العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-31-2018, 09:10 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
قصة يوسف عليه السلام وامرأة العزيز


الخطبة الأولى.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز.

أيها الإخوان:
لقد تكلمنا في خطبة ماضية عن منهج القرآن الكريم في علاج الشهوات، وتكلمنا في درس ماض عن الصبر على طاعة الله عز وجل، وطرفاً من الصبر عن معصية الله تعالى، ونحن نربط بين هذين الموضوعين في هذه الخطبة إن شاء الله.
وكلامنا يا إخواني عن قصة عظيمة من قصص القرآن الكريم، وهي قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، تلك القصة التي يجب أن تكون نبراساً يهتدى بها في ظلمات الشهوات، وتكون مناراً يهتدي إليه الحائرون، وينظرون إليه، إلى هذا العمل القدوة من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم الذي آثر طاعة الله تعالى على شهوات نفسه، وصمد في موقف الفتنة العظيمة صموداً جعله بحق نبياً عظيماً من أنبياء الله عز وجل، وقد كان هذا الموقف فيه من الدروس، والفوائد، والعبر، ما يجعل كل إنسان يريد أن يحيا حياة كريمة طاهرة، نقية، بعيدة عن الأهواء والشهوات، يدرس هذه القصة دراسة جيدة وافية، ويذكر من خلال أحداثها إلى تلك العناية الإلهية الكريمة التي أوصلت هذا النبي العظيم إلى ذلك المقام السامي في النبوة، إلى ذلك المقام العالي في الصابرين في البأساء والضراء، هذه المواقف التي يجب أن تتلمس، وتتحسس من خلال هذه القصة حتى نرى بأعيننا كيف تكامل صبر يوسف عليه السلام على دواعي الفتنة، ولقد تكاملت دواعي الفتنة في هذه القصة تكاملاً لا تكاد تجده أبداً في أية قصة أخرى بين رجل وامرأة في عملية من عمليات الدعوة إلى الفاحشة.
دواعي وأسباب الفتنة عند يوسف عليه السلام.

ولما جاءت هذه المرأة امرأة العزيز إلى يوسف عليه السلام فغلقت الأبواب وقالت: هيت لك، هنا لما قالت له: هيت لك، كانت دواعي الفتنة متوفرة بشكل عجيب:
فأولها: ما ركبه الله عز وجل في طبع الرجل من الميل إلى النساء، فيوسف عليه السلام رجل من الرجال جعل الله في نفسه غريزة وطبع الميل إلى المرأة الأجنبية، أو طبع الميل إلى المرأة عموماً، فكان هذا من أول ما يدعو إلى الزنا.
وثانيها: أن يوسف عليه السلام كان شاباً، وشهوة الشاب أقوى من غيره، أقوى من شهوة الطفل، إذ لا يكاد يوجد في الطفل شهوة وميل تجاه الجنس الآخر أبداً، ولا في الشيخ العجوز شهوة مثل شهوة الشاب أبداً؛ ولذلك يتأكد في حق الشباب الصبر على الشهوات أكثر من غيرهم، الصبر على هذه التفجرات التي تكون في نفوسهم مما ركبه الله تعالى فيها لحكم كثيرة، منها: تناسل الجنس البشري، إذ لولا هذه الشهوة لما اقترب رجل من امرأة، ولما حصل بينهما زواج، ولا أولاد يتناسل معه البشر، فلا بد من طرح هذه القصة في منتديات الشباب، وملتقياتهم لاستخراج عبرها، وفوائدها، ودراستها دراسة المتأمل الفاحص المدقق في ظروف هذه القصة.
وكان يوسف عليه السلام أيضاً أعزباً، ولا يوجد في الأعزب ما يرد شهوته، ولا ما يجعله يقضي وطره من الزوجات أو الإماء، فإن المتزوج له مجال يستطيع فيه أن يصرف هذه الطاقة، ويقضي هذا الوطر الذي أودعه الله في نفسه، أما الشاب الأعزب فليس له من طريق مطلقاً، فإذا تعرض لمثل هذا الموقف فلا شك أن قوة الداعي إلى الفاحشة يكون أكبر من غيره، ولهذا كان على الطلبة من أهل الثانويات، والجامعات، والمعاهد الذين لم يتيسر لهم الزواج الحذر من معاشراتهم اليومية، ويجب عليهم المسارعة إلى الزواج مهما أمكن، فإن العزوبية شر إذا لم يسع صاحبها لإعفاف نفسه إذا كان بحاجة إلى ذلك، وكثيراً من الشباب يقولون عندما يسألون عن حاجتهم للزواج: لسنا بحاجة للزواج، أو أن الوقت لا يزال مبكراً، وفي حقيقة الأمر أنهم بأشدة حاجة للزواج، وأن الوقت لم يعد مبكراً أبداً، وكثير منهم يقولون هذه الكلمة نفياً للتهمة عن أنفسهم إذ لو قالوا: نحن بحاجة شديدة إلى الزواج لتطرق الشك إليهم كما يتصور بعضهم، والحقيقة أن سعي الشاب إلى الزواج، والخروج من حياة العزوبية هو تعبد إلى الله عز وجل من أحسن أنواع العبادة، فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة)فالأعزب يفوت على نفسه هذا الباب العظيم من أبواب الأجر، وهو الأجر الذي يحصل له في مواقعة زوجته، ولذا كان لا بد من الحرص عليه، وعدم الاستجابة لدواعي الشيطان، وعدم الاستجابة لخدعه وألاعيبه، فإنه يصور لكثير من الشباب بأن الوقت ما يزال مبكراً، وهذا الشاب في نفسه جذوة تتأجج من الميل إلى الجنس الآخر لا يطفئها، ولا يرعاها، ولا يهذبها، ولا ينقيها إلا شرعة الله التي شرعها لعباده في الزواج.
وكان يوسف عليه السلام بالإضافة إلى أنه كان أعزباً، فقد كان غريباً عن بلده، في بلاد أخرى ليس له فيها معارف، ولا أقارب، ولا أصدقاء، وإنه يتأتى للغريب ما لا يتأتى لابن البلد؛ لأن ابن البلد إذا أراد أن يقدم على الفاحشة فإنه سيفكر في الفضيحة بين الخلق عندما يطلعون على فاحشته، ماذا سيقول عنه أهله، وماذا سيقول عنه جيرانه، وماذا سيقول عنه أصدقاؤه، فلذلك تكون إقامته بين أهله وذويه مانعاً له نوعاً ما من الوقوع في الفاحشة، أما إذا تغرب الشاب، وذهب إلى بيئة ليس فيها أهله، ولا أقارب له، فإن الداعي إلى الفاحشة قوي؛ لأنه لن يخشى الفضيحة بين الخلق، من ذا الذي يعرفه، ومن ذا الذي سيفضحه بين مجتمعه؟ لا يوجد أحد، لذلك أيها الإخوة كان على الذاهبين للدراسة في الخارج، أو الداخل، من المبتعدين عن أهلهم الذين يذهبون بعيداً عن أهليهم فيجتمعون في مجتمع يكونون فيه شبه غرباء، على هؤلاء الناس أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم أكثر من غيرهم، فإن الداعي لوقوعهم في الفاحشة في بلاد الغربة أكثر، فيجب عليهم أن يراعوا هذه الظروف، عليهم أن يبتعدوا عن الفواحش، وأن يأخذوا بالأسباب التي تمنعهم من الوقوع في الفتنة، وذلك بالالتفاف حول البيئة الصالحة من الأناس الطيبين الذين يتواصون فيما بينهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما لا يفوتني أن أنبه على هؤلاء وأمثالهم من الحذر من سلوك الوسائل والأسباب غير الطبيعية لتصريف الشهوة، فإن هناك وسائل غير طبيعية، أو بيئات غير طبيعية يصرف فيها هذا الرجل شهوته، فعليه أن يتقي الله تعالى في هذه الأمور، وأن يحصن نفسه، وأن يحرص على الزواج قدر الإمكان.
والشيء الخامس الذي كان من الدواعي للوقوع في الفاحشة في حال يوسف عليه السلام: أن المرأة التي دعته إلى نفسها كانت ذات جمال، والجميلة تغري بالفاحشة أكثر من القبيحة ولا شك، إذ أن القبيحة، أو متوسطة الجمال، أو دنية الجمال لا تغري بالفاحشة مثل الجميلة؛ فلذلك ينبغي للعبد المسلم من الحذر، والبعد عن الأشياء الجميلة أياً كانت، لا بد من البعد عن الجميل المحرم أكثر من غيره؛ ولأجل هذا السبب حصلت الرخصة في الإسلام للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً في جعل الحجاب على رؤوسهن

ينبغي للعبد المسلم من الحذر، والبعد عن الأشياء الجميلة أياً كانت، لا بد من البعد عن الجميل المحرم أكثر من غيره؛ ولأجل هذا السبب حصلت الرخصة في الإسلام للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً في جعل الحجاب على رؤوسهن


، هو أن المرأة القاعدة من النساء التي لا ترجو نكاحاً ليس فيها ما يدعو الرجال إليها، رخص لها في أمر من أمور الحجاب، لماذا؟ لأجل هذا السبب الجمال الذي يدعو الرجل للميل إلى المرأة، فلا بد من الابتعاد عن جميع الصور الجميلة المحرمة.
والسبب السادس: أن هذه المرأة كانت ذات منصب فهي زوجة عزيز مصر، وذات المنصب يكون إغراؤها أكثر من غيرها؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين)فانظر كيف جمع صلى الله عليه وسلم في التعبير عن أسباب الفتنة بين المنصب والجمال.
والسبب السابع: أن هذه المرأة كانت سيدته التي تأمره لها عليه الأمر، وعليه الطاعة والتنفيذ، فإذا أمرته بأمر مثل هذا الأمر الفاحشة فإن الداعي إليها يكون أقوى وأكثر مما إذا لم تكن سيدته، وكذلك كان في دارها، وتحت سلطانها، فصار الداعي إلى الفاحشة أقوى وأكبر.
والسبب الثامن: أنها كانت غير ممتنعة ولا أبية، فإن كثيراً من الناس يزيل حاجته للمرأة، أو شهوته للمرأة إباؤها وامتناعها، فإنه إذا أرادها فأبت وامتنعت فإن في إبائها وامتناعها عن الوقوع في الفاحشة زيادة إبعاد له وطرد له عن مكان الفاحشة، أما هذه المرأة فإنها لم تكن ممتنعة، ولا أبية بل كانت راغبة، هي صاحبة الحاجة.
والسبب التاسع: أنها لم تكن ممتنعة، أو أبية وإنما هي التي طلبت، هي التي قالت: هيت لك، هي التي دعته، فكان في طلبها زيادة في الدواعي للوقوع في الفاحشة، بل كانت هي الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب إليه.
السبب العاشر الذي يضاف إلى دواعي الوقوع في الفاحشة: أنه كان لا يخشى أن تنم عليه، وتخبر إنساناً آخر عما سيقع بينهما، فهي صاحبة الطلب، وهي التي خططت لهذا الأمر فلذلك لن تخبر عنه ولم تفش هذا الأمر الذي سيحدث بينهما؛ ولذلك ترى كثيراً من الناس إذا أرادوا عمل المحرمات فإنهم يفعلونها في الأجواء التي لا يخشون معها أن ينمو خبرهم إلى غيرهم، ومن هذا الأمر الذهاب إلى البلاد البعيدة لعمل الفاحشة؛ لأن الخبر لا يصل بسهولة إلى المكان الذي فيه بلد الإنسان.
السبب الحادي عشر من أسباب الوقوع في الفاحشة في قصة يوسف عليه السلام: أن الرقيب قد غاب، وأن الأبواب قد غلقت، وأنه لا أحد يطلع على ما يدور، وأن الأعين قد كفت عن النظر إلى هذا المنظر إلا عين واحدة إلا عين الله تعالى، إنها تقع تحت بصر الله عز وجل، ولكن الرقيب الإنساني له دور في تسهيل وقوع الفاحشة؛ لأن كثيراً من الناس يستحيون من بني جنسهم ما لا يستحيون من الله، ويبدون من الناس ما لا يبدون من الله، ويخافون من الفضيحة بين الخلق ما لا يخافون من الفضيحة عند الخالق عز وجل، فلما غاب الرقيب فقد تكاملت أسباب الفتنة والفاحشة أكثر من ذي قبل.
السبب الثاني عشر: أن يوسف عليه السلام كان في الظاهر مملوكاً عند هذه المرأة بحيث يدخل ويخرج من غير شك ولا ريبة؛ لأنه قد أصبح شبهاً من أهل البيت فهو يدخل ويخرج لأنه مملوك خادم في هذا البيت ليس كالرجل الأجنبي الذي يدخل البيت لأول مرة فيرتاب فيه من يرى، وإنما يوسف يدخل ويخرج إلى البيت بحكم أنه عبد مملوك لا يخشى شكاً فيه، ولا تهمة، بالإضافة إلى أنه في سيرته عليه السلام كان أميناً لا يتهم مطلقاً؛ ولذلك يا إخواني يتحقق الابتعاد عن الفتنة في صاحب الأمانة، والذي ظاهره الصلاح أكثر من غيره؛ لأن الناس لا يشكون فيه لما في ظاهره من التقوى؛ ولذلك تهتز سمعة الإسلام في قلوب الناس عندما يرون رجلاً ظاهره الصلاح واقعاً في الفاحشة؛ لأن الذي حاله الصلاح، أو ظاهره الصلاح لا يشك فيه الناس؛ لأنهم يعتقدون أن مثل هذا الرجل لا يمكن أن يقع في الفاحشة، لذلك كان زيادة في الواجب، والمسئولية على كل سالك لطريق الإسلام الملتزم ظاهرياً بشرائع الله تعالى أن يبتعد عن هذه المسألة؛ لأن العقوبة الحاصلة له أكثر من غيره؛ لأن الناس سيأتمنونه على ما تحت يديه وعلى ما هو قريب منه، فإن كثيراً من الناس قد يأتمنون رجلاً على أولادهم، أو بناتهم في أمر من الأمور؛ لذلك الرجل الذي تحته يتيمة مثلاً، وظاهره الصلاح يجب أن يخشى الله تعالى في يتيمته خشية كبيرة؛ لأن الناس لن يشكوا به، وكذلك رجل استرعى جاره على أهله يقوم على شؤونهم في أثناء غيابه، هذا الجار عليه مسئولية عظيمة؛ لأن جاره قد استرعاه لأمانته فهو لن يشك فيه، فإذا ما خان الرجل الأمانة فأي حال يكون موقفه عند الله تعالى؟!
وفقنا الله وإياكم للبعد عن الحرام وأسبابه، وأن يجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية.
الحمد لله الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، عبد الله تعالى حق عبادته، ودلنا على شرعه وسنته.
فعوداً إلى موضوعنا أيها الإخوة، لقد اجتمع من الأسباب ليوسف عليه السلام التي تشجعه وترغبه في الوقوع في الفاحشة ما لم يجتمع لغيره من الرجال، فمما يضاف إلى ما ذكرناه سابقاً: أنه كان مملوكاً يدخل ويخرج بغير شبهة، وقد حصل بسبب هذا الدخول والخروج تآلف وأنس بأهل البيت يزيل الحواجز، وهذا لا يحصل للرجل الأجنبي إذا دخل على امرأة أجنبية لأول مرة، فلهذا ينبغي الحذر من الذين يدخلون إلى البيوت تكراراً ومراراً مثل الخدم، أو السائقين؛ لأنه يتولد من كثرة دخولهم وخروجهم نوع من التآلف والأنس بين المرأة الأجنبية وهذا الرجل الأجنبي يزيل الحواجز التي قد تكون مانعة من الوقوع في الفاحشة.
وكذلك من الأسباب التي توافرت ليوسف عليه السلام: أن رب البيت زوج هذه المرأة كان شبه معدوم الغيرة، لم يكن عنده غيرة تقريباً؛ ولذلك بعدما اطلع على خطأ زوجته، وبعدما اطلع على الشيء الذي حصل، وبعدما شهد شاهد من أهلها، وبعدما قطع قميص يوسف من الخلف، مما دل هذا الرجل على أن امرأته خائنة، ومما عرفه بأن الوقوع في الفاحشة في أهله وبيته سهل جداً، اكتفى بأن قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَسورة يوسف29، فقط لم يبعد يوسف عن البيت، ولا أبعد المرأة عن البيت، وإنما اكتفى بقوله: يوسف اكتم هذا الأمر لا تخبر أحداً، وأنت أيتها المرأة: استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين وفقط، وهذه الحال من انعدام الغيرة مرض موجود في قلوب كثير من الرجال اليوم الذين هم أشباه الرجال ولا رجال، لا يرعون في بيوتهم إلاً لله ولا ذمة، ولا يحفظون عهد الله، ولا يخافون على حرمات الله، فترى كثيراً من الرجال يرى بعينه أسباب الفتنة متوفرة في بيته، ودواعيها قائمة في نسائه وزوجته، ويظل مع ذلك لا يبذل أي جهد في إبعاد أسباب هذه الفتنة عن بيته، ليس هناك غيرة، ماتت القلوب، ذهبت الغيرة على محارم الله وعلى شرع الله، ولم يكن هناك احترام لحدود الله ولا تقوى من الله؛ ولذلك وصلت بيوتنا -أيها الإخوة- إلى هذا الحال المخزي الذي نسمع عنه كثيراً في أخبار الناس ومجتمعاتهم، فيجب علينا تقوى الله في هذا الأمر، وفي غيره من الأمور التي تساهم في إشعال نار الفتنة: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِسورة النور19هؤلاء الناس لهم عذاب عظيم، ولهم عذاب أليم، ولهم عذاب مهين من الله عز وجل؛ ولذلك ينبغي لكل صاحب مسئولية سواء كان زوجاً في بيت زوجه، أو كان أباً في بيت أبنائه وبناته، أو كان مديراً، أو مدرساً في مدرسته، أو كان عنده أي نوع من أنواع المسئولية عن أناس تحته يخضعون لأمره أن يراعي هذه الأمور، فهو مسئول أمام الله عز وجل عن تسلل دواعي الفتنة وأسبابها إلى داخل مجتمعه، وإلى داخل من هم تحت مسئوليته، إنه مسئول أمام الله تعالى، لو ذهبت غيرته لضاعت رعيته، فليتق كل راع الله تعالى في رعيته بأن يغار على حرمات الله، ويبعد أسباب الفتنة عمن هم تحت رعايته ومسئوليته.
وكذلك أيها الإخوة: هذه المرأة لم تكتف بما فعلت وإنما زادت داعياً آخر من دواعي الفتنة وهي: أنها جمعت نساء المدينة، صاحبات الوجاهة في المدينة، جمعتهن لتستعين بهن على يوسف، وحتى تتقوى بموقفهن أكثر أمام يوسف عليه السلام، فجمعتهن وأخرجت يوسف عليهن لتريهن أنها معذورة فيما فعلت، ولكي يكن في صفها في جريمتها، ويدل على هذا قول الله تعالى على لسان يوسف: وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّبلفظ الجمع للنسوة: (كيدهن) يعني: أنهن كلهن صرن صاحبات كيد ليوسف عليه السلام، كادوا عليه ليوقعوه في الحرام، اجتمع كيد النسوة، وكيد النسوة عظيم، ولم يكن الكفاية بهذا بل إن الدعوة قد تكررت دائماً، ما كانت هيت لك مرة واحدة، وإنما كانت متكررة طيلة عيشة يوسف عليه السلام في البيت وهي تدعوه إلى نفسها، وترغبه، وترهبه لكي يقع في الفاحشة.
الرجل -أيها الإخوة- قد يصبر في موقف واحد، وقد يصبر مرة واحدة، لكن لو تكررت الدعوة إلى الفاحشة مرة، واثنتين، وثلاث، وأربع، وعشر فقد يقع في مرة من المرات في الفاحشة؛ لذلك كان لا بد من الحذر في البيئات التي يتوافر فيها التكرار إلى دعوى الفاحشة قولاً أو عملاً؛ لأن الإنسان إذا صبر في موقف فقد لا يصبر في الموقف الثاني، فيجب عليه الحذر في هذا الأمر.

قد يصبر في موقف واحد، وقد يصبر مرة واحدة، لكن لو تكررت الدعوة إلى الفاحشة مرة، واثنتين، وثلاث، وأربع، وعشر فقد يقع في مرة من المرات في الفاحشة؛ لذلك كان لا بد من الحذر في البيئات التي يتوافر فيها التكرار إلى دعوى الفاحشة قولاً أو عملاً؛ لأن الإنسان إذا صبر في موقف فقد لا يصبر في الموقف الثاني، فيجب عليه الحذر في هذا الأمر.


وختمت هذه الدواعي بأنها توعدته بالسجن والإذلال والصغار إذا هو لم يستجب لرغبتها، توعدته بالسجن، فماذا فعل عليه السلام؟ صبر ابتغاء مرضات الله، لم تكتف بالتوعد فقط، وإنما نفذت تهديدها: ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ *وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَسورة يوسف35-36فدخل يوسف السجن.
فلذلك -يا إخواني- لو تأملنا معاً هذه الأسباب لوجدنا أن صبر يوسف على هذه الأمور كان صبراً شاقاً جداً، كان قدوة فعلاً لكل من يقع في شبيه مما وقع به، ولما صبر يوم الهمة وصبر عليها وهي تتهمه وتقول: هو راودني عن نفسي، أعقبه الله تعالى بزينة في قلبه، ورفعة في مكانته، فصار نبياً باصطفاء الله له، وتهيئته لهذا الأمر، بالإضافة إلى أن الله برأ ساحته بعد حين من الزمن، فلما قالت في البداية: هو الذي راودني عن نفسي، قالت بعد ذلك: أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَسورة يوسف51، لما اتهمته بقولها لزوجها: مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًاسورة يوسف25قالت في النهاية لما كشف الله الحقيقة: أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ، فالمخلص أيها الإخوة لا بد أن يبرئه الله تعالى ولو بعد حين.
صبر يوسف عليه السلام.

وصبر يوسف عليه السلام كما قال العلماء في هذا الموقف أشد من صبره على كيد إخوته لما ألقوه في البئر، فإنه لما ألقي في البئر لم يكن له حول ولا قوة، لا بد أن يصبر، نزلت المصيبة ووقعت شاء أم أبى، وصبر صبراً عظيماً حتى نجاه الله، ولكن صبره في هذا الموقف أعظم من صبره في البئر؛ لأن صبره هنا كان صبر اختيار وطاعة لله عز وجل، أما صبره هناك فقد كان صبر اضطرار، كلها حسنة، وكلها يثيب الله عليها، ولكن صبر الاختيار أعظم من صبر الاضطرار، كما قال علماؤنا.
ونكتفي بما ذكرنا أيها الإخوة، ولكن انظروا إلى عاقبة الأمر، لما رفع الله درجة يوسف عليه السلام بسبب صبره على هذه الدواعي الكثيرة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا وإياكم من الفواحش، وأن يطهر قلوبنا وفروجنا، وأن يجعل مشينا إلى حلال، ووقاعنا في حلال، ونظرنا إلى حلال، وسمعنا إلى حلال يرضاه الله تعالى عنا.
اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق اجعلنا من المطهرين الذين طهرتهم، وطهرت قلوبهم من دنس الشهوات.
وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
1 - رواه مسلم1006.

2 - رواه البخاري660 ومسلم1031.

3 - (سورة يوسف33).
موقع الشيخ محمد صالح المنجد = هنا =
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 09:22 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر