العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-12-2017, 03:57 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,238
Exclamation

المجـلـس السادس عشر
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة

تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .

تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم
عن أبي هريرة
"
أنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى إذا كانَ يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ ليقضيَ بينَهم وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ فأوَّلُ من يدعو بِه رجلٌ جمعَ القرآنَ ورجلٌ يقتَتِلُ في سبيلِ اللهِ ورجلٌ كثيرُ المالِ فيقولُ اللَّهُ للقارئِ ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولي قالَ بلى يا ربِّ قالَ فماذا عملتَ فيما عُلِّمتَ قالَ كنتُ أقومُ بِه آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ وتقولُ الملائِكةُ كذَبتَ ويقولُ له اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ قارئٌ فقد قيلَ ذلكَ ويؤتى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللَّهُ ألم أوسِّعْ عليكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ قالَ بلى يا ربِّ قالَ فماذا عمِلتَ فيما آتيتُك قالَ كنتُ أصلُ الرَّحمَ وأتصدَّقُ فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ وتقولُ الملائِكةُ لَه كذَبتَ ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جَوادٌ وقد قيلَ ذلكَ ويُؤتى بالَّذي قُتلَ في سبيلِ اللهِ فيقولُ اللَّهُ لَه في ماذا قُتلتَ فيقولُ أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِك فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ فيقولُ اللَّهُ لَه كذبتَ وتقولُ لَه الملائِكةُ كذبتَ ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جريءٌ فقد قيلَ ذلكَ ثمَّ ضربَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى رُكبتي فقالَ يا أبا هريرةَ أولئِك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامةِ"
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2382 | خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر .
2382
قال الترمذي :حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قال: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ،قال:أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ شُفَيًّا الْأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالُوا أَبُو هُرَيْرَةَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ " - ص 511 - " رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْعَلُ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ عَلَيَّ طَوِيلًاثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَحَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ " - ص 512 - " فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ وَحَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ النَّاسِ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"سورة هود 16 ، 17.
سنن الترمذي - كِتَاب الزُّهْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يرائي يرائي الله به ومن يسمع يسمع الله به. هنا. وهنا.فينبغي للمؤمن أن يهتمَّ بالإخلاص لله في أعماله، وأن يَحْذر الرياء فإنه أخفى من دبيب النمل، وليسْتَعِن بالله على تطهير قلبه منه، وليرق نفسه بهذه الرقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها إن أُخِذَتْ بصدق نفعت صاحبها بإذن الله تعالى جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ((يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل)) فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نَتَّقِيه وهو أَخْفَى من دبيب النَّمْل يا رسول الله؟ قال-يا أيها الناسُ ! اتَّقوا هذا الشِّركَ ؛ فإنه أخفى من دبيبِ النَّملِ . فقال له من شاء اللهُ أن يقولَ : وكيف نتَّقِيه وهو أخفى من دبيبِ النَّملِ يا رسولَ اللهِ ! قال : قولوا : اللهم إنا نعوذُ بك من أن نُشرِكَ بك شيئًا نعلَمُه ، و نستغفرُك لما لا نعلمُه
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 36 | خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره - الدرر.
فواجب علينا جميعًا أن نخلص العمل، ونحذر الرياء وكل ما يخل أو ينقص أجر العمل، نسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها صالحة، وأن يجعلها لوجهه خالصة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.هنا .

وكذلك قصة الأعرابي التي رواها الإمام النسائي-رحمه الله-في سننه الصغرى(1953)وصححها الشيخ الألباني-رحمه الله- عن شداد بن الهاد-رضي الله عنه "أنَّ رجلًا مِنَ الأعرابِ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فآمنَ بِهِ واتَّبعَهُ، ثمَّ قالَ: أُهاجرُ معَكَ، فأوصى بِهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بعضَ أصحابِهِ، فلمَّا كانَت غزوةٌ غَنمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ سبيًا، فقسمَ وقسمَ لَهُ، فأعطى ما قسمَ لَهُ، وَكانَ يرعى ظَهْرَهُم، فلمَّا جاءَ دفعوهُ إليهِ، فقالَ: ما هذا؟ قالوا: قَسمٌ قَسمَهُ لَكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فأخذَهُ فجاءَ بِهِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: ما هذا؟ قالَ: قَسمتُهُ لَكَ، قالَ: ما علَى هذا اتَّبعتُكَ، ولَكِنِّي اتَّبعتُكَ على أن أرمى إلى ههُنا، وأشارَ إلى حَلقِهِ بسَهْمٍ، فأموتَ فأدخلَ الجنَّةَ فقالَ: إن تَصدقِ اللَّهَ يَصدقكَ، فلبِثوا قليلًا ثمَّ نَهَضوا في قتالِ العدوِّ، فأتيَ بِهِ النَّبيُّ يحملُ قَد أصابَهُ سَهْمٌ حيثُ أشارَ، فقالَ النَّبيُّ: أَهوَ هوَ؟ قالوا: نعَم، قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ، ثمَّ كفَّنَهُ النَّبيُّ في جبَّةِ النَّبيِّ، ثمَّ قدَّمَهُ فصلَّى علَيهِ، فَكانَ فيما ظَهَرَ من صلاتِهِ: اللَّهمَّ هذا عبدُكَ خرجَ مُهاجِرًا في سبيلِكَ فقُتلَ شَهيدًا أَنا شَهيدٌ على ذلِكَ"الراوي : شداد بن الهاد الليثي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 1952 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية.
شرح الحديث
: كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم أكثرَ المُسلِمينَ إخلاصًا وصِدقًا مع اللهِ سبحانَه، وأحْرَصَهم على الشهادةِ في سَبيلِ اللهِ تعالى؛ لِمَا في قُلوبِهم من الإيمانِ بوعدِ اللهِ تعالى، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَرعَى حديثي الإسلامِ ويُوجِّههم إلى ما فيه الصَّلاحُ.
وفي هذا الحديثِ يخبِرُ شدَّادُ بنُ الهادِ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجُلًا مِن الأعرابِ"، والأعرابُ هم سُكَّانُ الباديَةِ مِن العرَبِ، "جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فآمَن به واتَّبَعه"، أي: إنَّ هذا الرَّجُلَ قَدِم مِن الباديةِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فأَسْلَمَ وآمَنَ بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، واتَّبَعه على الهُدَى ودِينِ الحَقِّ، ثمَّ قال الرَّجلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أُهاجِرُ معَك"، أي: أَترُكُ بادِيَتي وأذهَبُ معَك إلى المدينةِ، وطلَب الرَّجُلُ هذا لِمَا عَلِمَه مِن الثَّوابِ الَّذي أعَدَّه اللهُ للمُهاجِرين، "فأوصى به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعْضَ أصحابِه"، فأَذِن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الهِجرةِ، وأمَر أصحابَه به خيرًا؛ لِيُساعِدوه ويَهتمُّوا لأمرِه؛ لِمَا رآه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الرَّجلِ مِن استِعْدادٍ للهجرةِ، وتحَمُّلِ المشاقِّ في سَبيلِ اللهِ، وقد ورَد في حديثٍ آخَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لم يأذَنْ لرَجلٍ مِن الأعرابِ بالهِجرةِ؛ وهذا محمولٌ على أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يُعامِلُ كلَّ واحدٍ بما يُناسِبُ حالَه؛ فلَعلَّه عَلِمَ أنَّه لا يتَحمَّلُ مشَقَّةَ الهِجرةِ، فلم يأذَنْ له، وأذِنَ لهذا الذي عَلِمَ أنَّه يَتحمَّلُ، "فلمَّا كانتْ غزوةٌ غَنِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سَبْيًا"، أي: فلمَّا جاءتْ غزوةٌ، وخرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للقِتالِ فيها وأصاب غَنيمةً فيها أُسارى، "فقَسَم وقسَم له، فأعْطَى ما قسَم له"، أي: قسَم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الغَنيمةَ إلى أجزاءٍ؛ لِيُعطيَ كلَّ واحدٍ نصيبَه، وقسَم للرَّجلِ حقَّه مِن الغنيمةِ، وأعطى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه نَصيبَه لِيُعْطوه له، "وكان يَرْعى ظَهْرَهم"، أي: وكان الرَّجلُ يَعمَلُ على رعْيِ الإبلِ، "فلمَّا جاء دَفَعوه إليه"، أي: فلمَّا جاء مِن رَعْيِه وعمَلِه أعطَوْه حظَّه ونَصيبَه مِن الغَنيمةِ، "فقال: ما هذا؟"، أي: سأَلهم ما هذا الَّذي أعطَيتُموني، "قالوا: قَسْمٌ قسَمه لك النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: هذا نَصيبُك وحقُّك الَّذي قسَمه لك النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الغَنيمةِ، "فأخَذه، فجاء به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: إنَّ الرَّجلَ أخَذ نَصيبَه مِن الغَنيمةِ، وأتى به النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقال: ما هذا؟"، أي: سأَل النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ما هذا؟ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "قسَمتُه لك"، أي: هذا نَصيبُك مِن الغَنائمِ الَّتي قُسِمَت، قال الرَّجلُ: "ما على هذا اتَّبعتُك"، أي: ما اتَّبعتُك، وآمنتُ بك، وهاجرتُ معَك مِن أجْلِ الحُصولِ على الغنائمِ، "ولكنِّي اتَّبعتُك على أن أُرْمى إلى هَاهنا- وأشار إلى حَلْقِه- بسَهمٍ، فأموتَ فأَدخُلَ الجنَّةَ"، أي: إنَّما اتَّبعتُك على أن أُجاهِدَ معَك، وأُقاتِلَ أعداءَ اللهِ فأُرْمَى بسَهمٍ، وأشار الرَّجلُ إلى مكانِ حَلْقِه، واستُشهِد فأُدخِلَ الجنَّةَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنْ تَصُدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ"، أي: إنْ كنتَ صادِقًا في قولِك ونيَّتِك هذه، فإنَّ اللهَ يُجازيك على هذا الصِّدْقِ ما تتَمنَّاه مِن الموتِ في سَبيلِه.
قال الرَّواي: "فلَبِثوا قليلًا"، أي: مكَث النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم والصَّحابةُ مُدَّةً قليلةً، "ثمَّ نهَضوا في قِتالِ العَدوِّ"، أي: قاموا للخروجِ لقتالِ العدوِّ مُسرِعين، "فأُتي به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُحمَلُ قد أصابه سهمٌ حيث أشار"، أي: جيءَ بهذا الرَّجلِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مَحمولًا مَقتولًا بسَهمٍ في حَلْقِه، وهو المكانُ الَّذي كان يُشيرُ إليه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وتمنَّى أن يُرْمى فيه بسَهمٍ؛ لِيَكون شهيدًا ويَدخُلَ الجنَّةَ، فقال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه: "أهو هو؟!"، أي: أهو هو هذا الرَّجلُ الَّذي قال ما قال؟ "قالوا: نعَم" هو هو الرَّجلُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "صَدَق اللهَ فصَدَقه"، أي: كان فيما قال صادقًا مخلِصًا؛ ولذا صدقَه اللهُ وأنجَز له ما تَمنَّاه من الاستشهادِ في سَبيلِه.
قال: "ثمَّ كفَّنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في جُبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: جعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كفَنَه الَّذي كفَّنه فيه جُبَّتَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ويَحتمِلُ أن يكونَ تَكفينُه فيه لالْتِماسِ برَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وإلَّا فإنَّ تَكفينَ الشُّهداءِ يكونُ في ثِيابِهم، "ثمَّ قدَّمه فصلَّى عليه"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وضَع جُثْمانَ الرَّجلِ قُدَّامَه، وبينَ يدَيْه؛ لِيُصلِّيَ عليه صَلاةَ الجنازةِ، "فكان فيما ظهَر مِن صَلاتِه"، أي: كان فيما ظهَر في دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في صَلاتِه: "اللَّهمَّ هذا عبدُك، خرَج مُهاجِرًا في سَبيلِك"، أي: يا ربِّ هذا عبدُك، ترَك أهْلَه ومالَه، وهاجَر ابتِغاءَ وجْهِك ومَرْضاتِك، "فقُتِل شَهيدًا"، أي: خرَج للقِتالِ فقُتِل شَهيدًا؛ "أنا شهيدٌ على ذلك"، وفي هذا فضلٌ عظيمٌ ومنقبةٌ جليلةٌ لهذا الرجُلِ رضِيَ اللهُ عنه. وقد استُدلَّ بهذا الحديثِ على مَشروعيَّةِ الصَّلاةِ على الشَّهيدِ.
وفي الحديثِ: فَضلُ الصِّدقِ مع اللهِ تعالى، وأنَّه سببٌ لتحقيقِ ما يُرجَى من الخيرِ.
وفيه: بيانُ شِدَّةِ عِنايةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأصحابِه، خصوصًا الغُرباءَ، حيثُ أمَرَ بعضَ أصحابِه بالقِيامِ على شأنِ هذا الأعرابيِّ؛ تهوينًا عليه مِن أمْرِ الغُربةِ، وتقويةً لدِينِه .الدرر السنية .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-12-2017, 04:01 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,238
Exclamation

المجلس السابع عشر
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة

تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم

إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه
تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم
1901 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائِهِ قَالَ فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ نَعَمْ قَالَ بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَافَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ-
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1901 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية . وهنا
الشرح
يَحكي أنسٌ رضِي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعثَ بُسَيْسَةَ عَينًا، أي: جاسوسًا، ينظُرُ ما صنعَتْ عِيرُ أبي سفيانَ، أي: قافلتُه وهي الدوابُّ الَّتي تَحملُ الطَّعامَ وغيرَه، فَجاءَ ومَا في البيتِ أحدٌ غيرُ أنسٍ رضِي اللهُ عنه وغيرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فحدَّثَه الحديثَ، فَخرجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَتكلَّمَ فقالَ: إنَّ لنا "طِلْبَةً" يريدُ أنَّنا خارِجونَ لِطلبِ القَافلةِ، فَمَن كان ظهْرُه حاضرًا، أي: مركوبُه مِنَ الإبلِ والدوابِّ، فَلْيركبْ معنا فَجعلَ رجالٌ يَستأذِنُونَه في ظَهرانِهم، أي: في إحضارِ مَركوباتِهم في عُلوِ المدينةِ وهي جهةٌ قُباءٍ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا إلَّا مَن كان ظَهرُه حاضرًا، فَانطلقَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، أي: ذَهبُوا مِنَ المدينةِ حتَّى سبَقُوا المشركينَ إلى بدْرٍ، أي: نَزلُوا بدرًا قَبْلَ الكفَّارِ وجاءَ المشركونَ، أي: بعْدَ المسلمينَ وتَصافُّوا، فقال: صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يَقْدَمَنَّ أحدٌ منكم إلى شَيءٍ حتَّى أكونَ أنا دُونَه، أي: قُدَّامَه؛ فَدنَا المشركونَ، أي: اقْتَرَبُوا مِن صفوفِ المسلمينَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:قُومُوا إلى جَنَّةٍ، أي: عمَلٍ هو سببُ دُخولِها، عرْضُها السَّمواتُ والأرضُ، أي: كَعرضِ السَّماءِ والأرضِ، فقال: عُمَيْرُ بْنُ الحُمَامِ الأنصاريُّ رضِي اللهُ عنه: يا رسولَ اللهِ جَنَّةٌ عَرضُها السَّمواتُ والأرضُ فَأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعم، فقال: بَخٍ بَخٍ! وهي كلمةٌ تُقالُ عند المدْحِ وَالرِّضَا بِالشَّيءِ وتُكرَّرُ لِلمبالغةِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يَحملُكَ على قولِك: بَخٍ بَخٍ؟) قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ إلَّا رجاءَ، أي: لِطمَعِ أنْ أكونَ مِن أهلِها، أي: مِن أهلِ الجنَّةِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإنَّك مِن أهلِها، فَأخرَجَ تَمراتٍ مِن "قَرنِه"، أي: كِنانتِه، يعني: مِن جَعبَةِ نُشَّابِه، فجعل، أي: فَشرَعَ يأكلُ منهنَّ؛ تقويةً لِلبَدَنِ على الجِهادِ، ثُمَّ قال، أي: في أَثناءِ أَكْلِها: لَئِنْ أنا حَيِيتُ، أي: عِشتُ حتَّى آكُلَ تَمراتي هذه، أي: جميعَها، إنَّها لحياةٌ طويلةٌ! يعني: والأمرُ أسرَعُ من ذلك؛ شوقًا إلى الشَّهادةِ، قال فَرمَى بما كان معه مِنَ التَّمرِ، أي: طَرحَ جميعَ ما كان معه، ثُمَّ قاتَلَ حتَّى قُتِلَ في سبيلِ اللهِ.
في الحديثِ: أنَّ مِن فِعلِ الصِّحابَةِ استِقتالَ الرَّجلِ نفسَه في طَلبِ الشَّهادةِ، وإنْ عَلِمَ أنَّه يُقتلُ.
وفيه: المسارعةُ إلى الشَّهادةِ.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إرسالَ العيونِ والطَّلائعِ.
وفيه: كتمانُ الأحوالِ وترْكُ الإشاعةِ لِلأمورِ.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَواطنِ الحربِ أنْ يَحَّض النَّاسَ بِتحسينِ الصِّفاتِ لِلجنَّةِ.
وفيه: أنَّ زادَ القومِ كان يسيرًا.
وفيه: فضْلُ عُمَيْرِ بنِ الحُمَامِ رضِي اللهُ عنه.
الدرر السنية .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول :إن في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها : لا يدخل جنة الآخرة .
وقال لي مرة :ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري ، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني ، إن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة.
" الوابل الصيب " ص 67 .انتهى. هنا
"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً"الأحزاب23.
الدروس من غزوة أحد التي وقعت بين المسلمين والمشركين لا تنقضي لمن تأملها، كيف لا وهي دروس قدرها الله -جل وعلا- لتكون نبراسًا يستضيء به الناس بعد ذلك الزمان، وهذه من النعم الله التي منّ بها علينا أن جعل لنا سلفًا نسير على خطاهم ونقتفي آثارهم.
ومن المواقف: ما حصل من قول ابن مسعود، فإنه قال: "لم أكن أرى فينا أحدًا يريد الدنيا يوم أحد حتى أنزل الله: "مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ".وبهذا يتبين للمرء أن إخلاص النية أمر شاق يحتاج إلى جهاد واستحضار جديد لكل عمل، فإذا كان اللهُ بيّن لنا أن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أراد بعمله الدنيا وهو الغنيمة وهم في المعركة التي تستدعي إخلاص النية أكثر لأنه مقبل على الموت، فما بالك بمن يكون في الأمن والسلامة.
قال سفيان الثوري"جاهدت نيتي عشرين سنة فما استقامت لي".
ومن المواقف التي تُستفاد أن المرءَ قد يفوتُهُ الخيرَ في بعضِ الأحيان، فعليه أن يتهيأَ للفرصةِ القادمةِ ويُعِدُّ لها النيةَ الصالحةَ الصادقةَ كما فعلَ أنسُ بنُ النَّضْرِ،
غاب عِمِّي أنسُ بنُ النضرِ عن قتالِ بدرٍ ، فقال : يا رسولَ اللهِ ، غبتُ عن أولِ قتالٍ قاتلتَ المشركينَ ، لئن اللهُ أشهدني قتالَ المشركينَ ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنعُ . فلما كان يومَ أُحُدٍ ، وانكشفَ المسلمونَ ، قال : اللهمَّ إني أعتذرُ إليكَ مما صنع هؤلاءِ ، يعني أصحابَهُ ، وأبرأُ إليكَ مما صنعَ هؤلاءِ ، يعني المشركينَ . ثم تقدَّمَ فاستقبلَهُ سعدُ بنُ معاذٍ ، فقال : يا سعدُ بنَ معاذٍ الجنةُ وربِّ النضرِ ، إني أجدُ ريحها من دونِ أُحُدٍ ، قال سعدٌ : فما استطعتُ يا رسولَ اللهِ ما صنع ، قال أنسٌ : فوجدنا بهِ بضعًا وثمانينَ : ضربةً بالسيفِ أو طعنةً برمحٍ أو رميةً بسهمٍ ، ووجدناهُ قد قُتِلَ وقد مَثَّلَ به المشركونَ ، فما عرفَهُ أحدٌ إلا أختُهُ ببنانِهِ . قال أنسٌ : كنا نرى ، أو نظنُّ : أنَّ هذهِ الآيةَ نزلت فيهِ وفي أشباهِهِ " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوْا مَا عَاهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ". إلى آخرِ الآيةِ . وقال : إنَّ أختَهُ ، وهي تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ ، كَسرتْ ثنيَّةَ امرأةٍ فأمرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالقِصَاصِ ، فقال أنسٌ : يا رسولَ اللهِ ، والذي بعثكَ بالحقِّ ، لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتَهَا ، فرَضُوا بالأرْشِ وتركوا القِصَاصَ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ "إنَّ من عبادِ اللهِ من لو أقسمَ على اللهِ لأبَرَّهُ " .الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2805 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح- الدرر .
شرح الحديث
كان أنسُ بنُ النَّضْرِ رضِي اللهُ عنه مِمَّنْ قال الله فيهم"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ"الأحزاب: 23، فكان رضِي اللهُ عنه صادِقَ العَهدِ مع اللهِ تعالى، وقد غابَ رضِي اللهُ عنه عَن غَزوةِ بدرٍ، فجاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال له: يا رَسولَ اللهِ، غِبْتُ عَن أوَّلِ قِتالٍ قاتلْتَ المشركينَ، لَئِنِ اللهُ أَشهدَني قِتالَ المشركينَ لَيَرَيَّن اللهُ ما أصنَعُ، فلمَّا كان يومُ أُحدٍ، وانكشفَ المسلِمونَ، أي: انكشفوا لِعدُوِّهم وبدَتْ هزيمتُهم، قال: اللَّهمُّ إنِّي أعتذِرُ إليك ممَّا صَنعَ هؤلاء، يعني: أصحابَه مِن تركْهِم لِأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونزولِهم مِن على الجبلِ لِجمعِ الغنائمِ، وأبرأُ إليك ممَّا صَنعَ هؤلاء، يعني: المشركينَ مِن قتالِهم لِأهلِ الإسلامِ وإيذاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ تَقدَّمَ فاستقبلَه سعدُ بنُ معاذٍ رضِي اللهُ عنه، فقال: يا سعدُ بنَ معاذٍ الجنَّةُ، وربِّ النَّضْرِ، إنِّي أجدُ رِيحها مِن دُونِ أُحدٍ، أي:أجدُ رِيحَ الجنَّةِ وطِيبَها عندَ جبلِ أُحدٍ، قال سعدٌ رضِي اللهُ عنه: فما استطعْتُ يا رسولَ اللهِ ما صنعَ، يعني: لا أستطيعُ أنْ أفعلَ مثلَ فِعلِه مِن إقدامِه وقتالِه لِلمشركينَ، قال أنسُ بنُ مالكٍ رضِي اللهُ عنه وكانَ أنسُ بنُ النَّضرِ رضِي اللهُ عنه عمَّه: فوَجدْنا به بِضعًا وثمانين ضربةً بِالسَّيفِ أو طعنةً بِرمحٍ أو رميةً بسهمٍ، ووجدْناه قد قُتِلَ وقد مَثَّلَ به المشرِكونَ، أي: قَطَعوا مِن أعضائِه بعد موتِه، فما عرَفَه أَحدٌ إلَّا أُختُه بِبنانِه، يعني: عَرفَتْه بِطرفِ إصبَعِه، قال أنسٌ رضِي اللهُ عنه: كنَّا نَرى، أو نَظنُّ: أنَّ هذه الآيةَ نزلَتْ فيه وفي أشباهِه"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ"، وقال: إنَّ أُختَه، وهي تُسمَّى الرُّبَيِّع، كَسرتْ ثَنيَّةَ امرأةٍ، والثَّنيِّةُ هي الأسنانُ الأماميَّةُ، فأمرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالقِصاصِ، أي: بِكَسْرِ سِنِّها مثلَ ما كسرَتْ سِنَّ المرأةِ، فقالَ أنسٌ رضِي اللهُ عنه: يا رسولَ الله، والَّذي بَعثَك بِالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنيَّتُها، فَرَضوا بِالأرْشِ وتَركوا القِصاصَ، والأَرْشُ: هو العِوَضُ الماليُّ عَنِ الجنايةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسمَ على اللهِ لَأبرَّهُ»، أي: لم يَلزَمْه كفَّارةُ يمينٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالى سوف يَبَرُّ قَسَمَه؛ وذلك لِمكانتِه عندَ اللهِ.الدرر .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-12-2017, 04:02 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,238
Exclamation

المجلس الثامن عشر
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة

تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم

طلحةُ بنُ عبيدِ اللَّهِ

فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه
تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم

طلحةُ بنُ عبيدِ اللَّهِ
عن جابر بن عبدالله "لمَّا كانَ يومُ أُحُدٍ ، وولَّى النَّاسُ ، كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ في ناحيةٍ ، في اثني عشرَ رجلاً منَ الأنصارِ ، وفيهم طلحةُ بنُ عُبيدِ اللَّهِ فأدرَكَهم المشرِكونَ فالتَفَتَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وقالَ" مَن للقومِ"فقالَ طلحةُ أنا قالَ رسولُ "كما أنتَ"فقالَ رجلٌ منَ الأنصارِ أنا يا رسولَ اللَّهِ فقالَ" أنتَ" فقاتلَ حتَّى قُتِلَ، ثمَّ التفتَ فإذا المشرِكونَ ،"فقالَ مَن للقومِ" فقالَ طلحةُ أنا قالَ "كما أنتَ "فقالَ رجلٌ منَ الأنصارِ أنا، فقالَ "أنتَ"فقاتلَ حتَّى قُتِلَ، ثمَّ لم يزل يقولُ ذلِكَ ويخرجُ إليْهم رجلٌ منَ الأنصارِ فيقاتلُ قتالَ من قبلَهُ حتَّى يُقتَلَ حتَّى بقيَ رسولُ اللَّهِ وطلحةُ بنُ عبيدِ اللَّهِ ،فقالَ رسولُ اللَّهِ "من للقومِ"فقالَ طلحةُ أنافقاتلَ طلحةُ قتالَ الأحدَ عشرَ حتَّى ضُرِبَت يدُهُ فقطِعت أصابعُهُ فقالَ حِسِّ فقالَ رسولُ اللَّهِ "لو قلتَ بِسمِ اللَّهِ لرفعتْكَ الملائِكةُ والنَّاسُ ينظرونَ" ثمَّ ردَّ اللَّهُ المشرِكينَ.الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي -الصفحة أو الرقم: 3149 - خلاصة حكم المحدث : حسن من قوله: فقطعت أصابعه...، وما قبله يحتمل التحسين، وهو على شرط مسلم - الدرر .
شرح الحديث: بعدَ غزوةِ بدرٍ الكبرى وهزيمةِ قُريشٍ هزيمةً ساحقةً، لم يَكُنْ شُغلُ قُريشٍ الشَّاغلُ إلَّا الأخْذَ بالثَّأرِ مِن المسلِمين، ثم أتَتْ قُريشٌ بعد سنَةٍ كاملةٍ تُعِدُّ خَيلَها ورَجِلَها لِحَربِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكان ذلك في غَزوةِ أحُدٍ، وكانتْ هذِه الغزوةُ مِن أشدِّ الغَزواتِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى المسلمين، وفيها قُتِلَ سَبعون رجُلًا من خيار المسلمين، منهم أسدُ اللهِ وأسدُ رسولِه حمزةُ بنُ عبدِ المُطلَّبِ، وكُسِرتْ رَباعِيَةُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم وكادَ أن يَنالَ منه المُشرِكون، وثبَت معه ثُلَّةٌ من الصَّحابةِ يُدافِعونَ عنه. وفي هذا الحَديثِ يَحكي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنهما: أنَّه "لَمَّا كان يومُ أحُدٍ"، أي: في غَزوةِ أُحدٍ- وهو جَبلٌ مَشهورٌ بالمدينةِ- وكانتْ تلك الغَزوةُ سَنةَ ثَلاثٍ مِن الهِجرةِ في شوَّالٍ، يومَ السَّبتِ لإحْدى عشْرةَ ليلةً خلَتْ مِنه، "وولَّى النَّاسُ"، أي: ولَّوْا ظُهورَهم وفَرُّوا مُنهَزِمين، "كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في ناحيةٍ"، أي: في جِهةٍ مِن مكانِ الغَزوةِ، وهُو يَصعَدُ جبَلَ أحُدٍ؛ لِيَحتميَ به مِن المشرِكين، "في اثنَيْ عشَرَ رجُلًا من الأنصارِ"، أي: معَه اثنا عشَرَ رجُلًا مِن الأوسِ أو الخزرَجِ أو مِنهُما، "وفيهم طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ" أي: هو واحِدٌ مِنهُم بدليلِ قولِه في آخِرِ الحديثِ: "فَقَاتَلَ قِتَالَ الْأَحَد عَشَر"، وطلحةُ هو ابنُ عُثمانَ بنِ عَمرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ القُرشيُّ، وهو الثَّاني عَشَرَ لكنَّه مِن المهاجِرين، وعَدَّ الكلَّ أنصاريًّا تَغلِيبًا، "فأدرَكَهم المشرِكون"، أي: لَحِق المشركون بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ومَن معَه مِن أصحابِه الاثنَي عشَرَ، "فالْتفَتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: نظَر إلى أصحابِه، "وقال: مَن للقومِ؟"، أي: مَن يَدفَعُ عنَّا القومَ، ويُقاتِلُهم لأجلِنا؟ فقال طَلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ: "أنا"، أي: أنا أقومُ أدفَعُهم عنكم وأُقاتِلُهم، "قال رسولُ اللهِ: كما أنتَ"، أي: لا تَقُمْ إليهم، وابقَ مكانَك، "فقال رجلٌ مِن الأنصارِ"، مِن الأحَدَ عشَرَ الآخَرينَ، ولم يُذكَرِ اسمُه: "أنا يا رَسولَ اللهِ"، أقومُ إليهم أقاتِلُهم وأدفَعُهم عنكم، "فقال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهذا الرَّجُلِ، "أنت فقاتِلْ"، أي: قاتِلِ المشرِكين وادفَعْهم عنَّا، فذهَب، فقاتَل المشرِكين، "حتَّى قُتِل" بصِيغةِ المجهولِ، أي: قتَله المشرِكون شَهيدًا رَضِي اللهُ عَنه، "ثمَّ الْتفَت"، أي: نظَر رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فإذا المشرِكون"، أي: لا يَزالون يُريدون أن يَلحَقوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ومَن معَه مِن أصحابِه، "فقال"، أي: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن للقومِ؟"، أي: مَن يَدفَعُ عنَّا القومَ ويُقاتِلُهم لأجلِنا؟ "فقال طلحةُ: أنا"، أي: أنا أقومُ أدفَعُهم عنَّا وأقاتِلُهم، "قال"، أي: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "كما أنتَ"، أي: لا تَقُم إليهم وابْقَ مكانَك، "فقال رجلٌ مِن الأنصارِ ولم يُذكَرِ اسمُه: "أنا" يا رَسولَ اللهِ، أقومُ إليهم أُقاتِلُهم وأدفَعُهم عنكم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهذا الرَّجلِ: "أنتَ فقاتِلْ"، أي: قاتِلِ المشركين وادفَعْهم عنَّا، فذهَب فقاتَل المشرِكين "حتَّى قُتل" بصِيغةِ المجهولِ، أي: قتَله المشرِكون شَهيدًا رَضِي اللهُ عَنه، "ثمَّ لم يزَلْ" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "يقولُ ذلك"، أي: يقولُ: مَن للقومِ؟ ويَخرُجُ إلى المشرِكين رجُلٌ مِن الأنصارِ الأحَدَ عشَرَ "فيُقاتِلُ قِتالَ مَن قبلَه"، أي: يُقاتِلُ المشركين مثلَ قتالِ الَّذي قبلَه، "حتَّى يُقتَلَ" بصيغةِ المجهولِ، أي: يَقتُلَه المشركون، فقُتِل الأحَدَ عشَرَ أنصاريًّا كلُّهم، "حتَّى بقِيَ رسولُ اللهِ وطلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ"، آخِرُ الاثنَيْ عشَرَ رجلًا الَّذين كانوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الموقفِ، "فقال رسولُ اللهِ: مَن للقومِ؟"، أي: مَن يَدفَعُ عنَّا القومَ ويُقاتِلُهم لأجلِنا؟ "فقال طلحةُ: أنا"، أي: أنا أقومُ أدفعُهم عنك وأقاتِلُهم، فقام طلحةُ بعدَما أذِن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بقتالِهم، فقاتَل طلحةُ "قِتالَ الأحَدَ عَشَرَ"، أي: مِثلَ قُوَّةِ قِتالِهم جميعًا؛ وذلك لبَسالتِه وشِدَّةِ دِفاعِه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفدائِه بنَفْسِه، ورَدِّه للمُشركِين َوحْدَه بعدَ مَقتلِ الأحدَ عَشرَ رجُلًا الذين كانوا حولَ رسولِ اللهِ، "حتَّى ضُرِبَتْ يدُه فقُطِعَت أصابعُه"، أي: ضرَب المشرِكون يدَه بالسُّيوفِ فقطَعوا أصابِعَ يدِه لَمَّا ضرَبوها بالسُّيوفِ، فقال طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ عِندَما قُطِعَت أصابعُه: "حَسِّ" وهي كلمةٌ تُقالُ عندَ الألَمِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لطلحةَ عندما قال: حَسِّ، "لو قُلتَ" بدَلَ هذه الكلمةِ: "بسمِ اللهِ"، أي: أستعينُ باللهِ تعالى، وذكَرْتَ اسمَ اللهِ، "لرفَعَتْك الملائكةُ"، أي: في السَّماءِ، "والنَّاسُ يَنظُرون" إليك حتَّى تَلِجَ بك في جوِّ السَّماءِ! "ثمَّ ردَّ اللهُ المشركين"، أي: رجَعوا خائِبين وردَّ اللهُ كيدَهم، ولم يَصِلوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بضررٍ.
وفي الحديثِ: فَضلُ طلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه.
وفيه: الحَثُّ على الاستعانةِ باللهِ في كلِّ وقتٍ وكلِّ ضائقةٍ، حتَّى عندَ التَّوجُّعِ.
وفيه: فَضلُ الأنصارِ رَضِي اللهُ عَنهم ودِفاعُهم عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: أنَّ اللهَ تعالى كافِي نبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم .الدرر.
*كانَ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دِرعانِ يومَ أُحُدٍ ، فنَهضَ إلى الصَّخرةِ فلم يستطِعْ فأقعدَ طلحةَ تحتَهُ ، فصعِدَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عليهِ ، حتَّى استوى على الصَّخرةِ ، فقالَ : سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ "أوجبَ طلحَةُ"
الراوي : الزبير بن العوام - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 1692 - خلاصة حكم المحدث : حسن-الدرر السنية .
الشرح

كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم يُحِبُّون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حُبًّا شديدًا، وكان يَظهَرُ ذلك جَليًّا في المعاركِ، حيثُ كانوا يَفْدونه بأنفُسِهم، ويَجعَلون أَجسادَهم دُروعًا يَحْمون بها النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يَحكي الزُّبيرُ بنُ العوَّامِ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه "كان على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَومَ أحُدٍ"، أي: في غَزوةِ أُحُدٍ، "دِرْعانِ"، مُثنَّى دِرْعٍ، وهو لِباسٌ مِن حَديدٍ يُوضَعُ على الصَّدرِ والظَّهرِ؛ للوِقايةِ مِن ضرَباتِ السُّيوفِ والسِّهامِ والرِّماحِ، "فنهَض إلى صَخرةٍ فلم يَستَطِعْ"، أي: فأراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَصعَدَ على صَخرةٍ لِيُتابِعَ حرَكةَ المعركةِ، فلم يَقدِرْ على الصُّعودِ؛ لِثِقَلِ الدِّرْعَين اللَّذَين كان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَلْبَسُهما، "فأقعَد تحتَه طَلْحةَ"، أي: فجَعل طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ نفْسَه سُلَّمًا لِيَصعَدَ عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى تمَكَّن مِن الصُّعودِ على الصَّخرةِ، "فصَعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حتَّى استوى على الصَّخرةِ"، أي: بعدَما أعانَه طلحةُ بنَفسِه وجَعَل جَسَدَه سُلَّمًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: "فسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: فسَمِعَ الزُّبيرُ بنُ العوَّامِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "أوجَبَ طَلْحةُ"، أي: وجَبَت الجنَّةُ لِطَلحةَ؛ وذلك لأنَّ طَلْحةَ فدَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بنَفسِه وجعَل جسَدَه دِرعًا يَصُدُّ بها الضَّرباتِ الَّتي كانت مُوجَّهةً إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى طُعِن وجُرِح مُعظَمُ جسَدِه، ووصَلَت عَددُ الجِراحةِ فيه ما يَزيدُ على الثَّمانينَ ضَربةً، وشُلَّت يدُه رَضِي اللهُ عَنه الَّتي وقَى بها النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: فَضلُ طَلْحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ ومُكافَأتِه الجنَّةَ؛ لِتَفديَتِه النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بنفسِه وجسَدِه.الدرر السنية .
مواقف مشرقة لطلحة وبشرى له
"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23) الأحزاب.
من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى, وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وَفَّى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء, ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة, وما غيَّروا عهد الله, ولا نقضوه ولا بدَّلوه, كما غيَّر المنافقون.التفسير الميسر.

-" أنَّ أَصحابَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالوا لأعرابيٍّ جاهلٍ : سَلهُ عمَّن قَضى نحبَهُ من هوَ؟ وَكانوا لا يجتَرئونَ على مسألتِهِ يوقِّرونَهُ ويَهابونَهُ ، فسألَهُ الأعرابيُّ فأعرَضَ عنهُ ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنهُ ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنهُ ، ثمَّ إنِّي اطَّلعتُ مِن بابِ المسجدِ وعليَّ ثيابٌ خضرٌ ، فَلمَّا رآني النبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ "أينَ السَّائلُ عمَّن قضى نحبَهُ ؟ قالَ الأعرابيُّ : أَنا يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ "هذا مِمَّن قضى نحبَهُ"الراوي : طلحة بن عبيدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3742 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح. - الدرر .
"هذا مِمَّن قضى نحبَهُ"أي بذَلَ نفسَهُ في سبيلِ اللهِ، حتى لم يبقَ بينَهُ وبينَ الهلاكِ شيءٌ، فهو كمَن قُتِلَ وإنْ كانَ حيًّا.الألوكة .
"دخلتُ على طلحةَ – تعني ابنَ عُبَيدِ اللهِ - ، فرأيتُ منه ثِقَلًا ، فقلتُ له : مالَك ؟ ! لعلك رابَك منا شيءٌ فنَعتِبُك ؟ قال : لا ، ولَنعْمَ حليلةُ المرءِ المسلمِ أنت ، ولكن اجتمعَ عندي مالٌ ، ولا أدري كيف أصنعُ به ؟ قالت : وما يَغُمُّك منه ؟ ادْعُ قومَك ، فاقسِمْه بينهم . فقال : يا غلامُ ! عليَّ بقومي . فسألتُ الخازنَ : كم قَسم ؟ قال : أربعمئةِ ألفٍ"
الراوي : سعدى المرية - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب-الصفحة أو الرقم: 925 - خلاصة حكم المحدث : حسن موقوف-الدرر .
وكان قتلُهُ -في موقعةِ الجَمَلِ- سنة ست وثلاثين من الهجرة في جمادى الآخرة، وله أربع وستون سنة.الألوكة

فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ
-مَنْ ينطلِقُ بصحيفَتِي هذِهِ إلى قَيْصَرَ ولَهُ الجنةُ ؟ فقالَ رجلٌ : وإِنْ لم يَقْبَلْ ؟ قال : وإِنْ لم يقبلْ ! فأخذ دَِحْيَةُ الكتابَ وسافَرَ بِهِ إلى أرضِ الرومِ ، فوافَقَ هِرَقْلَ وهو مقبِلٌ على بيتِ المقدِسِ يزورُهُ عَقِبَ انتصارِهِ على الفُرْسِ قرْبَى إلى اللهِ . وتناوَلَ قيصرُ الكتابَ فقرأَ فيهِ :بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ . مِنْ محمدٍ رسولِ اللهِ إلى هِرَقْلَ عظيمِ الرُّومِ ، سلامٌ علَى مَنِ اتبعَ الهدَى ، أمَّا بعدُ : فإِنَّي أدعوكَ بدعايَةِ الإسلامِ ، أسلِمْ تَسْلَمْ ، يؤتِكَ اللهُ أجرَكَ مرتَيْنِ ، فإِنْ توليتَ فإِنَّ عليكَ إثمُ الأكَّارينَ – الفلاحينَ - .و يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللهَ ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ ، فإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا : اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : فقه السيرة الصفحة أو الرقم: 355 | خلاصة حكم المحدث : صحيح من قوله وتناول قيصر إلى هنا أخرجه البخاري ومسلم-الدرر .
قال الإمام مسلم في صحيحه
1773
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ قَالَ ابْنُ رَافِعٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ-قالا -أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيهِ قَالَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ يَعْنِي عَظِيمَ الرُّومِ قَالَ وَكَانَ دَِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالُوانَعَمْ قَالَ فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟، قُلْتُ لَا، قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ قُلْتُ لَا ،قَالَ وَمَنْ يَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟قَالَ قُلْتُ لَا بَلْ يَزِيدُونَ ،قَالَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ قُلْتُ لَا.قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ نَعَمْ.قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ قُلْتُ تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ.قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا.قَالَ فَوَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ.قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ ؟قَالَ قُلْتُ لَا.قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ فَقُلْتَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهُ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَدْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمْ الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قَالَ إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغْطُ وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ قَالَ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ .
صحيح مسلم بَاب كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.شرح النووي على مسلم
الشرح
" هِرَقْلَ"وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ ، وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ يُقَالُ لَهُ : قَيْصَرُ .
قَوْلُهُ "عَنْ أَبِي سُفْيَانَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يَعْنِي الصُّلْحَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ
قَوْلُهُ" عَظِيمُ بُصْرَى" وَالْمُرَادُ بِعَظِيمِ بُصْرَى أَمِيرُهَا .
قَوْلُهُ" وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي" قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ أَهْوَنَ فِي تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ ، لِأَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِالْكَذِبِ فِي وَجْهِهِ صَعْبَةٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ
قَوْلُهُ " وَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ" هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ " لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ" وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى ، وَمَعْنَاهُ :لَتَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَارْتَكَبْتُ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ أُقْتَطَعَ دُونَهُوَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذَا ; لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ صِدْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا شَحَّ فِي الْمُلْكِ ، وَرَغِبَ فِي الرِّيَاسَةِ ، فَآثَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ هِدَايَتَهُ لَوَفَّقَهُ كَمَا وَفَّقَ النَّجَاشِيَّ وَمَا زَالَتْ عَنْهُ الرِّيَاسَةُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَوْفِيقَهُ .
وْلُهُ "لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ"
أَمَّاأَمِرَ أَيْ عَظُمَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ "ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ " فَقِيلَ : ........... وَقِيلَ :إِنَّ أَبَا كَبْشَةَ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ ،
قَوْلُهُ " إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ" بَنُو الْأَصْفَرِ هُمُ الرُّومُ
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-12-2017, 04:11 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,238
Exclamation

المجلس التاسع عشر
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
تابع :فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه
تابع :فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ
النجاشي ملك الحبشة رضي الله عنه
فأول من أسلم من ملوك العجم هو أصحمة بن أبحر النجاشي أسلم رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في "الإصابة في تمييز الصحابة": أصحمة بن أبحر النجاشي ملك الحبشة، واسمه بالعربية عطية ، والنجاشي لقب له، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه، وكان ردءا للمسلمين، نافعا، وقصته مشهورة في المغازي، في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الإسلام، وأخرج أصحاب الصحيح قصة صلاته صلى الله عليه وسلم (عليه) صلاة الغائب من طرق. (1/205). هنا .

النجاشي وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ مَلِكُ الْحَبَشَةِ . مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَلَمْ يُهَاجِرْ ، وَلَا لَهُ رُؤْيَةٌ ، فَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ وَجْهٍ ، صَاحِبٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْغَائِبِ [ ص: 429 ] وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَائِبٍ سِوَاهُ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَاتَ بَيْنَ قَوْمٍ نَصَارَى ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَانُوا مُهَاجِرِينَ عِنْدَهُ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ مُهَاجِرِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَامَ خَيْبَرَ .سير أعلام النبلاء
لما تولى النجاشي الملك.. وبعد سنوات من حكمه، انتشر عدله، وذهبت سيرته الطيبة إلى كل مكان، وسمع بذلك المسلمون في مكة، فهاجروا إليه فرارًا بدينهم من أذى المشركين واضطهادهم.. لكن الكفار لم يتركوهم يهنئون في دار العدل والأمان، فأرسلوا إلى النجاشي عمرو بن العاص، وهو داهية العرب، وعبد الله بن أبي ربيعة بالهدايا العظيمة حتى يسلمهما المسلمين الذين جاءوا يحتمون به، ودخل عمرو، وعبد الله، وقدَّما الهدايا إلى النجاشي، وطلبا منه أن يسلمهما المسلمين، فرفض النجاشي ذلك إلا بعد أن يسمع الطرف الآخر.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فَدَعَاهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ ، اجْتَمَعُوا ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا كَانَ . فَلَمَّا جَاءُوهُ ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ : مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ ؟ قَالَتْ : وَكَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّا كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ; نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ . فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ .
فَعَدَّدَ لَهُ أُمُورَ الْإِسْلَامِ - فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا - ص: 433- نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ
فَقَالَ : هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ . انْطَلِقَا ، فَوَاللَّهِ لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا وَلَا أَكَادُ .
سير أعلام النبلاء
ثم رد عليهما الهدايا. وعاش المؤمنون في أمان على أرض الحبشة وحفظ لهم النجاشي حقهم. وأسلم النجاشي وشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
فعن أبي موسى الأشعري:
"
أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ أن ننطلقَ معَ جعفرَ بنَ أبي طالبٍ إلى أرضِ النَّجاشيِّ ، قالَ فبلغَ ذلِكَ قومَنا فبعثوا عَمرَو بنَ العاصِ وعمارةَ بنَ الوليدِ وجمَعوا للنَّجاشيِّ هديةً ، فقَدِمنا وقَدِما علَى النَّجاشيِّ ، فأتَوهُ بِهَديَّتِهِ فقبِلَها وسجدوا ثمَّ قالَ لَهُ عَمرُو بنُ العاصِ: إنَّ قومًا منَّا رغِبوا عن دينِنا وَهُم في أرضِكَ . فقالَ لَهُمُ النَّجاشيُّ : في أرضي ؟ قالوا : نعم . فبعثَ إلينا فقالَ لَنا جعفرٌ: لا يتَكَلَّمُ منكُم أحدٌ أَنا خطيبُكُمُ اليومَ . قال فانتَهَينا إلى النَّجاشيِّ وَهوَ جالسٌ في مَجلسِهِ وعَمرُو بنُ العاصِ عن يمينِهِ وعمارةُ عن يسارِه ، والقسِّيسونَ والرُّهبانُ جلوسٌ سماطينِ ، وقد قال لهُ عمرو بنُ العاصِ وعمارةُ : إنَّهم لا يسجدونَ لَكَ. قال فلمَّا انتَهَينا زَبَرَنا قالَ مَن عندَهُ منَ القسِّيسينَ والرُّهبانُ : اسجدوا للملِكِ . فقالَ جعفرٌ: لا نسجدُ إلَّا للَّهِ فلمَّا انتَهَينا إلى النَّجاشيِّ قالَ : ما يمنعُكَ أن تسجُدَ ؟ قالَ : لا نسجُدَ إلَّا للَّهِ قالَ لَهُ النَّجاشيُّ : وما ذاكَ ؟ قالَ :إنَّ اللَّهَ بعثَ فينا رسولَهُ ، وَهوَ الرسولُ الَّذي بَشرَ بهِ عيسَى ابنُ مريمَ برسولٍ يأتي من بعدي اسمُهُ أحمدُ فأمرَنا أن نعبدَ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شيئًا ، ونقيمَ الصَّلاةَ ، ونُؤْتيَ الزَّكاةَ ، وأمرَنا بالمعروفِ ، ونَهانا عنِ المنكرِ. قالَ : فأعجبَ النَّجاشيَّ قولُهُ ، فلمَّا رأى ذلِكَ عَمرو بنُ العاصِ قال : أصلحَ اللَّهُ الملِكَ ، إنَّهم يخالفونَ في ابنِ مريمَ . فقالَ النَّجاشيُّ لجعفرٍ : ما يقولُ صاحبُكَ في ابنِ مريمَ ؟ قالَ :يقولُ فيهِ قَولَ اللَّهِ هوَ روحُ اللَّهِ وَكَلمتُهُ أخرجَهُ منَ البتولِ العذراءِ الَّتي لم يَقربَها بشرٌ قالَ : فتَناولَ النَّجاشيُّ عودًا منَ الأرضِ ، فقالَ : يا معشرَ القسِّيسينَ والرُّهبانَ ، ما يزيدُ ما يقولُ هؤلاءُ علَى ما تقولونَ في ابنِ مريمَ ما يزنُ هذِهِ ، مرحبًا بِكُم وبمَن جئتُمْ من عندِهِ ، فأَنا أشهدُ أنَّهُ رسولُ اللَّهِ والَّذي بشرَ بهِ عيسَى ابنُ مريمَ ، لَولا ما أَنا فيهِ منَ المُلكِ لأتَيتُهُ حتَّى أحملَ نعلَيهِ ، امكثوا في أرضي ما شئتُمْ وأمرَ لَنا بطعامٍ وَكِسوةٍ ، وقالَ : ردُّوا علَى هذَينِ هديَّتَهما . ....."
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : الوادعي | المصدر : صحيح دلائل النبوة-الصفحة أو الرقم: 104 | خلاصة حكم المحدث : صحيح . ورجاله رجال الشيخين
الدرر السنية .

"
لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي آمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم . قالت : فخرج فقدم على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، ثم قالا لكل بطريق منهم : إنه قد صبأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليه فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهما : نعم ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له : أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه . قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم . فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك ، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليه فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . قال : فغضب النجاشي ثم قال : لا ها الله ايم الله إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم . فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم . وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني . قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول له والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم كائن في ذلك ما هو كائن فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له : أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ، و أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . قال : فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله . وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قالت : فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قالت : فقال له جعفر : نعم . فقال له النجاشي : فاقرأ علي . فقرأ عليه صدرا من كهيعص . قالت : فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم . ثم قال النجاشي : إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد . قالت أم سلمة : فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص والله لأنبئنهم غدا عيبهم عندهم ثم أستأصل به خضراءهم قالت فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا : لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا . قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد . قالت : ثم غدا عليه الغد . فقال له : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه . قالت : فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت : ولم ينزل بنا مثله ، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض : ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه ؟ قالوا : نقول والله فيه ما قال الله ، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن . فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقولون في عيسى بن مريم ؟ فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاء به نبينا . هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول . قالت : فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال : ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود . فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم والله ! اذهبوا فأنتم سيوم بأرض –والسيوم الآمنون - من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم . فما أحب أن لي دبرا ذهبا وأني آذيت رجلا منكم – والدبر بلسان الحبشة الجعلردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه . قالت : فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار . قالت : فوالله إنا على ذلك إذ نزل به يعني من ينازعه في ملكه . قالت : فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه . قالت وسار النجاشي وبينهما عرض النيل . قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر . قالت فقال الزبير بن العوام أنا . قالت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم . قالت ودعونا الله – للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده . واستوسق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بمكة"الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية | المحدث : الوادعي | المصدر : صحيح دلائل النبوة-الصفحة أو الرقم: 96 | خلاصة حكم المحدث : حسن - الدرر السنية .
* -
بلغَنَا مخْرَجُ النبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ ونحنُ باليمنِ ، فخرجنا إليهِ أنا وأَخَوانِ لي أنا أصغَرُهُم ، أحدُهُما أبو بُرْدَةَ والآخرُ أبو رُهْمٍ ، إما قال : في بضعِ ، وإما قال : في ثلاثةِ وخمسينَ ، أو : اثْنَينِ وخمسينَ رجلاً في قومي ، فركِبْنا سفينةً ، فألْقَتنا سفينَتُنا إلى النجاشيِّ بالحبَشةِ ، فوافَقنا جعفرَ بنَ أبي طالبٍ ، فأقَمنا معه حتى قدِمنا جميعًا ، فوافَقنا النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ حين افتَتَحَ خيبرَ ، وكان أناسٌ مِنَ الناسِ يقولون لنا يعني لأهلِ السفينةِ : سبَقناكم بالهِجرةِ . ودَخلت أسماءُ بنتُ عُميسٍ ، وهي مِمن قدِم معنا ، على حفصةَ زوجِ النبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ زائرةً ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشيِّ فِيمَن هاجرَ ، فدخل عمرُ على حفصةَ وأسماءُ عِندَها ، فقال عمرُ حين رأى أسماءَ : مَن هذه ؟ قالت : أسماء ُبنتُ عُمَيسٍ ، قال عمرُ : آلحبشيةُ هذه ، آلبحريةُ هذه ؟ قالت أسماء ُ: نعم ، قال : سبَقناكم بالهجرةِ ، فنحن أحقُّ برسولِ اللهِ منكم ، فغضبتْ وقالت : كلاَّ واللهِ ، كنتم مع رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ يُطعمُ جائِعكُم ، ويَعظُ جاهِلَكُم ، وكنا في دارِ - أو في أرضِ - البُعَداءِ البُغَضاءِ بالحبشةِ ، وذلك في اللهِ ورسولهِ _صلى الله عليه وسلم_ ، وايمُ اللهِ لا أطْعَمُ طعامًا ولا أشربُ شرابًا ، حتى أذكرَ ما قلتُ لرسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ ونحن كنا نُؤذى ونخافُ ، وسأذكرُ ذلك للنبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ وأسألُه واللهِ ولا أكذبُ ولا أزيغُ ولا أزيدُ عليه . فلما جاء النبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ قالت : يا نبيَّ اللهِ إن عمرَ قال كذا وكذا ؟ قال : ( فما قُلتِ له . قالت : قلتُ له كذا وكذا ، قال : ( ليس بأحقَّ بي منكم ، وله ولأصحابهِ هجرةٌ واحدةُ ، ولكم أنتم - أهلَ السفينةِ - هجرتان ) . قالت : فلقد رأيتُ أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالا ، يسألونني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو بردة : قالت أسماء : رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني .
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4230 - خلاصة حكم المحدث :صحيح- الدرر.
قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال: مرحباً بصديقي ، أهديت إلي من بلادك شيئاً؟
قال: قلت : نعم أيها الملك ، قد أهديت لك أُدُماً كثيراً.
قال: ثم قدمته إليه ، فأعجبه واشتهاه .
ثم قلت: أيها الملك ، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطنيه لأقتله ، فإنه قد أصاب من أشرافنا وأعزتنا .
قال: فغضب ، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره ، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها خوفا منه
ثم قلت له: أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه.
فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟!
قال: قلت: أيها الملك ، أكذاك هو ؟
قال: ويحك يا عمرو ، أطعني واتبعه ، فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرن على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده .
قال: قلت: أتبايعني له على الإسلام ؟ قال: نعم . فبسط يده ، فبايعته على الإسلام.
ثم خرجت على أصحابي ، وقد حال رأيي عما كان عليه ، فكتمت أصحابي إسلامي.
ثم خرجت عامدًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلامي ، فلقيت خالد بن الوليد ، وذلك قبيل الفتح ، وهو مقبل من مكة ، فقلت: أين يا أبا سليمان؟
قال: والله لقد استقام المنسم ، وان الرجل لنبي ، أذهب والله أُسْلِمُ فحتى متى؟
قال: قلت: فأنا والله ما جئت إلا للإسلام .
قال: فقدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبابع ، ثم دنوت ، فقلت: يا رسول الله ، إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولا أذكر ما تأخر .
قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عمرو ، بايع ، فان الإسلام يجب ما كان قبله ، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها. قال: فبايعت ، ثم انصرفت.
ملتقى أهل الحديث


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-12-2017, 05:23 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,238
Exclamation

المجلس العشرون
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
تابع :فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه
إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وموته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيد ولد آدم
نعيش لحظات مؤثرة وعبر جمة مع عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت ،ثبتنا الله وإياكم على الحق
وقد وردت قصة عجيبة في إسلامه اشتملت على فضيلة له وللنجاشي واشتملت على تاريخ إسلامه وإسلام خالد بن الوليد -رضي الله عنه- .
ومن اللطائف أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- هو الصحابي الذي أسلم على يد تابعي .-أو صحابي مخضرم- على خلاف-.
أخي المسلم: اكتب بعلم أو اسكت بحلم
ملتقى أهل الحديث

عمرو بن العاص من الصحابة الأجلاء الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
فإن عمرو بن العاص من الصحابة الأجلاء -رضي الله عنهم- الذين توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض ، ومن الذين صحت لهم الفضائل والمناقب العديدة.وقد وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاح وبالإيمان .
- "ابنا العاص مؤمنانِ : هشامٌ و عَمرو"
الراوي : أبو هريرة |المحدث : الألباني |المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم: 45 |خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر .
- خُذْ عليكَ ثيابَكَ ، وسلاحَكَ ، ثمَّ ائتِني . فأتيتُهُ وَهوَ يتوضَّأُ فصعَّدَ فيَّ النَّظَرِ ، ثمَّ طَأطأَهُ فقالَ : إنِّي أريدُ أن أَبعثَكَ على جَيشٍ فيسلِّمُكَ اللَّهُ ويغنِّمُكَ ، وأرغَبُ لَكَ منَ المالِ رَغبةً صالِحةً قال قُلتُ يا رسولَ اللَّهِ ، ما أسلَمتُ من أجلِ المالِ ، ولَكِنِّي أسلَمتُ رغبةً في الإسلامِ ، وأن أَكونَ معَ رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - . فقالَ :يا عَمرو ، نِعمَ المالِ الصَّالحِ للمرءِ الصَّالحِ.الراوي : عمرو بن العاص|المحدث : الوادعي|المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم: 1009 |خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر .
وكانت له الجهود العظيمة في حروب الردة وفي الفتوحات الإسلامية وكان من كبار القواد في عهدي عمر وعثمان -رضي الله عنهما- .
وهو فاتح مصر وغيرها من الأماكن .
عمرو بن العاص في سياقة الموت
قال الإمام مسلم في صحيحه
حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ ‏ ‏وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ ‏ ‏وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ ‏ ‏كُلُّهُمْ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي عَاصِمٍ ‏ -‏وَاللَّفْظُ ‏ ‏لِابْنِ الْمُثَنَّى ‏- قال: ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الضَّحَّاكُ- يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ -‏ ‏قَالَ: أَخْبَرَنَا ‏ ‏حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ‏، ‏قَالَ :حَدَّثَنِي ‏ ‏يَزِيدُ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ‏، ‏قَالَ :‏
حَضَرْنَا ‏ ‏عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ‏ ‏وَهُوَ ‏ ‏فِي سِيَاقَةِ ‏ ‏الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ :يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِكَذَا . قَالَ :فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،‏ ‏إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ:
"مَا لَكَ يَا ‏ ‏عَمْرُو"‏ ‏قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ
قَالَ:" تَشْتَرِطُ بِمَاذَا"؟. قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ ‏:
" ‏أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ"
وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا،
فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي ‏ ‏فَشُنُّوا ‏ ‏عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ ‏ ‏جَزُورٌ ‏ ‏وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي"
صحيح مسلم / 1-كتاب الإيمان /54- باب ‏كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج‏ / حديث رقم :192-(121) / ص: 39
شرح الحديث
بكَى عمرُو بنُ العاصِ رضي الله عنه طويلًا حين حضَره الموتُ، وحوَّل وجهَه إلى الجِدارِ، فجعَل ابنُه يقولُ: يا أبتاه، أمَا بشَّرك رسولُ الله بكذا؟ كناية عنِ المُبشَّرِ هو به، فأقبَل بوجهِه فقال: إنَّ أفضلَ ما نعُدُّ، أي: نتَّخِذُه ذُخرًا أو عُدَّةً للمَعادِ: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ
.
إنِّي كنتُ على أطباقٍ ثلاثٍ، أي: أحوالٍ ثلاثٍ، لقد رأيتُني وما أحدٌ أشدَّ بُغضًا لرسولِ اللهِ منِّي، ولا أَحبَّ إليَّ أنْ أكونَ قد استمكنتُ، أي: تمكَّنتُ منه فقتلتُه، فلو متُّ على تلك الحالِ لكنتُ مِن أهلِ النَّارِ، أي: مِن أصحابِها المُخلَّدينَ فيها أبدًا. فلمَّا جعَل اللهُ الإسلامَ، أي: حبَّه، في قلبي، أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذلك بعدَ الحُديبيَةِ، فقلتُ: ابسُطْ يمينَك فلِأُبايِعَكَ، أي: على اتِّباعِه ونُصرةِ الإسلامِ، فبسَط يمينَه، فقبضتُ يدي، أي: يميني؛ لأنَّها الَّتي يُبايعُ بها، فقال: ما لكَ يا عمرُو؟ قلتُ: أرَدْتُ أنْ أشترطَ، قال: تشترطُ بماذا؟ قلتُ: أن يُغفَرَ لي، قال: أمَا علِمْتَ أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قبْلَه، أي: مِن سائرِ الذُّنوبِ الَّتي أعظَمُها الكفرُ، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلها، أي: ممَّا يحدُثُ بين الإسلامِ وبينَها، وأنَّ الحجَّ يهدِمُ ما كان قبْلَه.
وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ مِن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الإيمانَ لا يتمُّ إلَّا بذلك، ولا أجَلَّ، أي: أعظَمَ في عينيَّ منه، وما كنتُ أُطيقُ أنْ أملأَ عينيَّ منه؛ إجلالًا له، أي: ما كنتُ أُحدِّقُ فيه؛ تَعظيمًا لقَدْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو سُئِلتُ أنْ أصِفَه، أي: أذكُرَ صفةَ خَلقِه، ما أطَقْتُ ذلك؛ لأنَّه لا يكونُ إلَّا عن إمعانِ نظَرٍ مِن الواصفِ للَّذي يُريدُ وصْفَه؛ لأنِّي لم أكُنْ أملأُ عينيَّ منه، ولو متُّ على تلك الحالةِ العظيمةِ الشَّأنِ لرجوتُ أن أكونَ مِن أهلِ الجنَّة.
ثمَّ وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، وهذا منه مزيدُ تواضُعٍ لمولاه، وإلَّا فهو مِن علماءِ الصَّحابةِ، والصَّحابةُ كلُّهم عُدولٌ، فإذا أنا متُّ فلا تصحَبْني نائحةٌ، وهي الرَّافعةُ للصَّوتِ بالبُكاءِ مع تَعدادِ الأوصافِ، ولا نارٌ؛ قيل: ذلك للتَّفاؤلِ بالنَّجاةِ منها وكراهةً لصُحبتِها للميِّتِ، وقيل: لأنَّ هذا كانَ مِن فِعل الجاهليَّةِ، أو فُعِل على وجهِ الظُّهورِ والتَّعالِي؛ فمُنِع لذلك. ثم قال: فإذا دفَنْتموني فشُنُّوا علَيَّ التُّرابَ شنًّا، أي: فصُبُّوا علَيَّ التُّرابَ قليلًا قليلًا، ثمَّ أقيموا حولَ قبْري أي: امكثُوا عِندَ قدْرَ ما تُنحَرُ جَزُورٌ ويُقسَمُ لحمُها، "والجَزُورُ" المذبوحُ مِن الإبلِ خاصَّةً، وسواءٌ كان ذكرًا أم أنثى؛ كي أستأنِسَ بكم وأنظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ ربِّي، أي: سؤال الملَكينِ.
في الحديثِ: إثباتُ سُؤالِ الملَكينِ في القَبْرِ.
وفيه: المُكثُ عند القَبرِ بعد الدَّفنِ نحوَ ما ذكَر؛ لِما ذكَر.
وفيه: صبُّ التُّرابِ في القبرِ؛ فإنَّه لا يُقعَدُ عليه.
وفيه: عِظَمُ موقعِ الإسلامِ والهجرةِ والحجِّ، وأنَّ كلَّ واحدٍ منها يهدِمُ ما كان قبْلَه مِن المعاصي.
وفيه: النَّهيُ عن النِّياحةِ أو اتِّباعِ الميِّتِ بنارٍ.
وفيه: هيبةُ الصَّحابةِ وإجلالُهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: تنبيهُ المُحتَضَرِ على إحسانِ ظنِّه باللهِ سبحانه وتعالى، وذِكرُ آياتِ الرَّجاءِ وأحاديثِ العفوِ عنده، وتبشيرُه بما أعَدَّه اللهُ تعالى للمُسلِمينَ، وذِكرُ حسَنِ أعمالِه عنده؛ ليحسُنَ ظنُّه باللهِ تعالى ويموتَ عليه.
وفيه: أنَّ المُؤمنَ لا تفارقُه خشيةُ اللهِ، ولو عَمِل مِن الصَّالحاتِ ما عمِل.هنا .
أبو الدرداء
أبو الدرداء رضي الله عنه – واسمه عويمر – من قرّاء الصحابة ، وقد توفي لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وتزوّج امرأتين :
الأولى : أم الدرداء الكبرى الصحابية رضي الله عنها .
وهي خَيْرَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ بِنْتُ ... ، ماتت قبل أبي الدرداء،
الثانية : أم الدرداء الصغرى التابعية .
وهي هُجَيْمَةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الوَصَّابِيَّةُ، مات أبو الدرداء عنها، فلم تتزوّج بعده، وترجم لها المزّي في تهذيب الكمال (8569)، وذكر أنها كانت يتيمة في حِجر أبي الدرداء، ولها ترجمة مطوّلة في تاريخ دمشق، ونقل ابن عساكر عن التاريخ الأوسط للبخاري أنها حجّت سنة إحدى وثمانين وأنها كانت فقيهة، وذكر ابن حجر في تقريب التهذيب (8728) أنها ماتت سنة إحدى وثمانين .
ولأبي الدرداء من أم الدرداء الكبرى الصحابية :
- ابنه بلال، روى عن أبيه أحاديث، وكان قاضيًا، ترجم له المزِّي في تهذيب الكمال (768)، وهو أسنّ من أم الدرداء الصغرى، وتوفي سنة ثلاث وتسعين، وله عقب .
- ابنته الدرداء، روت عن أبيها حديثًا مرفوعًا؛ أخرجه البزار (2198 – مختصر زوائده لابن حجر)، ولها ترجمة في تاريخ يحيى بن معين (3/124/ ت : أحمد نور سيف، وتوفّيت قبل أم الدرداء الصغرى، وذكر مسلم في صحيحه (2733) أن زوجها هو صفوان بن عبد الله بن صفوان ، وهو من الرواة عن أبي الدرداء .ملتقى أهل الحديث .
-
آخى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بين سلمانَ وأبي الدرداءِ، فزار سلمانُ أبا الدرداءِ، فرأى أمَّ الدرداءِ متبذِّلةً، فقال لها : ما شأنُكِ ؟ قالت : أَخُوكَ أبو الدرداءِ ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداءِ، فصنع له طعامًا، فقال : كُلْ فإني صائمٌ، قال : ما أنا بآكِلٍ حتى تأكلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداءِ يقومُ، فقال : نَمْ، فنام، ثم ذهب يقومُ، فقال : نَمْ، فلما كان آخِرُ الليلِ، قال سلمانُ : قُمِ الآنَ، قال : فصَلَّيَا، فقال له سلمانُ : إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فذكر ذلك له، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( صَدَق سلمانُ ) . أبو جُحَيْفَةَ وهبٌ السُّوائيُّ، يقال : وَهْبُ الخيرِ
الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة |المحدث: البخاري | المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6139 | خلاصة حكم المحدث : صحيح| انظر شرح الحديث رقم 15224 -الدرر .
-
قَدِمْتُ الشامَ فصَلَّيْتُ ركعتين ، ثم قُلْتُ : اللهمَّ، يَسِّرْ لي جليسًا صالحًا ، فأَتَيْتُ قومًا فجَلَسْتُ إليهم ، فإذا شيخٌ قد جاء حتى جلَسَ إلى جنبي ، قلتُ : مَن هذا ؟ قالوا : أبو الدرداءِ . فقُلْتُ : إني دعوتُ اللهَ أن يُيَسِّرَ لي جليسًا صالحًا . فيَسَّرَكَ لي . قال : ممَن أنت ؟ قلتُ : مِن أهلِ الكوفةِ ، قال : أو ليس عندَكم ابنُ أمِّ عبدٍ ، صاحبُ النعلين والوِسادِ والمِطْهَرَةِ ، وفيكم الذي أجارَه اللهُ مِن الشيطانِ - يعني: على لسانِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم - أو ليس فيكم صاحبُ سرِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي لا يَعْلَمُه أحدٌ غيرُه ، ثم قال : كيف يقرأُ عبدُ اللهِ : والليل إذا يغشى . فقَرَأْتُ عليه : والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . والذكر والأنثى . قال : واللهِ لقد أَقَرَأَنِيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن فِيه إلى فِي .
الراوي : أبو الدرداء | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 3742 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 15427 . الدرر .
-
أنَّ رجلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ: إنَّ لفُلانٍ نَخلةً ، وأَنا أقيمُ حائطي بِها ، فأمرهُ أن يُعْطيَني حتَّى أقيمَ حائطي بِها ، فقالَ لَهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ: أعطِها إيَّاهُ بنخلةٍ في الجنَّةِ فأبى ، فأتاهُ أبو الدَّحداحِ فقالَ: بِعني نخلتَكَ بحائطي. ففعلَ ، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، إنِّي قدِ ابتَعتُ النَّخلةَ بحائطي. قالَ: فاجعَلها لَهُ ، فقد أعطيتُكَها. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ: كَم مِن عذقٍ رَداحٍ لأبي الدَّحداحِ في الجنَّةِ قالَها مرارًا. قالَ: فأتى امرأتَهُ فقالَ: يا أمَّ الدَّحداحِ اخرُجي منَ الحائطِ ، فقد بعتُهُ بنخلةٍ في الجنَّةِ. فقالَت: ربحَ البيعُ. أو كلِمةً تشبِهُها .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الوادعي | المصدر : الصحيح المسند
الصفحة أو الرقم: 26|
خلاصة حكم المحدث : صحيح .الدرر .
لم يفكر أبو الدحداح في البستان وما يمثله له , وما يمثله هذا التبادل من خطأ تجاري فادح بمعيار أهل الدنيا , ولكن كل معايير أهل الدنيا تسقط بشراء نخلة في الجنة , فيساومه أبو الدحداح على بستانه كاملا بكل ما فيه من نخيل وثمار وبئر محفورة وبيت للسكنى وحائط يحفظه كل ذلك في مقابل هذه النخلة ويرجوه القبول , انه لا يريد النخلة فعنده من النخيل ما يكفيه وما يزيد عليها ناتجا وثمرا , هو يريد ما وراءها , وهنا تحقق لهما العقد وربحا سويا , ربح أحدهما حائطا كبيرا بنخيله وثماره , بينما ربح الآخر موضع قدم له في الجنة ليضمن دخوله فيها , فما أعظم ربح أبي الدحداح فما أعظم ربح أبي الدحداح الذي ردده النبي صلى الله عليه وسلم مرارا كم من عذق دواح لأبي الدحداح , كم من عذق دواح لأبي الدحداح - ونأتي للموقف الأكثر دلالة ورقيا , لحظة أن يدخل أبو الدحداح على أم الدحداح طالبا منها مفارقة بيتها وبستانها وأشجارها ونخيلها , فكانت على نفس المستوى الإيماني , لم تتردد ولم تناقشه ولم تخرج وهي ممتعضة من قراراه ولم تكن عونا لنفسه عليه , بل تقبلت البيع بفرح , وأعانته على تنفيذه وشجعته قائلة ربح البيع أو ربحت البيع , فكانت مثالا مغايرا لطبيعة نساء كثيرات , لكنها من نساء الصحابة اللاتي بعن ما يملكن إرضاء لله , فهانت عليهن كل الممتلكات الدنيوية , فحالها مثل حالهن جميعا يوم أن خرجن من حليهن لتجهيز جيش تبوك , وكحال من سألن النبي صلى الله عليه وسلم عن سبل الأجر لهن حيث اعتقدن أن الرجال قد ذهبوا بكل الأجر بالجمعة والجماعة والجهاد , لم يشغلن أنفسهم بتفاهات يسمونها اليوم بحقوق المرأة , فكن يعلمن أن الإسلام قد اجزل لهن العطاء وجعلهن مساوين للرجال تماما في التكليف والأجر مع اختصاصها ببعض التخفيف لطبيعتها التي خلقها الله عليها إنهن نساء الصحابة اللاتي شاركن في الجهات يسقين المقاتلين ويداوين الجرحى بل ويقاتلن أيضا إذا حمي الوطيس واشتد الكرب , فمنن من قتلت من يحوم حول حصنهن في الأحزاب ومنهن من قتلت تسعة بعامود خيمتها ومنهن من دافعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال في أعظم ملاحم المرأة في كل العصور لم يربح أبو الدحداح وحده , بل ربح آل الدحداح جميعا , فهنيئا لهم جميعًا , فكم أعد لهم من عذق دواح في الجنة .
منقول بتصرف
.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-12-2017, 05:28 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,238
Exclamation

المجلس الحادي والعشرون
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة


من علماء الآخرة

شيخ الإسلام ابن تيميَّة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه
علماء الآخرة

شيخ الإسلام ابن تيمية
هو الإمام الربَّاني، الفقيه المجتهد، المجدِّد، بحْر العلوم العقلية والنقلية، شيخ الإسلام، تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن الشيخ الإمام شهاب الدِّين أبي المحاسن عبدالحليم بن الشيخ الإمام مجد الدين أبي البركات عبدالسلام بن أبي محمَّد عبدالله بن أبي القاسم الخَضر بن محمَّد بن تيميَّة بن الخضر بن علي بن عبدالله النميري.لقبه:لُقِّب بشيخ الإسلام، وبابن تيمية.
إنَّ لقب تيمية: إنما هو لجَدِّه محمد بن الخضر، وسببه قولان: "فقيل: إنَّ جَده محمد بن الخضر حجَّ على درْب تيماء -بلدة بين الشام ووادي القُرى في طريق حجاج الشام-، فرأى هناك طفلةً فلما رجع وجد امرأته قد ولدتْ له بنتًا فقال: يا تيميَّة - يا تيمية، وقيل: إنَّ جده محمدًا كانت أمُّه تسمَّى تيمية، وكانت واعظةً، فنُسب إليها، وعرف بها"؛ الإمام مرعي الكرمي، الكواكب الدرية، (ص: 52) بتصرف.، وغالبًا ما يُجمع بينهما فيقال: شيخ الإسلام ابن تيمية.كنيته:كني بأبي العباس، مع أنه لم يتزوَّج؛ ذلك أنَّه من السُّنة أن يكنى المسلِم، ولو لم يُولد له، أو كان صغيرًا؛ لحديث عائشة أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها -: أنها قالت للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يا رسول الله، كل نسائك لها كُنية غيري، فقال لها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم-"اكتني بابنِك عبدالله-يعني: ابنَ الزبير-أنت أمُّ عبدالله" صحيح: رواه الإمام أحمد في مسنده (6/151)، 186)، وصحَّحه الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، (1 ص 45)، رقم (132).، ولقول أنس - رضي الله عنه -: إنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - دخل فرأى ابنًا لأبي طلحةَ، يُقال له:أبو عُمَير، وكان له نُغَير يلعب به، فقال"يا أبا عُمير، ما فعَل النُّغَير؟".رواه البخاري، (16/479 - 480 فتح) رقم (6203)، وبوَّب عليه الإمام البخاري في كتاب الأدب بابًا بعنوان: الكُنية للصبي وقبل أن يُولَد للرجل، ورواه مسلم (4/1692 - 1694) رقم (2150).
الألوكة
*الاسم: أحمد تقي الدين بن شهاب الدين عبدالحليم بن أبي البركات مجد الدين بن تيمية، الحرَّاني، الدمشقي -أبو العباس- .*ولادته: ولد بحرَّان يوم الإثنين 10 من شهر ربيع الأول سنة 661 هـ.* انتقل مع والده من حرَّان إلى دمشق، وكان عمره سبع سنوات، وذلك بعد إغارة التتر على حرَّان.
-كانت أولى أعمال ابن تيمية في تعليم القرآن الكريم، فقد كان يعلم الناس كيفية قراءة القرآن وحفظه، كما أنه أتم حفظ القرآن الكريم منذ سن صغيرة، واهتم بعد ذلك في تعلم علوم الفقه والتفسير، وبدأ في البحث في مثل هذه الأمور، وبعد أن بلغ من العمر سبعة عشر عامًا بدأ في جمع وتأليف ملاحظاته في بعض الكتب-
*
تُوفِّي والدُه وعمره 22سنة، سنة 682هـ.قام مقام والدِهِ في مشيخة التدريس في هذه السن المبكرة، بدار الحديث السكرية في 2 المحرم 683هـ، وحضر درسَه كبار علماء دمشق.هنا ..
من تلاميذه :
الإمام ابن قيِّم الجوزية، والإمام الذهبي، والإمام ابن كثير، والحافظ البزار، والإمام ابن عبدالهادي ، والشيخ الواسطي ، والشيخ ابن الوردي ، والشيخ ابن رشيق ، والإمام ابن مُفلِح ، وغيرهم الكثير والكثير، والذين قد حملوا عِلمَه، وسلَكوا منهاجَه في تبليغ الشريعة.وبالنظر إلى تلاميذ هذا الإمام العملاق، تظهر منزلتُه، ويبين قدرُه، فإذا كان تلاميذه أئمة، ولهم من العلم ما لهم مِن تآليف، وتولٍّ لقضاء أو إصلاح، فكيف يكون قدرُ أستاذهم وشأنه؟!إنَّه بحر لا ساحلَ له، وموسوعةٌ عِلمية ومكتبية متنقِّلة، مع العلم والعمل، والزهد وترْك المناصب، واللهج بذِكْر الله - عز وجل - والدعوة إلى نُصْرة شرْعه بنفسه ورُوحه وماله كله، وهذا معروفٌ وواضح من أحواله، بما ترجم له مَن رآه، أو رأى مَن رآه، وبما تواترتْ أخباره بيْن ناقليها مِن جميع فئات شعبي دمشق ومصر، وبما ترَك خلفَه من آثار: سواء في تلاميذ، أو كتب، أو إصلاح.عقيدته ومذهبه:عقيدته:عقيدة الإمام ابن تيمية التي يعتقِدها هي عقيدة السلف الصالح: أهل السنة والجماعة، المتمثِّلة في القرون الثلاثة الأولى، على ما كان عليه النبيُّ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله"خير أمَّتي قرْني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".رواه البخاري (10/517 - 518 فتح)، رقم (3650)، ومسلم (4/1962- 1964) رقم (2533-2535).، فلا علاقة لمعتقده بشخصٍ معيَّن، ولا بمذهب معيَّن، لا حنبلي ولا غيره؛ بل بما جاء في كتاب الله - عز جل - وبما ثبَت في صحيح السنة النبوية المطهَّرة، وتفسير لما فيها بما ثبت عن الصحابة الكِرام، وعن تابعيهم بإحسانٍ من تلك القُرون الثلاثة الفاضلة، ومع أنَّ إمامه في الفقه هو الإمام أحمد بن حنبل، فإنَّ الإمام ابن تيمية لم يَدْعُ أحدًا قط إلى الْتزام العقيدة على منهج الحنابلة؛ بل كان يدعو إلى الْتزام معتقد السلف الصالح، وقد أبان ذلك هو بنفسه إذ قال "أما الاعتقاد، فإنَّه لا يُؤخذ عني ولا عمَّن هو أكبرُ مني؛ بل يؤخذ عن الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما أجمع عليه سلفُ الأمَّة، فما كان في القرآن وجَب اعتقادُه، وكذلك ما ثبَت في الأحاديث الصحيحة، مثل صحيحي البخاري ومسلم... وكان يَرِدُ عليَّ مِن مصر وغيرها مَن يسألني عن مسائلَ في الاعتقاد أو غيره، فأُجيبه بالكتاب والسُّنة، وما كان عليه سَلفُ الأمة"الإمام ابن عبدالهادي، العقود الدرية، (ص: 170) بتصرف، الإمام ابن تيمية، مجموع الفتاوى، (3/161).، وقد كتَب الإمام ابن تيمية هذه العقيدةَ التي يَدين اللهَ بها حينما طُلِب منه أن يَكتبها، فكتبَها فيما بيْن الظُّهر والعصرالإمام ابن تيمية، مجموع الفتاوى، (3/194)، وهذه العقيدة هي:
الإيمانُ بالله وملائكته، وكُتبه ورسله، والبعْث بعد الموت، والإيمان بالقَدر خيره وشرِّه، وإثبات معيَّة الله لخلْقه، وأنها لا تُنافي علوَّه فوقَ عرْشه، ورؤية المؤمنين لربِّهم يومَ القيامة.ومِن الإيمان بالله تعالى:الإيمانُ بكلِّ الأسماء والصفات الواردة في الكتاب وصحيح السنة، ثم الإيمان بالقُرآن الكريم، وأنَّه كلام الله، منزَّل، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنَّ الله تكلَّم به حقيقة، وأنَّ هذا القرآن الذي أنزله على محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو كلام الله حقيقة، لا كلام غيره.ثم الإيمان باليوم الآخِر، وما يكون فيه من أمورٍ بعد هذه الفِتنة، إمَّا نعيم وإمَّا عذاب، إلى أن تقومَ القيامة الكبرى، فتُعاد الأرواح إلى الأجساد، ثم تقوم القيامة، فيقوم الناس مِن قبورهم لربِّ العالمين حفاةً عراةً غرلاً، وتدنو منهم الشمس، ويُلجمهم العرق، وتُنصب الموازين، فتوزَن بها أعمالُ العباد، وتنشَر الدواوين، ثم الإيمان بالحِساب.والإيمان بحوْض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي من شرِب منه شربةً لا يظمأ بعدها أبدًا، والإيمان بالصِّراط، وهو منصوبٌ على متْن جهنم: وهو الجِسر الذي بين الجَنَّة والنار، يمرُّ الناس على قدْر أعمالهم، فمَن مرَّ على الصِّراط، دخَل الجنة، فإذا عبَرُوا عليه وقفوا على قنطرة بيْن الجنة والنار، فيُقتص لبعضهم مِن بعض، فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا، أُذِن لهم في دخول الجَنَّة، وأوَّل مَن يَستفتح بابَ الجنة محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأوَّل مَن يدخل الجنة مِن الأمم أمَّتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القيامة ثلاثُ شفاعات:الأولى:يشفع في أهْل الموقف حتى يُقضى بينهم، بعد أن يتراجع الأنبياءُ عنها؛ آدم فمَن بعده، حتى تنتهي إليه - صلَّى الله عليه وسلَّم.الثانية:يشفع في أهل الجَنَّة أن يدخلوها.
الثالثة:يشفع فيمَن استحقَّ النار، وهذه الشفاعة لـه ولسائرِ النبيِّين والصِّدِّيقين وغيرهم، فيشفع فيمَن استحق النار ألاَّ يدخلها، ويشفع فيمَن دخلها أن يخرج منها.كما يعتقد أنَّ الإيمان قولٌ وعمل، يَزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهو متَّبع لمعتقد أهل السُّنة والجماعة؛ الفرْقة الناجية، في عدم تكفير أهْل القِبلة بمُطلق المعاصي والكبائر؛ بل الأُخوَّة الإيمانية ثابتةٌ مع المعاصي.ومما يعتقده:وجوب سلامة القلْب واللِّسان لأصحاب النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - ويتولَّى آل بيت رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويحبُّهم، كما يتولَّى أزواج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمهات المؤمنين، وأنهنَّ أزواجه في الدنيا وفي الآخرة، كما أنَّه يُمسك عما شجَر بين الصحابة - رضي الله عنهم - لأنَّ الآثار المروية في مساويهم: منها ما هو كذب، ومنها ما قد زِيدَ فيه ونقص وغُيِّر عن وجهه.والصحيح منه هم فيه معذورون:إما مجتهدون مُصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، مع الاعتقاد بأنَّ كل واحد من الصحابة ليس بمعصومٍ عن كبائر الإثم وصغائره، لكن لهم من السوابق والفضائل ما يُوجِب مغفرةَ ما يصدر منهم إنْ صدر، حتى إنهم يُغفر لهم من السيئات ما ليس لمَنْ بعدَهم، أو بتوبة أو شفاعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي هم أحقُّ الناس بشفاعته، أو ابتُلي ببلاء في الدنيا كفِّر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحقَّقة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين؟!وأنَّهم خيرُ البشر بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمَّة التي هي خيرُ الأمم، وأكرمُها على الله.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-12-2017, 05:29 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,238
Exclamation

المجلس الثاني والعشرون
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه
شيخ الإسلام ابن تيمية
تابع عقيدة شيخ الإسلام ابن تيميَّة
*وهو تابع لأهل السُّنة بأنهم يَدينون بالنصيحة للأمَّة، والصبر عند البلاء، والشُّكر عند الرخاء، والرضا بمرِّ القضاء، ويدْعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والعفو عمَّن ظلم، ويدْعون إلى برِّ الوالدين، وصِلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين، والبُعد عن الأخلاق السيِّئة؛ كل ذلك اتباعًا للكتاب والسنة، وتطبيقًا للشريعة التي بُعِث بها محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وله عبارات رقراقة ومن هذه العبارات:
1
-المـؤمن مأمورٌ بأن يفعـل المأمور، ويترك المحظور، ويصبر على المقدور"
2
الذِّكْر للقلْب مثل الماء للسمك"
3
إنَّ في الدنيا جَنَّةً مَن لم يدخلها لا يدخُل جَنَّةَ الآخرة"
4
المحبوس مَن حُبِس قلْبه عن ربه - تعالى - والمأسور مَن أَسَره هواه"
5
ما يَصنع أعدائي بي؟! أنا جَنَّتي وبُسْتاني في صدري، أين رحتُ فهي معي لا تُفارقني؛ إنَّ حبسي خلوة، وقتْلي شهادة، وإخراجي مِن بلدي سياحة".
6
العبادة: اسمٌ جامِع لكلِّ ما يحبه الله ويرْضاه، مِن الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة"
7
النَّفْس لا تزكو وتصلح حتى تُمحَّصَ بالبلاء، كالذهب الذي لا يخلص جيِّده من رديئه، حتى يفتنَ في كِير الامتحان"
8
الطاعة والعبادة هي مصلحةُ العبد التي فيها سعادتُه ونجاته"
9
ما يقوم بالقلْب من الشعور والحال يُوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر مِن سائر الأعمال يُوجِب للقلب شعورًا وأحوالاً"
10
المشارَكة في الهديِ الظاهر تُورِث تناسبًا وتشاكلاً بيْن المتشابهين، يقود إلى موافقةٍ ما في الأخْلاق والأعمال.
11
كلُّ قائل إنَّما يُحتَجُّ لقوله لا به، إلا الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم".
12
ما ينبغي أن يُمنَع العِلمُ ممَّن يطلبه".
13
لن يخاف الرجلُ غيرَ الله إلا لمرَض في قلبه".



رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 03:40 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر