#1
|
||||
|
||||
ما هو الضابط الشرعي للتفريق بين سنة العادة و سنة العبادة ؟
ما هو الضابط الشرعي للتفريق بين سنة العادة و سنة العبادة ؟ السّائل : شيخ بارك الله فيك بالنّسبة ما هوالضابط الشرعي في التفريق بين سنّة العادة وسنّة العبادة ؟ الشيخ الألباني : الضّابط يحتاج إلى شيء من العلم بالنّسبة للّذي يريد أن يريد ان يفرّق بين سنّة العبادة وبين سنّة العادة من المقطوع به أنّ هناك أفعالا للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كانت تصدر منه تقرّبا منه إلى الله تبارك وتعالى فهذا النّوع هو من سنن العبادة ويقابله قسم آخر أيضا من المقطوع به أن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يفعل ذلك أقلّ ما نقول ليس بحكم العبادة وإنّما بحكم العادة أو بحكم أمر يعود إلى رغبة الإنسان الّتي لا علاقة لها بالعبادة هذا القسم منه ما هو واضح أنّه ليس له علاقة بالعبادة فيكون من قسم العادة وبين القسمين أمور مشتبهات . سائل آخر : السّلام عليكم . الشيخ الألباني: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته ، فإذا نظر إليها من زاوية معيّنة قد يميل الإنسان إلى إلحاقها بالعبادة وإذا نظر إلى هذا القسم الوسط بنظرة أخرى قد يميل حينذاك إلى اعتبارها من سنن العادة وحسب طالب العلم هذا القسم الثّاني الّذي يقابل القسم الأوّل يكفي طالب العلم أن يقف عنده مثلا كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعلان لهما قبالان ما يبدو لأوّل وهلة لطالب العلم أنّ كون النّعل لها قبال واحد هو خلاف السّنّة والسّنّة يكون له قبالان ما يبدو أنّ هذه لها علاقة بالعبادة وإنّما هي عادة عربيّة كانوا يلبسون هذا النّوع من النّعال ولا يلبسون النّعال المعروفة اليوم الّذي يسمّى بالحذاء أو الموتين أو الصّبّاط أو ما شابه ذلك من أسماء تختلف باختلاف البلاد ويبقى بالنّسبة لطالب العلم القسم الذّي ممكن أن يلحق بالأوّل أو بالثّاني هذا يحتاج إلى علم لتمييز أو للجزم بأنه يلحق بالقسم الأوّل دون الثّاني أو العكس يلحق بالثّاني دون الأوّل من أجل ذلك نجد بعض العلماء اتّفقوا على أمور أنّها من سنن العادة واختلفوا في مفردات منها هل هي من سنن العبادة أو سنن العادة مثلا فيما يتعلّق بالحجّ ونحن مقبلون قريبا إن شاء الله على الحجّ جاء أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نزل في البطحاء فقال بعض الصّحابة وأظنّها عائشة ليس التّحصيب بالسّنّة وإنّما اتّفق أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نصبت له الخيمة هناك فنزل بعض النّاس من القدامى يظنّون أنّ النّزول في الحصباء هناك في البطحاء هو من تمام مناسك الحجّ فهنا قد يقع خلاف لأنّها مسألة تحتاج إلى شيء واضح جدّا لنلحقه بالقسم الأوّل بالقسم الثّاني فلندخل الآن في بعض الأمثلة الواقعيّة الآن كثير من الشّباب والحمد لله يعنون بتقصير لباسهم وعدم إطالته عملا بالسّنّة فهل هذه سنّة عادة أم سنّة عبادة لو نظرنا إلى فعل الرّسول عليه السّلام منفصلا عن بعض أقواله لربّما تردّد النّظر في إلحاق هذه السّنّة العمليّة بالقسم الأوّل أو القسم الثّاني ولكن لمّا جاءت أحاديث من قوله عليه السّلام منها حديث " أزرة المؤمن إلى نصف السّاق فإن طال فإلى الكعبين فإن طال ففي النّار " هذا يرفع التّردّد في إلحاق هذه السّنّة بالسّنّة التّعبديّة أو العاديّة ويؤكّد أنّها سنّة تعبديّة لأنّه وصف منهج اللّباس بالنّسبة للمؤمن فقال إنّه إلى نصف السّاق فإن طال لا بأس إن طال فإلى الكعبين أمّا إن طال أكثر من ذلك ففي النّار إذن هذه سنّة عبادة وليست سنّة عادة . يقابل هذا سنّة ثابتة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو أنّه كان له شعر طويل تارة يبلغ شحمتي الأذنين فإن طال بلغ رؤوس المنكبين بل ثبت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا دخل مكّة دخلها وله أربع غدائر ضفائر هل هذه الإطالة للشّعر أوّلا ثمّ تضفيرها وجعلها غدائر ثانيا هو سنّة عبادة أم سنّة عادة الجواب بالنّسبة لي لا داعي هنا أو مبرّر أو مسوّغ للتّردّد هذه سنّة عادة لماذا أوّلا لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس هو الّذي سنّ هذه السّنّة وإنّما هي كانت موجودة قبل ولادة الرّسول فضلا قبل بعثة الرّسول عليه السّلام فكانت من عادة العرب كانوا يربّون شعورهم والشّباب منهم حتّى اليوم في بعض البوادي السّوريّة شاهدناهم الشّباب منهم يضفّرون شعرهم يجعلونه غدائر فهذه العادة لم يسنّها الرّسول عليه السّلام إنّما جرى على عادة العرب فأطال شعره واتّخذ منه يوم دخل مكّة دخلها وله أربع غدائر ليس هناك ما يضطرّنا إلى أن لا نعتبر هذه السّنة سنّة عادة ،بخلاف سنّة أخرى مثلا وهي أنّ الرّسول عليه السّلام كان يلبس البياض فهل هذه سنّة عادة أم سنّة عبادة لو لم يرد مثل قوله عليه السّلام " خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم وكفّنوا فيها موتاكم " لقلنا هذا ذوق والرّسول كان يحبّ البياض كما يحبّ العسل مثلا و يكره لحم الضّبّ ذوق هذا لكن لمّا جاء قوله " خير ثيابكم البياض " ثمّ أمر على الأقلّ أمر استحباب فقال " فألبِسوها أحياءكم و كفّنوا فيها موتاكم " خرجت هذه السّنّة عن كونها سنّة عادة ودخلت إلى كونها سنّة عبادة وبهذا المعيار وبهذا الميزان يجب أن نقيس أفعال الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فما سنّه هو ابتداء ولم يمن هناك قرينة تجعلنا نؤمن بأنّها سنّة عادة فهي سنّة عبادة أمّا ما فعله عليه السّلام انسجاما منه مع العادات العربيّة فهذه عادة عربيّة لا بأس من فعلها ولا بأس من تركها وما فعله عليه السّلام من عمل له علاقة بجبلّته وبذوقه فهذه أيضا ليس لها علاقة بالأمور التّعبّديّة والمثال سبق ذكره آنفا كان يحبّ عليه السّلام العسل فقد نجد بعض النّاس يكرهون العسل فما نقول خالفوا السّنّة لأنّ أكل العسل في أصله ليس عبادة فلو أنّه لم يتيسّر لإنسان ما أن يأكل العسل أو ما رغب أن يأكل العسل فما نقول خالف السّنّة لكن خالف طبيعة النّبيّ الّتي كانت تحبّ العسل لكن من جهة أخرى كان عليه الصلاة والسّلام يكره لحم الضّبّ والعرب يستسيغونه ولمّا وضع على مائدته عليه السّلام وقيل له هذا لحم ضبّ أمسك وكان بين يديه أحد أصحابه المشهورين ألا وهو خالد بن الوليد كان يأكل بشهوة عارمة لدرجة لفتت النّظر كان يأكل والمرق تسيل على لحيته فلمّا رأى نبيّه لا يأكل قال يا رسول الله أحرام هو لأنّه هو صار صدمة في نفسه هو يأكل بنهم و رسول الله لا يمدّ يده فقال أحرام هو قال " لا ولكنّه لم يكن بأرض قومي فأجد نفسي تعافه " إذن نحن ما نقول لمن يحبّ لحم الضّبّ خالفت السّنّة لأنّ الرّسول كره لحم الضّبّ و لا نقول لمن قد لا يحبّ العسل وهذا موجود وفي أحد أولادي أنا أحبّ العسل وأحبّ الحلوى بصورة عامّة لكن أحد أولادي يكره العسل فما أقول له خالفت السّنّة لأنّه لا علاقة له بالعبادة على نحو هذا يجب أن ننظر إلى أفعال الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وغفلة النّاس وطلاّب العلم خاصّة في هذا الزّمان عن هذا التّفصيل وقعوا في شيء من الغلوّ فتجد بعض الشّباب بتقصّدون إطالة الشّعر بزعم أنّ هذه سنّة الرّسول عليه السّلام نعم أنا أقول أنّ هذا من فعله عليه السّلام لكن ليس هناك ما يدلّ على أنّ هذا هو الأفضل بل قد صرّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما في صحيح مسلم قال " احلقوه كلّه أو اتركوه كلّه " فإذن إطالة الشّعر ليست سنّة تعبّديّة وإنّما هي سنّة عاديّة فلو ضلّ الإنسان يحلق رأسه طيلة حياته ما يقال إنّه خالف سنّة النّبيّ الّذي أطال شعره طيلة حياته إلاّ في الحجّ أو في العمرة فقد كان عليه السّلام يحلق شعر رأسه وتعرفون الحديث الّذي ورد في الصّحيحين أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال " اللّهمّ اغفر للمحلّقين اللّهمّ اغفر للمحلّقين اللّهمّ اغفر للمحلّقين وقالوا وللمقصّرين يا رسول الله قال وللمقصّرين "، لكن التّقصير مفضول و الفاضل هو الحلق فإذن إذا ربّى الإنسان شعره كعادة أو كمزاج يناسب طبيعته لا مانع من ذلك أمّا أن يتقصّد التّقرّب إلى الله بإطالة شعره عليه السّلام فنقول إنّ في هذا مخالفة لسنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهنا دقيقة يجب الإنتباه لها الّذي يطيل شعره اتّباعا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي أطال شعره ويظنّ أنّه اتّبع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكنّي أقول بكلّ صراحة أنّه خالف النّبيّ لكن المخالفة هنا ليست ظاهرة وإنّما هي باطنيّة داخليّة والاتّباع ظاهر وهو يطيل شعره كما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فما وجه المخالفة وجه المخالفة أنّنا يجب أن نلاحظ قول نبيّنا صلوات الله وسلامه عليه " إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " من خرج مجاهدا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سبيل الله ظاهره ماذا مجاهد في سبيل الله لكن هو خرج إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهو قد خالف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نيّته فهل يؤجر ثواب المجاهدين وقد خالف سيّد المجاهدين في ماذا النّيّة الجواب لا الآن الّذي يطيل شعر رأسه اقتداءا بنبيّه مثله كمثل ذلك المجاهد الّذي خرج مع النّبيّ مجاهدا لكنّ نيّته تخالف نيّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم كيف هذا بالنّسبة للّذي يطيل شعره نقول له هل تعلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينما أطال شعر رأسه قصد بذلك التّقرّب إلى ربّه إن كنت تعتقد ذلك ففعلك نعمّا هو وإن كنت لا تعتقد فإذن خالفت الرّسول في نيّته هو لا يتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بحبّه للعسل ولا يتقرّب إلى الله بكراهته لأكل لحم الضّبّ كذلك لم يتقرّب إلى الله بإطالة شعر رأسه فأنت تتقرّب إلى الله فإذن خالفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أعزّ شرط من شرطي العبادة الشّرط الأوّل أن تكون النّيّة خالصة لوجه الله تبارك وتعالى والشّرط الثّاني أن يوافق عمل الرّسول أنت وافقت الرّسول في عمله ولكنّك خالفته في نيّته صلاة الفجر كلّ من السّنّة والفريضة ركعتان ركعتان فلو أنّ رجلا صلّى ركعتي سنّة الفجر بنيّة الفرض هل أصاب السّنّة الجواب لا من ضلالات القديانيّة أنّهم يعتقدون أنّ سنّة الفجر واجبة فحين هم يصلّون هذه السّنّة شكلا وافقوا الرّسول عليه السّلام قلبا ونيّة خالفوا الرّسول عليه السّلام فمن صلّى ركعتي سنّة الفجر بنيّة الفرض هذا مثله خالف الرّسول عليه السّلام في النيّة ووافقه في الشّكل الشّكل هنا لا قيمة له لأنّ الأعمال بالنّيّات ومعنى الحديث إنّما الأعمال الصّالحة بالنّيّات الصّالحة فإذا كنّا لا نعلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تقرّب إلى الله بإطالة الشّعر فلا يجوز للمسلم أن يتقرّب إلى الله بما لم يتقرّب به رسول الله وهذا هو البدعة في الدّين كما تعلمون من الأحاديث المحذّرة أشدّ التّحذير من الابتداع في الدّين " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " إذن هذا إحداث في الدّين لأنّه يتقرّب إلى الله بما لم يتقرّب به رسول الله صلّى الله عليه وسلم . سلّم وهذه طبيعة المبتدعة لأنّهم يأتون أعمالا ما تقرّب بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى ربّه عزّ وجلّ ولذلك فالمسألة هذه التّفريق بين سنّة العبادة فنقتدي بالرّسول فيها وبين سنّة العادة فنحن مخيّرين في فعلها وفي تركها لأنّها سنّة عادة لكن لا يجوز أن نزيد على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في فعل سنّة العادة شيئا هو لم يفعله وأعظم الأفعال ما كان متعلّقا بالقلوب لأنّ القلب يعمل كما يشرح ذلك ابن تيميّة رحمه الله في كثير من مؤلّفاته ورسائله وأرى لزاما الآن أن ننهي الجلسة ... نخشى أن نكون قد شققنا على صاحبنا الدّاعي لنا وجزاه الله خيرا . - هنا- |
#2
|
||||
|
||||
السؤال أشكل علي أمر ، ألا وهو التفريق بين إتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله على أنها سنة ، وعدم إتباعه على أنها من العادات ، كمسألة العمامة وإطالة الشعر مثلا . ومعلوم أن السنة قول أو فعل أو إقرار ، فكيف يكون المعيار الذي أفرق به ؛ حيث إذا قلنا لا بد وأن يصاحب الفعل أمر ، أصبحت سنة قوليه . أرجو التوضيح . الحمد لله. أولا : السنة : ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . والأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع ، لأنه مبلغ عن ربه ، مرسل لهداية الخلق ، مأمور بالبيان ، كما قال تعالى " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ " النحل/44 ، وقال "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ " المائدة/67 . ويدل على أن الأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع : ما روى أبو داود (3646) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ" اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ". وقد يقول صلى الله عليه وسلم القول لا يريد به التشريع ، وهذا خلاف الأصل ، ولابد من دليل يبين أنه لغير التشريع ، كما في قصة تأبير النخلة المشهورة . وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم فقد تصدر منه على وجه التشريع ، وقد تكون من أفعال الجبلة والعادة التي هي مقتضى البشرية ، وقد تتردد بين أن تكون للجبلة أو للتشريع ، وقد يكون الفعل خاصا به صلى الله عليه وسلم ، فهذه أربعة أقسام . وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله في "كتاب الاعتصام" من "صحيحه" : "باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم" . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه : " الْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " . وَقَدْ ذَهَبَ جَمْع إِلَى وُجُوبه لِدُخُولِهِ فِي عُمُوم الْأَمْر بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ " وَبِقَوْلِهِ " فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه " وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى " فَاتَّبِعُوهُ "؛ فَيَجِب اِتِّبَاعه فِي فِعْله كَمَا يَجِب فِي قَوْله حَتَّى يَقُوم دَلِيل عَلَى النَّدْب أَوْ الْخُصُوصِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : يَحْتَمِل الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة فَيَحْتَاج إِلَى الْقَرِينَة . وَالْجُمْهُور لِلنَّدْبِ إِذَا ظَهَرَ وَجْه الْقُرْبَة . وَقِيلَ : وَلَوْ لَمْ يَظْهَر - أي: إنها للندب أيضا - . وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ بَيْن التَّكْرَار وَعَدَمه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَا يَفْعَلهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ ، فَحُكْمه حُكْم ذَلِكَ الْمُجْمَل ، وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إِبَاحَة ؛ فَإِنْ ظَهَرَ وَجْه الْقُرْبَة فَلِلنَّدْبِ ، وَمَا لَمْ يَظْهَر فِيهِ وَجْه التَّقَرُّب فَلِلْإِبَاحَةِ , وَأَمَّا تَقْرِيره عَلَى مَا يَفْعَل بِحَضْرَتِهِ فَيَدُلّ عَلَى الْجَوَاز . وَالْمَسْأَلَة مَبْسُوطَة فِي أُصُول الْفِقْه " انتهى من "فتح الباري" (13/288-289) . فمن أمثلة ما كان للتشريع : أفعال الوضوء ، والصلاة ، والحج . ويعلم أنها للتشريع من جهات : الأولى : أن تكون بيانا لما أُمر بها ، إيجابا ، أو ندبا ، كأفعال الوضوء فإنها بيان لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/6 الثانية : أن يصرح فيها بالدعوة للاقتداء والتأسي ، كقوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ، أو قوله : خذوا عني مناسككم . الثالثة : الترغيب فيها مع فعلها ، وتجتمع هنا السنة القولية والفعلية . وضابط الأفعال الجبلية : كل ما يفعل بمقتضى البشرية ، ولا يظهر منه قصد التعبد والتشريع والدعوة للاقتداء ، وذلك كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، والنوم ، والاستظلال ، والمشي ، وتسريح الشعر ، وإطالته ، أو تقصيره ، ولبس الإزار والرداء والقميص (الثوب) والعمامة ، لأن الإنسان لابد له من لباس يلبسه ، وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم هذه الألبسة التي كانت في قومه . وأما المحتمل للجبلي والتشريعي ، فضابطه : أن تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها ، لكنه وقع متعلقًا بعبادة ، بأن وقع فيها أو في وسيلتها ، كالركوب إلى الحج ، ودخول مكة من كَداء ، ونزول صلى الله عليه وسلم المحصّب بعد الحج (وهو اسم موضع بين مكة ومنى وإلى منى أقرب، ويسمى الأبطح)، وقد اختلف الصحابة في هذا النزول : هل هو تشريع أو ليس كذلك ، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يراه سنة، وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: " ليس التحصيب (أي: نزول المحصب) بشيء ، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ، وكانت عائشة رضي الله عنها توافق ابن عباس فتقول: " نزول الأبطح ليس بسنة ، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج ". وينظر : صحيح البخاري (1765) ، (1766) ، صحيح مسلم (1310). فما احتمل الجبلي والتشريعي ، تردد بين أن يكون مباحا أو مندوبا . وأما الجبلي المحض ، فهو مباح ، ولو تأسى فيه متأس فلا حرج عليه ، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يلبس النعال السبتية ، ويصبغ بالصفرة، فسئل عن ذلك فقال: "... وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها....". رواه البخاري (1/267) برقم (166). وورد عن الإمام الشافعي أنه قال لبعض أصحابه: اسقني، فشرب قائمًا ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - شرب قائمًا. وورد عن الإمام أحمد أنه تسرى واختفى ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر ، اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في التسري واختفائه في الغار ثلاثًا، وقال: ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارًا . وينظر : معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ، للدكتور محمد حسين الجيزاني، ص 128 ، تيسير أصول الفقه ، لعبد الله بن يوسف الجديع (121-124). ثانيا : يتبين مما سبق أن أفعال الجبلّة ليست من السنن ، بل هي من العادات المباحة ، ولا حرج في التأسي بها ، إلا أن تكون مخالفة لما عليه الناس ، كلبس الإزار والرداء في مجتمع لا يلبس فيه ذلك ، أو لبس العمامة في قوم لا يعتادونها ، أو إطالة الشعر إذا صار ذلك شعارا للفسقة ، فينبغي ترك ذلك لما فيه من الشهرة أو المشابهة لمن أمرنا بمخالفتهم . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في حديثه عن الخضاب ـ يعني : بالحِنَّاء ـ وخلاف السلف فيه : " الْخِضَاب مُطْلَقًا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ اِمْتِثَال الْأَمْر فِي مُخَالَفَة أَهْل الْكِتَاب , وَفِيهِ صِيَانَة الشَّعْر عَنْ تَعَلُّق الْغُبَار وَغَيْره بِهِ , إِلَّا إِنْ كَانَ مِنْ عَادَة أَهْل الْبَلَد تَرْك الصَّبْغ ، وَأَنَّ الَّذِي يَنْفَرِد بِدُونِهِمْ بِذَلِكَ يَصِير فِي مَقَام الشُّهْرَة : فَالتَّرْك فِي حَقّه أَوْلَى " انتهى من "فتح الباري" (10/367-368) . وقد نص على ذلك جمع من أهل العلم فيما يتعلق بالمسألتين : لبس العمامة ، وإطالة الشعر ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (113894)ورقم (69822) والله أعلم . المصدر: الإسلام سؤال وجواب
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
هل يجوز للرجل تطويل شعره وتضفيره ؟ وهل يؤجر عليه ؟
الجواب الحمد لله. تطويل الشعر ليس من السنة التي يؤجر عليها المسلم ؛ إذ هو من أمور العادات ، وقد أطال النبي صلى الله عليه وسلم شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجرًا ، ولا في حلقه إثماً ، إلا أنه أمر بإكرامه . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مَن كان له شعر فليكرمه " . رواه أبو داود (4163) وحسَّنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/368) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أرجِّل رأسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض . رواه البخاري (291) . والترجيل هو تسريح الشعر . وكان شعره صلى الله عليه وسلم يصل إلى شحمة أذنيه ، وإلى ما بين أذنيه وعاتقه ، وكان يضرب منكبيه ، وكان – إذا طال شعره - يجعله أربع ضفائر . فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعرُه منكبيه . رواه البخاري (5563) ومسلم (2338) . وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أذنيه وعاتقه . رواه البخاري :5565، ومسلم :2338 . وفي رواية عند مسلم " كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه " . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة . رواه الترمذي (1755) وأبو داود (4187) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" . الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن . الجُمَّة : شعر الرأس إذا سقط على المنكبين . وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر . رواه الترمذي (1781) وأبو داود (4191) وابن ماجه (3631) . والحديث : حسَّنه ابن حجر في "فتح الباري" ، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (23) . والغدائر هي الضفائر . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله ، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر " وفي لفظ : أربع ضفائر، وفي رواية ابن ماجه " أربع غدائر يعني ضفائر " وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه " انتهى باختصار . "فتح الباري" 10/360. وهذا الأمر كان في عرف ذلك الزمان مقبولاً ومتعارفاً عليه ، فإذا اختلف العرف وكان المسلم في مكان لم يعتد أهله عليه ، أو نظروا إلى فاعله على أنه متشبه بأهل الفسق ؛ ، فلا ينبغي فعله . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " إطالة شعر الرأس لا بأس به ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه ، فهو على الأصل ، لا بأس به ، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف ، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم ؛ فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة ! فالمسألة إذاً بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم ؛ فلا بأس به ، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة ؛ فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها ، ولا يرِد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها - كان يتخذ الشعر لأننا نرى في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد ، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة . "فتاوى نور على الدرب" . كون النبي صلى الله عليه وسلم كان له أربع ضفائر : صحيح ، ولكن لا يعني ذلك أنه سنة يثاب الإنسان عليها ، بل يراعي في ذلك عادات الناس ، وما تعارفوا عليه ، وقد اختلف العرف الآن في أكثر البلاد عما كان عليه الأمر قديمًا . قال ابن عبد البر رحمه الله : صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات – جمع جمة ووفرة وسبق بيان معانيها - ، وأضْربَ عنها أهل الصلاح والستر والعلم ، حتى صار ذلك علامة من علاماتهم ، وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء ! وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تشبه بقوم فهو منهم - أو حشر معهم – " فقيل : مَن تشبه بهم في أفعالهم ، وقيل : من تشبه بهم في هيئاتهم ، وحسبك بهذا ، فهو مجمل في الاقتداء بهدي الصالحين على أي حال كانوا ، والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئًا ، وإنما المجازاة على النيات والأعمال ، فرب محلوق خيرٌ من ذي شعْرٍ ، وربَّ ذي شعرٍ رجلًا صالحًا . "التمهيد" 6/80 . والخلاصة : أنه ينبغي اتباع العرف والعادة في ذلك ، حتى لا يعرض المسلم نفسه للسخرية واغتياب الناس له . والله أعلم . المصدر: الإسلام سؤال وجواب
__________________
|
|
|