العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-19-2017, 06:36 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,255
Post

المجلس الثامن

"فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا *".
يَقُول تَعَالَى مُسَلِّيًا لِرَسُولِهِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ فِي حُزْنه عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِتَرْكِهِمْ الْإِيمَان وَبُعْدهمْ عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات " وَقَالَ "وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ وَقَالَ " لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " بَاخِع أَيْ مُهْلِك نَفْسك بِحُزْنِك عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا قَالَ
" فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك عَلَى آثَارهمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيث " يَعْنِي الْقُرْآن أَسَفًا يَقُول لَا تُهْلِك نَفْسك أَسَفًا قَالَ قَتَادَة : قَاتِل نَفْسك غَضَبًا وَحُزْنًا عَلَيْهِمْ وَقَالَ مُجَاهِد جَزَعًا وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب أَيْ لَا تَأْسَف عَلَيْهِمْ بَلْ أبْلَغَكُمْ رِسَالَة اللَّه فَمَنْ اِهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارًا فَانِيَة مُزَيَّنَة بِزِينَةٍ زَائِلَة وَإِنَّمَا جَعَلَهَا دَار اِخْتِبَار لَا دَار قَرَار .
{{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا *}}.
قوله تعالى: { {فَلَعَلَّكَ} } الخِطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم { {بَاخِعٌ نَفْسَكَ} } مهلكٌ نفسَك، لأنه كان صلّى الله عليه وسلّم إذا لم يجيبوه حَزِنَ حَزناً شديداً، وضاق صدره حتى يكادَ يَهلك، فسلاَّه الله عزّ وجل وبيّن له أنه ليس عليه من عدم استجابتهم من شيء، وإنما عليه البلاغ وقد بلَّغ.
{ {عَلَى آثَارِهِمْ} } أي باتباع آثارهم، لعلَّهم يرجعون بعد عدم إجابتهم وإعراضهم.
{ {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} } أي إن لم يؤمنوا بهذا القرآن.
{ {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا *} } مفعول من أجله، العامل فيه: { {بَاخِعٌ} } المعنى أنه لعلك باخع نفسك من الأسف إذا لم يؤمنوا بهذا مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس عليه من عدم استجابتهم من شيء، ومهمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم البلاغ. قال تعالى:

{{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ}} [الرعد: 40] ، وهكذا ورثته من بعده: العلماء، وظيفتهم البلاغ وأما الهداية فبيد الله، ومن المعلوم أن الإنسان المؤمن يحزن إذا لم يستجبِ الناس للحق، لكنَّ الحازنَ إذا لم يقبل الناس الحق على نوعين:
1 ـ نوع يحزن لأنه لم يُقبل.
2 ـ ونوع يحزن لأن الحق لم يُقبل.
والثاني هو الممدوح لأن الأول إذا دعا فإنما يدعو لنفسه، والثاني إذا دعا فإنما يدعو إلى الله عزّ وجل، ولهذا قال تعالى: {{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}} [النحل: 125] .
لكن إذا قال الإنسان أنا أحزن؛ لأنه لم يُقبل قولي؛ لأنه الحق ولذلك لو تبين لي الحق على خلاف قولي أخذت به فهل يكون محموداً أو يكونُ غير محمود؟
الجواب: يكون محموداً لكنه ليس كالآخرَ الذي ليس له همٌّ إلاَّ قَبول الحق سَواء جاء من قِبَله أو جاء من قبل غيره.
* * *
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-19-2017, 06:44 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,255
Post

المجلس التاسع والعاشر
"وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا *"

" وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ " أي مصيرون " مَا عَلَيْهَا " مما كان زينة لها أو "مَا عَلَيْهَا " مما هو أعم من الزينة وغيره " صَعِيدًا "ترابًا " جُرُزًا" أي لا نبات فيه ، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن ما تضمنته أيدي المترفين من زينتها ، إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والحاق .
والخلاصة أن { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } . الرحمن : 27 .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-19-2017, 06:51 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,255
Exclamation

المجلس الحادي العاشر
.ومن تفسير العثيمين:
قوله تعالى"صَعِيدًا" هذه الأرض بزينتها، بقصورها وأشجارها ونباتها، سوف يجعلها الله تعالى" صَعِيدًا جُرُزًا" أي خالياً، كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا *} طه: 105 ، أي نسفًا عظيمًا ولهذا جاء مُنَكَّرًا: أي نسفًا عظيمًا، قال تعالى:
﴿ فَيَذَرُ‌هَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴿١٠٦﴿ لَّا تَرَ‌ىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴿١٠٧ طه

" فَيَذَرُ‌هَا " أي : فيدع أماكن الجبال من الأرض ، " قَاعًا صَفْصَفًا " أي : أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها ، و " القاع " : ما انبسط من الأرض ، و " الصفصف " : الأملس . ص: 295 ﴿ لَّا تَرَ‌ىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًاقال مجاهد : انخفاضًا وارتفاعًا .
وقال الحسن : " العوج " : ما انخفض من الأرض ، و " الأمت " : ما نشز من الروابي ، أي : لا ترى واديا ولا رابية .
وبلحظة: كن فيكون! إذًا هذه الأرض يا أخي لا يَتعلَّق قلبك بها فهي زائلة، هي ستصير كأن لم تكن كما قال عزّ وجل: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} يونس: 24 .
وتأمل الجملة الآن: { {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ} } فيها مُؤكِّدان، «إنَّ» و«اللام»، ثم إنها جاءت بالجملة الاسمية الدالة على القدرة المستمرة، إذا قامت القيامة أين القصور؟ لا قصور، لا جبال، لا أشجار، الأرض كأنها حجر واحد أملس، ما فيها نبات ولا بناء ولا أشجار ولا غير ذلك، سيحولها الله تعالى { {جُرُزًا} } خالية من زينتها التي كانت عليها.
تفسيرابن عثيمين
* * *
وذلك أن أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم، ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غمًا وأسفًا عليهم، ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الآية ونحوها عبرة، فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له: "إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ "سورة ‏القصص - الجزء 20 - الآية 56 * أنواع الهداية *
وموسى عليه السلام يقول:
﴿ قَالَ رَ‌بِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُ‌قْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَالمائدة: ٢٥.
فمن عداهم من باب أولى وأحرى،

ها هي ذي نهاية المطاف . . نكوصًا عن الأرض المقدسة , وهو معهم على أبوابها . ونكولا عن ميثاق الله وهو مرتبط معهم بالميثاق . . فماذا يصنع ? وبمن يستجير ?
﴿ قَالَ رَ‌بِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُ‌قْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ. .
دعوة فيها الألم . وفيها الالتجاء . وفيها الاستسلام . وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم !
وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه . . ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول . وفي إيمان النبي الكليم . وفي عزم المؤمن المستقيم , لا يجد متوجَهًا إلا لله . يشكو له بثه ونجواه , ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين . فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق . . ما يربطه بهم نسب . وما يربطه بهم تاريخ . وما يربطه بهم جهد سابق . إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله , وهذا الميثاق مع الله .
وقد فصلوه . فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق . وما عاد يربطه بهم رباط . . إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون . . إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون . .
هذا هو أدب النبي . . وهذه هي خطة المؤمن . وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون . . لا جنس . لا نسب . لا قوم . لا لغة . لا تاريخ . لا وشيجة من كل وشائج الأرض ; إذا انقطعت وشيجة العقيدة ; وإذا اختلف المنهج والطريق . .
قال تعالى:
﴿ فَذَكِّرْ‌ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ‌ ﴿الغاشية: ٢١﴾
﴿
لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ‌
﴿الغاشية: ٢٢﴾

* أنواع الهداية *
يُقَالُ هَدَاهُ هُدًى وَهَدْيًا وَهِدَايَةً وَهِدْيَةً بِكَسْرِهِمَا أَرْشَدَهُ فَهَدَى وَاهْتَدَى . وَهَدَاهُ اللَّهُ الطَّرِيقَ دَلَّهُ . وَالْهُدَى بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الرَّشَادُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعُ الْفَوَائِدِ : الْهِدَايَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ :
أَحَدُهَا : الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى " الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " أَيْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صُورَتَهُ الَّتِي لَا يَشْتَبِهُ فِيهَا بِغَيْرِهِ ، وَأَعْطَى كُلَّ عُضْوٍ شَكْلَهُ وَهَيْئَتَهُ ، وَأَعْطَى كُلَّ مَوْجُودٌ خَلْقَهُ الْمُخْتَصَّ بِهِ ثُمَّ هُدَاهُ لِمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ .
قَالَ وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ تَعُمُّ الْحَيَوَانَ الْمُتَحَرِّكَ بِإِرَادَتِهِ إلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ .
قَالَ وَلِلْجَمَادِ أَيْضًا هِدَايَةٌ تَلِيقُ بِهِ ، كَمَا أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ هِدَايَةً تَلِيقُ بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا وَصُوَرُهَا ، وَكَذَلِكَ لِكُلِّ عُضْوٍ هِدَايَةٌ تَلِيقُ بِهِ ، فَهُدَى الرِّجْلَيْنِ لِلْمَشْيِ ، وَاللِّسَانِ لِلْكَلَامِ ، وَالْعَيْنِ لِكَشْفِ الْمَرْئِيَّاتِ ، وَهَلُمَّ جَرًّا .
وَكَذَلِكَ هَدَى الزَّوْجَيْنِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَى الِازْدِوَاجِ وَالتَّنَاسُلِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ ، وَالْوَلَدِ إلَى الْتِقَامِ الثَّدْيِ عِنْدَ وَضْعِهِ ، وَمَرَاتِبُ هِدَايَتِهِ سُبْحَانَهُ لَا يُحْصِيهَا إلَّا هُوَ .
الثَّانِي : هِدَايَةُ الْبَيَانِ وَالدَّلَالَةِ وَالتَّعْرِيفِ لِنَجْدَيْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَطَرِيقَيْ النَّجَاةِ وَالْهَلَاكِ .
وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْهُدَى التَّامَّ فَإِنَّهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ لَا مُوجِبٌ ، وَلِهَذَا يَنْتَفِي الْهُدَى مَعَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى "
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى " ص: 30 . أَيْ بَيَّنَّا لَهُمْ وَأَرْشَدْنَاهُمْ وَدَلَلْنَاهُمْ فَلَمْ يَهْتَدُوا .
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى "
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " .
الثَّالِثُ : هِدَايَةُ التَّوْفِيقِ وَالْإِلْهَامِ ، وَهِيَ الْهِدَايَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلِاهْتِدَاءِ فَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى " يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " وَفِي قَوْله تَعَالَى "إنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ " وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ " وَفِي قَوْله تَعَالَى " إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ "فَنَفَى عَنْهُ هَذِهِ الْهِدَايَةَ وَأَثْبَتَ لَهُ هِدَايَةَ الدَّعْوَةِ وَالْبَيَانِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " .
الرَّابِعُ : غَايَةُ هَذِهِ الْهِدَايَةِ وَهِيَ الْهِدَايَةُ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ إذَا سِيقَ أَهْلُهُمَا إلَيْهِمَا . قَالَ تَعَالَى " إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ " وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ" وَقَالَ فِي حَقِّ أَهْلِ النَّارِ "اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ
" .

تعقيب
من نظر إلى باطن الدنيا، وعلم المقصود منها ومنه، فإنه يتناول منها، ما يستعين به على ما خلق له، وانتهز الفرصة في عمره الشريف، فجعل الدنيا منزل عبور، لا محل حبور، وشقة سفر، لا منزل إقامة، فبذل جهده في معرفة ربه، وتنفيذ أوامره، وإحسان العمل، فهذا بأحسن المنازل عند الله، وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم، وسرور وتكريم، فنظر إلى باطن الدنيا، حين نظر المغتر إلى ظاهرها، وعمل لآخرته، حين عمل البطال لدنياه، فشتان ما بين الفريقين، وما أبعد الفرق بين الطائفتين"

و إنّا لجاعلون أي مصيرون ما عليها مما كان زينة لها أو ما عليها مما هو أعم من الزينة وغيره " صعيدًا " ترابًا " جرزًا " خالية من زينتها التي كانت عليها، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن ما تضمنته أيدي المترفين من زينتها ، إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والحاق .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-19-2017, 11:02 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,255
Post

المجلس الثاني عشر
"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" (9)
قوله تعالى: { {أَمْ حَسِبْتَ} } «أم» هنا منقطعة، فهي بمعنى «بل»، و{ {حَسِبْتَ} } بمعنى ظننتَ، هنا أتى بـ«أم» المنقطعة التي تتضمن الاستفهام من أجل شد النَّفس إلى الاستماع إلى القصة لأنها حقيقة عَجب، هذه القصة عجب.
{ {الْكَهْفِ} } الغار في الجبل.
{ {وَالرَّقِيمِ} } بمعنى المرقوم: أي المكتوب لأنه كتب في حجر على هذا الكهف قصتُهم من أولها إلى آخرها.
{ {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا *} } أي أصحاب الكهف والرقيم.
{ {مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} } من آيات الله الكونية.
{ {مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} } أي محل تعجُّب واستغراب لأن هؤلاء سبعةٌ معهم كلب كرهوا ما عليه أهل بلدهم من الشرك فخرجوا متَّجهين إلى الله يريدون أن ينجوا بأنفسهم مما كان عليه أهل بلدهم، فلجأوا إلى هذا الغار، وكان من حسن حظهم أن هذا الغار له باب لا يتَّجه للمشرق ولا للمغرب، سبحان الله! توفيق؛ لأنه لو اتجه إلى المشرق لأكلتهم الشمس عند الشروق، ولو اتجه إلى المغرب لأكلتهم عند الغروب. كما قال تعالى: {{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ}} [الكهف: 17] وسيأتينا إن شاء الله تعالى،عجائب قدرة الله لا تنتهي، فليست هذه بأعجب الآيات، وليست بأعجب من خلق السموات والأرض، وتسخير الشمس والقمر، وخلق الإنسان، وخلق آدم من تراب، وخلق عيسى، ولهذا قالت الملائكة لامرأة إبراهيم عليه السلام سارة بعد أن تعجبت من ولادتها مع كبر سن زوجها، وكونها عقيمًا لا تنجب: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} هود:73.فلا شيء مستحيل في إرادة الله تعالى،

"وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ"البقرة:117.
هناومن تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
وهذا الاستفهام بمعنى النفي, والنهي.
أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف, وما جرى لهم, غريبة على آيات الله, وبديعة في حكمته, وأنه لا نظير لها, ولا مجانس لها.
بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة, ما هو كثير, من جنس آياته في أصحاب الكهف, وأعظم منها.
فلم يزل الله يرى عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم, ما يتبين به الحق من الباطل والهدى من الضلال.
وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب, بل هي من آيات الله العجيبة.
وإنما المراد, أن جنسها كثير جدا, فالوقوف معها وحدها, في مقام العجب والاستغراب, نقص في العلم والعقل.
بل وظيفة المؤمن, التفكر بجميع آيات الله, التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها, فإنها مفتاح الإيمان, وطريق العلم والإيقان.
وإضافتهم إلى الكهف, الذي هو الغار في الجبل الرقيم, أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم, لملازمتهم له دهرًا طويلًا.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-19-2017, 11:11 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,255
"إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *".الكهف 10 .
"إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ" من هنا بدأت القصة، وعلى هذا يكون "إِذْ أَوَى" متعلق بمحذوف تقديره: «اذكر إذ أوى الفتية» وكان كفار قريش قد سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قصتهم وهو عليه الصلاة والسلام لم يقرأ الكتب، قال تعالى عنه"
وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ"العنكبوت: 48.. فوعدهم فأنجز الله له الوعد.
و"الْفِتْيَةُ" جمع فتى، وهو الشاب الكامل القوة والعزيمة.
"إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ" أي لجأوا إليه من قومهم فارين منهم خوفاً أن يصيبهم ما أصاب قومهم من الشرك والكفر بالبعث، فقالوا"رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً" لجأوا إلى الله.
"رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً" أعطنا.
"رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً" أي من عندك.
"رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً" أي رحمة ترحمنا بها، وهذا كقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ حين قال أبو بكر لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: عَلِّمْنِي دُعاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي قَالَ: قُلِ «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»[1].
"إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *"،
اجعل لنا، وتهيئة الشيء أن يُعد ليكون صالحاً للعمل به.

"مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا" الرشد: ضد الغَيّ، أي اجعل شأننا موافقاً للصواب.
[1].علِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال" قُلْ : اللهم إني ظلَمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ، فاغفِرْ لي مَغفِرَةً من عِندِك، وارحَمْني، إنك أنت الغَفورُ الرحيمُ " .
الراوي: أبو بكر الصديق المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6326-خلاصة حكم المحدث: صحيح.
" وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرنَا رَشَدًا " أَيْ وَقَدِّرْ لَنَا مِنْ أَمْرنَا رَشَدًا هَذَا أَيْ اِجْعَلْ عَاقِبَتنَا رُشْدًا
كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يدعو : "اللَّهمَّ أحسِن عاقبتَنا في الأمورِ كُلِّها وأجِرنا مِنَ خزيِ الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ"
الراوي: بسر بن أبي أرطأة المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/162خلاصة حكم المحدث: أشار في المقدمة إلى صحته.
" إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ " أي: الشباب.
" إِلَى الْكَهْفِ " يريدون بذلك, التحصن والتحرز, من فتنة قومهم لهم.
" فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً " أي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر وتوفقنا للخير " وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا " أي: يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد, وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا.
فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة, إلى محل يمكن الاستخفاء فيه, وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم, وعدم اتكالهم على أنفسهم, وعلى الخلق.
فلذلك استجاب الله دعاءهم, وقيض لهم, ما لم يكن في حسابهم. قال: " فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ " أي أنمناهم " سِنِينَ عَدَدًا " وهي: ثلثمائة سنة, وتسع سنين, وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف, وحفظ لهم من قومهم.
"فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ".
قوله تعالى"فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ" أي أنمناهم نومة عميقة. والنوم نوعان:
1 ـ خفيف: وهذا لا يمنع السماع ولهذا إذا نمت فأول ما يأتيك النوم تسمع مَن حولك.
2 ـ عميق: إذا نمت النوم العميق لا تسمع مَن حولك.
ولهذا قال"فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ" أي بحيث لا يسمعون.
"فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا" أي معدودة، وسيأتي بيانها في قوله تعالى: {{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا "الكهف: 25 .

تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-19-2017, 11:23 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,255
Post

المجلس الثالث عشر

ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا " الكهف 12.
قوله تعالى"ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ" وذلك بإيقاظهم من النوم. وسمى الله الاستيقاظ من النوم بعثاً لأن النوم وفاةٌ، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "الأنعام: 60 . وقال تعالى"اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "الزمر: 42. فالنوم وفاة.
وقوله"بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ"، قد يقع فيه إشكال؟ هو: هل الله عزّ وجل لا يعلم قبل ذلك؟
الجواب: لا، واعلم أن هذه العبارة يراد بها شيئان:
1 ـ علم رؤية وظهور ومشاهدة، أي لنرى، ومعلوم أن علم ما سيكون ليس كعلم ما كان؛ لأن علم الله عزّ وجل بالشيء قبل وقوعه علمٌ بأنه سيقع، ولكن بعد وقوعه علمٌ بأنه وقع.
2 ـ أن العلم الذي يترتب عليه الجزاء هو المراد، أي لنعلم علماً يترتب عليه الجزاء وذلك كقوله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ"محمد: 31 . قبل أن يبتلينا قد علم من هو المطيع ومن هو العاصي، ولكن هذا لا يترتب عليه لا الجزاء ولا الثواب، فصار المعنى لنعلم علم ظهور ومشاهدة وليس علم الظهور والمشاهدة كعلم ما سيكون، والثاني علماً يترتب عليه الجزاء.
أما تحقق وقوع المعلوم بالنسبة لله فلا فرق بين ما علم أنه يقع وما علم أنه وقع، كلٌّ سواء، وأما بالنسبة لنا صحيح أنَّا نعلم ما سيقع في خبر الصادق لكن ليس علمنا بذلك كعلمنا به إذا شاهدناه بأعيننا، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: «ليس الخبر كالمعاينة»4.
"أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا" قوله"الْحِزْبَيْنِ" يعني الطائفتين.
وقوله: "أَحْصَى" يعني أبلغ إحصاءً، وليست فعلاً ماضيًا بل اسم تفضيل فصار المعنى:أي الحزبين أضبط لما لبثوا أمدًا، أي: المدة التي لبثوها؛ لأنهم تنازعوا أمرهم فقالوا"لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ"الكهف: 19 . وقال آخرون"رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ"الكهف: 19 . ثم الناس من بعدهم اختلفوا كم لبثوا.
* * ** * *
" ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ " أي: من نومهم " لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا " أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم, كما قال تعالى: " وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ " الآية, وفي العلم بمقدار لبثهم, ضبط للحساب, ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى, وحكمته, ورحمته.
فلو استمروا على نومهم, لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك, من قصتهم.
"نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً ".13 نِعمَ القائل صدقًا وعلمًا وبيانًا وإيضاحًا؛ لأن كلام الله تبارك وتعالى متضمن للعلم والصدق والفصاحة والإرادة، أربعة أشياء. كلامه عزّ وجل عن علم وكلامه أيضًا عن صدق، وكلامه في غاية الفصاحة وإرادته في هذا الكلام خير إرادة، يريد بما يتكلم به أن يهدي عباده.
"نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً " قصُّ الله عزّ وجل أكمل القصص وأحسن القصص؛ لأنه صادر عن:
1 ـ علم.
2 ـ عن صدق.
3 ـ صادر بأفصح عبارة وأبينها وأوضحها ولا كلامَ أوضح من كلام الله إلاَّ من أضل الله قلبه، وقال: هذا أساطير الأولين.
4 ـ وبأحسن إرادة لم يرد الله تعالى بما يقص علينا أن نضل ولا بما حكم علينا أن نجور، بل أراد أن نهتدي ونقوم بالعدل.
وقوله:"نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً " إذا قال قائل أليس الله واحدًا؟
فالجواب: نعم واحد لا شك، لكن لا شك أنه جلَّ وعلا أعظم العظماء، والأسلوب العربي إذا أسند الواحدُ إلى نفسه صيغة الجمع فهو يعني أنه عظيم، ومعلوم أنه لا أحد أعظم من الله تعالى؛ ولهذا تجد الملوك أو الرؤساء إذا أرادوا أن يُصدروا المراسم يقولون: «نحن فلان بن فلان نأمر بكذا وكذا». إذاً كل ضمائر الجمع المنسوبة إلى الله تعالى المراد بها التعظيم.

"نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ" أي نقرأه عليك ونحدثك به "نَبَأَهُمْ" أي خبرهم "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ" أي بالصدق المطابق للواقع.
"إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ" فتية شباب ولكن عندهم قوة العزيمة وقوة البدن وقوة الإيمان.
"نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً " زادهم الله عزّ وجل هدى لأن الله تعالى يزيد الذين يهتدون هدى، وكلما ازددت عملاً بعلمك زادك الله هدى أي زادك الله علمًا.

* * *
هذا شروع في تفصيل قصتهم, وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق, الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه.
" إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ " وهذا من جموع القلة, يدل ذلك على أنهم دون العشرة.
" آمَنُوا " بالله وحده لا شريك له من دون قومهم.
فشكر الله لهم إيمانهم, فزادهم هدى.
أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان, زاد الله من الهدى, الذي هو العلم النافع, والعمل الصالح, كما قال تعالى: " وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّّا "مريم76 " .
تفسير السعدي
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-19-2017, 11:33 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,255
Post

مجلس رقم 14
﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا
الآية 14 سورة الكهف سورة مكية 19 تسع عشرة كلمة 78 ثماني و سبعون حرف .
"وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ" أي ثبتناها وقويناها وجعلنا لها رِباطاً، لأن جميع قومهم على ضدهم، ومخالفة القوم تحتاج إلى تثبيت لا سيما أنهم شباب والشاب ربما يؤثر فيه أبوه ويقول له «اكفر»، ولكن الله ربط على قلوبهم فثبتهم، اللهم ثبتنا يا رب.
"إِذْ قَامُوا" يعني في قومهم معلنين بالتوحيد متبرئين مما كان عليه هؤلاء الأقوام. "وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا " وليس رب فلان وفلان بل هو رب السموات والأرض فهو سبحانه وتعالى مالك وخالق ومدبِّر السموات والأرض. لأن الرَّب الذي هو اسم من أسماء الله معناه الخالق المالك المدبر ولم يبالوا بأحد فهم كسحرة فرعون"قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا "طه: 72 . والدنيا كلها قاضية منتهية طالت بك أم قصرت، ولا بد لكل إنسان من أحد أمرين: إما الهَرَم وإما الموت، ونهاية الهرم الموت أيضًا؛ ولهذا يقول الشاعر:
لا طِيب للعيش ما دامت مُنغَّصةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرم
الإنسان كلما تذكر أنه سيموت طالت حياته أم قصرت فإنه لا يطيب العيش له، ولكن من نعمة الله عزّ وجل أن الناس ينسَون هذا الأمر، ولكنَّ هؤلاء الناسين منهم من ينسى هذا الأمر باشتغاله بطاعة الله، ومنهم من ينساه بانشغاله بالدنيا.
"وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا " السمواتِ السبعِ والأرضُ كذلك سبعٌ كما جاءت بذلك النصوص، ولا حاجة لذكرها؛ لأنها معلومة والحمد لله.
" لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا "
لَنْ نَدْعُوَا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة إلهًا سواه، فأقروا بالربوبيَّة وأقرُّوا بالألوهية، الربوبية قالوا"وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا " والألوهية قالوا"وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا " أي سواه.
"لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا" الجملة هذه مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي: «اللام» و«قد» و«القسم الذي دلَّت عليه اللام».
وقوله"لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا" أي لو دعونا إلهاً سواه "لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا" أي: قولاً مائلاً وموغلاً بالكفر، وصدقوا، لو أنهم دعوا غير الله إلهاً لقالوا هذا القول المائل الموغل بالكفر والعياذ بالله.
" وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ " أي صبرناهم وثبتناهم, وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة, وهذا من لطفه تعالى بهم وبره, أن وفقهم للإيمان والهدى, والصبر والثبات, والطمأنينة.
" إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي: الذي خلقنا ورزقنا, ودبرنا وربانا, هو خالق السماوات والأرض, المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة, لا تلك الأوثان والأصنام, التي لا تخلق ولا ترزق, ولا تملك نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة ولا نشورا, فاستدلوا بتوحيد الربوبية, على توحيد الإلهية, ولهذا قالوا: " لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا " أي: من سائر المخلوقات " لَقَدْ قُلْنَا إِذًا " أي: إن دعونا معه آلهة, بعد ما علمنا أنه الرب, الإله الذي لا تجوز, ولا تنبغي العبادة, إلا له " شَطَطًا " أي: ميلًا عظيمًا عن الحق, وطريقًا بعيدة عن الصواب.
فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية, وتوحيد الإلهية, والتزام ذلك, وبيان أنه الحق, وما سواه باطل.
وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم, وزيادة الهدى من الله لهم.

الصبر خلق إسلامي يحتاجه المسلم في كل وقت وفي كل حال يقول النبي صلى الله عليه وسلم
﴿أنَّ ناسًا منَ الأنصارِ سَألوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأعطاهم ثمَّ سَألوهُ فأعطاهم حتَّى إذا نفِدَ ما عندَهُ قالَ: ما يَكونُ عِندي من خيرٍ فلن أدَّخرَهُ عنكُم ومن يستَعفِفْ يعفَّهُ اللَّهُ ومن يستَغنِ يُغنِهِ اللَّهُ ومن يتَصبَّر يُصبِّرهُ اللَّهُ وما أعطى اللَّهُ أحدًا من عطاءٍ أوسعَ منَ الصَّبرِ الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1644-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 06:21 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر