العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-19-2019, 12:08 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
root تفسير سورة البروج


تفسير سورة البروج
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
" وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ"

هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ .
وَبِمُنَاسَبَةِ ارْتِبَاطِ السُّوَرِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ، ....: لَمَّا ذَكَرَ مَآلَ الْفَرِيقَيْنِ وَتَطَايُرَ الصُّحُفِ فِي السُّورَةِ الْأُولَى-الانفطار- ، ذَكَرَ هُنَا عَمَلًا مِنْ أَشَدِّ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فِي قِصَّةِ الْأُخْدُودِ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَقْوَى مِنْ هَذَا ، هُوَ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ سَابِقًا انْفِطَارَ السَّمَاءِ ، وَتَنَاثُرَ النُّجُومِ ، وَانْشِقَاقَ السَّمَاءِ ، وَإِذْنَهَا لِرَبِّهَا وَحُقَّ لَهَا ذَلِكَ - جَاءَ هُنَا بَيَانُ كُنْهِ هَذِهِ السَّمَاءِ أَنَّهَا عَظِيمَةُ الْبِنْيَةِ بِأَبْرَاجِهَا الضَّخْمَةِ أَوْ بُرُوجِهَا الْكَبِيرَةِ ، فَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَأْذَنُ لِرَبِّهَا وَتُطِيعُ ، وَتَنْشَقُّ لِهَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتَنْفَطِرُ ، فَأَوْلَى بِكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . أضواء البيان = هنا =

*قد ذكر الله جل وعلا في -سورة- البروج حالة الذين اعتدوا على المسلمين وحرقوهم وفتنوهم تحذيرًا للمسلمين من أعمالهم الخبيثة، وحثًا على الصبر على ما يبتلى به العبد. الشيخ ابن باز =
فَإِنَّ السُّورَةَ وَرَدَتْ لِتَثْبِيتِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَذْكِيرِهِمْ بِمَا جَرَى عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ،= تفسير القرآن تفسير البيضاوي=

" وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ"

يُقْسِمُ اللَّهُ بِالسَّمَاءِ وَبُرُوجِهَا وَهِيَ النُّجُومُ الْعِظَامُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا " الْفُرْقَانِ : 61 .تفسير ابن كثير=
والله يقسم من خلقه بما يشاء ، له أن يقسم بالسماء وبغيرها، كما أقسم بالطور، وبالذاريات، وبالضحى والليل إذا يغشى، إلى غير ذلك؛ لأنها آيات دالة على قدرته العظيمة، وأنه الخلاق العليم ، وأنه القادر على كل شيء. أما العبد فليس له أن يحلف إلا بالله، المخلوق ليس له أن يحلف إلا بربه ولا يجوز الحلف بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالأمانة، ولا بالأصنام، ولا بشرف فلان، ولا غير ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت. الشيخ ابن باز =
"
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أدرك عمرَ بنَ الخطابِ، وهو يسير في ركبٍ، يحلفُ بأبيهِ، فقال " ألا إنَّ اللهَ ينهاكم أن تحلفوا بآبائِكم، من كان حالفًا فليحلفْ باللهِ أو لِيصمُتْ " . الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 6646 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر=
الْبُرُوجُ : جَمْعُ بُرْجٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ هُنَا : هَلْ هِيَ الْمَنَازِلُ أَوِ الْكَوَاكِبُ ، أَوْ قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ عَلَيْهَا حُرَّاسُهَا .
وَقِيلَ : إِنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنَ الظُّهُورِ ، وَمِنْهُ تَبَرُّجُ الْمَرْأَةِ ، وَسَاقَ بَيَانَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْ بُرُوجِ السَّمَاءِ وَعَدَدِ الْمَنَازِلِ الْمَذْكُورَةِ .
قال الشيخ السعدي في تفسيره:

"وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ "أَيْ: ذَاتِ الْمَنَازِلِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْكَوَاكِبِ الْمُنْتَظِمَةِ فِي سَيْرِهَا، عَلَى أَكْمَلِ تَرْتِيبٍ وَنِظَامٍ دَالٍّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحِمَتِهِ، وَسِعَةِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ. هنا=

"ذَاتِ الْبُرُوجِ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ : هِيَ الْمَنَازِلُ الَّتِي عَرَفَتْهَا الْعَرَبُ ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ عَلَى مَا قَسَّمَتْهُ ، وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُهَا الشَّمْسُ فِي سَنَةٍ ، وَالْقَمَرُ فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا . وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ : هِيَ الْقُصُورُ . وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا : هِيَ النُّجُومُ . وَقِيلَ : عِظَامُ الْكَوَاكِبِ ، سُمِّيَتْ بُرُوجًا لِظُهُورِهَا . وَقِيلَ : هِيَ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْبُرُوجِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ " وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ"
هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، أَيْ الْمَوْعُودِ بِهِ.

فهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ الْخَلْقَ أَنْ يَجْمَعَهُمْ فِيهِ، وَيَضُمَّ فِيهِ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ، وَقَّاصِيَهُمْ وَدَانِيَهُمُ، الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ، وَلَا يُخْلِفَ اللَّهُ الْمِيعَادَ.تفسير السعدي =
" وَشَاهِدٍ وَمَشْهُود"ٍ هَذَانِ مُنَكَّرَانِ ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُمَا عَلَى الْعُمُومِ لِقَوْلِهِ .
التفسير الكبير المسمى البحر المحيط.
"
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ"
"اليومُ الموعودُ يومُ القيامةِ، واليومُ المشهودُ يومُ عرفةَ، والشَّاهدُ يومُ الجمعةِ، قال وما طلَعتِ الشَّمسُ ولاَ غرَبَت على يومٍ أفضلَ منهُ، فيهِ ساعةٌ لاَ يوافِقُها عبدٌ مؤمنٌ يَدعو اللَّهَ بخيرٍ إلَّا استجابَ اللَّهُ لَهُ، ولاَ يستعيذُ من شيءٍ إلَّا أعاذَهُ اللَّهُ منهُ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 3339 - خلاصة حكم المحدث : حسن= الدرر =

شرح الحديث:في هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "اليومُ الموعودُ يَومُ القِيامةِ"، هو يومُ القِيامةِ؛ لأنَّ اللهَ وعَد به النَّاسَ، "واليومُ المشهودُ يومُ عَرفةَ"؛ لأنَّ النَّاسَ يَشهَدونه، أي: يَحضُرونه ويَجتمِعون فيه، "والشَّاهدُ يومُ الجُمُعةِ"، أي: يَشهَد لِمَن حضَر صَلاتَه، "وما طلَعتِ الشَّمسُ ولا غرَبَتْ على يومٍ أفضلَ منه"، أي: يَومِ الجُمُعةِ، "فيه ساعةٌ لا يُوافِقُها"، أي: يُصادِفُها، ويُوفَّقُ للدُّعاءِ فيها، "عَبدٌ مُسلِمٌ يَدعو اللهَ بخيرٍ إلَّا استجابَ اللهُ له. ولا يَستعيذُ"، أي: يَطلُبُ مِن اللهِ الحِمايةَ والوقايةَ، "مِن شَرٍّ إلَّا أعاذَه اللهُ منه"، أي: وَقَاه اللهُ مِن ذلك الشَّرِّ، والمرادُ أنَّ فيه ساعةَ إجابةٍ لمَن يَدْعو اللهَ عزَّ وجلَّ في تلك السَّاعةِ، فيَنبغي الحِرصُ عليها وعلى الدُّعاءِ فيها، وقد ورَد في تَحديدِ تلك السَّاعةِ عندَ أبي داودَ والنَّسائيِّ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما -قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "فالْتَمِسوها آخرَ ساعةٍ بعدَ العصرِ"الدرر .
كما ورَدَ أنَّها الساعةُ التي بين أذانِ الجُمُعةِ وانقضاءِ الصَّلاةِ، كما في صحيحِ مُسلمٍ من حَديثِ أبي موسى الأَشعريِّ رضِيَ اللهُ عنه، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ -يعني في ساعةِ الجُمُعةِ- "هي ما بينَ أنْ يَجلِسَ الإمامُ إلى أنْ تُقضَى الصَّلاةُ"الدرر، وكلُّ واحدةٍ مِن هاتَينِ الساعتَينِ يُرجَى فيها إجابةُ الدُّعاءِ.= الدرر =



" وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ " أَيْ :يَوْمٌ عَظِيمٌ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ ،وَيَجْتَمِعُ فِيهِ الرُّسُلُ جَمِيعُهُمْ ، وَتُحْشَرُ فِيهِ الْخَلَائِقُ بِأَسْرِهِمْ ، مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالطَّيْرِ وَالْوُحُوشِ وَالدَّوَابِّ ، وَيَحْكُمُ فِيهِمُ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-21-2019, 02:49 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
root

"قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ"البروج : 4.

وَهَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ.الأُخْدُودِ: الْحُفَرُ الَّتِي تُحْفَرُ فِي الْأَرْضِ. وَكَانَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ هَؤُلَاءِ قَوْمًا كَافِرِينَ، وَلَدَيْهِمْ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ، فَرَاوَدُوهُمْ عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِهِمْ، فَامْتَنَعَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَشَقَّ الْكَافِرُونَ أُخْدُودًا فِي الْأَرْضِ ، وَقَذَفُوا فِيهَا النَّارَ، وَقَعَدُوا حَوْلَهَا، وَفَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ، وَعَرَضُوهُمْ عَلَيْهَا، فَمَنِ اسْتَجَابَ لَهُمْ أَطْلَقُوهُ، وَمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِيمَانِ قَذَفُوهُ فِي النَّارِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُحَارَبَةِ لِلَّهِ وَلِحِزْبِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَأَهْلَكَهُمْ وَتَوَعَّدَهُمْ فَقَالَ" قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ"تفسير السعدي=


" كان ملكٌ فيمن كان قبلكم . وكان لهُ ساحرٌ . فلما كبرَ قال للملكِ : إني قد كبرتُ . فابعث إليَّ غلامًا أُعلِّمُه السحرَ . فبعث إليهِ غلامًا يُعلِّمُه . فكان في طريقِه ، إذا سلك ، راهبٌ . فقعد إليهِ وسمع كلامَه . فأعجبَه . فكان إذا أتى الساحرَ مرَّ بالراهبِ وقعد إليهِ . فإذا أتى الساحرَ ضربَه . فشكا ذلك إلى الراهبِ . فقال : إذا خشيتَ الساحرَ فقل : حبسني أهلي . وإذا خشيتَ أهلك فقل : حبسني الساحرُ . فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبستِ الناسَ . فقال : اليومَ أعلمُ آلساحرُ أفضلُ أم الراهبُ أفضلُ ؟ فأخذ حجرًا فقال : اللهم ! إن كان أمرُ الراهبِ أحبُّ إليك من أمرِ الساحرِ فاقتل هذهِ الدابةَ . حتى يمضي الناسُ . فرماها فقتلها . ومضى الناسُ . فأتى الراهبَ فأخبرَه . فقال لهُ الراهبُ : أي بنيَّ ! أنت ، اليوم ، أفضلُ مني . قد بلغ من أمرك ما أرى . وإنك ستُبتلى . فإن ابتُليتَ فلا تَدُلَّ عليَّ . وكان الغلامُ يُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ ويُداوي الناسَ من سائرِ الأدواءِ . فسمع جليسٌ للملكِ كان قد عمي . فأتاهُ بهدايا كثيرةٍ . فقال : ما ههنا لكَ أجمعُ ، إن أنتَ شفيتني . فقال : إني لا أشفي أحدًا . إنما يشفي اللهُ . فإن أنت آمنتَ باللهِ دعوتُ اللهَ فشفاكَ . فآمنَ باللهِ . فشفاهُ اللهُ . فأتى الملكُ فجلس إليهِ كما كان يجلسُ . فقال لهُ الملكُ : من ردَّ عليك بصرك ؟ قال : ربي . قال : ولك ربٌّ غيري ؟ قال : ربي وربك اللهُ . فأخذَه فلم يزل يُعذبْه حتى دَلَّ على الغلامِ . فجئَ بالغلامِ . فقال لهُ الملكُ : أي بنيَّ ! قد بلغ من سحركَ ما تُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ وتفعلُ وتفعلُ . فقال : إني لا أشفي أحدًا . إنما يشفي اللهُ . فأخذَه فلم يزل يعذبْه حتى دلَّ على الراهبِ . فجئ بالراهبِ . فقيل لهُ : ارجع عن دينك . فأبى . فدعا بالمئشارِ . فوُضع المئشارُ على مفرقِ رأسِه . فشقَّه حتى وقع شِقَّاه . ثم جئ بجليسِ الملكِ فقيل لهُ : ارجع عن دينك . فأبى . فوُضعَ المئشارُ في مفرقِ رأسِه . فشقَّهُ بهِ حتى وقع شِقَّاهُ . ثم جئ بالغلامِ فقيل لهُ : ارجع عن دينك . فأبى . فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال : اذهبوا بهِ إلى جبلِ كذا وكذا . فاصعدوا بهِ الجبلَ . فإذا بلغتم ذروتَه ، فإن رجع عن دينِه ، وإلا فاطرحوهُ . فذهبوا بهِ فصعدوا بهِ الجبلَ . فقال : اللهم ! اكفنيهم بما شئتَ . فرجف بهم الجبلُ فسقطوا . وجاء يمشي إلى الملكِ . فقال لهُ الملكُ : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم اللهُ . فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال : اذهبوا بهِ فاحملوهُ في قرقورٍ ، فتوسَّطوا بهِ البحرَ . فإن رجع عن دينِه وإلا فاقذفوهُ . فذهبوا بهِ . فقال : اللهم ! اكفنيهم بما شئتَ . فانكفأت بهم السفينةُ فغرقوا . وجاء يمشي إلى الملكِ . فقال لهُ الملكُ : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم اللهُ . فقال للملكِ : إنك لستَ بقاتلي حتى تفعلَ ما آمرك بهِ . قال : وما هو ؟ قال : تجمعُ الناسَ في صعيدٍ واحدٍ . وتُصلبني على جذعٍ . ثم خذ سهمًا من كنانتي . ثم ضعِ السهمَ في كبدِ القوسِ . ثم قل : باسمِ اللهِ ، ربِّ الغلامِ . ثم ارمني . فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناسَ في صعيدٍ واحدٍ . وصلبَه على جذعٍ . ثم أخذ سهمًا من كنانتِه . ثم وضع السهمَ في كبدِ القوسِ ثم قال : باسمِ اللهِ ، ربِّ الغلامِ . ثم رماهُ فوقع السهمُ في صدغِه . فوضع يدَه في صدغِه في موضعِ السهمِ . فمات . فقال الناسُ : آمنَّا بربِّ الغلامِ . آمنَّا بربِّ الغلامِ . آمنَّا بربِّ الغلامِ . فأتى الملكُ فقيل لهُ : أرأيتَ ما كنت تحذرُ ؟ قد ، واللهِ ! نزل بك حذرك . قد آمنَ الناسُ فأمر بالأخدودِ في أفواهِ السككِ فخُدَّت . وأُضرمَ النيرانُ . وقال : من لم يرجع عن دينِه فأحموهُ فيها . أو قيل له : اقتحم . ففعلوا حتى جاءت امرأةٌ ومعها صبيٌّ لها فتقاعست أن تقعَ فيها . فقال لها الغلامُ : يا أمه ! اصبري . فإنكِ على الحقِّ " الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 3005 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =

في الحديثِ: إثباتُ كَراماتِ الأولياء.
وفيه: نَصْرُ مَن توكَّل على الله سبحانه وانْتَصَر به وخرَج عن حَوْلِ نفْسِه وقُوَاها.
وفيه: صبرُ الصَّالحين على الابتلاءِ فى ذات الله، وما يَلْزَمُهم مِن إظهارِ دِينِه والدُّعاءِ لتوحيدِه، واستِقتالهم أنفسهم فى ذلك
= الدرر =


الأولياء هم المؤمنون أولياء الله هم أهل الإيمان, قال- جل وعلا" أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ"يونس62-63- هؤلاء هم أولياء الله من الإنس والجن, من الرجال والنساء قال-تعالى" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"التوبة71, ولهم كرامات إذا استقاموا على الإيمان, قد يكرمهم الله بتسهيل قضاء دينهم, بوجود فرج عند الكربة من كرامات الله لهم أن يفرج كربتهم عند إحاطة الأعداء بهم, أو تمكن الأعداء منهم أن يفرج الله لهم حتى يسلموا من شرهم, أو بقضاء دينهم وإزالة عسرهم, أو بإنجائهم من لص, أو من سبع أو ما أشبه ذلك هذه من كرامات الله لهم, وهي النعمة التي تحصل لهم خرقًا للعادة يعني خلاف العادة هذه يقال لها كرامة وهي تكون للأولياء وللرسل، وتسمى في حق الرسل معجزة، وفي حق الأولياء كرامة، لكن ليس له التصرف في الملكوت، ليس لهم التصرف في الكون ولا في السماوات ولا في الأرض، هم مقيدون، ليس لهم التصرف إلا فيما شرع الله، وبما أباح الله لهم، وليس هم يعلمون الغيب، وليس لهم التصرف في السماء ولا في الأرض إلا بإذن الله، إلا فيما شرع الله كالبيع والشراء والزراعة ونحوها مما شرع الله لعباده، أما ظن الصوفية وأشباه الصوفية أن الأولياء لهم تصرف وأنهم يعلمون الغيب هذا باطل، وهذا جهل، الأولياء مثل غيرهم لا يملكون إلا ما ملكهم الله إياه من زراعة من تجارة من غير ذلك، لكن قد يعطيهم الله كرامة تفريجًا لكربهم وتيسيرًا لأمورهم فضلًا من الله عليهم عند الحاجة، عند الكربة والحاجة يتيح الله لهم كرامة، مثل ما جرى لأهل الكهف أكرهم الله ومكثوا في كفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعًا ولم يصبهم شيء، حتى أماتهم الله الموتة التي كتبها عليهم، ومثل ما جرى لعباد بن بشر وأسيد بن حضير كانوا ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم يسمرون فلما خرجوا من عنده في ليلة ظلماء أضاء سوط كل واحد له نور، حتى وصل إلى بيته، جعل الله في سوطه نور حتى وصل إلى بيته كل واحد، هذه كرامة من الله جل وعلا. .... هذه كرامة لكن لا يعلمون الغيب ولا يتصرفون إلا بإذن الله سبحانه، وفيما أعطاهم جل وعلا. شكر الله لكم....= الشيخ ابن باز =


¢فالكرامةُ هي ما يجريه اللهُ على يد بعض أوليائه المؤمنين من خوارق العادات في العلوم والمكاشفات والقدرة والتأثير غيرَ مقرونٍ بدعوة النبوَّة ولا مقدِّمةٍ لها.
والأمر الخارق للعادة -في الكرامة- إنما يجريه الله تعالى على مَنْ ظاهرُه الإيمان والعملُ الصالح والتزامه بمتابعة نبيٍّ كُلِّف بشريعةٍ، فالكرامةُ لا تحصل إلاَّ ببركةِ متابعة النبيِّ، فكان وقوع كرامات الأولياء -في حقيقة الأمر- من معجزات الأنبياء.
¢أمَّا خوارق العادات التي تظهر على أيدي أهل الدَّجل والضلال والانحراف السلوكيِّ والعقديِّ ممَّن يدعو مع الله إلهًا آخر أو يدَّعي معرفةَ أسرار الكون والاطِّلاعَ على الغيب أو من يدعو الأمواتَ والأحياء من الجنِّ والإنس معتقدًا نَفْعَهم وضرَّهم، كالسحرة والكهنة والمشعوذة ونحو ذلك؛ فإنما هي أحوالٌ شيطانيةٌ وخوارق إبليسيةٌ ليست من الكرامة في شيءٍ(ظ،).
وبهذا المعيار السابق تظهر –أيضًا- خوارق المعجزة التي يجريها الله تعالى على أيدي الرسل والأنبياء الذين يخبرون عن الله تعالى ويتحدَّوْن بالمعجزة العبادَ لتصديقهم والإقرار بدعوتهم وما أُرسلوا به.
وعليه فلا تدلُّ خوارق العادات في ذاتها على صدقِ مَن ظهرت على يديه ولا على ولايته، فقد تكون استدراجًا أو مَكْرًا، وقد تُعَدُّ ابتلاءً فيسعد بها قومٌ ويشقى آخَرون.
هذا، ومن أمثلة الكرامة في باب العلوم والمكاشفات: قصَّة الخَضِر مع موسى عليه السلام وما أجرى الله على يده من الوقائع الثلاث التي استعظمها موسى عليه السلام: خرق السفينة، وقتل الصبيِّ، وتقويم الجدار، وكإخبار أبي بكرٍ رضي الله عنه أنَّ في بطن امرأته أنثى فصدَّق الله ظنَّه وجعل ذلك كرامةً له، ونداء عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه وهو على منبره بالمدينة فقال: «يا سارية بنَ زُنَيْم، الجبلَ» وهو بالعراق فسمعه.
أمَّا أمثلة الكرامة في باب القدرة والتأثير: فقصَّة أصحاب الكهف ومكوثهم فيه أحياء ثلاثمائةٍ سنينَ وازدادوا تسعًا، وقصَّة مريم حيث كانت تؤتى بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فعجب من ذلك زكريَّا وقال"يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ"آل عمران:37.
وقصَّة «سارَة» زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام التي بشَّرها الرسل بإسحاق، وقال تعالى"وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ. قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"هود: 73، وكذلك في قصَّة الذي عنده علمٌ من الكتاب مع سليمان عليه الصلاة والسلام، قال تعالى"قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ"النمل:40 ، ونحو ذلك كثيرٌ، ولا تزال كرامات الأولياء جاريةً إلى قيام الساعة. وهذا يدلُّ على أنه يوجد مع السنن والأسباب المقتضية للمسبَّبات الموضوعة لها سننٌ أخرى لا يقع علمُ البشر عليها ولا تدركها أعمالُهم وأسبابهم.

هذا، وأهل السنَّة والجماعة يؤمنون بما صحَّ من كرامات الأولياء وجوبًا وأنها حقّ، أمَّا ما لم يثبت فحكمه التوقُّف فيه مع الإقرار بإمكان وقوعه من غير إثباته ولا نفيه، وهم بذلك يخالفون المعتزلةَ ومن وافقهم في إنكارهم لكرامات الأولياء.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

انظر: «قاعدة في المعجزات والكرامات» لابن تيمية ، وانظر رسالته: «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» وفي «مجموع الفتاوى» .


وهذا إذا ما تقرَّر أنَّ الخضر وليٌّ و ليس نبيًّا وهو قول أكثر العلماء. انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية ، «تفسير ابن كثير» .


أخرجه مالك في «الموطإ» ، والبيهقي في «السنن الكبرى» ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» ، عن عائشة رضي الله عنها. قال الألباني في «الإرواء» : «وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين».


أخرجه البيهقي في «الاعتقاد» ، وأبو نعيم في «دلائل النبوَّة» ، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحسَّنه ابن حجر في «الإصابة» ، والألباني في «السلسلة الصحيحة»


للاطِّلاع على مجموعةٍ من وقائع كرامات الأولياء يراجع الجزء التاسع المتعلِّق ، «كرامات أولياء الله» من كتاب «شرح اعتقاد أهل السنَّة و الجماعة» لأبي القاسم اللالكائي رحمه الله.


انظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ
= هنا =


"قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ" ثُمَّ فَسَّرَ الْأُخْدُودَ بِقَوْلِهِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ *

وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ التَّجَبُّرِ وَقَسَاوَةِ الْقَلْبِ، لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الْكُفْرِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَمُعَانَدَتِهَا، وَمُحَارَبَةِ أَهْلِهَا وَتَعْذِيبِهِمْ بِهَذَا الْعَذَابِ، الَّذِي تَنْفَطِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وَحُضُورُهُمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ إِلْقَائِهِمْ فِيهَا.
النَّارِ بَدَلٌ مِنَ الْأُخْدُودِ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ. ذَاتِ الْوَقُودِ صِفَةٌ لَهَا بِالْعَظَمَةِ وَكَثْرَةِ مَا يَرْتَفِعُ بِهِ لَهَبُهَا، وَاللَّامُ فِي الْوَقُودِ لِلْجِنْسِ.

إِذْ هُمْ عَلَيْهَا عَلَى حَافَّةِ النَّارِ. قُعُودٌ قَاعِدُونَ.
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عِنْدَ الْمَلِكِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَصِّرُوا فِيمَا أُمِرُوا بِهِ، أَوْ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ.

وقالَ ابنُ كثير:

أَيْ مُشَاهِدُونَ لِمَا يُفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ = ابن كثير =
وفي التفسير الوسيط :

أي: أن هؤلاء الطغاة الظالمين، لم يكتفوا بإشعال النار، والقعود حولها وهم يعذبون المؤمنين، بل أضافوا إلى ذلك، أنهم يشهدون تعذيبهم، ويرونه بأعينهم على سبيل التشفي منهم، فقوله شُهُودٌ بمعنى حضور، أو بمعنى يشهد بعضهم لبعض أمام ملكهم الظالم، بأنهم ما قصروا في تعذيب المؤمنين. وهذا الفعل منهم. يدل على نهاية القسوة والظلم، وعلى خلو قلوبهم من أي رحمة أو شفقة.
أو يشهد بعضهم على بعض بذلك الفعل الشنيع يوم القيامة، أو يشهدون على أنفسهم بذلك، كما قال- تعالى"يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ"النور 24..هنا =

"
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ "البروج : .
وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مَا نَقَمُوا - أي
ما كرهوا أو ما عابوا .،-مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا حَالَةً يُمْدَحُونَ عَلَيْهَا، وَبِهَا سَعَادَتُهُمْ، وَهِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أَيِ: الَّذِي لَهُ الْعِزَّةُ الَّتِي قَهَرَ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ حَمِيدٌ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ.

وَالحَمِيدُ سُبْحَانَهُ هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ،لذاته-

العزيز : من أسماء الله تعالى ، والعزّة التي هي صفة لله لها ثلاث معان: عِزة الامتناع. وعزة القهر والغلبة. وعزة القوة. وكلها لله تعالى على أتم وجه وأكمله.
فالعزة لها ثلاثة معانٍ، وكلها كاملة لله عز وجل:
1- عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي المتين، وهي وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت.
2- عزة الامتناع، فإنه هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، بل هو الضار النافع المعطي المانع.
3- عزة القهر والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي الخلق بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف منها متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا به. فمن قوته واقتداره أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأنه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون= الموسوعة العقدية=

ومن معاني العزيز :الندرة ونفاسة القدر، وهو سبحانه وتعالى لا يعادله شيء ولا مثل له ولا نظير له"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "الشورى/11.
*قال الزجاجي:
العزيز من العزة أي القوة والغلبة، وهو من الشيء العزيز أي النادر الذي يصعب وجود مثله، وهو أيضًا بمعنى الممتنع، والخطير الذي يقل وجوده، وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه= الزجاجي :اشتقاق الأسماء / 23.239.


"
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ "البروج : 9.
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ خَلْقًا وَعَبِيدًا، يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ بِمَا يَشَاءُ ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ عِلْمًا وَسَمْعًا وَبَصَرًا، أَفَلَا خَافَ هَؤُلَاءِ الْمُتَمَرِّدُونَ عَلَيْهِ، أَنْ يَأْخُذَهُمُ الْعَزِيزُ الْمُقْتَدِرُ، أَوَ مَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ مَمَالِيكُ لِلَّهِ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ سُلْطَةٌ، مِنْ دُونِ إِذْنِ الْمَالِكِ؟ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ مُحِيطٌ بِأَعْمَالِهِمْ، مُجَازِيهِمْ عَلَى فِعَالِهِمْ ؟ كَلَّا إِنَّ الْكَافِرَ فِي غُرُورٍ، وَالْجَاهِلَ فِي عَمًى وَضَلَالٍ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
تفسير السعدي=
أي: أن هؤلاء الكافرين ما كرهوا المؤمنينَ، وما أنزلوا بهم ما أنزلوا من عذاب، إلا لشيء واحد، وهو أن المؤمنين أخلصوا عبادتَهم للهِ- تعالى- صاحب العزة التامة، والحمد المطلق، والذي له ملك جميع ما في السموات والأرض، وهو- سبحانه- على كل شيء شهيد ورقيب، لا يخفى عليه أمر من أمور عباده، أو حال من أحوالهم.
فالمقصود من هاتين الآيتين الكريمتين، التعجب من حال هؤلاء المجرمين، حيث عذبوا المؤمنين، لا لشيء إلا من أجل إيمانهم بخالقهم، وكأن الإيمان في نظرهم جريمة تستحق الإحراق بالنار.
وهكذا النفوس عند ما يستحوذ عليها الشيطان، تتحول الحسنات في نظرها إلى سيئات، وقديما قال المنكوسون من قوم لوط- عليه السلام"أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ".النمل: 56.
والاستثناء في قوله: إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ.. استثناء مفصح عن براءة المؤمنين مما يعاب وينكر، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم
. التفسير الوسيط .
وعلى أية حال فالمقصود بهذه الآيات الكريمة، تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان، وتسليتهم عما أصابهم من أعدائهم، وإعلامهم بأن ما نزل بهم من أذى، قد نزل ما هو أكبر منه بالمؤمنين السابقين، فعليهم أن يصبروا كما صبر أسلافُهم، وقد اقتضت سنته- تعالى- أن يجعلَ العاقبةَ للمتقينَ. التفسير الوسيط.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-28-2019, 03:30 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
Post


ثُم هَدَدَ- سبحانَه- كفارَ قريش بسوءِ المصيرِ، إِذَا ما استمرُّوا في إيذائِهم للمؤمنينَ، فقالَ- تعالى:

" إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ" البروج :10.

وقولُه: فَتَنُوا من الفتن، بمعنى الاختبار والامتحان. تقول: فتنتُ الذهبَ بالنارِ، أي: أدخلتُهُ في النارِ لتُعْلَم جودتُهُ من رداءَتِهِ، والمرادُ به هنا: التعذيبُ والتحريقُ بالنارِ.التفسير الوسيط.
*وقال ابنُ عطية في تفسيرِهِ :
"فَتَنُوا" مَعْنَاهُ: أَحْرَقُوا، وَفَتَنْتُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِي النَّارِ: أَحْرَقَتَهُمَا، وَالْفَتِينُ: حِجَارَةُ الْحُرَّةِ السُّودُ لِأَنَّ الشَّمْسَ كَأَنَّهَا أَحْرَقَتْهَا. وَمَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الْأَوَاخِرَ فِي قُرَيْشٍ جَعَلَ الْفِتْنَةَ الِامْتِحَانَ وَالتَّعْذِيبَ، وَيُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ بَعْضُ التَّقْوِيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي قُرَيْشٍ أَحْكَمُ مِنْهُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَأَمَّا قُرَيْشٌ فَكَانَ فِيهِمْ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ مَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تفسير ابن عطية.

والمراد بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات: كفار قريش، كأبي جهل وأمية ابن خلف.
وغيرهما، فقد عذبوا بلالًا، وعمار بن ياسر، وأباه وأمه سمية.
ويصح أن يُراد بهم جميع من عذبوا المؤمنين والمؤمنات، ويدخل فيه أصحاب الأخدود، وكفار قريش دخولا أوليًّا.
وجمع- سبحانه- بين عذاب جهنم لهم، وبين عذاب الحريق، لبيان أن العذاب لهم مضاعف، بسبب طغيانهم وشركهم.
فلهم في الآخرة عذاب - جهنم- ولهم نار أخرى زائدة على غيرها في الإحراق -عذاب الحريق.. التفسير الوسيط =

ثم بيَّنَ- سبحانه- بعد ذلك ما أعده للمؤمنينَ والمؤمناتِ من ثوابٍ وعطاءٍ كريمٍ فقال:
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ"البروج :11.

لَمَّا ذَكَرَ عُقُوبَةَ الظَّالِمِينَ، ذَكَرَ ثَوَابَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا " بِقُلُوبِهِمْ "وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" بِجَوَارِحِهِمْ "لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ"الَّذِي حَصَلَ لَهُمُ الْفَوْزُ بِرِضَا اللَّهِ وَدَارِ كَرَامَتِهِ.تفسير السعدي=
فإن الجنات في اللغة تعني البساتين لأنها تجن أي تستر ما فيها، والمراد بها هنا الجنة التي أعدها الله دار خلود لأوليائه، وهي مشتملة على كثير من البساتين.
والأنهار مجاري الماء الواسعة، وقيل المياه الجارية بها، وهذه الأنهار تجري من تحت مساكنها وأشجارها= إسلام ويب=


=وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُحْرَقُونَ فِي الْأُخْدُودِ بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَيْ: لَهُمْ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ جَنَّاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ...... وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ" ذلِكَ" إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ، أَيْ: ذَلِكَ الْمَذْكُورُ "الْفَوْزُ الْكَبِيرُ" الَّذِي: لَا يَعْدِلُهُ فَوْزٌ وَلَا يُقَارِبُهُ وَلَا يُدَانِيهِ، وَالْفَوْزُ: الظَّفَرُ بِالْمَطْلُوبِ= فتح القدير للشوكاني =

" إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ" البروج :12.

والبَطْش: هو الأخذ بقوة وسرعة وعنف. أي: إن بطش ربك- أيها الرسول الكريم- بالظالمين والطغاة لبالغ نهاية القوة والعنف: فمر أصحابك فليصبروا على الأذى، فإن العاقبة الحسنة ستكون لهم وحدهم.التفسير الوسيط .

جُمْلَةُ "إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ" مُسْتَأْنَفَةٌ لخطاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مُبَيِّنَة لِمَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْجَزَاءِ لِمَنْ عَصَاهُ، وَالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، أَيْ: أَخْذُهُ لِلْجَبَابِرَةِ وَالظَّلَمَةِ شَدِيدٌ، وَالْبَطْشُ: الْأَخْذُ بِعُنْفٍ، وَوَصْفُهُ بِالشِّدَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَضَاعَفَ وَتَفَاقَمَ، وَمِثْلُ هذه قوله"إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" «هود :102» فتح القدير للشوكاني=

"
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ"البروج :13.
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ أي: يخلق الخلق أَوَّلًا فِي الدُّنْيَا وَيُعِيدُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ. كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: يُبْدِئُ لِلْكُفَّارِ عَذَابَ الْحَرِيقِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُعِيدُهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
فتح القدير للشوكاني=

وحُذِفَ المفعول في الفعلين، لقصد العموم، ليشمل كل ما من شأنه أن يبدأ وأن يعاد من الخلق أو من العذاب أو من غيرهما.
التفسير الوسيط=
"وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ "
البروج :14.
أَيْ: بَالِغُ الْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَفْضَحُهُمْ بِهَا، بَالِغُ الْمَحَبَّةِ لِلْمُطِيعِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْوَادُّ لِأَوْلِيَائِهِ، فَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى الْوَدُودِ الرَّحِيمُ.
.فتح القدير للشوكاني=

اسم الله الودود:
وروده في القرآن الكريم
: ورد اسم الله تعالى الودود مرتين في القرآن الكريم: في قوله تعالى"وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ"هود:90، وقوله جلَّ وعلا"إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ"البروج:13-14.

المعنى اللغوي: الوُدُّ مصدر المودَّة، والودُّ هو الحبُّ يكون في جميع مداخل الخير. وَوَدِدْتُ الشيء أوَدُّ، وهو من الأمنية وشدة التعلُّق بحدوث الشيء، كما في قوله تعالى"يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ"البقرة من الآية:96، أي: يتمنى أن يعيش ألف سنة، وكقوله تعالى"يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ"البروج من الآية:11. قال ابن العربي: "اتفق أهل اللغة على أن المودَّة هي المحبة"، قال تعالى"وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً"الروم من الآية:21، ويأتي أيضًا بمعنى الملازمة مع التعلُّق، فالودد معناه الوتد؛ لثبوته ولشدة ملازمته وتعلقه بالشيء. ويأتي على معنى المعية والمرافقة والمصاحبة كلازم من لوازم المحبة. كما ورد عَنْ ابنِ عُمَرَ أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» صحيح مسلم.

والفرق بين الحُبُّ والودُّ: أن الحب ما استقر في القلب، والودُّ ما ظهر على السلوك. فكل ودود مُحب، وليس كل مُحب ودود، وكل ودود أساسه مشاعر الحب في قلبه.

معنى الاسم في حق الله تعالى:
الودود في صفات الله بمعنى: الذي يودُّ عبادَهُ الصالحينَ ويحبهم".

والمعنى الثاني:أنه مودود بمعنى مفعول، أي:الذي يوده عبادُه ويحبونه
.
= هنا =

ومن عجائب ودِّهِ:أن تسبق محبته للعباد محبتهم له. فالله هو الذي يبتديء عباده بالمحبة، قال تعالى"فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"المائدة من الآية:54.
يقول ابن الجوزي "سبحان من سبقت محبته لأحبابه؛ فمدحهم على ما وهب لهم، واشترى منهم ما أعطاهم، وقدم المتأخر من أوصافهم لموضع إيثارهم، فباهى بهم في صومهم، وأحب خلوف أفواههم، يا لها من حالةٍ مصونةٍ! لا يقدر عليها كل طالب، ولا يبلغ كنه وصفها كل خاطب" صيد الخاطر:1:28.
ومن عجائب ودِّهِ: أنه يتودد بنعمه لأهل المعاصي، ويقيم بها عليهم الحجة. ومن لطائف ودِّهِ: أنه لا يرفعه عن المذنبين، وإن تكررت ذنوبهم، فإذا تابوا منها وعادوا إليه شملهم بمحبته أعظم مما كانوا عليه. أليس الله يحب التوابين؟
"
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " سورة البقرة:222.
وتأمل سر اقتران هذين الاسمين فى قوله تعالى"إِنَّهُ هُوَ يُبْدِيءُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْودُود"البروج:13-14. تجد فيه من الرد والإنكار على من قال "لا يعود الودُّ والمحبة منه لعبده أبدًا، ما هو من كنوز القرآن ولطائف فهمه، وفى ذلك ما يُهَيِّج القلب السليم ويأْخذ بمجامعه ويجعله عاكفًا على ربِّه الذي لا إله إلا هو ولا ربُّ له سواه. عكوف المحب الصادق على محبوبِهِ الذي لا غنى له عنه، ولا بد له منه ولا تندفع ضرورته بغيره أبدًا" طريق الهجرتين:23:98. فالله هو الذي يبدأ بالمغفرة ويُعيدها مرةً أخرى. تذنب ثم تتوب إليه بصدق، فيغفر ويصفح، ليس هذا فحسب بل تزداد محبته لك، أفضل وأعظم مما كانت لك قبل ذلك.

اللَّهُ أفرَحُ بتوبةِ عبدِهِ مِن أحدِكُم ، سقَطَ على بعيرِهِ ، وقد أضلَّهُ في أرضِ فَلاةٍ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6309 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر=


إذا أردت أن يكون لك حظ عظيم من اسم الله تعالى "الودود"، فتودد إليه بالأعمال الصالحة. وإن وصلت إلى تلك المنزلة، ستنال محبة الله عزَّ وجلَّ وملائكته وسيُبسَط لك القبول في الأرض. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ» صحيح البخاري، قال تعالى" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا"مريم: 96، أي: سيجعل لهم محبة وودادًا في قلوب أوليائه، وقبولًا عند أهل السماء والأرض، وإذا أحبّهم الآخرون صار لهم في قلوبهم مكانةً وقدرًا، وتيسرت كثير من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات والقبول والإمامة ما تقرّ به أعينهم، وتنشرح به صدورهم، وتسعد به حياتهم.هنا=
ولوْ لمْ يَكُنْ في مَحَبَّةِ اللَّهِ إلاَّ أنَّهَا تُنْجِي مُحِبَّهُ منْ عذابِهِ لكانَ يَنْبَغِي للعبدِ أنْ لا يَتَعَوَّضَ عنها بشيءٍ أبدًا، فَأَبْشِرْ فَإِنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ لَا يُعَذِّبُ حَبِيْبَهُ. = هنا =
"
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ" البروج :15.

وَمَعْنَى ذُو الْعَرْشِ: ذُو الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ . وَقِيلَ: الْمُرَادُ خَالِقُ الْعَرْشِ = فتح القدير للشوكاني=
وقيل:
أَيْ: صَاحِبُ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الَّذِي مِنْ عَظَمَتِهِ، أَنَّهُ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْكُرْسِيَّ، فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ، بِالنِّسْبَةِ لِسَائِرِ الْأَرْضِ، وَخَصَّ اللَّهُ الْعَرْشَ بِالذِّكْرِ، لِعَظَمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ أَخَصُّ الْمَخْلُوقَاتِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ تَعَالَى، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ، يَكُونُ الْمَجِيدُ نَعْتًا لِلْعَرْشِ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ نَعْتًا لِلَّهِ . وَالْمَجْدُ سِعَةُ الْأَوْصَافِ وَعَظَمَتُهَا. تفسير السعدي =
أَيْ صَاحِبُ الْعَرْشِ الْمُعَظَّمِ الْعَالِي عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ.تفسير ابن كثير ، الذي لا يعرف كنهه إلا هو- سبحانه-، وهو
وَ الْمَجِيدُ : فِيهِ قِرَاءَتَانِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَرْشِ وَكِلَاهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ
.تفسير ابن كثير .
"
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ "البروج :16.

وَقَوْلُهُ "فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " يَقُولُ : هُوَ غَفَّارٌ لِذُنُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا تَابَ وَأَنَابَ مِنْهَا ، مُعَاقِبٌ مَنْ أَصَرَّ عَلَيْهَا وَأَقَامَ ، لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ ، مِنْ فِعْلٍ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَهُ ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَائِلٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ مُلْكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
تفسير الطبري=
وقيل "فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ" أَيْ: مِنَ الْإِبْدَاءِ وَالْإِعَادَةِ.فتح القدير للشوكاني.
"
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ"البروج :18.17.
ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك، ما يدل على شدة بطشه، ونفاذ أمره .
هَذَا تَوْقِيفٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى: فَاجْعَلْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُخَالِفُونَكَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ وَلَا تَهْتَمَّ، فَقَدِ انْتَقَمَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أُولَئِكَ الْأَقْوِيَاءِ الْأَشِدَّاءِ فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ؟ تفسير ابن عطية=

فقال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ. فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ.
والاستفهام هنا: للتقرير والتهويل. والمراد بالجنود: الجموع الكثيرة التي عتت عن أمر ربها، فأخذها- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، وقوله: فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بدل من الجنود.
والمراد بفرعون وثمود: ملؤهما وقومهما الذين آثروا الغي على الرشد، والضلالة على الهداية، والباطل على الحق. أى: لقد بلغك- أيها الرسول الكريم- حديث فرعون الذي طغى وبغى، واتبعه قومه في طغيانه وبغيه، وحديث قوم صالح- عليه السلام- وهم الذين كذبوا نبيهم. وآذوه، وعقروا الناقة التي نهاهم عن أن يمسوها بسوء.
وكيف أنه- سبحانه- قد دمر الجميع تدميرًا شديدًا، جزاء كفرهم وبغيهم.
وخصَّ- سبحانه- جندَ فرعونَ وثمود بالذكرِ، لأنهم كانوا أشدَّ من غيرِهِم بغيًا وظلمًا، ولأنهم كانت قصصُهُم معروفةً لأهلِ مكة أكثر من غيرِهِم.
=التفسير الوسيط=
"بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ"
البروج :19.
أَيْ: لَا يَزَالُونَ مُسْتَمِرِّينَ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالْعِنَادِ، لَا تَنْفَعُ فِيهِمُ الْآيَاتُ، وَلَا تُجْدِي لَدَيْهِمُ الْعِظَاتُ. تفسير السعدي =

وَكَانَ فِرْعَوْنُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْهَلَاكِ ، فَدَلَّ بِقِصَّتِهِ وَقِصَّةِ ثَمُودَ عَلَى أَمْثَالِهِمَا مِنْ قِصَصِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ وَهَلَاكِهِمْ ." بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا" أَيْ مِنْ قَوْمِكَ ، " فِي تَكْذِيبٍ " حَسَدًا لَكَ ، لَمْ يَعْتَبِرُوا بِمَا جَرَى لِمَنْ قَبْلَهُمْ حِينَ كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ .
" وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ"
البروج :19.

أَيْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ عِلْمًا وَقُدْرَةً . تفسير السعدي =
فـ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مَا أَنْزَلَ بِفِرْعَوْنَ وَثَمُودَ وَمَنْ كَانَ مُحَاطًا بِهِ ، فَهُوَ مَحْصُورٌ فِي غَايَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعًا ، وَالْمَعْنَى : دُنُوُّ هَلَاكِهِمْ ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ فِي تَكْذِيبٍ ، وَأَنَّ التَّكْذِيبَ عَمَّهُمْ حَتَّى صَارَ كَالْوِعَاءِ لَهُمْ ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ كَذَّبُوهُ وَكَذَّبُوا مَا جَاءَ بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ ، أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَكَذَّبُوا فَقَالَ : "
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ" البروج :20.
أَيْ: لَا مَذَمَّةَ فِيهِ.
تفسير ابن عطية. : وَسِيعُ الْمَعَانِي عَظِيمُهَا، كَثِيرُ الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ= تفسير السعدي =
أَيْ بَلِ الَّذِي كَذَّبُوا بِهِ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ، وَمَجَادَتُهُ : شَرَفُهُ عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ بِإِعْجَازِهِ فِي نَظْمِهِ وَصِحَّةِ مَعَانِيهِ ، وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي مَحَاسِنِهِ .التفسير الكبير المسمى البحر المحيط=

"فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ" البروج :21.فاللوح المحفوظ هو الكتاب الذي كتب اللهُ فيه مقاديرَ الخلقِ قبلَ أن يخلقَهم.إسلام ويب=


مَحْفُوظٍ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَمَحْفُوظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَهُوَ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي قَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَجَزَالَتِهِ، وَرِفْعَةِ قَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تم بحمد الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 09:35 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر