العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 11-06-2018, 04:03 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Post

"مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ : مَنْهُومٌ في العلمِ لا يَشْبَعُ منه ، ومَنْهُومٌ في الدنيا لا يَشْبَعُ منها" الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 251 -خلاصة حكم المحدث:صحيح

"مَنْهُومانِ لا يَشْبَعانِ طالبُ علمٍ ، وطالبُ دنيا"
الراوي: عبدالله بن عباس و أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6624
خلاصة حكم المحدث: صحيح

الدرر السنية
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 11-06-2018, 04:05 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Arrow

26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :
( من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ العلْمِ للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ تأَهُّلُه ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في تَعَلُّمِهم وتَعليمِهم ، والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ والضبْطِ والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ، والتجارِبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه أو على نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ .
قوله :«من لم يكن رحلة لن يكون رحلة» لعل: من لم يكن له.... يرجع إلى الأصل.
قوله :«التجارِب» مكسور حرف الراء. والتجرُبة غلط ما هي لغة عربية، رغم أنها في الشائع بين الناس الآن، حتى طلبة العلم، يقول: تجارب، تجربة. رغم أن الصواب كسر الراء. والمعنى: أن من لم يكن له رحلة في طلب العلم فلن يرحل إليه وتأتي الناس إليه.
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ ) .
وقد قيلَ لبعضِهم : ألا تَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِ الرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ .

الصوفية يدعون أن الله يخاطبهم ويوحي إليهم، وأنه يزورهم ويزورونه وهذا من خرافاتهم.
والعبارة الأخيرة مأخوذة من كلام شيخ الإسلام رحمه الله في المتكلمين قال في هؤلاء :«لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا» يعني أنهم ما نصروا الإسلام الذي جاء لذلك أن هؤلاء المتكلمين حرفوا النصوص عن ظاهرها وأولوها إلى معان أو جددوها بما يزعمون أنه عقل، فتسلط عليهم الفلاسفة وقالوا لهم: أنتم إذا أولتم آيات الصفات وأحاديث الصفات، مع ظهورها ووضوحها، فاسمحوا لنا أن نأول آيات المعاد، أي آيات اليوم الآخر فإن ذكر أسماء الله وصفاته في الكتب الإلهية أكثر بكثير من ذكر المعاد وما يتعلق به، فإذا أبحتم لأنفسكم أن تأولوا في أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، فاسمحوا لنا أن نأول في آيات المعاد وننكر المعاد رأسا ولا شك أن هذه حجة قوية لهؤلاء الفلاسفة على هؤلاء المتكلمين، إذ لا فرق.
المهم أن الشيخ وفقه الله هاجم الصوفية، فهم جديرون بالمهاجمة، لأن بعضهم يصل إلى حد الكفر والإلحاد بالله، حتى يعتقد أنه هو الرب كما يقول بعضهم «ما في الجبة إلا الله» يعني نفسه. ويقول:
الرب عبد والعبد رب = يا ليت شعري من المكلف
يعني هما شيء واحد. إلى أمثال ذلك من الخرافات التي يقولونها، لكن ينبغي أيضا أن نهاجم ونركز على مهاجمة أهل الكلام الذين سلبوا الله من كماله بكلامهم انكروا الصفات، فمنهم من أنكر الصفات رأسا كالمعتزلة . ومنهم من أثبت الأسماء، لكن جعلها أسماء جامدة لا تدل على معنى، وغالى بعضهم وقال: إنها أسماء واحدة، وأن السميع هو البصير، وأن السميع والبصير هما العزيز وهما شيء واحد. وغالى بعضهم فقال: هي أسماء متعددة، لكن لا تدل على معنى.
مسلوبة المعنى.
لأنهم لو أثبتوا لها معنى- بزعمهم- لزم تعدد الصفات، وبتعددها وبتعدد الصفات يرون أنه شرك، لأنهم يقولون يلزم تعدد الصفات القديمة كالعلم والسمع والبصر، فيلزم من ذلك تعدد القدماء، وهو أشد شركا من النصارى.
فالحاصل أنه أيضا ينبغي أن يهاجم على أهل الكلام الذين عطلوا لله مما يجب له من صفات كمال بعقول واهية.
والعلماء رحمهم الله الذين تكلموا عن الرحلة لم يدركوا هذا الأثر، الأشرطة المسجلة تغني عن الرحلة، لكن الرحلة أكبر لأن الرحلة إلى العالم، يكتسب الإنسان من علمه وأدبه وأخلاقه، ثم يترك الرجل يتكلم ليس كما يعمله إياه في الشريط.
مثلا: الخطبة، أنت عند رجل يخطب وكلامه جيد... تتأثر به لكن لو تسمع هذا الكلام من الشريط لن تتأثر به تأثرك وأنت تشاهد الخطيب.
شرح الشيخ العثيمين

معهد آفاق التيسير

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري:

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :
(من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ العلْمِ للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ تأَهُّلُه ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في تَعَلُّمِهم وتَعليمِهم ، والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ والضبْطِ والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ، والتجارُبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه أو على نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ .
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ) .
وقد قيلَ لبعضِهم : ألاتَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِالرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :
إذا خاطَبُونِـي بعِلْـمِ الـوَرَقِ برَزْتُ عليهم بعِلْمِ الْخِرَقِ
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ.
الشيخ :
هذا أدب آخر من آداب طلب العلم وهو : الرحلة في طلب العلم لملاقاة العلماء ، وقد قصّ الله عز وجل علينا قصّة موسى عليه السلام عندما سافر إلى الخَضِر ؛ من أجل أن يستفيد من علمه ، وانظر أيضا في الأخبار ، أخبار الصحابة عندما كان ينتقل بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أجل طلب العلم ، كما في حديث مالك بن الحويرث.1
وانظر إلى أخبار أبي هريرة عندما انتقل ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم2 ، وقصة أبي ذر في آخر صحيح مسلم عندما ارتحل من أجل طلب العلم 3، وهكذا أيضا لم يزل علماء الإسلام يرحلون من أجل طلب العلم ، وينتقلون من مكان إلى مكان ، من أجل ذلك الهدف العظيم.
فالارتحال يحصل فيه عدد من الأمور :
الأول : تنويع التلقي عن العلماء ، فإنّ من خالط علماء كُثر شاهد مناهج مختلفة ، وشاهد طرائق مختلفة في التعليم ، وفي ما يحسنون من العلوم ، وفي طريقة التعلم والتعليم ، وفي الكتب التي تُدرس.
أما من اقتصر على شيخ واحد لن يحصل له مثل ذلك ، إلا أن يكون عالما متفننا في علوم مختلفة.

الفائدة الثانية: أنّ الراحل لطلب العلم يعوّد نفسه على اشتياق التعلم ، وعلى الاشتياق لمعرفة العلماء ، والتفنن في العلم ، فبذلك تنشط نفسه في التعلم.
الفائدة الثالثة : أنّ الراحل المسافر في طلب العلم يجد في وقته فسحة في طلب العلم ، وحينئذ يكون ذلك أدعى لحفظه العلم ، ولكونه يعي ما يتعلّمه.
الفائدة الرابعة : أنّ الرحلة تجعل الإنسان يقارن قرناء يماثلونه في الهدف والمقصد لطلب العلم فيكون لذلك أثر عظيم في تنشيط النفس على التعلم.
الفائدة الخامسة : أنّ المرء عند تنقله من مكان إلى مكان ، حينئذ تعرف نفسه قيمتها ، ولا ينغر بما كان عليه من حال جيد قبل سفره ورحلته ، ومن ثم تعرف النفس قيمتها ، فتبذل ما تستطيعه في ترفيع شأنها ، وتعلية مكانتها عند الله عزوجل.
قال المؤلف : (فمن لم يرحل في طلب العلم ، للبحث عن الشيوخ ، والسياحة في الأخذ عنهم ، فيبعد تأهله ليُرحل إليه) جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمضي زمان حتى تضرب الإبل فلا تجد عالما أفضل من عالم المدينة" فهذا فيه دلالة على مشروعية الرحلة لطلب العلم.
لماذا؟ لأنّ العلماء قد أمضوا أوقاتا عديدة ، فشاهدوا شيوخا كثيرين ، وعرفوا طرائق في التعلّم والتعليم ، ولذلك يجد الإنسان عندهم تحريرات بحيث يحرّرون المسائل ، ويعرفون المراد بها ، وعندهم ضبط ، ضبط للألفاظ ، وضبط للمسائل ، ومعرفة للفرق بينها ، وكذلك عندهم نكات علميّة ، والمراد بالنكتة العلميّة : الشيء العلمي النافذ ، الذي لا يحصّله الإنسان عند أي مؤلف أو في أي كتاب ، وكذلك يحصّل الإنسان عند هؤلاء العلماء التجارب ، فهم قد مارسوا وعرفوا أحوال الناس ، وعرفوا حقائق أمورهم ، وقد مرّت بهم تجارب كثيرة ، وخبرات عديدة.
فالإنسان إذا قرأ في الكتب ، ولم تمر عليه تلك التجارب ، فقد يكون حينئذ لا يتقن العلم ، وأضرب لذلك مثلا :
في القضاء ؛ من درس كتب أهل العلم في باب القضاء وأتقنها ، وعرفها ، وضبطها ضبطا كاملا ، فإنه تفوته أشياء بخلاف من مارس القضاء ، وأخذ من أصحاب التجارب والخبرة فيه ، فإنه ينتبه إلى أشياء ليست موجودة في الكتب ، بل في الكتب مرّات قد يُطلق اللفظ ويُراد به غير ظاهره ، مثال ذلك : في كتاب الحج ؛ قد يطلقون مرّات : وعليه دم ، ويريدون بالدم فدية الأذى التي يُخيّر الإنسان فيها بين الإطعام أو الصيام أو الذبح ، عندما يجد من ليس لديه خبرة ولا تجربة هذا اللفظ ؛ عليه دم ، سيقول : يتعيّن الدم ، وهذا خلاف مراد الفقهاء.
مثال آخر : في كتاب (مختصر الخرقي) قال في باب الحج: أنّ من جامع قبل رمي الجمرة فسد حجه ، وعليه بدنة ، ويتم المناسك ، ويحج من قابل ، هذا كلامهم على وفق طريقتهم الأولى ، لأنه لا يعقل في زمانهم أن يمر إنسان بمنى فلا يرمي ، ويتجاوزها إلى مكة بدون رمي ، لأنّ منى في الطريق ، لكن في مثل زماننا لمّا توفّرت وسائل الانتقال ووجدت هذه السيارات ، فينتقل الإنسان من مزدلفة إلى مكة بدون أن يمر بمنى ، فقد يطوف ويسعى ويقصّر ، فيكون بذلك تحلل التحلل الأول ، وحينئذ نقول : إذا جامع بعد هذا لم يفسد حجه ، لماذا؟ لأنه قد تحلل التحلل الأول ، ولم تجب عليه بدنة ، ولم يجب عليه الحج من قابل.
فمثل هذه الفائدة إذا قرأها الإنسان في كتاب ، ولم يتصل بعالم يشرح له ذلك ، فسينزّل الكلام على غير مراد مؤلفه به.
وحينئذ نكون بهذا قد سلكنا طريق التعلم بالرحلة إلى العلماء ، أما أهل التصوف الذين من صفتهم البطالة وترك التعلم ، فمثل هؤلاء طريقهم مخالف لطريق الشرع لأنهم يُفضلون علم الخِرَق على علم الورق.
الخِرَق إما الخرقة التي يُعطيها الأول للثاني ، يُعطيها الشيخ لمريده لينتقل العلم ، أو أنّ المراد به ؛ أنّ أهل التصوف يتركون ما الناس فيه من حال ، فيلبسون ثيابا خرقة متقطّعة ، لكن لعلّ المعنى الأول أولى.
قال : (على علم الورق) وهو طلب العلم ؛ الذي يُسجّل في الأوراق.
وبهذا تعرف أنّ منهج أهل السنة والجماعة هو أن يكون الطريق في التعلم ، أما من جاء و جعل الطريق هو الخروج من بلد إلى بلد بدون أن يكون المقصد من ذلك السفر طلب العلم ، هذا ليس مقصودا ، إلا أن يكون له مقصد آخر موافق لمقصد الشرع.
ومن هنا من جعل طريق المال أو طريق الخير في الانتقال وسمّى ذلك في سبيل الله فإنه ليس على الطريقة السلفية.

(
وقد قيلَ لبعضِهم : ألا تَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِ الرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وذلك أنّ المتصوفة يرون أنّ من مصادر التلقي الإلهام والكشف ، وهذا طريق باطل ، لا يصح بناء الأحكام عليه ، لأنّ الله لم يأمرنا بالرجوع إلى ما في النفوس من ذلك ، وإنما أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة.

وكذلك ما يُلقى في النفوس لا يأمن الإنسان ما مصدره ، إن الشياطين تُلقي في النفوس ، حتى يظن بعض الناس أنه الخير ، وأنه الحق ، وبينما حقيقة الحال أنه ليس كذلك.

وقال آخَرُ :
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ
إذا نظرنا حال المبتدعة وجدناهم يقدّمون طريقتهم في الابتداع على نصرة الإسلام ، ولذلك يحذر الإنسان من طريقة مثل هؤلاء ، وإن كان المرء مأمورا بكف أذاه عنهم ، وعدم إيصال السوء إليهم لكن ذلك لا يعني صحة طريقهم ، وإنما هم على خلاف الطريقة المرضيّة ، فإنّ الطريقة المرضيّة تحصل بالتعلم لا بهذه الأفعال التي تُضيّع الأوقات ، ولا يحُصّل الإنسان بها شيئا ، نعم.
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 11-06-2018, 04:07 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
كما في حديث مالك بن الحويرث.1

عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ:
قَدِمْنَا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ شِبَبَةٌ ، فلَبِثْنَا عندَهُ نحوًا من عشرينَ ليلةً ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رحيمًا ، فقال :" لو رَجعتمْ إلى بلادكم فعلَّمتموهم ، مُرُوهُمْ فليُصلُّواْ صلاةَ كذا في حينِ كذا ، وصلاةَ كذا في حينِ كذا ، وإذا حضرتْ الصلاةُ فليُؤَذِّنْ لكم أَحَدُكُمْ ، وليَؤُمُّكُم أَكْبَرُكُم ".
الراوي: مالك بن الحويرث المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 685- خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
الدرر السنية


قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون وهذا في عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة وكانوا شبابا فأقاموا عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة جاءوا من أجل أن يتفقهوا في دين الله قال مالك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا يعني اشتقنا إليهم فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ....

شرح رياض الصالحين - شرح العثيمين

2

عن مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُولُ: آللَّهِ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بكبدي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بطني مِنَ الْجُوعِ ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الذي يَخْرُجُونَ مِنْهُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ ليشبعني ، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ ليشبعني ، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَبَسَّمَ حِينَ رآني وَعَرَفَ ، مَا في نفسي وَمَا في وجهي ثُمَّ قَالَ: « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الْحَقْ » . وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ ، فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ ، فَأَذِنَ لي ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا في قَدَحٍ فَقَالَ « مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ » . قَالُوا أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ . قَالَ « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: « الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لي ». قَالَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فساءني ذَلِكَ فَقُلْتُ وَمَا هَذَا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا ، فَإِذَا جَاءَ أمرني فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يبلغني مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم- بُدٌّ ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا ، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ: « يَا أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: « خُذْ فَأَعْطِهِمْ » . قَالَ فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَوِىَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَىَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ » . قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ: « اقْعُدْ فَاشْرَبْ » . فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ . فَقَالَ « اشْرَبْ » . فَشَرِبْتُ ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: « اشْرَبْ » . حَتَّى قُلْتُ لاَ والذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا . قَالَ: « فأرني ». فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ(1).

شرح المفردات (2):

( آللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ) أي: والله بحُذِفَ حَرْف الْقَسَم، وَثَبَتَ فِي رِوَايَة بإثبات الْوَاوِ فِي أَوَّله.
( لأعتمد بكبدي ) ألصق بطني بالأرض .
( لأشد ) أربط وفائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والقيام .
( طريقهم ) أي النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضي الله عنهم .
(الصُّفَّة) مَكَان فِي مُؤَخَّر الْمَسْجِد النَّبَوِيّ مُظَلَّل أُعِدّ لِنُزُولِ الْغُرَبَاء فِيهِ مِمَّنْ لَا مَأْوَى لَهُ وَلَا أَهْل.
( أضياف الإسلام ) ضيوف المسلمين .
( يأوون ) ينزلون ويلتجئون .
( فساءني ذلك ) أهمني وأحزنني .
( فَحَمِدَ اللَّه وَسَمَّى) أَيْ: حَمِدَ اللَّه عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْبَرَكَة الَّتِي وَقَعَتْ فِي اللَّبَن الْمَذْكُور مَعَ قِلَّته حَتَّى رَوِيَ الْقَوْم كُلّهمْ وَأَفْضَلُوا ، وَسَمَّى فِي اِبْتِدَاء الشُّرْب عليه الصلاة والسلام.
( وَشَرِبَ الْفَضْلَة ) أَيْ: الْبَقِيَّة.
___________
(1) - صحيح البخاري، رقم (6452).
(2) - النووي، شرح صحيح مسلم (7/482) فتح الباري - ابن حجر - (18 / 272).
هنا

- قال لنا ابن عباس : ألا أخبركم بإسلام أبي ذر ؟ قال : قلنا : بلى ، قال : قال أبو ذر : كنت رجلا من غفار ، فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي ، فقلت لأخي : انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره ، فانطلق فلقيه ثم رجع ، فقلت : ما عندك ؟ فقال : والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر ، فقلت له : لم تشفني من الخبر ، فأخذت جرابا وعصا ، ثم أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه ، وأكره أن أسأل عنه ، واشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد ، قال : فمر بي علي فقال : كأن الرجل غريب ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فانطلق إلى المنزل ، قال : فانطلقت معه ، لا يسألني عن شيء ولا أخبره ، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه ، وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، قال : فمر بي علي ، فقال : أما نال للرجل يعرف منزله بعد ؟ قال : قلت : لا ، قال : انطلق معي ، قال : فقال : ما أمرك ، وما أقدمك هذه البلدة ؟ قال : قلت له : إن كتمت علي أخبرتك ، قال : فإني أفعل ، قال : قلت له : بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي ، فأرسلت أخي ليكلمه ، فرجع ولم يشفني من الخبر ، فأردت أن ألقاه ، فقال له : أما إنك قد رشدت ، هذا وجهي إليه فاتبعني ، ادخل حيث ادخل ، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك ، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت ، فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : اعرض علي الإسلام ، فعرضه فأسلمت مكاني ، فقال لي : ( يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر ، وارجع إلى بلدك ، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل ) . فقلت : والذي بعثك بالحق ، لأصرخن بها بين أظهرهم ، فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا فضربت لأموت ، فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم ، فقال : ويلكم ، تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ، فأقلعوا عني ، فلما أن أصبحت الغد رجعت ، فقلت مثل ما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فصنع بي مثل ما صنع بالأمس ، وأدركني العباس فأكب علي ، وقال مثل مقالته بالأمس . قال : فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله .
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3522 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
هنا
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 11-06-2018, 04:09 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
root

27-حفْظُ العلْمِ كتابةً

«شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله »

*ابْذُل ْالْجَهْدَ في حِفْظِ العلْمِ ( حِفْظَ كتابٍ ) ؛ لأنَّ تقييدَ العلْمِ بالكتابةِ أمانٌ من الضياعِ ، وقَصْرٌ لمسافةِ البحْثِ عندَ الاحتياجِ ، لا سِيَّمَا في مسائلِ العِلْمِ التي تكونُ في غيرِ مَظَانِّها ، ومن أَجَلِّ فوائدِه أنه عندَ كِبَرِ السنِّ وضَعْفِ الْقُوَى يكونُ لديكَ مادَّةٌ تَسْتَجِرُّ منها مادَّةً تَكْتُبُ فيها بلا عَناءٍ في البَحْثِ والتَّقَصِّي .

ولذا ؛ فاجْعَلْ لك ( كُناشًا ) أو ( مُذَكِّرَةً ) لتقييدِ الفوائدِ والفرائدِ والأبحاثِ الْمَنثورةِ في غيرِ مَظَانِّها ، وإن اسْتَعْمَلْتَ غُلافَ الكتابِ لتَقييدِ ما فيه من ذلك ؛ فحَسَنٌ ، ثم تَنْقُلُ ما يَجْتَمِعُ لك بعدُ في مُذَكِّرَةٍ ؛ مُرَتِّبًا له على الموضوعاتِ مُقَيِّدًا رأسَ المسألةِ ، واسمَ الكتابِ ، ورقْمَ الصفحةِ والمجلَّدِ ، ثم اكْتُبْ على ما قَيَّدْتَه : ( نُقِلَ ) ؛ حتى لا يَخْتَلِطَ بما لم يُنْقَلْ كما تَكتُبُ : ( بلَغَ صفحةَ كذا ) فيما وَصَلْتَ إليه من قراءةِ الكتابِ حتى لا يَفُوتَك ما لم تَبْلُغْه قراءةً .
- «ابذل» همزة وصل، لكن عند الابتداء بها تكون همزة قطع. بذل الجهد في الكتابة مهم، لا سيما في نوادر المسائل أو في التقسيمات التي لا تجدها في بعض الكتب.
كم من مسألة نادرة مهمة لا يقيدها اعتمادا على أنه يقول: إن شاء الله لا أنساها. فإذا به ينساها ويتمنى لو كتبها، ولكن احذر أن تكتب على كتابك على هامشه أو بين سطوره، كتابة تطمس الأصل فإن بعض الناس يكتب على هامش الكتاب أو بين سطوره كتابة تطمس الأصل، لكن يجب إذا أردت أن تكتب على كتابك أن تجعله على الهامش البعيد من الأصل لئلا يلتبس هذا بهذا، فإن لم يتيسر هذا، كأن ما تريد تعليقه أكثر من الهامش فلا ضير عليك أن تجعل ورقة بيضاء تلصقها بين الورقات وتشير إلى موضعها من الأصل وتكتب ما شئت، وكان طلبة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله يحدثوننا أنهم يأخذون مذكرات صغيرة يجعلونها في الجيب كلما ذكر الإنسان منهم مسألة قيدها، إما فائدة علم في خاطر، أو مسألة يُسأل عنها الشيخ فيقيدها، فاستفادوا بذلك كثيرا. ولذا، فاجعل لك (كناشا) أو (مذكرة) لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك، فحسن، ثم تنقل ما يجمع لك بعد في مذكرة، مرتبا له على الموضوعات، مقيدا رأس المسألة، واسم الكتاب، ورقم الصفحة والمجلد، ثم اكتب على ما قيدته :«نقل»، حتى لا يختلط بما لم ينقل، كما تكتب :«بلغ صفحة كذا» فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة.
*وللعلماءِ مؤَلَّفَاتٌ عدَّةٌ في هذا ؛ منها : ( بدائعُ الفوائدِ ) لابنِ القَيَّمِ و( خَبايَا الزوايا ) للزَّرْكَشيِّ ، ومنها : كتابُ ( الإغفالِ ) ، و( بَقَايا الْخَبَايا ) وغيرُها ، وعليه فَقَيِّدِ العِلْمَ بالكتابِ لا سِيَّمَا بدائعَ الفوائدِ في غيرِ مَظَانِّها ، وخَبَايَا الزوايا في غيرِ مَسَاقِها ، ودُرَرًا مَنثورةً تَراهَا وتَسْمَعُها تَخْشَى فَوَاتَها … وهكذا ؛ فإنَّ الْحِفْظَ يَضْعُفُ ، والنسيانَ يَعْرِضُ .قالَ الشعبيُّ : ( إذا سَمِعْتَ شيئًا ؛ فاكْتُبْهُ ولو في الحائطِ ) .رواه خَيثَمَةُ .
وإذا اجْتَمَعَ لديك ما شاءَ اللهُ أن يَجْتَمِعَ ؛ فرَتِّبْهُ في ( تَذْكِرَةٍ ) أو ( كُناشٍ ) على الموضوعاتِ ؛ فإنه يُسْعِفُكَ في أَضْيَقِ الأوقاتِ التي قد يَعْجِزُ عن الإدراكِ فيها كِبارُ الأثباتِ .

- ومنها أيضا «صيد الخاطر» لابن الجوزي، لكن أحسن ما رأيت «بدائع الفوائد» لأبن القيم أربعة أجزاء في مجلدين، فيها من بدائع العلوم ما لا تكاد تجده في كتاب أخر لكل فن. كل ما طرأ على باله قيده، لذلك تجد فيه من العقائد في التوحيد، في الفقه، في النحو، في البلاغة، في التفسير، في كل شيء.
أحيانا يبحث في كلمة من الكلمات اللغوية في صفحة تحليلا وتفريعا واشتقاقا وغير ذلك. بحث بحثا بالغا في الفرق بين «المدح والحمد»، كتب كتابة فائقة في ذلك، وقال: كان شيخنا إذا بحث في مثل هذا أتى بالعجب العجاب لكنه كما قيل:

تألق البرق نجديا فقلت له=إليك عني فإني عنك مشغولا

بما هو أهم من التحقق في اللغة العربية وإلا فهو- شيخ الإسلام – رحمه الله آية في اللغة العربية، لما قدم مصر اجتمع بأبي حيان المصري الشهير صاحب «البحر المحيط» في التفسير، وكان أبو حيان يثني على شيخ الإسلام ثناء عطرا، ويمدحه بقصائد عصامية، ومن جملة ما يقول فيه:
قام ابن تيمية في نصر شريعتنامقام سيد يتم إذ عصت مضر

يعني أبي بكر يوم الردة. فلما قدم مصر شيخ الإسلام اجتمع بهذا الرجل- أبي حيان- وتناظر معه في مسألة نحوية واحتج عليه أبو حيان بقول سيبويه في كتابه، قال إن سيبويه في كتابه قال كذا وكذا. فكيف تخالفه؟.
فقال له شيخ الإسلام:«وهل سيبويه نبي النحو؟!» يعني: حتى يجب علينا اتباعه، ثم قال:«لقد غلط في الكتاب في أكثر من 80 موضعًا لا تعلمها أنت ولا هو». سبحان الله !! هكذا يقول لسيد النحاة.
يقال: إن أبا حيان بعد ذلك أخذ عليه وصار بنفسه فأنشأ قصيدة يهجوه فيها.
عفا الله عنا وعنهم جميعا. المهم أن كتاب «بدائع الفوائد» من أجمل الكتب، فيه فوائد لا تجدها في غيره.
وعليه، فقيد العلم بالكتاب، لاسيما بدائع الفوائد في غير مظانها، وخبايا الزوايا في غير مساقها، ودررا منثورة تراها وتسمعها تخشي فواتها...... وهكذا، فإن الحفظ يضعف، والنسيان يعرض.
قوله:«لاسيما بدائع» الأفصح في هذا أن تكون مرفوعة بعد لاسيما، يجوز النصب ولكن الأحسن الرفع.
ومعني الكلام: أنه يحث على كتابة هذه الأشياء، بدائع الفوائد التي تعرض للإنسان حتى لا ينساها وكذلك أيضا ولاسيما إذا كانت في غير مظانها لأنك أحيانا تبحث عن مسألة تظنها مثلا في باب الصيد وهي مذكورة في مكان آخر، فإذا ذكرت في مكان آخر فقيدها، وكذلك أيضا«خبايا الزوايا في غير مساقها» وهي بمعني الجملة الأولي. و«درر منثورة تراها» وتسمعها تخشي فواتها. وهذه أيضا مسائل تعرض لك أو تعرض في كتب أهل العلم وهي منثورة، فهذه يجب أن تجمعها وتجعلها في كتاب.
قال
الشَّعْبِيَُ:«إذا سمعت شيئا، فاكتبه، ولو في الحائط». رواه خيثمة.
وإذا اجتمع لديك ما شاء الله أن يجتمع، فرتبه في (تذكرة) أو (
كُناش) على الموضوعات، فإنه يسعفك في أضيق الأوقات التي قد يعجز عن الإدراك فيها كبار الأثبات.
وهل الأولى أن ترتبها على الموضوعات أو أن ترتبها على ألف وباء؟ نرى أنه على ألف باء أحسن، وذلك لأن ترتيبها على الموضوعات تختلف فيه كتب العلماء، تجد مثلا: ترتيب الحنابلة يفترق عن الشافعية لاسيما في المعاملات، بل إن نفس المذهب الواحد يختلف ترتيبه. ترتيب المتقدمين منهم والمتأخرين.
آفاق التيسير

« شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)»

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
27- حفْظُ العلْمِ كتابةً :
ابْذُل ْالْجَهْدَ في حِفْظِ العلْمِ ( حِفْظَ كتابٍ ) ؛ لأنَّ تقييدَ العلْمِ بالكتابةِ أمانٌ من الضياعِ ، وقَصْرٌ لمسافةِ البحْثِ عندَ الاحتياجِ ، لا سِيَّمَا في مسائلِ العِلْمِ التي تكونُ في غيرِ مَظَانِّها ، ومن أَجَلِّ فوائدِه أنه عندَ كِبَرِ السنِّ وضَعْفِ الْقُوَى يكونُ لديكَ مادَّةٌ تَسْتَجِرُّ منها مادَّةً تَكْتُبُ فيها بلا عَناءٍ في البَحْثِ والتَّقَصِّي .
ولذا؛ فاجْعَلْلك ( كُناشًا ) أو ( مُذَكِّرَةً ) لتقييدِ الفوائدِ والفرائدِ والأبحاثِ الْمَنثورةِ في غيرِ مَظَانِّها ، وإن اسْتَعْمَلْتَ غُلافَ الكتابِ لتَقييدِ مافيه من ذلك ؛ فحَسَنٌ ، ثم تَنْقُلُ ما يَجْتَمِعُ لك بعدُ في مُذَكِّرَةٍ ؛ مُرَتِّبًا له على الموضوعاتِ مُقَيِّدًا رأسَ المسألةِ ، واسمَ الكتابِ ، ورقْمَ الصفحةِ والمجلَّدِ ، ثم اكْتُبْ على ما قَيَّدْتَه : ( نُقِلَ ) ؛ حتى لايَخْتَلِطَ بما لم يُنْقَلْ كما تَكتُبُ : ( بلَغَ صفحةَ كذا ) فيما وَصَلْتَ إليه من قراءةِ الكتابِ حتى لا يَفُوتَك ما لم تَبْلُغْه قراءةً .
وللعلماءِ مؤَلَّفَاتٌ عدَّةٌ في هذا ؛ منها : ( بدائعُ الفوائدِ ) لابنِ القَيَّمِ و( خَبايَا الزوايا ) للزَّرْكَشيِّ ، ومنها : كتابُ ( الإغفالِ ) ، و( بَقَاياالْخَبَايا ) وغيرُها ، وعليه فَقَيِّدِ العِلْمَ بالكتابِ لا سِيَّمَا بدائعَ الفوائدِ في غيرِ مَظَانِّها ، وخَبَايَا الزوايا في غيرِ مَسَاقِها ، ودُرَرًا مَنثورةً تَراهَا وتَسْمَعُها تَخْشَى فَوَاتَها … وهكذا ؛ فإنَّ الْحِفْظَ يَضْعُفُ ، والنسيانَ يَعْرِضُ .قال َالشعبيُّ : ( إذا سَمِعْتَ شيئًا ؛ فاكْتُبْهُ ولو في الحائطِ) .رواه خَيثَمَةُ .
وإذا اجْتَمَعَ لديك ماشاءَ اللهُ أن يَجْتَمِعَ ؛ فرَتِّبْهُ في ( تَذْكِرَةٍ ) أو ( كُناشٍ ) على الموضوعاتِ ؛ فإنه يُسْعِفُكَ في أَضْيَقِ الأوقاتِ التي قد يَعْجِزُ عن الإدراكِ فيها كِبارُ الأثباتِ .
الشيخ :
هذه من آداب طالب العلم ؛ تقييد الفوائد الفرائد وكتابتها ، فإنّ الإنسان تمرّ به حال كتابته مسائل في غير مظانّها ، وتمرّ به مسائل وفوائد لا يتوقع مرورها عليه في ذلك الموطن ، وكذلك تمرّ على الإنسان معلومات غرائب بحيث تلفت ذهنه لفتا ، وتجرّ نفسه إلى تذكرها ومعرفتها ، والإنسان ينسى ، فيحسن به أن يقيّد هذه الفوائد سواء كانت غريبة عليه أو عجيبة لديه أو كانت في غير مواطن بحثها ، بحيث يسهل عليه مراجعتها ، والكتابة للعلم جاءت به الشريعة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "اكتبوا لأبي شاه" ، ويدل على هذا أنّ الله عز وجل قد كتب ما هو كائن إلى قيام الساعة ، ولم يكتف بذلك بكونه محفوظا.
وقال : جاء في الحديث: "أنّ الله عز وجل لما خلق الخلق كتب في كتاب فهو عنده ؛ أنّ رحمتي سبقت غضبي" وقد أُثرت كتابة عدد من الأحاديث عن جماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد النبوة بإقراره صلى الله عليه وسلم ، إذا تقرر هذا ، فإنّ الكتابة تفيد إبعاد النسيان عن الإنسان ، وتذكيره بأدنى لفتة بما كان يعرفه في الوقت السابق ، وتعينه حال كبره وفترة نسيانه ، فإنّ الإنسان عند كبر سنه إذا كان قد وضع مادة علميّة تختصر له المعلومات ؛ فإنه بذلك يتمكّن من مراجعة هذا الجزء فيكون حافظا لعلمه.
ومن هنا أمر المؤلف بوضع مذكرة لتقييد الفوائد والفرائد والمسائل التي تُبحث في غير مظانّها ، ومن أنواع ذلك أن يكتب الإنسان هذه الكتابة في أول الكتب التي تمر عليه ، وينبغي فيه أن يُقيّد رأس المسألة في أول هذه الفائدة ثم ما نُقل منه من كتاب ورقم صفحته وجزئه ، ثم بعد ذلك إذا نقل هذه المعلومات التي في أول الكتاب وفي غلاف الكتاب إلى دفتره الأصلي ، بيّن أنها قد نُقلت إلى ذلك الدفتر حتى لا تختلط ما نُقل مما لم يُنقل ، وقد ذكر المؤلف أنّ هذه الطريقة استخدمها بعض أهل العلم فكانت سببا في شهرة كتبهم ، ومن ذلك كتاب (بدائع الفوائد) لابن القيم ، و(خبايا الزوايا) للزركشي.
في (بدائع الفوائد) نقل المؤلف ابن القيم رحمه الله فوائد متنوعة ، بعضها بلاغية ، وبعضها حديثية ، وبعضها نحوية ، وبعضها عقدية في هذا الكتاب.
وفي (خبايا الزوايا) اعتنى الزركشي بالمسائل الفقهية التي تُبحث في غير مظانّها.
ذكر المؤلف كلام الشعبي قال: (إنّ الحفظ يضعف ، والنسيان يعرض ، قال الشعبي: "إذا سمعت شيئا فاكتبه ولو في الحائط") وكان الشعبي من أكثر الناس حفظا ، وكان له قوة غريبة في الحفظ ، ومع ذلك أمر بالكتابة ، نعم.
آفاق التيسير
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 11-06-2018, 04:10 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
root

مجلس 57
27-حفْظُ العلْمِ كتابةً :

*
ابْذُلْ
الْجَهْدَ في حِفْظِ العلْمِ ( حِفْظَ كتابٍ ) ؛ لأنَّ تقييدَ العلْمِ بالكتابةِ أمانٌ من الضياعِ ، وقَصْرٌ لمسافةِ البحْثِ عندَ الاحتياجِ ، لا سِيَّمَا في مسائلِ العِلْمِ التي تكونُ في غيرِ مَظَانِّها ، ومن أَجَلِّ فوائدِه أنه عندَ كِبَرِ السنِّ وضَعْفِ الْقُوَى يكونُ لديكَ مادَّةٌ تَسْتَجِرُّ منها مادَّةً تَكْتُبُ فيها بلا عَناءٍ في البَحْثِ والتَّقَصِّي .

ولذا ؛ فاجْعَلْ لك ( كُناشًا ) أو ( مُذَكِّرَةً ) لتقييدِ الفوائدِ والفرائدِ والأبحاثِ الْمَنثورةِ في غيرِ مَظَانِّها ، وإن اسْتَعْمَلْتَ غُلافَ الكتابِ لتَقييدِ ما فيه من ذلك ؛ فحَسَنٌ ، ثم تَنْقُلُ ما يَجْتَمِعُ لك بعدُ في مُذَكِّرَةٍ ؛ مُرَتِّبًا له على الموضوعاتِ مُقَيِّدًا رأسَ المسألةِ ، واسمَ الكتابِ ، ورقْمَ الصفحةِ والمجلَّدِ ، ثم اكْتُبْ على ما قَيَّدْتَه : ( نُقِلَ ) ؛ حتى لا يَخْتَلِطَ بما لم يُنْقَلْ كما تَكتُبُ : ( بلَغَ صفحةَ كذا ) فيما وَصَلْتَ إليه من قراءةِ الكتابِ حتى لا يَفُوتَك ما لم تَبْلُغْه قراءةً
شرح الشيخ العثيمين
«ابذل» همزة وصل، لكن عند الابتداء بها تكون همزة قطع. بذل الجهد في الكتابة مهم، لا سيما في نوادر المسائل أو في التقسيمات التي لا تجدها في بعض الكتب.
كم من مسألة نادرة مهمة لا يقيدها اعتمادا على أنه يقول: إن شاء الله لا أنساها. فإذا به ينساها ويتمنى لو كتبها، ولكن احذر أن تكتب على كتابك على هامشه أو بين سطوره، كتابة تطمس الأصل فإن بعض الناس يكتب على هامش الكتاب أو بين سطوره كتابة تطمس الأصل، لكن يجب إذا أردت أن تكتب على كتابك أن تجعله على الهامش البعيد من الأصل لئلا يلتبس هذا بهذا، فإن لم يتيسر هذا، كأن ما تريد تعليقه أكثر من الهامش فلا ضير عليك أن تجعل ورقة بيضاء تلصقها بين الورقات وتشير إلى موضعها من الأصل وتكتب ما شئت، وكان طلبة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله يحدثوننا أنهم يأخذون مذكرات صغيرة يجعلونها في الجيب كلما ذكر الإنسان منهم مسألة قيدها، إما فائدة علم في خاطر، أو مسألة يسأل عنها الشيخ فيقيدها، فاستفادوا بذلك كثيرا. ولذا، فاجعل لك (كناشا) أو (مذكرة) لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك، فحسن، ثم تنقل ما يجمع لك بعد في مذكرة، مرتبا له على الموضوعات، مقيدا رأس المسألة، واسم الكتاب، ورقم الصفحة والمجلد، ثم اكتب على ما قيدته :«نقل»، حتى لا يختلط بما لم ينقل، كما تكتب :«بلغ صفحة كذا» فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة.

*وللعلماءِ مؤَلَّفَاتٌ عدَّةٌ في هذا ؛ منها : ( بدائعُ الفوائدِ ) لابنِ القَيَّمِ و( خَبايَا الزوايا ) للزَّرْكَشيِّ ، ومنها : كتابُ ( الإغفالِ ) ، و( بَقَايا الْخَبَايا ) وغيرُها ، ومنها أيضا «صيد الخاطر» لابن الجوزي، لكن أحسن ما رأيت «بدائع الفوائد» لأبن القيم أربعة أجزاء في مجلدين، فيها من بدائع العلوم ما لا تكاد تجده في كتاب أخر لكل فن. كل ما طرأ على باله قيده، لذلك تجد فيه من العقائد في التوحيد، في الفقه، في النحو، في البلاغة، في التفسير، في كل شيء.
أحيانا يبحث في كلمة من الكلمات اللغوية في صفحة تحليلا وتفريعا واشتقاقا وغير ذلك. بحث بحثا بالغا في الفرق بين «المدح والحمد»، كتب كتابة فائقة في ذلك، وقال: كان شيخنا إذا بحث في مثل هذا أتى بالعجب العجاب لكنه كما قيل:
تألق البرق نجديا فقلت له=إليك عني فإني عنك مشغولا


يعني رحمه الله مشغول بما هو أهم من التحقق في اللغة العربية وإلا فهو- شيخ الإسلام – رحمه الله آية في اللغة العربية، لما قدم مصر اجتمع بأبي حيان المصري الشهير صاحب «البحر المحيط» في التفسير، وكان أبو حيان يثني على شيخ الإسلام ثناء عطرا، ويمدحه بقصائد عصامية، ومن جملة ما يقول فيه:

قام ابن تيمية في نصر شريعتنامقام سيد يتم إذ عصت مضر

يعني أبي بكر يوم الردة. فلما قدم مصر شيخ الإسلام اجتمع بهذا الرجل- أبي حيان- وتناظر معه في مسألة نحوية واحتج عليه أبو حيان بقول سيبويه في كتابه، قال إن سيبويه في كتابه قال كذا وكذا. فكيف تخالفه؟.
فقال له شيخ الإسلام:«وهل سيبويه نبي النحو؟!» يعني: حتى يجب علينا اتباعه، ثم قال:«لقد غلط في الكتاب في أكثر من 80 موضعا لا تعلمها أنت ولا هو». سبحان الله !! هكذا يقول لسيد النحاة.
يقال: إن أبا حيان بعد ذلك أخذ عليه وصار بنفسه فأنشأ قصيدة يهجوه فيها.
عفا الله عنا وعنهم جميعا. المهم أن كتاب «بدائع الفوائد» من أجمل الكتب، فيه فوائد لا تجدها في غيره.
وعليه، فقيد العلم بالكتاب، لاسيما بدائع الفوائد في غير مظانها، وخبايا الزوايا في غير مساقها، ودررا منثورة تراها وتسمعها تخشي فواتها...... وهكذا، فإن الحفظ يضعف، والنسيان يعرض.
قوله:«لاسيما بدائع» الأفصح في هذا أن تكون مرفوعة بعد لاسيما، يجوز النصب ولكن الأحسن الرفع.
ومعني الكلام: أنه يحث على كتابة هذه الأشياء، بدائع الفوائد التي تعرض للإنسان حتى لا ينساها وكذلك أيضا ولاسيما إذا كانت في غير مظانها لأنك أحيانا تبحث عن مسألة تظنها مثلا في باب الصيد وهي مذكورة في مكان آخر، فإذا ذكرت في مكان آخر فقيدها، وكذلك أيضا«خبايا الزوايا في غير مساقها» وهي بمعني الجملة الأولي. و«درر منثورة تراها» وتسمعها تخشي فواتها. وهذه أيضا مسائل تعرض لك أو تعرض في كتب أهل العلم وهي منثورة، فهذه يجب أن تجمعها وتجعلها في كتاب.
قال الشعبي:«إذا سمعت شيئا، فاكتبه، ولو في الحائط». رواه خيثمة.
وإذا اجتمع لديك ما شاء الله أن يجتمع، فرتبه في (تذكرة) أو (كناش) على الموضوعات، فإنه يسعفك في أضيق الأوقات التي قد يعجز عن الإدراك فيها كبار الأثبات.
وهل الأولى أن ترتبها على الموضوعات أو أن ترتبها على ألف وباء؟ نرى أنه على ألف باء أحسن، وذلك لأن ترتيبها على الموضوعات تختلف فيه كتب العلماء، تجد مثلا: ترتيب الحنابلة يفترق عن الشافعية لاسيما في المعاملات، بل إن نفس المذهب الواحد يختلف ترتيبه. ترتيب المتقدمين منهم والمتأخرين.
آفاق التيسير

مجلس 58
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
27- حفْظُ العلْمِ كتابةً :
ابْذُل ْالْجَهْدَ في حِفْظِ العلْمِ ( حِفْظَ كتابٍ ) ؛ لأنَّ تقييدَ العلْمِ بالكتابةِ أمانٌ من الضياعِ ، وقَصْرٌ لمسافةِ البحْثِ عندَ الاحتياجِ ، لا سِيَّمَا في مسائلِ العِلْمِ التي تكونُ في غيرِ مَظَانِّها ، ومن أَجَلِّ فوائدِه أنه عندَ كِبَرِ السنِّ وضَعْفِ الْقُوَى يكونُ لديكَ مادَّةٌ تَسْتَجِرُّ منها مادَّةً تَكْتُبُ فيها بلا عَناءٍ في البَحْثِ والتَّقَصِّي .
ولذا؛ فاجْعَلْلك ( كُناشًا ) أو ( مُذَكِّرَةً ) لتقييدِ الفوائدِ والفرائدِ والأبحاثِ الْمَنثورةِ في غيرِ مَظَانِّها ، وإن اسْتَعْمَلْتَ غُلافَ الكتابِ لتَقييدِ مافيه من ذلك ؛ فحَسَنٌ ، ثم تَنْقُلُ ما يَجْتَمِعُ لك بعدُ في مُذَكِّرَةٍ ؛ مُرَتِّبًا له على الموضوعاتِ مُقَيِّدًا رأسَ المسألةِ ، واسمَ الكتابِ ، ورقْمَ الصفحةِ والمجلَّدِ ، ثم اكْتُبْ على ما قَيَّدْتَه : ( نُقِلَ ) ؛ حتى لايَخْتَلِطَ بما لم يُنْقَلْ كما تَكتُبُ : ( بلَغَ صفحةَ كذا ) فيما وَصَلْتَ إليه من قراءةِ الكتابِ حتى لا يَفُوتَك ما لم تَبْلُغْه قراءةً .
وللعلماءِ مؤَلَّفَاتٌ عدَّةٌ في هذا ؛ منها : ( بدائعُ الفوائدِ ) لابنِ القَيَّمِ و( خَبايَا الزوايا ) للزَّرْكَشيِّ ، ومنها : كتابُ ( الإغفالِ ) ، و( بَقَاياالْخَبَايا ) وغيرُها ، وعليه فَقَيِّدِ العِلْمَ بالكتابِ لا سِيَّمَا بدائعَ الفوائدِ في غيرِ مَظَانِّها ، وخَبَايَا الزوايا في غيرِ مَسَاقِها ، ودُرَرًا مَنثورةً تَراهَا وتَسْمَعُها تَخْشَى فَوَاتَها … وهكذا ؛ فإنَّ الْحِفْظَ يَضْعُفُ ، والنسيانَ يَعْرِضُ .قال َالشعبيُّ : ( إذا سَمِعْتَ شيئًا ؛ فاكْتُبْهُ ولو في الحائطِ) .رواه خَيثَمَةُ .
وإذا اجْتَمَعَ لديك ماشاءَ اللهُ أن يَجْتَمِعَ ؛ فرَتِّبْهُ في ( تَذْكِرَةٍ ) أو ( كُناشٍ ) على الموضوعاتِ ؛ فإنه يُسْعِفُكَ في أَضْيَقِ الأوقاتِ التي قد يَعْجِزُ عن الإدراكِ فيها كِبارُ الأثباتِ .
الشيخ :
هذه من آداب طالب العلم ؛ تقييد الفوائد الفرائد وكتابتها ، فإنّ الإنسان تمرّ به حال كتابته مسائل في غير مظانّها ، وتمرّ به مسائل وفوائد لا يتوقع مرورها عليه في ذلك الموطن ، وكذلك تمرّ على الإنسان معلومات غرائب بحيث تلفت ذهنه لفتا ، وتجرّ نفسه إلى تذكرها ومعرفتها ، والإنسان ينسى ، فيحسن به أن يقيّد هذه الفوائد سواء كانت غريبة عليه أو عجيبة لديه أو كانت في غير مواطن بحثها ، بحيث يسهل عليه مراجعتها ، والكتابة للعلم جاءت به الشريعة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "اكتبوا لأبي شاه" ، ويدل على هذا أنّ الله عز وجل قد كتب ما هو كائن إلى قيام الساعة ، ولم يكتف بذلك بكونه محفوظا.
وقال : جاء في الحديث: "أنّ الله عز وجل لما خلق الخلق كتب في كتاب فهو عنده ؛ أنّ رحمتي سبقت غضبي" وقد أُثرت كتابة عدد من الأحاديث عن جماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد النبوة بإقراره صلى الله عليه وسلم ، إذا تقرر هذا ، فإنّ الكتابة تفيد إبعاد النسيان عن الإنسان ، وتذكيره بأدنى لفتة بما كان يعرفه في الوقت السابق ، وتعينه حال كبره وفترة نسيانه ، فإنّ الإنسان عند كبر سنه إذا كان قد وضع مادة علميّة تختصر له المعلومات ؛ فإنه بذلك يتمكّن من مراجعة هذا الجزء فيكون حافظا لعلمه.
ومن هنا أمر المؤلف بوضع مذكرة لتقييد الفوائد والفرائد والمسائل التي تُبحث في غير مظانّها ، ومن أنواع ذلك أن يكتب الإنسان هذه الكتابة في أول الكتب التي تمر عليه ، وينبغي فيه أن يُقيّد رأس المسألة في أول هذه الفائدة ثم ما نُقل منه من كتاب ورقم صفحته وجزئه ، ثم بعد ذلك إذا نقل هذه المعلومات التي في أول الكتاب وفي غلاف الكتاب إلى دفتره الأصلي ، بيّن أنها قد نُقلت إلى ذلك الدفتر حتى لا تختلط ما نُقل مما لم يُنقل ، وقد ذكر المؤلف أنّ هذه الطريقة استخدمها بعض أهل العلم فكانت سببا في شهرة كتبهم ، ومن ذلك كتاب (بدائع الفوائد) لابن القيم ، و(خبايا الزوايا) للزركشي.
في (بدائع الفوائد) نقل المؤلف ابن القيم رحمه الله فوائد متنوعة ، بعضها بلاغية ، وبعضها حديثية ، وبعضها نحوية ، وبعضها عقدية في هذا الكتاب.
وفي (خبايا الزوايا) اعتنى الزركشي بالمسائل الفقهية التي تُبحث في غير مظانّها.
ذكر المؤلف كلام الشعبي قال: (إنّ الحفظ يضعف ، والنسيان يعرض ، قال الشعبي: "إذا سمعت شيئا فاكتبه ولو في الحائط") وكان الشعبي من أكثر الناس حفظا ، وكان له قوة غريبة في الحفظ ، ومع ذلك أمر بالكتابة ، نعم.
آفاق التيسير
السؤال الأول : ما معنى الكناش ؟
الجواب : الكُنَّاش هو ما يسمى بالكشكول، وهو دفتر الفوائد.

آفاق التيسير
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 11-06-2018, 04:11 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Post

تابع مجلس 58
1حديث أبي شاه أخرجه البخاري من حديث أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ:
"لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ" فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِلا الإِذْخِرَ ".فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ : اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ "

البخاري:" اللقطة/2254 " -ومسلم :"الحج/1355 .
لراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2434- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية

قال ابن حجر : وَيُسْتَفَاد ..َ مِنْ قِصَّة أَبِي شَاه ( أكتبوا لأبي شاه ) أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي كِتَابَة الْحَدِيث عَنْهُ ,
وَهُوَ يُعَارِض حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "- لا تكتبُوا عني . ومن كتب عني غيرَ القرآنِ فليمْحُه . وحدِّثوا عني ، ولا حرجَ . ومَن كذب علَيَّ - قال همامٌ أحسبُه قال - متعمِّدًا فليتبوأْ مقعدَه من النارِ"
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 3004- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِوَقْتِ نُزُول الْقُرْآن خَشْيَة اِلْتِبَاسه بِغَيْرِهِ , وَالإِذْن فِي غَيْر ذَلِكَ .
أَوْ أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِكِتَابَةِ غَيْر الْقُرْآن مَعَ الْقُرْآن فِي شَيْء وَاحِد وَالإِذْن فِي تَفْرِيقهمَا ,
أَوْ النَّهْي مُتَقَدِّم وَالإِذْن نَاسِخ لَهُ عِنْد الأَمْن مِنْ الِالْتِبَاس وَهُوَ أَقْرَبهَا مَعَ أَنَّهُ لا يُنَافِيهَا .
وَقِيلَ النَّهْي خَاصّ بِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ الاتِّكَال عَلَى الْكِتَابَة دُون الْحِفْظ , وَالإِذْن لِمَنْ أُمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ ..
قَالَ الْعُلَمَاء . كَرِهَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كِتَابَة الْحَدِيث وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا , لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتْ الْهِمَم وَخَشِيَ الأَئِمَّة ضَيَاع الْعِلْم دَوَّنُوهُ ..أهـ "فتح الباري" 1/208
الإسلام سؤال وجواب

وهناك الكثير من النصوص التي تدل على أن الكتابة تمت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبإذن منه.. منها:
"ما من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحَدٌ أكثرَ حديثًا عنه مني ، إلا ما كان من عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، فإنه كان يَكتُبُ ولا أكتُبُ ".
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 113-خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
الدرر السنية

- كُنتُ أَكْتبُ كلَّ شيءٍ أسمعُهُ مِن رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - أُريدُ حفظَهُ ، فنَهَتني قُرَيْشٌ وقالوا: أتَكْتُبُ كلَّ شيءٍ تسمعُهُ ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ بَشرٌ يتَكَلَّمُ في الغضَبِ، والرِّضى، فأمسَكْتُ عنِ الكتابِ، فذَكَرتُ ذلِكَ إلى رسول اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ فأومَأَ بأصبعِهِ إلى فيهِ، فقالَ: "اكتُب فوالَّذي نَفسي بيدِهِ ما يَخرُجُ منهُ إلَّا حقٌّ " . الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 800- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

وسمّى عبد الله بن عمرو صحيفته التي جمع فيها كتابته هذه "الصادقة"، واشتهرت هذه التسمية بين أهل العلم
فقد أورد الخطيب البغدادي في شأن صحيفة عبد الله بن عمرو ما يلي : " وكان عبد الله بن عمرو يسمي صحيفته التي كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة . وكان يقول : " هذه الصادقة هذه ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس بيني وبينه أحد ، إذا سلمت لي هذه ، وكتاب الله تبارك وتعالى والوهط - أرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها - فما أبالي ما كانت عليه الدنيا "
مجلة البحوث الإسلامية

والوهط هي أرض تصدق بها عمرو بن العاص (رضي الله عنه). كان عبد الله -رضي الله عنه- يقوم على رعايتها، وهذه الأرض كانت بستانا بالطائف

- " لما حُضِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال، وفي البيتِ رجالٌ فيهم عمرُ بنُ الخطابِ، قال:" هلمَّ أكتبْ لكم كتابًا لن تضلوا بعدَه". قال عمرُ: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم غلبه الوجعُ، وعندَكم القرآنُ . فحسبنا كتابُ اللهِ. واختلفَ أهلُ البيتِ، اختصموا: فمنهم من يقولُ: قرِّبوا يكتبْ لكم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلوا بعدَه ، ومنهم من يقولُ ما قال عمرُ، فلما أكثروا اللغطَ والاختلافَ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "قوموا عني ".
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7366 -خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
الدرر السنية


هو من فضائل عمر وفقهه وفهمه الثاقب لدين الله، ولو لم يوافق رأيه الصواب- كما وقع له في عدة مواقف معروفة- لما تنازل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة مهما كان الأمر.
وننقل لك هنا بعض ما قاله أهل العلم في هذا الموضوع، فقد جاء في شرح مسلم للإمام النووي قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك، ثم ظهر له أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول، وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها؛ لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله؛ لقوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء، وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم، فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة، وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه. قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أواخر كتابه دلائل النبوة: إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره؛ لقوله تعالى: بلغ ما أنزل إليك، كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه.
إسلام ويب

أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالكتابة إلى الضحاك بن سفيان الكلابي أن يُورِّثَ امـرأة أشيم الضباني من ديته.
- كانَ عمرُ بنُ الخطَّابِ يقولُ : الدِّيةُ للعاقلَةِ ، ولا ترِثُ المرأةُ مِن ديَةِ زَوجِها شيئًا ، حتَّى قالَ لَهُ الضَّحَّاكُ بنُ سُفيانَ : كتبَ إليَّ رسولُ اللَّهِ صلّى اللَّه علَيهِ وسلَّمَ أن أُوَرِّثَ امرأةَ أشْيَمَ الضِّبابيِّ مِن ديَةِ زَوجِها
الراوي: سعيد بن المسيب - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 2927- خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 11-06-2018, 04:12 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Arrow

28- حِفْظُ الرِّعايةِ

*ابْذُل الوُسْعَ في حِفْظِ العلْمِ ( حفْظَ رِعايةٍ ) بالعمَلِ والاتِّباعِ ؛ قالَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( يَجِبُ على طالِبِ الحديثِ أن يُخْلِصَ نِيَّتَه في طَلَبِه ، ويكونَ قَصْدُه وَجْهَ اللهِ سبحانَه ، ولْيَحْذَرْ أن يَجْعَلَه سَبيلًا إلى نَيْلِ الأعراضِ ) ، وطريقًا إلى أَخْذِ الأعواضِ ؛ فقد جاءَ الوعيدُ لِمَن ابْتَغَى ذلك بعِلْمِه

شرح الشيخ العثيمين
- جاء الوعيد لمن طلب علما وهو يبتغي به وجه الله لغير الله لم يجد عرف الجنة، أي ريحها،
*"
مَن تعلَّمَ علمًا مِمَّا يُبتَغى بِهِ وجهُ اللَّهِ ، لا يتعلَّمُهُ إلَّا ليُصيبَ بِهِ عرضًا منَ الدُّنيا ، لم يجِدْ عَرفَ الجنَّةِ يومَ القِيامَةِ يَعني ريحَها" الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 206 - خلاصة حكم المحدث: صحيح الدرر
وما ذكره الخطيب البغدادي- رحمه الله- حق أن يخلص الإنسان النية في طلب العلم بأن ينوي امتثال أمر الله تعالى والوصول إلى ثواب طلب العلم وحماية الشريعة والذب عنها ورفع الجهل عن نفسه ورفع الجهل عن غيره، كل هذه تدل على الإخلاص، ولا يكون قصده نيل الأعراض كالجاه والرئاسة والمرتبة، أو طريقا إلى أحد الأعواض كالمرتبات لا يريد هذا.
فإذا قال قائل: كل الذين يطلبون العلم في الكليات إنما يقصدون الشهادة ولذلك نرى بعضهم يريد الوصول إلى هذه الشهادات ولو بالباطل كالشهادات المزيفة والغش وما أشبه ذلك. فيقال يمكن للإنسان أن يريد الشهادة في الكلية مع إخلاص النية وذلك أن يريد الوصول إلى منفعة الخلق لأن من لم يحمل الشهادة لا يتمكن من أن يكون مدرسا أو مديرا أو ما أشبه ذلك مما يتوقف على نيل الشهادة.
فإذا قال: أنا أريد أن أنال الشهادة لأتمكن من التدريس في الكلية مثلا، ولولا هذه الشهادة ما درست. أريد الشهادة لأن أكون داعية، لأننا في عصر لا يمكن أن يكون الإنسان فيه داعيا إلى الله إلا بالشهادة.
فإذا كانت هذه نية الإنسان فهي نية حسنة لا تضر إن شاء الله هذا في العلم الشرعي. أما في العلم الدنيوي فانو فيه ما شئت مما أحله الله. لو تعلم الإنسان الهندسة وقال أريد أن أكون مهندسا ليكون الراتب 10 آلاف ريال. فهل هذا حرام؟
لا.. لماذا؟ لأن هذا علم دنيوي، كالتاجر يتاجر من أجل أن يحصل على ربح.

*ولْيَتَّقِّ المفاخَرَةَ والْمُباهاةَ به ، وأن يكونَ قَصْدُه في طَلَبِ الحديثِ نَيْلَ الرئاسةِ واتِّخاذَ الأتباعِ وعَقْدَ المجالِسِ ؛ فإنَّ الآفَةَ الداخلةَ على العُلماءِ أَكْثَرُها من هذا الوجْهِ .
- وقد جاء الوعيد فيمن طلب ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء. فأنت لا تقصد بعلمك المفاخرة والمباهاة، وأن يكون قصدك أن تصرف وجوه الناس إليك وما أشبه ذلك. هذه نيات سيئة، وهي ستحصل لك مع النية الصالحة إذا نويت نية صالحة، صرت إماما، صرت رئيسا يشير الناس إليك وأخذوا بقولك.
*ولْيَجْعَلْ حِفْظَه للحديثِ حِفْظَ رعايةٍ لا حِفْظَ روايةٍ ؛ فإنَّ رُواةَ العُلومِ كثيرٌ ، ورُعاتَها قَليلٌ ، ورُبَّ حاضرٍ كالغائبِ ، وعالِمٍ كالجاهِلِ ، وحاملٍ للحديثِ ليس معه منه شيءٌ إذ كان في اطِّرَاحِه لِحُكْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الذاهبِ عن مَعرفتِه وعِلْمِه .
-

ومعنى «رعاية» أن يفقه الحديث ويعمل به ويبينه للناس، لأن مجرد الحفظ بدون فقه للمعنى ناقص جدا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :«رب مبلغ أوعى من سامع» .
والمقصود بالأحاديث أو القرآن الكريم هو فقه المعنى حتى يعمل به الإنسان ويدعو إليه، ولكن الله سبحانه وتعالى بحكمته جعل الناس أصنافا، منهم راو فقط ولا يعرف من المعنى شيئا إلا شيء واضح بين لا يحتاج الناس إلى مناقشته فيه، لكنه في الحفظ والثبات قوي جدا، ومن الناس من أعطاه الله فهما وفقها لكنه ضعيف الحفظ إلا أنه يفجر ينابيع العلم من النصوص إلا أنه ضعيف الحفظ، ومن الناس من يعطيه الله الأمرين: قوة الحفظ وقوة الفقه، لكن هذا نادر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لما أتاه الله تعالى من العلم والحكمة مطر أصاب أرضا فصارت الأرض ثلاثة أقسام:
قسم: قيعان ابتلعت الماء ولم تنبت الكلأ، فهذا مثل من أتاه الله العلم والحكمة ولكنه لم يرفع به رأسا ولم ينتفع به ولم ينفع به غيره.
والقسم الثاني- أرض أمسكت الماء ولكنها لم تنبت الكلأ. هؤلاء من الرواة، امسكوا الماء فسقوا الناس واستقوا وزرعوا، لكن هم أنفسهم ليس عندهم إلا حفظ هذا الشيء.
والأرض الثالثة- أرض رياض قبلت الماء فأنبتت العشب والكلأ فانتفع الناس وأكلوا وأكلت مواشيهم. وهؤلاء الذين من الله عليهم بالعلم والفقه، فنفعوا الناس وانتفعوا به.


*ويَنبغِي لطالِبِ الحديثِ أن يَتمَيَّزَ في عامَّةِ أمورِه عن طرائقِ العَوَامِّ باستمعالِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أَمْكَنَه ، وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِه ؛ فإنَّ اللهَ تعالى يقولُ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } اهـ .

«ينبغي» أحيانا يراد بها الوجوب، لكن الشائع في استعمالها أنها للندب. وهذا في الأمور التعبدية ظاهر. أنه ينبغي للإنسان أن يتميز باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور الاتفاقية التي وقعت اتفاقا من غير قصد هل يشرع أن يتبعها الإنسان أم لا ؟
كان ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه يتبع ذلك، حتى أنه يتحرى المكان الذي نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبال فيه، فنزل ويبول. وإن لم يكن محتاجا للبول.
كل هذا من شدة تحريه لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لكن هذا قد خالف أكثر الصحابة فيه ورأوا أن ما وقع اتفاقا فليس بمشروع اتباعه للإنسان. ولهذا لو قال قائل: أيسن لنا الآن ألا نقدم مكة في الحج إلا في اليوم الرابع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم في اليوم الرابع؟
الصحيح أنه لا يشرع لأنه وقع اتفاقا لا قصدا.
ما وقع عادة فهل يشرع لنا أن نتبعه فيه؟ مثلا: العمامة والرداء والإزار. نقول: نعم يشرع أن نتبعه فيه.
لكن ما معنى الاتباع. هل معناه اتباعه في عين ما لبس؟ أو اتباعه في جنس ما لبس؟ الجواب: الثاني. لأنه لبس ما اعتاده الناس في ذلك الوقت.
وعلى ذلك نقول: السنة لبس ما يعتاده الناس، ما لم يكن محرما، فإن كان محرما وجب اجتنابه ما وقع على سبيل التشهي فهل نتبعه فيه. كان عليه الصلاة والسلام يحب الحلوى، يحب العسل، يتتبع الدباء في الأكل. هل نتبعه في ذلك.
قال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء- يعني القرع- في الطعام، فمازلت أتتبعها منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبعها.
وعلى هذا فهل نقول من المشروع أنك تتبع الدباء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتبعه أم لا؟
الظاهر أن هذا الاتباع فيه أحرى من الاتباع فيما سبقه- وهو ما وقع اتفاقا- لأن هذا لم يقع اتفاقا، حيث أننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يتتبعها أنه يتتبعها قصدا لا اتفاقا، ولا شك أن الإنسان إذا تتبع الدباء من على ظهر القصعة وهو يشعر أنه يفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أن هذا يوجب له محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع آثاره وحينئذ نقول: إذا تتبعت هذا فإنك على الخير، وقد يكون في الدباء منفعة طبية، تسهل وتلين وتكون قدما للطعام.
قوله «باستعمال آثار» هذه العبارة فيها شيء من الركاكة، ولو قال «باتباع آثار» كما عبر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية قال: من أصول أهل السنة والجماعة اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا». وهذا هو اللفظ المطابق للقرآن ." قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "آل عمران31 .
أما استعمال الآثار فقد يتوهم واحد أن استعمال ثيابه وعمامته وما أشبه ذلك. لكن إذا قلنا اتباع آثار كان ذلك أحسن وأوضح.

وقوله :«توظيف السنن على نفسه» يراد بذلك أن يطبق توظيفها، بمعنى تطبيق السنن على نفسه لأن الله يقول: "
"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (سورة الأحزاب: 21).
ولو ذكر آخر الآية لكان أحسن ما هي "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً "الأحزاب21

آفاق التيسير

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
28- حِفْظُ الرِّعايةِ :
ابْذُل الوُسْعَ في حِفْظِ العلْمِ ( حفْظَ رِعايةٍ ) بالعمَلِ والاتِّباعِ ؛ قالَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( يَجِبُ على طالِبِ الحديثِ أن يُخْلِصَ نِيَّتَه في طَلَبِه ، ويكونَ قَصْدُه وَجْهَ اللهِ سبحانَه ، ولْيَحْذَرْ أن يَجْعَلَه سَبيلًا إلى نَيْلِ الأعراضِ ) ، وطريقًا إلى أَخْذِ الأعواضِ ؛ فقد جاءَ الوعيدُ لِمَن ابْتَغَى ذلك بعِلْمِه .
ولْيَتَّقِّ المفاخَرَةَ والْمُباهاةَ به ، وأن يكونَ قَصْدُه فيطَلَبِ الحديثِ نَيْلَ الرئاسةِ واتِّخاذَ الأتباعِ وعَقْدَ المجالِسِ ؛ فإنَّ الآفَةَ الداخلةَ على العُلماءِ أَكْثَرُها من هذا الوجْهِ .
ولْيَجْعَلْ حِفْظَه للحديثِ حِفْظَ رعايةٍ لا حِفْظَ روايةٍ ؛ فإنَّ رُواةَ العُلومِ كثيرٌ ، ورُعاتَها قَليلٌ ، ورُبَّ حاضرٍ كالغائبِ ، وعالِمٍ كالجاهِلِ ، وحاملٍ للحديثِ ليس معه منه شيءٌ إذ كان في اطِّرَاحِه لِحُكْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الذاهبِ عن مَعرفتِه وعِلْمِه .
ويَنبغِي لطالِبِ الحديثِ أن يَتمَيَّزَ في عامَّةِ أمورِه عن طرائقِ العَوَامِّ باستعمالِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أَمْكَنَه ، وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِه ؛ فإنَّ اللهَ تعالى يقولُ : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} اهـ .
الشيخ:
الأدب الثامن والعشرون من آداب طالب العلم أن يحفظ الطالب العلم من خلال رعايته، ورعاية العلم على أنواع :
أولها: أن يرعاه بالعمل ، بحيث كلما علم مسألة عمل بها ، وهذا يكون به قد عمل بعلمه ، وترك العمل بالعلم من أسباب غضب الله تعالى كما في سورة الفاتحة ، وقد جاء في الحديث أنّ رجلا كان يأمر الناس بالمعروف فألقي في نار جهنم على أقتابه فقيل له في ذلك : ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، قال : كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه.
وكثير من أهل العلم قد حذّر من هذا ، وجاء في حديث في السنن أنّ من لم يعمل بعلمه يُعذّب قبل عابد الوثن.
الطريقة الثانية لرعاية العلم : أن يكون مقصد الإنسان وجه الله والدار الآخرة ، فإنك إذا قصدت ذلك ، بارك الله في علمك ، وجعلك تحفظه ويبقى في ذهنك.
أما من قصد الدنيا، فإن الدنيا زائلة ، وما عُمل لله يبقى ، وما كان لغيره يفنى.
الطريقة الثالثة : الدعوة إلى ما لديك من العلم ، فإنّ هذا يُبقي العلم عندك ، فمتى كنت تدعو الناس ، وتُدَرِّسُهم ، وتعلمهم ، بقي العلم لديك ، ومتى أهملت ما لديك من العلم فلم تُراعي فيه ذلك ، ولم تدع إليه ، فإنه مع مرور الزمن ستنساه ، ولن يبقى عندك.
الأمر الرابع مما تحصل به رعاية العلم وحفظه : حفظ العلم رعايةً له ، ترك المفاخرة به ، فإنّ من فاخر بالعلم عاقبه الله بزوال ذلك العلم منه.
وكثير من الناس فاخر بما لديه من العلم فكان ذلك سببا من أسباب زوال العلم عنه ، لأنّ الله جل وعلا جعل من سيمة العلماء التواضع ، فمن فاخر بالعلم وترفّع به وقال : علمي أحسن من علم غيري ، وضعه الله جل وعلا، وانظر لقصة موسى عليه السلام لما قيل له: هل على الأرض أحد أعلم منك؟ فقال : نعم ، قال الله عز وجل : بلى عبدي الخضر أعلم منك.
الطريقة الخامسة من طرق حفظ العلم من جانب الرعاية : عدم الاستهزاء بالجهّال والضحك على تصرفاتهم ، فإنّ الإنسان متى استهزأ بالآخرين بكونهم لا يعلمون ، عاقبه الله بسلب العلم منه.
وقد جاء في الحديث : "لا تُظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك" ، كما ورد ذلك في سنن الترمذي.
كذلك من طرائق حفظ العلم ورعايته : حفظ مكانة أهل العلم ، فإنك عندما تنتقص غيرك من العلماء فإن ذلك يكون سببا لعدم تمكينك من تحصيل العلم ، فإنّ الله جل وعلا جعل حملة العلم لهم مكانة وحرمة ، وجعل المعتدي لهم بالأذية يعاقب بالعقوبات الدنيوية والأخروية ، كما جاء في الحديث : "من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب" ، ولذلك يحفظ الإنسان سلا لسانه من الكلام في علماء الشريعة.
قال المؤلف: (وليتق المفاخرة والمباهاة به) يعني وصف النفس بالعلو لكونها قد اتصفت بالعلم.
(وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة) وإنما ينوي بطلبه للحديث ، رضا رب العالمين ودخول الجنة.
قال : (وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية) وهذه وسيلة أخرى من وسائل حفظ العلم بالرعاية ، ألا وهي : التأمل والتدبر والتفكر في العلم الذي تعلّمته ، لتستفيد منه وتستخرج منه الفوائد ، فإنّ من يحفظ العلوم كُثر ، لكن من يستفيد منها ويأخذ منها الفوائد قليل ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "رب حامل فقه ليس بفقيه ، رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
قال : (ورب) يعني يمكن أن يوجد حاضر يكون كالغائب ، بل قد يكون الغائب أكثر فهما وحفظا ومعرفة وإدراكا من الحاضر.
وفي مرّات يكون هناك عالم يحفظ المرويّات وتكون منزلته بمنزلة الجاهل لا يستفيد من ذلك العلم ، بل قد تكون منزلته أدنى من منزلة الجاهل.
قال : (ورب حامل للحديث ليس معه منه شيء ، إذا كان في اطراحه لحكمه) يعني ترك حكم الحديث.
(بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه) يكون كالجاهل.
ونقول الصواب أنّ حامل العلم الذي لا يعمل به ، أقل درجة من الشخص الذي لا يحمل ذلك العلم ، لأنه إذا كان عندك عينان تتمكن من الإبصار بهما ، ثم بعد ذلك تغلق عينيك وتكون ممن يضرب في الأعمدة والجدران ، حال من كان كذلك أقل من الأعمى الذي يضرب في الأعمدة والجدران لعجزه عن الرؤية.
قال: (وينبغي لطالب الحديث أن يتميّز في عامّة أموره عن طرائق العوام ، باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمكنه ، وتوظيف السنن على نفسه بالعمل ، فإنّ الله تعالى يقول :"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" ، نعم.

آفاق التيسير
رد مع اقتباس
  #38  
قديم 11-06-2018, 04:13 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Arrow


29– تَعَاهُدُ المحفوظاتِ :
القارئ:
تَعاهَدْ عِلْمَك من وَقتٍ إلى آخَرَ ؛ فإنَّ عَدَمَ التعاهُدِ عُنوانُ الذهابِ للعِلْمِ مهما كان
شرح الشيخ العثيمين:
الشيخ:
فإن عدم التعاهد عنوان الذهاب، يعني دليل الذهاب ، ولكن لو عبر بقوله :«فإن عدم التعاهد سبب الذهاب للعلم» لكان أولى لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها».
"تعاهَدوا هذا القرآنَ . فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه ! لهو أشَدُّ تفَلُّتًا من الإبِل في عُقُلِها . ولفظُ الحديثِ لابنِ برادٍ ".الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث : مسلم المصدر :صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 791 خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية
فيدل ذلك على أن عدم التعاهد سبب للنسيان، وليس عنوان الذهاب للعلم، لأن عنوان الشيء يكون بعد الشيء. وسبب الشيء يكون قبل الشيء، وعدم التعاهد سابق على عدم البقاء ، أي بقاء العلم، والخطب في هذا يسير إذا كان المعنى مفهوما ، فالأمر يسير بالنسبة للألفاظ .القارئ:
عن ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :(( إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعْقَلَةِ ، إن عاهدَ عليها أَمْسَكَها وإن أَطْلَقَها ذَهَبَتْ )). رواه الشيخانِ ، ومالِكٌ في ( الْمُوَطَّأِ ) .
- إنما مَثَلُ صاحبِ القرآنِ كمَثَلِ صاحبِ الإبلِ المعقلةِ : إن عاهَد عليها أمسَكها ، وإن أطلَقها ذهبَتْالراوي : عبدالله بن عمر المحدث : البخاري المصدر :صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 5031 -خلاصة حكم المحدث : [صحيح]الدرر السنية

قالَ الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ رَحِمَه اللهُ : ( وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن لم يَتَعَاهَدْ عِلْمَه ذَهَبَ عنه ، أيْ مَنْ كان ؛ لأنَّ عِلْمَهم كان ذلك الوَقْتَ القرآنَ لا غيرَ ، وإذا كان القرآنُ الْمُيَسَّرُ للذكْرِ يَذْهَبُ إن لم يُتَعَاهَدْ ؛ فما ظَنُّكَ بغيرِه من العلومِ المعهودةِ ؟! وخيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ، وقادَ إلى اللهِ تعالى ودَلَّ على ما يَرضاهُ ) .
الشيخ:
( وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن لم يَتَعَاهَدْ عِلْمَه ذَهَبَ عنه ) وهذا واضح أن من لم يتعاهد حفظه نسي وكما أن هذا في المعقول فهو أيضا في المحسوس فمن لم يتعاهد الشجرة بالماء تموت، أو تذبل ، وكذلك من لم يتعاهد أغصانها بالشتل ، تتكاثر ويفسد بعضها بعضا فلا تستقيم وكذلك العلوم
(خيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ) يعني كأنه يرد على القواعد والأصول وأنا أحثكم دائما عليهما عليكم بالقواعد والأصول لأن المسائل الفقهية المتفرعة كتلاقط الجراد من أرض صحراء تضيع عليك لكن الذي عنده علم بالأصول هذا هو العالم من فاتته الأصول فاته الوصول.
القارئ:
وقالَ بعضُهم ( كلُّ عِزٍّ لم يُؤَكَّدْ بعِلْمٍ فإلى ذُلٍّ مَصيرُه ) اهـ .
الشيخ:
يعني غالبا ، وإلا فقد يكون الإنسان عزيزا بماله وإنفاقه ونفع الناس به فيبقى عزيزا إلى أن يموت ولكن في الغالب أن العز الذي لم يأكد بالعلم أنه يزول.
آفاق التيسير

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري

لقارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
29- تَعَاهُدُ المحفوظاتِ :
تَعاهَدْ عِلْمَك من وَقتٍ إلى آخَرَ ؛ فإنَّ عَدَمَ التعاهُدِ عُنوانُ الذهابِ للعِلْمِ مهما كان .
عن ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعْقَلَةِ - قال الشيخ مصححا : الـمُعَقَّلَة كلاهما مشهور الـمُعَقَّلَة و الْمُعْقَلَةِ والـمُعَقَّلَة أشهر يعني المربوطة أقدامها ، يقومون بربط قدمي الإبل ، البعير من أجل ألا يتمكن من الهروب -، إن عاهدَ عليها أَمْسَكَها وإن أَطْلَقَها ذَهَبَتْ )).رواه الشيخانِ ، ومالِكٌ في ( الْمُوَطَّأِ) .
قال َالحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ رَحِمَه اللهُ : ( وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن لم يَتَعَاهَدْ عِلْمَه ذَهَبَ عنه ، أيْ مَنْ كان ؛ لأنَّ عِلْمَهم كان ذلك الوَقْتَ القرآنَ لا غيرَ ، وإذا كان القرآنُ الْمُيَسَّرُ للذكْرِ يَذْهَبُ إن لم يُتَعَاهَدْ ؛ فما ظَنُّكَ بغيرِه من العلومِ المعهودةِ ؟! وخيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ، وقادَ إلى اللهِ تعالى ودَلَّ على ما يَرضاهُ ) اهـ . وقالَ بعضُهم ( كلُّ عِزٍّ لم يُؤَكَّدْ بعِلْمٍ فإلى ذُلٍّ مَصيرُه ) اهـ .
الشيخ :
هذا هو الأدب التاسع والعشرون من آداب طالب العلم ؛ تعاهد المحفوظات :
بحيث يكرر الإنسان ما يحفظه من وقت لآخر ، سواء كان هذا المحفوظ من كتاب الله عز وجل الذي ينبغي لطالب العلم أن يجعل له وردا يوميا من كتاب الله ، ولا ينبغي أن يقل ورده عن جزء في اليوم ليختم في كل شهر.
وهكذا يتعاهد ما يحفظه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون بذلك قد تمكن من حفظ هذه الأحاديث وتمكن بذلك من أن يكون داعيا إلى الله منطلقا في دعوته من النصوص الشرعية كتابا وسنة.
وهكذا يتعاهد ما يحفظه من فنون أهل العلم ومتونهم ، فإنك إذا لم تتعاهد هذه المحفوظات فإنها ستذهب ، فإذا كان القرآن مع عظمه ومع كونه ميسرا للذكر ، كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) إلا أنه مع ذلك إذا لم يتعاهده المرء فإنه يفوت ويُنسى.
فإنّ الله جل وعلا يغار على قلب العبد ، فإذا صرف العبد قلبه في تذكر محفوظاته ، ومن أولاها : كتاب الله ، فإنه حينئذ يبقى هذا المحفوظ ، وإذا كان القلب لا يشتغل بذكر الله ولا بقراءة كتابه ، غار الله على كتابه فلم يجعله باقيا في قلب ذلك العبد ، دلّ على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : "تعاهدوا القرآن فلهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها"
وحديث ابن عمر : "إنما مثل صاحب القرآن –يعني حافظ القرآن- كمثل صاحب الإبل الـمُعَقّلَة –يعني المربوطة بالأقدام- إن عاهد عليها –يعني تفقّد هذا الرباط تمكن من إمساكها- وإن أطلقها .." ولم يربطها ولم يعقلها فإنّ هذه الإبل ستذهب وستكون من الإبل الشوارد.
ونقل المؤلف كلام الحافظ ابن عبد البر وهو هو مكانة ومنزلة علما وفضلا :
(قال: "وفي هذا الحديث دليل على أنّ من لم يتعاهد علمه) يعني لم يكرره ، ولم يعده مرة بعد أخرى ، سواء كانت الإعادة بقراءته أو بتكرار تدريسه أو بقراءة الناس عليه ذلك العلم.
(فإنّ من لم يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان ، لأنّ علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير) لأنه هو أساس العلوم ، ويبدو أنّ السنة أيضا كانت كذلك ، لكن السنة قد يعتبرها بعضهم تابعة أو مفسّرة، وقد يعتبرها بعضهم دليلا مستقلا.
(وإذا كان القرآن الميسّر للذكر يذهب إن لم يُتعاهد فما ظنّك بغيره من العلوم المعهودة) والعلوم لها أصول ، متى ضبطت الأصل ، ضبطت ما يترتب عليه من الفروع ، فاضبط الأصل واحفظه حفظا كاملا ، وبذلك تكون قد عرفت تلك الفروع وعرفت الرابط بينها ، ومن ضبط الأصل واستذكر الفرع ، بنية التقرب لله حصل حينئذ على رضا رب العالمين.
ثم ذكر قول بعضهم :
(كل عز لم يؤكد بعلم ، فإلى ذل مصيره) وذلك أنّ أيّ عز إذا لم يكن معه علم يقيد تصرفات صاحب ذلك العز بقيود الشريعة ، فإنّ الله جل وعلا سيعاقبه بسلب تلك النعمة ، لأنّ الله تعالى يقول : "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"إبراهيم 7 فمثلا : عز المال ، من كان عنده مال عزّ به ، فإن سار فيه على موجب الشريعة ، وعلى طرائقها فإنه حينئذ ستستمر تلك النعمة ، وسيبقى عزّه ، أما إذا لم يؤكد هذه بعلم وأصبح يتصرف فيها خبط عشواء فإنه حينئذ عمّا قريب في الدنيا سيزول عنه ذلك المال ، مهما كان صاحبه.
المثال الثاني : من كان عنده عز متعلق بمكانة وجاه ، فإن كان يصرفها ويصرفها في علم بقيت هذه النعمة ، وإن لم يكن له علم فإنها ستسلب منه هذه النعمة ، وسيصير إلى الذل ، وهكذا أيضا في بقية الأسباب المؤديّة إلى العز ، فإذا لم تؤكد بعلم ستئول بالإنسان إلى ذل ، وأنتم تشاهدون هذا في زمانكم ، تأملوا وتجدوه واضحا جليا.
انظر من كان عنده مال فعمل فيه بالشرع وأنفق منه في الخير بارك الله له في ماله ، وأبقى عزّه.
ومن أفسده ماله ثم أصبح يخبط بها خبط عشواء ، فإنه عما قريب سيفتقر ، وكم من إنسان شاهدتموه كان صاحب مال وعز ومكانة ثم بعد ذلك افتقر ، وشاهِدُ ذلك في كتاب الله قصة قارون.
وهكذا أيضا من كان عزه بوظيفة أو بعمل أو بجاه أو بمكانة أو بمنزلة أو بغير ذلك من الأسباب التي يعزّ الإنسان بها ، إذا لم يؤكّد ذلك العز بعلم ، فإنه عمّا قريب سيصير إلى ذلّ.
لعلنا نقف على هذا.
نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإيّاكم العلم النّافع والعمل الصالح اللهم أدبنا بآداب طلاب العلم اللهم أكسبنا العلم واجعلنا ممن يعمل به اللهم ياحي يا قيوم بارك لنا في علمنا وفي فهمنا وفي قدراتنا وفي حواسنا وفي أموالنا وفي أولادنا وفي أزواجنا وفي سائر أمورنا اللهم أصلح حال الأمة وردهم إليك ردا جميلا اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحب وترضى اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير و اجعلهم من أسباب الهدى والتقى والصلاح والسعادة هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

سؤال : أحسن الله إليكم ....
الشيخ : من فضل الله عز وجل على العباد أن يسر لهم سبل طلب العلم ، وإذا كان العبد في زماننا لا يجد في قريته من يتصف بهذه الصفات أمكنه أن ينتقل ولو انتقالا مؤقتا ، خصوصا في زماننا هذا الذي توفرت فيه وسائل الإنتقال هذه السيارات ، وهذه طائرات ، وهذه المركوبات ، وهذه وسائل اتصال حديثة تمكن الإنسان بالإتصال بالعلماء ، وبإمكان الإنسان أن يستفيد رفقة صالحة بهذه الوسائل الحديثة للاتصال ، كم من صديقين تواصيا على طلب العلم من خلال هاتف أو من خلال انترنت أو غيرها .

سؤال : أحسن الله إليكم ...
الشيخ : من المعلوم أنّ المرأة لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وسفر النساء مع محارمهن وارد من عهد النبوة ، و كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، وكذلك كما تقدم في وسائل الإتصال الحديثة ما يتمكن به النساء من التقرب لله عز وجل بطلب العلم من خلاله.

سؤال : أحسن الله إليكم ...
الشيخ : بعض الناس يقصر في حق المتأخرين ويقول إنهم لن يتمكنوا أن يأتوا بفائدة جديدة ويقولون ما ترك الأول للآخر ، يعني أنّ الأوائل قد استنفدوا جميع الفوائد وهذا كلام خاطئ ، بل هناك فوائد كثيرة يلهمها الله جل وعلا لمن جاء في الزمان المتأخر.

سؤال : أحسن الله إليكم ...
الشيخ : المقصود بهذا بأنّ من كان عنده همة عالية فإنّ الهمة العالية ستحركه إلى المقاصد والأهداف العالية ، ومن فقدت منه الهمة العالية فسيكون ذلك سالبا للمنافع والعلوم والمراتب النافعة والعالية.
نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رد مع اقتباس
  #39  
قديم 11-06-2018, 04:14 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Arrow

30– التَّفَقُّهُ بتخريجِ الفروعِ على الأُصولِ :

من وراءِ الفِقْهِ : التَّفَقُّهُ ، ومُعْتَمِلُه هو الذي يُعَلِّقُ الأحكامَ بِمَدارِكِها الشرعيَّةِ .
وفي حديثِ ابنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ : أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا ، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ )) .
- نضَّرَ اللَّهُ امرأً سمعَ منَّا حديثًا فحفظَهُ حتَّى يبلِّغَهُ فربَّ حاملِ فقْهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منْهُ وربَّ حاملِ فقْهٍ ليسَ بفقيهٍ

الراوي : زيد بن ثابت المحدث : الألباني
المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 3660 خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية

- نضَّرَ اللَّهُ عبدًا سمعَ مقالتي فحفِظَها ووعاها وأدَّاها فربَّ حاملِ فقهٍ غيرِ فقيهٍ وربَّ حاملِ فقهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منه وقال ثلاثٌ لا يُغَلُّ عليهنَّ قلبُ امرئٍ مسلمٍ إخلاصُ العملِ للَّهِ والنَّصيحةُ للمسلمينَ ولزومُ جماعتِهم فإنَّ دعوتَهم تحيطُ مِن ورائِهمالراوي : عبدالله بن مسعود المحدث : ابن حجر العسقلاني المصدر : تخريج مشكاة المصابيح الصفحة أو الرقم: 1/156 خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة] الدرر السنية





الشيخ العثيمين:
«التفقه» يعني طلب الفقه، والفقه ليس العلم. بل هو إدراك أسرار الشريعة. وكم من إنسان عنده كثير ولكنه ليس بفقيه، ولهذا حذر ابن مسعود رضي الله عنه من ذلك فقال: «كيف لكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم».
الفقيه هو العالم بأسرار الشريعة وغاياتها وحكمها حتى يستطيع أن يرد الفروع الشاردة إلى الأصول الموجودة، ويتمكن من تطبيق الأشياء على أصولها، فيحصل له بذلك خير كثير.
قال: «نضر الله.. » نضر بمعنى: حسنه، ومنه قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة) (سورة القيامة: 22). أي: حسنه، وقوله تعالى : (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) (سورة الإنسان: 11). نضرة: يعني حسنا في وجوههم، وسرورا في قلوبهم، فيجتمع لهم حسن الظاهر والباطن. لأن الإنسان قد يغتم قلبه، ووجهه قد أعطاه الله نضارة لكن سرعان ما تزول. ومن الناس من يكون قلبه مسرورا لكن لم يعطه الله نضارة الوجه، ومن الناس من يحصل له الأمران: السرور في القلب ونضارة في الوجه. وبذلك تتم النعمة.

قالَ ابنُ خَيْرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى في فِقْهِ هذا الحديثِ : ( وفيه بيانُ أنَّ الفِقْهَ هو الاستنباطُ والاستدراكُ في معاني الكلامِ من طريقِ التَّفَهُّمِ ، وفي ضِمْنِه بيانُ وُجوبِ التفَقُّهِ ، والبحْثُ على معاني الحديثِ واستخراجُ الْمَكنونِ من سِرِّهِ ) اهـ .
وللشيخين ؛ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ وتِلميذِه ابنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَهما اللهُ تعالى ، في ذلك القِدْحُ الْمُعَلَّى ، ومَن نَظَرَ في كُتُبِ هذين الإمامينِ ؛ سَلَكَ به النَّظَرُ فيها إلى التَّفَقُّهِ طَرِيقًا مُستَقِيمًا .

الشيخ العثيمين:

لا شك أن ما ذكره- وفقه الله- هو الصواب؛ أن الفقه هو استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة. لكن لا ينبغي أن يقتصر على الحديث، بل نقول من الأدلة في القرآن والسنة ودلالات القرآن أقوى من دلالات السنة وأثبت، لأنه لا يعتريه عيب النقل بالمعنى، وأما السنة فهي تنقل بالمعنى. وعلى هذا فيقال: «بالبحث عن معاني القرآن والحديث».
ومن أحسن من رأيت في استخراج الأحكام من الآيات شيخنا- رحمه الله- عبد الرحمن بن سعدي، فإنه يستخرج – أحيانا- من الآيات من الفقه ما لا تراه في كتاب آخر، وهذا الطريق- أعني طريق استنباط الأحكام من القرآن والسنة- هو طريق الصحابة، فما كانوا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلمونها، وما فيها من العلم والعمل. ثم أشار الشيخ بكر إلى شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم- رحمهم الله- وبيان ما يتوصلان إليه من الأحكام الكثيرة من الأدلة القليلة، وقد أعطاهما الله فهما عجيبا في القرآن والسنة.
ونضرب مثلا لهذا- أعني التفقه-، أن العلماء اتخذوا الحكم بأن أقل مدة الحمل ستة أشهر من قوله تعالى :(وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (سورة الأحقاف:15).
ومن قوله : (وفصاله في عامين) (سورة لقمان: 14). فإن ثلاثين شهرا، عامان وستة أشهر، فإذا كان حمله وفصاله (ثلاثون شهرا) وفي الآية الآخرى (في عامين) لزم أن يكون الحمل أقله ستة أشهر.


ومن مَلِيحِ كلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه في مَجْلِسٍ للتَّفَقُّهِ : ( أَمَّا بعدُ ؛ فقد كُنَّا في مَجلِسِ التَّفَقُّهِ في الدِّينِ ، والنظَرِ في مَدارِكِ الأحكامِ المشروعةِ ؛ تَصويرًا ، وتَقريرًا ، وتَأصيلًا ، وتَفصيلًا ، فوقَعَ الكلامُ في ... فأقولُ : لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ ، هذا مَبْنِيٌّ على أَصْلٍ وفَصلَيْنِ ...)


واعْلَمْ أَرْشَدَك اللهُ أنَّ بينَ يَدَي التَّفَقُّهِ : ( التَّفَكُّرَ ) فإنَّ اللهَ - سبحانَه وتعالى – دعا عِبادَه في غيرِ ما آيةٍ من كتابِه إلى التحَرُّكِ بإجالةِ النظَرِ العميقِ في ( التَّفَكُّرِ ) في مَلكوتِ السماواتِ والأرضِ وإلى إن يُمْعِنَ المرءُ النظَرَ في نفسِه ، وما حولَه ؛ فَتْحًا للقُوَى العَقليَّةِ على مِصراعَيْهَا ، وحتى يَصِلَ إلى تَقويةِ الإيمانِ ، وتَعميقِ الأحكامِ والانتصارِ العِلْمِيِّ : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ } . وعليه فإنَّ ( التفَقُّهَ ) أبعَدُ مَدًى من ( التفَكُّرِ ) ؛ إذ هو حَصيلتُه وإنتاجُه ؛ وإلا { فَمَال هؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} .
لكنَّ هذا التَّفَقُّهَ مَحجوزٌ بالبُرهانِ ، مَحجورٌ عن التَّشَهِّي والْهَوَى : { وَلِئْنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }

العثيمين :

واعلم أرشدك الله أن بين يدي التفقه : (التفكر). فإن الله سبحانه وتعالى دعا عباده في غير ما آية من كتابه إلى التحرك بإجالة النظر العميق في (التفكر) في ملكوت السموات والأرض، وإلى أن يمعن النظر في نفسه، وما حوله، فتحا للقوى العقلية على مصراعيها، وحتى يصل إلى تقوية الإيمان، وتعميق الأحكام، والانتصار العلمي : (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) (سورة البقرة: 219). ، (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) (سورة الأنعام: 50).
وعليه، فإن «التفقه» أبعد مدى من (التفكر)، إذ هو حصيلته وإنتاجه، وإلا: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) (سورة النساء: 78). لكن هذا التفقه محجوز بالبرهان، محجوز عن التشهي والهوى: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) (سورة البقرة: 12).
إذا نقول : المراتب، أولا- العلم، ثم الفهم، ثم التفكير، ثم التفقه. لا بد من هذا، فمن لا علم عنده كيف يتفقه؟ وكيف يعلم... من عنده علم وليس عنده فهم.. كيف يتفقه؟ حتى لو حاول أن يتفقه وهو مما لا يفهم لا يمكن ذلك. بعد أن تفهم... تتفكر ما مدلول هذه الآيات؟ وما مدلول هذا الحديث؟ وتتفكر أيضا في أنواع الدلالة، وأنواع الدلالة ثلاثة:
دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام.
فدلالة اللفظ على جميع معناه، دلالة مطابقة.
ودلالته على بعض معناه، دلالة تضمن.
ودلالته على لازم خارج، هذه دلالة التزام.
وهذا النوع الثالث من الدلالة هو الذي يختلف فيه الناس اختلافا عظيما، إذ قد يلتزم بعض الناس من الدليل ما لا يلزم، وقد يفوته ما يلزم. وبين ذلك تفاوت عظيم، فلا بد أن يعمل هذه الدلالات حينئذ يصل إلى درجة التفقه واستنباط الأحكام من أدلتها.
ويذكر أن الشافعي رحمه الله نزل ضيفا على الإمام أحمد بن حنبل- وأحمد تلميذ الشافعي وكان يثني عليه عند أهله- فقدم له العشاء فأكله كله ورد الصحفة.
خالية، فتعجب أهل أحمد كيف يأكل الطعام كله، والسنة أن الإنسان يأكل قليلا.
«حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» . لكن الشافعي أكل كل الطعام. هذه واحدة ثم إن الإمام أحمد انصرف إلى أهله ونام الشافعي فلما كان في آخر الليل قام يتهجد ولم يطلب ماء يتوضأ به، أو أظنه أنه لم يقم يتهجد، ثم أذن الفجر فخرج إلى الصلاة ولم يطلب ماء للوضوء، هذه اثنتان.
فلما أصبح قال أهل الإمام أحمد له كيف تقول في الشافعي ما تقول، والرجل أكل الطعام ونام وقام ولم يتوضأ كيف إذا؟
قال :«آتيكم بالخبر ..» فسأله. قال: فأما الطعام فلا أجد أحل من طعام الإمام أحمد بن حنبل فأردت أن أملأ بطني منه، أما كوني لم أتهجد فلأن التفكير في العلم أفضل من التهجد، وأنا جعلت أتفكر في العلم واستنبط من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «يا أبا عمير ما فعل النغير» . كذا وكذا ما أدري قال: مائة، أو ألف.
أما كوني لم أطلب ماء وأن خارج لصلاة الفجر، فلم أشأ أن أطلب ماء وأنا على وضوء. فذكر ذلك لأهله. فقالوا: الآن !!

**************
فيا أيُّها الطالبُ ! تَحَلَّ بالنظَرِ والتفَكُّرِ ، والفقْهِ والتفَقُّهِ ؛ لعلك أن تَتجاوَزَ من مَرحلةِ الفقيهِ إلى ( فقيهِ النفْسِ) كما يقولُ الفُقهاءُ ، وهو الذي يُعَلِّقُ الأحكامَ بِمَدارِكِها الشرعيَّةِ ، أو ( فقيهِ البَدَنِ ) كما في اصطلاحِ الْمُحَدِّثِينَ .


هناك فقه ثالث ظهر، وهو فقه الواقع الذي علق عليه بعض الناس العلم.
وقالوا: من لم يكن فقيها للواقع فليس بعالم، ونسوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». ثم غفلوا عن كون الإنسان يشتغل بفقه الواقع أن ذلك يشغله عن فقه الدين، بل ربما يشغله عن الاشتغال بالتعبد الصحيح، عبادة الله وحده وانصراف القلب إلى الله والتفكر في آياته الكونية والشرعية. والحقيقة أن انشغال الشباب بفقه الواقع صد لهم عن الفقه في دين الله، لأن القلب إذا امتلأ بشيء امتنع عن الآخر.
فانشغال الإنسان بالفقه في الدين وتحقيق العبادة والدين والإخلاص خيرا له من البحث عن الواقع، وماذا فعل فلان؟ وماذا فعل فلان، وربما يتلقون فقه الواقع من روايات ضعيفة أو موضوعة في وسائل الإعلام المسموعة أو المقرؤة أو المرئية أو يبنون ما يظنون فقه واقع على تقديرات وتخمينات يقدرها الإنسان، ثم يقول هذا فعل لهذا، ويعلل بتعليلات قد تكون بعيدة من الواقع.
أو ينظر إلى أشياء خطط لها أعداؤنا من قبل على واقع معين، تغير الواقع وزال بالكلية فبقيت هذه الخطط لا شيء.
والمهم أن فقه النفس، الذي هو صلاح القلب والعقيدة السليمة ومحبة الخير للمسلمين وما أشبه ذلك هذا ينبني عليه فقد البدن: معرفة هذا القول حلال أم حرام. هذا الفعل حلال أم حرام.


فأَجْلِ النظَرَ عندَ الوارداتِ بتَخريجِ الفُروعِ على الأصولِ ، وتَمامِ العنايةِ بالقواعدِ والضوابطِ . وأَجْمِعْ للنَّظَرِ في فَرْعٍ ما بينَ تَتَبُّعِه وإفراغِه في قالَبِ الشريعةِ العامِّ من قواعدِها وأصولِها الْمُطَّرِدَةِ ؛ كقواعدِ المصالِحِ ، ودفْعِ الضرَرِ والمشَقَّةِ وجَلْبِ التيسيرِ ، وسَدِّ بابِ الْحِيَلِ وسَدِّ الذرائعِ .


وهكذا هُدِيتَ لرُشْدِكَ أَبَدًا ؛ فإنَّ هذا يُسْعِفُكَ في مَواطِنِ الْمَضايِقِ وعليك بالتَّفَقُّهِ – كما أَسْلَفْتُ – في نصوصِ الشرْعِ ، والتبَصُّرِ فيما يَحُفُّ أحوالَ التشريعِ، والتأمُّلِ في مَقاصِدِ الشريعةِ ، فإنْ خَلَا فَهْمُك من هذا ، أو نَبَا سَمْعُكَ ؛ فإنَّ وَقْتَكَ ضائعٌ ، وإنَّ اسمَ الْجَهْلِ عليك لواقِعٌ وهذه الْخَلَّةُ بالذاتِ هي التي تُعطيكَ التمييزَ الدقيقَ ، والْمِعيارَ الصحيحَ ، لِمَدَى التحصيلِ والقُدرةِ على التخريجِ .
فالفقيهُ هو مَن تَعْرِضُ له النازلةُ لا نَصَّ فيها فيَقْتَبِسُ لها حُكْمًا ، والبَلاغِيُّ ليس من يَذْكُرُ لك أقسامَها وتَفريعاتِها ، لكنه مَن تَسْرِي بَصيرتُه البلاغيَّةُ في كتابِ اللهِ ، مَثَلًا ، فيُخْرِجُ من مَكنونِ عُلومِه وُجُوهَها وإن كَتَبَ أو خَطَبَ نَظَمَ لك عِقْدَها . وهكذا في العلومِ كافَّةً .


لا بد لطالب العلم من أصول يرجع إليها، والأصول الثلاثة: الأدلة من القرآن والسنة والقواعد والضوابط المأخوذة من الكتاب والسنة.
والمهم أن يكون لدى الإنسان علم بالقواعد والضوابط حتى ينزل عليها الجزئيات.

والفرق بين القاعدة والضابط:
أن الضابط يكون لمسائل محصورة معينة.
والقاعدة أصل يتفرع عليه أشياء كثيرة.
فالضابط أقل رتبة من القاعدة، كما يدل ذلك اللفظ، الضابط يضبط الأشياء ويجمعها في قالب واحد. والقاعدة أصل تفرع عنه الجزيئات.
قوله:«فأجل النظر عند الواردات بتخريج الفروع على الأصوال، وتمام العناية بالقواعد والضوابط» هذا من أهم ما يكون، أن الإنسان يجعل نظره أي فكره يتجول بتخريج الفروع على الأصول حتى يتمرن، لأن بعض الناس قد يحفظ القاعدة كما يحفظ الفاتحة ولكن لا يعرف أن يخرج عليها. وهذا لا شك نقص في التفكير. فلا بد من أن يجتهد ويجيل نظره بتخريج القواعد على الأصول.
قوله: «وأجمع للنظر في فرع ما بين تتبعه وإفراغه في قالب الشريعة العام...» وهذا أيضا مهم عند أهل الحديث. يأتي مثلا نص ظاهرة. الحكم بكذا لكن إذا تأملت في هذا النص وجدنه مخالفا للقواعد العامة من الشريعة، فما موقفك؟
نقول: لا بد أن نرجع إلى القواعد، ويحكم على هذا بما تقتضيه الحاجة. وكذلك قال العلماء فيما لو خالف الإنسان الثقة الثبت من هو أرجح منه، فإن حديثه هذا- وإن كان من حيث النظر إلى مجرد الطريق نحكم بصحته- نقول: إن هذا غير صحيح. لماذا؟ لأنه شاذ. والذي أوجب لكثير من المبتدئين في طلب العلم أن يسلكوا مسلكا شاذا هو هذا. أعني عدم النظر إلى القواعد والأصول الثابتة. وهذا أمر مهم، وذلك لأن الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح الدينية والدنيوية ولدرء المفاسد أو تقليلها، سواء كانت المفاسد دينية أو دنيوية، ولهذا تجد أن الله عز وجل يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة شرعا وقدرا.
تنزل الأمطار على الأرض، وهذا رجل تم بنيانه قريبا. هل يضره المطر أو لا؟ نعم يضره، لكن لا عبرة. لأن العبرة بالعموم.
وكذلك تنزل وهذا الرجل قد انتهي من السقي، والمعروف أن الزرع إذا أصابه الماء، مطرا كان أو سقي بعد الانتهاء من سقيه أنه يضره لكن العبرة بالعموم.
فهذه مسائل ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، ولهذا قال الشيخ بكر رحمه الله ووفقه الله«وأصولها المطردة كقواعد المصالح».
وهنا نقف لنبين أن بعض الأصوليين أتى بدليل خامس: هو المصالح المرسلة.
فقال: الأدلة هي القرآن والسنة والقياس الصحيح والمصالح المرسلة.
وهذا غلط لأن هذه المصالح الذين يدعون أنها – مصالح مرسلة – إن كان الشرع قد شهد لها أنها مصالح مرسلة فهي من الشرع داخلة في عموم الشرع: كتاب أو سنة قياس كان أو إجماع، وإن لم تكن فيها مصالح شرعية فهي باطلة فاسدة الاعتبار، وحينئذ لا تؤصل أصلا، دليلا ندين الله بالتعبد به بدون دليل من القرآن والسنة. لأن كونك تؤصل أصلا يعني أنك تبني دينك على هذا.
وعلى هذا فتمسح أو فتنسخ ذكر المصالح المرسلة من الأدلة. لماذا؟ لأننا نقول: إن شهد الشرع بهذه المصلحة فهي ثابتة بالكتاب والسنة بعمومتها وقواعدها، وإن شهد ببطلانها فهي باطلة.
الآن من أهل البدع من ركب بدعته على هذا الدليل. قال: هذا من المصالح المرسلة. فالإنسان يحيي قلبه ويحركه بماذا؟ ببدعة صوفية وما أشبه ذلك وقال: نحن نطمئن الآن إذا أتينا بهذه الأذكار وعلى هذه الصفة ويضرب الأرض حتى تتغبر قدماه. قال: هذه مصلحة عظيمة تحرك القلوب.
ماذا نقول: لو قلنا باعتبار المصالح المرسلة كل واحد يدعي أن هذه المصلحة وأصل النزاع الذي أمر الله فيه بالرد إلى الكتاب والسنة أصله أن كل واحد يرى أن كل ما عليه مصلحة، وربما يماري ليكون قوله المقبول.
المهم أن قول الشيخ بكر «كقواعد المصالح» مراده بذلك المصالح الشرعية، فإن كان هذا مراده فهو حق، وإن كان يريد المصالح المرسلة فهو بعيد، لأنه قال بعد ذلك «ودفع الضرر والمشقة»، إنا كان يشير إلى المصالح المرسلة فقد علمت فساد ما يجعلها دليلا مستقلا.
وقوله :«ودفع الضرر» أين نجد من القرآن والسنة دفع الضرر؟ كثير، قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) (سورة النساء: 29). وهذه الآية تعم قتل النفس مباشرة بأن ينتحر الإنسان أو فعل ما يكون سببا للهلاك، ولهذا استدل عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على التيمم خوفا من البرد، مع أن البرد قد لا يميت الإنسان، ولكن قد يكون سببا لموته، استدل بها، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وضحك.
هذا من القرآن. وأيضا من القرآن قوله تعالى : (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) (سورة المائدة: 6). الشاهد قوله : (مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) لماذا يتيمم وهو مريض، يقدر أن يستعمل الماء؟ لكن لئلا يزاد مرضه أو يتأخر برأه.
ومن دفع المشقة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زحاما وهو في السفر، ورجلا قد ظلل عليه. فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم. قال:«ليس من البر الصيام في السفر» . مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم وهو مسافر، وهل يفعل غير البر ؟! لا لكن إذا وصلت الحال من المشقة فإنه ليس من البر، وإذا انتفى أن يكون من البر، فهو إما من الإثم وإما أن يكون من لا لك ولا عليك.
شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس عطاش وقد شق عليهم الصيام، لكنهم ينظرون متى، فدعا بماء بعد صلاة العصر ووضعه على فخده الشريفة، وجعل الناس ينظرون إليه، فأخذه وشرب، والناس ينظرون. ثم قيل له إن بعض الناس قد صام. فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة».
هل ورد نهي أن يبقوا على صيامهم؟ لا، ولكن العموم ( ولا تقتلوا أنفسكم) (سورة النساء: 29). ، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (سورة الحج: 78). إذا الشرع يراعي قواعد المصالح ودفع الضرر، دفع المشقة.
قوله :«وجلب التيسير» كل الإسلام تيسير، لكن هل اليسر هوما تيسر على كل شخص بعينه أو باعتبار العموم؟ باعتبار العموم. ومع ذلك إذا حصل للإنسان ما يقتضي التيسير وجد الباب مفتوحا: «صل قائما..». إذا هذا تيسير، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحدا إلا غلبه».
كل الدين يسر، وكان إذا بعث البعوث يقول: «يسروا لا وتعسروا، بشروا ولا تنفروا فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».
فالحمد لله. هذا الدين للإنسان دين يسر، وبناء على ذلك هل يتعمد الإنسان فعل العبادة على وجه يشق عليه أو أن يفعلها على الوجه الأيسر. أيهما أقرب إلى مقاصد الشريعة؟
الثاني، ولهذا لو أن رجلا في البرد حانت صلاة الفجر وعنده ماء، أحدهما ساخن والآخر بارد.
فقال أنا أريد أن أتوضأ بالماء البارد حتى أنال أجر إسباغ الوضوء على المكاره.
وقال الثاني أنا أريد أن أتوضأ بالماء الساخن حتى أوافق مراد الله الشرعي، حيث قال: (يريد الله بكم اليسر) (سورة البقرة: 185). أيهما أصوب؟ الثاني بالإجماع بلا شك هو الموافق للشريعة، لأن إسباغ الوضوء على المكاره ليس المراد منه أن يقتصد الإنسان ما يكره. المراد إذا لم يكن الوضوء إلا بمكروه.. يتوضأ هذا معناه.
وإلا لكان يقول أحجج البيت على قدميك... سر من أفغانستان إلى مكة على قدميك، فإن لم تفعل فعلى سيارة خربة، تمشي قليلا وتقف كثيرا لماذا؟ لأنها أشق.
فإن لم تستطع فعلى طيارة. ليس هذا بصحيح!! أيهما أفضل الطيارة لأنها أسهل وأيسر.
وأول ما خرجت الطيارات كنا نحدث ونحن صغار أن الحج على الطيارة ثمن الحج. وعلى السيارة نصف الحج.
والشاهد على كل حال: جلب التيسير هو الموافق لروح الدين. من هنا نرى أنه إذا اختلف عالمان في رأي، ولم يتبين لنا الأرجح من قولهما لا من حيث الدليل، ولا من حيث الاستدلال، ولا من حيث المستدل.
وأحدهما أشد من الثاني، فمن نتبع الأيسر أم الأشد؟ الأيسر. وقيل الأشد لأنه أحوط؟ لكن في هذا القول لأننا نقول ما هو الأحوط؟ هل هو الأشد على بني آدم أم هو الموافق للشرع؟ الثاني.... ما كان أوفق للشرع.
ثم قال :«وسد الحيل وسد الذرائع». إن هذه الأمة اتبعت سنن من كان قبلها في مسألة الحيل، وأشد الناس حيلا ومكرا هم اليهود، وهذه الأمة فيها من تشبه باليهود وتحايلوا على محارم الله.
والحيلة: أصلها حولة من حال يحول. هذا في اللغة.
أما في الشرع والاصطلاح: هي التوصل إلى إسقاط واجب أو انتهاك محرم بما ظاهره الإباحة .
مثال ذلك: رجل سافر في نهار رمضان، قصده أن يفطر في رمضان وليس له قصد في السفر إلا أن يفطر. ظاهر فعله أنه حلال، لكن أراد بذلك إلى إسقاط واجب وهو الصوم.
مثال آخر: رجل تزوج بمطلقة صاحبه ثلاثا، ورآه محزونا عليها فذهب وتزوجها من أجل أن يحللها للزوج الأول- الذي هو صاحبه- ليس له غرض في المرأة، وإنما يريد أن يجامعها ليلة ثم يدعها.
نقول: هذا تحيل على محرم، لأن هذه المرأة لا تحل لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثا وأراد أن يحللها له.
ولهذا جاء في الحديث بما هو أهل له حيث سمي «التيس المستعار». ومن باب الحيل أيضا ما يفعله كثير من الناس اليوم في مسائل الربا رجل باع سلعة ب، 10 آلاف إلى سنة، ثم اشتراها نقدا بـ 8 آلاف. هذه حيلة على أن يعطي 8 آلاف ويأخذ 10 آلاف لأن هذا العقد صوري. ولهذا قال فيه عبد الله بن مسعود أنه دراهم بدراهم دخلت بينهم حريرة، يعني قطة قماش.
«سد الذرائع» الذرائع جمع ذريعة، وهي الوسيلة. والفرق بينها وبين الحيلة: أن فاعل الحيلة قد قصد التحيل. وفاعل الذريعة لم يقصد، ولكن فعله يكون ذريعة إلى الشر والفساد.
مثال ذلك: بعض النساء اليوم صارت تلبس النقاب، تغطي وجهها بالنقاب، لكن هل إن المرأة بقيت على هذا. بمعنى أنها لم تخرق فيه لتستر وجهها إلا مقدار العين؟... لا. إذا يمنع النقاب لأنه ذريعة يتوصل به إلى شيء محرم؟
وهكذا هديت لرشدك أبدا، فإن هذا يسعفك في مواطن المضايق. وعليك بالتفقه كما أسلفت في نصوص الشرع، والتبصر فيما يحف أحوال التشريع، والتأمل في مقاصد الشريعة، فإن خلا فهمك من هذا، أو نبا سمعك، فإن وقتك ضائع، وإن اسم الجهل عليك لواقع. وهذه الخلة بالذات هي التي تعطيك التمييز الدقيق، والمعيار الصحيح، لمدى التحصيل والقدرة على التخريج:
فالفقيه هو من تعرض له النازلة لا نص فيها فيقتبس لها حكما.
والبلاغي ليس من يذكر لك أقسامها وتفريعاتها، لكنه من تسري بصيرته البلاغية في كتاب الله، مثلا، فيخرج من مكنون علومه وجوهها، وإن كتب أو خطب، نظم لك عقدها. وهكذا في العلوم كافة.
هذا صحيح .. الفقيه حقيقة هو الذي يستنبط الأحكام من النصوص وينزل الأحكام عليها، وليس من يقرأ النصوص.
من يقرأ النصوص فهو كنسخة من الكتاب، لكن من يشقق النصوص وينزل الوقائع عليها، كالبلاغي... وهل البلاغي هو من يبين لك البلاغة وأقسامها، والفصاحة وأقسامها؟ أم من يكون كلامه بليغا؟... الثاني، من يكون كلامه بليغا فهو البلاغي، حتى ولو لم يكن يعرف من البلاغة شيئا.

ولهذا ينبغي للإنسان أن يطبق المعلومات على الواقع. بمعنى: أنه إذا نزلت نازلة يعرف كيف يتصرف في النصوص حتى يعرف الحكم، وإذا عرف شيئا يمرن نفسه على أن يطبق هذا في حياته القولية والفعلية.



آفاق التيسير
الشيخ:
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد :
نواصل ما بدأنا به من كتاب (حلية طالب العلم) للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله تعالى.
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
30- التَّفَقُّهُ بتخريجِ الفروعِ على الأُصولِ :
من وراءِ الفِقْهِ : التَّفَقُّهُ ، ومُعْتَمِلُه هوالذي يُعَلِّقُ الأحكامَ بِمَدارِكِها الشرعيَّةِ .
وفي حديثِ ابنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ : أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا ، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ )) .
قال َابنُ خَيْرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى في فِقْهِ هذا الحديثِ : ( وفيه بيانُ أنَّ الفِقْهَ هو الاستنباطُ والاستدراكُ في معاني الكلامِ من طريقِ التَّفَهُّمِ ، وفي ضِمْنِه بيانُ وُجوبِ التفَقُّهِ ، والبحْثُ على معاني الحديثِ واستخراجُ الْمَكنونِ من سِرِّهِ ) اهـ .
وللشيخين شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ وتِلميذِه ابنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَهما اللهُ تعالى ، في ذلك القِدْحُ الْمُعَلَّى ، ومَن نَظَرَ في كُتُبِ هذين الإمامينِ ؛ سَلَكَ به النَّظَرُ فيها إلى التَّفَقُّهِ طَرِيقًا مُستَقِيمًا .
ومن مَلِيحِ كلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه في مَجْلِسٍ للتَّفَقُّهِ : ( أَمَّا بعدُ ؛ فقد كُنَّا في مَجلِسِ التَّفَقُّهِ في الدِّينِ ، والنظَرِ في مَدارِكِ الأحكامِ المشروعةِ ؛ تَصويرًا ،وتَقريرًا ، وتَأصيلًا ، وتَفصيلًا ، فوقَعَ الكلامُ في ... فأقولُ : لا حَوْلَ ولاقُوَّةَ إلا باللهِ ، هذا مَبْنِيٌّ على أَصْلٍ وفَصلَيْنِ ...)
واعْلَمْ أَرْشَدَك اللهُ أنَّ بينَ يَدَي التَّفَقُّهِ : ( التَّفَكُّرَ ) فإنَّ اللهَ - سبحانَه وتعالى – دعا عِبادَه في غيرِ ما آيةٍ من كتابِه إلى التحَرُّكِ بإجالةِ النظَرِ العميقِ في ( التَّفَكُّرِ ) في مَلكوتِ السماواتِ والأرضِ وإلى إن يُمْعِنَ المرءُ النظَرَ في نفسِه ، وما حولَه ؛ فَتْحًا للقُوَى العَقليَّةِ على مِصراعَيْهَا ، وحتى يَصِلَ إلى تَقويةِ الإيمانِ ، وتَعميقِ الأحكامِ والانتصارِ العِلْمِيِّ : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ } . وعليه فإنَّ ( التفَقُّهَ ) أبعَدُ مَدًى من ( التفَكُّرِ ) ؛ إذ هو حَصيلتُه وإنتاجُه ؛ وإلا{ فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} .
لكنَّ هذا التَّفَقُّهَ مَحجوزٌ بالبُرهانِ ، مَحجورٌ عن التَّشَهِّي والْهَوَى : { وَلِئْنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَانَصِيرٍ } .
فياأيُّها الطالبُ ! تَحَلَّ بالنظَرِ والتفَكُّرِ ، والفقْهِ والتفَقُّهِ ؛ لعلك أن تَتجاوَزَ من مَرحلةِ الفقيهِ إلى ( فقيهِ النفْسِ) كما يقولُ الفُقهاءُ ، وهو الذي يُعَلِّقُ الأحكامَ بِمَدارِكِها الشرعيَّةِ ، أو ( فقيهِ البَدَنِ ) كما في اصطلاحِ الْمُحَدِّثِينَ .
فأَجْلِ النظَرَ عندَ الوارداتِ بتَخريجِ الفُروعِ على الأصولِ ، وتَمامِ العنايةِ بالقواعدِ والضوابطِ . وأَجْمِعْ للنَّظَرِ في فَرْعٍ ما بينَ تَتَبُّعِه وإفراغِه في قالَبِ الشريعةِ العامِّ من قواعدِها وأصولِها الْمُطَّرِدَةِ ؛ كقواعدِ المصالِحِ ، ودفْعِ الضرَرِ والمشَقَّةِ وجَلْبِ التيسيرِ ، وسَدِّ بابِ الْحِيَلِ وسَدِّ الذرائعِ .
وهكذا هُدِيتَ لرُشْدِكَ أَبَدًا ؛ فإنَّ هذايُسْعِفُكَ في مَواطِنِ الْمَضايِقِ وعليك بالتَّفَقُّهِ – كما أَسْلَفْتُ – في نصوصِ الشرْعِ ، والتبَصُّرِ فيما يَحُفُّ أحوالَ التشريعِ ، والتأمُّلِ في مَقاصِدِالشريعةِ ، فإنْ خَلَا فَهْمُك من هذا ، أو نَبَا سَمْعُكَ ؛ فإنَّ وَقْتَكَ ضائعٌ ، وإنَّ اسمَ الْجَهْلِ عليك لواقِعٌ وهذه الْخَلَّةُ بالذاتِ هي التي تُعطيكَ التمييزَ الدقيقَ ، والْمِعيارَ الصحيحَ ، لِمَدَى التحصيلِ والقُدرةِ على التخريجِ .
فالفقيهُ هو مَن تَعْرِضُ له النازلةُ لا نَصَّ فيهافيَقْتَبِسُ لها حُكْمًا ، والبَلاغِيُّ ليس من يَذْكُرُ لك أقسامَها وتَفريعاتِها ، لكنه مَن تَسْرِي بَصيرتُه البلاغيَّةُ في كتابِ اللهِ مَثَلًا ، فيُخْرِجُ من مَكنونِ عُلومِه وُجُوهَها وإن كَتَبَ أو خَطَبَ نَظَمَ لك عِقْدَها . وهكذافي العلومِ كافَّةً .
الشيخ:
الأدب الثلاثون من آداب طالب العلم : التفقه بتخريج الفروع على الأصول ، فالمراد بالفقه : الفهم الدقيق الذي يمكّنك من استخراج الأحكام من الأدلة ، هذا هو الفقه ، وهو من أجَلِّ العبادات ، وحاجة الأمة إليه من أعظم الحاجات ، وقد رغّب الله عز وجل في ذلك في قوله سبحانه : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
وأمر الله عز وجل بالرجوع إلى هذا الصنف ، وهم الفقهاء الذين يستنبطون الأحكام من الأدلة لقوله سبحانه : {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } يعني يستخرجون الحكم من الأدلة ، وهذا هو الفقه.
قال المؤلف : (وجاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين") ولفظة الفقه تطلق على اصطلاحات متعددة :
أولها : الاصطلاح الشرعي ، حيث يراد بالفقه ؛ معرفة الأحكام من الأدلة ، سواء كانت أحكاما عقديّة ، أو أحكاما عمليّة ، بحيث يشمل العقيدة ، ويشمل علم الفروع ، ويشمل التفسير ، ويشمل فهم الحديث ، كله يُسمّى فقها في الاصطلاح الشرعي.
الثاني من مسمّى الفقه : القدرة على استخراج الأحكام من الأدلة ، التي يسمّونها الملكة.
الثالث : إطلاق اسم الفقه على الأحكام العملية ، وهذا هو الغالب في عمل المؤلفين ، إذا قالوا : كتب الفقه ، فالمراد بها الأحكام العملية ، وهناك طائفة خصّوه بالأحكام الاجتهاديّة ، غير ما يُعلم من الدين بالضرورة ، كما فعل الرازي وغيره.
لكن الاصطلاح المشهور هو الثالث ، أما الاصطلاح والاستعمال الشرعي فهو الأول ، وهو الذي كان عليه علماء الشريعة في الزمان الأول ، ولذلك كان الإمام أبوحنيفة يقول : الفقه هو معرفة النفس مالها وما عليها.
قال المؤلف : (بتخريج الفروع على الأصول) المراد بالفروع المسائل التي تُبنى على غيرها ، وتُعرف أحكامها من خلال غيرها ، والفرع في اللغة هو الجزء المستخرج ، وبعضهم يقول : هو ما يُبنى على غيره.
قال : والأصول جمع أصل ، والأصول قد يُراد بها أحد ثلاثة اصطلاحات :
الأول : الأدلة الشرعية : فالقرآن والسنة هي أصول الأحكام ، وهي الأصل في تخريج الفروع على الأصول ، وحينئذ نحتاج مع هذه الأصول إلى علم أصول الفقه ، الذي هو تخريج أو تفقه.
المعنى الثاني أن يُراد بالأصول : القواعد الفقهيّة فإنها قواعد يُحكم بها على فروع كثيرة ، وتشتمل على دليل المسألة ، وعلى مأخذها.
والثالث : أن يُراد بالأصول ؛ الضوابط الفقهية لكل باب ، وهذه الضوابط اعتنى العلماء في كتابتها في مؤلفاتهم الفقهية وخصوصا المختصرات ، كزاد المستقنع ونحوه.
وحينئذ الناس الذين يستخرجون الأحكام على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : من يقيس في المسائل الجديدة على المسائل التي تكلّم فيها الأئمّة ، و هؤلاء يُسمّوْن أهل التخريج.
الثاني : من إذا وردت إليه مسألة عرف حكمها من القواعد الفقهية التي عنده ، ما أحكام ركوب الطائرات ووجود الضيق فيها ، يستخرجه من قواعد المشقة والضرر ، المشقة تجلب التيسير ، أو قول بعضهم : العسر سبب لليسر.
فهذه الرتبة أعلى من الرتبة السابقة ، لأنه يعتمد على العلل وعلى مآخذ الأدلة ، أما الأول فيعتمد على أقوال الفقهاء.
الثالث : من يعتمد على الأصول الشرعية كتابا وسنة ، فكلما وردت إليه مسألة نظر في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالقواعد الأصولية ، فاستخرج الحكم منها ، من الكتاب والسنة.
وهؤلاء كالكبريت الأحمر ، ووجودهم في الأمة قليل نادر ، ولو يوجد في الزمان عشرة من هؤلاء لكفوا الأمة.
أسأل الله جل وعلا أن يكثر من هذا الصنف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، وأن يجعلكم من هذا الصنف.
إذا تقرر هذا ؛ فإنّ الكتاب والسنة فيهما نص على جميع المسائل إما بذكر المسألة باسمها أو بالإتيان بحكم عام يشمل مسائل متعددة كثيرة ، ولذلك ما من مسألة إلا وفي كتاب الله حكمها ، قال تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ، لكن قد يخفى النص في بعض المواطن على بعض الفقهاء ، فيحتاج إلى إعمال القياس.
قال المؤلف : (من وراء الفقه التفقه) بعد ذلك اعتنى أهل العلم بالتأليف في فن يسمّونه تخريج الفروع على الأصول ، بحيث يُرجعون المسائل الفقهية الفرعية إلى القواعد الأصولية.
ولعلّ هذا ليس مراد المؤلف ، فالأصول عنده إمّا القواعد وإمّا النصوص ، إما القواعد الفقهيّة أو النصوص.
وألّف جماعات في تخريج الفروع على الأصول ، ممن ألّف الزنجاني المتوفى سنة 656هـ كتابه (تخريج الفروع على الأصول) ، وابن التلمساني في (مفتاح الأصول إلى علم الأصول) ، وممن ألّف أيضا ابن اللحام في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) ، وممن ألف في هذا التمرتاشي ، وألف جماعة في هذا الباب.
ولكن يلاحظ عليهم أمور :
أولها : أنّ المسألة الفقهية تُبنى على أدلة كثيرة ، فعند حصر المسألة الفقهية في دليل واحد ، يكون ذلك جوْرا على بعض الأدلة لصالح بعض ، عندنا مسألة فقهية انبنت على دليل من شرع من قبلنا ، ودليل من الكتاب ، ودليل من السنة ، فعندما تحصر المسألة الفقهية في شرع من قبلنا يكون كلامك خاطئا.
الأمر الثاني : أنّ كثيرا من أهل العلم يُخرّج المسائل أو يُخرّج ألفاظ الناس على الكلام الفقهي ، فعندك مثلا : إذا قال الزوج للزوجة : طالق ، فهم خرّجوها على مسألة المفرد المضاف إلى معرفة ، هل يعم أو لا؟
حينئذ نقول : نحن لا نعتني بتخريج كلام الناس على الأصول ، وإنما نعتني بتخريج المسائل الفقهية الشرعية على الأصول.
الأمر الثالث : أنّ كثيرا منهم يُخرّج المسألة على أصل التقعيد ، وإن كانت متفرّعة على بعض شروط المسألة الأصولية ، مثال هذا : عندنا مسألة : الأمر هل يفيد الوجوب أو لا؟ يأتي الفقيه ويخرّج عليها مسألة الإشهاد بالبيع ، لقوله : {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} في الحقيقة هذه لا تخرج على قاعدة : الأمر للوجوب ، وإنما تخرّج على قاعدة : هل وجدت قرينة تصرف هذا الأمر عن أصله الذي هو الوجوب أو لا.
على كلٍ الأصل أن تخرّج المسائل الفقهيّة على النصوص ، فإن عجز الإنسان خرّجها على العلل والقواعد الفقهيّة.
قال المؤلف : (من وراء الفقه التفقه) فمنشأ حصول الفقه عندك هو التفقه ، والتفقه والفقه هو الذي يجعلك تعلّق الأحكام الشرعية بأدلّتها وبعللها ، وهذا هو الفقه الذي هو تعليق الحكم بدليله ، هذا هو الفقه ، وهو الداخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"
فالفقه هو الاستنباط : يعني استخراج الحكم من الدليل ، وهو الاستدراك في معاني الكلام من طريق فهم ، يعني استخراج الفوائد من الكلام ، وفي ضمن هذا الحديث أنّ التفقه واجب للحاجة إليه ، والبحث على معاني الحديث ، هذا مما يدخل في الحديث في التفقه.
فمن معاني التفقه : استنباط الفوائد واستنباط الأحكام من الأدلة.
(للشيخين في ذلك القِدح المعلى) ما هو القِدح؟ السهم ، فالسهم الذي يسبق ، أو يفوز ، أو يُدرك محل السبق.
وبعضهم يقول : هو الرِيَش التي تكون في السهم أو في مقدمته.
(ومن نظر في كتب هذين الإمامين) شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم ، فإنه يستنبط منهما فوائد ، يقول: كيف فتح الله عليهم هذه الفوائد.
(قال ابن تيمية : كنا في مجلس التفقه في الدين ، والنظر في مدارك الأحكام) المدارك التي هي العلل والمعاني التي يُربط الحكم بها.
(تصويرا) يعني معرفة صورة المسألة ، وهذا أول ما تبدأ به ، ثم بعد ذلك :
(تقريرا) تقرر هذه المسألة.
ثم (تأصيلا) معرفة الأصل الذي ترجع إليه.
(تفصيلا) معرفة كيف انبنت هذه المسألة على أصلها.
(وبين يدي التفقه التفكر) وهو التأمل قبل أن تحصل لك رتبة الفقه ، لابد أن يسبقها التفكر ، والله جل وعلا قد أمر عباده بالتفكر ، سواء التفكر في الآيات الشرعية كتابا وسنة ، أو التفكر في الآيات الكونية.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} آياته الشرعية هنا ، لأنّ البيان في الكتاب والسنة.
وحينئذ التفكر طريق للتفقه ، لكن التفقه أعمق ، فالتفكر وسيلة ، والتفقه نتيجة.
وقد عاب الله على المنافقين بأنهم لا يكادون يفقهون حديثا ، ومن هنا فالتفقه مبني على الأدلة والبراهين ، لكنه إذا حصل هناك هوى وتشهّي فإنّ الإنسان لن يفقه ، التشهّي والهوى يصد العقل عن التفقه.
(فيا أيها الطالب تحلّى بالنظر والتفكر والفقه والتفقه) وحينئذ تصل إلى مرحلة فقيه النفس ، والناظر في الأحكام الشرعية يجد أنّ الفقهاء على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : الفقيه الذي ينظر في جزئيات المسائل ، ويتقنها ، فمثل هذا يُسمونه بالفقيه ، ولكنه لا يجوز له استنباط الأحكام من الأدلة.
والنوع الثاني : من يتجاوز الجزئيات إلى الكلّيات ، فيُحصّل كُلّيات الشريعة ، فهذا يتمكّن من التخريج والتفقه ، و لكن قد يُخطئ كثيرا ، لأنه يغفل عن جزئيات تُرتب عليها كُلّيات.
الثالث : من أدرك الجزئيات والكليات ، هذا هو الفقيه ، هذا هو فقيه النفس.
قال المؤلف في تفسير التفكر : (هو التحرك بإجالة النظر –يعني تقليب النظر وجعله يجول- العميق في التفكر)
(فأجل النظر عند الواردات) يعني المسائل الجديدة ، بتخريج هذه الواردات على أصولها ، ومما يعينك على ذلك ، ضبطك للقواعد الفقهية والضوابط.
ذكر المؤلف شيئا من الكليات : (المصالح ، ودفع الضرر والمشقة ، جلب التيسير ، سد باب الحيل ، سد الذرائع) هذه كلها إيش؟ من القواعد الكلية ، سبق أن ذكرنا أنّ الشرع ينقسم إلى جزئيات و كليات ، من حصّل الجزئيات ولم يحصّل الكليات ، لا يجوز له أن يجتهد ، ليس مؤهلا.
الثاني : من تجاوز الجزئيات إلى معرفة الكليات، لكنه لم يحط بالجزئيات ، فهذا يجوز له الاجتهاد ، لكن كثيرا ما يخطئ ، يعني يخفى عليه بعض الجزئيات التي تخالف تفصيله ، مثال هذا :
ما هي المعاني في باب صلاة الجمعة ، اليوم صلينا الجمعة ، ما مقصود الشارع من هذا؟
قال : مقصد الشارع من هذا هو اجتماع الناس ، فقد يأتيك فقيه فيقول : قد نؤخر صلاة الجمعة عن أول الوقت ، فالمستحب أن نؤخر صلاة الجمعة عن أول الوقت إذا كان هناك عمل ، كان هناك شغل ، حينئذ نقول : هذا اجتهاد جيد ، لكن مرّة قد يقول : الناس لا يتمكنون من الاجتماع يوم الجمعة لانشغالهم بالوظائف في دول الغرب ، ويوم الإجازة هو يوم الأحد فمراعاةً لمقصد الشريعة الكلّي في اجتماع الناس نجعل صلاة الجمعة يوم الأحد ، ماشي! ليش؟ راعينا الكليات ، إذن هنا وقعنا في خطأ ، لماذا؟ لأننا راعينا الكليّ ولم نلحظ الجزئي.
هكذا أيضا فيما يتعلّق بدفع الضرر أو بجلب التيسير ، أو بالحيل أو الذرائع ، لابد من ملاحظة الأمرين معا ، الكلي والجزئي.
إن لاحظنا الجزئي وقعنا في غلط ، وصادمنا كلّيات الشريعة ، وإن لاحظنا الكليَ وحده فيمشي على ضعف لأننا قد لا ننتبه إلى جزئي يلحظ فيه كليٌ آخر ، لأننا لو جعلنا صلاة الجمعة يوم الأحد ، لأدّى ذلك إلى تغيير مراسم الشرع ، وانطماس الشريعة بالكلية ، وكل ما جاءنا مسألة رحنا نغير في الشرع من أجل هذه المسألة.
فحينئذ صحيح التفتنا إلى كلي لكن غفلنا عن كلي أهم منه وأولى منه ، وما ذاك إلا لأننا غفلنا عن الجزئيات.
دعا المؤلف إلى التفقه في نصوص الشرع وهذا أعلى من التفقه في القواعد ، وأعلى من التفقه في المقاصد والكليات الشرعية.
قال : (فإن خلا فهمك من هذا أو نبا سمعك –يعني انتقل وتركه- فإن وقتك ضائع)
(هذه الخلة) وهي تخريج الفروع على الأصول والتفقه هي التي تعطيك التمييز الدقيق ، يعني الفصل بين المسائل المختلفة لاختلاف عللها ومداركها.
وهو الذي يعطيك المعيار الصحيح الذي تحكم به على المسائل وعلى المتكلّمين في الحكم.
قال المؤلف : (فالفقيه هو الذي تعرض له النازلة لا نصّ فيها فيقتبس لها حكما من النصوص) هذا هو الفقيه ، لكن لابد أن يعرف الأصول أي النصوص الشرعية ، ويعرف قواعد الاستنباط ، ويتمكّن من تطبيقها.
قول المؤلف هنا : (لا نص لها) أو (لا نص فيها) مراده : لم يعرف الناس النص بتلك المسألة وإلا ما من مسألة إلا وفيها نص ، لكن في بعض المواطن تخفى النصوص على بعض الفقهاء ، فيحتاجون إلى إعمال التخريج وإعمال القياس.
من حفظ القواعد الأصولية لكنه لا يتمكن من تطبيقها فليس بأصولي ، هكذا الفقيه ، من حفظ الفروع الفقهية لكنه لا يتمكن من استخراجها ، هذا ليس بفقيه وإنما هو فروعي ، إنما هذا فروعي.
حفظ المغني ، حفظ المنذر ، حفظ زاد المستقنع ، والروض ، لكنه لا يعرف استخراج أحكام المسائل الجديدة من الأدلة ، هذا ليس بفقيه ، هذا فروعي ، هكذا أيضا في البلاغي ، أو النحوي ، إنسان حفظ قواعد النحو ، لكن ما يعرف يطبّقها ، ولا يعرف يستخرج الخطأ ، ولا يعرف يفهم من خلال قواعد النحو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الناس ، فحينئذ هذا ليس بنحوي ، مثله الفقيه الذي لا يعرف كيفية الاستنباط هذا ليس بفقيه ، نعم.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 11-06-2018, 04:15 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Arrow

31- اللجوءُ إلى اللهِ تعالى في الطَّلَبِ والتحصيلِ :
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
*لا تَفْزَعْ إذا لم يُفْتَحْ لك في علْمٍ من العلومِ ؛ فقد تَعاصَتْ بعضُ العُلومِ على بعضِ الأعلامِ المشاهيرِ ، ومنهم مَن صَرَّحَ بذلك كما يُعْلَمُ من تَرَاجِمِهم، ومنهم : الأَصْمَعِيُّ في عِلْمِ العَروضِ1 والرُّهاويُّ المحدِّثُ في الْخَطِّ ، وابنُ صالحٍ في الْمَنْطِقِ ، وأبو مسلِمٍ النحويُّ في عِلْمِ التصريفِ2 والسيوطيُّ في الْحِسابِ ، وأبو عُبيدةَ ، ومحمَّدُ بنُ عبدِ الباقي الأنصاريُّ ، وأبو الحسَنِ القَطيعيُّ ، وأبو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ زِيادٍ الفَرّاءُ ، وأبو حامدٍ الغزاليُّ ، خَمْسَتُهُم لم يُفْتَحْ لهم بالنحوِ .
الشيخ:
لكن هذا لا يضر... ما دمنا نطلب الفقه لا يضرنا أن نتكلم بكلام أو ألا نعرف النحو. لكن لا شك إذا تكلم بكلام مطابق للغة العربية فإن كلامَهُ يكون مقبولا محبوبا للنفس، والإنسان الذي يعرف العربية أكره ما يسمع أن يتكلم الإنسان ويلحن، يكره الكلام من هذا الرجل كراهية عظيمة.
فإن عجزت عن فن فالجأ إلى الله عز وجل، ومر علينا في خلاف الأدباء أن أحد أئمة النحو- إذا لم يكن الكسائي- فهو مثله، طلب النحو وعجز عن إدراكه في يوم من الأيام رأى نملة تريد أن تصعد بطعام لها من الجدار فكلما صعدت سقطت ثم تأخذ هذا الطعام وتمشي ثم تسقط ثم تصعد وربما كل مرة تقول: أرفع قليلا حتى اقتحمت العقبة وتجاوزته، فقال: إذا كانت هذه تحاول وتفشل عدة مرات ولكنها استمرت حتى انتهى أمرها، فرجع إلى علم النحو وتعلمه حتى صار من أئمته.
فأنت تحاول، لا تقول عجزت هذه المرة، تعجز هذه المرة، لكن المرة الثانية يقرب لك الأمر.


*فيا أيُّها الطالِبُ ! ضاعِف الرَّغبةَ ، وافْزَعْ إلى اللهِ في الدعاءِ واللجوءِ إليه والانكسارِ بينَ يَدَيْهِ .وكانَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، كثيرًا ما يَقولُ في دعائِه إذا اسْتَعْصَى عليه تفسيرُ آيةٍ من كتابِ اللهِ تعالى : ( اللَّهُمَّ يَا مُعَلِّمَ آدَمَ 3وإبراهيمَ عَلِّمْنِي ، ويا مُفَهِّمَ سليمانَ4 فَهِّمْنِي. فيَجِدُ الْفَتْحَ في ذلك ) .
الشيخ:
وهذا من باب التوسل بأفعال الله، والتوسل بأفعال الله جائز، لأن التوسل جائز وممنوع، وإن شئت فقل: مشروع وغير مشروع.
التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته وأفعاله من المشروع، وكذلك التوسل إلى الله تعالى بذكر شكوى الحال وأنه مفتقر إليه، والتوسل إلى الله بالإيمان به، والتوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، والتوسل إلى الله تعالى بدعاء من يرجي استجابة دعاءه.كل هذا مشروع.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري:
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
31- اللجوءُ إلى اللهِ تعالى في الطَّلَبِ و التحصيلِ :
لاتَفْزَعْ إذا لم يُفْتَحْ لك في علْمٍ من العلومِ ؛ فقد تَعاصَتْ بعضُ العُلومِ على بعضِ الأعلامِ المشاهيرِ ، ومنهم مَن صَرَّحَ بذلك كما يُعْلَمُ من تَرَاجِمِهم ، ومنهم : الأَصْمَعِيُّ في عِلْمِ العَروضِ والرُّهاويُّ المحدِّثُ في الْخَطِّ ، وابنُ صالحٍ في الْمَنْطِقِ ، وأبو مسلِمٍ النحويُّ في عِلْمِ التصريفِ والسيوطيُّ في الْحِسابِ ، وأبو عُبيدةَ ، ومحمَّدُ بنُ عبدِ الباقي الأنصاريُّ ، وأبو الحسَنِ القَطيعيُّ ، وأبو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ زِيادٍ الفَرّاءُ ، وأبو حامدٍ الغزاليُّ ، خَمْسَتُهُم لم يُفْتَحْ لهم بالنحوِ .
فياأيُّها الطالِبُ ! ضاعِف الرَّغبةَ ، وافْزَعْ إلى اللهِ في الدعاءِ واللجوءِ إليه والانكسارِ بينَ يَدَيْهِ .وكانَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، كثيرًا ما يَقولُ في دعائِه إذا اسْتَعْصَى عليه تفسيرُ آيةٍ من كتابِ اللهِ تعالى : (اللَّهُمَّ يَا مُعَلِّمَ آدَمَ وإبراهيمَ عَلِّمْنِي ، ويا مُفَهِّمَ سليمانَ فَهِّمْنِي. فيَجِدُ الْفَتْحَ في ذلك) .
الشيخ :
هذا الأدب متعلق بصعوبة بعض المسائل أو بعض الفنون ، هل تكون عائقا لطالب العلم عن مواصلة العلم ، نقول : لا، لماذا؟
لأنه أولا : طلب العلم لله ، فمقصوده الأساسي هو الأجر والثواب ، وهذا حاصل على كل حال ولو لم يفهم العلم.
ثانيا : كيف نعالج ، أو ثانيا نقول : العلم مسائل متعددة ، وفنون مختلفة ، فإذا استعصى عليك فن وفهمت غيره ، أو استعصت عليك مسألة وفهمت غيرها ، فحينئذ أنت قد حصّلت ولا لوم عليك في ذلك.
ماذا نفعل عند استعصاء بعض العلوم والفنون؟
أولا : نواصل العلم والتعلم في بقية العلوم وبقية المسائل ، وهذه المسألة التي استشكلت علينا نتركها ، حتى يأتي وقت فهمها ، فكونك تريد فهم مسألة ، فتعيقك عن فهم بقية المسائل ، ليس من العقل في شيء ، فاتركها حتى يأتي سبيل فهمها.
الثاني : الاتصال بالعلماء الفاهمين الناصحين ، فهم سيشرحون لك هذه المسألة ، ويبيّنونها لك.
الثالث : مراجعة كتب أهل العلم الأخرى ، فإنها تسهّل لك الفهم ، إذ قد يُعبّر الإنسان ، وقد يتكلم الإنسان بجملة غير مفهومة في موطن ، ويتكلم إنسان آخر عن هذا المعنى في كتاب آخر بأسلوب واضح سهل.
الأمر الرابع : التوكل على الله وحسن اللجوء إليه ، بأن يعلمك ويفهمك ، والله قد وعد بإجابة الداعين ، ومما يتعلّق بهذا طلب العبد من ربّه جل وعلا أن يزيده من العلم ، كما قال تعالى : {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}
قال المؤلف : (لا تفزع) يعني لا تحزن ولا يصدّنك عن طلب العلم كونك لم تفهم علما من العلوم ، مالم تفهمه تجاوزه إلى غيره.
ولهذا نجد بعض الأئمة عَسُر عليه فهم بعض العلوم ، فلم يصدّهم ذلك عن التعلم ، بل أصبحوا أئمة علماء مشهورين في فنون أخرى غير الفنون التي استعصت عليهم ، وقد ذكر المؤلف نماذج لهذا ، وحينئذ على طالب العلم أن يتقرّب إلى الله بالسؤال والتضرع بين يديه أن يفهّمه ما استشكل عليه ، وكان من الأدعية : "اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين"توقف 5 وكم من إمام عرضت لهم مثل هذه المسائل ، وعرضت عليهم إشكالات فلجؤوا إلى الله ، وإلى الصلاة ، فسهّل لهم ما استعصى عليهم.
وقد قال ابن عمر: مكثت سنين في حفظ سورة البقرة 6، لم ينقص هذا من مكانته بل هم من علماء الأمة.
وقال الإمام أحمد : جلست تسع سنوات أدرس وأبحث.
وماذاك إلا أنه استعصى عليهم العلم فقلّبوا النظر فيه وكرّروه وأعادوه حتى فهموه ، نعم.

آفاق التيسير

1- تعريف العَروض: العَروض: على وزن فَعُول، كلمة مؤنثة، تعني القواعد التي تدل على الميزان الدقيق الذي يُعرفُ به صحيح أوزان الشعر العربي من فاسدها.هنا
2-عِلْمِ التصريفِ
في الاصطلاح : فهو تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعان مقصودة ، لا تحصل تلك المعاني إلا بهذا التغيير . وذلك كتحويل المصدر " قطْع " إلى الفعل الماضي " قطع " ، والمضارع " يقطع " ، والأمر : اقْطَعْ " ، وغيرها مما يمكن أن نتوصل إليه من مشتقات تتصرف عن الكلمة الأصل كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، وغيرها ،
3-{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة31

4 -فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}الأنبياء79
5-سؤال :السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله جميعا لمن هو قريب من العلماء أرجو عرض سؤالى عليهم وسؤالى هو:
هل هذا الدعاء فيه تعدٍّ على الله - عز وجل - وهل ورد عن النبي - صل الله عليه وسلم -: (اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وقلوبنا بخشيتك وأسرارنا بطاعتك إنك نعم المولى ونعم النصير وحسبنا الله ونعم الوكيل)؟

هذه إجابة فضيلة الشيخ عثمان بن عبد الله السالمي اليمني عن هذا
تفريغ جواب الشيخ - حفظه الله - :

هَذَا فِيه تَعَدٍّ ، نَعَمْ . تقول أَنّه يُعطيك فَهْمَ النبِيِّينَ ، هذا فيه منزلةٌ عاليةٌ ، وكذلك حِفْظ المرسَلِين ، وهكذا حِفْظ الملائكة المقَرَّبِين ، في هذا تَعَدٍّ .
لكن قُلْ : اللَّهُمَّ ارزُقْنِي عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحًا ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي - مَثَلًا - مِثْلَ عِلْمِ السَّلَفِ كَعِلْمِ الزُّهْرِي ، عِلْم الصَّحَابَة - مَثَلًا - مِثْلَ عِلْمِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ عِلْمًا مِثْل عِلْمِ البُخَارِيّ .. مُمكن .
أما تَقُول : فَهْمَ الأَنْبِياء ! هَذَا فِيهِ تَطَاوُل كَثِير .
هنا
وهنا

6-
أثر ابن عمر : فقد ذكره الإمام مالك في " الموطأ " ( 479 ) أَنَّهُ بَلَغَهُ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَكَثَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا " ، والبلاغ يعني : أنه مقطوع الإسناد في أوله ، وعليه : فيكون الأثر ضعيفاً .
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح متصل أنه مكث أربع سنين في تعلُّم سورة البقرة ، وهو ما رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ( 4 / 164 ) قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا أبو المليح عن ميمون " أن ابن عمر تعلَّم سورة البقرة في أربع سنين " .
الإسلام سؤال وجواب
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 05:28 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر