العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-01-2017, 02:22 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
root

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *»
قوله تعالى"وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ" في قوله"تَزَاوَرُ" قراءتان "تَزَّاور" بتشديد الزاي وأصلها تَتَزاور، و"تزَاور" بتخفيف الزاي، والمراد بذلك أنها تميل"عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ"تصور كيف يكون الكهف الآن إذا كانت تزاور عنه ذات اليمين؟ يكون وجه الكهف إلى الشمال. ولهذا قال بعضهم: إن وجه الكهف إلى «بنات نعش» النجوم المعروفة في السماء، يعرفها أهل البر.
"وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ" تكون على شمال الغار.
وقوله"تَقْرِضُهُمْ" قيل: المعنى تتركهم وقيل: تصيب منهم، وهو الأقرب أنها تصيب منهم، وفائدة هذه الإصابة أن تمنع أجسامَهم من التغيُّر لأن الشمس كما يقول الناس: إنها صحة وفائدة للأجسام.
"وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ" الضمير يعود على هؤلاء الفتية، هذه الفجوة يعني الشيء الداخل، يعني ليسوا على باب الكهف مباشرة، بل في مكان داخل، لأن ذلك أحفظ لهم.
وفي قوله تعالى"إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ"."وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ" دليل على أن الشمس هي التي تتحرك وهي التي بتحركها يكون الطلوع والغروب خلافاً لما يقوله الناس اليوم من أن الذي يدور هو الأرض، وأما الشمس فهي ثابتة، فنحن لدينا شيء من كلام الله، الواجب علينا أن نجريه على ظاهره وألا نتزحزح عن هذا الظاهر إلاَّ بدليل بَيِّن، فإذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فحينئذ يجب أن نؤول الآيات إلى المعنى المطابق للواقع، فنقول: إذا طلعت في رأي العين وإذا غربت في رأي العين، تزاور في رأي العين، تقرض في رأي العين، أما قبل أن يتبين لنا بالدليل القاطع أن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور وبدورانها يختلف الليل والنهار فإننا لا نقبل هذا أبداً، علينا أن نقول: إنَّ الشمس هي التي بدورانها يكون الليل والنهار، لأن الله أضاف الأفعال إليها والنبي صلّى الله عليه وسلّم حينما غربت الشمس قال لأبي ذر: «أتدري أين تذهب؟»5 فأسند الذَّهاب إليها، ونحن نعلم علم اليقين أن الله تعالى أعلم بخلقه ولا نقبل حدْساً ولا ظناً، ولكن لو تيقنا يقيناً أن الشمس ثابتة في مكانها وأن الأرض تدور حولها، ويكون الليل والنهار، فحينئذ تأويل الآيات واجب حتى لا يخالف القرآن الشيء المقطوع به.
قال تعالى"وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *»
الضمير يعود على حال هؤلاء الفتية:
1 ـ خروجهم من قومهم.
2 ـ إيواؤهم لهذا الغار.
3 ـ تيسير الله عزّ وجل لهم غارًا مناسبًا.
لا شك أن هذا من آيات الله الدالة على حكمته ورحمته عزّ وجل، هل نعتبر أن هذا كرامة؟
الجواب: نعم نعتبره كرامة ولا شك.
"مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا" "مَنْ يَهْدِ" «من» شرطية والدليل على أنها شرطية حذف الياء مِن يهدي، والجواب: «فهو المهتدِ» و«المهتد» أصلها «المهتدي» بالياء لكن حذفت الياء تخفيفاً كما حذفت في قوله تعالى"الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ"الرعد: 9 .
"مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا" أي يُقدِّر أن يكون ضالاً.
"فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا" أي من يتولاه ويرشده إلى الصواب، وفي هذا الخبر من الله تنبيه إلى أننا لا نسألُ الهداية إلاَّ من الله، وأننا لا نجزع إذا رأينا من هو ضال لأن الإضلال بيد الله، فنحن نؤمن بالقدر ولا نَسخطُ الإضلال الواقع من الله لكن يجب علينا أن نُرشد هؤلاء الضالين، فهنا شرع وقدَر، القدر يجب عليك أن ترضى به على كل حال، والمقدور فيه تفصيل. والمشروع يجب أن ترضى به على كل حال، فنحن نرضى أن الله جعل الناس على قسمين مهتد وضال، ولكن يجب علينا مع ذلك أن نسعى في هداية الخلق.
تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-01-2017, 02:31 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Post

{17} ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًاأي: حفظهم الله من الشمس فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس تميل عنه يمينا، وعند غروبها تميل عنه شمالا فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها، " وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ " أي: من الكهف أي: مكان متسع، وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيق، خصوصا مع طول المكث، وذلك من آيات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم، وإجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الأمور، ولهذا قال" مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ " أي: لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله، فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين، " وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا" أي: لا تجد من يتولاه ويدبره، على ما فيه صلاحه، ولا يرشده إلى الخير والفلاح، لأن الله قد حكم عليه بالضلال، ولا راد لحكمه.تفسير السعدي.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى " وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين " يَقُول تَعَالَى ذِكْره " وَتَرَى الشَّمْس " يَا مُحَمَّد " إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين " يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " تَزَاوَرُ " : تَعْدِل وَتَمِيل , مِنْ الزِّوَر : وَهُوَ الْعِوَج وَالْمَيْل ; يُقَال مِنْهُ : فِي هَذِهِ الْأَرْض زَوَر : إِذَا كَانَ فِيهَا اِعْوِجَاج , وَفِي فُلَان عَنْ فُلَان اِزْوِرَار , إِذَا كَانَ فِيهِ عَنْهُ إِعْرَاض ; وَمِنْهُ قَوْل بِشْر بْن أَبِي خَازِم : يَؤُمّ بِهَا الْحُدَاة مِيَاه نَخْل وَفِيهَا عَنْ أَبَانِينِ اِزْوِرَار يَعْنِي : إِعْرَاضًا وَصَدًّا . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَمَكَّة وَالْبَصْرَة : " تَزَّاوَرُ " بِتَشْدِيدِ الزَّاي , بِمَعْنَى : تَتَزَاوَر بِتَاءَيْنِ , ثُمَّ أُدْغِمَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الزَّاي , كَمَا قِيلَ : تَظَّاهَرُونَ عَلَيْهِمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ" تَزَاوَرُ " بِتَخْفِيفِ التَّاء وَالزَّاي , كَأَنَّهُ عَنَى بِهِ تَفَاعُل مِنْ الزَّوَر . وَرُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ : " تَزْوَرّ " بِتَخْفِيفِ التَّاء وَتَسْكِين الزَّاي وَتَشْدِيد الرَّاء مِثْل تَحْمَرّ , وَبَعْضهمْ : " تَزْوَارّ " مِثْل تَحْمَارّ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي قِرَاءَة ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ , أَعْنِي " تَزَاوَرُ " بِتَخْفِيفِ الزَّاي , و " تَزَّاوَرُ" بِتَشْدِيدِهَا مَعْرُوفَتَانِ , مُسْتَفِيضَة الْقِرَاءَة بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . وَأَمَّا الْقِرَاءَتَانِ الْأُخْرَيَانِ فَإِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ لَا أَرَى الْقِرَاءَة بِهِمَا , وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فِي الْعَرَبِيَّة وَجْه مَفْهُوم , لِشُذُوذِهِمَا عَمَّا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله " تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ " قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17283 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : " وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين " قَالَ : تَمِيل . 17284 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : حدثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : حد ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس " تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين" يَقُول : تَمِيل عَنْهُمْ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حدثني أَبِي , قَالَ : حدثني عَمِّي , قَالَ : حد ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله " وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَات الشِّمَال " يَقُول : تَمِيل عَنْ كَهْفهمْ يَمِينًا وَشِمَالًا . 17285 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : حدثنا يَزِيد , قَالَ : حدثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله" وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين " يَقُول : تَمِيل ذَات الْيَمِين , تَدَعهُمْ ذَات الْيَمِين . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله " تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين " قَالَ : تَمِيل عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين . 17286 - حُدِّثْت عَنْ يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَوْ أَنَّ الشَّمْس تَطْلُع عَلَيْهِمْ لَأَحْرَقَتْهُمْ , وَلَوْ أَنَّهُمْ لَا يُقَلَّبُونَ لَأَكَلَتْهُمْ الْأَرْض , قَالَ : وَذَلِكَ قَوْله : " وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَات الشِّمَال" . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ" تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ " تَمِيل .

{17} وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَقَوْله" وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَات الشِّمَال " يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْس تَتْرُكهُمْ مِنْ ذَات شِمَالهمْ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ تَعْدِل عَنْ كَهْفهمْ , فَتَطْلُع عَلَيْهِ مِنْ ذَات الْيَمِين , لِئَلَّا تُصِيب الْفِتْيَة , لِأَنَّهَا لَوْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ قُبَالهمْ لَأَحْرَقَتْهُمْ وَثِيَابهمْ , أَوْ أَشْحَبَتْهُمْ . وَإِذَا غَرَبَتْ تَتْرُكهُمْ بِذَاتِ الشِّمَال , فَلَا تُصِيبهُمْ ; يُقَال مِنْهُ : قَرَضْت مَوْضِع كَذَا : إِذَا قَطَعْته فَجَاوَزْته . وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة . وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْمُحَاذَاة , وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ الْعَرَب قَرَضْته قُبُلًا وَدُبُرًا , وَحَذَوْته ذَات الْيَمِين وَالشِّمَال , وَقُبُلًا وَدُبُرًا : أَيْ كُنْت بِحِذَائِهِ ; قَالُوا : وَالْقَرْض وَالْحَذْو بِمَعْنًى وَاحِد . وَأَصْل الْقَرْض : الْقَطْع , يُقَال مِنْهُ : قَرَضْت الثَّوْب : إِذَا قَطَعْته ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِقْرَاضِ : مِقْرَاض , لِأَنَّهُ يَقْطَع ; وَمِنْهُ قَرَضَ الْفَأْر الثَّوْب ; وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرِّمَّة : إِلَى ظُعْن يَقْرِضْنَ أَجْوَاز مُشْرِف شِمَالًا وَعَنْ أَيْمَانهنَّ الْفَوَارِس يُعْنَى بِقَوْلِهِ : يَقْرِضْنَ : يَقْطَعْنَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17287 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثني أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله " وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَات الشِّمَال" يَقُول : تَذَرهُمْ . 17288 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : حدثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ " وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ " تَتْرُكهُمْ ذَات الشِّمَال . 17289 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حدثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حدثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حدثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ" تَقْرِضُهُمْ " قَالَ : تَتْرُكهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حدثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حدثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17290 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : حدثنا يَزِيد , قَالَ : حدثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة " وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَات الشِّمَال " يَقُول : تَدَعهُمْ ذَات الشِّمَال . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله " تَقْرِضُهُمْ ذَات الشِّمَال " قَالَ : تَدَعهُمْ ذَات الشِّمَال . * - حَدَّثَنَا اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : حدثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن أَبِي الْوَضَّاح عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ "قَالَ : تَتْرُكهُمْ .
{17} وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَقَوْل"ه وَهُمْ فِي فَجْوَة مِنْهُ " يَقُول : وَالْفِتْيَة الَّذِينَ أَوَوْا إِلَيْهِ فِي مُتَّسَع مِنْهُ يُجْمَع : فَجَوَات , وَفِجَاء مَمْدُودًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17291 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حدثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة " وَهُمْ فِي فَجْوَة مِنْهُ " يَقُول : فِي فَضَاء مِنْ الْكَهْف , قَالَ اللَّه : " ذَلِكَ مِنْ آيَات اللَّه " . 17292 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : حدثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " وَهُمْ فِي فَجْوَة مِنْهُ " قَالَ : الْمَكَان الدَّاخِل . 17293 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : حدثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : حدثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد " وَهُمْ فِي فَجْوَة مِنْهُ " قَالَ : الْمَكَان الذَّاهِب . * - حَدَّثَنِي اِبْن سِنَان , قَالَ : حدثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : حدثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم أَبُو سَعِيد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { فِي فَجْوَة مِنْهُ } قَالَ : فِي مَكَان دَاخِل .
{17} وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَقَوْله" ذَلِكَ مِنْ آيَات اللَّه " يَقُول عَزَّ ذِكْره : فَعَلْنَا هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الْفِتْيَة الَّذِينَ قَصَصْنَا عَلَيْكُمْ أَمْرهمْ مِنْ تَصْيِيرِنَاهُمْ , إِذْ أَرَدْنَا أَنْ نَضْرِب عَلَى آذَانهمْ بِحَيْثُ تَزَاوَرُ الشَّمْس عَنْ مَضَاجِعهمْ ذَات الْيَمِين إِذَا هِيَ طَلَعَتْ , وَتَقْرِضُهُمْ ذَات الشِّمَال إِذَا هِيَ غَرَبَتْ , مَعَ كَوْنهمْ فِي الْمُتَّسَع مِنْ الْمَكَان , بِحَيْثُ لَا تُحْرِقهُمْ الشَّمْس فَتُشْحِبُهُمْ , وَلَا تَبْلَى عَلَى طُول رَقْدَتهمْ ثِيَابهمْ , فَتَعْفَنُ عَلَى أَجْسَادهمْ , مِنْ حُجَج اللَّه وَأَدِلَّته عَلَى خَلْقه , وَالْأَدِلَّة الَّتِي يُسْتَدَلّ بِهَا أُولُو الْأَلْبَاب عَلَى عَظِيم قُدْرَته وَسُلْطَانه , وَأَنَّهُ لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ .
{17} وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَقَوْله " مَنْ يَهْدِ اللَّه فَهُوَ الْمُهْتَد" يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ يُوَفِّقهُ اللَّه لِلِاهْتِدَاءِ بِآيَاتِهِ وَحُجَجه إِلَى الْحَقّ الَّتِي جَعَلَهَا أَدِلَّة عَلَيْهِ , فَهُوَ الْمُهْتَدِي . يَقُول : فَهُوَ الَّذِي قَدْ أَصَابَ سَبِيل الْحَقّ . " وَمَنْ يُضْلِلْ " يَقُول : وَمَنْ أَضَلَّهُ اللَّه عَنْ آيَاته وَأَدِلَّته , فَلَمْ يُوَفِّقهُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى سَبِيل الرَّشَاد " فَلَنْ تَجِد لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا " يَقُول : فَلَنْ تَجِد لَهُ يَا مُحَمَّد خَلِيلًا وَحَلِيفًا يُرْشِدهُ لِإِصَابَتِهَا , لِأَنَّ التَّوْفِيق وَالْخِذْلَان بِيَدِ اللَّه , يُوَفِّق مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , وَيَخْذُل مَنْ أَرَادَ ; يَقُول : فَلَا يَحْزُنك إِدْبَار مَنْ أَدْبَرَ عَنْك مِنْ قَوْمك وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ , فَإِنِّي لَوْ شِئْت هَدَيْتهمْ فَآمَنُوا , وَبِيَدِي الْهِدَايَة وَالضَّلَال .
تفسير ابن كثير
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-07-2017, 03:54 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
root

مجلس رقم 18

«وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً»18

« وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ » أي: تحسبهم أيها الناظر إليهم [ كأنهم ] أيقاظ، والحال أنهم نيام، قال المفسرون: وذلك لأن أعينهم منفتحة، لئلا تفسد، فالناظر إليهم يحسبهم أيقاظا، وهم رقود، « وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ » * وهذا أيضا من حفظه لأبدانهم، لأن الأرض من طبيعتها، أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله، أن قلبهم على جنوبهم يمينا وشمالا بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض، من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها.
« وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ » أي: الكلب الذي كان مع أصحاب الكهف، أصابه ما أصابهم من النوم وقت حراسته، فكان باسطا ذراعيه بالوصيد، أي: الباب، أو فنائه، هذا حفظهم من الأرض.
وأما حفظهم من الآدميين، فأخبر أنه حماهم بالرعب، الذي نشره الله عليهم، فلو اطلع عليهم أحد، لامتلأ قلبه رعبا، وولى منهم فرارا، وهذا الذي أوجب أن يبقوا كل هذه المدة الطويلة، وهم لم يعثر عليهم أحد، مع قربهم من المدينة جدا، والدليل على قربهم، أنهم لما استيقظوا، أرسلوا أحدهم، يشتري لهم طعاما من المدينة، وبقوا في انتظاره، فدل ذلك على شدة قربهم منها.
تفسير السعدي

*ومعلوم أن الإنسان إذا قُدِّر له أنْ ينام فترة طويلة على سرير المرض يُصَاب بمرض آخر يُسمُّونه قرحة الفراش، نتيجة لنومه المستمر على جانب واحد ـ عافانا الله وإياكم ـ


*أيها الرائي: إذا رأيتهم
«أَيْقَاظًا» لأنه ليس عليهم علامة النوم، فالنائم يكون مسترخياً، وهؤلاء كأنهم أيقاظ، ولذلك يُفرِّق الإنسان بين رجل نائم ورجل مضطجع لمَّا يراه، حتى لو أن المضطجع أراد أن يتناوم ويخدع صاحبه لعرف أنه ليس بنائم. «وَهُمْ رُقُودٌ» جمع راقد.
«وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ» يعني مرة يكونوا على اليمين ومرة على الشمال، ولم يذكر الله الظهر ولا البطن، لأن النوم على اليمين وعلى الشمال هو الأكمل.
«وَنُقَلِّبُهُمْ» فيه دليل على أن فعل النائم لا ينسب إليه، ووجه الدلالة أن الله أضاف تقلبهم إليه، فلو أنّ النائم قال في نومه: «امرأتي طالق» أو «في ذمتي لفلان ألف ريال» لم يثبت لأنه لا قصد له ولا إرادة له؛ لا في القول؛ ولا في الفعل، والحكمة من تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال: بعض العلماء قال لئلاَّ تأكل الأرض الجانب الذي يكون ملاصقاً لها، ولكن الصحيح أن الحكمة ليست هذه، الحكمة من أجل توازن الدم في الجسد لأن الدم يسير في الجسد، فإذا كان في جانب واحد أوشك أن ينحَرِم منه الجانب الأعلى، ولكن الله بحكمته جعلهم يتقلبون.
قوله تعالى: «وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ» يعني كأنه، والله أعلم، لم ينم.
«بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ» أي جالس على بطنه وقد مدَّ ذراعيه.
«بِالْوَصِيدِ» وهو فتحة الكهف أو فِناء الكهف يعني: إما أن يكون على الفتحة، وإما أن يكون إلى جنب الكهف في فِنائه ليحرسهم، وفي هذا دليل على جواز اتخاذ الكلب للحراسة، حراسة الآدميين، أما حراسة الماشية فقد جاءت به السنّة، وحراسة الحرث جاءت به السنة كذلك. حراسة الآدمي من باب أولى لأنه إذا جاز اتخاذ الكلب لحراسة الماشية والحرث أو للصيد الذي هو كمال فاتخاذه لحراسة البيت من باب أولى.
قال الله تعالى: «لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا» أي لو اطَّلعت أيها الرائي عليهم لولَّيت منهم فراراً، رهبة ينْزِلها الله عزّ وجل في قلب من يراهم، حتى لا يحاول أحد أن يدنو منهم، ولهذا قال: «لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا» مع أنهم لم يلحقوه، لكنه خائف منهم.
«وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا» ملئت: لم يُملأ قلبُه فقط، بل كلُّه، وهذا يدل على شدة الخوف الذي يحصل لمن رآهم.
تفسير العثيمين

«وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا»
ذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّهُمْ لَمَّا ضَرَبَ اللَّه عَلَى آذَانهمْ بِالنَّوْمِ لَمْ تَنْطَبِق أَعْيُنهمْ لِئَلَّا يُسْرِع إِلَيْهَا الْبِلَى فَإِذَا بَقِيَتْ ظَاهِرَة لِلْهَوَاءِ كَانَ أَبْقَى لَهَا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى« وَتَحْسَبهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُود » وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الذِّئْب أَنَّهُ يَنَام فَيُطْبِق عَيْنًا وَيَفْتَح عَيْنًا ثُمَّ يَفْتَح هَذِهِ وَيُطْبِق هَذِهِ وَهُوَ رَاقِد كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَنَام بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي ... بِأُخْرَى الرَّزَايَا فَهُوَ يَقْظَان نَائِم وَقَوْله تَعَالَى « وَنُقَلِّبُهُمْ ذَات الْيَمِين وَذَات الشِّمَال » قَالَ بَعْض السَّلَف : يُقْلَبُونَ فِي الْعَام مَرَّتَيْنِ قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ لَمْ يُقْلَبُوا لَأَكَلَتْهُمْ الْأَرْض وَقَوْله« وَكَلْبهمْ بَاسِط ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ » قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَسَعِيد ابْن جُبَيْر وَقَتَادَة؛ الْوَصِيد: الْفِنَاء ؛وَقَالَ اِبْن عَبَّاس بِالْبَابِ وَقِيلَ بِالصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَاب وَالصَّحِيح أَنَّهُ بِالْفِنَاءِ وَهُوَ الْبَاب وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى « إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة » أَيْ مُطْبَقَة مُغْلَقَة وَيُقَال وَصِيد وَأَصِيد رَبْض كَلْبهمْ عَلَى الْبَاب كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْكِلَاب قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَحْرُس عَلَيْهِمْ الْبَاب وَهَذَا مِنْ سَجِيَّته وَطَبِيعَته حَيْثُ يَرْبِض بِبَابِهِمْ كَأَنَّهُ يَحْرُسهُمْ وَكَانَ جُلُوسه خَارِج الْبَاب لِأَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَدْخُل بَيْتًا فِيهِ كَلْب كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيح وَلَا صُورَة ....كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيث الْحَسَن . وَشَمِلَتْ كَلْبهمْ فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ النَّوْم عَلَى تِلْكَ الْحَال وَهَذَا فَائِدَة صُحْبَة الْأَخْيَار فَإِنَّهُ صَارَ لِهَذَا الْكَلْب ذِكْر وَخَبَر وَشَأْن وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ كَلْب صَيْد لِأَحَدِهِمْ وَهُوَ الْأَشْبَه وَقِيلَ كَلْب طَبَّاخ الْمَلِك وَقَدْ كَانَ وَافَقَهُمْ عَلَى الدِّين وَصَحِبَهُ كَلْبه فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة هَمَّام بْن الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ : حَدَّثَنَا صَدَقَة بْن عُمَر الْغَسَّانِيّ حَدَّثَنَا عَبَّاد الْمِنْقَرِيّ سَمِعْت الْحَسَن الْبَصْرِيّ يَقُول : كَانَ اِسْم كَبْش إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جَرِير وَاسْم هُدْهُد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عنفز وَاسْم كَلْب أَصْحَاب الْكَهْف قِطْمِير وَاسْم عِجْل بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِي عَبَدُوهُ بهموت .
وَهَبَطَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام بِالْهِنْدِ وَحَوَّاء بِجُدَّة وَإِبْلِيس بدست بيسان وَالْحَيَّة بِأَصْفَهَان وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ شُعَيْب الْجُبَّائِيّ أَنَّهُ سَمَّاهُ حمران وَاخْتَلَفُوا فِي لَوْنه عَلَى أَقْوَال لَا حَاصِل لَهَا وَلَا طَائِل تَحْتهَا وَلَا دَلِيل عَلَيْهَا وَلَا حَاجَة إِلَيْهَا بَلْ هِيَ مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ فَإِنَّ مُسْتَنَدهَا رَجْم بِالْغَيْبِ وَقَوْله تَعَالَى « لَوْ اِطَّلَعْت عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْت مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْت مِنْهُمْ رُعْبًا » أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى أَلْقَى عَلَيْهِمْ الْمَهَابَة بِحَيْثُ لَا يَقَع نَظَر أَحَد عَلَيْهِمْ إِلَّا هَابَهُمْ لِمَا أُلْبِسُوا مِنْ الْمَهَابَة وَالذُّعْر لِئَلَّا يَدْنُو مِنْهُمْ أَحَد وَلَا تَمَسّهُمْ يَد لَامِس حَتَّى يَبْلُغ الْكِتَاب أَجَله وَتَنْقَضِي رَقْدَتهمْ الَّتِي شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهُمْ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة وَالْحُجَّة الْبَالِغَة وَالرَّحْمَة الْوَاسِعَة .
تفسير ابن كثير
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-07-2017, 04:03 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
مجلس رقم 19

"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ( 19 " إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا " 20 .
يقول تعالى"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ " أي: من نومهم الطويل "لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ" أي: ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبثهم.
" قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ " وهذا مبني على ظن القائل، وكأنهم وقع عندهم اشتباه. في طول مدتهم، فلهذا " قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ " فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء، جملة وتفصيلا ولعل الله تعالى - بعد ذلك- أطلعهم على مدة لبثهم، لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم، وأخبر أنهم تساءلوا، وتكلموا بمبلغ ما عندهم، وصار آخر أمرهم، الاشتباه، فلا بد أن يكون قد أخبرهم يقينا، علمنا ذلك من حكمته في بعثهم، وأنه لا يفعل ذلك عبثا. ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك، وبما ذكر فيما بعده من قوله. "وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا "فلولا أنه حصل العلم بحالهم، لم يكونوا دليلا على ما ذكر، ثم إنهم لما تساءلوا بينهم، وجرى منهم ما أخبر الله به، أرسلوا أحدهم بورقهم، أي: بالدراهم، التي كانت معهم، ليشتري لهم طعاما يأكلونه، من المدينة التي خرجوا منها، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه، أي: أطيبه وألذه، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه، وأن يختفي في ذلك، ويخفي حال إخوانه، ولا يشعرن بهم أحدا. وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم، وظهورهم عليهم، أنهم بين أمرين، إما الرجم بالحجارة، فيقتلونهم أشنع قتلة، لحنقهم عليهم وعلى دينهم، وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتم، وفي هذه الحال، لا يفلحون أبدا، بل يخسرون في دينهم ودنياهم وأخراهم، وقد دلت هاتان الآيتان، على عدة فوائد.
منها: الحث على العلم، وعلى المباحثة فيه، لكون الله بعثهم لأجل ذلك.
ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم، أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده.
ومنها: صحة الوكالة في البيع والشراء، وصحة الشركة في ذلك.
ومنها: جواز أكل الطيبات، والمطاعم اللذيذة، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه لقوله " فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ " وخصوصا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين، القائلين بأن هؤلاء أولاد ملوك لكونهم أمروه بأزكى الأطعمة، التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها.
ومنها: الحث على التحرز، والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين.
ومنها: شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة، في دينهم وتركهم أوطانهم ؛في الله.
ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد، الداعية لبغضه، وتركه، وأن هذه الطريقة، هي طريقة المؤمنين المتقدمين، والمتأخرين لقولهم: " وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا"
تفسير السعدي

"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا "*". قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ" أي كما فعلنا بهم من هذه العناية من تيسير الكهف لهم، وإنامتهم هذه المدة الطويلة، بعثهم الله، أي مثل هذا الفعل بعثناهم، فعلنا بهم فعلاً آخـر، "لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ" كما جرت به العادة أن الناس إذا ناموا يتساءلون إذا قاموا، من الناس من يقول: ماذا رأيت في منامك ومن الناس من يقول: لعلَّ نومك لذيذ أو ما أشبه ذلك "بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا" ليس المعنى أنهم بعثوا للتساؤل ولكن بعثوا فتساءلوا. فاللام جاءت للعاقبة لا للتعليل، كما في قوله تعالى"فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا" القصص: 8 ، اللام ليست للتعليل أبداً، ولا يمكن أن تكون للتعليل لأن آل فرعون لم يلتقطوه ليكون لهم عدوًا وحزنًا، ولكنهم التقطوه فكان لهم عدوًا وحزنًا.
"قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ" كما جرت العادة، أي كم مدة لبثتم؟ "قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" "لَبِثْنَا يَوْمًا" أي كاملاً.
"قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" أي بعض اليوم، ذلك لأنهم دخلوا في أول النهار وبُعثوا من النوم في آخر النهار، فقالوا"قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" إن كان هذا هو اليوم الثاني أو "قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" إن كان هذا هو اليوم الأول، وهذا مما يدل على عمق نومهم.
"قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ" أي قال بعضهم لبعض، وكأن هؤلاء القائلين قد شعروا بأن النومة طويلة ولكن لا يستطيعون أن يُحدِّدوا، أمَّا الأولون فحددوا بناءً على الظاهر، وأما الآخرون فلم يحددوا بناء على الواقع، لأن الإنسان يفرق بين النوم اليسير والنوم الكثير، ثم قال بعضهم لبعض:
"فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ" الوَرِق: هو الفضة كما جاء في الحديث: «وفي الرِّقةِ رُبْع العُشْرِ».هنا. الراوي: أبو بكر الصديق المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1454-خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
.- «وفي الرقة ربع العشر». والرقة: الذهب والفضة. هنا- كان معهم دراهم من الفضة.
"فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ" تضمن هذا:
أولاً: جواز التوكيل في الشراء، والتوكيل في الشراء جائز، وفي البيع جائز أيضاً، فإن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وكَّل أحد أصحابه أن يشتري له أضحية وأعطاه ديناراً، وقال: اشتر أضحية، فاشترى شاتين بالدينار ثم باع إحداهما بدينار فرجع بشاة ودينار، فدعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبارك الله له في بيعه، فكان لواشترى تراباً لربح فيه.صحيح البخاري هنا
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أنه يجوز تصرف الفضولي، أي يجوز للإنسان أن يتصرف بمال غيره إذا علم أن غيره يرضى بذلك، فهؤلاء وكلوا أحدهم أن يذهب إلى المدينة ويأتي برزق.
ثانياً: في هذا أيضاً دليل أنه لا بأس على الإنسان أن يطلب أطيب الطعام لقولهم "فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا".
ثالثاً: فيه دليل أيضاً على ضعف قول الفقهاء: إنه لا يصح الوصف بالأفعل، أي لا يجوز أن أصف المبيع بأنه أطيب كل شيء، فلا تقول: «أبيع عليك برَّاً أفضل ما يكون» لأنه ما من طَيِّب إلاَّ وفوقه أطيب منه، ولكن يقال: هذا يرجع إلى العرف، فأطيب: يعني في ذلك الوقت وفي ذلك المكان، وهل من السنّة ما يشهد لطلب الأزكى من الطعام؟ نعم، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرَّ الصحابة الذين باعوا التمر الرديء بتمر جيد ليطعم النبي صلّى الله عليه وسلّم منه، ولم ينههم عن هذا، وما قال: هذا تَرَفُّه، اتركوا طلب الأطيب، فالإنسان قد فتح الله له في أن يختار الأطيب من الطعام أو الشراب أو المساكن أو الثياب أو المراكب، ما دام الله قد أعطاه القدرة على ذلك فلا يُلام.
"فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ" يعني يشتري ويأتي به، فجمعوا بالتوكيل بين الشراء والإحضار.
"وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا" أي يتعامل بخفية لئلاَّ يُشْعَر بهم فيؤذَون، وهذا يعني أنهم ظنوا أنهم لم يلبثوا إلاَّ قليلاً. ثم علَّلوا هذا؛ أي الأمر بالتلطف والنهي عن الإشعار بقولهم:
"إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا *".
أي أنهم لا بد أنهم يقتلونكم أو يردونكم على أعقابكم بعد إيمانكم "وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا"أي إذا عدتم في ملَّتهم أبداً، وفي هذا دليل على أخذ الحذر من الأعداء بكل وسيلة إلاَّ الوسائل المحرمة؛ فإنها محرمة لا يجوز أن يقع الإنسان فيها.
تفسير العثيمين
"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا "19.
قوله: " بَعَثْنَاهُمْ " أي: أيقظناهم من نومهم؛ لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتِسْعاً أشبه الموت، فقال "بَعَثْنَاهُمْ " ، والبعْثُ هنا لقضية خاصة بهم، وهي أنْ يسأل بعضهم بعضاً عن مُدّة لُبْثهم في الكهف، وقد انقسموا في سؤالهم هذا إلى فريقين الفريق الأول" قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ.."الكهف: 19.
فَردَّ الفريق الآخر بما تقضيه طبيعة الإنسان في النوم العادي فقال" قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.."الكهف: 19. فالإنسان لا يستطيع تقدير مدّة نومه بالضبط، لكن المعتاد في النوم أن يكون كذلك يوماً أو بعض يوم.
وقد أخذ العلماء من هذا القول أنهم حين تساءلوا هذا السؤال لم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدلُّ على مرور زمن طويل، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها، فلم يتغير مثلاً حالهم من الشباب إلى الشيخوخة، ولم يتغير شعرهم مثلاً إلى البياض؛ لذلك قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدَّروا الزمن المناسب لهذا الشيب.
وهذه وقفة المشدوه حين يُسْأل عن زمن لا يدري مُدته، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده، وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة" قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ.. "البقرة: 259.
لقد حكم على مُدّة لُبْثه بيوم أو بعض يوم؛ لأنه وجد نفسه على الحال التي عهدها لم يتغير منه شيء، فكيف يتأتّى الصدق من الحق سبحانه في قوله "مائة عام" والصدق في قول العُزَيْر بيوم أو بعض يوم؟
لا شكَّ أننا أمام آية من آيات الخالق سبحانه، ومعجزة من معجزاته لا يقدر عليها إلا المالك للزمان والمكان، القابض للزمان ليوم أو بعض يوم، الباسط له إلى مائة عام.
لذلك أظهر الخالق سبحانه في هذه المعجزة الدليل على صدق القولين: ففي طعام العُزَير الذي ظلَّ على حاله طازجاً لم يتغير دليل على يوم أو بعض يوم، وفي حماره الذي رآه عظاماً بالية دليل على المائة عام، فسبحان الذي يجمع الشيء وضده في آن واحد.
ثم يقول تعالى حكاية عنهم" قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ.. "الكهف: 19. وهو قَوْل الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضية التي لا تفيد، واتركوا أمرها لله تعالى. ودائماً يأمرنا الحق سبحانه بأنْ ننقلَ الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء، ونُحوله للأمر المثمر النافع؛ لذلك قالوا: { فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـاذِهِ إِلَىا الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىا طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } [الكهف: 19]
والوَرِق يعني العملة من الفضة، فأرادوا أنْ يرسلوا أحدهم بما معهم من النقود ليشتري لهم من المدينة طعاماً؛ لأنهم بمجرد أن استيقظوا انتهت حالتهم الاستثنائية، وعادوا إلى طبيعتهم؛ لذلك طلبوا الطعام، لكن نلحظ هنا أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أَطيبه وأَطْهره، وأبعده عن الحرام.

وكذلك لم يَفُتْهم أنْ يكونوا على حذر من قومهم، فَمْن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خِلْسة، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها، وما زالوا على حَذَر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم، ويسعَوْن للقضاء عليهم.
ثم يقول الحق سبحانه: " إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ... ".
منقول
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-07-2017, 04:11 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
root

مجلس رقم 20

"وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا" 21.

يخبر تعالى, أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف.
وذلك - والله أعلم - بعدما استيقظوا, وبعثوا أحدهم, يشتري لهم طعاما, وأمروه بالاستخفاء والإخفاء.
فأراد الله أمرا, فيه صلاح للناس, وزيادة أجر لهم, وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله, المشاهدة بالعيان, على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد, بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم.
فمن مثبت للوعد والجزاء, ومن ناف لذلك.
فجعل قصتهم, زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين, وحجة على الجاحدين, وصار لهم أجر هذه القضية.
وشهر الله أمرهم, ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم.
" فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا " الله أعلم بحالهم ومآلهم.
وقال من غلب على أمرهم - وهم الذين لهم الأمر: " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا " أي: نعبد الله تعالى فيه, ونتذكر به أحوالهم, وما جرى لهم.
وهذة الحالة محظورة, نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم, وذم فاعليها ولا يدل ذكرها هنا, على عدم ذمها, فإن السياق في شأن أهل الكهف والثناء عليهم, وأن هؤلاء وصل بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم, وحذرهم من الاطلاع عليهم, فوصلت الحال إلى ما ترى.
وفي هذه القصة, دليل على أن من فر بدينه من الفتن, سلمه الله منها.
وأن من حرص على العافية, عافاه الله.
ومن أوى إلى الله, آواه الله, وجعله هداية لغيره.
ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته, كان آخر أمره وعاقبته, العز العظيم, من حيث لا يحتسب " وما عند الله خير للأبرار " .
تفسير السعدي
قوله تعالى"وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ" يعني مثل بعثهم من نومهم، فإن الله أعثر عليهم يعني أطلع عليهم قومهم.
"لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" أطلع الله عليهم قومهم "لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" إما أن المعنى بقيام الساعة الذي كان ينكره هؤلاء أو لأن الله تعالى يُنجي المؤمنين من الكفار، لأن هؤلاء السبعة نجوا من أمة عظيمة تقاتلهم وتنهاهم عن التوحيد.
"وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا" . "وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا" أي قيام الساعة. "وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا" أي لا شك، واقعة لا محالة.
"إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" متعلقة بأعثرنا، أعثرنا عليهم حتى تنازعوا أمرهم بينهم، تنازعوا فيما بينهم ماذا نفعل بهم؟ أنتركهم أم ماذا نصنع بهم؟
"فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا" يعني ابنوا عليهم بنياناً حتى يكون أثراً من الآثار وحماية لهم.
"رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ" يعني توقفوا في أمرهم كيف يَبقَونَ ثلاث مائة سنة وتسع سنين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتغيرون أيضًا.
"قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ" وهم أمراؤهم "لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا" بدل من أن نبني بنياناً نحوطهم به ونسترهم به ولا يكون لهم أثر "لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا" أي لنجعلن عليهم مسجداً نتخذه مصلى، والظاهر أنهم فعلوا لأن القائل هم الأمراء الذين لهم الغلبة.
هذا الفعل، اتخاذ المساجد على القبور، من وسائل الشرك وقد جاءت شريعتنا بمحاربته حتى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال وهو في سياق الموت: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يُحذِّر ما صنعوا».
*عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال في مرضهِ الذي مات فيه : لعن اللهُ اليهودَ والنصارى، اتخذوا قبورَ أنبيائهمْ مسجدًا . قالت : ولولا ذلك لأبرَزوا قبَرهُ، غير أني أخشى أن يُتخذَ مسجدًا . الراوي: عائشة أم المؤمنين - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1330- خلاصة حكم المحدث:صحيح.
الدرر السنية



ثم قال عزّ وجل مبينًا اختلاف الناس في عددهم:
* * *
"سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا *".
سيقولون ثلاثة، أربعة، خمسة، كيف يمكن أن يكون قولان لغائب واحد؟ هذا يخرج على وجهين:
الوجه الأول: أن المعنى سيقول بعضهم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول البعض الآخر: خمسة سادسهم كلبهم، ويقول البعض الثالث: سبعة وثامنهم كلبهم.
والوجه الثاني: أن المعنى أنهم سيترددون؛ مرة يقولون: ثلاثة، ومرة يقولون: خمسة، ومرة يقولون: سبعة. وكلاهما محتمل ولا يتنافيان، فتَجدُهم أحياناً يقولون كذا، وأحياناً يقولون كذا؛ حسب ما يكون في أذهانهم.
قال الله تعالى"رَجْمًا بِالْغَيْبِ" قاله في الذين قالوا"ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ" و"خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ"، كلا القولين قال الله تعالى إنهم قالوه"رَجْمًا بِالْغَيْبِ" أي راجمين بالغيب، وليس عندهم يقين.
"وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ" ولم يقل: رجماً بالغيب، بل سكت سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم، لأن الله عندما أبطل القولين الأولين، وسكت عن الثالث صار الثالث صواباً،
نظيره قول الله تبارك وتعالى في المشركين إذا فعلوا فاحشة: "وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا" هذا واحد، "وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا" هذا اثنان، قال الله تعالى: "قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"الأعراف: 28 ، فأبطل قولهم"وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا" وسكت عن الأول؛ فدل على أن الأول"وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا" صحيح، وهنا لما قال"رَجْمًا بِالْغَيْبِ" في القولين الأولين، وسكت عن الثالث دل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم.
-وقال غير الشيخ العثيمين : مما يدُّل على أنه الأقرب
للصواب
- انتهى.

"قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ" يعني إذا حصل نزاع فقل للناس"رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ" وهل أعلمنا الله بعدتهم؟
الجواب: نعم؛ أعلمنا بأنهم سبعة وثامنهم كلبهم، يعني فإذا كان الله أعلم بعدتهم فالواجب أن نرجع إلى ما أعلمنا الله به، ونقول جازمين بأن عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم.
"مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ" أي ما يعلمهم قبل إعلام الله أنهم سبعة وثامنهم كلبهم إلاَّ قليل.
"فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ" أي في شأنهم، في زمانهم، في مكانهم، في مآلهم.
"فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا" أي لا يصل إلى القلب لأنه إذا وصل الجدال إلى القلب اشتد المجادل، وغضب وانتفخت أوداجه وتأثر، لكن لما لم يكن للجدال فيهم كبير فائدة قال الله تعالى"فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا" يعني إلاَّ مراءً على اللسان لا يصل إلى القلب، ويؤخذ من هذا أن ما لا فائدة للجدال فيه لا ينبغي للإنسان أن يتعب قلبه في الجدال به، وهذا يقع كثيراً؛ أحياناً يحتمي بعض الناس إذا جودل في شيء لا فائدة فيه، فنقول: «يا أخي لا تتعب، اجعل جدالك ظاهراً على اللسان فقط لا يصل إلى القلب فتحتمي وتغضب»، وهذا يدل على أن ما لا خير فيه فلا ينبغي التعمق فيه، وهذا كثير، وأكثر ما يوجد في علم الكلام، فإن علماء الكلام الذين خاضوا في التوحيد وفي العقيدة يأتون بأشياء لا فائدة منها، مثل قولهم: «تسلسل الحوادث في الأزل وفي المستقبل» وما شابه ذلك من الكلام الفارغ الذي لا داعيَ له، وهم يكتبون الصفحات في تحرير هذه المسألة نفياً أو إثباتاً مع أنه لا طائل تحتها، فالشيء الذي ليس فيه فائدة لا تتعب نفسك فيه، وإذا رأيت من صاحبك المجادلة فقل له: «تأمل الموضوع» وسدَّ الباب.
"وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا" أي ولا تستفت في أهل الكهف"وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا" أي من الناس سواءٌ من أهل الكتاب أم من غيرهم أحداً عن حالهم وزمانهم ومكانهم، وفيه إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يستفتي من ليس أهلاً للإفتاء، حتى وإن زعم أن عنده علماً فلا تَسْتَفْتِهِ إذا لم يكن أهلاً.
تفسير العثيمين

ثم يأتي القول الفَصْل في هذه المسألة" قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ"الكهف: 22. فلم يُبيّن لنا الحق سبحانه عددهم الحقيقي، وأمرنا أن نترك هذا لعلمه سبحانه، ولا نبحث في أمر لا طائل منه، ولا فائدة من ورائه، فالمهم أنْ يثبت أَصْل القصة وهو: الفتية الأشدّاء في دينهم والذين فَرُّوا به وضَحَّوْا في سبيله حتى لا يفتنهم أهل الكفر والطغيان، وقد لجأوا إلى الكهف ففعل الله بهم ما فعل، وجعلهم آيةً وعبرةً ومثَلاً وقدْوة.
أما فرعيات القصة فهي أمور ثانوية لا تُقدّم ولا تُؤخّر؛ لذلك قال تعالى بعدها" فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا "الكهف: 22. أي: لا تجادل في أمرهم.
ثم يأتي فضول الناس ليسألوا عن زمن القصة ومكانها، وعن أشخاصها وعددهم وأسمائهم، حتى كلبهم تكلموا في اسمه. وهذه كلُّها أمور ثانوية لا تنفع في القصة ولا تضرُّ، ويجب هنا أن نعلم أن القَصَص القرآني حين يبهم أبطاله يبهمهم لحكمة، فلو تأملتَ إبهام الأشخاص في قصة أهل الكهف لوجدته عَيْن البيان لأصل القصة؛ لأن القرآن لو أخبرنا مثلاً عن مكان هؤلاء الفتية لقال البعض: إن هذا الحدث من الفتية خاص بهذا المكان؛ لأنه كان فيه قدر من حرية الرأي.
ولو حدد زمانهم لَقال البعض: لقد حدث ما حدث منهم؛ لأن زمانهم كان من الممكن أن يتأتّى فيه مثل هذا العمل، ولو حدد الأشخاص وعيَّنهم لقالوا: هؤلاء أشخاص لا يتكررون مرة أخرى.
لذلك أبهمهم الله لتتحقّق الفائدة المرجوّة من القصة، أبهمهم زماناً، أبهمهم مكاناً، وأبهمهم عدداً، وأبهمهم أشخاصاً ليشيع خبرهم بهذا الوصف في الدنيا كلها لا يرتبط بزمان ولا مكان ولا أشخاص، فحمل راية الحق، والقيام به أمر واجب وشائع في الزمان والمكان والأشخاص، وهذا هو عَيْن البيان للقصة، وهذا هو المغزى من هذه القصة.
وانظر إلى قوله تبارك وتعالى" وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ "غافر: 28.
هكذا " رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ " دون أن يذكر عنه شيئاً، فالمهم أن الرجولة في الإيمان، أيّاً كان هذا المؤمن في أيّ زمان، وفي أيّ مكان، وبأيّ اسم، وبأيّ صفة.
كذلك في قوله تعالى:{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ.. }[التحريم: 10] ولم يذكر عنهما شيئاً، ولم يُشخِّصهما؛ لأن التشخيص هنا لا يفيد، فالمهم والمراد من الآية بيانُ أن الهداية بيد الله وحده، وأن النبي المرسَل من الله لم يستطع هداية زوجته وأقرب الناس إليه، وأن للمرأة حريةً عَقَيدة مُطْلقة.

وكذلك في قوله" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ.."التحريم: 11. ولم يذكر لنا مَنْ هي، ولم يُشخِّصها؛ لأن تعيُّنها لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر، المهم أن نعلم أن فرعونَ الذي ادَّعى الألوهية وبكل جبروته وسلطانه لم يستطع أنْ يحمل امرأته على الإيمان به.
إذن: العقيدة والإيمان أمر شخصيّ قلبي، لا يُجبر عليه الإنسان، وها هي امرأة فرعون تؤمن بالله وتقول"
رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "التحريم: 11.
أما في قصة مريم، فيقول تعالى"
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ.. "التحريم: 12. فشخَّصها باسمها، بل واسم أبيها، لماذا؟ قالوا: لأن الحدث الذي ستتعرَّض له حَدَثٌ فريد وشيء خاصٌّ بها لن يتكرر في غيرها؛ لذلك عيَّنها الله وعرَّفها، أما الأمر العام الذي يتكرر، فمن الحكمة أنْ يظلَّ مُبْهماً غير مرتبط بشخص أو زمان أو مكان، كما في قصة أهل الكهف، فقد أبهمها الله سبحانه لتكون مثالاً وقُدْوة لكل مؤمن في كل زمان ومكان.
منقول
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-07-2017, 04:18 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
مجلس رقم 21
و
مجلس رقم 22

"وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا" *23"إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" *24.(24) (الكهف)

"وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا"إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ...
هذا النهي كغيره, وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صلى الله عليه وسلم فإن الخطاب عام للمكلفين.
فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة " إني فاعل ذلك " من دون أن يقرنه بمشيئة الله, وذلك لما فيه من المحذور, وهو: الكلام على الغيوب المستقبلة, التي لا يدري, هل يفعلها أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا.
وذلك محذور محظور1, لأن المشيئة كلها لله "
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ التكوير .29" ولما في ذكر مشيئة الله, من تيسير الأمر وتسهيله, وحصول البركة فيه, والاستعانة من العبد لربه, ولما كان العبد بشرا, لا بد أن يسهو عن ذكر المشيئة, أمره الله أن يستثنى بعد ذلك, إذا ذكر, ليحصل المطلوب, وينفع المحذور.
ويؤخذ من عموم قوله " وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ " الأمر بذكر الله عند النسيان, فإنه يزيله, ويذكر العبد ما سها عنه.
وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله, أن يذكر ربه, ولا يكونن من الغافلين.
ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة, وعدم الخطأ, في أقواله وأفعاله, أمره الله أن يقول: " عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا " .
فأمره أن يدعو الله ويرجوه, ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد.
وحري بعبد, تكون هذه حاله, ثم يبذل جهده, ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد, أن يوفق لذلك, وأن يأتيه المعونة من ربه, وأن يسدده في جميع أموره.
تفسير السعدي

المحْذور
  1. المحْذور - محْذور : المحْذور : ما يُتّقَى ويُحْتَرَز منه . وفي التنزيل العزيز : الإسراء آية 57 "إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا " .المعجم: المعجم الوسيط
محظور1
مَحْظور : جمع مَحظورات :
1 - اسم مفعول من حظَرَ .
2 - محرَّم ممنوع
• الضَّرورات تبيح المحظورات : الحاجات الملحّة تجيز ما لا يجوز في حدود الضرورة الشرعيّة
المعجم: اللغة العربية المعاصر


  1. وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا *إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا *". قوله تعالى: "وَلاَ تَقُولَنَّ" الخطاب هنا للرسول صلّى الله عليه وسلّم كالخطاب الذي قبله أي في شيء "إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا" ذكروا1 أن قريشًا أرسلت إلى اليهود في المدينة وقالوا: إن رجلاً بعث فينا يقول: إنه نبي، فقالوا: اسألوه عن ثلاثة أشياء:
    1 ـ عن فتية خرجوا من مدينتهم ولجأوا إلى غار، ما شأنهم.
    2 ـ وعن رجل مَلَكَ مشارق الأرض ومغاربها.
    3 ـ وعن الروح، ثلاثة أشياء؛ فسألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أصحاب الكهف، فقال: «أخبركم غداً»، فتوقف الوحي نحو خمسة عشر يوماً، لم ينْزل عليه الوحي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يدري عن قصص السابقين كما قال تعالى"وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ" العنكبوت: 48 . ولكن الله اختبره، فأمسك الوحي خمسة عشر يوماً، كما ابتلى سليمان عليه الصلاة والسلام لما قال: «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله»، فقال له الملك: «قل إن شاء الله». فلم يقل وطاف على تسعين امرأة يجامعهن، وما الذي حصل؟ أتت واحدة منهن بشق إنسان**
  2. "قالَ سُلَيْمانُ بنُ داود: لأطوفنَّ اللَّيلةَ على تسعينَ امرأةً، كلُّهنَّ يأتي بفارسٍ يجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، فقالَ لَهُ صاحبُهُ : إن شاءَ اللَّهُ ، فلم يقُلْ : إن شاءَ اللَّهُ ، فطافَ عليهنَّ جميعًا، فلم تحمِل منهنَّ إلَّا امرأةٌ واحدةٌ جاءت بشقِّ رجلٍ، وأيمُ الَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ، لو قال: إن شاءَ اللَّهُ ، لجاهدوا في سبيلِ اللَّهِ فِرسانًا أجمعينَ" الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3840-خلاصة حكم المحدث: صحيح
    الدرر السنية

    ، حتى يُري الله عباده أن الأمر أمره وأن الإنسان مهما بلغ في المرتبة عند الله تعالى والوجاهة؛ فإنه لا مفر له من أمر الله.
    مكث الوحي خمسة عشر يوماً، ومن المعلوم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سيلحقه الغم والهم لئلاَّ يتخذ هؤلاء القوم مِن تأخرِ إخباره بذلك وسيلةً إلى تكذيبه، والحقيقة أن هذا ليس وسيلة للتكذيب، يعني قد يقولون وعدَنا محمد بأن يخبرنا غداً ولم يفعل فأين الوحي الذي يدّعي أنه ينْزِل عليه؟ ولكن نقول: إنَّ تأخر الوحي وتأخر إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك يدل على صدقه، لأنه لو كان كاذباً لصنع قصة فيما بين ليلة وضحاها، وقال: هذه قصتهم، فتأخر الوحي والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يخبرهم يدل على كمال صدقه عليه الصلاة والسلام.
    إلاَّ قولاً مقرونًا بمشيئة الله، فقرْنُ ذلك بمشيئة الله يستفيد منه الإنسان فائدتين عظيمتين:
    إحداهما: أن الله ييسر الأمر له حيث فوضه إليه جلَّ وعلا.
    والثانية: إن لم يفعل لم يحنث.
    فيستفاد من قوله"إِنِّي فَاعِلٌ" أنه لو قال: سأفعل هذا على سبيل الخبر لا على سبيل الجزم بوقوع الفعل، فإن ذلك لا يلزمه أن يأتي بالمشيئة، يعني لو قال لك صاحبك: «هل تمر عليَّ غدًا؟» فقلت: «نعم» ولم تقل: إن شاء الله فلا بأس لأن هذا خبر عما في نفسكَ، وما كان في نفسك فقد شاءه الله فلا داعي لتعليقه بالمشيئة، أما إن أردت أنه سيقع ولا بد فقل: إن شاء الله، وجه ذلك أن الأول خبر عمَّا في قلبك، والذي في قلبك حاضر الآن، وأما أنك ستفعل في المستقبل فهذا خبر عن شيء لم يكن ولا تدري هل يكون أو لا يكون، انتبهوا لهذا الفرق؛ إذا قال الإنسان: سأسافر غدًا، فإن كان يخبر عمَّا في قلبه فلا يحتاج أن يقول: إن شاء الله، لماذا؟ لأنه خبر عن شيء واقع، أما إذا كان يريد بقوله: سأسافر، أنني سأنشئ السفر وأسافر فعلاً، فهنا لا بد أن يقول: إن شاء الله، ولهذا كانت الآية الكريمة"إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا" ولم تكن إني سأفعل، بل قال"إِنِّي فَاعِلٌ"، فلا تقل لشيء مستقبل إني فاعله إلاَّ أن يكون مقروناً بمشيئة الله.
    "وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ" يعني اذكر أمر ربِّك بأن تقول: «إن شاء الله» إذا نسيت أن تقولها، لأن الإنسان قد ينسى وإذا نسي فقد قال الله تعالى: "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا"البقرة: 286. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»."**
  3. "إنَّهُ ليسَ في النَّومِ تفريطٌ ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظةِ ، فإذا نسيَ أحدُكم صلاةً ، أو نامَ عنْها ، فليُصلِّها إذا ذَكرَها" الراوي: أبو قتادة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 177-خلاصة حكم المحدث: صحيح
    الدرر السنية


    فالمشيئة إذا نسيها الإنسان فإنه يقولها إذا ذكرها، ولكن هل تنفعه، بمعنى أنه لو حنِث في يمينه فهل تسقط عنه الكفارة إذا كان قالها متأخراً؟ من العلماء من قال: إنها تنفعه حتى لو لم يذكر الله إلاَّ بعد يوم أو يومين أو سنة أو سنتين، لأن الله أطلق"وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ"، ومن العلماء من قال: لا تنفعه إلاَّ إذا ذكر في زمن قريب بحيث ينبني الاستثناء على المستثنى منه، وهذا الذي عليه جمهور العلماء، فمثلاً إذا قلت: والله لأفعلن هذا ونسيت أن تقول: إن شاء الله، ثم ذكرت بعد عشرة أيام فقلت: إن شاء الله، ثم لم تفعل بناء على أن من قال: إن شاء الله لم يحنَث، فمن العلماء من قال: ينفعه لأن الله تعالى قال"وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ"، ومنهم من قال: لا ينفعه لأن الكلام لم ينبنِ بعضه على بعض، إذاً ما الفائدة من أمر الله أن نذكره إذا نسينا؟ قال: الفائدة هو ارتفاع الإثم، لأن الله قال: فإذا نسيت، فقلها إذا ذكرت، لكن هل تنفعك فلا تحنث أم يرتفع عنك الإثم دون حكم اليمين؟ الظاهر: الثاني؛ أن يرتفع الإثم، وأما الحنْث فإنه يحنَث لو خالف لأن الاستثناء بالنسبة للحِنْث لا ينبغي إلاَّ أن يكون متصلاً، ثم الاتصال هل يقال: إن الاتصال معناه أن يكون الكلام متواصلاً بعضه مع بعض أو أن الاتصال ما دام بالمجلس؟
    الجواب: فيه خلاف، بعضهم يقول: ما دام في المجلس فهو متصل، وإذا قام عن المجلس فقد انقطع، قالوا: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا» ** " البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لم يتفرَّقَا ، أو قال : حتى يتفرَّقَا ، فإن صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لهما في بيعِهما ، وإن كَتَمَا وكَذَّبَا مُحِقَتْ بركةُ بيعِهما"
  4. الراوي: حكيم بن حزام المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2079خلاصة حكم المحدث: صحيح.
    الدرر السنية

  5. فجعل التفرق فاصلاً، ومنهم من قال: العبرة باتصال الكلام بعضه مع بعض، والظاهر والله أعلم أنه إذا كان في مجلسه، ولم يذكر كلاماً يقطع ما بين الكلاميْن، فإنه ينفعه الاستثناء؛ فلا يحنث.
    ـ[1] ورد هذا في السير في رواية لمحمد بن إسحاق، انظر: «السيرة النبوية» (1/25 ـ 266) لابن هشام، وانظر تفسير ابن كثير (3/99)، والقرطبي (10/346 وما بعدها) في سبب نزول السورة.

    فائدة
    حكم الصلاة على النبي عند النسيان
    إذا نسيتم شيئًا فصلُّوا عليَّ تذكروه إنَّ شاء اللهُ تعالَى الراوي: أنس بن مالك المحدث: السخاوي - المصدر: القول البديع - الصفحة أو الرقم: 326-خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف
    أثناء التحدث ننسى بعض الكلمات فنقول: "اللهم صلِّ على محمد" لكي نتذكر فما حكم ذلك؟ وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

    الجواب

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
    فقد ذكر بعض أهل العلم من مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند النسيان, وروي في ذلك حديث, ولكنه ضعيف جدًّا.
    وراجع الفتوى رقم: 45290.والله أعلم.
    إسلام ويب
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-07-2017, 04:30 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Arrow

مجلس رقم 23

"وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" «عسى» بمعنى الرجاء إذا وقعت من المخلوق، فإن كانت من الخالق فهي للوقوع، فقول الله تبارك وتعالى" إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا "النساء: 98 ـ 99 ، نقول: عسى هنا واقعة، وقال الله عزّ وجل"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ *"التوبة: 18 . أما من الإنسان فهي للرجاء، كقوله: "وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي"هذه للرجاء.
"أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي" أي يدلني إلى الطريق، ولهذا قال "لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" أي هداية وتوفيقاً، وقد فعل الله، فهداه في شأن أصحاب الكهف للرشد.
تفسير العثيمين
يَسبِق إلى أفهام كثيرٍ من النَّاس أن الله - سبحانه وتعالى - اختَصَّ عبادَه بالهداية،
وحرَم آخَرين حقًّا من حُقوقِهم، ولو أراد الله أن يهدِيَهم لهداهم، بل يحتَجُّون بالقدر لما يصدر عنهم من كفر أو معصية أو تقصير، زاعِمين أن مَشِيئة الله نافذة وغالبة، بل يحتَجُّون على تَواكُلهم وتَقصِيرهم عن الواجب وتغيير ما بأنفسهم بآيات من القرآن الكريم يقطعونها من سياقها ولا يفهمون معناها؛ من ذلك قول الله - تعالى "مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا"الكهف: 17،"وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا" السجدة: 13، وهذا مصدر خطأ كبير في فَهْمِ مسألة سبْق القضاء بالهداية والضَّلاَل، والقرآن يُوضِّح لنا ما في هذه القضيَّة من لبس حين نَعرِف أنَّ الهداية الوارِدَة في القرآن الكريم على أنواع.

وهذه المسألة - مسألة الهُدَى والضَّلال - هي قلب أبواب القدر ومسائله، فإن أفضل ما يقدره الله للعبد هو الهُدَى؛ فهو من أعظم النِّعَم، وأعظم ما يبتَلِيه به ويقدره عليه هو الضَّلال، وقد اتَّفقَتْ رسل الله جميعًا وكذلك كتبه المنزلة على أن الله يُضِلُّ مَن يشاء ويهدي مَن يشاء، فالهدى والإضلال بيده لا بيد العبد، أمَّا طلب الهداية والسعي إليها من طلب العبد وكسبه.لذلك كان من الضروري ذكر مَراتِب الهداية كما وردَتْ في القرآن الكريم، وتتلخَّص في أربع مَراتِب،
هي:1- الهداية العامَّة.2 - هداية الدلالة والبيان، والإرشاد والتعليم.3 - هداية التوفيق والمعونة.
4 - الهداية إلى الجنَّة والنَّار يوم القيامة.
المرتبة الأولى: الهداية العامَّة:وهي هداية عامَّة لجميع الكائنات، فالله قد هَدَى كلَّ نفس إلى ما يُصلِح شأنها ومعاشها، وفطَرَها على جلب النافع، ودفع الضارِّ عنها، وهذه أعمُّ مَراتِب الهداية.والله - عزَّ وجلَّ - يقول:"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى" الأعلى: 1 - 3، وفيها ذَكَرَ الله أربعة أمور عامَّة وهي: الخلق، والتسوِيَة، والتقدير، والهداية، وجعَلَ التسوِيَة من تَمام الخلق، والهداية من تَمام التقدير، وبذلك تَكُون التسوِيَة والهداية كمالَيْن للخلق والتقدير؛ "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ" السجدة: 7.فالخلق والتسوِيَة يشمَل الإنسان وغيره؛"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" البقرة: 29، "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا" الشمس: 7، ومن أمثلة ومعاني الهداية العامَّة الخاصَّة بالتسوِيَة والتقدير للمخلوقات عامَّة: الإنسان والحيوان، والطير والدوابُّ، فإن الله قد خَلَقَ الذكر والأنثى، فهَدَى الذكر للأُنثَى كيف يأتِيها، واختِلاف ذُكران الحيوان لإناثه مُختَلِف لاختِلاف الصور والخلق والهيئات، فلولا أنه - سبحانه - جعَلَ كلَّ ذكر على معرفة كيف يأتي أنثى جِنسِه لما اهتَدَى لذلك، أو هَداه لِمَعاشِه ومَرعَاه، وكذلك تقديره - سبحانه - للجَنِين في الرَّحِم ثم هَداه للخُروج.
وأنواع الهداية كثيرةٌ لا يُحصِيها إلا الله؛ مثل: هداية النحل إلى سلوك السُّبُل التي فيها مَراعِيها على تبايُنِها واختلافها، ثم عودها إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يعرش بنو آدم؛ "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ" النحل: 68، وكذلك هدايته - سبحانه - للنملة كيف تخرج من بيتها وتطلُب قُوتَها من هنا وهناك، وكيف خاطبَتْ أصحابها، وأمرَتْهم بأن يدخلوا مساكنهم؛ "قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ" النمل: 18.وهذه الحقيقة الكُبرَى ماثِلَة في كلِّ شيء في هذا الوجود يشهَد لها كلُّ شيء في الوجود من الكبير إلى الصغير، كلُّ شيء مُسَوى في صنعته، كامل في خلقته، مُعَدٌّ لأداء وظيفته، مُقَدَّر له غايته ووجوده، وهو مُيَسَّر لتَحقِيق هذه الغايَة من أيسر طريق، وجميع الأشياء مُجتَمِعة كاملة التناسُق مُيَسَّرة لكي تُؤَدِّي في تجمُّعها دورها الجماعي مثلما هي مُيَسَّرة فُرادَى لكي تُؤَدِّي دورها الفردي، وهذا واضح في الكون المشهود في الذرَّة المفردة والمجموعة الشمسية، كذلك بين الخلية الواحدة وأعطى الكائنات الحيَّة درجات من التنظيمات والتركيبات تدلُّ على الكمال الخلقي والتدبير والتقدير.هذه الحقيقة العميقة الشاملة لكلِّ ما في الوجود يُدرِكها الإنسان ببَصَرِه وبَصِيرته، وبعلمه وملاحظته وتجربته، ويستَطِيع البشر من خِلال العالَم المشهود أن يَتَعرَّف على تسوِيَة الله وهدايته من خلال عالَم النبات والحشرات والطيور والحيوان"مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ" الملك: 3، لكن إن وُجِدَ شيءٌ من التفاوُت وعدم التسوِيَة كالصَّمَم والعَمَى، والخرس والبكم، فهذا يَرجِع إلى عدم إرادة الخالق لهذه التسوِيَة؛ لأن التسوِيَة أمر وجودي مخلوق يَرتَبِط بمشيئة الله وإرادته مُتَعلِّق بالتأثير والإبداع.ومن هذه الآية يَتَّخِذ بعض المعتزلة كالقاضي عبد الجبار (ت: 415هـ) دليلاً على أن الله لم يخلق الباطل لأنه مُتفاوِت، وكذلك لم يخلق الكفر والظلم؛ لأن هذا يَتَنافَى مع حُسْنِ الصنعة والإتقان، والله - تعالى - يقول "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" النمل: 88.وللإجابة عن هذا الفَهْمِ يتلخَّص في الآتي:1 - أنَّ القاضي عبدالجبار قد اقتَطَع الآية من سِياقها، وأخذ جزءًا منها ليستدلَّ بها على مذهبه، وغفل عن بقية الآية.2- أنَّ الآيات التي استدلَّ بها من الواضِح أنها نزلَتْ في غير أفعال العِباد، وأنَّ المقصود نفي التفاوُت عن خلق السموات السبع؛ "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا" الملك: 3، وأن الآية الأخرى - آية النمل - إنما تتحدَّث عن إتقان الجبال لا خلق الأفعال.3 - أنَّ القاضي قد ترك آيات كثيرة صريحة ومُحكَمة تدلُّ على خِلاف مذهبه؛ مثل قوله"وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" الصافات: 96،"اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" الزمر: 62.ومن أثر هذه الهداية الفطرية أنها قادَتْ كلَّ كائن إلى الاعتِراف برَبِّه وذكره؛ قال - تعالى - :"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" الإسراء: 44.وهذا النوع من الهداية - العامَّة الفطريَّة - مُقتَرِنة بالخلق في الدلالة على الربِّ - تبارَك وتعالى - وأسمائه وصفاته وتوحيده؛"قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" طه: 50، وهذا نظير قوله: "قَدَّرَ فَهَدَى"، وهذا الخلق وهذه الهداية من آيات الربوبية والوحدانية، ومن المُلاحَظ أنَّ الجمع بين الخلق والهداية العامَّة قد جاء في القرآن كثيرًا."اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"العلق: 1 - 5، "الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ" الرحمن: 1 - 4، "أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" البلد: 8 - 11،"أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" النمل: 63.فالخلق إعطاء الوجود العيني الخارجي، والهُدَى إعطاء الوجود العلمي الذهني، فهذا خلَقَه وهذا هَدَاه وعلّمه، وكلها عامَّة فيما خلَقَه الله.المرتبة الثانية: هداية الدلالة والبيان والإرشاد:وهذا النوع هو وظيفة الرسل والكتب المنزلة من السماء، وهو خاصٌّ بالمكلَّفين، وهذه الهداية هي التي أثبَتَها لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم – بقوله"وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" الشورى: 52، كما أنَّ هذا النوع من الهداية أخصُّ من التي قبلها، فهي مصدر التكليف ومَناطُه، وبها تقوم حُجَّة الله على عِباده؛ فإن الله - تعالى - لا يُدخِل أحدًا النار إلا بعد إرسال الرسل الذين يُبيِّنون للناس طريق الغيِّ من الرشاد: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"الإسراء: 15، "أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" الزمر: 57، "رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" النساء: 165، يقول ابن كثير: "أي: إنه - تعالى - أنزَلَ كتبه وأرسَلَ رسله بالبشارة والنذارة، وبيَّن ما يحبُّه ويَرضاه ممَّا يكرهه ويأباه؛ لئلاَّ يبقى لمُعتَذِر عذر؛ "وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى" طه: 134].وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - " لا أحد أحب إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك بعَثَ النبيِّين مُبَشِّرين ومُنذِرين".والله - تعالى - لم يمنع أحدًا هذه الهداية، ولم يَحُلْ بين أحدٍ من خلقه وبين هذه الهداية، بل خلَّى بينهم وبينها، ومَنَحَهم من الوَسائل والأدوات التي تُساعِدهم على تقبُّلها والاستِفادة بها؛ كالعقل والفطرة، وأقام لهم بذلك أسباب الهداية ظاهرة وباطنة، ومَن حرَمَه من خلقه بعضًا من هذه الأدوات والوسائل؛ كزوال العقل أو الصِّغَر أو المرض - فقد حطَّ عنه من التكاليف بحسب ما حرَمَه من ذلك؛ قال - تعالى "لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ" النور: 61، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((رُفِع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستَيقِظ، وعن الصبي حتى يَبلُغ، وعن المجنون حتى يفيق))،

"رُفِعَ القلَمُ عن ثَلاثٍ ، عنِ النَّائمِ حتَّى يستَيقظَ ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يَكْبرَ ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يعقلَ أو يُفيقَ" الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3432-خلاصة حكم المحدث: صحيح.الدرر

كما اتَّفق رِجال الأصول على أنه: "إذا أخَذَ ما وهب انقَطَع ما وجب".وهذه الهداية لا تستَلزِم حُصُول التوفيق واتِّباع الحقِّ من العِباد؛ بدليل أنَّ بعض الناس آمَن بدعوة الرسل وبعضهم كفر بها، ولكنَّها سبب في حصول الاهتِداء، والسبب هنا قد اكتَمَل بإرسال الرسل ووصول دعوة وبلاغ الرسل إلى أُمَمِهم، فلا نقص إذًا في السبب، إنما النقص يرجع إلى العبد الذي لم يَقبَل ولم يَنتَفِع بما جاءَتْ به الرسل بسب فساد الفطرة وطغيان المادة؛ قال - تعالى "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" فصلت: 17، "هديناهم"؛ أي: بَيَنَّا لهم ودعوناهم، فاستحبُّوا العَمَى على الهدى؛ أي: بصَّرناهم وبيَّنَّا ووضَّحنا لهم الحقَّ على لسان نبيِّهم صالح، فخالَفُوه وكذَّبُوه وعَقَروا ناقة الله - تعالى - التي هي برهان على صدق نبيِّهم، فعدم الاهتِدَاء واقِعٌ بسبب القُصُور الحادِث في المحلِّ القابِل للأثر وهو الإنسان، وليس في قُصُور السبب، فكانت النتيجة أنْ أضلَّهم الله عقوبة على ترْك الاهتِداء وعدم الاستِجابة لما جاءَتْ به الرسل.وهذا شأن الله في كلِّ نعمة أنعَمَ بها على عباده إذا كفروا؛ فإنه يسلبها منهم بعد أن كانَتْ حظًّا لهم: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" الأنفال: 53، والقرآن الكريم قد قصَّ علينا ما كان من الأُمَم التي أرسل الله إليها رسلاً فلم تستَفِد بهَديِهم؛ فقال يصف حالهم في نار جهنم": كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ" الملك: 8 - 9، فالذي حدث من الله هو الهداية، وكان من العبد التكذيب والضلال، رغم أنه كان في مَقدُورِه أن يَتَّبِع الرسول ويُؤمِن بما جاء به، وليس ذلك شيئًا خارجًا عن قدرته أو فوق طاقته، ففي مثل هذه الحالة فإن الله يُخلِّي بين العبد ونفسه، والنفس بطبعها أمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فإذا وُكِل الإنسان إلى نفسه قادَتْه إلى الهلاك، وهو بذلك يكون قد قُطِع عنه تَوفِيقُه، ولم يُرِد الله أن يُعِينَه على نفسه ليُقبِل العبد بقلبه إلى الله، وهو - سبحانه - إذا فعَل ذلك بأحدٍ من خلقه فليس ظالمًا؛ لأنه لم يسلبه حقًّا له، ولم يمنعه من الدلالة أو البيان، وهذا في مَقدُور العبد فعله، ولكنَّه حرَمَه التوفيق والسداد عدلاً منه في خلقه.المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام والمعونة:وهذه المرتبة أخصُّ من التي قبلها، فهي هداية خاصَّة تأتي بعد هداية البيان؛ تحقيقًا لقوله - تعالى "وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى" مريم: 76، فلا تكون لملك مُقرَّب ولا نبي مُرسَل، إنما هي خاصَّة بالله وحدَه، فلا يقدر عليها إلا هو، ولا يُعطِيها إلا لِمَن حقَّق شروطها واستَوفَى أسبابها."قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" المائدة: 15 - 16.وهذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه الله عن نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - "إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" القصص: 56، "إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ" النحل: 37.وهذا النوع من الهداية يستَلزِم أمرَيْن:أحدهما: فعل الربِّ - تعالى - وهو الهدى بخلق الداعية إلى الفعل والمشيئة له.الثاني: فعل العبد، وهو الاهتِداء وهو نتيجة للفعل الأول "الهدى"؛ قال - تعالى - : "قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ" آل عمران: 73، "مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا" الكهف: 17، ولا سبيل إلى وجود الأثر الذي هو الاهتِداء من العبد إلا بعد وجود المؤثِّر الذي هو الهداية من الله، فإذا لم يحصل فعل الله لم يحصل فعل العبد، وهذا النَّوْعُ من الهداية لا يقدر عليه أحدٌ إلا الله - سبحانه - قال أهل الجنة: "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله".كما أنَّ هذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه القرآن عن الظالمين والفاسقين والكاذبين والمسرف المرتاب، وكلُّ آية في القرآن وردَتْ في نفي الهُدَى فيجب حملها على هذا النوع؛ لأن هذا فضله يختصُّ به مَن يشاء من عباده، ولا حرج في ذلك.المرتبة الرابعة: مرتبة الهداية إلى الجنة والنار يوم القيامة:وهذه المرتبة - وهي آخِر مَراتِب الهداية - وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة، وهو الصراط المُوصِل إليها، فمَن هُدِي في هذه الدار الدنيا إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، هُدِي يوم القيامة إلى الصراط المستقيم، المُوصِل إلى جنَّته ودار ثوابه، وعلى قدر ثُبُوت قدم العبد وسَيْرِه على هذا الصراط الذي نصَبَه الله لعباده في هذه الدار الدنيا، يكون ثُبُوت قدمه وسيره على الصراط المنصوب على متْن جهنم؛ قال - تعالى "احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ"الصافات: 22 - 23، "وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ" محمد: 4- 6، فهذه هداية بعد قتلهم؛ "سَيَهْدِيهِمْ"؛ أي: إلى الجنة، وذلك يفسِّره قوله: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" يونس: 9، "وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ"؛ أي: أمرَهم وحالَهم ويَعصِمهم أيَّام حياتهم في الدنيا، "وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ"؛ أي: عرَّفهم بها وهداهم إليها.هذا، والله الموفِّق والهادي إلى سَواء السبيل، وآخِر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
هنا
هنا
هنا
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 02:40 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر