العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى المعتقد الصحيح > ملتقى المعتقد الصحيح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 07-12-2017, 12:39 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام المناسك
قال الله تعالى"وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "آل عمران: 97 . وقال تعالى"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ "البقرة: 196. إلى قوله"وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ "البقرة: 203 الآية فيها فوائد كثيرة:
منها: أنَّ الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه، وأنَّ الله أوجبه على الناس كلِّهم، ثم خص المستطيعين إليه السبيل، وهذا الشرط الأعظم لوجوب الحج، فمن تمت استطاعته في بدنه وماله ولم يَمنع من ذلك خوف، وجب عليه المبادرة إلى الحج، لأنَّ الأمر المطلق يقتضي الفور، ومن عجز في بدنه وقدر في ماله وهو يرجو زوال هذا العجز صبر إلى زواله، فإن كان لا يرجو زواله أو كان كبيرًا لا يقدر الثبوت على المركوب، استناب عنه من يحج عنه. وكذلك من مات بعدما وجب عليه وجب على أوليائه الاستنابة عنه، والاستطاعة هي القدرة على ثمن الراحلة أو أجرتها أو أجرة المراكب البرية والبحرية ذهابًا ورجوعًا. ولهذا أطلق الله استطاعة السبيل ليشمل ما حدث ويحدث إلى يوم القيامة، وهذا من بلاغة القرآن وبراهين صدقه. وقد أمر الله بإتمام الحج والعمرة لله، وهذا شامل للفرض منهما وللنفل، فمن فرض الحج والعمرة بأن أوجبهما على نفسه بدخوله في النسك، وجب عليه الإتمام إلا أن يحصل له حصر عن الوصول إلى البيت بعدو أو غيره، فيذبح هديه ويحلق رأسه ويحل من نسكه، ومن ساق الهدي قرن بين النسكين كما فعل صلى الله عليه وسلم ولم يحل له أن يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر، فيحل من النسكين جميعاً.
وفيها دليل على مشروعية سوق الهدي من الحل، ويؤخذ مشروعية تقليده من قوله"وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ "المائدة: 97. وأنَّ العمرة تندرج في الحج، وتكون أفعالهما جميعاً والحل منهما جميعاً، وأوجب الله على المتمتع ما استيسر من الهدي وهو ما يجزي في الأضحية جذع ضان، أو ثني معز، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فمن لم يجد ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج لا يتجاوز بها أيام التشريق. وقد أباح الشارع صيامها في هذه الحال فقط وسبعة إذا رجع، وإنما يجب الدم أو بدله على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، لأنَّ من الحكمة في وجوب الهدي أو بدله الشكر لله على نعمة حصول النسكين في سفر واحد، ومن كان أهله في مكة أو قربها لم يكن عليه شيء. ومفهوم الآية أنَّ المفرد للحج ليس عليه هدي، وأما القارن فإنَّه داخل في المتمتع، ولا بد أن يقع إحرام النسكين في أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة. وأرشد الله من فرض فيها، أي: أوجب فيهنَّ الحج أن لا يرفث والرفث الوطء ومقدماته، لأنَّ الوطء مفسدٌ للنسك ومقدماته منقصةٌ له، ولا يفسق ويشمل ذلك جميع المعاصي، وأما الجدال فهو المخاصمة والمنازعة وكثرة الجدال، لأنَّ هذه الأمور تشغل العبد عما هو بصدده من النسك.
ولما نهى عما ينافي النسك وينقصه أمر وحثَّ على كلِّ ما يكمّله من أفعال الخير كلِّها فقال"وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ "البقرة: 197. وحثَّ أيضًا على كثرة الزاد، لأنَّه يكفِ الإنسان ويغنيه عن الخلق ويبسط به نفسه ورفقته، ويتمكن من فعل الإحسان.
وأباح تعالى للحاج والمعتمر الاشتغال بالتجارة والمكاسب، بشرط أن لا تشغله عن تكميل نسكه.
وقوله"فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ "البقرة: 198. في هذا أنَّ الوقوف بعرفة من أعظم شعائر الحج، لأنَّ الله خاطب به جميع الحاج، وأخبر أنَّهم لا بد أن يفيضوا منها، وهذا أحد أركان الحج الأربعة وهي: الإحرام الذي هو نية الدخول في النسك المذكور في قوله: "فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ "البقرة: 197. والوقوف بعرفة والطواف المذكور في قوله"وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ"الحج: 29. خصه بالذكر لشرفه وأنَّه أعظم أركان الحج، ولأنَّه تشترط له الطهارة دون بقية المناسك، ولأنَّه يتطوع به كلَّ وقت، والسعي بين الصفا والمروة لقوله تعالى"إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا "البقرة: 158. مع حثِّ الله على تعظيم شعائر الدين. فهذه أركان الحج والعمرة، إلا أنَّ العمرة المفردة لا وقوف فيها بعرفة وتوابعها.
وفي الآية الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام وهو مزدلفة، الواجب منه أن يدرك جزء من آخر الليل، أي: من النصف الثاني من ليلة النحر والأكمل المبيت بها، وبعد صلاة الفجر يقف عند المشعر ويهلل الله ويحمده ويستغفره حتى يقارب طلوع الشمس.
وقوله"ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ "البقرة: 199 يدخل في ذلك الرمي والنحر والحلق وطواف الإفاضة والسعي والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق، كما عرف ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم وقوله: «خذوا عني مناسككم»- أخرجه مسلم (رقم: 1297).-.
كما أنَّ قوله تعالى"ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ "الحج: 29. يشمل جميع ما شرع في الحج من الأركان والواجبات والسنن.

وقد أمر تعالى بكثرة ذكره واستغفاره عند كمال النسك، ختماً لهذا النسك بالتوبة والاستغفار، وشكرًا لنعمةِ الله على تكميله، وأمر بذكره في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق، وأباح التعجل في يومين بأن يرمي ثاني أيام التشريق الجمرات الثلاث، ثم ينفر من منى قبل غروب الشمس، فإن غربت وهو في منى تعين عليه المبيت تلك الليلة والرمي للجمرات الثلاث من الغد.
وقوله تعالى"وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى "البقرة: 125. فيه مشروعية ركعتي الطواف وأنَّ الأفضل أن يكونا خلف مقام إبراهيم.

أحكام الذبائح من الهدايا والضحايا

قال تعالى"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ "2:الكوثر ، "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" 162 :الأنعام ، "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ"الحج: 36 ، "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" 107:الصافات، "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" النحل: 123 .
ففي هذه الآيات الأمر بالذبح لله وحده على اسمه وأمر بإخلاصها لله وحده، والذبح الذي هو عبادة الهدايا للبيت الحرام الشامل للواجب منها والمستحب، والأضاحي في عيد النحر في جميع الأقطار اقتداء بإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم، وأخبر تعالى أنَّ فيها خيراً للعباد. وهذا شامل للخير الديني وهو التقرب بها إلى الله، وحصول الحسنات ورفعة الدرجات، وتكفير السيئات وتكميل النسك وللخير الدنيوي. ولهذا أمر بالأكل منها والإطعام، فيشترك في الانتفاع بها الأغنياء والفقراء.
وقد بيّنت السنّة أنَّها لا بد أن تكون من الأنعام الثلاثة، وأن تكون كاملةً في أسنانها وسالمة من العيوب، كما هو مفصّل في السنّة.
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 07-12-2017, 12:41 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام الجهاد وتوابعه
كم في كتاب الله من الآيات المتعلقة بالجهاد أمراً به، وحثاً عليه، وبياناً لفضله، وفضل أهله وكمالهم، وكثرة ثوابهم، وعلو درجاتهم، وذكر ثمراته الجميلة، ونَهْياً عن ضده، وبيان ما على المتقاعدين عنه من النقص العظيم والعقوبات الدنيوية والأخروية، وكم فيه من ذكر مضاعفة النفقة فيه وأنَّها من أعظم الجهاد.
والجهاد نوعان: جهاد الدعوة إلى دين الإسلام، والتحذير من الأديان الباطلة وهذا مفروض منذ ابتدأت الرسالة، وهو فرض في كلِّ وقت بما يناسب الوقت ويليق به.
قال تعالى"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "النحل: 125 ، وقال تعالى"وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا "الفرقان: 52 ، أي: جاهد أهل الباطل كلَّهم بالقرآن، فهذا فرض عين على كلِّ مسلم أن يقوم بما يقدر عليه ويعلمه، وعلى أهل العلم من ذلك ما ليس على غيرهم، لأنَّ معهم السلاح التام الحقيقي لهذا الجهاد، وهو العلم الذي خلاصته وروحه شرح ما في دين الإسلام من المحاسن والمزايا والفضائل شرحاً يطابق الواقع، فإنَّه إذا شُرح على هذا الوجه وبُيّنت محاسنه وفضائله قبله كلُّ منصف قصده الحق، وكان أيضاً ذلك قامعًا للمبطلين الملحدين الذين "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" 32التوبة .
ثم الموازنة بين عقائده وأخلاقه وفضائله وأعماله وبين غيره، فعند ذلك يتضح الفرق العظيم.
ثم إبداء براهين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الكلية والجزئية، وصدقه وصدق ما جاء به من الحق الذي هو الكتاب والسنّة. فهذه الأصول بيانها بحسب الإمكان هو أكبر الجهاد، وهي أعظم الطرق التي دعا عباده بها إلى دينه، وأمر نبيه ومن قام مقامه أن يدعو بها.
النوع الثاني: الجهاد باليد والسلاح، فهذا فرض كفاية قتال الكفار المحاربين، وقد يكون فرض عين إذا حضر الزحف، وإذا حصر بلده عدو وإذا استنفره الإمام أو من قام مقامه، كما نص الله على ذلك نصاً يدل على فرضيته وتعيّنه.
والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم هادن ووادع حيث كانت المصلحة، وحارب حيث اقتضت المصلحة. فعلى المسلمين أن يسلكوا هديه ويتشاوروا في أمرهم، ويعملوا في كلِّ وقت ما يناسبه ويصلح له.
وقد أمر الله بالتثبت في الأمور كلِّها، وخصوصاً في أمور الجهاد وتولية الأكمل والأمثل من الرجال في الولاية الكبرى، وفي ولايات الجيوش والسرايا وغيرها، فإنَّها من أعظم ما يدخل في الأمانات التي أمر أن تؤدى إلى أهلها.
وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)"الأنفال . فهذه التعاليم العالية من الله لعباده في جهاد الأعداء، متى استرشدوا بها تمت أمورهم. وقال تعالى"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "الأنفال: 60 ، وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ "النساء: 71 .
فهذه الآيات دخل فيها فعل جميع الأسباب، واستعمال جميع القوة المقدورة، والأخذ بالحذر من الأعداء. فجميع علم السياسة يرجع إلى هذين الأصلين الاستعداد بالمستطاع من القوة للأعداء، بحسب الزمان والمكان والحال، واستعمال الحذر من مكر الأعداء وخداعهم وطرقهم ومسالكهم والتوقي من شرورهم مع التوكل على الله كما أمر الله بذلك كلِّه.
وقد ندب الله إلى السلم إذا جنح إليه الأعداء، مع التوكل عليه وأخذ الحذر، كما أمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وأمر بالأسر عند الإثخان في العدو، ثم الوالي مخيّر بين المنِّ على الأسرى، أو فدائهم بمال، أو أسير مسلم، أو قتلهم، أو رقهم.
وذكر الأموال الشرعية ثلاثة أقسام: أموال الزكاة، وتقدم أنها للأصناف الثمانية، والغنيمة للغانمين تقسم أربعة أخماسها بينهم؛ للفارس على فرس عربي ثلاثة أسهم، وعلى فرس هجين سهمان، وللراجل سهم والخُمُس الآخر يجعل لهؤلاء الذين سماهم الله "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ "الأنفال: 41 .
وأموال الفيء كالجزية والخراج وخمس الخمس، والأموال المجهول أربابها وما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب يكون للمصالح كلِّها، ويبدأ منها بالأهم فالأهم، وأحكام الجهاد ومتعلقاته كثيرة في الكتاب والسنّة والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 07-12-2017, 12:43 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام البيوع والمعاملات
قال الله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ "المائدة: 1 ، "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا "البقرة: 275 ،"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ "النساء: 29 ، "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا "البقرة: 29 ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً "آل عمران: 130 ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ "الجمعة: 9، 10 ، "رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ "النور: 37. الآية، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ "المنافقون: 9 ، "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ "المائدة: 90 ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى " إلى قوله"عَلِيمٌ "البقرة: 282 ، "أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ "البقرة: 267 . يستفاد من هذه النصوص كثير من أحكام المعاملات.
فمنها: أنَّها دلت على أنَّ الأصل صحة جميع البيوع والمعاملات، إلا ما استثناه الشارع وأباحت جميع أنواع التجارة، تجارة الإدارة، وتجارة التربص والانتظار بالسلع فرصها ومواسمها، وتجارة الإجارات، وتجارة الديون، وكلَّ ما دخل في اسم التجارة.
ومنها: أنَّ جميع العقود تنعقد بما دل عليها من قول وفعل، لأنَّ الله أباحها ولم يحدد لها ألفاظًا مخصوصة، فكلما عده الناس بيعًا وتجارة ومعاملة انعقدت به المعاملات.
ومنها: وجوب الوفاء بجميع العقود والشروط في كلِّ المعاملات، إلا ما استثناه الشارع كالعقود والشروط التي تحل حراماً، أو تحرم حلالاً، أو ما جعل له الشارع خيار مجلس أو عيب ونحوه أو ما اتفق المتعاقدان على استثناء خيار شرط أو غيره، أو ما كان في الأصل غير لازم كعقود الوكالات ونحوها.
ومنها: أنَّ المعاملات مع إباحتها فالمشتغل بها غير مذموم، إذا لم تلهه عن ذكر الله الواجب من صلاة ونحوها، فإن ألهت عن ذلك فهي مذمومة وصاحبها خاسر.
ومنها: اشتراط التراضي من المتعاملين في كلِّ المعاملات، بأن يأتي بذلك اختياراً فإن أكره أحدهما بغير حق لم تكن المعاملة صحيحة، فإن امتنع أحدهما مما وجب عليه وأكره على الواجب كانت المعاملة صحيحة.
ومنها: أنَّه يستفاد من اشتراط التراضي أنَّ من اشترى معيبًا لم يعلمه، أو غبن بنجش، أو تلقي جلب، أو اغترار أو نحو ذلك أنَّ له الخيار، لكونه لم يحصل الرضى المعتبر.
ومنها: أنَّ الربا بجميع أنواعه من أعظم المحرمات، وأنَّه مفسد للعقد وإن تراضى به المتعاقدان، لأنَّه ليس لهما أن يتراضيا على ما لا يرضي الله ورسوله.
وأنواع الربا ثلاثة: ربا الفضل: بأن يبيع مكيلاً بمكيل من جنسه متفاضلاً، أو موزونًا بموزون من جنسه متفاضلاً، فإنَّ الشارع شرط في بيع الشيء بجنسه إذا كان مكيلاً أو موزوناً شرطين التماثل في القدر والقبض قبل التفرق.
وربا النسيئة: أن يبيع المكيل بالمكيل، أو الموزون بالموزون ولو من غير جنسه، ويتفرقا قبل قبض العوضين، وأشد أنواعه ما ذكره الله بقوله"لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً " آل عمران: 130. وذلك أن يحل الدين عليه، ثم يقلبه عليه ببيعة أخرى إلى أجل فيتضاعف ما في الذمة من غير منفعة، ولا مصلحة تعود على المعامل، وذلك ظلم من صاحب الدين، وسواء تعاملا هذه المعاملة صريحًا، أو تحيلا عليها بحيلة من الحيل وصورةِ عقد غير مقصود، فكلُّ حيلة يتوسل بها إلى إسقاط الواجبات، أو استحلال المحرمات فإنَّها باطلة غير نافذة، لأنَّ العبرة في المعاني والمقاصد لا عبرة بالألفاظ التي لا يقصد معناها.
وأمَّا ربا القرض فأن يقرضه شيئًا ويشترط في مقابلة ذلك نفعاً أيَّ نفع يكون، فهذا الشرط هو الذي أخرجه من موضوع القرض والإحسان، وأدخله في موضوع المعاملات فصارت حقيقته دراهم بدراهم إلى أجل ـ مثلاً ـ وذلك النفع المشروط هو الربح
- في النسخة الأولى: «فصار دراهم بدراهم والربح ذلك النفع».-.

وأمَّا الميسر فإنَّه نوعان: مغالبات ومعاملات: فمتى كانت المعاملة فيها خطر وغرر وجهالة فهي من الميسر، وهو أنواع كثيرة مثل: بيع الآبق وبيع المجهولات أعيانها، أو صفاتها، أو مقاديرها، أو بيع المنابذات، أو الملامسات، أو استنثاء المجهول من المعلوم، أو يشرط في المزارعة، أو المساقاة، أو المغارسة، أو المضاربة، أو المشاركات كلِّها مصلحة أحد المعينات، وللآخر الآخر فيكون كلٌّ منهما مخاطرًا، وذلك أنَّ مبنى المشاركات على العدل، واستواء المتعاملين في المغنم والمغرم، فشرط خلاف ذلك ميسر وخطر وفي ذلك مفاسد كثيرة.

ومن عامل معاملة محرمة فعليه أن يتوب إلى الله، ويرجع المعاملة إلى العدل الذي أباحه الله، ويرفض ما فيها من ربا وميسر وتغرير وغش ونحوها من المحاذير الشرعية.
وأما آية الدين فما أجمعها لأحكام المعاملات وأكثر فوائدها، فإنَّ الله أرشد عباده إلى حفظ أموالهم ونظامها في المعاملات، وإلى تحريرها بالكتابة والشهود وضبطها بالوثائق، وذَكَرَ الطرقَ وأرشدَ إلى سلوكها ويسّرها غاية التيسير، ونفى كلَّ ضرر وظلم فيها من الجانبين، وأمر بغاية العدل وهي من البراهين على أنَّ دين الإسلام قد تكفل للبشر بصلاح دينهم ودنياهم، حيث أباح كلَّ معاملة نافعة وحرم كلَّ معاملة ضارة، وبيّن الطرق التي تحفظ بها وتضبط المعاملات والحقوق.
فمن فوائدها: جواز الديون كلِّها سواء كانت دين سَلَمٍ، بأن يسلم الثمن ويكون المثمن مؤجلاً إلى أجل مسمى، أو ديناً مطلقاً كأن يشتري شيئًا حاضرًا بثمن في ذمته إلى أجل مسمى، لأنَّ الله نسبه للمؤمنين وأقرهم عليه وهذا خاصية المباح.
ومنها: اشتراط العلم بالمبيع والثمن والأجل. أمَّا الأجل فمصرّح به في قوله"إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى "البقرة: 282 . وأمَّا علم الثمن والمثمن فمن باب التنبيه، إلى إنَّه إذا شرط العلم بالأجل الذي هو فرعه، فالأصل من باب أولى وأحرى.
ومنها: الأمر بكتابة الديون المؤجلة، والرخصة في ترك الكتابة في المعاملات الحاضرة، والحكمة في ذلك ظاهرة وهو الحاجة والضرورة في المؤجلة، والمشقة في الحاضرة المتكررة.
ومنها: الإرشاد إلى الإشهاد في المعاملات كلِّها حاضرة أو مؤجلة، وهي أعظم الوثائق وأنفعها وأوسعها.
وقد أمر بأعلى ما يكون فيها بإشهاد رجلين أو رجل وامرأتين من الشهود المرضيين بين الناس، وبَيَّن الحكمة في كون المرأة الواحدة لا تقوم مقام الرجل أنَّ ذاكرة الرجل أقوى من المرأة، فلهذا جبر هذا النقص بزيادة العدد، وبَيَّن الحكمة في ذلك بقوله"أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى "البقرة: 282 .
ومنها: أمر الشهود أن ينقادوا للشهادة، وأن لا يأبوا إذا دعوا للتحمل أو للأداء لما في ذلك من القيام بحق المسلم، وفك المنازعات، ولما فيه من الخير والأجر عند الله تعالى.
ولهذا ينبغي للشاهد أن يقصد بتحمله للشهادة وأدائها وجه الله والقيام بالواجب لقوله تعالى"وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ " الطلاق: 2. وزَجَر غاية الزجر عن كتمان الشهادة ومن باب أولى شهادة الزور، فكلاهما من كبائر الذنوب كتمان الشهادة، والشهادة بالباطل، فإنَّه ظلم في حق الله وظلم للمتعاملين كليهما. أمَّا المظلوم فظاهر وأمَّا الظالم فإنَّ شاهد الزور له وكاتمَ الشهادةِ الحق عليه قد أعانه على الظلم والعدوان.
وفيها دليل أنَّ شهادة الرجلين والرجل والمرأتين مقبولة في جميع المعاملات والأموال، وليس في ذلك نفي لقبول غيرها، لأنَّ الله إنَّما ذكر أعلى الحالات التي يحفظ بها الحقوق، وما يحكم به الحاكم أعمُّ من ذلك. فقد ثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد الواحد ويمين صاحب الحق- - أخرجه الترمذي (رقم: 1345)، وابن ماجه (2368)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.-.
ومنها: أنَّ الله أقام المرأتين مقام الرجل، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل» - أخرجه البخاري (رقم: 304)، ومسلم (رقم: 79).وأطلق ذلك. ومقتضاه أن يكون في كلِّ الأحوال ولأهل العلم هنا تفصيلات كثيرة، وما دلت عليه النصوص يجب تقديمه على كلِّ قول.
ومنها: أنَّ من نسي شهادته ثم ذكرها، أنَّ شهادته صحيحة لقوله تعالى"أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" البقرة: 282 .

وقوله"وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ "البقرة: 282. يدل على أنَّه ينبغي أن يكون الكاتب كامل الصفات، عالماً بالعدل، سالكاً لطريق العدل، معتبرًا عند الناس، وأنَّه لا يحل له أن يميل مع أحد المتعاملين لقرابة، أو صحبة أو نحوهما، فإنَّه خلاف العدل.
ومنها: أنَّ معرفة الكتابة من نعمة الله على العبد، وكونه معتبراً عند الناس مرضياً عندهم، وتتوجه له حاجاتهم، ويمنُّ الله عليه بقضائها والقيام بها، فبهذا تتم عليه النعمة وعليه أن يشكر الله على ذلك ولهذا قال"وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ "البقرة: 282 .
وقوله"وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ "البقرة: 282 ، لأنَّه يكتب الحق الذي يُقِرُّ بِهِ، وفي هذا أنَّ الإقرار من أعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق، وأنَّه لا عذر لمن أقرّ، وأنّه لو أقرّ ثم أنكر بعد ذلك، أو ادعى غلطًا أو نسيانًا أنَّه لا يقبل منه؛ لأنَّ الحق ثبت باعترافه، فدعواه ارتفاع ذلك دعوى مجردة لا تقبل.
وفي هذا أنَّه لا يكتب ما أملاه من له الحق حتى يعترف به من عليه الحق اعترافًا معتبرًا.
"فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا"البقرة: 282 ، أي: لا يعرف المصلحة ولا يحسن المعاملة "أَوْ ضَعِيفًا "البقرة: 282 ، أي: صغيرًا، ومن باب أولى المجنون، "أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ "البقرة: 282. لخرس أو حياء الأنثى "فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ "البقرة: 282 ، فيها إثبات الولاية على القاصرين وأنَّ وليهم ينوب منابهم في التصرفات والإقرارات، ويترتب عليه أنَّه لو زالت عنهم الموانع وأرادوا إلغاء تصرفات وليهم أو اتهموه بغير بيّنة فليس لهم ذلك لكونه قام مقامهم.
وفيه أنَّه لا عبرة بإقرار الصغير والسفيه والمجنون ولا بتصرفاتهم، لأنَّ الله لم يجعل لهم هنا إقرارًا ولا معاملة ولا إملاء، بل جعل ذلك لوليهم، ففيه إثبات الحجر عليهم، ومنعهم من التصرفات والتبرعات والإقرارات على أموالهم، وذلك عين مصلحتهم وهذا من محاسن الشريعة، حيث لم يمكن القاصرين من أموالهم خوف الضرر عليهم. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى"وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا "النساء: 5 .
وإثبات النيابة عن المرأة الخفرة، فيه إثبات الوكالة، وأنَّ الوكيل إذا أقرّ فيما وكّل فيه فإقراره مقبول.
وفيه دليل على أنَّه ينبغي معرفة حسن الإملاء وتعلم ذلك، وكذلك الكتابة خصوصاً تعلم كتابة الوثائق ومعرفة اصطلاح الناس فيها، فإنَّ ذلك نعم العون على هذا المقصود.
ثم حثّ على كتابة الصغير والكبير فقال"وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ "البقرة: 282 . ففي هذا أنَّ التدقيق في المعاملات والمحاسبات أولى من الإهمال وبناءِ الأمور على المساهلة، فالتدقيق وتحرير المعاملة لها محل، وباب المعروف والإحسان له محل آخر، والتمييز بين الأمرين له أهمية كبيرة، بل الغالب أنَّ الإحسان لا يكون له ذلك الموقع حتى تعلم الأمور على سواء بين المتعاملين.
ثم بيّن تعالى الحِكَم والمصالح العظيمة المترتبة على هذه الإرشادات القرآنية فقال"ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ "البقرة: 282 ، أي: أقرب لسلوك العدل وأقوم للشهادة، أي: أثبت لها لانبنائها على الكتابة وتأيدها وتذكرها بها، "وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا "، أي: يزول بذلك الشك في المعاملة، ولا يستريب بعض المتعاملين ببعض. فكلُّ هذه مقاصد جليلة تدعو الضرورة والحاجة إليها.
وفيه دليل على أنَّ الوثائق يؤيد بعضها بعضًا، وأنَّ الله يحب من المتعاملين أن تكون المعاملة صريحة لا امتراء فيها، وبهذا تدوم المعاملة ويزول الريب.
وقال"فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ" البقرة: 282 ، أي: ولا حرج إذا لم يتوثقوا بكتابة ولا شهادة، ولكن على كلِّ واحد ممن أمنه صاحبه ووثق به أن يؤدي أمانته ويشكر أخاه الذي وثق به، فيكون واجبًا عليه من جهتين: من جهة لزوم تقوى الله ووجوبها في كلِّ حال، ومن جهة أنَّ أخاك إذا وثق بك وأمنك فقد فعل معك معروفاً، فعليك أن تقابل الإحسان بالإحسان وفي هذا تنبيه على كلِّ ما في معناه، وأنَّ من عمل معك معروفًا في المعاملة فما جزاؤه إلا الوفاء معه ومقابلته بمثل عمله، كما أنَّ في قوله"أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ" تنبيه على أنَّ من خصّه الله بنعمة يحتاج الناس إليها، أنَّ مِن شُكره الله على هذه النعمة أن يبذلها للناس إذا احتاجوا إليها، وهو لا مضرة عليه فيغنم ولا يغرم.
ومنها: مشروعية وثيقة الرهن وخصوصًا في السفر عند الحاجة إليه لفقد الكاتب أو الشاهد، وأنَّ المقصود من الرهن أن يكون وثيقة بالدين إذا تعذر الوفاء بيع بالدين، وله مقصود آخر وهو أنَّه إذا كان له غرماء غيره قدم صاحب الرهن به عليهم.
وفيه أنَّ أكمل حالات الرهن أن يكون مقبوضًا، وليس في الآية دليل على أنَّه لا يكون رهنًا إلا إذا قبض، لأنَّ الله إنَّما ذكر أعلى الحالات، بل مفهوم قوله"فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ " البقرة: 283. أنَّها قد تكون غير مقبوضة، لكنها أقل توثقة من المقبوضة، كما أنَّ الشيء القليل أو الذي في الذمة أقل توثقة من الكثير أو من العين.
ومنها: النهي عن مضارة الكاتب والشهيد أو يضاران هما للمتعاملين، فعلى كلٍّ منهما سلوك الطريق الذي فيه إرفاق وسهولة.
ومنها: أنَّه تعالى تعاهد من يُخشى منه خيانة تخفى كالمملي للحق الذي عليه، والمؤتَمَن الذي وثق المعامل بأمانته وذمته بالحث على لزوم التقوى وتذكيره برعاية حق أخيه لكون الحق لا بيّنة به.
قوله تعال"وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ " يوسف: 72 . اسْتُدِل بها على صحة الكَفَالة والضَمَان والجَعَالة، وأنَّه يجوز تقدير الجعالة بما يتقارب علمه كحِمْلِ البعير ونحوه.
وقوله"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " النساء: 58 . استدل به على ثبوت الأمانات ووجوب حفظها في حرز مثلها وأدائها إلى أهلها: الذي ائتمن الإنسان، أو إلى وكيله ومن يحفظ ماله عادة، وأنَّ كلَّ مؤتمن مقبول قوله في التلف وعدم التفريط، وأنَّ الإنسان مقبول قوله على ما تحت يده من الأمانات لأنَّ هذا مقتضى التأمين.
وقوله"إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ "القصص: 26 فيه مشروعية الإجارة وجوازها في كلِّ المنافع المباحة، وأنَّ خير من عاملته بإجارة أو غيرها مَنْ جَمَعَ الوصفين، القوة التي هي الكفاءة للعمل المقصود من الإنسان والأمانة، فإنَّ النقص إما فقد الصفتين أو إحداهما.
قوله تعالى"وَالصُّلْحُ خَيْرٌ "النساء: 128 ، "فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ "الحجرات: 10. وهذا عام في جميع الحقوق المالية وغيرها، وسواء عند الإقرار أو الإنكار. فالصلح جائز ومأمور به بين الناس إلا صلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً، وعموم ذلك يقتضي جواز الصلح عن جميع الحقوق حتى حقوق الخيار والشفعة وغيرها، ويقتضي جواز الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً، والصلح بين الجيران في الحقوق المتعلقة بالجوار.
وقد أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين والأقربين والجيران والمساكين وغيرهم، فيشمل ذلك الإحسان القولي والفعلي، ويختلف باختلاف الأشخاص والأوقات وجميع الأحوال.
وقوله تعالى"وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" الأنعام: 152. فيها الولاية على اليتيم وإحسان تدبير ماله، وقد أمر باختباره عند بلوغه، فإذا علم رشده وهو حفظ ماله ومعرفته للتصرف والتصريف دفع له ماله.
قوله تعالى"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ "البقرة: 180.نُسخت الوصية للورثة بآيات الميراث، وبقيت في غيرهم من الأقارب ونحوها من طرق البر والخيرات.
ويُسْتَدَلُّ على الوقوف والهبات والوصايا، وكذلك على القرض والعارية ونحوها من التبرعات في الأعيان أو في المنافع، بعموم أمره تعالى بالإحسان وثنائه على المحسنين، وبيان فضائلهم وثوابهم. فهذه المذكورات كلُّها داخلة في الإحسان، ولكن ينبغي أن يعلم أن الإحسان إنما يكون إحسانًا حقيقيًا إذا لم يتضمن ظلمًا وجورًا، وإلا فترك الإحسان هو الإحسان مثل أن يكون تبرعه يتضمن ترك واجب من دين، أو مضارة وارث، أو إضرار بمن لا تحل مضارته فهذا لا يجوز.
وقوله"مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ "التوبة: 91. يدل على أنَّ المؤتَمن إذا كان بغير جُعْل أنَّ قوله مقبول في رد الأمانة، كما يقبل قول كلِّ مؤتمن في دعوى التلف وعدم التفريط.
وقوله تعالى"فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ "البقرة: 182. فيها إرشاد إلى تنبيه المعتدي في وصيته، ونصيحة من بعده في تعديل وصيته إذا كانت جائرة.
وقوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ"المائدة: 106- إلى آخر الآيات. فيها: أنَّ الوصية مشروعة وأنَّه يكفي فيها شهادة اثنين من المسلمين، فإن لم يحضر المحتضر إلا كفار، قبلت فيها شهادة اثنين منهم للضرورة، فإن خيف منهما خيانة حلفا بعد الصلاة ما خانا وما كتما، وإن اطّلع على خيانة منهما بأن قامت الشواهد على ذلك، حلف اثنان من أولياء الميت على خيانتهما، وأنَّ شهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا ثم يغرمان المال.
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 07-12-2017, 12:51 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام المواريث
قال الله تعالى"يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " إلى قوله"إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا "النساء: 11 والآية التي في آخر السورة. لقد فصّل الله في هذه الآيات أحكام المواريث تفصيلاً تامًا، فذكر ميراث الأولاد وهم أولاد الصُلْبِ الذكور والإناث وأولاد البنين، كذلك الذكور والإناث دون أولاد البنات، فذكر أنَّهم إذا اجتمع منهم ذكور وإناث في درجة واحدة فللذكر مثل حظ الأنثيين، وأنَّهم في هذه الحال يكونون عَصَبَةً لا يستحق معهم أحدٌ من القرابة شيئًا سوى الوالدين فقط، لكلِّ واحد السدس. ومن باب أولى إذا كان الأولاد ذكورًا خلّصا وإذا كانوا إناثًا فللواحدة التي ليس معها في درجتها أحد النصف، وللثنتين فأكثر الثلثان، فإن كانت الواحدة في الدرجة العالية كبنت الصلب ومعها بنت أو بنات ابن، فللعالية النصف ويبقى السدس تكملة الثلثين لبنات الابن.
وذكر ميراث الأبوين مع الأولاد لكلِّ واحد منهما السدس. أما الأم فلا تزيد عليه، وكذلك الأب مع الأولاد الذكور أو مع البنات إذا استغرقت الفروض، فإن بقي شيء بعد أخذ البنات فروضهن أخذه الأب تعصيبًا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي في الصحيح: «الحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر» - أخرجه مسلم (رقم: 1615).-. وهو أولى من الأبعدين، فإن كان أم وأب ومعهما أحد الزوجين أخذ أحد الزوجين فرضه والباقي للأم ثلثه وللأب الباقي، فإن كان للميت أخوة فلأمه السدس.
والجد حكمه حكم الأب في جميع أحكام الفرائض بالاتفاق، إلا في العمريتين المذكورتين فإن للأم مع الأب ثلث الباقي، ومع الجد ثلث المال كلِّه، وإلا مع الإخوة لغير أم، فإنَّ العلماء اختلفوا فمنهم من ورثهم مع الجد على تفاصيل كثيرة معروفة كزيد بن ثابت رضي الله عنه، ومن وافقه من الصحابة والأئمة، ومنهم من أسقطهم بالجد كقول أبي بكر رضي الله عنه، ومن وافقه من الصحابة والأئمة وهو القول الذي ترجحه الأدلة الكثيرة.
وذكر ميراث الزوجين وأنَّ للزوج نصف ما تركت زوجته، إذا لم يكن لها ولدٌ ذكرٌ أو أنثى واحدٌ أو متعددٌ ولدُ صُلْبٍ، أو ولدُ ابن منه، أو من غيره، والربع بوجود الولد المذكور، وأنَّ للزوجة الثمن مع الولد والربع مع عدمه.
وذكر ميراث الإخوة من كلِّ جهة: أما الأخوة من الأم فلم يورثهم إلا في الكلالة، أي: إذا كان الميت ليس له أولاد صلب ولا أولاد ابن لا ذكور ولا إناث ولا أب، ولا جد، فللواحد منهم السدس وللاثنين فأكثر الثلث ذكورهم وإناثهم واحد. وأما الأخوة الأشقاء أو لأب فالذكور منهم عصبة، وكذلك إذا كان معهم إناث كان للذكر مثل حظ الأنثيين، والواحدة من الإناث لها النصف والثنتان فأكثر الثلثان، فإن كانت شقيقة ومعها أخت من أب أو أخوات كان للشقيقة النصف وللتي لأب السدس تكملة الثلثين. وقوله"وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ "الأنفال: 75 . يستدل بعمومها على إرث جميع عصبة الأقارب، ولم يورث الله الأخوات مع إخوتهن إلا البنات والأخوات للميت. وأما أولاد الإخوة والأعمام وأولادهم مهما تفاوتت درجاتهم، فإنَّه يختص الذكر بالميراث دون أخواته.
وأما الجدة من جهة الأم أو من جهة الأب إذا عدمت الأم، فقد ثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم جعل لها السدس ولا تزيد عليه.
وأما مسائل العول فأخذها الصحابة رضي الله عنهم من عموم أمره تعالى بالعدل، والعول هو العدل المستطاع، كما بسط ذلك في غير هذا الموضع.
وقوله في عدة مواضع "مِمَّا تَرَكَ " يدل على أنَّ جميع الورثة يرثون كلَّما خلفه ميتهم من الأعيان والديون والحقوق، حتى ما يجب له بعد موته من دية ونحوها.
وأما ميراث الرد فيؤخذ أيضًا من مأخذ العول، لأنَّ القاعدة الشرعية أنَّ الأموال المشتركة زيادتها أو نقصها بين المشتركين بحسب حصصهم، والعولُ والردُ فرد من أفراد ذلك.
وكذلك ميراث ذوي الأرحام مأخوذ من قوله تعالى"وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ "الأنفال: 75. فعند عدم أهل الفروض والعصبات يكون ذوو الأرحام أولى من غيرهم. وأمَّا صفة إرثهم فحيث كانوا مدلين بأصحاب فروض أو عصبات جعلوا بمنزلتهم لأنَّهم فرعهم.
الأحكام المتعلقة بالنساء وهي كثيرة جدًا ذكرها الله في كتابه لامتزاج أحكام النساء بالرجال وكثرة الحقوق بينهما والتعلقات.


- أخرجه مسلم (رقم: 1615).
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 07-12-2017, 12:52 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام النكاح والصداق وتوابع ذلك

من العشرة وحقوق الزوجية
قد أمر الله بالنكاح في عدة آيات وقال"فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا "4:النساء ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا "21: النساء" ، وقال"أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ "النساء: 24 ، وذكر قصة تزوج موسى لابنة صاحب مدين على أن يأجره ثمان أو عشر حجج، وقال"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا "النساء: 19 ، "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ "البقرة: 228. الآية.
فدلت هذه الآيات على الأمر بالتزوج وجوبًا أو استحبابًا بحسب الأحوال، وحث على تخير النساء الكُمّل، "فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ" النساء: 34 . وقال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يمينك» - أخرجه البخاري (رقم: 5090)، ومسلم (رقم: 1466).-، وذلك لنفعها زوجها في دينه ودنياه، وحفظها نفسها وماله وحسن تدبيرها ونفعها للعائلة وتربية الأولاد تربية دينية.
وأباح للرجل أن يتزوج إلى أربع من الحرائر، ومن الإماء ما شاء بملك اليمين، وحث على الاقتصار على واحدة عند الخوف من الظلم.
وأمَر بإيتاء النساء صدُقاتهن، وأن المهر يصلح بالقليل والكثير والأموال والمنافع، وأمَرَ من عنده يتيمة هو وليها أن لا يظلمها، وأنَّه إن رغب في نكاحها أن يقسط لها في مهرها فلا ينقصه عما تستحقه، ومن رغب عنها أن لا يعضلها ويمنعها الزواج حتى تعطيه شيئاً من مالها، أو حتى يُعطى من صداقها فإنَّ هذا ظلم، بل يتعين عليه أن يجتهد في مصلحتها كما يجتهد لبناته، وأنَّ المرأة إذا كانت رشيدة وطابت نفسها له بشيء من صداقها، فله أكله بلا حرج إن لم يكن ذلك بسبب عضله لها، فإن عضلها ظلماً لتفتدي منه بما أتاها أو ببعضه، فقد أتى إثماً عظيماً. وبيّن تعالى أنَّ الحكمة في ذلك أنَّه كيف يأخذه وقد استوفى المنفعة وأفضى بعضهم إلى بعض، "وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا "النساء: 21. وهو التزام الزواج المتضمن للقيام بجميع الحقوق التي أولها إيفاؤها الصداق، وإنَّما يتنصف الصداق إذا طلق قبل الدخول وقد فرض لها مهرًا، فلها نصف ما فرض إلا إن عفى أحدهما عن نصفه فيكون للآخر. ففي هذه الآيات أنَّ الصداق ملكٌ للزوجة، وأنَّه يتقرر كلُّه بالدخول وكذلك بالموت لتمام وقته.
وأمر تعالى كلاً من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة اللائقة بحالهما وكف الأذى، وأن لا يمطل كلٌّ منهما بحق الآخر، ولا يتكره لبذله ويدخل في المعاشرة بالمعروف أنَّ النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك راجع إلى العرف إذا اختلفا في تقديره وتحديده، وأنَّه تابع ليسر الزوج وعسره. قال تعالى"لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا "الطلاق: 7. وقد أرشد الله وحثّ على الصبر على الزوجات ولو كرهها الزوج، فعسى أن يكون منها خير كثير يبدل الله الكراهة بالمحبة، وتتبدل طباعها أو يرزق منها أولاداً أو يكون له من مقارنتها وصحبتها وتوليها لماله مصالح كثيرة.
وقوله"وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا "النساء: 20. يدل على جواز كثرة المهر،مع أنَّ الأولى السهولة فيه وفي غيره فخير النساء أسهلهن مؤنة.
وقد حرّم تعالى من الأقارب سبعًا: الأمهات وهنَّ كلُّ أنثى لها عليك ولادة، والبنات وهنَّ كلُّ أنثى لك عليها ولادة، والأخوات من كلِّ جهة، وبناتهن وبنات الإخوة وإن نزلن، والعمات وهنَّ كلُّ أنثى أخت لأبيك أو لأحد أجدادك، والخالات وهنَّ كلُّ أنثى أخت لأمك أو لأحد جداتك وما سواهنَّ من الأقارب حلالٌ؛ كبنات العم وبنات العمات - في الأصل: «الأعمام».- وبنات الأخوال وبنات الخالات، ويحرم من الرضاع نظير ما يحرم بالنسب من جهة المرضعة، ومن جهة زوجها الذي له اللبن، وأما من جهة الطفل الراضع فلا ينتشر التحريم في الرضاع إلا عليه وعلى ذريته.
وحرّم تعالى من الصهر أربعًا ثلاث بمجرد العقد وهن أمهات زوجاتك، وحلائل أولادك، وحلائل آبائك، وبنات الزوجات إذا دخل بأمهنَّ، فإن لم يدخل بها فلا جناح عليه في الربائب.
وحرّم تعالى الجمع بين الأخوات، وحرمت السنّة الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، وحرم المملوكة على الحر إلا إذا عدم الطول وخاف العنت وهي مسلمة.
وحرّم على المسلم نكاح الكافرة والإمساك بعصمتها إلا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى، وحرّم إنكاح المسلمة للكافر، وحرّم نكاح الزانية حتى تتوب، ومن طلقها ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره نكاحًا صحيحًا ويطأها ويطلقها وتنقضي عدتها.
وقوله تعالى"وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ " الأحزاب: 50 . صريح على أنَّه ليس للمؤمنين أن ينكحوا إلا بمهر مسمى أو مفروض بعد ذلك، وأنَّه إذا شرط نفيه لغى الشرط، وهل يبطل مع ذلك النكاح أو يجب مهر المثل مع صحة العقد. فيه قولان لأهل العلم، وهذا أيضًا يدل على تحريم نكاح الشغار بأن يزوج كلُّ واحد الآخر موليته، ومهر كلِّ واحدة بضع الأخرى.
وقد ذكر الله أنَّه لو تزوجها ولم يفرض لها صداقًا ثم يطلقها قبل المسيس، أنَّ لها المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
وأمَّا متعة الزوجة المطلقة في غير هذه المسألة فإنَّها سنّة مؤكدة كما قال تعالى"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ" البقرة:241.
وقد ذكر الله خطاب الأولياء في شأن النساء في عدة مواضع، مثل قوله"وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ "البقرة: 232. وذلك دليل على اعتبار الولي في النكاح، كما أنَّ قوله"وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا غَلِيظًا "النساء: 21. دليل على الإيجاب والقبول، لأنَّ من جملة الميثاق الغليظ إيجاب النكاح وقبوله المتضمن للقيام بجميع حقوق الزوجية ومنه المهر وتوابعه. وفي قوله"إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ "البقرة: 232. دليل على اعتبار رضى الزوجين وأنَّ ذلك التراضي مقيد بالمعروف، فلو رضيت غير كفو لها فلأوليائها منعها من تزوجه.
وقد أمر الله الزوج إذا نشزت زوجته أن يعظها ويهجرها في المضجع، فإن لم تعتدل أن يضربها، وأنَّه إذا خيف الشقاق بينهما وخيف أن لا تقبل الحالة الالتئام أنْ يجتمع حكمان: واحد من أهل الزوج وواحد من أهل الزوجة، فينظران في الاجتماع بينهما إن أمكن بطريقة من الطرق، إما ببذل عوض أو إسقاط حق من الحقوق أو بغير ذلك، فلا يعدلا عن ذلك وإلا فلهما التفريق بينهما بخلع أو بتطليق بحسب ما تقتضيه الأحوال.
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 07-12-2017, 12:55 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام الطلاق والخُلع والعِدَد والنفقة والرضاع والإيلاء

والظهار واللعان وتوابع ذلك من الرجعة وغيرها

قال الله تعالى"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ"الطلاق: 1. الآية، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا "49:الأحزاب ، "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ "البقرة: 228. إلى أن قال"الطَّلاقُ مَرَّتَانِ "البقرة: 229. إلى أن قال"فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ "البقرة: 230 ، "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ"الطلاق: 4 ، وقال"وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا "البقرة: 234
يستفاد من هذه الآيات أحكام كثيرة في الطلاق والرجعة والعدة. تقدم أنَّ الله حثّ على إمساك النساء والصبر عليهن، وأنَّه عسى أن يكون فيه خير كثير، وهذا يدل على محبة الله للاتفاق بين الزوجين وكراهته للفراق، وهذه الآيات دالة على إباحة الطلاق وهو من نعمه على عباده، إذ فيه دفع ضرر ومشاق كثيرة عند الاحتياج إليه.
ومَعَ ذلك فقد أمر عباده إذا أرادوا أن يطلقوا أن يلزموا الحدود الشرعية التي هي صلاح دينهم ودنياهم فيطلقونهن لعدتهن، فسرها صلى الله عليه وسلم بأنَّها تكون طاهرة من الحيض من غير جماع حصل بهذا الطهر، فبهذا تكون مطلقة لعدتها وتعرف أنَّها شرعت فيها، وكذلك إذا طلقت بعدما استبان حملها. وهذا يدل على أن الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي حصل فيه وطء، ولم يستبن حملها أنَّه حرام، وكذلك لا يحل أن يطلقها أكثر من واحدة لقوله"وَلا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا"البقرة: 231 ، ولم يذكر الله الألفاظ التي يحصل بها الطلاق ولم يعينها، فدل على أنَّه كلُّ لفظ يفهم منه الطلاق بصريحه أو كنايته إذا تعينت بالنية أو القرينة، فإنَّه يقع بها الطلاق.
ودلّ على أن الطلاق الذي تحصل به الرجعة طلقة أو طلقتان، فإن طلقها الثالثة لم تحل له إلا بعد زوج ينكحها نكاحاً صحيحًا ويطؤها، ثم يطلقها وتعتد بعده. وفي قوله"حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا"البقرة: 230. يدل على تحريم نكاح التحليل لأنَّه ليس بنكاح شرعي ولا يفيد الحل.
ودلّ قوله"وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ "البقرة: 228. على أنَّ الرجعية زوجة حكمها حكم الزوجات في كلِّ شيء، إلا أنَّه لا قَسْم لها، وأنَّه له رجعتها رضيت أو كرهت لكونه أحق بها.
واشترط الله للرجعة شروطًا:
أحدها: أن يكون في طلاق، فإن كان في فسخ من الفسوخ، فلا رجعة فيها لقوله"وَالْمُطَلَّقَاتُ"البقرة: 228 .
الثاني: أن يكون الطلاق واحدة أو اثنتين لأنَّ قوله"الطَّلاقُ مَرَّتَانِ"البقرة: 229.يعني الذي يحصل به الرجعة، ثم صرح بعد ذلك أنَّه إن طلقها لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
الثالث: أن تكون في العدة لقوله"أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ"البقرة: 228 .
الرابع: أن لا يقصد برجعتها الإضرار بها، بل يقصد إرجاعها لزواجه الحقيقي.
الخامس: أن لا يقع الطلاق على عوض، فإن وقع على عوض فهو الخلع أو معناه، والله تعالى سمى الخلع فداء، فلو كان له عليها رجعة لم يحصل الفداء.
السادس: أن لا يكون الطلاق قبل الدخول لقوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا "الأحزاب: 49 .
ودلت هذه الآية على أنَّ الطلاق لا يقع إلا بعد النكاح، فلو عَلَّقَهُ على نكاحه لها أو نَجَّزَهُ لأجنبية لم يقع.
ودلت على أنَّ المفارقة في الحياة لا عدة عليها، وأمَّا بعد الدخول فإن كانت تحيض فعدتها ثلاثة أقراء كاملة، تبتدي بها بعد الطلاق. وظاهر الآية طالت مدتها أو قصرت، فإن كانت صغيرة أو لم تحض، أو كانت آيسة من الحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل كلِّه، وإن أشكل أمرها فلم يُدْرَ هل هي حامل أم لا، بعدما كانت تحيض ولم تيأس مكثت تسعة أشهر احتياطًا للحمل، ثم اعتدت بثلاثة أشهر.
وأما المتوفى عنها فعدتها إن كانت حاملاً بوضع الحمل، وإن لم تكن حاملاً فبأربعة أشهر وعشر احتياطًا عن الحمل.
وفي قوله"فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ"البقرة: 240. فيها تنبيه على الإحداد على المتوفى عنها زوجها، وأنَّها تترك في وقت عدتها كلَّما يدعو إلى نكاحها من ثياب الجمال والحلي والطيب والكحل والحنا ونحوها، كما وردت مفصلة في السنّة.
وقوله تعالى"وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ "البقرة: 235. الآية. التعريض الذي نفى الله الحرج فيه في خطبة البائن بوفاة أو ثلاث أو فسخ. فالتصريح لا يحل والتعريض الذي يحتمل الخطبة ويحتمل غيرها لا بأس به، وأمَّا الرجعية فلا تحل خطبتها لا تصريحًا ولا تعريضًا لأنَّها في حكم الزوجات، وفي هذه الآية تحريم العقد على المعتدة، لأنَّه إذا حرمت خطبتها، فمن باب أولى نفس العقد فهو حرام غير منعقد.
وأما نفقة المطلقة ما دامت في العدة، فإن كانت رجعية فلها النفقة، لأنَّ الله جعلها زوجة وزوجها أحق بها، فلها ما للزوجات من النفقة والكسوة والمسكن.
وأما البائن فإن كانت حاملاً فلها النفقة لأجل حملها لقوله تعالى"وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ "الطلاق: 6. وإن لم تكن حاملاً، فليس لها نفقة واجبة ولا كسوة.
وأما نفقة الرضاع فهي على الأب؛ فإن كانت أمه في حبال أبيه فنفقة الزوجة تندرج فيها نفقة الرضاع لقوله"وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ "البقرة: 233. فلم يوجب غيرها، وإن لم تكن في حباله، فعليه لها أجرة الرضاع لقوله"فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ "الطلاق: 6. وأمر تعالى أن "لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ "البقرة: 233. وهذا شامل لكلِّ ضرر.
وقوله"وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ "البقرة: 233. . استدل بها على نفقة القريب المحتاج إذا كان وارثه غنياً وارثاً له، وهذا الشرط الأخير في غير الأصول والفروع، فالغني منهم عليه نفقة الفقير وارثاً كان أو غير وارث.
وقوله"فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ "البقرة: 229. فيه جواز الخلع عند خوف أن لا يقيما حدود الله، وأنَّه يجوز بالقليل والكثير، وأنَّه فدية لا يحسب من الطلاق، وليس فيه رجعة.
قوله"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ "البقرة: 241. يشمل كلَّ مطلقة فينبغي لمن طلق زوجته أن يمتعها بالمتيسر من المال، وذلك من أفضل الإحسان، ومن مكارم الأخلاق لأنَّها في هذه الحال منكسر خاطرها، قليل في الغالب ما في يدها، ولا تجب إلا إذا طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرًا.
وقد أرشد الله الزوج إلى أن يمسك زوجته بمعروف أو يفارقها بمعروف، وذلك للسلامة من التبعة ولراحة الطرفين وبقاء الألفة بين الأصهار، وحصول الحياة الطيبة المانعة من الأكدار، فهل أحسن من هذا الحكم لقوم يوقنون.
واستدل بقوله تعالى"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ "البقرة: 233. مع قوله"وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا "الأحقاف: 15 . أنَّ أقل مدة يمكن حياة الحمل فيها ستة أشهر، لأنَّك إذا ألقيت الحولين من الثلاثين شهراً بقي ستة أشهر للحمل.
قوله تعالى"لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "227:البقرة . فيها حكم الإيلاء وهو حلف الزوج على ترك وطء زوجته أبدًا، أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فإذا طلبت الزوجة حقها من الوطء وامتنع لإيلائه ضَربت له مدة أربعة أشهر، ثم إمَّا أن يطأ ويكفّر عن يمينه، وإمَّا أن تلزمه بالطلاق.
ويؤخذ من معنى الآية أنَّ الزوج إذا امتنع مما يجب عليه من فراش، أو وطء، أو نفقة، أو كسوة، أو مسكن، أو نحوها من الواجبات التي لا عذر له في تركها، والحَّت في طلبها حقها أنَّ لها الفسخ.
قوله تعالى"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ "النور: 6. الآيات. لما ذكر تعالى أنَّ من قذف غيره بالزنا، فعليه حد القذف ثمانون جلدة إن لم يأت بأربعة شهداء. استثنى من رمى زوجته بالزنا وأنكرت، فإن له أن يلاعنها بأن يشهد أربع شهادات إنَّه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا، ويزيد في الخامسة وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقابله فتشهد أربع شهادات بالله إنَّه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا، وتزيد في الخامسة وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فإذا تم اللعان بينهما ترتب عليه سقوط حد القذف عنه وسقوط العذاب عنها وهو حد الزنا أو الحبس، وانتفى الولد المنفي بهذا اللعان وحصلت الفرقة المؤبدة بينهما.
قوله تعالى"قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا"المجادلة: 1. الآيات. ذكر الله حكم الظهار، وأنَّه منكر من القول وزور، وأنَّه إذا أراد أن يعود لوطئها بعد هذا التحريم بأن يحرمها صريحًا أو يقول: هي علي كظهر أمي أعتق رقبة مؤمنة من قبل أن يتماسا فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 07-12-2017, 12:55 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام الأيمان والنذر والعتق
قال تعالى"لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ"المائدة: 89 . فالحلف إن كان على أمر ماض وهو كذب قد تعمده صاحبه، فعليه من الإثم ما على الكاذبين، فإن كانت اليمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم، فهي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، فإن كان يظن صدق نفسه أو وقعت في عرض كلام الرجل، كقوله: لا والله، بلى والله في معرض كلامه فهي لغو اليمين لا إثم فيها ولا كفارة، فإن عقدها على مستقبل وحنث بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله عالماً ذاكراً فعليه هذه الكفارة، يخيّر بين العتق وإطعام عشرة مساكين وكسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام.
ومثل الحلف لفظ التحريم إذا حرّم على نفسه شيئًا طعامًا أو شرابًا أو لباسًا أو منزلاً أو غيرها، فحكمه حكم اليمين إذا فعل ما حرّمه على نفسه، وهذا التحريم من باب الاعتداء كما ذكره الله.
وكذلك لو حلف بالنذر وهو النذر الذي يسميه العلماء نذر اللجاج والغضب، فإنَّ مجراه مجرى اليمين.
وأما النذر الحقيقي الذي ينجزه العبد، أو يعلقه على أمر يحبه وينذر طاعة من الطاعات كقوله: لله عليَّ أن أعتق أو أحج أو أتصدق، أو إن شفى الله مريضي فلله عليَّ صدقة بكذا. فيحصل له ما علقه عليه فهذا يتعين عليه الوفاء به وقد مدح الله الموفين بنذورهم.
وقوله تعالى"فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ 13"البلد. وكون الله ذكر العتق كفارة للظهار والقتل والأيمان. وقال تعالى"فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا "النور: 33. دليل على فضيلة العتق، وأنَّه من أجلّ الطاعات وأحبها إلى الله.
وفيه الأمر بكتابة الرقيق الذي يُعلم فيه الخير، أي: صلاح في الدين وصلاح في الدنيا. وأما الذي يخشى منه الفساد أو يخشى أن يكون شحاذًا كلًّا على الناس، فليس في عتقه وكتابته كثير فائدة.
وفيه الحث على إعطاء المكاتبين ما يوفون به كتابتهم وأمر السيد أن يضع عنه أو يخفف عنه من كتابته.
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 07-12-2017, 12:59 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام الحدود
جعل الله الحدود على الجرائم العظيمة حماية عنها وردعاً ونكالاً. قال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى"البقرة: 178. الآيات. "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "المائدة: 45. الآية وقال تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً "النساء: 92. الآية إلى أن قال"وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا "93:النساء .
قسّم الله القتل إلى عمد فيه الوعيد الشديد وفيه القصاص، فيخير أولياء الدم بين القصاص والعفو إلى الدية والعفو بلا شيء، فإذا اختاروا القصاص فعلوا بالقاتل كما فعل بالمقتول من غير زيادة في صفة القتل، ولا قتل لغير من جنى. قال تعالى"وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ "الإسراء: 33. أي: يتجاوز حقه إلى غيره. ولهذا لو لزم القود أنثى حاملاً لم تقتل حتى تضع. وشرط الله المكافأة في الحرية والرق، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه لا يقتل مسلم بكافر- رواه البخاري (111).-. وأمَّا الذكر فيقتل بالأنثى تقديمًا لعموم قوله تعالى"وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "المائدة: 45. على مفهوم قوله"الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ "البقرة: 178. ويؤيده قتله صلى الله عليه وسلم لليهودي الذي رض رأس الجارية بين حجرين حين اعترف - رواه البخاري (2413) ومسلم (1672).--. فيدل على قتل الرجل بالمرأة وعلى أنَّه يفعل بالقاتل كما فعل بالمقتول كما هو ظاهر الآية، لأنَّ القصاص أن يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه، وكذلك الأطراف والجروح تجري مجرى النفس، يؤخذ كلُّ عضو بما يماثله اسماً ومحلاً.
فإن عفوا إلى الدية فعليهم الاتباع بالمعروف، وعلى المؤدي أن يؤدي بإحسان من غير مماطلة ولا مناقصة ولا بخس، وهذا الإرشاد الذي نبّه الله عباده عليه في جنس المعاملات أنَّ الناس ما بين طالب ومطلوب، فعلى الطالب أن يتبع بالمعروف والمساهلة والمياسرة، وعلى المطلوب أن يؤدي بإحسان يسلّم الحق تاماً لا نقص فيه ولا مطل، هو أكمل المعاملات وأشرفها وصاحب هذه المعاملة قد حاز الفضيلتين شرف الدنيا وأجر الآخرة.
والقسم الثاني: الخطأ، فهذا لم يجعل الله فيه قصاصًا ولا رتب عليه إثماً ووعيداً، وإنَّما أوجب فيه الكفارة على القاتل عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فليصم شهرين متتابعين، ودية مسلّمة إلى أهل المقتول يسلمها عاقلة القاتل. وقد فصلت السُنّة مقادير ديات النفوس والأطراف والجروح.
وقال تعالى"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ "المائدة: 33 . هذا حد قطّاع الطريق. من العلماء من قال: إنَّ الإمام مخيّر فيهم في هذه الأشياء يفعل ما يراه أصلح، ومن العلماء من قال: إنَّ هذه العقوبات متفاوتة في غلظها فهي تبع الجنايات، فمن قَتَلَ وأخذ مالاً قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ مالاً قتل ولم يصلب، ومن أخذ مالاً ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن أخاف السبيل نفي من الأرض وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما- انظر تفسير ابن جرير الطبري (4/213).-وهو أولى.
وقال تعالى"وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا "15:النساء . وهذا السبيل الذي ذكره الله قد بينّه صلى الله عليه وسلم بأن المحصن يرجم حتى يموت، والبكر يجلد مائة ويغرب عاماً. وقال تعالى"الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ "النور: 2 .
وقد شرط تعالى لثبوت هذا الحد أن يشهد فيه أربعة رجال عدول، والإقرار تنوب الأربع عن الأربعة.
وقال تعالى"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا "النور: 4، 5 . الرمي المذكور هنا هو الرمي بالزنى، فعلى القاذف ثمانون جلدة وترد شهادته، إلا أن تاب بأن أكذب نفسه.
وقد أمر تعالى بقطع يد السارق والسارقة، وذلك إذا ثبتت السرقة ببيّنة أو إقرار.
قوله تعالى"وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ"البقرة: 194 ، "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ "النساء: 148 . استدل بذلك على القصاص في الأطراف والجروح وإتلاف الأموال واللطمة ونحوها، ومقابلة الشاتم بمثله من غير اعتداء.


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 07-12-2017, 01:00 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام الأطعمة والأشربة والذبائح

والصيد والضيافة والاستئذان والسلام
قال تعالى"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا "البقرة: 29 ، "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"الأعراف: 32" ، "أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا "المائدة: 96 . وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ووصف دينه"يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ "الأعراف: 157 ،"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ "المائدة: 3. الآيات، إلى أن قال" يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ "المائدة: 4 ، "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ "الأنعام: 119 ، وقال تعالى"يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا "البقرة: 168 ، "قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ" الأنعام: 145. الآية "ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ "الأنعام: 143. الآيات.
هذه الآيات تدل على أنَّ الأصل في الأطعمة الحل، إلا ما صرح الشارع بتحريمه. وقد صرح بحل بهيمة الأنعام وبحل حيوانات البحر، صيده ما صيد حياً، وطعامه ما وجد فيه ميتاً، ولم يستثنِ شيئًا. وأحل صيود البر كلَّها، لأنَّه لم يحرمها إلا في الإحرام، وأحل الحبوب والثمار وجميع الطيبات، وشرط لحل حيوانات البر إن كان مقدورًا عليها أن تذكى، كما قال"إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ "المائدة: 3 ، وذكر اسم الله عليه، وما عجز عنه برميه بما يجرح، أو إرسال الجوارح المعلمة عليه من الطيور والكلاب وشَرْطُ تعليمها بأن تسترسل إذا أرسلت، وتنزجر إذا زجرت وتمسك على صاحبها ولا تأكل منها، وبأن يذكر اسم الله عليها عند إرسالها، وحرم الميتة وهي ما مات حتف أنفه، أو بسبب لا يبيح؛ كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما أدرك من هذه، وذكي ذكاة شرعية، وحرّم الخنزير، وحرّم النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ ذي ناب من السباع وكلَّ ذي مخلب من الطير، وما نهى عن قتله أو أمر بقتله كالفواسق والحشرات وجميع المستخبثات وجميع ما فيه ضرر، فكلُّ ما أحله فهو نافع، ولم يحرم على العباد إلا ما يضرهم في أديانهم وأبدانهم وأعراضهم وعقولهم كالمسكرات ومع ذلك قال"فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ" المائدة: 3. أي: مجاعة ."غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ "المائدة: 3. أي: مائل إليه، بأن يتزود منها، أو يأكل فوق ما يزيل ضرورته. وحرم تعالى ما ذبح لغير الله.
وقال تعالى"هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ "24: الذاريات. الآيات. فيها دلالة على أنَّ الضيافة من ملة إبراهيم التي أمرنا باتباعها، وأنَّ تمامها إكرام الضيف كما قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» - أخرجه البخاري (رقم: 6018)، ومسلم (رقم: 47).-. وفيه أنَّه قرّب ضيافتهم إليهم ولم يحوجهم إلى الذهاب إلى محل آخر، وفيه العرض عليهم بلطف لقوله"أَلَا تَأْكُلُونَ ".الصافات: 91 .
وقوله تعالى"وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا "النساء: 86 ، وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا" النور: 27 . في هذا مشروعية السلام، وأنَّه من شعار المسلمين، وأنَّه ينبغي الابتداء بالسلام وأنَّ الراد عليه أن يقابل التحية بمثلها، أو أحسن منها قولاً وبشاشة وملاطفة، فإنَّ السلام والتحية تحسن بما يقترن بها من اللطف وحسن اللقاء والإيناس وإدخال السرور على أخيك المسلم.
وفيه الإرشاد لعباده أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم إلا بإذن أهلها، فإن أذنوا وإلا وجب عليه الرجوع. وحرّم عليه التطفل والأكل والشرب من بيوت الناس بدون إذن، إلا من جرت عادتهم بالرضى بذلك كالذي استثنى الله بقوله"وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ"النور: 61. إلى آخرها.
ونهى عن الدخول إلا بإذن، إلا المماليك والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، حيث كانوا مترددين طوافين على الناس، فلهم الدخول بلا إذن إلا في أوقات العورات الثلاث، حين اليقظة من النوم ووقت النوم ووقت الظهيرة.
وقد أمر بالسلام عند دخول البيوت سواء كانت للإنسان أو لغيره فإنَّها تحية مباركة طيبة.
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 07-12-2017, 01:01 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

أحكام متنوعة في الأصول والفروع والآداب

قوله تعالى"وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"68 :الأنعام . تدل الآية على النهي عن مجالسة أصحاب المعاصي والقعود معهم ما داموا على معصيتهم، وأنَّه يجب على من سمع الكلام المحرم أن يمنع صاحبه، فإن لم يتمكن من ذلك وجب عليه القيام من ذلك المجلس، وكذلك فاعل المحرم ولهذا أتى باللفظ العام في قوله"الظَّالِمِينَ ".
قوله تعالى"أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ" الأنعام: 90 . دليل على أنَّ شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بنسخه، لأنَّ هداهم ما هم عليه من العقائد والأخلاق والأعمال.
قوله"وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ "الأنعام: 108 . فيها سد الذرائع عن الأمور المحرمة، وأنَّ المباح أو المستحب إذا أفضى إلى مفسدة نهي عنه.
ويستدل بقوله"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"البقرة: 185 ، "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا" البقرة: 286. وفي الأخرى"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا"الطلاق: 7 ، "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ "الحج: 78. على أنَّ المشقة تجلب التيسير.
قوله تعالى"وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ"الأنعام: 152. ، "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ"الأعراف: 85. فيها وجوب النصح في المعاملات كلِّها، وتحريم البخس والغش فيها.
قوله"وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا "هود: 41 ، وقوله"ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ "14:الزخرف . يدل على استحباب هذه الأذكار عند ركوب كلِّ مركوب من دابة، وسفينة ومراكب برية وبحرية وهوائية.
قوله"وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا"يوسف: 26. الآية. يدل على اعتبار القرائن وشواهد الأحوال.
قوله"اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" يوسف: 55 ، "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ "القصص: 26. . يدل على اعتبار الكفاءة والأمانات في الولايات والوظائف كلِّها بحسب ما يليق بالولاية، فإن لم يحصل الأكمل في هذه الصفات فالأمثل فيها.
وقوله"يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا"يوسف: 97 ، "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي"إبراهيم: 40 ، " رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ "الأحقاف: 15 . يدل على الاجتهاد في الدعاء للوالدين والذرية وعلى طلب الدعاء من الوالدين والفضلاء.
قوله تعالى"وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ "99:الحجر . يدل على أنَّ التسبيح والتحميد والإكثار من ذكر الله، والاشتغال بعبادته مع ما فيه من الخيرات والأجور، أنَّها تشرح الصدر وتهون المشاق وتسلي عن المصائب.
قوله تعالى"فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ"11:الضحى ، "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ "8:الشرح . فيه الترغيب في إكرام اليتيم، والزجر عن الإساءة إليه، وفيه حسن الخلق مع السائل للمال والعلم، والتحدث بنعم الله مع نفسك، ومع الخلق، والاشتغال بعبادة الله عند الفراغ من الأشغال الدنيوية، وكثرة الرغبة إلى الله في جميع المطالب الدينية والدنيوية.
قوله تعالى"فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "98:النحل ، " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ "الأعراف: 200 . فيه الحث على الاستعاذة بالله من الشيطان عند القراءة في الصلاة وخارجها، وعندما ينزغ الشيطان العبد ويحس بوساوسه التي تدور على التثبيط عن الخير والترغيب في الشر، فالاستعاذة بالله منه تدفع شره وكيده.
قوله تعالى"فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا "الكهف: 19 . تدل على صحة الوكالة والتوكل، وعلى المشاركة في الطعام وغيره، وعلى اختيار الطيب منه، وعلى الاحتراز عن الأمور الضارة، وعلى أنَّه ينبغي كتمان السر الذي تضر إذاعته ضررًا عامًا أو خاصًا.
قوله تعالى"وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا "24:الكهف . ينبغي للعبد أن يسترشد بهذه الوصايا النافعة، ولا يحكم على الأمور المستقبلة المتعلقة بفعله حتى يقرنها بمشيئة الله، وعند نسيانه مطلقاً يذكر الله ويرجوه الهداية كلَّ وقت لأرشد الأمور وأحبها إليه.
قوله"وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا "24:الكهف . ينبغي لمن أعجبه شيء مما أعطاه الله أن يقول ذلك لأنَّه اعتراف بالنعمة وحراسةٌ لها من كلِّ آفة.
يستفاد من قصة موسى مع الخضر أدب المتعلم مع المعلم، وأنَّ المفسدة الجزئية تغتفر في جانب المصلحة العظيمة، وأنَّ إفساد مال الغير إذا تضمن إصلاحه من وجه آخر أرجح من إفساده فإنَّه محمود، وأنَّ الرجل الصالح يحفظه الله في نفسه وذريته، وأنَّ كثيراً من الأمور الكريهة للعبد قد تكون خيراً وتجلب خيراً كثيرًا وتدفع شرًا كثيرًا.
وفي بناء ذي القرنين للسد فيه أنَّه ينبغي إعانة الضعفاء ودفع شرور المعتدين بكلِّ وسيلة، وأنَّ ذلك من نعمة الله في حق الضعفاء وفي حق من أعانهم.
قوله"فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا "طه: 44. فيه استحباب اللين في خطاب الرؤساء والعظماء.
وفي قوله"وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا "طه . أدبُ طالب العلم، وأنَّه ينبغي له أن يتأنى في تدبره وتأمله للعلم ولا يستعجل بالحكم على الأشياء ولا يعجب بنفسه، ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل.
قوله تعالى"وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا "طه: 131. فيه أنَّه ينبغي للموفق أن لا ينظر إلى زينة الدنيا نظر المعجب المفتون، وأن يقنع برزق ربه، وأن يتعوض مما منع منه من الدنيا بزاد التقوى الذي هو عبادة الله واللهج بذكره.
قوله"وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ "الأنبياء: 88. ينبغي لكلِّ مؤمن وقع في كربة وضيق أن يدعو بهذه الدعوة "إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ "الأنبياء: 87 .
قوله تعالى"لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ "12:النور . هذا إرشاد منه لعباده إذا سمعوا الأقوال القادحة في إخوانهم المؤمنين رجعوا إلى ما علموا من إيمانهم، وإلى ظاهر أحوالهم ولم يلتفتوا إلى أقوال القادحين، بل رجعوا إلى الأصل وأنكروا ما ينافيه.
"إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" 51:النور. هذا متعين على كلِّ مؤمن.
قوله"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ "الفرقان: 27. الآيات، مع قوله" الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ 67 الزخرف. فيها التحذير من صحبة الأشرار والترغيب في صحبة الأخيار.
قوله"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ "لقمان: 6. يدخل فيه كلُّ حديث يلهي العبد عن الخير من الغناء وغيره.
قوله"فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا "الأحزاب: 32. فيه أدب المرأة في خطاب الرجال الأجانب، أن لا تخشن الكلام ولا تلينه، بل تقول قولاً معروفًا.
قوله"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا "58"الأحزاب. فيه النهي عن أذية المؤمنين القولية والفعلية بغير استحقاق.
قوله"يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ "ص: 26. فيه ضابط ما يجب على الحكام والقضاة من الحكم بين الناس بالحق المتضمن لمعرفته وتنفيذه وعدم الميل واتباع الهوى.
قوله:"وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ "ص: 44. فيه التخفيف عن الضعيف وعن الحبيب لله.
قوله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ "الزمر: 18. هذا الضابط في الواجب على مستمع القول أن يتبع أحسنه وهو الحق المأمور به.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [الحجرات: 1] إلى آخر السورة. فيها الإرشاد من الله لعباده أن يتأدبوا معه ومع رسوله بالخضوع والانقياد والطاعة، وأن لا يقدموا على ذلك شيئاً، وأن يخضعوا بالقول عند رسوله، وفيها الحث على التأني والتثبت والإصلاح بين المؤمنين بكلِّ وسيلة، والزجر عن السخرية وسوء الظن والغيبة والنميمة، والحث على معرفة الأنساب ومعرفة الاتصال بين الإنسان وبين غيره، وبيان حقيقة الإيمان وشهود منة الله على العبد بتوفيقه للإيمان.
قوله"إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ "46الواقعة أي: منعهم الترف من أداء الواجبات، وكانوا يصرون على عظائم المنكرات، فلذلك استحقوا هذه العقوبات.
يستدل بقوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ "الصف 2. وما بعدها، على أن من تكلم بالحق وعمل بخلافه أنَّه ممقوت مذموم، وأنَّ الحمد والعواقب الحميدة لمن توافق ظاهره وباطنه وأقواله وأفعاله.
قوله تعالى"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"التغابن: 16 . تدل على أنَّه لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة.
ويستدل بقصة أصحاب الجنة وما عاقبهم الله به على التحذير من التشبه بهم، والترغيب في الإحسان عند الحصاد والجذاذ على الفقراء والمساكين.
قوله"فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى "الأعلى 9" مفهوم الآية أنَّه إذا ترتب على التذكير مضرة أرجح، ترك التذكير خوف وقوع المنكر.
قوله"فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ "الزلزلة 7 ، 8 . والآيات الشبيهة بها فيها الحث على فعل الخير وإن قلّ، والتحذير من قليل الشر وكثيره.
قوله تعالى"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "الإخلاص: 1 ، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ "الفلق 1 ، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ "الناس. إلى آخر السور الثلاث صَدَّرَ كلاً منها بالأمر بقول ما تضمنته كلُّ سورة. ففي "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " أمر بقول التوحيد، وكلِّ ما دل على الثناء على الله، ووصفه بصفات الكمال وتنزيهه عن ضدها. وفي السورتين الأخيرتين أمر باللجأ إليه من جميع الشرور الداخلية والخارجية والظاهرة والباطنة والله أعلم.
وقد ذكر الله القرعة في موضعين حين تنازعوا في مريم أيهم يكفلها، وحين تساهم يونس ومن معه أيهم يلقى في اليم. فيدل على استعمال القرعة عند إبهام المستحق، وعند التزاحم في الحق إذا لم يكن لأحدهما مزية ترجيح ولا تمكن المشاركة. وأما قرعة الميسر والرهان ففي غير ذلك من مواضع الخطر، مثل أن يعرف أنَّ الشيء مشترك بينهما فيريدان أن يقترعا عليه فهذا الذي لا يحل لأنَّه ميسر ظاهر.
قوله تعالى"وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ"البقرة: 151. ولم يقل في موضع واحد أنَّه يخبر أو يُعَلّم ما يُعْلَمُ خلافه، بُرْهان على أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يأتي بما تحيله العقول، ولا بأمر يعلم يقيناً نقيضه وهذا أحد براهين الرسالة.
قوله"وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ"الشورى: 16. الآية. فيها أكبر برهان على أنَّ من آمن بالله ورسوله إيماناً تاماً، وعلم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم قطعاً، تيقّن ثبوت جميع ما أخبر به، وعلم أنَّ ما عارض ذلك فهو باطل، وأنَّه ليس بعد الحق إلا الضلال. فهذا الإيمان التام والعلم القطعي الإجمالي يدفع كلَّ باطل ناقضه، فإن اهتدى بعد ذلك لتفصيل رد الشبه الباطلة وإلا كفاه هذا الأصل.
وقد أخبر في عدة آيات أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، وذلك يفيد أنَّ كلامه فيه الهدى التام، وأنَّه يستحيل أن يريد بكلامه غير ما يفهمه الناس ويتبادر إلى أذهانهم منه، ويمتنع أن يريد به الاحتمالات البعيدة، لأنَّ هذا ينافي ما وصفه الله به، فإنَّه أعلم الخلق وأنصحهم وأفصحهم، فمن قدح في شيء من بيانه فهو قادح به، إذ هذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل من بيان كلِّ أحد.
قوله تعالى"وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ" الأحزاب: 4. فيها أنَّ جميع المسائل الأصولية والفروعية قد قالها الله وبيّنها بالأدلة والبراهين. فقوله"الْحَقَّ " بيانه للمسائل، وهدايته السبيل إرشاده للدلائل.
قوله تعالى"وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ "البقرة: 213. فيه أصرح الدلالة على أنَّ جميع مسائل الاختلاف بين الناس يتعين ردها إلى الكتاب، وأنَّ فيه حَلَّها وحكمَها، وأنَّ غير الكتاب لا يفصل النزاع ولا يحل الخلاف، لا عقل، ولا قياس، ولا رأي أحد من الخلق كائناً ما كان.
قوله"قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ "آل عمران: 73. ونحوها من الآيات. تدل على أنَّ من طلب الهدى والرشد من غير الكتاب والسنّة ضلّ، لأنَّ الهدى محصور في هدى الله الذي أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم.

***

هذا

آخر ما وُجِدَ في المخطوطة،

ولعل المصنف ـ رحمه الله ـ

لم يذكر خاتمةً للكتاب ـ كما هي عادته ـ

على اعتبار أنَّه قد يضيف شيئًا من الفوائد المتفرقة

المندرجة تحت العنوان السابق «أحكام متنوعة» والله أعلم،

وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 07:35 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر