العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى المعتقد الصحيح > ملتقى المعتقد الصحيح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-01-2019, 06:04 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,237
Arrow

* قال: وَتَرْكُ اَلْخُصُومَاتِ..... وَتَرْكُ المِرَاءِ والجِدِالِ،وَالخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ.:
"وترك الخصومات في الدين" هذا من أصول السنة، الخصومات جمع خصومة، وهي الجدال والمراء والنزاع .
الجدال: قصدُ إفحام الغير، وتعجيزه، وتنقيصه؛ بالقدح في كلامه، ونسبته إلى القصور والجهل فيه.
قال المناويُّ عن الجدال: هو مراءٌ يتعلق بإظهارِ المذاهب وتقريرها.
والمراء: طعنٌ في كلام الغير؛ بإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرضٌ سوى تحقير الغير،
وإظهار مزيته عليه. وإن كان المماري على حق ، فإنه لا يجوز له أن يسلك هذا السبيل؛ لأنه لا يقصد من ورائه إلا تحقير غيره والانتصار عليه.
وإطلاق المماراة على المجادلة؛ لأن كلًّا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه.

والجدال والمراء بغير حقٍّ والدفاعِ عن الباطل وأهله من كبائرِ الإثمِ وعظائمِ الذنوب.
وذكر الذهبي رحمه الله في الكبائر - نقلًا عن النووي رحمه الله :
"اعلم أن الجدال قد يكون بحق، وقد يكون بباطل، قال الله تعالى" وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "العنكبوت: 46، وقال تعالى"وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "النحل: 125، وقال الله تعالى"مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا "غافر: 4، قال: فإن كان الجدال للوقوف على الحق وتقريره، كان محمودًا، وإن كان في مدافعة الحق أو كان جدالًا بغير علم، كان مذمومًا، وعلى هذا التفصيل تنزل النصوصُ الواردة في إباحته وذمِّه".

قال صلى الله عليه وسلم "ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ هذهِ الآيةَ" مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ"الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3253 - خلاصة حكم المحدث : حسن=الدرر=
الشرح:كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنْهم أبعَدَ النَّاسِ عَن الجدَلِ والمِرَاءِ؛ وذلك امتِثالًا منهم لِوَصايا رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"ما ضَلَّ قومٌ أي: أصبَحوا ضالِّين عن الحقِّ واتِّباعِه، "بعدَ هُدًى كانوا عليه أي: بعدَ أن كانوا على الحقِّ "إلَّا أُوتوا الجدَلَ أي: أُعطُوا الجدَلَ، والجدَلُ هو شِدَّةُ المُخاصَمةِ في الباطلِ، والتَّعصُّبُ للمذاهبِ الفاسدةِ، والابتِعادُ عَن القرآنِ وعن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، وليس الغرَضُ مِن هذا الجدالِ كَشْفَ الحقائقِ وتبيينَها، "ثمَّ تلا"، أي: قرَأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم هذه الآيةَ لِيَستدِلَّ ويَستشهِدَ بما قرَّره بقولِ اللهِ تعالى"مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ"الزخرف: 58، أي: بهذا المثَلِ الَّذي هو قولُه تعالى"وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ"الزخرف: 57، 58، أي: الأوثانُ التي يَعبُدونها خيرٌ أم عِبادةُ عيسى عليه السَّلامُ، فبيَّن اللهُ عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أنَّه ما كان هذا المثَلُ الَّذي ضرَبوه "إلَّا جدَلًا"، أي: للجِدالِ والخُصومَةِ بالباطلِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على تَرْكِ الجدالِ، وبيانُ المفاسدِ التي يُؤدِّي إليها الجِدالُ في الباطلِ.
=الدرر=الألوكة - هنا - بتصرف.

" مَن تَركَ المراءَ و هوَ مُبطِلٌ بُنِيَ لهُ بَيتٌ في رَبَضِ الجنَّةِ ، و مَن تَركَهُ و هوَ مُحِقٌ بُنِيَ لهُ في وَسطِهَا ، ومَن حَسُنَ خُلُقُه بُنِيَ لهُ في أَعلاهَا "الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 138 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
الدين: ما يدين الإنسان به ربه من العبادات، والعبادات التي يدين بها الإنسان ربه توقيفية مأخوذة من الكتاب والسنة، فلا جدال فيها، ما ثبت في الكتاب والسنة من الدين ومن العبادة فهو دين، فهو دين وعبادة لا خصومة فيه ولا جدال فيه، ليس هناك خصومات في الدين، ومن خاصمك وجادلك فإنك ترد هذا الخصام، أو إذا تخاصم الناس وتنازعوا فإن هذا النزاع يرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله عز وجل في كتابه العظيم" فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ "النساء: 59.
وحينئذ تزول الخصومة، نرد هذه الخصومة وهذا النزاع إلى الله.
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام رد إليه في حياته، ورد إلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وقال تعالى"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ "سورة الشورى :آية رقم:10. فلا خصومات في الدين.
___________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-24-2019, 02:24 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,237
Post


"وَالْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ اَلأهْوَاءِ"
الشرح:
يقصد:
و
تَرْك الْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ اَلأهْوَاءِ
اتباع الهوى ـ وهو "ما تميل إليه النفس مما لم يبحه الشرع" ،خلاف مقصود الشرع ؛ لأن "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلَّف عن داعية هواه ؛ حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبد لله اضطرارًا".
المعاصي، والبدع، كلها منشأها من تقديم الهوى على الشرع . قال تعالى"فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى"النازعات: 37ـ 39 ."وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" النازعات: 40- 39 .
أهل الأهواء أهل البدع والضلالات الداعون إلى ضلالتهم ،هؤلاء لا يجالسهم إلا إنسان عنده قوة إيمانية وقدرة على الجدال والنضال معهم ،وإلا عامة الناس يُخشى عليهم من تأثيرهم ، وهؤلاء البعض عنده فصاحة وحُجج لكن إذا جالسهم ذو علم وقوة شخصية وقوة إيمان وسِعَة أُفُق وسِعَة علم استطاع أن يُخرس أهواءهم .الشيخ
عبد العزيز آل الشيخ .
*وأهل الأهواء، هم المبتدعة ودعاة الضلال، فإنهم غالبًا يموهون على من جالسهم وهم على باطل، فيوهمون الجاهل بأنهم على صواب، فكم انخدع بزخرف قولهم من العوام الخلق الكثير، فلذلك ورد النهي عن مجالستهم حال خوضهم وجدالهم.الشيخ الفوزان.
*إن فساد الدين يقع بالاعتقاد بالباطل، أو بالعمل بخلاف الحق "فالأول البدع، والثاني اتباع الهوى، وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء، وبهما كُذِّبت الرسل، وعُصى الرب، ودُخلت النار، وحلت العقوبات" ولذلك ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا على سبيل الذم ، وأمر بمخالفته، وبين أن العبد إن لم يتبع الحق والهدى، اتبع هواه.هنا =
قال تعالى"فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ"القصص:50.

اَلأهْوَاءِ :جمع هوى ومراد الأئمة بهذا : مخالفة مدلول النصوص ،فمن ترك دلالة النص جعلوه من أهل الأهواء.
جاءت النصوص بالنهي عن اتباع الهوى قال تعالى" وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ" ص: 26. والنَّاس في هذا على نوعين :
النوع الأول : متبع هواه وهذا على ضلالة وخطأ.
النوع الثاني: من اتخذ إلهه هواه فهذا ليس كمثل الأول لأن الأول اتبع الهوى في مسألة ونحوها بينما هذا جعل الهوى إلها يطيعه ويمتثل أمره ويقدمه على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً
فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ "الجاثية :23..هنا=
وترك
الْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ اَلأهْوَاءِ »من عقيدة أهل السنة والجماعة« لأن مجالسة أصحاب الأهواء تؤدي إلى الزيغ في الغالب.
وكثير من الناس يغترون بما عندهم من معرفة، وبما عندهم من الذكاء، فيخالطون أهل البدع ويعاشرونهم فيكلهم الله إلى أنفسهم، فيقعون في الضلال، هذا شيء ملموس، وأشار إلى هذا الإمام ابن بطة رحمه الله، قال: عرفنا أناسًا كانوا يسبون ويلعنون أهل البدع، فجالسوهم وعاشروهم فأصبحوا منهم.
وهذا ملموس في كل زمان ومكان، وقد اغتر بعض الناس بأنفسهم من كبار الناس فوقعوا في هوة البدع مع الأسف الشديد، ولا نريد أن نسمي؛ هم معروفون عند طلاب العلم.
شرح أصول السنة للإمام أحمد رحمه الله.
قال تعالى "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
"28 : الكهف .
وفيها درس عظيم : أن الإنسان بحاجة إلى التذكير وإن كان قويًّا فالمصباح مع المصباح أكثر إنارة للطريق، والمصباح الواحد قد تضعف إنارته في أي لحظة ولو كان قويًّا .والحذر الحذر فقد يغتر الإنسان ويشعر بأنه لا حاجة إلى التذكير أو لا حاجة له لوسائل الثبيت على الحق ، .فذلك من الزاد والتزود في السير إلى الله والدار الآخرة .
وفي الآية درس عظيم وهو الوصية بملازمة أهل الإخلاص وحسن السريرة والطوية ، فبملازمتهم يكون الفلاح والنجاح والتربية والتزكية والسير على خطاهم والاقتفاء بآثارهم...ونيل بركة صلاحهم والتأثر بهم .ولذا كان لزامًا على الإنسان أن يبحث في هذه الدنيا على من يعينه على أمر دينه من صديق صالح وزوجة صالحة والفتاة كذلك تبحث عن زوج صالح يعينها على أمر دينها.

قال الشاعر:
عَنِ المَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بالمُقَارِنِ يَقْتَدِي.
"المَرءُ علَى دينِ خليلِه ، فليَنْظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح.
أي: المرءُ يشابِهُ صَديقَه وصاحِبَه في سِيرتِه وعادتِه؛ فهوَ مؤثِّرٌ في الأخلاقِ والسلوكِ والتصرُّفاتِ، ونظرةِ الناسِ إلى كلٍّ مِنهما من خلالِ مَعرفتِهم بأحوالِ الصَّاحبِ؛ ولهذا أرشدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى حُسنِ اختِيارِ الصدِيقِ.
و في حديثٍ آخرَ قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "لا تصاحِبْ إلَّا مُؤمنًا"، أي: لا تتَّخِذْ صاحبًا ولا صَديقًا إلَّا مِن المؤمنينَ؛ لأن المؤمنَ يدلُّ صديقَه على الإيمانِ والهدى والخيرِ، ويكونُ عونًا لصاحبِه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على انتِقاءِ الأصحابِ والأصدقاءِ مِن الأتقياءِ المؤمنينَ.
"لا تصاحبْ إلا مؤمنًا ، ولا يأكلْ طعامَك إلا تقيٌّ." الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود.
"لا تصاحِبْ إلَّا مُؤمِنًا" أي: لا تَتخِذْ صاحِبًا ولا صديقًا إلَّا مِن المؤمنينَ؛ لأنَّ المؤمنَ يدلُّ صديقَه على الإيمانِ والهدى والخيرِ، ويَكونُ عُنوانًا لصاحِبه، وأَّما غيرَ المؤمنِ فإنَّه يضُرُّ صاحبَه.
"ولا يَأكلْ طعامَكَ إلَّا تقِيٌّ"، أي: المتورِّعُ، والمرادُ: لا تَدعُ أحدًا إلى طعامِكَ وبيتِكَ إلَّا الأتقياءَ؛ فإنَّ التقيَّ يتقوَّى بطعامِكَ على طاعةِ اللهِ، وإذا دخلَ بيتَكَ لم يتطلَّعْ إلى عوراتِكَ، وإذا رَأى شيئًا ستَره عليكَ، أمَّا غيرُ الأتقياءِ مِن الفاسقينَ فهُم على العَكسِ مِن ذلكَ، فإنَّ الإطعامَ يُحدِثُ الملاطفةَ والمودَّةَ والأُلفةَ، فيجِبُ أن يكونَ ذلكَ للمؤمنينَ والصالحينَ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن اتِّخاذِ الأصحابِ مِن الفسَقةِ، والأمرُ باتَّخاذِهم مِن الأتقياءِ المؤمنينَ.
وفيهِ: النَّهيُ عن دَعوةِ الفَسقةِ إلى الطَّعامِ، والأمرُ بدَعوةِ الصالحينَ إليه.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-13-2019, 12:32 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,237
Arrow

*قال الإمام أحمد :
وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا آثَارُ رَسُولِ اَللَّهِ ، وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ اَلْقُرْآنَ، وَهِيَ دَلائِلُ اَلْقُرْآنِ،وَلَيْسَ فِي اَلسُّنَّةِ قِيَاسٌ، وَلَا تُضْرَبُ لَهَا اَلْأَمْثَالُ، وَلَا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ وَلا اَلأهْوَاءِ، إِنَّمَا هُوَ اَلاتِّبَاعُ وَتَرْكُ اَلْهَوَى.
الشرح:
يقول المؤلف -رحمه الله- وهو الإمام أحمد:وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا آثَارُ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم. والآثَارُ: هي أقواله وأفعاله وتقريراته، ما أثر عنه عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير، هذه هي السنة - الصحيحة .
أولًا: السنة القولية: هي الأحاديث التي نطق بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع المناسبات والأغراض، وقد سمعها الصحابة رضوان الله عليهم، ونقلوها عنه، وهي تشكل السواد الأعظم من السنة، مثل حديث "إنما الأعمال بالنيات"رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وحديث "
سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ" رواه البخاري ومسلم.
ثانيًا: السنة الفعلية: وهي الأفعال والتصرفات التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم بها في دائرة العمل والتشريع، ونقلها الصحابة رضوان الله عليهم لنا بالوصف الدقيق في مختلف شؤون حياته، سواء أكان الوصف والنقل بطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل قوله "صَلُّوا كما رأيتموني أصلي" . الراوي : مالك بن الحويرث - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الأدب المفرد-الصفحة أو الرقم: 156 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
وقوله "خُذُوا عني مناسكَكُم" الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 1297 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
أم بدون طلبه كوصف الصحابة له بما كان يفعله في الحرب، والقضاء بشاهد ويمين، والشراء والبيع، وغير ذلك، ويعبرون عنه بقولهم: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل كذا، أو يعمل كذا، أو فعل كذا، وعمل كذا" المستصفى: 1 ص 131..بتصرف يسير.
"كان صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا صلى طأطأَ رأسَه ، ورمى ببصرِه نحو الأرضِ"المحدث : الألباني - المصدر : صفة الصلاة-الصفحة أو الرقم: 89 - خلاصة حكم المحدث : صحيح وله شواهد= الدرر=
"قَضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بالدِّيةِ على العاقِلَةِ"الراوي : المغيرة بن شعبة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 2146 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
"الدِّيةِ"، وهي ما يُدْفَعُ من مالٍ لأهلِ مَن قُتِلَ خطأً أو شبه عمد، "على العاقلةِ، والعاقلةُ: هم أقارِبُ الإنسانِ وأهلُه وعصَبتُه من جِهَةِ الأبِ، وتكون الدِّيةُ على العاقلةِ في القتْلِ الخطأِ وشِبْهِ العمْدِ فقط، أمَّا دِيةُ العمْدِ فإنَّها تجِبُ في مالِ القاتلِ، ولا تتحمَّلُها العاقِلةُ.الدرر -
*عن عمرو بن دينار عن ابن عباس " أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَضَى بيَمِينٍ وَشَاهِدٍ." الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1712 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر -
أي: أنَّه قضَى لِلمدَّعي بِيمينِه معَ شاهِدٍ واحدٍ، كأنَّه أقامَ الْيمينَ مَقامَ شَاهِدٍ آخَرَ فَصارَ كَالشَّاهدَيْنِ، والأصلُ أنْ يُقْضَى لِلمدِّعي بِشهادةِ شاهدَيْنِ رَجُلينِ أو رجلٍ وامرأتينِ؛ لِقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ"وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ"البقرة: 282؛ . -الدرر -
ثالثًا: السنة التقريرية: هي ما أقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما صدر عن الصحابة من أقوال وأفعال، بسكوته وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار استحسانه ورضاه، فيكون إقراره وموافقته على القول أو الفعل كأنه صادر عنه، مثل إقراره لمن تيمم من الصحابة للصلاة لعدم وجود الماء ثم وجده بعد الصلاة، ولم يعد صلاته، وإقراره لعليٍّ في بعض أقضيته، وإقراره لمن أكل لحم حمار الوحش والضَّب، واستحسانه لقول معاذ في كيفية القضاء.
كتاب الوجيز في أصول الفقه الإسلامي
"احتَلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوةِ ذاتِ السُّلاسلِ فأشفَقتُ إنِ اغتَسَلتُ أن أَهْلِكَ فتيمَّمتُ، ثمَّ صلَّيتُ بأصحابي الصُّبحَ فذَكَروا ذلِكَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا عَمرو صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جنُبٌ ؟ فأخبرتُهُ بالَّذي مَنعَني منَ الاغتِسالِ وقُلتُ إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يقولُ" وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " فضحِكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ولم يَقُلْ شيئًا" الراوي : عمرو بن العاص - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 334 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
"عزمتُ عليكُم أن لا تصلُّوا العصرَ حتَّى تأتوا بَني قُرَيْظة فغربتِ الشَّمسُ قبلَ أن يأتوهُم فقالَت طائفةٌ منَ المسلمينَ : إنَّ رسولَ اللَّهِ ، لم يُرِدْ أن تدَعوا الصَّلاةَ فصلُّوا ،وقالَت طائفةٌ : واللَّهِ إنَّا لَفي عَزيمةِ رسولِ اللَّهِ وما علَينا مِن إثمْ، فصلَّت طائفةٌ إيمانًا واحتِسابًا ،وترَكَت طائفةٌ إيمانًا واحتسابًا ولم يعنِّفِ رسولُ اللَّهِ واحدًا منَ الفَريقينِ ."الراوي : عبيدالله بن كعب و عائشة - المحدث : الألباني - المصدر : فقه السيرة -الصفحة أو الرقم: 310 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
*قال الإمام أحمد :وَالسُّنَّةُ-يقول- عِنْدَنَا آثَارُ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم.وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ اَلْقُرْآنَ، وَهِيَ دَلائِلُ اَلْقُرْآنِ:
السُّنَّةُ تُفَسِّرُ اَلْقُرْآنَ وتوضحه، فإذا كان الدليل من القرآن مجمل فالسنة تفصل هذا المجمل، وإذا كان مبهم فالسنة توضحه، وإذا كان عام فالسنة تخصصه؛ فالسنة لها مع القرآن ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن تأتي السنة بأحكام تماثل الأحكام التي جاءت في القرآن. فهذا من باب تناصر الأدلة وتضافرها.
فمثلًا: أوجب الله في القرآن الصلاة ،جاء في القرآن وجوب الصلاة، وجاء في السنة وجوب الصلاة.
جاء في القرآن وجوب الزكاة، وجاء في السنة وجوب الزكاة، جاء في القرآن وجوب الصيام؛ صيام رمضان، وجاء في السنة وجوب صيام رمضان، جاء في القرآن وجوب الحج، وجاء في السنة وجوب الحج:


في
الكتاب: قال عز وجل "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ" البقرة:43.
السنة: قال -صلى الله عليه وسلم "


بنيَ الإسلامُ علَى خمسٍ شهادةِ أن لا إلَه إلَّا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2609 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
جاء في الكتاب بر الوالدين، وجاء في السنة بر الوالدين،
قال تعالى"وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا" الأحقاف : 15.
"أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ الصلاةُ لوقتِها ، ثم بِرُّ الوالدَينِ ، ثم الجهادُ في سبيل اللهِ "الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 164 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
جاء في الكتاب صلة الأرحام، وجاء في السنة صلة الأرحام:
قال تعالى "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى " النساء :36.
قال صلى الله عليه وسلم" أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ ، و أطْعِمُوا الطَّعامَ ، وصِلُوا الأرحامَ ، و صلُّوا باللَّيلِ و النَّاسُ نيامٌ ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ "الراوي : عبدالله بن سلام - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب-الصفحة أو الرقم: 616 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
هذا من باب تضافر الأدلة وتناصرها، فأتت السنة بأحكام مثل الأحكام التي أتت في القرآن.
الحالة الثانية: أن يأتي القرآن بأحكام مجملة، أو أحكام مطلقة، أو أحكام عامة فتأتي السنة بأحكام تبين المجمل، وبأحكام تقيد المطلق، وبأحكام تخصص العام، فتكون السنة مخصصة للعمومات التي جاءت في القرآن ، أو يأتي الحكم في القرآن مجمل فتأتي السنة وتبينه، أو يأتي الحكم في القرآن مطلق، فتأتي السنة فتقيده.
قال تعالى "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا"المائدة من الآية:38.، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد، فبينتِ السنة القولية الأول منهما، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم "لا تُقطعُ اليدُ إلَّا في ربعِ دينارٍ فصاعدًا"الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 2114 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
-كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل، كما هو معروف في كتب الحديث.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم : قال الشافِعِيُّ وأبو حنيفة ومالك والجماهير " تُقْطَعُ اليد من الرسغ ، وهو المِفْصَلُ بين الكَفِّ والذِّرَاع ، قال القرطبي : قال الكَافَّة " تقطع اليد من الرُسْغِ. هنا -
وبينت السنة القولية اليد المذكورة في آية التيمم: "فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ"النساء من الآية:43، المائدة من الآية:6. بأنها الكف أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم "
سأَلتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عن التَّيمُّمِ ؟ فأمرَني ضَربةً واحدةً ، للوَجهِ والكفَّيْنِ"الراوي : عمار بن ياسر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 327 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
= هنا بتصرف =
قوله تعالى" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ "المائدة: 3.
وضحَّت السُّنة وبيَّنت أنَّ ثمَّة ميتة حلالًا؛ كميتة الجراد والحوت، ودمًا حلالًا؛ كالكبد والطحال، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم"أُحِلَّتْ لنا مَيْتتانِ ودمانِ الميْتتانِ : الحوتُ والجرادُ، والدمانِ : الكبدُ والطِّحالُ ."الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني- المصدر : تخريج مشكاة -المصابيح -الصفحة أو الرقم: 4061 - خلاصة حكم المحدث : جيد - الدرر -
النوع الثالث: أن تأتي السنة بأحكام جديدة ليست في القرآن فيجب العمل بها، مثل: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وتحريم الجمع بين المرأة وخالتها، هذا حكم ليس في القرآن، لا يجوز للرجل أن يتزوج المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم"لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا " البخاري : النكاح :5109 , ومسلم : النكاح :1408 .الدرر السنية -
جاء في السنة تحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، هذا ليس في القرآن فيجب العمل به.
أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عن كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ." الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 1934 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية -
جاء في السنة العقل الديات:
قَضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بالدِّيةِ على العاقِلَةِ"الراوي : المغيرة بن شعبة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم: 2146 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
«ولا يُقْتَل مسلمٌ بكافرٍ » البخاري : العلم :111. وهكذا؛ ولهذا قال الإمام -رحمه الله- والسنة تفسر القرآن وَهِيَ دَلائِلُ اَلْقُرْآنِ؛ يعني تدل عليه.
"وَلَيْسَ فِي اَلسُّنَّةِ قِيَاسٌ، وَلَا تُضْرَبُ لَهَا اَلْأَمْثَالُ، وَلَا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ وَلا اَلأهْوَاءِ، إِنَّمَا هُوَ اَلاتِّبَاعُ وَتَرْكُ اَلْهَوَى. "
ليس في السنة قياس تقيس شيء على شيء. أما القياس الشرعي القياس الذي مستند إلى النصوص فهذا ليس من الأقيسة العقلية، المراد هنا ما يسمى بالقياس العقلي، أما القياس الشرعي كأن تقيس مثلًا: جاء الشرع بتحريم الربا مثلًا في البُّر، فيأتي الفقيه ويقيس عليه الأرز، فيقول الأرز كالبُّرِ في جوانب الربا في كل منهما بجامع الطعم، أو بجامع الادخار أو بجامع الكيل والوزن، هذا قياس شرعي، لكن "وَلَيْسَ فِي اَلسُّنَّةِ قِيَاسٌ" يعني قياس عقلي، السنة ليس فيها قياس، لا يقاس فيها بالعقول.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-03-2019, 02:01 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,237
Arrow


المتن "وَلَا تُضْرَبُ لَهَا اَلْأَمْثَالُ، وَلَا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ وَلا اَلأهْوَاءِ، إِنَّمَا هُوَ اَلاتِّبَاعُ وَتَرْكُ اَلْهَوَى. ".
قال أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، إمام أهل السنة والجماعة في عصره قال: واعلم رحمك الله أنه ليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تتبع فيها الأهواء، بل هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح، ولا يقال: لِمَ ولَا كَيْف"ا.هـ.
لا تضرب لها الأمثال كردٍّ عليها أو انتقاد لما ثبت بالسُّنَّة.
أي: لا تُعَارِضْ أحاديثَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأمثالِ العقلية الفاسدة المُعارضة المَدْفوعةِ بالنَّظرِ.
- أنَّ أبا هُرَيْرةَ ، قالَ لِرَجلٍ: يا ابنَ أخي ، إذا حدَّثتُكَ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حديثًا ، فلا تَضرِبْ لَهُ الأمثالَ"الراوي : عبدالرحمن بن عوف - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه-الصفحة أو الرقم: 20 - خلاصة حكم المحدث : حسن=
الشرح: المُسلِمُ الحقُّ يُقْبِلُ على أوامِرِ اللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويتعامَلُ معها بالقَبولِ والرِّضا وعدَمِ الاعتراضِ، مع التَّسليمِ والانقيادِ للهِ ورسولِه، وفي هذا الأثَرِ يُخْبِرُ التَّابعيُّ أبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: أنَّ أبا هُريرةَ قال لرجُلٍ "يا ابْنَ أخي، إذا حدَّثْتُك عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حديثًا، فلا تضْرِبْ له الأمثالَ". وفي روايةٍ أخرى: أنَّ أبا هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "توضَّؤوا ممَّا غيَّرَتِ النَّارُ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: أتوضَّأُ مِن الحميمِ؟! فقال له: يا ابنَ أخي، إذا سمِعْتَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حديثًا، فلا تضرِبْ له الأمثالَ"! أي: توضَّؤوا للصَّلاةِ ونحوِها؛ لأجْلِ أكْلِ طعامٍ غيَّرَتْه النَّارُ، وإلَّا فلا وُضوءَ عند أكْلِه، فقال ابنُ عبَّاسٍ: "أتوضَّأُ مِن الحَميمِ؟"، أي: الماءِ الحارِّ، أي: ينْبَغي على مُقْتَضى هذا الحديثِ: أنَّ الإنسانَ إذا توضَّأَ بالماءِ الحارِّ يتوضَّأُ ثانيًا بالماءِ البارِدِ؛ فرَدَّ عليه أبو هُريرةَ بأنَّ الحديثَ لا يُعَارَضُ بمثْلِ هذه المُعارَضةِ المَدْفوعةِ بالنَّظرِ فيما أُرِيدَ بالحديثِ؛ فإنَّ المُرادَ: أنَّ أكْلَ ما غيَّرَتِ النَّارُ يُوجِبُ الوُضوءَ، لا ممَّن مسَّتْه الأعضاءُ.
وإنَّما قال أبو هُريرةَ له "يا ابْنَ أخي"؛ لأنَّه صغيرٌ في السِّنِّ بالنِّسبةِ له، "إذا حدَّثْتُك عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حديثًا، فلا تضْرِبْ له الأمثالَأي: لا تُعَارِضْ أحاديثَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأمثالِ - والجدل العقلي - ، وأنَّه لا بُدَّ أنْ يكونَ التَّعامُلُ مع أخبارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بأدَبٍ ولُطْفٍ، ولو كانتْ مَنْسوخةً؛ فيُرْوَى النَّاسِخُ والمَنسوخُ، مع الاتِّباعِ الحَسَنِ للهْدِي النَّبويِّ، وتفنيدِ الأدلَّةِ، ومعرفةِ أحكامِها وتاريخِها، وغيرِ ذلك، وإنَّما يُعَارَضُ حديثُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إمَّا بالقُرآنِ، أو بأحاديثَ ناسِخةٍ، وليس بالجدل العقلي - وهو ما أراد إظهارَه ابنُ عبَّاسٍ لأبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنهم، وليس اعتراضُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما اعتراضًا بالرأي المجرَّدِ؛ لأنَّ ابنَ عبَّاسٍ لعلَّ عِندَه حديثَ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، قال
"كانَ آخِرُ الأمرَينِ مِن رسولِ اللَّهِ ، تَرْكَ الوضوءِ ، مِمَّا مسَّتِ النَّارُ" المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي.
"كانَ آخرَ الأمرينِ من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تركُ الوضوءِ مِمَّا غيَّرتِ النَّارُ"الراوي : جابر بن عبدالله -المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود.
"أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ جَمع عليه ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ، فَأُتِيَ بهَدِيَّةٍ خُبْزٍ ولَحْمٍ، فأكَلَ ثَلَاثَ لُقَمٍ، ثُمَّ صَلَّى بالنَّاسِ، وما مَسَّ مَاءً....".الراوي : عبدالله بن عباس - صحيح مسلم .
فالعلماء اختلفوا في التوفيق بين الحديثين، هل هو من باب النسخ فلا وضوء مما مست النار مطلقًا؟ أو هو من باب الصرف من التحريم إلى الكراهة فيستحب الوضوء مما غيرت النار؟
وقال صاحب الفتح:فالأمر بالوضوء مما مست النار ينزل منزلة الاستحباب، لورود الأدلة على جواز ترك الوضوء مما مست الناركما سبق بيانه، وهذا القول رواية في مذهب الإمام أحمد واختاره الخطابي .انظر: فتح الباري" 1/ 407، ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني .انظر: نيل الأوطار ، والشيخ ابن باز في تعليقه على بلوغ المرام ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية " وكذلك الوضوء مما مست النار مستحب في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وبذلك يجمع بين أمره وبين تركه.الألوكة =
وقد قال تعالى" فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". النحل : 74 .
أي : لا تجعلوا له أندادًا وأشباهًا وأمثالًا.تفسير ابن كثير.
أي: لا تشبهوا بالله تعالى هذه الجمادات، لأنه واحد قادر "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى: 11. .
والآية جاءت في سياق قوله تعالى"وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ"النحل:73.
فهكذا لا تُضرب الأمثال لسُنَّة النبي-صلى الله عليه وسلم.
"إِذَا تَوَضَّأَ أحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ في أنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْثُرْ، ومَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وإذَا اسْتَيْقَظَ أحَدُكُمْ مِن نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أنْ يُدْخِلَهَا في وَضُوئِهِ؛ فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدْرِي أيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ."
الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري
فلو قال إنسان: أين باتت يدي؟! باتت بجانبي.
إياك أن تقول هذا؛لأنه قد يكون الحكم تعبديًّا لا علة له، يعني: أنت لما تأتي تقول لي مثلًا" فإنه لا يدري أين باتت يده " فيسأل ما هي العِلَّة؟ إذا لم تجد له علة؛ فهذا تعبد تعبدك الله به ليبتليك، فأنت عبد تسمع وتطيع، وليس كل شيء لابد أن نعلم له علة، فهناك أشياء يبتليك الله بها ولا تدرك لها معنى لينظر التسليم، كما في الحجر الأسود، فقد جاء عن عمر بن الخطاب الملْهَم المُعَلَّم أنه قال" وَاللَّهِ، إنِّي لأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ"صحيح مسلم.
فـ عمر بن الخطاب لم يفهم أي علة لتقبيل الحجر إلا المتابعة.
كذلك السعي بين الصفا والمروة، لماذا نسعى بين الصفا والمروة؟ أم إسماعيل عليها السلام سعت؛ لأنها كانت تبحث عن ماء، فلماذا نحن نسعى وإذا كانت هي تسعى في وسط جبل فالمسعى الآن صار من رخام، وأصبح هناك تكييف مركزي فلماذا نسعى؟ ما العلة في السعي؟ نقول: أنت مأمور بهذا، وهذا شيء تعبدي لابد أن تفعله وإن لم تفهم أو تدرك له معنى.

وكقوله" لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ" الزخرف : 31 .
قالوا معترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس ،هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف .تفسير ابن كثير .
فعلينا أن نصدق هذا النبي ونعمل بالسُّنّة التي ثبتت عنه ولا نردها ولا نسلط عليها التأويلات والتقديرات.
و كحديث النزول "إذا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أوْ ثُلُثاهُ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى إلى السَّماءِ الدُّنْيا، فيَقولُ: هلْ مِن سائِلٍ يُعْطَى؟ هلْ مِن داعٍ يُسْتَجابُ له؟ هلْ مِن مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ له؟ حتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 758 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. كحديث النزول كالذين قالوا: إما أن يخلو منه العرش وإما أن لا يخلو، وأحاديث الرؤية بأن يقال: إن الرؤية تستلزم كذا وكذا ونحو ذلك.
وأما كونها لا تُدرك بالعقول والأهواء، فالمراد أن عقول البشر قاصرة عن إدراك كيفية الأمور الغيبية، وكذا معرفة الحِكَم والمصالح التي شُرعت لأجلها الأحكام، فإن هناك من اعترض على بعض الفرائض والمحرمات وأوردوا شبهات في التشكيك في شرعيتها كالحكمة في الطواف بالبيت وتقبيل الحجر الأسود والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجِمار، والحكمة في تحريم الربا وهي تحصل مع التراضي، وكذا الزنا برضى الطرفين، وشرب الخمر الذي هو لذيذ تطرب له النفس ونحو ذلك.
ولقد تكلم العلماء -رحمهم الله تعالى- بما فتح الله عليهم فبيَّنوا الحِكم والمصالح في أمور الشريعة، وإن كانوا قد توقفوا في بعضها مع اعتقادهم أنها عين المصلحة، وقالوا: لا قدرة لنا على إدراك الأمور الغيبية كعذاب القبر ونعيمه وصفة الروح واتصالها بصاحبها في الدنيا وفي البرزخ، وكذا كيفية البعث والحشر وما بعده، فليس علينا سوى القبول والاتّباع وترك الهوى وترك الاعتراض عليها بمجرد الظن والنظر وذلك غاية الرضى والتسليم، والله أعلم= هنا -.
"وَلَا تُضْرَبُ لَهَا اَلْأَمْثَالُ، وَلَا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ وَلا اَلأهْوَاءِ، إِنَّمَا هُوَ اَلاتِّبَاعُ وَتَرْكُ اَلْهَوَى. ".
جاء عن الأوزاعي -رحمه الله- أنه قال: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك بالقول" هذا رواه الآجري في الشريعة بإسناد صحيح كما قال المحقق..
لا يقال: لم ولا كيف؛ فالكلام والخصومات والجدال والمراء في الدين مُحدث؛ لأنه يقدح الشك في القلب؛ فلهذا ينبغي ترك الخصومات والجدال؛ فالسنة ليس فيها قياس عقلي، وليس فيها جدال، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواء، إنما هو الاتباع -اتباع الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة - وترك الهوى -ما يهواه الإنسان ويميل إليه وما يوافق عقله وهواه ومما يبتدع في دين الله.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-05-2019, 02:07 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,237
root


السُّنَّةِ الَّلازِمةِ
ومن السُّنَّةِ الَّلازِمةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا خَصْلَةً -لم يَقْبَلْهَا ويُؤْمِنْ بِهَا -لَم يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا:الإيمَانُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ،وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-.
ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ،مِثلَ حَدِيثِ:الصَّادِقِ المَصْدُوقِ،ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ،وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا ،وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرِهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ .هنا -
الشرح :

والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الستة التي من لم يؤمن بها أو جحد واحدًا منها فإنه يخرج من دائرة الإيمان ويكون من الكافرين، أصول الإيمان ستة "وهي الإيمان بالله، والثاني الإيمان بالملائكة، والثالث الإيمان بالكتب المنزلة، والرابع الإيمان بالرسل، والخامس الإيمان باليوم الآخر، والسادس الإيمان بالقدر خيره وشره " هذه الأصول الستة جاءت في الكتاب والسنة، وأجمع عليها المسلمون، وآمن بها جميع الأنبياء والمرسلين، ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين.
هذه الأصول دل عليها كتاب الله :
قال الله تعالى"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" البقرة: 285.
وقال تعالى"وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ"البقرة: 177.
هذه خمسة أصول، والإيمان بالقدر في قوله تعالى"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" القمر : 49.
"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان: 2.
وقال سبحانه وتعالى"وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" النساء : 136.
فجعل الكفر هو الكفر بهذه الأصول فدل على أن الإيمان هو الإيمان بهذه الأصول.

ودلت عليها السنة: في حديث جبرائيل في مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عليْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيْهِ. وَقالَ: يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قالَ: ما المَسْؤُولُ عَنْها بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قالَ: فأخْبِرْنِي عن أمارَتِها، قالَ: أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرَى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ، قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قالَ لِي: يا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 8 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =
إذًا الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان من لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن.
الأصل أن المؤمن يؤمن بقضاء الله وقدره ويمسك لسانه عن الخوض فى دقائق القدر ، ويضع نُصب عينيه عدل الله ورحمته . بهذا ينجو من أمواج هذا البحر العميق .
ويجب الإيمان بالقدر ومعرفته من خلال الأدلة حوله، وأنه ركن من أركان الإيمان، وما يقوي الإيمان فيه، هذه من المسائل المتعلقة بالقدر التي يجوز الخوض فيها، بل مما يزيد الإيمان فيها أن يدرسها الإنسان ويتعمق فيها.
لكن إذا جاء خائض ليخوض في باب القدر بالباطل، ويأتي ليقول: لماذا قدر الله؟ لماذا كذا؟ لماذا كذا؟ ثم يأتي محتجًا ومعترضًا، فهذا منهي عنه.هنا -
*والقَدَر هو: أن يؤمن العبد بأن الله عَلِم ما سوف يكون، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، ويؤمن بأنه لا يكون في الوجود شيء إلا بعد إرادة الله، لا يكون إلا ما يريد، ويؤمن بأن الله خالق كل شيءٍ وأنه ليس شيءٌ موجود إلا الله خالقه، من المخلوقات ومن الأفعال ومن الأحكام، وعندئذ يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم"يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ."الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2516 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -

قال تعالى
"
يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ*فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ*وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" هود : 105 إلى 108 .
"لمَّا نزلَت هذِهِ الآيةَ فَمِنْهُمْ شَقيٌّ وَسَعِيدٌ سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقُلتُ : يا نبيَّ اللَّهِ ، فعَلى ما نَعملُ ؟ علَى شيءٍ قد فُرِغَ منهُ ، أو على أيِّ شيءٍ لم يُفرَغْ منهُ ؟ قالَ : بل على شيءٍ قد فُرِغَ منهُ وجرت بِهِ الأقلامُ يا عمرُ ، ولَكِن كلٌّ ميسَّرٌ لما خلقَ لَهُ" الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3111 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -

"فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى"الليل:5-10،
"فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى" أي: بذل . "وَاتَّقَى" أي: محارم الله التي نهى عنها . وقال الشيخ السعدي:
"فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى" أي:ما أمر به من العبادات المالية، كالزكوات، والكفارات والنفقات، والصدقات، والإنفاق في وجوه الخير، والعبادات البدنية كالصلاة، والصوم ونحوهما.
والمركبة منهما، كالحج والعمرة -ونحوهما.
"وَاتَّقَى" ما نهي عنه، من المحرمات والمعاصي، على اختلاف أجناسها.. فجعل الله كلًا ميسرًا لما خُلق له، فإذا خلق الله العبد للسعادة يسره لعمل أهل السعادة حتى يموت على ذلك العمل ويكتب سعيدًا، وإذا خَلق اللهُ العبدَ للشقاوةِ خذله ويسر له أسباب الشقاوة حتى يموت عليها، وذلك عدل من الله، وليس فيه ظلم لأحد، ليس هو ظالم لهذا حيث خذله، وليس هو تارك لشيء من حق الإنسان، بل الله تعالى هو المالك للإنسان، وهو الذي يتصرف في الناس كيف يشاء، فمن شاء هداه ومن شاء أضله، وهدايته لهذا تكون بفضله، وإضلاله لهذا عدل منه.
فعلى كل حال "كلٌّ ميسَّرٌ لما خلقَ لَهُ" يعني: أنه تتيسر له أو تتوافر له الأسباب التي تؤدي به إلى ذلك الشيء، فإن كان من أهل الشقاوة سلط الله عليه -لحكمة- من يضله، ومن يصده عن القرآن، ويصده عن الحق، ومن كان من أهل السعادة ومن أهل الإيمان، وعلم الله أنه من أهل الخير، يسر الله له من يهديه، ومن يدعوه إلى التوبة النصوح . شرح العقيدة الطحاوية .

"قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا"الإسراء: 84 .
أي" قُلْ كُلٌّ " من الناس " يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ " أي: على ما يليق به من الأحوال، إن كان من الصفوة الأبرار، لم يشاكلهم إلا عملهم لرب العالمين. ومن كان من غيرهم من المخذولين، لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين، ولم يوافقهم إلا ما وافق أغراضهم.
" فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا " فيعلم من يصلح للهداية، فيهديه ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه.تفسير السعدي.
فعلى العبد أن يعمل ويجتهد ، دون تفكير أو نظر فيما قُدِّرَ عليه ؛ فإنه لا يدري ما الذي سبق له به الكتاب ؛ فليحسن الظن بربه ، وليعظم الرجاء فيما عنده ، وليعمل على أنه قد كُتِبَ من أهل السعادةِ ، ومعلوم أن تلك المنازل لا تأتي إلا بعمل ؛ فليعمل لها .
والعجب ممن يجتهد في تحصيل رزقه مع أنه مكتوب، ثم هو يريد ألا يسعى في تحصيل الإيمان والطاعة ؛ بحجة أن ذلك مكتوب! والأمر فيهما واحد، والعاقل لا يدع العمل اعتمادا على أمر مغيّب لا يدري عنه شيئًا.

*والتقديرات أنواع أربعة ذكرها ابن القيم في شفاء العليل:
التقدير الأول: التقدير العام .
وهو الذي يتعلق بكل شيء في هذا الكون، من جماد وكائنات، وعلم الله تعالى بها وحدوثها وكتابة مقاديرها. وهذا التقدير ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق كلهم. .شبكة السنة النبوية وعلومها .
وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير، رُفعت الأقلام وجفَّتْ الصحف. فيجد العبد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من خير أو شر. قال تعالى" أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ " الحج: 70.
وهو ما ثبت في مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"
كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ."الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2653 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - الدرر -
قال صلى الله عليه وسلم"يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ."الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي.

التقدير الثاني: وهو التقدير العمري.
وهو الذي يتعلق بأعمار الناس وأطوار الخلق التي يمرون بها، وأفعالهم وأرزاقهم في مراحل حياتهم ومن ثم تحديد آجالهم وانقطاع أرزاقهم بها.شبكة السنة النبوية وعلومها
ويدل عليه حديث ابن مسعود في الصحيحين ثم يرسل إليه ملك فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أم سعيد.
"إنَّ اللَّهَ وكَّلَ في الرَّحِمِ مَلَكًا، فيَقولُ: يا رَبِّ نُطْفَةٌ، يا رَبِّ عَلَقَةٌ، يا رَبِّ مُضْغَةٌ، فإذا أرادَ أنْ يَخْلُقَها قالَ: يا رَبِّ أذَكَرٌ، يا رَبِّ أُنْثَى، يا رَبِّ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَما الرِّزْقُ، فَما الأجَلُ، فيُكْتَبُ كَذلكَ في بَطْنِ أُمِّهِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3333 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
شرح الحديث:

كلُّ شيءٍ خلقَه اللهُ مُقدَّرٌ كائنٌ كما أراد سبحانه وتعالى؛ فما مِن شيءٍ يَجري في ملكوتِه إلَّا بِقدرِه وعِلمِه سبحانه وتعالى، وقد وكَّلَ الله عزَّ وجلَّ بِالرَّحمِ، أي: موضعِ تكوينِ الجنينِ ملَكًا كما في هذا الحديثِ، فإذا تَكوَّنَتِ النُّطفةُ قال هذا الملَكُ: يا ربِّ نطفةٌ، أي: هو نُطفةٌ، والنُّطفةُ الماءُ اليسيرُ ويُرادُ به المنِيُّ، فإذا أصبَحَ عَلقةً قال الملَكُ: يا ربِّ عَلقةٌ، والعلَقةُ قِطعةُ الدِّم ِالجامدةُ، فإذا صار مُضغةً قال الملكُ: يا ربِّ مضغةٌ، والمضغةُ قطعةُ اللَّحمِ، فإذا أرادَ اللهُ تعالى أنْ يُتمَّ خلْقَ هذا الإنسانِ سألَ الملَكُ المولى تعالى، فقال: أذكرٌ أَمْ أنثى؟ شَقِيٌّ أم سعيدٌ؟ يعني: هل تخلُقُه ذكرًا أم أُنثى؟ وهل يكونُ مِن أهلِ الشَّقاءِ أَمِ السَّعادةِ؟ ثُمَّ يَسألُ عَن رزقِه وعُمرِه، فَيُكتبُ كلُّ ذلك وهو ما زال في بطنِ أمِّه. الدرر -

التقدير الثالث
:التقدير السنوي.
وهو أمر الله تعالى المحكم من الآجال والأرزاق في ليلة القدر من كل سنة حين يقضى من اللوح المحفوظ إلى كتبة الملائكة، وهي آجال وأرزاق لا تتبدل ولا تتغير، وهو معنى قوله تعالى"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ" الدخان: 3-5.

التقدير الرابع
: التقديراليومي.
وهذا هو قدر الله تعالى الأزلي الذي يظهر كل يوم، من خلال حركة الإنسان في الأفعال والأقوال، وما يترتب عليها من رزق، أو حرمان، ومن مغفرة أو عذاب، ومن موت أو حياة، وغيرها من الآجال التي يظهرها الله تعالى في يوم واحد من عمر هذا الإنسان، وهي بالأصل آجال مكتوبة منذ الأزل، يقول تبارك وتعالى"يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ"الرحمن :29..شبكة السنة النبوية وعلومها .
"كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ " قالَ مِن شأنِه أن يغفِرَ ذنبًا ويفرِّجَ كربًا ويرفعَ قومًا ويخفِضَ آخَرينَ"الراوي : أبو الدرداء -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 168: :خلاصة حكم المحدث : حسنالدرر -

وقال ابن القيم رحمه الله " وقد اقتضى كماله المقدس سبحانه : أنه كل يوم هو في شأن، فمن جملة شؤونه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويشفي مريضًا، ويفك عانيًا، وينصر مظلومًا، ويغيث ملهوفًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويجيب دعوة، ويقيل عثرة، ويُعِز ذليلًا، ويُذِل متكبرًا، ويقصم جبارًا، ويميت ويحيي، ويُضحِك ويُبكي، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويرسل رسله من الملائكة ومن البشر في تنفيذ أوامره ، وسوق مقاديره التي قدرها إلى مواقيتها التي وقتها لها" انتهى من "شفاء العليل" ص243.

وما كتبه الله يكون في أم الكتاب وفي الكتب الأخرى عند الملائكة كما قال تعالى"
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " الرعد: 39. , ويشكل على كثيرين أن الله قد كتب أعمار العباد وجاء في السنة النبوية أن من فعل بعض الأعمال كصلة الرحم
يُنْسَأ له في أثره كما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم "مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. "الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2067 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
, وجه الإشكال كيف أن الله قد كتب أعمار العباد ثم بعد ذلك تزيد أعمارهم إذا وصلوا أرحامهم ؟
الجواب
على هذا أن يقال إن الذي يزاد فيه هي الكتب الأخرى التي عند الملائكة، أما في أم الكتاب فلا يزاد فيه , فمثلا الكتب الأخرى يكتب فيها إن عُمْر فلان ستون سنة ثم إن فلانا قد وصل رحمه فيزاد في عمره إلى أن يكون سبعين سنة , روي هذا عن ابن عباس وعن جمع من التابعين وهو قول ابن جرير وقول ابن تيمية قال الله تعالى
"يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " الرعد: 39.
التفسير
" يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ " من الأقدار " وَيُثْبِتُ " ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتَبَهُ قلَمُهُ فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص أو خلل ولهذا قال"وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابًا ولمحوها أسبابًا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البِّر والصِّلَة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببًا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببًا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببًا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ. تفسير السعدي =


*والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع وهي:
العلم،ثم الكتابة، ثم المشيئة ، ثم الخلق والإيجاد، هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر "العلم، والكتابة، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد".
بمعنى أن الله يعلم بأن سيوجد فلان ثم يكتب هذا في اللوح المحفوظ ثم إذا جاء وقت وجوده شاء الله أن يكون ثم بعد ذلك يخلقه جل جلاله وعظم سلطانه .

*الإيمان بالمرتبة الأولى وهي العلم:
الله تعالى عَلِمَ ما الخلق عاملون قبل خلقهم بعلمه ، الذي هو موصوف به أزلًا, وعَلِمَ جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق.الموسوعة العقدية /الكتاب السابع: الإيمان بالقضاء والقدر/الباب الرابع: المذاهب في القدر، وأسباب الضلال فيه، وحكم الاحتجاج به.هنا =
فالله عَلِمَ الأشياءَ في الأزلِ قبل كونِها، وعلم بالأشياء الحاضرة، وعلم بالأشياء المستقبلة، وعلم بما لم يكن لو كان كيف يكون، قال الله تعالى عن الكفار لما سألوا الرجعة إلى الدنيا قال الله"وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" الأنعام: 28.
هذا لو رُدُّوا لعادُوا لما نُهُوا عنه، هذا عِلْمُ اللهِ بما لم يَكُنْ لو كان كيف يَكُون، وقال الله تعالى"وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ" الأنفال 23.
أخبر الله أنه بما لم يكن لو كان كيف يكون، "
وَلَوْ".
بما لم يكن:أي لم يسمعهم .
لو كان: أي لو أسمعهم .
كيف يكون:أي سيكون الإعراض.
لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ.
وقال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك قال الله تعالى"وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * " التوبة: 46.
هم ما خرجوا ،
ماذا يحصل لو خرجوا؟" لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ " التوبة: 47.
هذه مفاسد، من حِكْمَةِ اللهِ أنه مَنَعَهُم من الخروجِ "
ثَبَّطَهُمْ" لِئَلا تحصل هذه المفاسد.
الخلاصة:فالمرتبة الأولى من مراتب القدر: العلم؛ العلم في الأزل في الماضي، والعلم في الحاضر، والعلم في المستقبل، والعلم بما لم يكن لو كان كيف يكون.
فنؤمن أن الله تعالى عَلِمَ ما الخَلْق عاملون بعلمِهِ القديم، الذي هو موصوف به أزلًا، وعَلِمَ جميعَ أحوالِهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام وطويت الصحف.
*المرتبة الثانية: الكتابة؛ الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، ما الذي كتب؟ كل شيء؛ الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكون والأرزاق، والأعمال والأخلاق والسعادة والشقاوة والفقر والغنى والإعزاز والإذلال والحياة والموت، حتى العجز والكسل، كل شيء مكتوب.
والدليل على هذه المرتبة أدلة، قال الله تعالى"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ" الحج:70.وهو اللوح المحفوظ.
وهو اللوح المحفوظ، وقال تعالى"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "الأنبياء: 105.
الذِّكْر هو اللوح المحفوظ.
"مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ " أي: كتبناه في الكُتب المنزلة، بعد ما كتبناه في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ .تفسير السعدي .
وقال عليه الصلاة والسلام "
وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ " - صحيح البخاري.
أي: كتَب في اللَّوح المحفوظِ جميعَ ما هو كائنٌ إلى يوم القِيامة، وخلَق السَّمواتِ والأرضَ.الدرر =
وقال سبحانه وتعالى"وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس :12. وهو اللوح المحفوظ.
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو"
كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ. وفي روايةٍ : بِهذا الإسْنَادِ مِثْلَهُ، غيرَ أنَّهُما لَمْ يَذْكُرَا: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ."الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2653 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =

وقال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت أيضًا :
"أوَّلُ ما خلَقَ اللهُ تعالى القلَمُ، فقال له: اكتُبْ، قال: يا ربِّ، وما أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ مَقاديرَ كلِّ شيءٍ حتَّى تَقومَ السَّاعةُ."الراوي : عبادة بن الصامت - المحدث : شعيب الأرناؤوط - المصدر : تخريج شرح الطحاوية-الصفحة أو الرقم: 344 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =

وقال الله تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "الحديد 22."مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا"أي من قبل أن نخلقها.
فما أصابك لم يكن ليخطئك؛ أي ما حصل لك من الخير والنعم، أو الشر والنقم وما قدره الله تعالى لك أو عليك، لم يكن ليجاوزك إلى غيرك، وما قدَّر أنه لا يصيبك فإنه لن يصيبك أبدًا، لأنه سبحانه كتبه من قبل خلقها"مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا "، وقدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

ولو أن الإنسان استحضر هذا المعنى استحضارًا كاملًا فإنه يحصل له كمال اليقين، وكمال التوكل، وكمال الرضا بما يقدره الله عليه، فما يفوته من المكاسب وما يحصل له من الأوصاب والأنصاب والأوجال والهموم والمصائب كل ذلك أمر قد قدره الله عليه وفرغ منه، فلا معنى لـ"لو" في مثل هذا المقام، ولهذا قال النبي : إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.

قال صلى الله عليه وسلم"الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".صحيح مسلم.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَقَالَ"يَا فَتَى أَلا أَهَبُ لَكَ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْخَلائِقَ لَوْ أَرَادُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يُرِدْكَ اللَّهُ بِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"الراوي : عبدالله بن جعفر بن أبي طالب - المحدث :الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة-الصفحة أو الرقم: 315 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

يقول"وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"ذكر ثلاثة أمور الناس إليها في غاية الحاجة، أن النصر مع الصبر، فهذه قاعدة ثابتة، يدركها العقلاء بعقولهم، ويدركها المجربون بتجاربهم، وقد أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: النصر مع الصبر، وذلك أن الإنسان يحتاج إلى أن يصبر في مواجهة عدوه، ولهذا قيل: النصر صبر ساعة، ولهذا سئل بعض الأبطال كعنترة حيث إنه كان مشهورًا بشجاعته وفرط قوته وانتصاره على عدوه، فقيل له: من أين لك هذا؟ فقال: إنما هو صبر ساعة، فهو يقدر أن خصمه أو أن عدوه سينهزم هذه اللحظات، فيقول: أثبتُ وأصبر ليكون المنهزم هو، فلابد أن ينهزم أحد الطرفين أو يقتل، فهو يصبر ويثبت ويتجلد من أجل أن تكون الكسرة في حق صاحبه، وعدوه، وخصمه، وهذا مشاهد في الحروب، سواء كان ذلك في مواجهة الأفراد، كما كانت الطريقة قديمًا في قتال الناس، أو كان ذلك عن طريق الجيوش الحديثة، أو نحو ذلك، فالناس إذا صبروا تحقق لهم مطلوبهم من الظفر، ولكن الذي يحصل أن الإنسان ينكسر، ثم بعد ذلك يكون ذلك موطِّئًا لهزيمته، وهكذا حال الإنسان مع الشيطان، ومع شياطين الإنس أيضًا، يحتاج إلى أن يصبر.


ولهذا ذكر ابن القيم -رحمه الله- في آخر بدائع الفوائد عشرة أمور هي في غاية النفع، يحقق بها الإنسان الانتصار على عدوه، ويدفع شره وكيده، وذكر منها الصبر، أن يصبر على هذا الأذى، ويعلم أن ذلك لا يدوم، ولابد من تغير الحال، فما عليه إلا أن يتجلد، فلا يبدو منه شيء يشينه أو لا يليق به، أو أن ينفرط صبره فينهزم.

الغزال إنما يصيده الكلب وهو أسرع منه؛ لأن الغزال إذا جرى وأسرع فإنه يلتفت بعد مدة، فإذا التفت، انثنى عزمه، ثم سقط، فيأخذه ويصطاده، لكن لو أنه شمر، ولم يلتفت فإنه لا يستطيع أن يظفر به؛ لأنه أسرع منه، وهكذا حال الإنسان مع الشيطان، وحال الإنسان مع أعدائه، ما عليه إلا أن يصبر، فإذا لم يصبر طمع فيه عدوه، وكان الظفر به يسيرًا، سواء كان ذلك على أرض المعركة، أو كان ذلك بغيره من المواجهات مع الأعداء في دعاياتهم فيما يجلبون من ألوان المكر على هذه الأمة، فما على هذه الأمة إلا أن تصبر وتتجلد، وتستمسك بحبل الله المتين، لا أن تتنازل عن شيء من مبادئها وعقائدها ودينها، فيستخف بها أعداء الله ثم بعد ذلك لا يلوون على شيء.الشيخ خالد عثمان السبت.



**هاتان المرتبتان - العلم والكتابة-من لم يؤمن بهما لم يؤمن بالقدر، وهاتان المرتبتان أنكرتهما طائفة القدرية -وهذا ‏نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.‏- طائفة القدرية الأولى الذين ظهروا في عصر الصحابة، فَكَفَّرَهُم من الصحابة ابن عمر وغيره؛ لأنهم نسبوا الله إلى الجهل، وانقرضوا وانتهوا.
يقولون:العبد مستقل بعمله ليس لله فيه إرادة، ولا قدرة، ولا خلق.

*المرتبة الثالثة: المشيئة:
والمشيئة هى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وُجِدَ موجودٌ إلا بمشيئةِ اللهِ تعالى وما عُدِمَ معدومٌ إلا بمشيئةِ اللهِ تعالى. هنا =
وهي من لوازم الربوبية.
فعلينا الإيمان بمشيئة الله النافذة, وقدرته الشاملة ،أي الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، لا يكون في مُلْكِهِ إلا ما يريد. هنا -

والمحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان:
إرادة قدرية
خَلْقِيَّة كونية ، وإرادة دينية شرعية.

*فالإرادة
القدريةالخَلْقِيَّة الكونية : هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات.وهذه الإرادة التي يُقال فيها: ما شاء الله كان، وما لم يشأْ لم يَكُنْ.وهذه الإرادة إرادة شاملة لا يخرج عنها أحد من الكائنات، فكل الحوادث الكونية داخلة في مراد الله ومشيئته هذه، وهذه يشترك فيها المؤمن والكافر والْبَرُ والفاجرُ، وأهلُ الجنةِ وأهلُ النارِ، وأولياءُ اللهِ وأعداؤه، وأهلُ طاعتِهِ الذين يحبهم ويحبونه.هنا=قواعد في باب القضاء والقدر.
فالإرادة الكونية كقوله تعالى"فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا".الأنعام:125.
لو أن الآية اقتصرت على هذا لكانت شرعية، لكن لما ذكر الله جل وعلا إرادته للأمرين في سياق واحد كانت الإرادة هنا كونية.
وهي نظير قوله تعالى"مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"الأنعام:39 ، فالإرادة هنا إرادة كونية قدرية .
فهو سبحانه المنفرد بالهداية والإضلال، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته.تفسير السعدي - هنا -

ومثال الإرادة الكونية أيضًا قوله - تعالى"وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"هود: 34. لأن الله لا يحب أن يغوي العباد، إذن لا يصح أن يكون المعنى إن كان الله يحب أن يغويكم، بل المعنى إن كان الله يشاء أن يغويكم. . هنا = محمد بن صالح العثيمين/ التصنيف: توحيد الألوهية .
فالمراد بالإرادة الكونية المرادفة للمشيئة، الإيمان بأن الله أراد وشاء كل شيء وقع في هذا الوجود، تؤمن بأن كل شيء وقع في هذا الوجود سبقت به إرادة الله ومشيئته، خيرًا أو شرًّا، بِرًّا أو فجورًا، طاعة أو معصية، إيمانًا أو كفرًا، كل شيء وقع في هذا الوجود وقع بمشيئة الله وقدرته، لا يقع في ملك الله ما لا يريد، ولكنه مبني على الحِكْمَة، فالله تعالى لا يخلق شيئًا إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة , ولا يُقَدِّر إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة ولا ينهى إلا لحكمة.
" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " يوسف:6. فهل يقع في مُلك الله ما لا يريد؟! ما يقع في ملك الله ما لا يريد.

ولكن ما يقع في ملك الله، ما يقع من الشرور والمعاصي والكفر هذه مرادة لا لذاتها، بل مرادة لما يترتب عليها من الحِكم.
فالله أراد وقوع الكفر والمعاصي كونًا وقدرًا، ولكن ما أراده دينًا وشرعًا؛ لما يترتب عليه من الحِكَم، من الحِكَمِ ظهور قدرة الله على المتقابلات؛ فالكفر يقابله الإيمان، والمعصية تقابلها الطاعة، كما ظهرت قدرة الله في وجود المتقابلات؛ فالليل يقابله النهار، والحر يقابله البرد، والحلو يقابله الحار، ومنها حصول العبودية المتنوعة لولا خلق الله للكفر والمعاصي لما وجدت عبوديات متنوعة؛ عبودية الجهاد في سبيل الله.
لو كان الناس كلهم مؤمنون أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ أين عبودية الولاء والبراء؟ أين عبودية الدعوة إلى الله؟ أين عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين عبودية الولاء والحب في الله والبغض في الله، والولاء والبراء؟ فهذه مرادة لا لذاتها بل لشيء آخر؛ لما يترتب عليها من الحِكم؛ فالله أرادها كونًا وقدرًا، ولكنه لم يردها دينًا وشرعًا.

مثال للتقريب فأقول:
تخيَّل أنَّ الشرطة مثلًا تراقب بائعًا للمخدرات، فهي تتركه يصنع ....إلى أن يقبضوا عليه متلبسًا ببيعها.
فالآن هم يبغضون فعله وعمله ومع هذا كان يصنع ما يصنع تحت نظرهم وما فعله إلا بعد مشيئتهم لكنهم تركوه لحكمة وهي أن يأخذوه بجرمه.
ولله المثل الأعلى!

وهذه الإرادة تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي دون ما لم يحدث منها.
*والمخلوقات مع كل من الإرادتين أربعة أقسام:
الأول: ما تعلقت به الإرادتان -الكونية والشرعية ، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرع، فأمره وأحبه ورضيه، وأراده إرادة كون فوقع، ولولا ذلك ما كان.
والثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الكفار والفجار، فتلك كلها إرادة دين، وهو يحبها ويرضاها وقعت أم لم تقع.
والثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره الله وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها كالمباحات والمعاصي، فإنه لم يأمر بها، ولم يرضها، ولم يحبها، إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقدرته وخلقه لها لما كانت ولما وجدت، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه، فهذا ما لم يقع ولم يوجد من أنواع المباحات والمعاصي.هنا=
قواعد في باب القضاء والقدر.وانتهى باختصار يسير من مجموع الفتاوى.

*والإرادة الشرعية
:وتسمى أيضًا :: إرادة أَمْرِيَّة شرعية دينية. وهي التي بمعنى المحبة.يندرج فيها كل ما يحبه الله عز وجل، فكل ما أمر الله به دينًا من الواجبات والمستحبات فإنه يدخل تحت الإرادة الشرعية.
كقوله تعالى"وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ".النساء:27.

لأن " يُرِيدُ" هنا بمعنى يحب ولا تكون بمعنى المشيئة لأنه لو كان المعنى: والله يشاء أن يتوب عليكم، لتاب على جميع العباد وهذا أمر لم يكن؛فإن أكثر بني آدم من الكفار، إذن يريد أن يتوب عليكم يعني يحب أن يتوب عليكم، ولا يلزم من محبة الله للشيء أن يقع لأن الحكمة الإلهية البالغة قد تقتضي عدم وقوعه.

@والفرق بينهما أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوبًا لله، وأما الشرعية فيلزم أن يكون المراد فيها محبوبًا لله ولا يلزم وقوعه.هنا=

كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد .نسخة منقحة.
فما كان بمعنى المشيئة فهو إرادة كونية، وما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية.

*والسعيد من عباد الله من أراد الله منه تقديرًا ما أراد الله به تشريعًا، والعبد الشقي من أراد الله به تقديرًا ما لم يرد به تشريعًا.هنا =قواعد في باب القضاء والقدر.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-05-2019, 02:09 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,237
root

سبق أن :الإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع وهي:
العلم،ثم الكتابة، ثم المشيئة ، ثم الخلق والإيجاد، هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر "العلم، والكتابة، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد".
بمعنى أن الله يعلم بأن سيوجد فلان ثم يكتب هذا في اللوح المحفوظ ثم إذا جاء وقت وجوده شاء الله أن يكون ثم بعد ذلك يخلقه جل جلاله وعظم سلطانه .

*
الاستفصال في كون الإنسان مخير أم مسير:
إطلاق كلا هذين اللفظين: مسير ومخير في وصف الإنسان لفظ محدث ،فليس في كتاب الله تعالى ولا في السنة المطهرة وصف الإنسان بأنه مسير مجبور ولا فيهما أنه مخير تخييرًا يخرج به عن علم الله وقدرته وإرادته.
فمثل هذه الألفاظ المطلقة المتقابلة لم يكن السلف والأئمة يطلقونها بل كانوا يستفصلون فيها وينكرون إطلاقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 8/293: "وسلف الأمة وأئمتها ينكرون هذه الإطلاقات كلها لا سيما كل واحد من طرفي النفي و الإثبات على باطل، وإن كان فيه حق أيضًا بل الواجب إطلاق العبارات الحسنة وهي المأثورة التي جاءت بها النصوص والتفصيل في العبارات المجملة المشتبهة".
وقد أنكر سلف الأمة إطلاق وصف الإنسان بالجبر وعدمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 8/461:
" حتى في لفظ الجبر أنكروا على من قال: جبر، وعلى من قال: لم يجبر. والآثار بذلك معروفة عن الأوزاعي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم من سلف الأمة وأئمتها".
وقال في موضع آخر من مجموع الفتاوى 16/237:
"
ولهذا نص الأئمة كالإمام أحمد ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره على إنكار إطلاق القول بالجبر نفيًا وإثباتًا فلا يقال: إن الله جبر العباد. ولا يقال: لم يجبرهم. فإن لفظ الجبر فيه اشتراك وإجمال.
فإذا قيل: جبرهم أشعر بأن الله يجبرهم على فعل الخير والشر بغير اختيارهم.
وإذا قيل: لم يجبرهم أشعر بأنهم يفعلون ما يشاءون بغير اختياره وكلاهما خطأ".

قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى " مراتب ذلك –أي القدر- أربع لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتكميلها : الإيمان بأنه بكل شيء عليم , وأن علمه محيط بالحوادث ، دقيقها وجليلها ، وأنه كتب ذلك باللوح المحفوظ ، وأن جميعها واقعة بمشيئته وقدرته . ما يشاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه مع ذلك مكَّن العباد من أفعالهم فيفعلونها اختيارا منهم بمشيئتهم وقدرتهم كما قال الله تعالى "أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ"الحج: 70. وقال " لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"التكوير:28-29 .ا.هـ
سؤال وجواب في أهم المهمات :.6
7

*وأصدق ما يوصف به الإنسان مما يتعلق بهذا المعنى ما جاء به الكتاب والسنة من وصف الإنسان بأنه مُيَسَّر .
ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "
ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له" ثم قرأ "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى" الليل:5-7. الراوي : علي بن أبي طالب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4949 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -والله تعالى أعلم. المصدر: موقع الشيخ خالد المصلح.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
فالإنسان مُخيَّرٌ ومُسَيَّرٌ، أعطاه الله عقلًا، وأعطاه الله إرادةً، وأعطاه مشيئةً، فهو مُخيَّرٌ من هذه الحيثية، يعمل عن مشيئةٍ، وعن إرادةٍ، كما قال تعالى" تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ "الأنفال:67، وقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" وقال" إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ "النور:30، خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"آل عمران: 153
"
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ "يونس:36، فلهم فعلٌ، ولهم مشيئةٌ، ولهم اختيارٌ، ولكن لا يشاؤون إلا ما شاءه الله، كما قال تعالى"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ "التكوير:29.
"هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ" يونس:22.
فهو مخيَّرٌ من جهة أنَّ له إرادةً، وله مشيئةً، وله اختيارًا، يعرف الضَّارَّ من النافع، والطيبَ من الخبيث، يأكل ويشرب باختياره، يزور إخوانه باختياره، ينام باختياره، يقوم باختياره، له اختيار، يأتي الطاعة باختياره، ويأتي المعصية باختياره، لكن هذا له مشيئة سابقة، وله قدر من الله سابق ، لا يخرج عن مُلك الله، ولا عن إرادته جلَّ وعلا" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يس:82 .
فهو مُخيَّرٌ من جهة ما أعطاه الله من المشيئة والقُدرة والاختيار والفهم، ومُسَيَّرٌ من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله.الشيخ ابن باز رحمه الله .
فالإنسان تارة مخير وتارة ميسر. فما يقع في الإنسان - مثل حركة القلب والأمعاء والدورة الدموية ....
وأي شيء واقع فيه - وما يقع عليه - مثل من يعتدي عليه بضرب أو يصاب بمرض ، أو يموت .... وأي شيء واقع عليه - هو مسير فيه ولا اختيار له فيه ولا يحاسب عليه.
أماما يقع منه بإرادته وهو بالغ رشيد قادر، فهو مخير فيه ومجازى عليه ،وهو بقدر الله وعلمه الأزلي ومشيئته ورحمته وحكمته سبحانه .ولذلك فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف إذا فُقِد ارتفع التكليف. ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب.

إن الله - تعالى - حَكَمٌ عدل، علي حكيم ،لا يظلم مثقال ذرة، جَوَاد كريم ،يضاعف الحسنات، ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجؤون وعليه مُكْرَهُون، وإذًا فَقَدَر اللهِ المحكم العادل وقضاؤه المبرم النافذ من عقائد الإيمان الثابتة التي يجب الإذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإنسان لإدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قَدَرِه وقضائِهِ وتشريعِهِ وجزائِهِ فإنه - سبحانه - هو العلي القدير الحكيمالخبير، قال تعالى"سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ"180" وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ"181 *وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"الصافات:182.وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه – رضي الله عنهم - لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله ، أفلا نتكل؟ فقال لهم "اعملوا فكل مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ لَهُ" رواه البخاري :4949.

*وسئل شيخنا العلامة ابن عثيمين –رحمه الله تعالى – مثل هذا السؤال : هل الإنسان مسير أو مخير ؟ فأجاب –رحمه الله تعالى:
" على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها‏ ؟‏ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير؟
‏ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره‏ ؟‏ هل يصيبه المرض باختياره‏ ؟‏ هل يموت باختياره ‏؟‏ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير ‏. والجواب‏:‏ أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى" فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا "النبأ:39- وإلى قوله تعالى " مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ"آل عمران :152. وإلى قوله تعالى ‏"وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا"الإسراء:19.
وإلى قوله تعالى " فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ "البقرة :196. حيث خير الفادي فيما يفدي به‏ .‏ ولكن العبد إذا أراد شيئًا وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده -لقوله -تعالى" لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"التكوير:28-29. فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى ‏، وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة ‏.‏ والله الموفق‏." ا.هـ

وقال –رحمه الله تعالى – " هل الإنسان مسير أو مخير ؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة ؟ فنقول : الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر بمعنى أن له الاختيار وإن كان ليس سواءً لا يستوي الكفر والإيمان لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن بل الكافر كفر باختياره والمؤمن آمن باختياره كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره ويرجع إليه باختياره وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره ويدخل الجامعة الفلانية باختياره وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان كحوادث تحدث للإنسان من انقلاب سيارة أو صدم أو سقوط بيتٍ عليه أو احتراق أو ما أشبه هذا هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم لأنهم كفروا باختيارهم ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفرًا ،أو على القول ولو كان كفرًا فإنه لا يُعَاقب عليه لأنه بغير اختيارٍ منه، ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر وقد يرى نفسه ساجدًا لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا لأن ذلك بغير اختياره فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل لأنه فعل السيئ باختياره , وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة فإن هذا لا حجة فيه وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله سبحانه وتعالى إذ أن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غدًا وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً فالإنسان الذي يصلي لا يعلم أن الله كتب له أن يصلي إلا إذا صلى والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة ولم يجبر المصلي على الصلاة بل صلى باختياره والسارق سرق باختياره ولما حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بأنه " ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " قالوا : يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل ؟ قال " لا اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له " فأمر بالعمل والعمل اختياري وليس اضطراريًا ولا إجباريًا فإذا كان يقول - عليه الصلاة والسلام" اعملوا فكلٌ مُيسر لما خلق له " نقول للإنسان اعمل يا أخي صالحا اعمل صالحًا حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملاً صالحًا وإن شاء عمل عملاً سيئًا ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول هذا أمرٌ مكتوب علي، يترك الصلاة مع الجماعة ويقول هذا أمر مكتوب علي، يشرب الخمر ويقول هذا أمر كتب علي ،يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول هذا أمرٌ مكتوبٌ علي ،ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته , أنت لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة , وأما قول السائل هل للإنسان إرادة ؟ نقول : نعم له إرادة بلا شك قال الله تبارك وتعالى" مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ "آل عمران : 152- وقال تعالى " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ"الإسراء : 19- وقال تعالى "مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ "الشورى :20- والآيات في هذا معروفة وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه قال الله تعالى " رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا "البقرة :28- فقال الله : قد فعلت . وقال تعالى " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ "الأحزاب :5- وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة , والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول على الحق وقد خرج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فتأثر من ذلك عليه الصلاة والسلام لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك وإلا فالأمر واضح ولله الحمد." ا.هـ

- صيد الفوائد -

قال صلى الله عليه وسلم"إنَّ اللَّهَ خلقَ كلَّ صانعٍ وصنعتَهُ"
الراوي : حذيفة بن اليمان - المحدث : الوادعي- المصدر : الصحيح المسند-
الصفحة أو الرقم: 305 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فهو خالِقٌ للفِعلِ وللفاعلِ، ولِقُدرةِ الفاعلِ وقُوَّتِه التي حصَلَت الصَّنعةُ بها، فلا يستطيعُ الصانعُ أنْ يَصنَعَ شيئًا إلَّا إذا أرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ إيجادَ هذا الشيءِ؛ فالمرادُ بالصَّنعةِ هنا: العمَلُ الذي يعملُهُ العبدُ، حركاتُه وسكونُه، سواء كانَ عمَلًا جَسديًّا أو كانَ عمَلًا قلبيًّا.الدرر.
*سبق وقلنا :والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع وهي:
العلم،ثم الكتابة، ثم المشيئة ، ثم الخلق والإيجاد، هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر "العلم، والكتابة، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد".
بمعنى أن الله يعلم بأن سيوجد فلان ثم يكتب هذا في اللوح المحفوظ ثم إذا جاء وقت وجوده شاء الله أن يكون ثم بعد ذلك يخلقه جل جلاله وعظم سلطانه .
وتم شرح المراتب الثلاثة الأُوَل .
المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد:

وهو الخالق للأشياء كلها عن مشيئة وعن حكمة وعن علم سابق، هو الخالق لكل شيء كما قال تعالى" اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ "الزمر:62، "هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ "فاطر:3، فهو موجد للأشياء من سماء وأرض وأنهار وبحار وجبال ودواب ومعادن وغير ذلك، فالله الذي أوجدها بمشيئته سبحانه وتعالى قال لها: كوني، فكانت بأمره سبحانه" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "يس:82. فعلى العبد رجلًا كان أو امرأة على العبد أن يؤمن بهذه الأشياء وأن يعلم أنها حق، ثم يستفيد من ذلك فيعمل ويكدح وهو يعلم أنه لن يخرج من قدر الله، وأن الفضل لله فيما يوفقه له من الخير، وأن له الحكمة فيما يصيبه من الشر، فإن أصابه خير حمد الله وشكره وجد في الخير وسارع إلى الخيرات، وإن أصابه ما يكره قال: قدر الله وما شاء فعل، إن لله وإنا إليه راجعون، وصَبَرَ واحتسب، وعَلِمَ أن هذا ليس عبثًا، بل وقع عن حكمة بالغة، وعن قدر سابق من ربه ؛ فعندها يطمئن ويتعزى، ويقول"إنا لله وإنا إليه راجعون، كما قال سبحانه" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "البقرة:155-157.

ثم قد يكون هذا الشيء الذي وقع وهو يكرهه خيرًا له وهو ما يدري، رُب ضارة نافعة، فكم من مصيبة كرهها وصار فيها الخير له والعاقبة الحميدة، كما قال تعالى"فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا "النساء:19، وقال تعالى" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "البقرة:216، ويقول صلى الله عليه وسلم"الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ." صحيح مسلم.
احرص على ما ينفعك يعني في الدنيا والآخرة، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء يعني مما تكره فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان إن أصابك شيء يعني فات المحبوب أو حصل المكروه الذي أنت فار منه فلا تجزع ولا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا وكذا، لو أني عرضته على الطبيب كان يمكن شفي من هذا المرض، لو أنه ما سافر يمكن ما مات في هذا البلد اللي سافر إليها، لو أنه ما راح مع فلان كان كذا وكذا، لا، الأمر قد مضى في علم الله فلا تجزع، ولا تقل: لو، كل شيء بقضاء الله وقدره، اطمئن، واعلم أن الأمر قد فرغ منه، وأن ما شاءه الله كان وإن لم يشأ الناس، وبهذا يحصل للمؤمن الطمأنينة والراحة وراحة الضمير ما لا يحصيه على الكمال إلا الله سبحانه وتعالى، ويحصل له من الخير من الطمأنينة والراحة والفرح ما لا يحصيه إلا الله ؛ فيشكر الله على إنعامه وعلى فضله وإحسانه ويتعزى بعزائه ويصبر على ما أصابه ويعلم أن ذلك من عنده" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "التوبة:51.

فالمؤمن هكذا عند المكروه صبور، وعند المحبوب شكور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كل له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، هكذا المؤمن صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء؛ لأنه يعلم أن الرخاء والنعمة من فضل الله عليه فيشكر الله هو الذي ساق ذلك إليه، ويعلم أن ما أصابه من البلاء عن حكمة بالغة من الله لا عن عبث ولا عن ظلم، فالله لا يظلم مثقال ذرة، بل له الحكمة البالغة في ذلك، فيقول" إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا "التوبة:51.
ويعلم أن لله أسرارًا وحكمًا لا يدريها العبد فله الحكمة البالغة في كونه جعل الصلوات خمسًا، وجعل الفجر ثنتين، والمغرب ثلاثًا، والعشاء والظهر والعصر أربعًا، له الحكمة في ذلك . ولو شاء لجعلها غير ذلك، هكذا له الحكمة في كون الصيام شهرًا واحدًا في رمضان خاصة بين شعبان وبين شوال ولو شاء لجعله غير ذلك، له الحكمة فيما شرع من جهة الحج وأعمال الحج، ولماذا صار في مكة ولماذا صار في البقاع المعروفة له الحكمة البالغة في أعمال الحج وفي مشاعر الحج وفي جميع ما شرعه هناك، وهكذا في الزكاة ونُصبها في المال كذا والواجب كذا في السَّنة كذا وفي الزرع كذا له الحكمة البالغة فيها سبحانه وتعالى، وهكذا إذا فكر المؤمن في جميع الأمور رأى العجب العجاب مما يعطيه مزيدًا من الإيمان مزيدًا من البصيرة لحكمة الله تعالى، وعظيم علمه وكمال حكمته جل وعلا وكمال إحسانه.
فعلى العبد أن يفكر كثيرًا في هذه الأمور ويتدبر كثيرًا حتى يزداد علمًا وبصيرة، وحتى يعلم أن الله له الحكمة البالغة؛ فيشكره على إحسانه، ويصبر على ما أصابه من الأذى، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويزداد شكرًا لله في أداء ما شرع من الطاعات، وفي الحذر مما حرم من المعاصي، والوقوف عند حدود الله، هكذا الواجب عليه أن يكون شكورًا مسارعًا للطاعات، مؤديًا لما أوجب الله عليه، نشيطًا في ذلك، حذرًا من كل ما يعوقه عن ذلك، وأن يكون أيضًا حريصًا على ترك المعاصي بعيدًا عنها وعن أسبابها ووسائلها، سائلًا ربه أن يعينه على ذلك، وأن يعيذه من شر نفسه وشيطانه، وأن يعيذه من جلساء السوء وشياطين الإنس والجن، ويصبر على ما شرع الله له وما حرمه الله عليه، فيبتعد عن المحارم، ويسارع إلى الطاعات والخيرات، ويقف عند حدود الله مؤمنًا بالله مؤمنًا بشرعه ، وبهذا يعلم أن الخير كله فيما شرع، وأن البلاء والمحن فيما حرم عليه، فيحذر ذلك ويقف عند حدود الله شاعرًا بأنه عبده وابن أمته وابن عبده يتصرف فيه سبحانه كيف يشاء، فهو الحكيم العليم شرع له ما في النجاة والسعادة ونهاه عما يضره في الدنيا والآخرة، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.الشيخ ابن باز رحمه الله.


الذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد وهذا مبني على الحِكْمَة، فيكون خيرًا بالنسبة لله؛ لأنه خُلِقَ لحكمةٍ لكنه شرٌ بالنسبة للعبد، الكفر والمعاصي شر بالنسبة للعبد الذي باشر المعاصي وفعلها فيتضرر ويعذب عليها، والذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد فهو مبني على الحكمة.

الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع، وهو حاصل بالقدر، لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ذكر له في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم، هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة؟ فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة، ولما عزم على ذلك، جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح، وكان عمر رضي الله عنه يجله ويقدره، فقال: يا أمير المؤمنين، كيف ترجع إلى المدينة، أفرارًا من قدر الله؟ قال رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله.
وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائبًا في حاجة له، فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطاعون: " إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه"
قال صلى الله عليه وسلم"
إنَّ هذا الوباءَ رِجزٌ أهلكَ اللهُ بهِ الأممَ قبلَكم ، و قد بقيَ منه في الأرضِ شيءٌ ، يَجيءُ أحيانًا و يذهَبُ أحيانًا ، فإذا وقَعَ بأرضٍ فلا تخرُجُوا منها فِرارًا ، و إذا سَمعتُم بهِ في أرضٍ فلا تأتُوها
"الراوي : أسامة بن زيد - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 2253 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

"أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، خَرَجَ إلى الشَّأْمِ، حتَّى إذَا كانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ، أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأَصْحَابُهُ، فأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لي المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وأَخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قدْ خَرَجْتَ لأمْرٍ، ولَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عنْه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: معكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأَصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لي الأنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ، واخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لي مَن كانَ هَا هُنَا مِن مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِن مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ منهمْ عليه رَجُلَانِ، فَقالوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بالنَّاسِ ولَا تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصَبِّحٌ علَى ظَهْرٍ فأصْبِحُوا عليه. قَالَ أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ، أرَأَيْتَ لو كانَ لكَ إبِلٌ هَبَطَتْ وادِيًا له عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُما خَصِبَةٌ، والأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ - وكانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إنَّ عِندِي في هذا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ.صحيح البخاري.


الحاصل قول عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، فهذا يدل على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله عز وجل، ونحن نعلم أن الرجل لو قال: أنا سأؤمن بقدر الله، وسيرزقني الله ولداً بدون زوجة، ولو قال هذا لعد من المجانين، كما لو قال: أنا أؤمن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق، ولم يتخذ أي سبب للرزق، لعد ذلك من السفه.
فالإيمان بالقدر إذن لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك، فهذه لا عبرة بها، ولا يلتفت إليها.
ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال وليس بإشكال في الواقع، وهو أن يقول قائل: إذا كان فعلي من قدر الله عز وجل فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عز وجل؟
والجواب على ذلك أن يقال: لا حُجَّة لك على المعصية بقدرِ الله، لأن الله عز وجل لم يجبرك على هذه المعصية، وأنت حين تقدم عليها لم يكن لديك العلم بأنها مُقَدَّرة عليك، لأن الإنسان لا يعلم بالمقدور إلا بعد وقوع الشيء، فلماذا لم تُقَدِّر قبل أن تفعل المعصية، أن الله قدر لك الطاعة، فتقوم بطاعته، وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أنه خير، وتهرب مما ترى أنه شر، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة، أنا لا أعتقد أن أحدًا يقال له: إن لمكة طريقين: أحدهما: طريق مأمون ميسر، والثاني: طريق مُخَوّف صعب، لا أعتقد أن أحدًا يسلك الطريق المخوف الصعب، ويقول: إن هذا قد قُدِّرَ لي، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال لك: إن للجنة طريقًا وللنار طريقًا، فإنك إذا سلكت طريق النار، فأنت كالذي سلك طريق مكة المخوف الوعر، وأنت بنفسك تنتقد هذا الرجل الذي سلك الطريق المخوف الوعر، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم، وتدع طريق النعيم، ولو كان للإنسان حُجة بالقدر على فعل المعصية، لم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل وقد قال الله تعالى"رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل" النساء: 165.
كتاب فقه العبادات للعثيمين

قال الشيخ الألباني: أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملًا وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار.
هذا؛ ويجب التنبه إلى البعد عن الخوض في القدر، عملًا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذُكِرَ القدرُ فأمْسِكُوا. رواه الطبراني وصححه الألباني. إسلام ويب.

المتن"
والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-."
الشرح:
*
والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ:
التصديق بكل ما ورد في القدر من نصوص.

"أَدْرَكْتُ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولونَ كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، قالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ."
الراوي : طاووس بن كيسان اليماني - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم.
يَحكي طاوسٌ أنَّه أَدركَ ناسًا منْ أَصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِنهُم عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولون: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، أي: لا يَقعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ عزَّ وجلَّ ومَشيئتُه وتَقديرُه؛ حتَّى "العَجزُ"، وهوَ عَدمُ القُدرةِ، وقيلَ: هوَ تَركُ ما يَجبُ فِعلُه والتَّسويفُ بِه وتَأخيرُه عنْ وَقتِه؛ "والكَيْسُ"، وهوَ النَّشاطُ والحِذقُ بالأُمورِ؛ أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ قدَّرَ العَجزَ والكَيْسَ وكُلَّ شيءٍ- لا يقَعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ ومَشيئتُه.
في الحديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابتُه لَها قَبلَ بَرئِها.


*وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-
لا يقال لِمَ في الأفعال،
وَلاكَيْفَ في الصفات، فلا تقل: لِمَ فعل الله كذا ما تعترض على الله، سَلِّم لقضاءِ اللهِ وقدرِهِ، ما تقول: لِمَ أعطى الله هذا العلم ولم يعط هذا؟ لِمَ كان هذا عالم وهذا جاهل؟ لم هذا فقير وهذا غني؟ لم كان هذا طويل وهذا قصير؟ لم كان هذا عمره يعيش مائة سنة وهذا يموت شابًّا وهذا يموت شيخًا؟
هذا سر الله في القدر، لا تسأل عن هذا بلِمَ؛ ولهذا يقول الطحاوي: والقدر سر الله في خلقه حجبه عن أنامه -حجبه عن الناس- ونهاهم عن مرامه، فمن سأل لِمَ فعل فقد رَدَّ حُكمَ الكتابِ، ومن رد حُكم الكتاب كان من الكافرين قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء:23. فلا تسأل ؛ هذا سر الله في خلقه. واعلم أن ربك حكيم، جعل هذا طويل وهذا قصير، وهذا غني وهذا فقير، وهذا عالم وهذا جاهل لحكم، هذا سر الله، مبني على الحكمة لكنا لا نعلم.
يعني لا يقال: لِمَ في الأفعال؛ يعني لا يعترض على الله في أفعاله ويقال: لم فعل كذا قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء:23. لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، لا لأنه يفعل بالقدرة والمشيئة كما يقول الجبرية، يقولون: لا يُسأل لِمَ يفعل لأنهم أنكروا حكمة الله قالوا: إن الله يفعل بالإرادة، يفعل بالإرادة وليس له حكمة، وهذا باطل، الجبرية ومنهم الأشاعرة والجهمية، أنكروا حكمة الله، وقالوا: إن الله يفعل بالإرادة فقط.
أما أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله يفعل بالحِكْمَةِ- أي إرادة بحكمة-، كل شيء بحِكمة، أمره بحكمة، ونهيه بحكمة، وقَدَره بحكمة، وخلقه بحكمة" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" يوسف:6.فلا يقال: لم، لا يُسأل عما يفعل لم؛ لأنه حكيم سبحانه وتعالى.

*وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا:
كذلك لا تَسأل عن الكيفية،
لا تقل: كيف الصفات، لا تقل: كيف استوى. تؤمن بالاستواء ولا تسأل، والاستواء معناه معلوم لكن لا تسأل عن الكيفية، يجب أن تؤمن بأن الله استوى على العرش وتفوض الكيف لعلمه سبحانه وتعالى، كما قال الإمام مالك -رحمه الله- لما سُئِلَ عن الاستواء قال "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".

كذلك أيضًا النزول، معلوم في اللغة العربية لكن لا تسأل عن الكيف، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، الصفات معلوم معانيها في اللغة العربية، والإيمان بها واجب ولا يُسأل عن الكيفية والسؤال عنها بدعة، لا تقل: كيف عِلْم اللهِ، كَيفَ سَمْع اللهِ، كيف بصره كيف رؤيته، لا تسأل؛ الكيفية لا يعلمها إلا الله، فالسؤال عنها بدعة، كما أنك لا تعترض على الله في أفعاله، فلا تسأل عن كيفية الصفات
،
فلا يعلم كيفية صفاته إلا هو كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو سبحانه وتعالى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله:
إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ بِهَا إ.
ولهذا روى الخلال في السنة، والدارقطني في الصفات، والآجري في الشريعة عن الوليد بن مسلم أنه قال: سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث -أي أحاديث الصفات- فقالوا: مِرُّوها كما جاءت " وهذا سنده صحيح كما قال المحقق.
وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم، من طريق عبد الوهاب بن نجدة، قال: حَدَّثَنا بقية عن الأوزاعي قال، كان مكحول والزهري يقولان "أمِرُّوا هذه الأحاديث كما جاءت" وسنده صحيح، وقال ابن عبد البر وقد روينا عن مالك بن أنس والأوزاعي، وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، ومعبد بن راشد في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم قالوا: أمِرُّوها كما جاءت، وروى عبد الله بن الإمام أحمد -رحمه الله- في السنة بسند صحيح عن وكيع بن الجراح قال: نسلم لهذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف كذا، ولا لم كذا؛ يعني مثل حديث ابن مسعود
"إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ علَى إصْبَعٍ، وَالأرْضِينَ علَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى علَى إصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ علَى إصْبَعٍ"الراوي : عبدالله بن مسعود -المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2786 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر.-
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ.الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2654 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
ونحوه من الأحاديث.
وروى اللالكائي بإسناده عن محمد بن الحسن، فقيه العراق قال: اتفق الفقهاء من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه؛ يعني من غير تفسير كتفسير الجهمية، فمن فسر شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، ومن قال بقول جهم، فقد فارق الجماعة؛ فإنه وصفه بصفة لا شيء؛ يعني الجهم نفى الأسماء والصفات، ووصفه بصفة المعدوم.
وروى الدارقطني في الصفات بسند صحيح عن العباس بن محمد الدوري: قال: سمعت أبا القاسم -أبا عبيد القاسم بن سلام- وذكر الباب الذي يروى في الرؤية والكرسي ووضع القدمين، وضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول قط قط،
"يُقالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ، وتَقُولُ هلْ مِن مَزِيدٍ، فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالَى قَدَمَهُ عليها، فَتَقُولُ: قَطْقَطْ"صحيح البخاري.

وأشباه هذه الأحاديث فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه وكيف ضحك؟ قلنا: لا يُفَسر هذا، ولا سمعنا أحدًا يفسره.

وكلام السلف في هذا كثير، قال أبو بكر الخلال في السنة: حدثنا أبو بكر المروزي -رحمه الله- قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تَرُدَّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء، والعرش وصححها أبو عبد الله وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول نُسَلِّم بالأخبارِ كما جاءت، قال: فقلت له: إن رجلًا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت، فقال: يخفى، وقال: ما اعتراضه في هذا الموضع؟! يُسَلِّم بالأخبار كما جاءت، فأقوال العلماء في هذا كثيرة.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله "ومن لم يعرف تفسير الأحاديث ويبلغها عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان والتسليم مثل: أحاديث الصادق المصدوق" يعني مقصوده بـ"حديث الصادق المصدوق" هو حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي رواه أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد قال:
"حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قالَ"إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3208 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر =
يعني الكتاب الذي كُتب عليه وهو في بطن أمه.
"فيَسْبِق عليه كِتَابُه" أي: فيَكون قد كُتِب عليه سابقًا في بَطْنِ أمِّه أنَّه سعيد، فيُختَم له بالسعادة ،فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فيَدخُلها.اللهم اختم لنا بالصالحات في عافية دنيا وأخرى.
*ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر:
- الاعتماد على الله وحده، لأن كل شيء بقدر الله.
- أن الإيمان بالقدر يعصم الإنسان بإذن الله من البطر والطغيان إذا أصابه الخير، ومن الحزن والأسى إذا أصابه الشر؛ لأن ما حدث قد جرت به المقادير وسبق به علم الله. وما أحسن ما قاله إبراهيم الحربي / حين قال "من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيشه".
- فلا يُعْجَب المرء بنفسه عند حصول مراده؛ لأن حصول ذلك المراد نعمة من الله الذي قدَّر حصولَها، وإعجاب المرء بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
- القوة والثبات في الحق، لأن الأرزاق والآجال مقدرة، ولا يملك أحد سوى الله تغييرها بالنقص أو الزيادة.
- الإيمان بالقدر يغرس القناعة في نفس المؤمن.
- أن الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات وتزرع الأحقاد بين الناس، وذلك مثل رذيلة الحسد؛ فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأنه يدرك أن الله هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك بحكمته وقدرته، وهو يعلم أنه عندما يحسد غيره؛ فإنه يعترض على ما قدره الله.
- الصبر على المصائب، قال صلى الله عليه وسلم "
عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له."صحيح مسلم.
- الألوكة-ومصادر أخرى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-05-2019, 02:10 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,237
root

*القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية:
أفعال العباد كلها من طاعات ومعاصي كلها مخلوقة لله كما سبق، ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية، وذلك لأدلة كثيرة منها:
- أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسبًا له فقال: "الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ".غافر:17. ولو لم يكن له اختيار في الفعل وقدرة عليه ما نُسب إليه.
- أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع؛ لقوله تعالى"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا".البقرة:286. "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ".التغابن:16. ولو كان مجبورًا على العمل ما كان مستطيعًا على الفعل، أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص.
- أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري، وأن الأول يستطيع التخلص منه.
- أن العاصي قبل أن يُقْدِم على المعصية لا يدري ما قُدِّرَ له، وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك، فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول؟! أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول: هذا ما قدر لي؟!
- أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة"لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل".النساء:165. ولو كان القدر حُجَّة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل.كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد.

*الحذر من الخوض في القدر دون قيود شرعية :
"أَدْرَكْتُ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولونَ كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، قالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ."الراوي : طاووس بن كيسان اليماني - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2655 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - الدرر-
شرح الحديث:

يَحكي طاوسٌ أنَّه أَدركَ ناسًا منْ أَصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِنهُم عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولون: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، أي: لا يَقعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ عزَّ وجلَّ ومَشيئتُه وتَقديرُه؛ حتَّى "العَجزُ"، وهوَ عَدمُ القُدرةِ، وقيلَ: هوَ تَركُ ما يَجبُ فِعلُه والتَّسويفُ بِه وتَأخيرُه عنْ وَقتِه؛ "والكَيْسُ"، وهوَ النَّشاطُ والحِذقُ بالأُمورِ؛ أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ قدَّرَ العَجزَ والكَيْسَ وكُلَّ شيءٍ- لا يقَعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ ومَشيئتُه.
في الحديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابتُه لَها قَبلَ بَرئِها
.
- الدرر -
فلا ينبغي الكلام في القدر إلا بالتزام كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ذلك متوافق، فلا يضرب كلام الله بكلام الله، ولا بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
فالإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به. وأما الخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته فإنه لا يجوز.

"خرجَ رسولُ اللهِ ذاتَ يومٍ والنَّاسُ يتَكلَّمونَ في القَدَرِ قالَ: فكأنَّما تفقَّأَ في وجْهِهِ حبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ قالَ: فقالَ لَهم: ما لَكم تضرِبونَ كتابَ اللهِ بعضَهُ ببعضٍ ؟ بِهذا هلَكَ من كانَ قبلَكم قالَ: فما غَبطتُ نفسي بمجلِسٍ فيهِ رسولُ اللهِ لم أشْهَدْهُ بما غبطتُ نَفسي بذلِكَ المجلِسِ إنِّي لم أشْهدْهُ "الراوي : جد عمرو بن شعيب - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية -الصفحة أو الرقم: 259 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
وهذا النهيُ في مُجرَّدِ الجدالِ والاختلافِ فيه، وأمَّا المذاكرةُ والمناقشةُ في تَعليمِ مسائلِ القَدرِ وكيفيَّةِ الإيمانِ الصَّحيحِ به؛ فليس داخلًا في هذا النَّهي، بل هو من العِلمِ المأمورِ بتَعلُّمِه وتَعليمِه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن التَّنازُعِ في القضاءِ والقدَرِ.
وفيه: الأمرُ بالاتِّباع وعدَمِ الخوضِ فيما فيه الهلاكُ.الدرر=


ومن حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا ، و إذا ذُكِرتِ النجومُ فأمسكوا ، و إذا ذُكِرَ القدرُ فأمسكوا"الراوي : عبدالله بن مسعود و ثوبان و عمر بن الخطاب -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم:545-خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر -

فمعنى الإمساكِ عن الحديث في القدر، هو النهيُ عن الخوض في القدر بالآراء والأهواء والمنطق والعقل، وإنما يلتزم المؤمن بالآيات والأحاديث فقط، وكذلك عند الحديث عن الصحابة وما حصل بينهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا خضنا بآرائنا وعقولنا في هذه الأمور على وجه الخصوص، ضللنا طريق الهداية.هنا -
فالمنهي عنه في هذه الأحاديث هو الخوض فيها بالباطل والظن -كما أسلفنا -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخوض في ذلك - أي في القضاء والقدر - بغير علم تام، أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنازع فيه. وفي الحديث الذي ذكرناه أخيرًا ما يدل على ذلك، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا فليس معناه - كما هو معلوم - الإمساك عن ذكر فضائل الصحابة وجهادهم، إنما معناه الإمساك عن ذكرهم بالباطل، وكذلك يقال في القدر. أما ما يؤثر عن بعض العلماء من أن القدر سر الله في خلقه، فهذا صحيح يجب إدراكه لكل من يبحث في القدر، لكن هذا محصور في الجانب الخفي من القدر، ألا وهو كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز؛ لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين، أما جوانب القدر الأخرى وحِكَمُه العظيمة ومراتبه ودرجاته وآثاره، فهذا مما يجوز الخوض فيه، وبيان الحق للناس فيه، بل بيانه مما يندب إليه، وينبغي شرحه وإيضاحه للناس؛ إذ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي ينبغي تعلمها ومعرفتها. والله أعلم هنا-.
فالقدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده.
والعقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة ، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون =هنا =

*الفرق بين القضاء والقدر:

اختلف العلماء في الفرق بينهما فمنهم من قال: إن القدر: "تقدير الله في الأزل"، والقضاء: "حكم الله بالشيء عند وقوعه"، فإذا قدر الله تعالى أن يكون الشيء المعين في وقته فهذا قدر، فإذا جاء الوقت الذي يكون فيه هذا الشيء فإنه يكون قضاء، وهذا كثير في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: " قُضِيَ الْأَمْرُ" يوسف: 41، وقوله"وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ"غافر:20 . وما أشبه ذلك، فالقدر تقدير الله تعالى الشيء في الأزل، والقضاء قضاؤه به عند وقوعه. ومنهم من قال: إنهما بمعنى واحد. والراجح أنهما إن قرنا جميعًا فبينهما فرق كما سبق، وإن أفرد أحدهما عن الآخر فهما بمعنى واحد، والله أعلم.العثيمين -
ذهب بعض العلماء إلى أن القضاء والقدر مترادفان .
وهذا موافق لقول بعض أئمة اللغة الذين فسروا القدر بالقضاء .
جاء في "القاموس" المحيط للفيروزآبادي :ص 591:
" القدر : القضاء والحكم" انتهى .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما الفرق بين القضاء والقدر ؟
فأجاب " القضاء والقدر، هو شيء واحد، الشيء الذي قضاه الله سابقًا ، وقدره سابقًا، يقال لهذا القضاء ، ويقال له القدر "
انتهى من موقع الشيخ ابن باز

*وذهب آخرون من العلماء إلى التفريق بينهما .
فذهب بعضهم إلى أن القضاء سابق على القدر .
فالقضاء هو ما علمه الله وحكم به في الأزل ، والقدر هو وجود المخلوقات موافقة لهذا العلم والحكم .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 11/477 :

" قال العلماء : القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله " انتهى .
وقال في موضع آخر :11/149 : "القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل ، والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل" انتهى .
وقال الجرجاني في "التعريفات" ص174:
"القدر : خروج الممكنات من العدم إلى الوجود ، واحدًا بعد واحدٍ ، مطابقًا للقضاء .
والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال .
والفرق بين القدر والقضاء : هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها" انتهى .

ورأى فريق آخر من العلماء عكس هذا القول ، فجعلوا القدر سابقا على القضاء ، فالقدر هو الحكم السابق الأزلي ، والقضاء هو الخلق .
قال الراغب الأصفهاني في "المفردات" ص675.
"والقضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع .
وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المُعَدِّ للكيل ، والقضاء بمنزلة الكيل ، ويشهد لذلك قوله تعالى" وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا" مريم : 21، وقوله" كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا "مريم:71. وقوله" وَقُضِيَ الأَمْرُ"البقرة : 210. أي فصل ، تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه " انتهى .

ومن العلماء من اختار أنهما بمعنى واحد إذا افترقا ، فإذا اجتمعا في عبارة واحدة : صار لكل واحد منهما معنى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" القدر في اللغة ؛ بمعنى : التقدير؛ قال تعالى" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"القمر: 49، وقال تعالى"فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ"المرسلات: 23 - وأما القضاء ؛ فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل: هذا قدر الله؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعًا؛ فلكل واحد منهما معنى.
- فالتقدير: هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.
- وأما القضاء؛ فهو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقًا.
فإن قال قائل: متى قلنا: إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان: 2؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
- إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة"فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى"طه: 70؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
-أو نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية ؛ أي : خلقه على قدر معين ؛ كقوله تعالى"الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى"الأعلى: 2؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تمامًا لقوله تعالى: "الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى"
الأعلى: 2، فلا إشكال" انتهى، من "شرح العقيدة الواسطية" 2/189.
والخطب في هذه المسألة يسير جدًا ، وليس وراءها كبير فائدة ، ولا تتعلق بعمل ولا اعتقاد ، وغاية ما فيها اختلاف في التعريف ، ولا دليل من الكتاب والسنة يفصل فيها ، والمهم هو الإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ، والتصديق به .
قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" 2/323: بعد أن ذكر أن القدر هو التقدير السابق وأن القضاء هو الخلق ، قال "جماع القول في هذا الباب - أي القضاء والقدر - أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر ؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه" انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ : ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب " القضاء والقدر؛ من العلماء من يسوي بينهما، ويقول القضاء هو القدر، والقدر هو القضاء، ومنهم من يأتي بفرق ويقول: القدر أعم ، والقضاء أخص، فالقدر عمومًا والقضاء جزءٌ من القدر .
والكل واجب الإيمان به، بأن ما قدّر الله، وقضى الله لابد من الإيمان به والتصديق به " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت - هنا -

وقال الشيخ عبد الرحمن المحمود :
" لا فائدة من هذا الخلاف ؛ لأنه قد وقع الاتفاق على أن أحدهما يطلق على الآخر... فلا مشاحة من تعريف أحدهما بما يدل عليه الآخر " .
انتهى من " القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة " ص 44 .

والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
*الخلاصة:
من العلماء من فرق بينهما ، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين " القضاء " و " القدر " في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر ، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر ورودًا في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن . والله أعلم . الإسلام سؤال وجواب .


رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 05:46 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر