#1
|
||||
|
||||
تفسير سورة الطارق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ "1"وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ "2" النَّجْمُ الثَّاقِبُ "3" إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ "4"فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ "5" خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ "6" يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ "7" إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ "8" يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ "9"فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ "10" وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ "11" وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ "12" إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ "13" وَما هُوَ بِالْهَزْلِ "14"إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا "15" وَأَكِيدُ كَيْدًا "16" فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا "17" |
#2
|
||||
|
||||
"وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ "الطارق:1. السورة سبع عشرة آية، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. فتح القدير للشوكاني. افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِالْقَسَمِ تَحْقِيقٌ لِمَا يُقْسِمُ عَلَيْهِ وَتَشْوِيقٌ إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَوَابِقِهَا . وَوَقَعَ الْقَسَمُ بِمَخْلُوقَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ خَالِقِهِمَا هُمَا : السَّمَاءُ ، وَالنُّجُومُ ، أَوْ نَجْمٌ مِنْهَا عَظِيمٌ مِنْهَا مَعْرُوفٌ ، أَوْ مَا يَبْدُو انْقِضَاضُهُ مِنَ الشُّهُبِ كَمَا سَيَأْتِي . التحرير والتنوير . أَقْسَمَ اللَّهُ بِالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، يَعْنِي الْكَوَاكِبَ تَطْرُقُ بِاللَّيْلِ وَتَخْفَى بِالنَّهَارِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الطَّارِقُ: النَّجْمُ لِأَنَّهُ يَطْلُعُ بِاللَّيْلِ، وَمَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ.فتح القدير للشوكاني. عَظَّمَ قَدْرَ السَّمَاءِ فِي أَعْيُنِ الْخَلْقِ؛ لِكَوْنِهَا مَعْدِنَ رِزْقِهِمْ؛ وَمَسْكَنَ مَلَائِكَتِهِ؛ .... فَأَقْسَمَ بِهَا؛ وَبِالطَّارِقِ؛إِظْهَارًا لِفَخَامَةِ مَا أَقْسَمَ بِهِ لِمَا عُلِمَ فِيهِ مِنْ عَجِيبِ الْقُدْرَةِ وَلَطِيفِ الْحِكْمَةِ ، وَتَنْبِيهًا عَلَى ذَلِكَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ "الواقعة: 76،75 . -وَ"الطَّارِقِ": الَّذِي يَأْتِي لَيْلًا، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ مَا يَظْهَرُ وَيَأْتِي لَيْلًا، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّارِقَ الَّذِي قُصِدَ مِنَ الْجِنْسِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ "النَّجْمُ الثَّاقِبُ" - تفسير ابن عطية "وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ " الطارق: 2. قَالَ سُفْيَانُ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ وَما أَدْراكَ فقد أخبره به ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَالَ: وَما يُدْرِيكَ لَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ، وَارْتِفَاعُ قَوْلِهِ: النَّجْمُ الثَّاقِبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ مِمَّا قَبْلَهُ. فتح القدير للشوكاني- "النَّجْمُ الثَّاقِبُ" الطارق: 2. أَيْ: اَلْمُضِيءُ؛ كَأَنَّهُ يَثْقُبُ الظَّلَامَ بِضَوْئِهِ؛ فَيَنْفُذُ فِيهِ؛ وَوُصِفَ بِالطَّارِقِ لِأَنَّهُ يَبْدُو بِاللَّيْلِ؛ كَمَا يُقَالُ لِلْآتِي لَيْلًا "طَارِقٌ"؛ أَوْ لِأَنَّهُ يَطْرُقُ الْجِنِّيَّ؛ أَيْ: يَصُكُّهُ؛ وَجَوَابُ الْقَسَمِ - تفسير النسفي - " إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ "الطارق: 4" كُلُّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ يَحْفَظُ عَلَيْهَا أَعْمَالَهَا الصَّالِحَةَ وَالسَّيِّئَةَ، وَسَتُجَازَى بِعَمَلِهَا الْمَحْفُوظِ عَلَيْهَا. السعدي . وَالْحَافِظُ : هُمُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ عَلَيْهَا عَمَلَهَا وَقَوْلَهَا وَفِعْلَهَا وَيُحْصُونَ مَا تَكْسِبُ مَنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ .فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية. "فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ" الطارق : 5. الْفَاءُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ حَافِظٌ يُوجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي مُبْتَدَأِ خَلْقِهِ لِيَعْلَمَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ مِنَ الْبَعْثِ . ..... وَالْمَعْنَى : فَلْيَنْظُرْ نَظَرَ التَّفَكُّرِ وَالِاسْتِدْلَالِ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَهُ مِنْ نُطْفَةٍ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ . فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية. "خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ"الطارق : 6. وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ ، وَالْمَاءُ : هُوَ الْمَنِيُّ ، وَالدَّفْقُ : الصَّبُّ ، يُقَالُ دَفَقْتُ الْمَاءَ : أَيْ صَبَبْتُهُ ، يُقَالُ مَاءٌ دَافِقٌ : أَيُّ مَدْفُوقٌ ، مِثْلُ " عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ " الْقَارِعَةِ : 7 . أَيْ مَرْضِيَّةٍ . قَالَ الْفَرَّاءُ ، وَالْأَخْفَشُ : مَاءٌ دَافِقٌ : أَيُّ مَصْبُوبٌ فِي الرَّحِمِ . . فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية. ثُمَّ وَصَفَ هَذَا الْمَاءَ فَقَالَ : " يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ" الطارق : 7. الصلب هو : الظهر ، باتفاق المفسرين هنا ، وأما الترائب ، فقد اختلف أهل العلم فيما هي ، وأين موضعها . قال الإمام الطبري رحمه الله " واختلف أهل التأويل في معنى الترائب ، وموضعها : قال بعضهم : الترائب : موضع القلادة من صدر المرأة " ، وهو مروي عن ابن عباس وعكرمة ، وغيرهما. وقال آخرون : الترائب : ما بين المنكبين والصدر ، وهو مروي عن مجاهد ، وغيره من السلف . وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره " ، وهو مروي عن قتادة . وروى ـ أيضًا ـ قول من قال : هو اليدان والرجلان والعينان ، ومن قال : هي الأضلاع التي أسفل الصلب ، ومن قال : هي عصارة القلب . هنا = الإسلام سؤال وجواب. *وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيرِهِ: مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ :وَهُوَ: الْمَنِيُّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ ثَدْيَاهَا. "فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ " الطارق : 10 .أَيْ: مِنْ قُوَّةٍ يَمْتَنِعُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَلِيمِ نَكَالِهِ. وَلَا نَاصِرَ يَنْصُرُهُ فَيَسْتَنْقِذُهُ مِمَّنْ نَالَهُ بِمَكْرُوهٍ، يَعْنِي أَنَّهُ فَقَدَ مَا كَانَ يَعْهَدُهُ فِي الدُّنْيَا إِذْ يَرْجِعُ إِلَى قُوَّةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَشِيرَتِهِ، يَمْتَنِعُ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ. "وَنَاصِرٌ": حَلِيفٌ يَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَاضْطَهَدَهُ. وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا انْتِظَارُ الْجَزَاءِ عَلَى مَا قَدَّمَ. تفسير القاسمي-وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنِيَّ الدَّافِقَ، وَهُوَ مَنِيُّ الرَّجُلِ، وَأَنَّ مَحَلَّهُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ مَا بَيْنَ صُلْبِهِ وَتَرَائِبِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمَاءَ الدَّافِقَ، الَّذِي يَحُسُّ بِهِ وَيُشَاهِدُ دَفْقَهُ، هُوَ مَنِيُّ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ التَّرَائِبِ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الرَّجُلِ، فَإِنَّ التَّرَائِبَ لِلرَّجُلِ، بِمَنْزِلَةِ الثَّدْيَيْنِ لِلْأُنْثَى، فَلَوْ أُرِيدَتِ الْأُنْثَى لَقِيلَ" مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالثَّدْيَيْنِ" وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. تفسير السعدي = " إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ " الطارق : 8 . فَالَّذِي أَوْجَدَ الْإِنْسَانَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ الصَّعْبِ، قَادِرٌ عَلَى رَجْعِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِعَادَتِهِ لِلْبَعْثِ، وَالنُّشُورِ وَالْجَزَاءِ ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ، أَنَّ اللَّهَ عَلَى رَجْعِ الْمَاءِ الْمَدْفُوقِ فِي الصُّلْبِ لِقَادِرٌ، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا - فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ. "يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ" الطارق : 9 . أَيْ: تُخْتَبَرُ سَرَائِرُ الصُّدُورِ، وَيَظْهَرُ مَا كَانَ فِي الْقُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ عَلَى صَفَحَاتِ الْوُجُوهِ قَالَ تَعَالَى"يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" آل عمران :106. فَفِي الدُّنْيَا، تَنْكَتِمُ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمُورِ، وَلَا تَظْهَرُ عِيَانًا لِلنَّاسِ، وَأَمَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَيَظْهَرُ بِرُّ الْأَبْرَارِ، وَفُجُورُ الْفُجَّارِ، وَتَصِيرُ الْأُمُورُ عَلَانِيَةً. "فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ " الطارق : 10 . فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ يَدْفَعُ بِهَا وَلا نَاصِرٍ مِنْ خَارِجٍ يَنْتَصِرُ بِهِ، فَهَذَا الْقَسَمُ عَلَى حَالَةِ الْعَامِلِينَ وَقْتَ عَمَلِهِمْ وَعِنْدَ جَزَائِهِمْ. تفسير السعدي . |
#3
|
||||
|
||||
" وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ " الطارق : 11 .
ثُمَّ أَقْسَمَ قِسْمًا ثَانِيًا عَلَى صِحَّةِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ أَيْ: تَرْجِعُ السَّمَاءُ بِالْمَطَرِ كُلَّ عَامٍ. وَافْتَتَحَ الْكَلَامَ بِالْقَسَمِ تَحْقِيقًا لِصِدْقِ الْقُرْآنِ فِي الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى ، وَلِذَلِكَ أُعِيدَ الْقَسَمُ بِـ " السَّمَاءِ "كَمَا أَقْسَمَ بِهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَذَكَرَ مِنْ أَحْوَالِ السَّمَاءِ مَا لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْغَيْثُ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ النَّاسِ ، فَإِنَّ إِصْلَاحَ الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ كَإِصْلَاحِ الْمَطَرِ - للأرض-. وَفِي الْحَدِيثِ " مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا" الْحَدِيثَ .صحيح البخاري . وَفِي اسْمِ الرَّجْعِ مُنَاسَبَةٌ لِمَعْنَى الْبَعْثِ فِي قَوْلِهِ " إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" وَفِيهِ مُحَسِّنُ الْجِنَاسِ التَّامِّ وَفِي مُسَمَّى الرَّجْعِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْمُعَاقِبُ لِمَطَرٍ آخَرَ مُنَاسَبَةً لِمَعْنَى الرَّجْعِ الْبَعْثِ ، فَإِنَّ الْبَعْثَ حَيَاةٌ مُعَاقَبَةٌ بِحَيَاةٍ سَابِقَةٍ . وَعُطِفَ الْأَرْضُ فِي الْقَسَمِ ; لِأَنَّ بِذِكْرِ الْأَرْضِ إِتْمَامَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُقْسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْتَ مِنَ الْمَثَلِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ . " وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ " الطارق :12. وَالصَّدْعُ : الشَّقُّ ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ، أَيِ : الْمَصْدُوعِ عَنْهُ ، وَهُوَ النَّبَاتُ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْ شُقُوقِ الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى " أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا"عبس 26،25 وَلِأَنَّ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ إِيمَاءً إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ مِنْ دَلَائِلَ إِحْيَاءِ النَّاسِ لِلْبَعْثِ ، فَكَانَ فِي هَذَا الْقَسَمِ دَلِيلَانِ . وَتَنْصَدِعُ الْأَرْضُ لِلنَّبَاتِ، فَيَعِيشُ بِذَلِكَ الْآدَمِيُّونَ وَالْبَهَائِمُ، وَتَرْجِعُ السَّمَاءُ أَيْضًا بِالْأَقْدَارِ وَالشُّؤُونِ الْإِلَهِيَّةِ كُلَّ وَقْتٍ، وَتَنْصَدِعُ الْأَرْضُ عَنِ الْأَمْوَاتِ، إِنَّهُ أَيِ: الْقُرْآنُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ أَيْ: حَقٌّ وَصِدْقٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ. " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ "الطارق :13. أَيْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَقَوْلٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِالْبَيَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَالْفَصْلُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّفْرِقَةِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، أَيْ : يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ ، وَالْإِخْبَارُ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ ، أَيْ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَاصِلٌ . "وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ" الطارق :14. أَيْ لَيْسَ الْقُرْآنُ بِالْبَاطِلِ وَاللَّعِبِ، أَيْ لَمْ يَنْزِلْ بِاللَّعِبِ ،فَهُوَ جَدٌّ لَيْسَ بِالْهَزْلِ - وَالْهَزْلُ ضِدُّ الْجِدِّ-، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الطَّوَائِفِ وَالْمَقَالَاتِ، وَتَنْفَصِلُ بِهِ الْخُصُومَاتُ. "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا "الطارق:15.إِنَّهُمْ أَيِ: الْمُكَذِّبِينَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِلْقُرْآنِ يَكِيدُونَ كَيْدًا لِيَدْفَعُوا بِكَيْدِهِمِ الْحَقَّ، وَيُؤَيِّدُوا الْبَاطِلَ، و يَمْكُرُونَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مَكْرًا . "وَأَكِيدُ كَيْدًا"الطارق:16. لِإِظْهَارِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَلِدَفْعِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ، وَيُعْلَمَ بِهَذَا مَنِ الْغَالِبُ، فَإِنَّ الْآدَمِيَّ أَضْعَفُ وَأَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُغَالِبَ الْقَوِيَّ الْعَلِيمَ فِي كَيْدِهِ. تفسير السعدي . الْكَيْدُ صفةٌ فعلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتة لله عزَّ وجلَّ بالكتاب، ولا يوصف به إلا مُقَيَّدًا في مقابلة كَيْدِ المخلوق.الموسوعة العقدية/الدرر السنية. وَقيل الْكَيْدُ : إِخْفَاءُ قَصْدِ الضُّرِّ وَإِظْهَارُ خِلَافِهِ ، فَكَيْدُهُمْ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ . وَأَمَّا الْكَيْدُ الْمُسْنَدُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِمْهَالِ مَعَ إِرَادَةِ الِانْتِقَامِ عِنْدَ وُجُودِ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ مِنْ إِنْزَالِهِ بِهِمْ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ ، شُبِّهَتْ هَيْئَةُ إِمْهَالِهِمْ وَتَرْكِهِمْ مَعَ تَقْدِيرِ إِنْزَالِ الْعِقَابِ بِهِمْ بِهَيْئَةِ الْكَائِدِ يُخْفِي إِنْزَالَ ضُرِّهِ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ وَحَسَّنَهَا مُحَسِّنُ الْمُشَاكَلَةِ . تفسير التحرير والتنوير - "فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا" الطارق:17. مَهِّلْ وَأَمْهِلْ : أَنْظِرْ وَلَا تَعْجَلْ . تفسير البغوي . أَيِ انْتَظِرْ عُقُوبَتَهُمْ وَلَا تَسْتَعْجِلْ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَ أَمْرَهُ فَقَالَ : " أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا " أَيْ إِمْهَالًا ، لَمَّا كَرَّرَ الْأَمْرَ تَوْكِيدًا خَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ ، عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُطْلَقٌ ، وَهَذَا الثَّانِيَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ" رُوَيْدًا " وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ" مَهِّلْهُمْ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ الْهَاءِ مُوَافَقَةً لِلَفْظِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ . التفسير الكبير المسمى البحر المحيط . أَيْ: قَلِيلًا فَسَيَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ، حِينَ يَنْزِلُ بِهِمِ الْعِقَابُ. تَمَّ تَفْسِيرُهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. تفسير السعدي .
__________________
|
|
|