العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 11:54 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Post

من آية 13 إلى آية 17
"قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ"13.
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ : أي: عبرة وعظة عظيمة.
الفئة كما يقول القرطبي - الجماعة من الناس، وسُميت الجماعة من الناس فئة لأنها يفاء إليها، أي يرجع إليها في وقت الشدة، ولا خلاف في أن الإِشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر،وضَرْبُ الأمثالِ بالأمورِ الواقعةِ أبلغُ في التَّصديقِ والطُّمأنينةِ.
فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وَأُخْرَى كَافِرَةٌ:أي: كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرًا وفخرًا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله، فجمع الله بين الطائفتين في بدر، وكان المشركون أضعاف المؤمنين، فلهذا قال : يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ : أي: يرَى المسلِمون الكافرين مثلي عدد المسلمين، وأكد هذا بقوله : رَأْيَ الْعَيْنِ أي رؤية ظاهرة لا لَبْسَ فيها؛ حيث تَلحقُهم أبصارُهم، وإنْ كانوا أكثرَ من ذلك في حقيقةِ الأمر ؛ ليتوكَّلوا على اللهِ، ويَطلُبوا منه الإعانةَ.
والمعنى: قد كان لكم أيها الناس علامة عظيمة، ودلالة واضحة على أن الكافرين سيغلبون ؛ والمؤمنين سيُنْصَرُون بما جرى في غزوة بدر، فقد رأيتم كيف أن الله - تعالى - قد نصر المؤمنين مع قلة عددهم، وهزم الكافرين مع كثرة عَددهم وعُددهم. ولقد كان المؤمنون يرون أعداءهم أكثر منهم عددًا وعُدة ومع ذلك لم يهابوهم ولم يجبنوا عن لقائهم، بل أقدموا على قتالهم بإيمان وشجاعة فرزقهم الله النصر على أعدائهم.
ووصف - سبحانه - الفئة المؤمنة بأنها تقاتل فى سبيل الله، على سبيل المدح لها، والإِعلاء من شأنها، وبيان الغاية السامية التى من أجلها قاتلت، ومن أجلها تم لها النصر فهي لم تقاتل لأجل عَرَض من أعراضِ الدنيا، وإنما قاتلت لإِعلاء كلمة الله ونصرة الحق.
ووصف الفئة الأخرى بأنها كافرة؛ لأنها لم تؤمن بالحق، ولم تتبع الطريق المستقيم، بل كفرت بكل ما يصلحها فى دينها ودنياها.
وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ :
أي: واللهُ يُقوِّي بنَصرِه مَن يشاء ممَّن تَقتضي الحِكمةُ نَصْرَه أو تأييدَه.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ: ووجه العبرة في هذا أن هناك قوة فوق جميع القوى قد تؤيد الفئة القليلة فتغلب الفئة الكثيرة بإذنه تعالى.
"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ظ±لشَّهَوَاتِ مِنَ ظ±لنِّسَاءِ وَظ±لْبَنِينَ وَظ±لْقَنَاطِيرِ ظ±لْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ظ±لذَّهَبِ وَظ±لْفِضَّةِ وَظ±لْخَيْلِ ظ±لْمُسَوَّمَةِ وَظ±لأَنْعَامِ وَظ±لْحَرْثِ ذلِكَ مَتَاعُ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا وَظ±للَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ظ±لْمَآبِ"14.
بعدَ أنْ بيَّن تبارَك وتعالَى عقوبةَ الكافرين، وأنَّهم لن تُغنيَهم أموالُهم ولا أولادُهم مِن عذابِ اللهِ وغضَبِه، حذَّر أهلَ الإيمان من أنْ تُلهيَهم زينةُ الدُّنيا وشهواتُها عن الآخرةِ, فذكَر أنَّه زُيِّن للنَّاسِ محبَّةُ عددٍ مِن المشتهَيَاتِ؛ كالنِّساءِ، والبنينَ، وأنواعِ الأموال, هي كلُّها ممَّا يُستمتَعُ به في الدُّنيا مِن زينتِها المنتهيَةِ بالزَّوالِ, تذهب لذاتها ومسراتها، وتبقى تبعاتها وآلامها، ثم قرر أن ما عنده خير وأبقى من متاع الدنيا وشهواتها وزخرفها ومغرياتها، فعند الله سبحانه حُسْنُ المرجِعِ والثَّوابِ.
ذكر المفسرون في المزَيِّن في الآية قولين: أحدهما: أن المزَيِّن هو الله. ثانيهما: أن المُزَيِّن هو الشيطان.
قال القرطبي "فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء – بالضوابط الشرعية .
وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. فتزيين الشيطان إنما كان بالنسبة لأعمال هؤلاء؛ يعني: زين لهم الأعمال، أما الأشياء المخلوقة فالذي يزينها هو الله عز وجل.
حُبُّ ظ±لشَّهَوَاتِ :فحب الشهوات ـ حاصل لجميع الناس ليُنْتَفَع بها بطريق مشروع على وجه يتوصل به إلى مصالح الآخرة، وهذا ممدوح ومطلوب شرعًا، أما إذا كان تحصيلها والاستمتاع بها بطريق غير مشروع، فذلك محرم، ولكن قد يحصل للإنسان محبة لبعض المحرمات، بمعنى الميل إليها بطبعه لكنه لا يسعى لتحصيلها، ولا يحب ذلك ، فلا شيء عليه.
مِنَ ظ±لنِّسَاءِ:ولا شك أن المحبة بين الرجال والنساء شيء فطري في الطبيعة الإنسانية.واكتفى القرآن بذكر محبة الرجل للمرأة مع أن المرأة كذلك تحب الرجل بفطرتها لأن ذكر محبة أحدهما للآخر يغني عن ذكر الطرفين معًا، وما يستفاد بالإِشارة يُستغنَى فيه عن العبارة خصوصًا فى هذا المجال الذي يحرص فيه القرآن على تربية الحياء والأدب في النفوس.
وَظ±لْبَنِينَ:قال الرازي "اعلم أن الله تعالى في إيجاد حب الزوجة والولد في قلب الإنسان حكمة بالغة؛ فإنه لولا هذا الحب لما حصل التوالد والتناسل، ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل، وهذه المحبة كأنها حالة غريزية؛ ولذلك فإنها حاصلة لجميع الحيوانات، والحكمة فيه بقاء النسل"انتهى.
وَظ±لْقَنَاطِيرِ ظ±لْمُقَنْطَرَةِ :والعرب تريد بالقنطار المال الكثير والمقنطرة مأخوذة منه على سبيل التوكيد.
وحب المال كذلك تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر... فيكون مذمومًا، وتارة يكون للنفقة في وجوه البر فيكون محمودًا..
وَظ±لْخَيْلِ ظ±لْمُسَوَّمَةِ وَظ±لأَنْعَامِ وَظ±لْحَرْثِ :أسامَ الماشيةَ :سامَها، أخرجها إلى المرْعى ،وقال آخرون " َظ±لْخَيْل ظ±لْمُسَوَّمَة " المعلَّمَة ،ذات الغرة والتحجيل من السمة بمعنى العلامة. وحب الخيل على ثلاثة أقسام، تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله متى احتاجوا إليها غزوًا عليها فهؤلاء يثابون. وتارة تربط فخرًا ومناوأة لأهل الإِسلام فهذه على صاحبها وزر. وتارة تربط للتعفف واقتناء نسلها ولم ينس صاحبها حق الله فيها فهذه لصاحبها ستر.تفسير ابن كثير وصادر أخرى.
ظ±لأَنْعَام : جمع نعم، وهى الإِبل والبقر والغنم ،وهي مال أهل البادية ومنها تكون ثروتهم ومعايشهم ومرافقهم، وبها تفاخرهم وتكاثرهم.
وَظ±لْحَرْث: مصدر بمعنى المفعول أي المحروث. والمراد به المزروع سواء أكان حبوبًا أم بقلًا، أم ثمرًا إذ من هذه الأشياء يتخذ الإِنسان مطعمه وملبسه وأدوات زينته،وعليه قوام حياة الإنسان والحيوان في البدو والحضر.
فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نفوسهم ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت زادًا لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب، والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاءً وامتحانًا لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقًا يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها " ذلِكَ مَتَاعُ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا " فجعلوها مَعْبَرًا إلى الدار الآخرة ومتجرًا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زادًا إلى ربهم.
وهذه المشتهيات ليست خسيسة في ذاتها، ولا يقصد الإِسلام إلى تخسيسها في ذاتها أو إلى التنفير منها، وإنما الإِسلام يريد من أتباعه أن يقتصدوا في طلبها، وأن يطلبوها من وجوهها المشروعة، وأن يضعوها في مواضعها المشروعة، وأن يشكروا الله عليها، وألا يجعلوها غاية مقصدهم في هذه الحياة إن الإِسلام لا يحارب الفطرة الإِنسانية التي تشتهي هذه الأشياء، وإنما يهذبها ويضبطها ويرشدها إلى أن تضع هذه الأشياء في موضعها المناسب، بحيث لا تطغى على غيرها ولا تستعمل في غير ما خلقها الله من أجله، وبذلك يسعد الإِنسان في دينه ودنياه وآخرته.
وَظ±للَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ظ±لْمَآبِ:إشارة إلى أن متع الدنيا مهما كثرت وتنوعت وتلذذ بها الإِنسان فهي إلى زوال، وأما اللذائذ الباقية الخالدة فهي التي أعدها الله - تعالى - لعباده المتقين في الدار الآخرة.فعلى المؤمن ألا يفتن بهذه الشهوات ويجعلها أكبر همه، والشغل الشاغل له عن آخرته، فإذا استمتع بها بالقصد والاعتدال ووقف عند حدود الله سعد في الدارين ووفق لخير الحياتين كما قال" وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" البقرة: 201. أي: سؤال من خير الدنيا كله بأوجز لفظ وعبارة، فجمعت هذه الدعوة كل خير يتمناه العبد، فإنّ الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية، ودارٍ رحبةٍ، وزوجةٍ حسنةٍ، ‏ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيءٍ، وثناء جميل، إلى غير ذلك. "وَفي الآخِرةِ حَسنَةً" يَعني: وأعطِنا في الآخرَةِ الجَنَّةَ، وَما فيها مِنَ النَّعيمِ المُقيمِ، "وقِنا عَذَابَ النَّارِ" أي: وَاحفَظْنا مِن عَذابِ النَّارِ، وَما يُقرِّبُ إليه مِن عَملٍ.
" قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلِكُمْ لِلَّذِينَ ظ±تَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ظ±للَّهِ وَظ±للَّهُ بَصِيرٌ بِظ±لْعِبَادِ"15.
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْبِخَيْرٍ مِّن ذلِكُمْ: الإِنباء معناه الخبر العظيم الشأن.النبأ والإنباء لم يردا في القرآن إلا لما له شأن عظيم كما قاله أبو البقاء في الكليات.فبعد أن بين سبحانه زخارف الدنيا وزينتها، وذكر ما عنده من حسن المآب إجمالًا - أمر رسولَهُ بتفصيل ذلك المجمل للناس مبالغة في الترغيب والحث على فعل الخيرات.
وقوله "بِخَيْرٍ مِّن ذلِكُمْ " يشعر بأن تلك الشهوات خير في ذاتها، ولا شك في ذلك إذ هي من أجلّ النعم التي أنعم الله بها على الناس، وإنما يعرض الشر فيها كما يعرض في سائر نعم الله على عباده كالحواس والعقول وغيرها ، مثل من يستعمل عقله في استنباط الحيل ليبتز حقوق الناس ويؤذيهم، فسلوك الناس في الانتفاع بالنعم لا يدل على أنها هي في ذاتها شر ولا كون حبها شرًا مع القصد والاعتدال والوقوف عند حدود الشريعة. فنعيم الآخرة خير محض ونعيم الدنيا مشوب بالشرور والأضرار.
ذلِكُمْ : لاشتماله على الإِشارة التى للبعيد الدالة على عظم شأن ما سيخبرهم به.
والاستفهام للتقرير، والمراد به التحقيق والتثبيت في نفوس المخاطبين، أي تحقيق وتثبيت خيرية ما عند الله وأفضليته على شهوات الدنيا، وحضهم على الاستجابة لما سيلقَى عليهم.
لِلَّذِينَ ظ±تَّقَوْا: هذه هى اللذائذ والمتع التي أعدها الله - تعالى - لمن اتقاه، أي أدى ما أمره به، وابتعد عما نهاه عنه.
عِندَ رَبِّهِمْ: العِنديَّةُ هنا: تُفيدُ فضلًا عظيمًا؛ لأنَّها هي القُربُ مِن الله عزَّ وجلَّ.
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ: أي بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار، وفي هذه الجنات مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
"في الجنةِ مالَا عينٌ رأَتْ ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ ، ولا خَطَرَ على قلْبِ بَشَرٍ "الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم : 4246 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
خَالِدِينَ فِيهَا:أي أن هؤلاء الذين اتقوا ربهم خالدين في تلك الجنات التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين خلودًا أبديًا، بخلاف أولئك المنعمين بنعم الدنيا فإن نعيمهم إلى فناء وزوال.
وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ:والأزواج: جمع زوجة وهي المرأة يختص بها الرجل. أي ولهم في تلك الجنات أزواج مطهرة غاية التطهير من كل دنس وقذر حسي ومعنوي، فقد وصف - سبحانه - هؤلاء الأزواج بصفة واحدة جامعة لكل ما يتمناه الرجل في المرأة.
وَرِضْوَانٌ مِّنَ ظ±للَّهِ:وهذه النعمة هي أعظم النعم وأجلها أي لهم رضا عظيم من خالق الخلق، ومبدع الكون، ومنشىء الوجود. وهو مصدر كالرضا، ولكن يزيد عليه أنه الرضا العظيم، لأن زيادة المبنَى تدل على زيادة المعنَى، ولأن التنكير قُصد به التفخيم والتعظيم.
إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالَى يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ؟ فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ، وأَيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا."الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم : 6549.
أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا:الرضوان أي رضا الله.أي: أُنزِل عليكم دَوَام رِضْوانِي؛ فإنَّه لا يَلزَمُ مِن كَثرةِ العطاءِ دَوامُ الرِّضا؛ ولذا قال: فلا أسْخَطُ: ولا أَغْضَبُ " علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا" والرضا والرضوان بمعنى واحد، إلا أن الرضوان يعبَّر به عن الرضا الكثير، وأعظمُ الرِّضَا رضا الله تعالى، لذا خُصّ الرّضوانُ في القرآن بما كان من الله تعالى.
قال ابنُ حَجَرٍ:فيه أنَّ الخيرَ كُلَّه والفَضلَ والِاغتِباطَ إنَّما هو في رِضا اللهِ سُبحانَه وتعالى، وكُلُّ شيءٍ ما عَداه وإنِ اختَلَفَت أنواعُه فهو مِن أثَرِه.
وَظ±للَّهُ بَصِيرٌ بِظ±لْعِبَادِ: أي أنه - سبحانه - عليم بأحوال عباده، لا تخفى عليه خافية من شئونهم. وسيجازي الذين أساءوا بما عملوا، ويجازي الذين أحسنوا بالحسنى. ففي هذا التذييل وعد للمتقين ووعيد للمسيئين.وقد ختم سبحانه هذه الآية بتلك الجملة ليحاسب الإنسان نفسه على التقوى، فليس كل من ادعاها لنفسه أو تحرك بها لسانه يعدّ متقيًا، وإنما المتقي من يعلم منه ربه التقوى.
" ظ±لَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَظ±غْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ظ±لنَّارِ"15.
إسقاطُ أداة النِّداء فيرَبَّنَا؛ إشعارًا بما لهم من القُرب؛ لأنَّهم في حَضرةِ المراقبةِ .
يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا :مرادهم بالإيمان الذي أقروا به - هو الإيمان الصحيح الذي تصدر عنه آثاره من ترك المعاصي وفعل الصالحات، إذ الإيمان اعتقاد وقول وعمل كما أجمع على ذلك السلف، ويرشد إليه العقل والعلم بطبيعة البشر.
فَظ±غْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ظ±لنَّارِ:
توسلوا بمنةِ اللهِ عليهم بتوفيقهم للإيمان أن يغفرَ لهم ذنوبَهم ويقيهم شر آثارها وهو عذاب النار، ثم فصل أوصاف التقوى.
"الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ" 17.
وصف- سبحانه- المتقين بخمس صفات كريمة من شأنها أن تحمل العقلاء على التأسي بهم ، وفي كل صفة من صفاتهم دليل على قوة إيمانهم، وإذعانهم للحق حق الإذعان.
الصَّابِرِينَ: الصابرين أنفسهم على ما يحبه الله من طاعته، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة.والصبر في البأساء والضراء وحين البأس من أكبر البراهين على سلامة اليقين، وقد حث القرآن أتباعه على التحلي بهذه الصفة في أكثر من سبعين موضعًا.
وَالصَّادِقِينَ: الصادقين في إيمانهم وأقوالهم وأحوالهم . قال قتادة : هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السر والعلانية .
وَالْقَانِتِينَ : والقانت هو المداوم على طاعة الله- تعالى- غير متململ منها ولا متبرم بها، ولا خارج على حدودها. فالقنوت يصور الإذعان المطلق لرب العالمين.
وَالْمُنفِقِينَ:أي:المنفقين مِن أموالِهم في جميعِ ما أُمِروا به من الطَّاعاتِ؛ كأداءِ الزَّكاةِ والصَّدقات، وصلةِ الأرحام والقَرابات، ومواساةِ ذوي الحاجاتِ، وغيرِ ذلك مِن الوجوه الَّتي أذِنَ اللهُ لهم بالإنفاقِ فيها.
وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ :أي: السَّائلين المغفرةَ في آخِرِ اللَّيل ؛ فهو وقتُ نُزولِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلى سماءِ الدُّنيا؛ ففي الحديثِ عن أبي هُرَيرَةَ رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّم" يَنْزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا، حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ، يقولُ: من يَدعوني فأَستجيبَ له، من يَسْأَلُني فأُعْطِيَه، مَن يستغفرُني فأَغْفِرَ له؟" رواه البخاري 1145 ومسلم 758.

وخُص وقتُ الأسحارِ بالذكر لأن النفس تكون فيه أصفى، والقلب فيه أجمع، ولأنه وقت يستلذ فيه الكثيرون النوم فإذا أعرض المؤمن عن تلك اللذة وأقبل على ذكر الله كانت الطاعة أكمل وأقرب إلى القبول.
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 02:15 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر