة ، بينما بينهما ترابط ، أضرب لهذا مثلا في أصول الفقه : عندما يأتيك ويبحث لك مسألة : هل الأمر بالشيء نهي عن ضده ، فيأتيك المعتزلي ويقول : الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده ويستدل ولا يذكر منشأ مخالفته ، وهو أنهم يقولون بأنّ الأمر تشترط له الإرادة يعني الإرادة الكونية ، بناء على مذهبهم في القدر لنفي خلق الله لأفعال العباد ، ويأتيك الأشعري في هذه المسألة ويقول : الأمر بالشيء نهي عن ضده من جهة اللفظ ، بناء على بدعتهم في قولهم الكلام هو المعاني النفسية ، بينما مذهب أهل السنة والجماعة يقولون : أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق المعنى وليس من طريق اللفظ ، فعندما تذهب إلى العالم المبتدع فتدرس عليه هذه المسألة لا يشير إلى الأساس العقدي لها فمن ثَمّ تنطلي عليك المسألة ، هكذا أيضا في مبحث النحو ، هناك مسائل نحوية لها علاقة بمباحث عقدية ، عندما تأتي إلى نحوي مبتدع قد يأتيك بأثر البدعة وتنطلي عليك ولا يذكر لك أساس البدعة ومن هنا لا تربط بين الأساس والأثر ، والنحو فيه مسائل كثيرة مبنية على أمور عقدية ، مثال ذلك يقول القائل : النفي بلن أو لن تدل على النفي المؤبد ، حرف لن يدل على النفي المؤبد ويقرر لك هذا الأمر ويمثل له بقوله تعالى مثلا : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ، ويقول : هذا للنفي المؤبد فتنطلي عليك وتستقر في نفسك حتى إذا جاءك قول الله تعالى : (قَالَ لَنْ تَرَانِي) نفيت الرؤيا في الدنيا والآخرة ، من أين نشأ هذا؟ من استقرار المعلومة في ذهنك التي أخذتها من هذا المبتدع.
الأمر الرابع : أنّ في أخذ الناس عن المبتدع رفعا لشأنه عندهم ، ومن ثَمّ يُقْبل الناس عليه فيأخذوا ما لديه من غث وسمين ، صحيح أنت لم تدرس عنده إلا النحو ، لكنك بدراستك عنده وضعت له مكانة فأقبل الناس عليه فدرسوا المعتقد والأصول والفقه والنحو عنده ، فحينئذ تكون سببا في ضلال غيرك لأخذه من هذا المبتدع.
الأمر الخامس : أنّ ارتباطك بالمبتدع ودراستك عليه يجعل الناس ينسبونك إلى تلك البدعة التي عند هذا المعلم ، صحيح أنت لم تدرس عنده إلا هذا العلم ، لكنّ الناس شاهدوك عنده وشاهدوك تتعلم منه ، فحينئذ نفروا منك ، لأنهم يظنون أنّ البدعة التي عند الشيخ انتقلت إليك ، والبدعة أخف من الشرك ، فإذا كان هذا التحذير من المبتدع فالتحذير من أهل الشرك من باب أولى ، فإذا وجد من يعرف النحو لكنه يصرف العبادة لغير الله ، ويذهب إلى الولي ويدعوه من دون الله فهذا أولى بالهرب منه ، ولا يصح أن يجعل له مكانة ومنزلة ، والبدعة : هي الطريقة المخترعة في الدين بأن ينسب إلى الدين ما ليس منه ، وقد تكون البدعة في المعتقد وهي أشد ، وقد تكون في العمل.
قال المؤلف : (احذر أبا جهل المبتدع) لأنّ المبتدع إنما نشأ ابتداعه من أمور من الجهالات: إما بتأخير النصوص وعدم تحكيمها ، أو لكونه يتحكم في الأخذ من النصوص بما يراه ، فهو ينتقي من النصوص ما يوافق بدعته ، و لا يجعل اعتقاده تابعا للنص ، ثم هو أيضا ثالثا : يحرف دلالات النصوص لتتوافق مع بدعته ، وهذا كله جهل؛ إما جهل بسيط أو جهل مركب ، والجهل البسيط ألا يكون لديك معلومة لا بإثبات ولا بنفي ، زيد خلف الجدار تقول : لا أعلم هذا جهل بسيط ، والجهل المركب أن يكون علمك مخالفا للواقع ، كما لو قلت : زيد خلف الجدار ، قال : نعم خلف الجدار وهو ليس كذلك ، هذا جهل مركب ، والمبتدعة لا يخلون من أحد هذين الجهلين.
قال : (مسه زيغ العقيدة) الزيغ : هو الميلان قال تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) ، (و غشيته سحب الخرافة) ، الخرافة : هي الأدلة غير الصحيحة ، ويقولون : أنّ منشأ الخرافة رجل بهذا الاسم كان يحدث أنّ الجن أخذوه ووقع ما وقع بينه وبينهم من حوادث ووقائع فكان يروي أحوالهم ووقائعهم ، فسمي كل كلام غير مقبول بهذا الاسم يقال : حديث خرافة.
قال : (يحكم الهوى) يعني يقدم ما ترغبه نفسه أو ما يراه بعقله ويسمي هذا الهوى الذي في قلبه يسميه (العقل) ، وهو ليس من العقل في شيء ، (ويعدل عن النص) والعقل في النص ، ومن جاء بكلام يقول : العقل يخالف النص فإنّ كلامه جهل وليس بعقل ، ولذلك صاحب الهوى إذا ورد عليه الدليل الضعيف الذي يوافق هواه أخذ به ، وإذا ورد عليه الدليل القوي الذي يخالف هواه تركه وأوله وحرفه ، وهؤلاء يقال لهم : (أهل الشبهات) لأنّ الشياطين ألقت في قلوبهم الشبهات ظنوها معقولات فجعلتهم يتركون النصوص ، ويسميهم أهل السنة ؛ أهل السنة يسمون هؤلاء (أهل الأهواء) لأنهم يقدمون هواهم عل مدلول النصوص ، وكان ابن المبارك يسميهم (الأصاغر).
ذكر المؤلف أنّ الناس منهم من يقول الحجة في المطالب العقدية العقول ويقصد ما يراه بعقل نفسه ، فهذا مبتدع ولا يقولن قائل : كيف تردون دلالة العقل ، لأننا لا نرد دلالة العقل الصحيحة ، وإنما هو يريد أن يجعل قناعاته هي العقل ، بينما ما في عقله يمكن أن يكون فيه شبهة أوردته للخطأ في المعتقد ، ويمكن أن تكون الشياطين ألقت في عقله وساوس جعلته يبتعد عن الحق ، ويمكن أن يكون قد خفيت عليه بعض أوجه الحق لخفاء دليله ، وظن أنّ ما لديه هو العقل.

وإذا جاءك أهل التصوف و قالوا : نسير على الذوق والوجد والإلهام وما يلقيه الله في قلوبنا ، هؤلاء أيضا مبتدعة فإنّ الشياطين تلقي في قلوبهم وساوس يظنونها إلهاما ، وقد يأتيهم الشيطان ويقول : أنا ملك فيأخذون منه ، و حينئذ احذر من عدوك الشيطان لأنه قد يلقي في قلبك و في عقلك وساوس تظنها أدلة وعقليات و يقينيات ، وما هي إلا جهالات ، ومن هنا ينبغي أن تتخذ الأسباب التي تجعلك ما تستجيب لوساوس الشيطان.
[انقطاع في التسجيل]

أن تكثر من قراءة القرآن ، وأن تكثر من التهليل ، وأن تكثر من ذكر الله لئلا يلقي الشيطان في قلبك هذه الشبهات فتكون من المبتدعين .
ذكر المؤلف حادثة الموفق مع أخيه أبي عمر والد صاحب الشرح الكبير ، وذكر أنهم جاؤوا إلى شيخهم بعد انقطاع أو قابلوا شيخهم بعد انقطاع فقال لهم : لما انقطعتم عني قالوا قد قيل إنك أشعري ، فلما قيل إنه أشعري تركوه ودرسه.
الإمام مالك يقول : (أربعة لا يؤخذ العلم عنهم) أولهم : (سفيه) وهو الذي يتصرف بتصرفات غير محسوبة النتائج ولا يفكر في عواقب تصرفاته وإن كان أروى الناس ، وكذلك لا يؤخذ العلم عن (صاحب بدعة يدعو إلى هواه) إذ قد يلتصق بنفسك ما عنده من بدعة ، و كذلك لا يؤخذ العلم من (الكذاب الذي يكذب في حديث الناس) ، وإن كان لا يكذب في الحديث النبوي أو في العلم ، لأنّ من تجرأ على الكذب على الناس قد يتجرأ على الكذب في الأحكام الشرعية ، كذلك من كان (سيئ الحفظ) فإنه لا يؤخذ منه ولو كان عابدا فاضلا صالحا.
المؤلف قال : في زماننا هذا الناس على صنفين ، طلبة العلم على صنفين :
الصنف الأول : من كان يختار مشايخه ، فهذا يوصى بأن لا يأخذ العلم عن مبتدع ، واستند المؤلف في هذا إلى كلام الأئمة في التحذير من المبتدعة والتحذير من الاقتراب منهم والتوجيه بمنابذتهم والابتعاد عنهم ، وكان السلف يحتسبون تحقير أهل البدع ويحذرون من مخالطتهم ومآكلتهم ، وذكر المؤلف أنّ الشيخ محمد بن إبراهيم ترك الصلاة على مبتدع ، والصلاة على أصحاب المعاصي والذنوب والبدع يشرع أن يتركها أهل الفضل والمكانة من أجل أن يحذر الناس مما لدى هؤلاء من المعاصي والبدع ، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه ، وعلى الغال ، وعلى من عليه دين ، و أذن لأصحابه بأن يصلوا عليه من أجل أن يحذر الناس من فعل هؤلاء ، ذكر المؤلف رأي سهل بن عبد الله التستري في أكل المضطر المبتدع من الميتة ، وهذا اجتهاد منه رحمه الله وقد لا يوافقه غيره في هذا ، وقد أمر الإمام مالك بإخراج من سأل عن كيفية الإستواء ، الفائدة من هذا قال المؤلف : حذرا من شرهم لئلا يقع في نفسك شيء من بدعهم بدون أن تشعر.
و ثانيا : تحجيما لانتشار بدعهم لأنّ الناس إذا رفعوه بدؤوا يأخذون منه في بقية العلوم فانتشرت البدع التي لديهم.
قال ثالثا : كسرا لنفوسهم بحيث لا يصبح لهم مكانة ولا منزلة فمن ثَمّ لا يتمكنون من نشر البدع.
ورابعا : هربا من تزكية المبتدعة خصوصا عند المبتدئين.

ثم بعد ذلك قال : (كن سلفيا على الجادة و احذر المبتدعة أن يفتنوك فإنهم يوظفون للاقتناص والمخاتلة سبلا) يريدون أخذ طلاب العلم و إبعادهم عن طريق السلف ، وبالتالي قد تجد عندهم كلام طيب لين سهل من أجل اقتناصك قال : (وهو عسل مقلوب) ، يعني لسع ، كلامهم عسل في الظاهر لكن في حقيقته مقلوب يعني لسع ، وقد يظهرون لك هطول الدمعة ، وحسن الثياب ، والإغراء بالكلام البلاغي ، وقد ينقلون روايات عن الكرامات ونحو ذلك ، فلا تغتر بهؤلاء ، ثم ذكر (أما الأخذ عن علماء السنة فالعق العسل ولا تسل) لأنّ عندهم ميراث النبوة قد أخذوه والسنة والتوحيد.
القسم الثاني : من كان في دراسة نظرية ، وبالتالي يُلزَم بأن يدرس على هذا المبتدع ، فحينئذ يدرس الإنسان عليه وينتقي معلوماته ويقارنها ويتيقظ من دسائسه ، ولا يقول الإنسان : سأتوقف عن التعلم من أجل هذا المبتدع ، لأنّ هذا يخُشى من أن يكون من (التولي يوم الزحف).
ثم ذكر المؤلف ما يتعلق بالحديث عن المرجئ ، قال أبو عبد الرحمن المقرئ : لما لا تحدث عن مرجئ ، قال : أبيعكم اللحم بالعظام ، يعني أترك اللحم الذي تستفيدون منه ثم أحدثكم بالعظام ، وذكر المؤلف نقلا عن الصابوني فيما يتعلق بمعتقد أهل السنة والجماعة بمثل هذا وجماعة من الصحابة والتابعين.
ثم ذكر كلام قال : (المبتدعة إنما يكثرون ويظهرون إذا قلّ العلم وفشا الجهل) ولذلك يجب علينا أن نحتسب الأجر في بث العلم وتعليم الناس من أجل أن ننفي هذه البدع ، قال شيخ الإسلام : (فإنّ هذا الصنف) يعني أهل البدع ، (يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها ، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال) ، (فإذا اشتد ساعدك في العلم) واستفدت العلم ، فقم (بقمع البدع) وبيان مخالفتها للشرع ، وإذا أمكن ألا تقيم للمبتدع وزنا بعدم ذكر اسمه فهو أولى وأحسن ، لأنّ ذكر الموحد للمبتدع يرفع من شأنه ، هل تعرفون حفص الفرد ؟ ، هل تعرفون بشر المريسي ؟ هؤلاء مبتدعة ذكر الأئمة أسماءهم فعُرفت واشتهرت ، حتى لو بحثت عن ترجمة هؤلاء ما تجد لهم ترجمة ، هناك مبتدعة كثر لم يُلتفت إليهم ، ولم يتكلم الأئمة بأسمائهم فلم يكن لهم ذكر ولا تاريخ ، ولذلك إذا كان المبتدع يمكن إهماله وعدم ذكر اسمه فهو أولى ، نأخذ ما لديهم من البدع فنكشفها ونبين زيفها ونبين المعتقد الصحيح في مثل ذلك ، وبذلك نكون قد رددنا الهدف الذي يقصدون ، وكم من شخص يتكلم بالبدعة من أجل أن يشتهر ويُعرف فعامله بنقيض قصده بإهماله وعدم ذكر اسمه.
نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين ، هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هنا
1أَنْشَدَ الخطابي:
حُجَجٌ تَهَافَتْ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا ... حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ
فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالُ حُجَجِهِمْ فَأَيُّ لَغْوٍ بَاطِلٍ وَحَشْوٍ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا؟
وَكَيْفَ يَلِيقُ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَنْسُبُوا إلَى الْحَشْوِ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؟ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ عِلْمًا وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَسَكِينَةً؛ وَهُمْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ؛ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ؛ وَهُمْ بِالْحَقِّ يُوقِنُونَ لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَمْتَرُونَ. فَأَمَّا مَا أُوتِيَهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَخَوَاصُّهُمْ مِنْ الْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْهُدَى: فَأَمْرٌ يَجِلُّ عَنْ الْوَصْفِ. وَلَكِنْ عِنْدَ عَوَامِّهِمْ مِنْ الْيَقِينِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَئِمَّةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ مَشْهُودٌ لِكُلِّ أَحَدٍ... "
"
2
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( 39 ) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ( 40 ) )

هَذَانِ مَثَلَانِ ضَرَبَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَوْعَيِ الْكُفَّارِ ، كَمَا ضَرَبَ لِلْمُنَافِقِينَ فِي أَوَّلِ " الْبَقَرَةِ " مِثْلَيْنِ نَارِيًّا وَمَائِيًا ، وَكَمَا ضَرَبَ لِمَا يَقَرُّ فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ فِي سُورَةِ " الرَّعْدِ " مَثَلَيْنِ مَائِيًّا وَنَارِيًّا ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ : فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاةِ إِلَى كُفْرِهِمُ ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ ، وَلَيْسُوا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى شَيْءٍ ، فَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَانِ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ بُعْدٍ كَأَنَّهُ بَحْرٌ طَامٌّ . [ ص: 71 ] وَالْقِيعَةُ : جَمْعُ قَاعٍ ، كَجَارٍ وَجِيرَةٍ . وَالْقَاعُ أَيْضًا : وَاحِدُ الْقِيعَانِ ، كَمَا يُقَالُ : جَارٌ وَجِيرَانٌ . وَهِيَ : الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْمُتَّسِعَةُ الْمُنْبَسِطَةُ ، وَفِيهِ يَكُونُ السَّرَابُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ . وَأَمَّا الْآلُ فَإِنَّمَا يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ ، يُرَى كَأَنَّهُ مَاءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا رَأَى السَّرَابَ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَاءِ ، حَسِبَهُ مَاءً فَقَصَدَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ ( لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) ، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلًا وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّلَ شَيْئًا ، فَإِذَا وَافَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا ، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَالِهِ ، لَمْ يَجِدْ لَهُ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبِلَ ، إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ ، وَإِمَّا لِعَدَمِ سُلُوكِ الشَّرْعِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) [ الْفَرْقَانِ : 23 ] .

وَقَالَ هَاهُنَا : ( وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) . وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ،وَمُجَاهِدٍ ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْيَهُودِ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ . فَيُقَالُ : كَذَبْتُمْ ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ، مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ : أَيْ رَبَّنَا ، عَطِشْنَا فَاسْقِنَا . فَيُقَالُ : أَلَا تَرَوْنَ؟ فَتُمَثَّلُ لَهُمُ النَّارُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيَنْطَلِقُونَ فَيَتَهَافَتُونَ فِيهَا .
يرجع لألفاظ الحديث في الدرر السنية

تفسير ابن كثير
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-06-2018, 03:57 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,253
Post

الفصلُ الرابعُ
أدَبُ الزَّمَالةِ
القارئ :

23- احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذ الطَّبيعةُ نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ ).
وعليه فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ .
الشيخ العثيمين:
هذه الكلمات مأخوذة من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( مثل الجليس الصالح كحامل المسك) (ومثل الجليس السوء كنافخ الكير )
فعليك باختيار الصديق الصالح الذي يدلك على الخير ويبينه لك ويحثك عليه ويبين لك الشر ويحذرك منه , وإياك وجليس السوء , فإن المرء على دين خليله , وكم من إنسان مستقيم قُيد له شيطان من بني آدم فصده عن الاستقامة , وكم من إنسان جائر قاسي يُسر له من يدله على الخير بسبب الصحبة .
وبناء على ذلك نقول : إذا كان في مصاحبة الفاسق سبب لهدايته فلا بأس أن تصحبه, وتدعوه إلى بيتك , وتأتي إلى بيته تخرج معه للتمشي بشرط أن لا يقدح ذلك في عدالتك عند الناس , وكم من إنسان فاسق هداه الله تعالى بما يسر له من صحبة الخير .
وقول الشيخ بكر وفقه الله : الناس كأسراب القطا سبق أن هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو حقيقة فالناس يتبع بعضهم بعضا.
وقوله: ( الدفع أسهل من الرفع ) هذه قاعدة فقهية ذكرها ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية أن الدفع أسهل من الرفع وفي معناها قول الأطباء : الوقاية أسهل من العلاج , لأن الدفع ابتعاد عن الشر وأسبابه , لكن إذا نزل الشر صار من الصعب أن يرفعه الإنسان .
لا هذا غلط هذا من وحي الشيطان أن يقع الإنسان في عرض العلماء، إذا وقع الإنسان في أعراض العلماء فإن معتد ظالم وليست غيبة العلماء كغيبة العامة لأن غيبة العلماء فيها مفسدة خاصة ومفسدة عامة، المفسدة الخاصة بالنسبة لهذا العالم، والمفسدة العامة بالنسبة لما يحمله من علم فإن الناس إذا سقط الإنسان من أعينهم لم يقبلوا منه صرفا ولا عدلا فيكون في هذا جناية على الشريعة التي يحملها هذا العالم والإنسان الناصح هو الذي إذا رأى من أحد من العلماء أو طلبة العلم أو عامة الناس إذا رأى ما ينكره أن يتصل بالعالم أو طالب العلم أو العامي ويتبين الأمر فقد يكون ما تظنه أنت خطأ وقد يكون صوابا لا لعين هذا الفعل ولكن لما يلابسه من أحوال تستدعي أن يقوله هذا العالم أو أن يفعله هذا العالم لأنه قد يكون الشيء منكرا في حد ذاته لكن يفعله بعض الناس لمصلحة أكبر لهذا نرى أن أولئك الذين يقعون في أعراض العلماء أنهم قد جنوا على العلماء وعلى ما يحملونه من علم والواجب توقيظ العالم لا سيما العالم الذي عرف بأنه يريد الحق ويجتهد في طلبه ولكنه قد يزل وهذا أمر لا يسلم منه البشر (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)
القارئ :
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:

وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ .

القسم الأول: صديقُ مَنْفَعَةٍ .

القسم الثاني: صديقُ لَذَّةٍ .

القسم الثالث: صديقُ فَضيلةٍ.

فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .

وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهو الذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما . وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .

ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ

ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ )

الشيخ :

يعني العزلة: احذف العين: تكون زلة، والثاني من غير زاي الزهد: علة، يعني احذف الزاي تكون علة، إذا لا بد من علم ولا بد من زهد، قبل أن ينعزل الإنسان عن الناس . طيب هؤلاء الأصدقاء , قسمهم إلى ثلاثة أصدقاء :

صديق منفعة : وهو الذي يصادقك مادام ينتفع منك بمال أو جاه أو غير ذلك , فإذا انقطع الانتفاع فهو عدوك لا يعرفك ولا تعرفه .. وما أكثر هؤلاء , ما أكثر الذين يلمزون في الصدقات إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون , صديق لك حميم ترى أنه من أعز الناس عندك وأنت من أعز الناس عنده يسألك يوما من الأيام يقول : اعطني كتابك أقرأ به . فتقول : والله الكتاب أنا محتاجه اليوم أعطيك إياه غداً فينتفخ عليك ويعاديك . هل هذا صديق ؟ هذا صديق منفعة (...)

والثاني . صديق لذة : يعني لا يصادقك إلا لأنه يتمتع بالجلوس إليك والمحادثات والمآنسات والمسامرات , ولكنه لا ينفعك ولا تنتفع منه أنت , كل واحد منكم لا ينفع الآخر . ليس إلا ضياع وقت فقط . هذا أيضاً احذر منه أن يُضيع أوقاتك .

والثالث . صديق فضيلة : .يحملك على ما يزين وينهاك عن ما يشين ويفتح لك أبواب الخير ويدلك عليه وإذا زللت نبهك على وجه لا يخدش كرامتك , هذا هو صديق الفضيلة
كلمة صديق منفعة من أوسع هذه الأقسام , لأن المنافع كثيرة جدا , فإذا رأيت هذا الرجل لا يصادقك إلا حيث ينتظر منفعتك فاعلم أنه عدو وليس بصديق, كذلك صديق اللذة الذي يشغلك ويلهيك , بالتمتع بالسمر وإضاعة الوقت في الخروج للمنتزهات وغير ذلك أيضا هذا لا خير فيه .
الذي يجب أن تعض عليه بالنواجذ هو صديق الفضيلة . يحملك على كل فضيلة وينهاك عن كل رزيلة (...) نحن الآن بدأنا تقسيم الأصدقاء إلى ثلاثة أقسام: صديق منفعة وصديق لذة وصديق فضيلة، وقلنا استمسك بغرز صديق الفضيلة.
هنا

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
الشيخ:
من فضل الله عزوجل علينا أن أخذنا شيئا من آداب طالب العلم، وكنا قد أخذنا ثلاثة أقسام:
الأول: أدب الطالب في نفسه.
والثاني: في كيفية الطلب والتلقي.

والثالث: في أدب الطالب مع شيخه.
ولعلنا إن شاء الله جل وعلا نواصل في الحديث في ذلك، من خلال معرفة أدب طالب العلم تجاه زملائه.
ونقرأ في كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبدالله أبي زيد رحمه الله تعالى.

القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :

الفصلُ الرابعُ (أدَبُ الزَّمَالةِ)
23-احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذالطَّبيعةُ نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ).
وعليه فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ :
صديقُ مَنْفَعَةٍ .
صديقُ لَذَّةٍ .
صديقُ فَضيلةٍ.
فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهوالذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما .وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ ( م سنةَ125هـ ) قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ) .
الشيخ:
هذا هو الأدب الثالث والعشرون لطالب العلم.
اختيار القرين الذي يعين الإنسان في طلب العلم ، والبعد عن قرين السوء ، الذي يُشغل الإنسان عن طلب العلم ، وقد جاءت النصوص الشرعية بالترغيب في اختيار قرناء صالحين يعينون الإنسان على الخير.
كما جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يُحذيك ، وإما أن تبتاع منه –يعني تشتري- ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة"

وفي سنن أبي داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
وقد قال جل وعلا: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)
ومن هنا جاءت الشريعة في الترغيب في اختيار الأصدقاء الطيبين ، والمرء يستفيد من اثنين في مسألة القدوة:

من يراه مثلا له فحينئذ يقتدي به ، ومن هنا جاءت الشريعة بالأمر بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )
وكذلك فيما يتعلق بالأصدقاء ؛ فإنّ الصديق يُؤخذ من أخلاقه من حيث لا يشعر المرء ، والناس عندما يتعاونون على الحق والخير يجتمعون على ذلك ، وإذا انعزل الإنسان ولم يجد له معاونا على الخير قد تضعف نفسه ، لكن إذا وجد أخا له كلما ضعفت نفس أحدهما ، قوّته القوّة الموجودة في نفس الآخر ، وبالتالي يؤدّون ويستمرون على العمل الصالح.
ومن ذلك طلب العلم ، فإنّ النفس ملولة، فإذا وجدت طالبا يعينك على طلب العلم ، حينئذ كلما ملّت نفسك انتقلت إلى زميلك ليقوم بتنشيط نفسك على طلب العلم ، ثم إنّ إبقاء النفس على حال واحدة يجعلها تملّ ، وذلك أنّ المرء إذا قرأ وحده وذاكر وحده تمل نفسه ، فإذا وجد أصدقاء خير يذاكر معهم ، مرة يذاكر وحده ، فإذا ملّت النفس انتقل إلى قرنائه فذاكر معهم.
قال المؤلف: (فإنّ العرق دسّاس) يعني أنّ العرق ولو كان خفيا فإنه يسحب ويؤثر على ما يرتد إليه ذلك العرق ، وقد ورد هذا في حديث كثير من أهل العلم يقولون بأنه لا يعوّل عليه ، وهذا في الزوجة ، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر باختيار الزوجة التي في منبت طيب ، وذكر أنّ العرق دسّاس ، لكن أهل العلم يقولون بأنّ هذا خبر لا يعوّل عليه.
قال: (فإنّ أدب السوء دساس) يعني أنّ صديق السوء سيؤثر على صديقه.
قال: (إذ الطبيعة نقالة) يعني أنّ الطبائع والأخلاق تنتقل من شخص إلى شخص.
(والطباع سراقة) يعني أنّ النفوس تقتدي بمن حولها ، وتفعل مثل أفعالها ، ولو من حيث لا تشعر.

(والناس مجبولون على تشبه بعضهم ببعض فاحذر معاشرة من كان كذلك) يعني من كان سيئا.
(فإنه العطب) يعني سبب الهلاك ، دنيا وآخرة ، والدفع بترك صحبة هؤلاء ، أسهل من الرفع ؛ الذي هو مصاحبتهم ثم قطع تلك الصحبة.
فقبل أن تصاحبهم امنع نفسك من مصاحبتهم ، فإنّ نفسك إذا تعلقت معهم ، قد تعجز عن قطع تلك الصحبة.
ونضرب لذلك أمثلة :
المثال الأول: أصحاب المخدرات والخمور ، إذا صاحبهم الإنسان ، فإنهم سيجرّونه إلى فعلهم شيئا فشيئا ، حتى يُبتلى بهذا الأمر ، ويكون مماثلا لهم ، وإن كان في الأول يقول : لن أقدم على فعل هذه الأمور، لكنه مع الزمن تضعف نفسه قليلا قليلا.

مثال آخر : أصحاب المعاصي ، فإنهم يجرّون صاحبهم على معاصيهم كالفواحش ، والنظر في وجوه النساء والتلذذ بالحديث معهن ، فإنّ من صاحب من كان كذلك أصبح مثلهم.
(وعليه) يعني بناء على ما سبق.
(فتخيّر للزمالة والصداقة من يُعينك على مطلبك) يعني على الهدف الذي تقصده.
(ويقرّبك إلى ربك) بحيث يكون معينا لك على طاعة الله ، ومن أعظم أنواع الطاعة كما سبق طلب العلم.
فاختر الصديق الذي يعينك على التقرب إلى رب العزة والجلال ، بأن يكون معينا لك على طلب العلم ، وبالتالي تتوافق الأهداف عندك وعنده ، أما إذا كان يهدف لشيء وأنت تهدف إلى شيء آخر ، فحينئذ لن يكون بينكما تلك الألفة ، إلا أن تنجرف إلى غرضه ، أو ينجرف إلى مقصدك.
ثم قسم المؤلف الأصدقاء إلى ثلاثة أقسام :

(الأول: صديق المنفعة) مثال ذلك ؛ شخص بينك وبينه تجارة ، هذا صديق منفعة‍‍، فحينئذ هذه الصداقة لا حرج على الإنسان فيها ، لكنها مرتبطة بهذه المنفعة إذا انقطعت التجارة انقطعت تلك الصحبة ، وهذا ليس من المحبة الإيمانية في شيء.
النوع (الثاني : صديق لذّة) كمن اجتمعوا على جلسة ، أو على لعب ، أو على لهو ، هؤلاء أصدقاء لذّة ، إذا كان عندهم لذّة أو ملّوا منها انقطعت صداقتهم ، وقد تكون تلك اللّذة لذّة مباحة ، وقد تكون لذّة محرمة فيعظم الإثم بها.
وقطع تلك الصداقة أولى للعبد في دنياه وآخرته ، لأنها وإن كانت لذّة مباحة ، إلا أنها تضيّع وقت العبد ، وتشغله عن الهدف الذي خلق من أجله.

(النوع الثالث: صديق الفضيلة) وهو الذي اجتمعت معه على اكتساب فضائل سواء كانت تلك الفضائل ؛ فضائل عملية ، كاجتماعهم على صوم أو صلاة أو اعتكاف في مسجد أو نحو ذلك ، أو كانت فضائل علمية ، كطلب علم عند شيخ أو عالم.
فالصديقان الأولان تنقطع صداقتهما بانقطاع موجب تلك الصداقة ، أي موجِب بكسر الجيم هو السبب ، بينما الموجَب بفتح الجيم هو الأثر ، فالموجِب بكسر الجيم هو السبب ، والموجَب بفتح الجيم هو الأثر ، فإذا انقطعت المنفعة عند الأول انقطعت الصداقة ، وإذا انقطعت اللذة عند الثاني انقطعت الصداقة ، والصداقة فيهما ليست من أسباب الأجر والثواب ،
أما الثالث فالتعويل عليه وبمجرد تلك الصداقة يحصل الأجر العظيم ، وقد جاء في الحديث : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم : رجلين تحابّا في الله اجتمعا عليه –يعني على الله محبة وإيمانا ليعين بعضهما بعضا على طاعة الله- رجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه" يعني لمّا جاءهما سبب التفرق كانا على المحبّة الإيمانية الأولى ، وهذا التفرّق قد يكون في سفر وقد يكون في موت وقد يكون بسبب آخر من الأسباب.
قال : (وأما الثالث فالتعويل عليه ، وهو الذي باعث صداقته تبادل الاعتقاد في رسوخ الفضائل لدى كل منهما) فالسبب في هذه الصداقة رغبة كل منهما أن يتبادلا في الخير ، وأن يعين بعضهما بعضا في رسوخ الفضائل.
وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : "وجبت محبتي للمتحابّين فيَّ ، والمتزاورين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ"
قال: (وصديق الفضيلة هذا "عملة صعبة") يعني أننا لا نجدها في كل وقت، وأنها عسيرة الحصول.
(يعز الحصول عليها) يعني يندر.‍

ثم جاء بكلام الخليفة هشام بن عبدالملك :
(ما بقي من لذات الدنيا شيء إلا أخ أرفع مؤونة التحفظ بيني وبينه)
قال المؤلف : (العزلة من غير عين العلم زلة)كلمة العزلة ، يعني انفراد الإنسان وحده ، إذا حُذِفت منها العين أصبحت زلة ، ولذلك إذا اعتزل لابد منه أن يكون معه علم.
كذلك كلمة العزلة ؛ إذا حُذِف منها الحرف الثاني وهو الزاي ، زاي الزهد ، أصبحت علة ، فالعزلة لابد فيها من علم وزهد.
أما إذا انعزل الإنسان وحده وكان غير عالم ، أصبح عنده جهل ، ومن ثَمّ يؤدّي ذلك إلى ضلال بكونه يتقرّب إلى الله بطرائق جاهلية، بطرائق الجهّال.

وكذلك العزلة وانفراد الإنسان وحده إذا لم يكن معه زهد فإنه مرض ، وهو سبب من أسباب الأمراض النفسية التي ترد على الإنسان.
والعزلة في الأصل غير محمودة وغير مرغوب فيها ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخالط الناس فينصح ، ويعلّم ، ويعطي ، ويتكرّم ، ويفعل الخير مع غيره.نعم.

هنا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-06-2018, 03:59 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,253
root

الفصلُ الخامسُ
آدابُ الطالبِ في حياتِه العِلْمِيَّةِ

24- كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
القارئ :
الفصل الخامس آداب الطالب في حياته العلمية:
الأمر الرابع والعشرون- كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ، فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا باسطًا يَدَيْكَ إلا لِمُهِمَّاتِ الأمورِ .

الشيخ :
وهذا من أهم ما يكون، أن يكون الإنسان في طلب العلم له هدف ليس مراده مجرد قتل الوقت بهذا الطلب بل يكون له همة , ومن أهم همم طالب العلم أن يريد القيادة والإمامة للمسلمين في علمه , ويشعر أن هذه درجة هو يرتقي إليها درجة درجة حتى يصل إليها , وإذا كان كذلك فسوف يرى أنه واسطة بين الله عز وجل وبين العباد في تبليغ الشرع , هذه مرتبة ثانية , وإذا شعر بهذا الشعور فسوف يحرص غاية الحرص على اتباع ما جاء في الكتاب والسنة معرضاً عن آراء الناس , إلا أنه يستأنس بها ويستعين بها على معرفة الحق , لأن ما تكلم به العلماء رحمهم الله من العلم لا شك أنه هو الذي يفتح الأبواب لنا , وإلا لما استطعنا أن نصل إلى درجة أن نستنبط الأحكام من النصوص أو نعرف الراجح من المرجوح وما أشبه ذلك .
فالمهم أن يكون الإنسان عنده همة , وهو بإذن الله إذا نوى هذه النية فإن الله سبحانه وتعالى سيعينه على الوصول إليها .

القارئ :
والتَّحَلِّي بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ الْجَأْشِ ، لا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ، تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .

الشيخ :
هذا صحيح . التحلي بعلو الهمة يسلب عنك سفاسف الآمال والأعمال .
الآمال : هي أن يتمنى الإنسان الشيء دون السعي في أسبابه , فإن المؤمن كيس فطن لا تلهه الآمال , بل ينظر الأعمال ويرتقب النتائج .
وأما من تلهيه الآمال ويقول : إن شاء الله أقرأ هذا , أراجع هذا , الآن أستريح وبعد ذلك أراجع . أو تلهيه الآمال بما يحدث للإنسان أحياناً , يتصفح الكتاب من أجل مراجعة مسألة من المسائل ثم يمر به في الفهرس أو في الصفحات مسائل تلهيه عن المقصود الذي من أجله فتح الكتاب ليراجع وهذا يقع كثيراً , فينتهي الوقت وهو لم يراجع المسألة التي من أجلها صار يراجع هذا الكتاب أو فهرس هذا الكتاب فإياك والآمال المخيبة . اجعل نفسك قوي العزيمة عالي الهمة . وقد مر علينا أحاديث تدل على أن العناية بالمقصود قبل كل شيء. مثل عتبان بن مالك جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى فواعده النبي عليه الصلاة والسلام فأعد لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم طعاما وأخبر الجيران بذلك فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما وصل البيت أخبره عتبان بما صنعه ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال أرني المكان الذي تريد أن أصلي فيه فأراه المكان وصلى قبل أن يأكل الطعام وقبل أن يجلس إلى القوم لأنه جاء لغرض فلا تشتغل عن الغرض الذي تريده بأشياء لا تريدها من الأصل لأن هذايضيع عليك الوقت وهو من علو الهمة.

القارئ :
ولا تَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ .

الشيخ :
(كبر الهمة) إن الإنسان يحفظ وقته ويعرف كيف يصرفه ولا يضيع الوقت بغير فائدة , وإذا جاءه إنسان يرى أن مجالسته فيها إهمال وإلهاء عرف كيف يتصرف .
( وأما كبر النفس ) فهو الذي يحتقر غيره ولا يرى الناس إلا ضفادع ولا يهتم وربما يصعر وجهه-
صَعَّرَ خَدَّهُ : أمالَهُ عُجْباً وكِبْراً ، { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ }: تُعرض بوجهك تكَبُّرًا هنا-وهو يخاطبهم فكما قال الشيخ بكر: بينهما كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع .

القارئ :
فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ، ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .

الشيخ :
يعني من علو الهمة أن لا تكون متشوفاً لما في أيدي الناس , لأنك إذا تشوفت ومَنَّ الناسُ عليك ملكوك؛ لأن المنة ملك للرقبة في الواقع.
لو أعطاك الإنسان قرشاً لوجد أن يده أعلى من يدك كما جاء في الحديث : ( اليد العليا خير من اليد السفلى)
واليد العليا هي المعطية , والسفلى هي الآخذة , لا تبسط يدك للناس ولا تمد كفك إليهم.
إذا كان الإنسان عادم الماء لو وهب له الماء لم يلزمه قبوله بل يعدل إلى التيمم خوفاً من المنة مع أن الوضوء بالماء فرض للقادر عليه , ولهذا فرق الفقهاء رحمهم الله بين أن تجد من يبيعه ومن يهديه .
فقالوا : من يبيعه اشتر منه وجوباً لأنه لا منة له , حيث أنك تعطيه العوض . ومن أهدى عليك لا يلزمك قبوله . من أجل أن منته تقطع رقبتك , ولكن إذا كان الذي أهدى الماء لا يمن عليك به , بل يرى أنك أنت المان عليه بقبوله , أو من جرت العادة بأنه لا منة بينهم مثل الأب مع ابنه , والأخ المشفق مع أخيه وما أشبه ذلك .
فهنا ترتفع العلة , وإذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم . والمهم أن من علو الهمة وكبرها ألا يكون الإنسان مستشرفاً لما في أيدي الناس .
بعض الناس يكون عنده أسلوب في السؤال، أي في سؤال المال , إذا رأى مع إنسان شيئا يعجبه أخذه بيده وقام يقلبه، ما أحسن هذا، ما شاء الله، من أين اشتريته؟ هل يوجد في السوق ؟ لأجل ماذا ؟ حتى يعطيه إياه لأن الكريم سوف يخجل ويقول : إنه ما سأل هذا السؤال إلا من أجل أن أقول: (تعمل عليه) فخذه . هو إذا قال (تعمل عليه) ماذا يقول؟ لا يا أخي فالمهم أن بعض الناس يستشرف أو يسأل بطريق غير مباشر، وكل هذا مما يحط قدر طالب العلم وقدر غيره أيضاً.
شرح الشيخ العثيمين


القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
الفصلُ الخامسُ : آدابُ الطالبِ في حياتِه العِلْمِيَّةِ
24-كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ، فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا باسطًا يَدَيْكَ إلالِمُهِمَّاتِ الأمورِ .
والتَّحَلِّي بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ الْجَأْشِ ، ولا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ، تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
ولاتَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ ، فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ، ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .
الشيخ:
القسم الخامس من أقسام آداب طالب العلم ؛ الآداب المتعلقة بحياته العلميّة ، وذكر الأدب الرابع والعشرين : وهو كبر الهمّة في العلم ؛ بحيث يكون مقصود الإنسان في التعلم مقصودا كبيرا ، ولا يقتصر على الهدف الضعيف القليل ، جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى منها ، فإنها أعلى الجنة وأوسط الجنة والعرش فوقها هكذا"
فلم يقتصر في هذه الهمة في الجنة في أدنى درجاتها ، بل رغّب في أعلى الدرجات ، وكبر الهمّة في العلم بكون المرء يقصد بتعلمه وجه الله والدار الآخرة ، ويكون هدفه تحصيل جميع العلوم التي ترضي رب العالمين ، فلا يستصغر قدرته عند علم من العلوم ، وإنما يبذل من الأسباب ما تجعله يحصّل علما كثيرا ، وأضرب لذلك مثلا :
في المدارس النظاميّة إذا جاء طالب ورَغِب أن يكون عنده معدلٌ تام ، بأن يحصّل مئة من مئة ، فإنه حينئذ يبذل سببا كثيرا قد لا يحصّل إلا خمسة وتسعين ، لكن حصّل شيئا كثيرا ، أما من قصد النجاح فقط وكانت همته في أن يتجاوز المقرر ، ففي غالب أحواله لن يتمكّن من النجاح.
قال المؤلف: (من سجايا الإسلام التحلّي بكبر الهمّة) بحيث يكون مقصود الطالب أعلى الدرجات ، وكبر الهمّة هو (مركز السالب والموجب في شخصك) ، فهو الذي يدفعك إلى اكتساب الفضائل العالية، وهو الذي يجعلك تراقب جوارحك ، بحيث لا تعصي الله بها.
(كبر الهمّة يجلب لك خيرا غير مجذوذ) يعني غير مقطوع ، وغير منقطع ، (لترقى بذلك إلى أعلى درجات الكمال)،
كبر الهمة (يُجري في عروقك دم الشهامة) ، ويجعلك تواظب ، وتبذل من نفسك في ميدان العلم والعمل ، فحينئذ تصبح ممن قَصَر نفسه على أفضل الأعمال ، ولا يجعلك تتوجه إلى الأمور التوافه، ولا تشغل وقتك بما لا تنتفع به.
التحلّي بكبر الهمّة يبعد عنك الأمور التي لا قيمة لها من الأعمال والآمال ، فسفاسف الآمال والأعمال بعيدة عنك ، كبر الهمة يبعد عنك (شجرة الذل والهوان) ، لأنه يجعلك تمضي للحق والخير ، ويبعد عنك (التملّق والمداهنة) ، لأنك قد لاحظت ربّ العزة والجلال فلم يؤثر فيك مطالعة الناس لعملك ، كبير الهمّة (ثابت الجأش) بحيث يكون قويّا شديدا ، لا ترهبه أدنى حركة ، فسماع الأصوات ومشاهدة الأشخاص لا تجعله يتزعزع عن موقفه ، ففاقد كبر الهمّة تجده يخاف من كل صوت ، وأدنى رعدة تجعله يبعد عن ما يقصده من الخير ومن العمل الصالح ، بل صغر الهمّة يجعل الإنسان لا يتمكن من الكلام ، لمجرّد أدنى كلمة.
يقول : (لا تغلط فتخلط بين كبر الهمّة والكبر) كبر الهمّة أن يكون هدفك عاليا ، والكبر ترفع نفسك عن الخلق ، وعدم قبولك للحق ، فإنّ بين الكبر وكبر الهمّة فرق كبير كالسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع ، الرجع التي تأتي فيها السحب ، والأرض ذات الصدع التي تتصدّع من أجل ظهور النبات فيها.
(كبر الهمّة) صفة و(حلية ورثة الأنبياء) ؛ العلماء ، لكن (الكبر ) هذا ليس من صفة العلماء بل هو (داء للمرضى) الذين ابتلوا بعلة (الجبابرة البؤساء).
وحينئذ لاحظ أحكام الشرع ؛ فإنها ترغبك في كبر الهمّة ، وسواء كان في العلم أو في العمل ، ففي العمل مثلا : انظر إلى ترغيب الشارع للأعمال الصالحة ، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي : "ما تقرب إليّ عبادي بمثل ما افترضت عليهم ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه" جعلك تقصد الجمع بين الفرائض والنوافل كلها ، انظر فيما يتعلّق بالعلم ، قول الله عزوجل: "وقل رب زدني علما" طلبت كمال العلم وزيادته ، فهكذا أيضا طلبت زيادة العلم لكبر همّتك.
قال المؤلف : (انظر لمسألة إباحة التيمم للمكلّف عند فقد الماء) عندما لا تجد ماء يجوز لك أن تتيمم ، لقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا).
لو قدّر أنّ هناك شخص معك ، وقال: خذ ثمن الماء واشتري به ماء. نقول : لا يلزمه أخذ هذا المال ، ويجوز له التيمم ، لماذا؟ لأنّ في أخذ هذا المال منّة للمُعطِي على المعطَى ، وهذا ينال من الهمّة منالا ، فينقص من همّة الإنسان.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وقال: "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف" ، نعم.
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-06-2018, 04:00 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,253
25- النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ :
إذا علمت الكلمة المنسوبة إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
«قيمة كل امرئ ما يحسنه»، وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها، فاحذر غلط القائل: ما ترك الأول للآخر. وصوابه: كم ترك الأول للآخر!
فعليك بالاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق، ومهما بلغت في العلم، فتذكر: «كم ترك الأول للآخر»!

إن كل إنسان يحسن الفقه والشرع صار له قيمة، أحسن مما يحسن فتل الحبال مثلا. لأن كل منهما يحسن شيئا، لكن فرق بين هذا وهذا فقيمة كل امرئ ما يحسنه. «وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها» وهذا القيل ليس بصحيح. أشد كلمة في الحض على طلب العلم قول الله تعالى " ...قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ..."سورة الزمر: 9. وقوله تعالى :"..يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ..."سورة المجادلة: 11). وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من يُرِدِ اللهُ بهِ خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ، واللهُ المُعْطِي وأنا القاسمُ ، ولا تزالُ هذهِ الأُمَّةُ ظاهرينَ على من خالفهم حتى يَأْتِيَ أمرُ اللهِ وهم ظاهرونَ . الراوي : معاوية بن أبي سفيان- المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3116 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - انظر شرح الحديث رقم 157-الدرر السنية
وقوله صلى الله عليه وسلم :
".....وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ....." ،الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 6297 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية .

وأشباه ذلك مما جاء في الحث على طلب العلم، لكن ما نقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هي كلمة لا شك أنها جامعة، لكن لا شك أنها ليست أحسن ما قيل في الحث على طلب العلم.


وقوله :«ما ترك الأول للآخر» إما تكون «ما» نافية أو استفهامية فإن كانت «نافية» فالمعنى: ما ترك الأول للآخر شيئا. وإن كانت «استفهامية» فيكون المعنى: أي شيء ترك الأول للآخر؟
وكلا المعنيين يوجب أن يتثبط الإنسان عن العلم، ويقول كل العلم أخذ من قبلي فلا فائدة. فيكون بذلك تثبيط لهمته، لأنه إذا قيل لك: أن من قبلك أخذوا كل شيء. ستقول إذا ما الفائدة.
أما إذا قيل: كم ترك الأول للآخر، فالمعنى: ما أكثر ما ترك الأول للآخر، وهذا يحملك على أن تبحث على كل ما قاله الأولون، ولا يمنعك من الزيادة على ما قال الأولون.
ولا شك أن المعنى الصواب: كم ترك الأول للآخر. فإن قيل: إن الشاعر الجاهلي يقول:
ما أرانا نقول إلا معارا ** أو معادا من قولنا مكرور
فهل هذا صواب؟ الجواب: لا هذا ليس بصواب، وما أكثر الأشياء الجديدة التي تكلمنا بها ولم يتكلم بها من قبلنا. أما إن أراد بهذا حروف الكلمات أو الكلمات، وهذا صحيح لو أراد المعاني.
ولعل الشاعر الجاهلي أراد أنه كل ما يقال من الكلمات والحروف فإنه إما معار أخذه من غيره، وإما معاد.
لكن إذا كان البيت بهذا المعنى فقيمته ضعيفة جدا، رخيصة لأن هذا معلوم لا يحتاج إلى أن ينشره الإنسان في بيت شعر.
قوله :«فعليك بالاستكثار..» يحثك على أن تستكثر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك العلم لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر من ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثم اعلم أن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون بالقرآن الكريم أو بالسنة النبوية. فإن كان بالقرآن الكريم، فقد كفيت إسناده والنظر فيه، لأن القرآن لا يحتاج إلى النظر بالسند لأنه متواتر أعظم التواتر.
أما إذا كان بالسنة النبوية فلا بد أن تنظر في السنة النبوية، أولا هل صحت نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أم لم تصح؟ فإن كنت تستطيع أن تمحص ذلك بنفسك فهذا هو الأولى؟ وإلا:
إذا لـم تستـطـع شيـئـا فـدعـهوجــاوزه إلــى مــا تستطـيـع

قوله :«ابذل الوسع» يعني الطاقة في التدقيق، أمر مهم لأن بعض الناس يأخذ بظواهر النصوص وبعمومها دون أن يدقق. هل هذا الظاهر مراد أم غير مراد؟ وهل هذا العام مخصص أم غير مخصص؟ أم هذا العام مقيد أم غير مقيد؟
فتجده يضرب السنة بعضها ببعض لأنه ليس عنده علم في هذا الأمر. وهذا يغلب على كثير من الشباب اليوم الذين يعتنون بالسنة تجد الواحد منهم يتسرع في الحكم المستفاد من الحديث، أو في الحكم على الحديث. هذا خطر عظيم.
يقول «مهما بلغت في العلم فتذكر: كم ترك الأول للآخر» هذا طيب، ولكن نقول: إن أحسن من ذلك مهما بلغت في العلم، فتذكر قول الله عز وجل :
"وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "يوسف76. وقوله " وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً "الإسراء85
وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من «تاريخ بغداد» للخطيب ذكر من قصيدة له:

لا يكون السري مثل الدنيلا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المرء قضاء مـن الإمـام علـي
شرح الشيخ العثيمين

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
25-النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ :
إذا عَلِمْتَ الكلمةَ المنسوبةَ إلى الخليفةِ الراشدِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُه ) وقد قِيلَ : ليس كلمةٌ أحَضَّ على طَلَبِ العلْمِ منها ؛ فاحْذَرْ غَلَطَ القائلِ : ما تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ . وصوابُه : كم تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ .
فعليك بالاستكثارِ من مِيراثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وابْذُل الوُسْعَ في الطلَبِ والتحصيلِ والتدقيقِ ، ومَهْمَا بَلَغْتَ في العِلْمِ ؛ فتَذَكَّرْ ( كم تَرَكَ الأوَّلُ للآخِرِ) .
وفي تَرجمةِ أحمدَبنِ عبد الجليلِ من ( تاريخِ بَغدادَ ) للخطيبِ ذِكْرٌ من قصيدةٍ له :
لا يَكـونُ السَّـرِيُّ مِثْـلَ الـدَّنِـيِّ لا ولا ذو الذكـاءِ مثـلَ الغَـبِـيِّ
قيمةُ المرءِ كُلَّمَا أَحْسَنَ الْمَرْءُ قـضــاءً مــــن الإمــــامِ عَــلِــيِّ
الشيخ:
الأدب الخامس والعشرون من آداب طالب العلم : النهمة في الطلب ، بحيث تستمر الرغبة في طلب العلم مع الإنسان ، ولا يقنع بالقليل منهُ ، وتستمر معه هذه الرغبة ، وقد جاء في الخبر أنّ طالب العلم لا يُشبع نهمته مهما حصّل من العلم ، واثنان منهومان ، ذكر منهما : طالب العلم.
فطالب العلم ، لا تتوقف رغبته عند حدّ ، لأنّ العلم بحر لا ساحل له ، ومن هنا فالمرء يحرص على تحصيل أكبر قدر منه ، وبعض الناس يقول : لأنكم يا أيها الطلاب لم تأتوا بشيء جديد ، وحينئذ فلماذا تتعبون أنفسكم بطلب العلم.
فيقال لهم : أولا نحن نطلب العلم وتزداد رغبتنا فيه من أجل إرضاء رب العزة والجلال ، ومن أجل الدخول في الجنة ، فلو قدّر أننا لن نأتي بشيء جديد ، فنحن سنحصل على الأجر والثواب.
الأمر الثاني : بأنّ الله جل وعلا من رحمته بعباده أن جعل أهل العلم يعرفون ويكتشفون في كل زمان ما عجز عنه الأوائل ، هذا من رحمة الله حتى يستمر العلم وتستمر النهمة في طلبه.
الأمر الثالث : أنّ الناس تنتابهم أوقات جهالات يُنسى فيه العلم ، فالعالم وإن لم يأت بشيء جديد إلا أنه يرشد الأمة إلى طريقتها الأولى ، طريقة النبوّة.
الأمر الرابع : أنه ما من زمان إلا وفيه أُناس يبثّون الشبهات على الخلق ، فطالب العلم هو المخوّل لكشف هذه الشبهات.
وحينئذ كان الأولى أن يقال : كم ترك الأول للآخر.
وحينئذ لنستكثر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ، ما هو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم؟ العلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "العلماء ورثة الأنبياء"
(وابذل الوسع في الطلب) اطلب علما كثيرا ، كذلك ابذل الوسع في التحصيل وفي التدقيق ، لا تكتفي بأخذ الأقوال فقط ، وإنما دقّق بينها ، وميّز بينها ، واعرف ما ينفعك منها ، ومهما بلغت في العلم فتذكّر : كم ترك الأول للآخر.
هنا
السؤال الأول: ورد في متن الحلية "النهمة في طلب العلم" إذا قلنا مثلا النهم هل يعتبر لحنا؟
الجواب : النَّهمة في الشيء أن يكون للمرء همَّة فيه، وتطلق النهمة على الوَطَر والحاجة يقال: قضى نهمته من كذا، إذا أخذ منه حاجته.
والنَّهَمُ : إفراطُ الشهوة في الطعام، والرجل النَهِم هو الشَّره الحريص الذي لا يشبع، والمنهوم هو المولع بحبّ الشيء.
والنَّهْم بتسكين الهاء: التصويت للرجل أو الدابة تقول: نهمْته، ويقال: ناقة منهام إذا كانت تطيع على النَّهم.

هنا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-06-2018, 04:03 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,253
Post

"مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ : مَنْهُومٌ في العلمِ لا يَشْبَعُ منه ، ومَنْهُومٌ في الدنيا لا يَشْبَعُ منها" الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 251 -خلاصة حكم المحدث:صحيح

"مَنْهُومانِ لا يَشْبَعانِ طالبُ علمٍ ، وطالبُ دنيا"
الراوي: عبدالله بن عباس و أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6624
خلاصة حكم المحدث: صحيح

الدرر السنية
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-06-2018, 04:05 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,253
Arrow

26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :
( من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ العلْمِ للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ تأَهُّلُه ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في تَعَلُّمِهم وتَعليمِهم ، والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ والضبْطِ والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ، والتجارِبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه أو على نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ .
قوله :«من لم يكن رحلة لن يكون رحلة» لعل: من لم يكن له.... يرجع إلى الأصل.
قوله :«التجارِب» مكسور حرف الراء. والتجرُبة غلط ما هي لغة عربية، رغم أنها في الشائع بين الناس الآن، حتى طلبة العلم، يقول: تجارب، تجربة. رغم أن الصواب كسر الراء. والمعنى: أن من لم يكن له رحلة في طلب العلم فلن يرحل إليه وتأتي الناس إليه.
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ ) .
وقد قيلَ لبعضِهم : ألا تَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِ الرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ .

الصوفية يدعون أن الله يخاطبهم ويوحي إليهم، وأنه يزورهم ويزورونه وهذا من خرافاتهم.
والعبارة الأخيرة مأخوذة من كلام شيخ الإسلام رحمه الله في المتكلمين قال في هؤلاء :«لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا» يعني أنهم ما نصروا الإسلام الذي جاء لذلك أن هؤلاء المتكلمين حرفوا النصوص عن ظاهرها وأولوها إلى معان أو جددوها بما يزعمون أنه عقل، فتسلط عليهم الفلاسفة وقالوا لهم: أنتم إذا أولتم آيات الصفات وأحاديث الصفات، مع ظهورها ووضوحها، فاسمحوا لنا أن نأول آيات المعاد، أي آيات اليوم الآخر فإن ذكر أسماء الله وصفاته في الكتب الإلهية أكثر بكثير من ذكر المعاد وما يتعلق به، فإذا أبحتم لأنفسكم أن تأولوا في أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، فاسمحوا لنا أن نأول في آيات المعاد وننكر المعاد رأسا ولا شك أن هذه حجة قوية لهؤلاء الفلاسفة على هؤلاء المتكلمين، إذ لا فرق.
المهم أن الشيخ وفقه الله هاجم الصوفية، فهم جديرون بالمهاجمة، لأن بعضهم يصل إلى حد الكفر والإلحاد بالله، حتى يعتقد أنه هو الرب كما يقول بعضهم «ما في الجبة إلا الله» يعني نفسه. ويقول:
الرب عبد والعبد رب = يا ليت شعري من المكلف
يعني هما شيء واحد. إلى أمثال ذلك من الخرافات التي يقولونها، لكن ينبغي أيضا أن نهاجم ونركز على مهاجمة أهل الكلام الذين سلبوا الله من كماله بكلامهم انكروا الصفات، فمنهم من أنكر الصفات رأسا كالمعتزلة . ومنهم من أثبت الأسماء، لكن جعلها أسماء جامدة لا تدل على معنى، وغالى بعضهم وقال: إنها أسماء واحدة، وأن السميع هو البصير، وأن السميع والبصير هما العزيز وهما شيء واحد. وغالى بعضهم فقال: هي أسماء متعددة، لكن لا تدل على معنى.
مسلوبة المعنى.
لأنهم لو أثبتوا لها معنى- بزعمهم- لزم تعدد الصفات، وبتعددها وبتعدد الصفات يرون أنه شرك، لأنهم يقولون يلزم تعدد الصفات القديمة كالعلم والسمع والبصر، فيلزم من ذلك تعدد القدماء، وهو أشد شركا من النصارى.
فالحاصل أنه أيضا ينبغي أن يهاجم على أهل الكلام الذين عطلوا لله مما يجب له من صفات كمال بعقول واهية.
والعلماء رحمهم الله الذين تكلموا عن الرحلة لم يدركوا هذا الأثر، الأشرطة المسجلة تغني عن الرحلة، لكن الرحلة أكبر لأن الرحلة إلى العالم، يكتسب الإنسان من علمه وأدبه وأخلاقه، ثم يترك الرجل يتكلم ليس كما يعمله إياه في الشريط.
مثلا: الخطبة، أنت عند رجل يخطب وكلامه جيد... تتأثر به لكن لو تسمع هذا الكلام من الشريط لن تتأثر به تأثرك وأنت تشاهد الخطيب.
شرح الشيخ العثيمين

معهد آفاق التيسير

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري:

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :
(من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ العلْمِ للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ تأَهُّلُه ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في تَعَلُّمِهم وتَعليمِهم ، والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ والضبْطِ والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ، والتجارُبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه أو على نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ .
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ) .
وقد قيلَ لبعضِهم : ألاتَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِالرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :
إذا خاطَبُونِـي بعِلْـمِ الـوَرَقِ برَزْتُ عليهم بعِلْمِ الْخِرَقِ
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ.
الشيخ :
هذا أدب آخر من آداب طلب العلم وهو : الرحلة في طلب العلم لملاقاة العلماء ، وقد قصّ الله عز وجل علينا قصّة موسى عليه السلام عندما سافر إلى الخَضِر ؛ من أجل أن يستفيد من علمه ، وانظر أيضا في الأخبار ، أخبار الصحابة عندما كان ينتقل بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أجل طلب العلم ، كما في حديث مالك بن الحويرث.1
وانظر إلى أخبار أبي هريرة عندما انتقل ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم2 ، وقصة أبي ذر في آخر صحيح مسلم عندما ارتحل من أجل طلب العلم 3، وهكذا أيضا لم يزل علماء الإسلام يرحلون من أجل طلب العلم ، وينتقلون من مكان إلى مكان ، من أجل ذلك الهدف العظيم.
فالارتحال يحصل فيه عدد من الأمور :
الأول : تنويع التلقي عن العلماء ، فإنّ من خالط علماء كُثر شاهد مناهج مختلفة ، وشاهد طرائق مختلفة في التعليم ، وفي ما يحسنون من العلوم ، وفي طريقة التعلم والتعليم ، وفي الكتب التي تُدرس.
أما من اقتصر على شيخ واحد لن يحصل له مثل ذلك ، إلا أن يكون عالما متفننا في علوم مختلفة.

الفائدة الثانية: أنّ الراحل لطلب العلم يعوّد نفسه على اشتياق التعلم ، وعلى الاشتياق لمعرفة العلماء ، والتفنن في العلم ، فبذلك تنشط نفسه في التعلم.
الفائدة الثالثة : أنّ الراحل المسافر في طلب العلم يجد في وقته فسحة في طلب العلم ، وحينئذ يكون ذلك أدعى لحفظه العلم ، ولكونه يعي ما يتعلّمه.
الفائدة الرابعة : أنّ الرحلة تجعل الإنسان يقارن قرناء يماثلونه في الهدف والمقصد لطلب العلم فيكون لذلك أثر عظيم في تنشيط النفس على التعلم.
الفائدة الخامسة : أنّ المرء عند تنقله من مكان إلى مكان ، حينئذ تعرف نفسه قيمتها ، ولا ينغر بما كان عليه من حال جيد قبل سفره ورحلته ، ومن ثم تعرف النفس قيمتها ، فتبذل ما تستطيعه في ترفيع شأنها ، وتعلية مكانتها عند الله عزوجل.
قال المؤلف : (فمن لم يرحل في طلب العلم ، للبحث عن الشيوخ ، والسياحة في الأخذ عنهم ، فيبعد تأهله ليُرحل إليه) جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمضي زمان حتى تضرب الإبل فلا تجد عالما أفضل من عالم المدينة" فهذا فيه دلالة على مشروعية الرحلة لطلب العلم.
لماذا؟ لأنّ العلماء قد أمضوا أوقاتا عديدة ، فشاهدوا شيوخا كثيرين ، وعرفوا طرائق في التعلّم والتعليم ، ولذلك يجد الإنسان عندهم تحريرات بحيث يحرّرون المسائل ، ويعرفون المراد بها ، وعندهم ضبط ، ضبط للألفاظ ، وضبط للمسائل ، ومعرفة للفرق بينها ، وكذلك عندهم نكات علميّة ، والمراد بالنكتة العلميّة : الشيء العلمي النافذ ، الذي لا يحصّله الإنسان عند أي مؤلف أو في أي كتاب ، وكذلك يحصّل الإنسان عند هؤلاء العلماء التجارب ، فهم قد مارسوا وعرفوا أحوال الناس ، وعرفوا حقائق أمورهم ، وقد مرّت بهم تجارب كثيرة ، وخبرات عديدة.
فالإنسان إذا قرأ في الكتب ، ولم تمر عليه تلك التجارب ، فقد يكون حينئذ لا يتقن العلم ، وأضرب لذلك مثلا :
في القضاء ؛ من درس كتب أهل العلم في باب القضاء وأتقنها ، وعرفها ، وضبطها ضبطا كاملا ، فإنه تفوته أشياء بخلاف من مارس القضاء ، وأخذ من أصحاب التجارب والخبرة فيه ، فإنه ينتبه إلى أشياء ليست موجودة في الكتب ، بل في الكتب مرّات قد يُطلق اللفظ ويُراد به غير ظاهره ، مثال ذلك : في كتاب الحج ؛ قد يطلقون مرّات : وعليه دم ، ويريدون بالدم فدية الأذى التي يُخيّر الإنسان فيها بين الإطعام أو الصيام أو الذبح ، عندما يجد من ليس لديه خبرة ولا تجربة هذا اللفظ ؛ عليه دم ، سيقول : يتعيّن الدم ، وهذا خلاف مراد الفقهاء.
مثال آخر : في كتاب (مختصر الخرقي) قال في باب الحج: أنّ من جامع قبل رمي الجمرة فسد حجه ، وعليه بدنة ، ويتم المناسك ، ويحج من قابل ، هذا كلامهم على وفق طريقتهم الأولى ، لأنه لا يعقل في زمانهم أن يمر إنسان بمنى فلا يرمي ، ويتجاوزها إلى مكة بدون رمي ، لأنّ منى في الطريق ، لكن في مثل زماننا لمّا توفّرت وسائل الانتقال ووجدت هذه السيارات ، فينتقل الإنسان من مزدلفة إلى مكة بدون أن يمر بمنى ، فقد يطوف ويسعى ويقصّر ، فيكون بذلك تحلل التحلل الأول ، وحينئذ نقول : إذا جامع بعد هذا لم يفسد حجه ، لماذا؟ لأنه قد تحلل التحلل الأول ، ولم تجب عليه بدنة ، ولم يجب عليه الحج من قابل.
فمثل هذه الفائدة إذا قرأها الإنسان في كتاب ، ولم يتصل بعالم يشرح له ذلك ، فسينزّل الكلام على غير مراد مؤلفه به.
وحينئذ نكون بهذا قد سلكنا طريق التعلم بالرحلة إلى العلماء ، أما أهل التصوف الذين من صفتهم البطالة وترك التعلم ، فمثل هؤلاء طريقهم مخالف لطريق الشرع لأنهم يُفضلون علم الخِرَق على علم الورق.
الخِرَق إما الخرقة التي يُعطيها الأول للثاني ، يُعطيها الشيخ لمريده لينتقل العلم ، أو أنّ المراد به ؛ أنّ أهل التصوف يتركون ما الناس فيه من حال ، فيلبسون ثيابا خرقة متقطّعة ، لكن لعلّ المعنى الأول أولى.
قال : (على علم الورق) وهو طلب العلم ؛ الذي يُسجّل في الأوراق.
وبهذا تعرف أنّ منهج أهل السنة والجماعة هو أن يكون الطريق في التعلم ، أما من جاء و جعل الطريق هو الخروج من بلد إلى بلد بدون أن يكون المقصد من ذلك السفر طلب العلم ، هذا ليس مقصودا ، إلا أن يكون له مقصد آخر موافق لمقصد الشرع.
ومن هنا من جعل طريق المال أو طريق الخير في الانتقال وسمّى ذلك في سبيل الله فإنه ليس على الطريقة السلفية.

(
وقد قيلَ لبعضِهم : ألا تَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِ الرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وذلك أنّ المتصوفة يرون أنّ من مصادر التلقي الإلهام والكشف ، وهذا طريق باطل ، لا يصح بناء الأحكام عليه ، لأنّ الله لم يأمرنا بالرجوع إلى ما في النفوس من ذلك ، وإنما أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة.

وكذلك ما يُلقى في النفوس لا يأمن الإنسان ما مصدره ، إن الشياطين تُلقي في النفوس ، حتى يظن بعض الناس أنه الخير ، وأنه الحق ، وبينما حقيقة الحال أنه ليس كذلك.

وقال آخَرُ :
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ
إذا نظرنا حال المبتدعة وجدناهم يقدّمون طريقتهم في الابتداع على نصرة الإسلام ، ولذلك يحذر الإنسان من طريقة مثل هؤلاء ، وإن كان المرء مأمورا بكف أذاه عنهم ، وعدم إيصال السوء إليهم لكن ذلك لا يعني صحة طريقهم ، وإنما هم على خلاف الطريقة المرضيّة ، فإنّ الطريقة المرضيّة تحصل بالتعلم لا بهذه الأفعال التي تُضيّع الأوقات ، ولا يحُصّل الإنسان بها شيئا ، نعم.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-06-2018, 04:07 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,253
كما في حديث مالك بن الحويرث.1

عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ:
قَدِمْنَا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ شِبَبَةٌ ، فلَبِثْنَا عندَهُ نحوًا من عشرينَ ليلةً ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رحيمًا ، فقال :" لو رَجعتمْ إلى بلادكم فعلَّمتموهم ، مُرُوهُمْ فليُصلُّواْ صلاةَ كذا في حينِ كذا ، وصلاةَ كذا في حينِ كذا ، وإذا حضرتْ الصلاةُ فليُؤَذِّنْ لكم أَحَدُكُمْ ، وليَؤُمُّكُم أَكْبَرُكُم ".
الراوي: مالك بن الحويرث المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 685- خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
الدرر السنية


قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون وهذا في عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة وكانوا شبابا فأقاموا عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة جاءوا من أجل أن يتفقهوا في دين الله قال مالك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا يعني اشتقنا إليهم فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ....

شرح رياض الصالحين - شرح العثيمين

2

عن مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُولُ: آللَّهِ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بكبدي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بطني مِنَ الْجُوعِ ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الذي يَخْرُجُونَ مِنْهُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ ليشبعني ، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ ليشبعني ، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَبَسَّمَ حِينَ رآني وَعَرَفَ ، مَا في نفسي وَمَا في وجهي ثُمَّ قَالَ: « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الْحَقْ » . وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ ، فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ ، فَأَذِنَ لي ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا في قَدَحٍ فَقَالَ « مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ » . قَالُوا أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ . قَالَ « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: « الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لي ». قَالَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فساءني ذَلِكَ فَقُلْتُ وَمَا هَذَا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا ، فَإِذَا جَاءَ أمرني فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يبلغني مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم- بُدٌّ ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا ، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ: « يَا أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: « خُذْ فَأَعْطِهِمْ » . قَالَ فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَوِىَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَىَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ » . قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ: « اقْعُدْ فَاشْرَبْ » . فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ . فَقَالَ « اشْرَبْ » . فَشَرِبْتُ ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: « اشْرَبْ » . حَتَّى قُلْتُ لاَ والذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا . قَالَ: « فأرني ». فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ(1).

شرح المفردات (2):

( آللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ) أي: والله بحُذِفَ حَرْف الْقَسَم، وَثَبَتَ فِي رِوَايَة بإثبات الْوَاوِ فِي أَوَّله.
( لأعتمد بكبدي ) ألصق بطني بالأرض .
( لأشد ) أربط وفائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والقيام .
( طريقهم ) أي النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضي الله عنهم .
(الصُّفَّة) مَكَان فِي مُؤَخَّر الْمَسْجِد النَّبَوِيّ مُظَلَّل أُعِدّ لِنُزُولِ الْغُرَبَاء فِيهِ مِمَّنْ لَا مَأْوَى لَهُ وَلَا أَهْل.
( أضياف الإسلام ) ضيوف المسلمين .
( يأوون ) ينزلون ويلتجئون .
( فساءني ذلك ) أهمني وأحزنني .
( فَحَمِدَ اللَّه وَسَمَّى) أَيْ: حَمِدَ اللَّه عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْبَرَكَة الَّتِي وَقَعَتْ فِي اللَّبَن الْمَذْكُور مَعَ قِلَّته حَتَّى رَوِيَ الْقَوْم كُلّهمْ وَأَفْضَلُوا ، وَسَمَّى فِي اِبْتِدَاء الشُّرْب عليه الصلاة والسلام.
( وَشَرِبَ الْفَضْلَة ) أَيْ: الْبَقِيَّة.
___________
(1) - صحيح البخاري، رقم (6452).
(2) - النووي، شرح صحيح مسلم (7/482) فتح الباري - ابن حجر - (18 / 272).
هنا

- قال لنا ابن عباس : ألا أخبركم بإسلام أبي ذر ؟ قال : قلنا : بلى ، قال : قال أبو ذر : كنت رجلا من غفار ، فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي ، فقلت لأخي : انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره ، فانطلق فلقيه ثم رجع ، فقلت : ما عندك ؟ فقال : والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر ، فقلت له : لم تشفني من الخبر ، فأخذت جرابا وعصا ، ثم أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه ، وأكره أن أسأل عنه ، واشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد ، قال : فمر بي علي فقال : كأن الرجل غريب ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فانطلق إلى المنزل ، قال : فانطلقت معه ، لا يسألني عن شيء ولا أخبره ، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه ، وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، قال : فمر بي علي ، فقال : أما نال للرجل يعرف منزله بعد ؟ قال : قلت : لا ، قال : انطلق معي ، قال : فقال : ما أمرك ، وما أقدمك هذه البلدة ؟ قال : قلت له : إن كتمت علي أخبرتك ، قال : فإني أفعل ، قال : قلت له : بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي ، فأرسلت أخي ليكلمه ، فرجع ولم يشفني من الخبر ، فأردت أن ألقاه ، فقال له : أما إنك قد رشدت ، هذا وجهي إليه فاتبعني ، ادخل حيث ادخل ، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك ، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت ، فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : اعرض علي الإسلام ، فعرضه فأسلمت مكاني ، فقال لي : ( يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر ، وارجع إلى بلدك ، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل ) . فقلت : والذي بعثك بالحق ، لأصرخن بها بين أظهرهم ، فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا فضربت لأموت ، فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم ، فقال : ويلكم ، تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ، فأقلعوا عني ، فلما أن أصبحت الغد رجعت ، فقلت مثل ما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فصنع بي مثل ما صنع بالأمس ، وأدركني العباس فأكب علي ، وقال مثل مقالته بالأمس . قال : فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله .
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3522 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
هنا
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 05:29 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر