#1
|
||||
|
||||
اسم الله الفتاح
اسم الله الفتاح الحمد لله الفتَّاح العليم، يمُن على من يشاء من عباده بالفتح والفهم فيوفقهم ويهديهم، ويفتح لهم المغاليق سبحانه وتعالى. ورود اسم الله الفتَّاح في القرآن العظيم: ورد اسم الله الفتاح مرة واحدة في قوله تعالى"قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ"سبأ:26، وورد مرة واحدة بصيغة الجمع، في قول الله عزَّ وجلَّ"..رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين"الأعراف:89. معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى: المعنى الأول: الفتاح الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده أجمعين، ويفتح المُنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم، ومنها قوله تعالى"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.."الأعراف:96، أي: لو أنهم امتثلوا لأمرنا وراعوا قدرنا في السر والعلانية، لكان من جزاء ذلك أن يُفتِحَ لهم من رحمته وأن يُنزل عليهم من فيض رزقه"..وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" الأعراف:96. ومنها قول الله تعالى"مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"فاطر:2، يخبر تعالى أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فلو فتح الله تعالى المطر على الناس، فمن ذا الذي يحبسه عنهم؟ ولو حبس عن عباده القطر والنبات سنين طويلة، لما استطاعوا أن يفتحوا ما أغلقه الله سبحانه وتعالى"وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"يونس:17. والمعنى الثاني: الفتاح الذي يفتح أبواب الامتحان والبلاء للمؤمنين الصادقين، قال تعالى"فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون"[الأنعام:44]، فهذه عقوبة الذين لا يذكَّرون برسائل الله تعالى المتتالية. فالله عزَّ وجلَّ يُرسل إليك في كل ثانية من عمرك رسالة، فإما أن تفهمها وإما أنك تغفل عنها، فتكون عقوبة الغافل أن تزداد عليه المحن والابتلاءات لعله يُفيق من غفلته، فتأتيه الابتلاءات من كل الطرق؛ يُبتلى في بيته وفي عمله ورزقه.. وحتى فيما بينه وبين نفسه، فيشعر بالوحشة، ويظل يُبتلى حتى يعود، وقد يكون من هذا الابتلاء أن يزداد في النِعَم زيادة في إقامة الحُجج عليه، فيكون من شأنه أن يفرح، وحينها تأتيه العقوبة فجأة: "..حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ"الأنعام:44، مُبْلِسُونَ: أي حائرون تائهون. والمعنى الثالث: الفتاح الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون، كما في قوله تعالى "رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ"الأعراف:89، فالفتاح: صفة جمالٍ وجلال، لأنه سبحانه وتعالى يفتح أبواب رحمته ورزقه للطائعين، كما إنه قد يفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين، ويفتح قلوب المؤمنين، وعيون بصائرهم؛ ليبصروا الحق، فإذا ضاقت عليك الطُرُق وضاقت عليك الأرض بما رَحُبَت، فالجأ إلى ربِّك الفتاح، يفتح لك كل عسير، وييسر لك أمرك. يقول ابن القيم في القصيدة النونية 245: وَكَذِلكَ الفَتَّاحُ مِنْ أَسْمَائِهِ *** والفَتْحُ في أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ فَتْحٌ بِحُكْمٍ وَهْوَ شَرْعُ إِلَهِنَا *** والفَتْحُ بالأَقْدَارِ فَتْحٌ ثانِ والربُّ فَتَّاحٌ بذَيْنِ كِلَيْهِمَا *** عَدْلاً وإِحْسَاناً مِنَ الرَّحْمَنِ آثار الإيمان بهذا الاسم: 1- الله سبحانه وتعالى هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة، يحكم بينهم بالقسط والعدل، يفتح بينهم في الدنيا بالحق بما أرْسَلَ من الرسل وأنزل من الكتب، وهذا يتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به، فطالما إنه يحكم بينهم، فهذا يتضمن أنه سبحانه وتعالى حكيم وعدل إلى غيره من الصفات التي تليق به سبحانه وتعالى.. وهذا يدل على الجزاء العدل على أعمال الجوارح والقلوب.. فهو عالم بأسرار الأمور وبواطنها سبحانه وتعالى، ويُجازي على معاصي القلوب كما يجازي على معاصي الجوارح، وهو يختص بالفصل والقضاء بين عباده بالقِسط والعدل، والحاكم في الحقيقة هو الله جلَّ وعلا.. وإن حُكِم بغير حكم الله، فليس بحاكم إنما هو ظالم، يقول تعالى"..وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"المائدة:45. 2- الله سبحانه يحكم بين عباده في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويفتح بينهم بالحق والعدل.. لذلك توجهت الرُسُل إلى الله الفتاح أن يفتح بينهم وبين قومهم المعاندين في ما حصل بينهم من الخصومة والجدال، وهذه رسالة إلى الدُعاة أن ينهجوا نهج الأنبياء والرُسُل في معاملة قومهم، فحينما يشعر بأن دعوته لقومه لا تُجدي نفعًا، يلهج بالدعاء إلى ربِّه الفتاح، كما دعا نوح عليه السلام"قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ . فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"الشعراء:117-118. 3- الله سبحانه هو الفتاح يوم القيامة، الذي يحكم بين عباده فيما كانوا يختلفون فيه في الدنيا.. فالله جلَّ وعلا لا تخفى عليه خافية، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شهود ليفتح بين خلقه، وما كان غائبًا عما حدث في الدنيا، يقول تعالى"فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ"الأعراف:7، ويقول جلَّ وعلا"وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"يونس:61، فكل خطاراتك وسكناتك تُسجل، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يُحاسبك إلا على ما عِملت بالفعل، وقد سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم الفتح، لأنه يوم القضاء بين العباد، يقول تعالى"قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ" السجدة:29. 4- الله سبحانه وتعالى متفردٌ بعلم مفاتح الغيب، قال تعالى"وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.." الأنعام:59، وقد عددها في قوله تعالى"إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" لقمان:34. 5- الفتح والنصر من الله سبحانه وتعالى: فهو يفتح على من يشاء ويذل من يشاء، وقد نسب الله تعالى الفتوح إلى نفسه؛ ليُنبه عباده على طلب النصر والفتح منه لا من غيره، لذلك قال الله تعالى"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا" الفتح:1، وقال جلَّ ثناؤه"..فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ.."المائدة:52، وقال تعالى"وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"الصف:13، إذًا، فليس علينا إلا أن نجتهد ونأخذ بالأسباب، أما النصر فهو من عند الله سبحانه وتعالى. 6- الله تعالى بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، قال تعالى"لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"الشورى:12. 7- وقد يفتح الله تعالى أنواع النِعم والخيرات على الناس استدراجًا لهم، فإذا تركوا ما أُمِروا به، ووقعوا في ما نُهوا عنه عوقِبوا بالاستدارج. 8- والحكمة والعلم والفقه في الدين من الأمور التي يفتحها الله على من يشاء من عباده.. يقول الله عزَّ وجلَّ".وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ.."البقرة:282، ويقول جلَّ وعلا"أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"الزمر:22. يقول القرطبي "وهذا الفتح والشرح ليس له حد، وقد أخذ كل مؤمن منه بحظ.. ففاز الأنبياء بالقسم الأعلى، ثم من بعدهم من الأولياء، ثم العلماء، ثم عوام المؤمنين ولم يُخيِّب الله منه سوى الكافرين". حظ العبد من اسم الله الفتاح: 1- دوام التوكُّل: أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى قبل الأخذ بالأسباب، وأن تطلب منه وحده مفاتيح الخير، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله قام على المنبر فقال «إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض»، وفي رواية: «..ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها»(صحيح البخاري). 2- كن أنتَ مفتاحًا للخير: يقول النبي «إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبدٍ جعله الله عزَّ وجلَّ مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير» (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني، فعليك أن تكون مباركًا حيث ما كنت، وتظل طوال الوقت تُفكِّر في أفكار وطرق لهداية الناس من حولك، وتفتيح أبواب الخير أمامهم. 3- التوحيد والمتابعة للنبي: وهي أعظم المفاتيح للخير والرزق، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله»، وفي رواية: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فُتِحَت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» رواه مسلم، و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله «ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصًا، إلا فُتِحَت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر» رواه الترمذي، وحسنه الألباني. وأعظم أسباب الحرمان: الذنوب، لا سيما الكبائر. كيف ندعو الله تعالى باسمه الفتاح؟ ادع ربَّك الفتاح أن يفتح عليك إذا انغلقت في وجهك الأسباب والأمور.. ومن الأدعية الواردة في القرآن والسُّنَّة: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ.. واللهم افتح لي أبواب رحمتك: عند دخول المسجد، قال رسول الله «إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهمَّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهمَّ إني أسألك من فضلك» رواه مسلم. اللهم افتح لنا أبواب رحمتك وافتح لنا أبواب فضلك واجعلنا من عبادك الصالحين. المصدر: الشيخ هاني حلمي عبد الحميد = هنا = والخلاصة: أن الفتاح اسمٌ عظيمٌ مِن أسماء الله تعالى، ومعناه: الحَكَم الذي يَفتح بين عباده ويَحكم بينهم بشرْعه، ويفتح لعباده أبواب الخيرات والبركات. وينبغي للمؤمن أن يسأل ربَّه بهذا الاسم العظيم، فيقول: يا فتَّاح افتحْ عليَّ بالعِلم، يا فتَّاح افتحْ لي أبوابَ رحمتك، يا فتَّاح افتحْ لي أبواب رزقك. والحمدُ لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. =هنا = |
#2
|
||||
|
||||
أنواع فتح على عباده فتح أبواب الطاعات:يفتح سبحانه وتعالى أبواب الطاعات على من يشاء من عباده ، والتأمل في أسماء الله يا عباد الله أمر عظيم، ويغيب عن بالنا كثيرًا من معاني هذه الأسماء ، فننسى ولا نتعبد ولا نسأل، ويذهل المسلم عن بعض أسمائه سبحانه ومنها الفتّاح. يفتح على من يشاء من أبواب الطاعات والقُربات على تنوعها وألوانها وصنوفها، على درجاتها، ومن الناس من يفتح عليهم في القرآن، والعناية به، وحفظه، وتجويده، وضبطه، وإتقانه، وتلاوته، والقدرة على تعليمه. ومن عباد الله من يفتح عليه في الصلاة فتكون أشد حلاوة من العسل- ويسيرة عليه فيتم الفرائض والسنن بحقها - ومنهم من يفتح له في الدعاء كما قال مالك "ربما انصرف عامر من العتمة، فيعرض له الدعاء – يعني بعد العشاء - يخطر بباله، فلا يزال يدعو إلى الفجر" عنده قوة وصبر ولذة بهذه العبادة،. ومنهم من يفتح له في الصيام حتى إنه ليصوم يومًا ويفطر يوماً، وهو سهل عليه. ومنهم من يفتح له في صلة الأرحام، فلا يزال يزورهم، ويحسن إليهم، ويبرهم ويجمعهم، ويأتيهم ويأتونه فيدعوهم وهكذا... يفتح عليه في باب الصلة والبر. ومنهم من يفتح له في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، وتفريج كربات المكروبين، وتسديد ديون الغارمين، وكفالة اليتامى والمساكين والمعوزين، وحمل الأرامل والفقراء، ورعايتهم، ومواساتهم وهكذا.. ومنهم من يفتح عليه في باب الاحتساب، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم، ويصبر على الأذى، ولا يزال يتبع المنكرات ويتتبعها ويحذر منها، وينهى عنها، ويخيف أهلها، وهكذا... فيكون على يديه من الخير ما يكون. ومنهم من يفتح عليه في أبواب الشفاعة والإصلاح بين الناس، فيفك أسيرًا، ويحقن دمًا، ويمنع باطلاً، ويحجز ظلمًا، ويقيم حقًا، ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين، وهكذا.. ترد الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى زوجته بمثل جهوده. ومنهم من يفتح له في باب العلم وما أشرفه، وفي تعليمه فيكون عنده من الحفظ والفهم والإتقان، والقدرة على التأليف والتدريس والتصنيف والتعليم ما يفتح له. قال الإمام مالك رحمه الله"إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة – يعني في النوافل؛ لأن الكل في الفرائض مشتركون–، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، ثم قال: فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه".ا.هـ . فإذا فتح لك يا عبد الله في باب، فرأيت في صدرك انشراحًا له، وفي قلبك إقبالًا عليه، ورأيت تيسير أمورك فيه، فازدد منه، وانتهز الفرصة، قال حكيم بن عمير "من فتح له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه". إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكون. ومنهم من يفتح له في باب التربية، وتنشئة الجيل والنشء فيتعاهدهم، ويسير بهم شيئًا فشيئًا إلى كمالهم، وهكذا يربيهم بصغار العلم قبل كباره، وبقواعده وأسسه قبل فروعة وتفصيلاته، وهكذا ينقلهم في منازل الإيمان منزلة بعد منزلة، وفي منازل العلم منزلة بعد منزلة بتوفيق من الله عز وجل، والحزم انتهاز الفرصة فيما يفتح لك يا عبد الله، فسر فيه، وتوكل على الله، فإذا جاء أجلك وأنت عليه فما أحسنك، قال عليه الصلاة و السلام" إذا أراد الله عز وجل بعبد خير عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح الله عز وجل له عملًا صالحًا قبل موته ثم يقبضه عليه" وهو حديث صحيح. والعسل: طيب الثناء، فشبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين الناس بالعسل، الذي يجعل هذا المطعوم حلوًا فيطيب في مذاقه. ومن أراد الله به خيرًا فتح له باب التوبة باستمرار، قال ابن القيم رحمه الله "إذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له أبواب التوبة، والندم، والانكسار، والذل، والافتقار، والاستعانة به، وصدق اللُّجأ إليه، ودوام التضرع والدعاء، والتقرب إليه بما أمكنه من الحسنات، ورؤية عيوب نفسه، ومشاهدة فضل ربه، وإحسانه، ورحمته، وجوده وبره". قال معروف "إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شرًا أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل". والذين فتح الله عليهم في تعليم العلوم أنواع، فمنهم من فتح عليه في تعليم التوحيد، وعقيدة الإسلام، ومنهم فتح عليه في تعليم الحديث، وتعلم فنونه، ومهاراته، ومصطلحه، وتمييز صحيحه من سقيمه، وتبويبه ومعاني غرائبه وألفاظه، ومنهم من فتح له في الفقه، ومذاهبه، وأقوال العلماء فيه، والتمييز بينها، ومعرفة الراجح منها، ومنهم من فتح له في التفسير، ومعرفة كلامه، ومعانيه، وما فيه من الأحكام والأسرار العظيمة. ومنهم من فتح له أبواب العلوم الغامضة كالمشتبه" أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ "سورة آل عمران: 7، فمنهم من فتح له أبواب الغوامض المستعصية، والأقفال المستغلقة فطوعها له، وسهلها عليه وهذا شأن المحققين من العلماء، ولذلك كان الموفق منهم من يلجأ إلى الله كلما استغلقت عليه المسائل. "كنت كلما أتحير في مسألة أتردد إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى الله حتى يفتح لي المنغلق منه" هكذا يقول أحدهم،، وهكذا لا يقدم العالم على ما لم ينفتح له، وإنما يتريث ويتأنى ويسأل ربه حتى يفتح عليه. ومن الناس من فتح له في العلم في تصنيفه وجمعه، ولذلك تراهم يسمون كتبهم فتح الباري، فتح المنعم، فتح المغيث، فتح الوهاب، فتح المعين، فتح القدير، فتح العزيز، فتح المجيد، فتح رب البرية، الفتح الرباني، وهذه كلها أسماء كتب من كتب المسلمين. وأحيانًا يخفى الحق على بعض الناس، أو يترددون فيه، فيفتح الله على بعضهم فتحًا عظيمًا تكون له المسألة فيه واضحة، فيمضي الناس بعده على إثره، كما حدث للصديق رضي الله عنه في قتال المرتدين ومانعي الزكاة. يقول عمر "فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. "أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" سورة الزمر: 22. والفتح الذي يفتح الله به على عباده يكون له علاقة مباشرة بطهارة قلوبهم، واتّباعهم لما يحبه، واجتنابهم لما يبغضه. ويكون من الفتح أيضًا الإلهام الذي يلهمه الله تعالى من يشاء من عباده، فيكون مُلْهَمًا موفقًا مصيبًا للحق لا يختار بين أمرين، إلا اختار الأصوب. قال صلى الله عليه وسلم "إنَّ اللَّهَ جعلَ الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِهِ".وقالَ ابنُ عمرَ: ما نزلَ بالنَّاسِ أمرٌ قطُّ فقالوا فيهِ وقالَ فيهِ عمرُ أو قالَ ابنُ الخطَّابِ فيهِ - شَكَّ خارجةُ - إلَّا نزلَ فيهِ القرآنُ على نحوِ ما قالَ عمرُ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3682 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر = ولذلك كثرت موافقاته لربه، كما كان يتمنى أن تنزل الصلاة عند مقام إبراهيم فنزلت، قال: يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت"وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى " سورة البقرة: 125، قلت: يا رسول الله: لو أمرت نسائك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت هذه الآية على لفظ عمر، وكذلك وافق ربه في شأن أسارى بدر، وجاءت موافقته في منع الصلاة على المنافقين، وأيضًا في تحريم الخمر، قال ابن حجر رحمه الله: وقفنا منها على خمسة عشر موضعًا، وكان لعمر بصيرة نافذة، . هذه أنوار يقسمها الله كيف يشاء،" وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ"سورة النور : 40. اللهم نور قلوبنا بذكرك، وافتح علينا بطاعتك، اللهم إنا نسألك أن تجعل في أبصارنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي قلوبنا نورًا، وفي ألسنتنا نورًا، وفي أيماننا نورًا، وفي شمائلنا نورًا، ومن أمامنا نورًا، ومن خلفنا نورًا، ومن فوقنا نورًا، ومن تحتنا نورًا، وأعظم لنا نورًا. مقتبس بقليل تصرف من : موقع الشيخ محمد صالح المنجد . |
#3
|
||||
|
||||
حقيقة موافقات عمر للقرآن الحمد لله أولًا: هذه المسألة تسمى "موافقات عمر للقرآن" وهي ثابتة في أخبار صحيحة؛ ومن ذلك: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ" وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى "، وَآيَةُ الحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ"عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ"، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ "رواه البخاري :402. و عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ "رواه مسلم :2399. وهذه الموافقات يزيد عددها عما هو مذكور في هذين الحديثين. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " وليس في تخصيصه العدد بالثلاث، ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه، من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح. وصحح الترمذي من حديث بن عمر " أنه قال ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر ؛ إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر ". وهذا دال على كثرة موافقته، وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر، لكن ذلك بحسب المنقول " انتهى من "فتح الباري" 1 / 505. وقد ألف في جمع ذلك بعض أهل العلم. وحقيقة هذه الموافقات؛ هو أن القرآن كان ينزل مفرقًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير من الآيات كان لها سبب لنزولها، كسؤال أو حادثة تقع، ومن ضمن ذلك أن عمر رضي الله عنه كان يبدي رأيه في بعض المسائل المهمة التي تعرض، فكان القرآن ينزل ليبين الصواب في ذلك، فيتفق أن يكون رأي عمر رضي الله عنه هو المصيب، ولهذا يدخل أهل العلم هذه الموافقات في أسباب النزول. وقد اختُص عمر رضي الله عنه بكثرة موافقته للقرآن؛ لما رزقه الله من العلم والفقه في الدين، مع الفراسة الصادقة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: العِلْمَ : رواه البخاري :82 ، ومسلم :2391. وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ . وقَالَ ابْنُ عُمَرَ " مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ ، فَقَالُوا فِيهِ ، وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ ؛ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ القُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ ". رواه الترمذي :3682: وقال " وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ". ثانيًا: ثم موافقات عمر رضي الله عنه بالنسبة لمجموع القرآن هي وقائع قليلة، ولم يكن رضي الله عنه معصوما من الخطأ، بل ربما أخطأ في بعض ذلك؛ كما في حادثة صلح الحديبية. عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالاَ: ... " فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ ، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَجِزْهُ لِي ، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ . قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: بَلَى ، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ، قَالَ: بَلَى ، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي . قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ العَامَ ، قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ . قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الحَقِّ . قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ!! قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ -: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا ... " رواه البخاري :2731. قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: " وقول عمر: فعملت لذلك أعمالا، كأنه يشير إلى أنه استغفر مما فعل ؛ واعتذر " انتهى من " كشف المشكل" 4 / 57. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " قوله: قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ -: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا المراد بالأعمال، الأعمال الصالحة لِيُكَفِّرَ عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء، وقد ورد عن عمر التصريح بمراده بقوله أَعْمَالًا ؛ ففي رواية بن إسحاق" وكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق ، من الذي صنعت يومئذ ؛ مخافة كلامي الذي تكلمت به . " انتهى من "فتح الباري" 5 / 346. ينظر جواب السؤال رقم: 294924. ثالثًا: سواء صدق رأي عمر رضي الله عنه ، أم أخطأ ؛ فإنه كان لا يعمل بمجرد رأيه ؛ فلا مدخل لذلك في نزول الوحي، حتى يقول من لا يفهم : إنه له دورا في توجيه الوحي، أو تأثيرا فيه ؛ فإن الوحي ينزل من عند رب العالمين ، مالك الملك ، علام الغيوب ، جل أن يكون لبشر يد فيه ، أو صنع ، أو مدخل بقول ، أو إشارة ؛ بل عمر نفسه ما كان يعمل برأيه في ذلك أو غيره ، أو صوابه أو خطئه ؛ إنما يعمل بالوحي المنزل من عند رب العالمين ، وإذا هوي شيئا ، أو أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن يبقى في دائرة ما هويه ، ونصح ، أو أشار به ، لا يعمل به هو وغيره ، حتى ينزل تشريعه من عند رب العالمين ، أو بيان الوحي بما أصاب فيه عمر وغيره ، أو أخطؤوا . قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لا يبلغها أحد، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قَدْ كانَ يَكونُ في الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فإنْ يَكُنْ في أُمَّتي منهمْ أحَدٌ، فإنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ منهمْ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2398 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر = قال صلى الله عليه وسلم "إنَّ اللَّهَ جعلَ الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِهِ".وقالَ ابنُ عمرَ: ما نزلَ بالنَّاسِ أمرٌ قطُّ فقالوا فيهِ وقالَ فيهِ عمرُ أو قالَ ابنُ الخطَّابِ فيهِ - شَكَّ خارجةُ - إلَّا نزلَ فيهِ القرآنُ على نحوِ ما قالَ عمرُ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3682 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر = ومع هذا فالصّدّيق أكمل منه، فإن الصّدّيق كمل في تصديقه للنبي، فلا يتلقى إلا عن النبي ، والنبي معصوم، والمحدَّث كعمر يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهمه ويحدث به، لكن قلبه ليس معصوما، فعليه أن يعرض ما ألقي عليه على ما جاء به الرسول، فان وافقه قبله، وان خالفه رده. ولهذا قد رجع عمر عن أشياء، وكان الصحابة يناظرونه ويحتجون عليه، فإذا بُينت له الحجة من الكتاب والسنة رجع إليها وترك ما رآه " انتهى من "الرد على المنطقيين" ص 513 - 514. فالحاصل؛ أن عمر رضي الله عنه لم يكن متدخلًا في الوحي، وإنما كان رضي الله عنه شديد الاتباع للوحي. والله أعلم. المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب |
#4
|
||||
|
||||
ومن معاني الفتاح العظيمة أنه الذي -بإرادته وقدرته- يفتح كل مغلق فيكشف الكرب، ويزيل الغمة، ويرفع البلاء، ويكشف العسر، فلو أغلقت الأبواب في وجهك، أو قطع العباد عليك الأمل في الأسباب الدنيوية المعلومة، أو أظلمت عليك الدنيا، وخنقتك دموعك، اذهب إلى الفتاح، فإن استقر هذا المعني في قلبك وعرفت الله بهذا المعنى فأنت إذاً أقوى إنسان في الوجود، اذهب وتذلل وابكي واسجد بين يديه سيفتح لك ما استعصى عليك.هنا=
__________________
|
|
|