العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى الحديث وعلومه > ملتقى الحديث وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-13-2019, 01:26 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Post لا تسألِ النَّاسَ شيئًا


لا تسألِ النَّاسَ شيئًا
"لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا" سورة البقرة : 273.
فَهُمْ لَا يَسْأَلُونَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ سَأَلُوا اضْطِرَارًا لَمْ يُلِحُّوا فِي السُّؤَالِ. تفسير السعدي .



"من يتقبَّلُ لي بواحدةٍ وأتقبَّلُ لَهُ بالجنَّةِ" قلتُ أنا قالَ " لا تسألِ النَّاسَ شيئًا" قالَ فَكانَ ثَوبانُ يقعُ سوطُهُ وَهوَ راكبٌ فلا يقولُ لأحدٍ ناوِلنيهِ حتَّى ينزلَ فيأخذَهُ"الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم: 1499 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح :
حثَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه على التعفُّفِ في كلِّ شيءٍ.
وفي هذا الحديثِ عن ثَوبانَ مَولى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "مَن يتقبَّلْ لي بواحدةٍ وأتقبَّلْ له بالجنَّةِ"؟ أي: مَن يَلتزِمْ بخَصلةٍ واحدةٍ ويُداوِمُ على هذه الخَصلةِ، وأضمَنْ له الجنَّةَ جزاءَ المُداومةِ والمُحافظةِ على تلك الخَصلةِ؟ قال ثَوبانُ رضِيَ اللهُ عنه "قلْتُ: أنا"، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "لا تسأَلِ النَّاسَ شيئًا"، أي: لا تلتمِسْ منهم حاجتَك وعفِّفْ نفْسَك عن سُؤالِهم.
قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ الرَّاوي عن ثَوبانَ "فكان ثوبانُ يقَعُ سوطُه"، أي: آلةُ الضَّربِ أو العصا "وهو راكبٌ، فلا يقولُ لأحدٍ: ناولْنِيه، حتَّى ينزِلَ فيَتناولَه" أي: كان ثوبانُ ينزِلُ مِن على دابَّتِه ليأخُذَ ما أوقَعَه هو دونَ طلَبِ المُساعدةِ من أحدٍ، وهذا مِن المُبالغةِ في شِدَّةِ الامتِثالِ لأمْرِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والحِرصِ على العَملِ بالخَصلةِ التي وجَّهَه إليها.
- الدرر -



"اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى. وفي روايةٍ : وَالْعِفَّةَ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2721 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -






"كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تِسْعَةً، أوْ ثَمانِيَةً، أوْ سَبْعَةً، فقالَ" ألا تُبايِعُونَ رَسولَ اللهِ؟ وكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ ببَيْعَةٍ، فَقُلْنا: قدْ بايَعْناكَ يا رَسولَ اللهِ، ثُمَّ قالَ" ألا تُبايِعُونَ رَسولَ اللهِ؟" فَقُلْنا: قدْ بايَعْناكَ يا رَسولَ اللهِ، ثُمَّ قالَ"ألا تُبايِعُونَ رَسولَ اللهِ؟ " قالَ: فَبَسَطْنا أيْدِيَنا وقُلْنا: قدْ بايَعْناكَ يا رَسولَ اللهِ، فَعَلامَ نُبايِعُكَ؟ قالَ" علَى أنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، والصَّلَواتِ الخَمْسِ، وتُطِيعُوا، -وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً-، ولا تَسْأَلُوا النَّاسَ شيئًا "فَلقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أحَدِهِمْ، فَما يَسْأَلُ أحَدًا يُناوِلُهُ إيَّاهُ".الراوي : عوف بن مالك الأشجعي - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 1043 - خلاصة حكم المحدث صحيح.الدرر=

الشرح
هذا الحديثُ النَّبَوِيُّ يَطلُب فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من أصحابِه أنْ يُبايِعُوه: على التوحيدِ، وإقامةِ الصَّلاةِ، وعدمِ طَلَبِ شيءٍ مِنَ العِبَادِ؛ ففِيه تربِيَةٌ رُوحِيَّةٌ بالتوحيدِ والصلاةِ، وتَهذِيبٌ نَفْسِيٌّ للمسلمين بأن يُفرِدوا ربَّهم بالسؤال، وفي ذلك عِفَّةٌ لأنفسِهم، وحَمْلٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم على مَكارِم الأخلاقِ والتَّرفُّعِ عن تحمُّلِ مِنَنِ الخَلْقِ، وتعليمُ الصبرِ على مَضَضِ الحاجاتِ، والاستغناءِ عن الناس، وعِزَّةِ النُّفوسِ.
وبَدَأ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حديثَه بِجَذْبِ الانتِباهِ وتَحفِيزِ العُقولِ بقولِه "ألَا تُبايِعُونَ رسولَ الله؟""ألَا" هنا للعَرْضِ والتَّحضِيضِ، ومعناها طلَبُ الشيءِ، وفيه الحثُّ على مُبايَعَتِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّما قال: "تُبايِعون رسولَ الله" ولم يقل" تُبايِعُونني" تَنبِيهًا على أنَّ العِلَّةَ الباعِثَةَ على المُبايَعَةِ هي الرِّسالَةُ. فردَّدَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكرَّر مَقالَتَه المذكورةَ: "ألَا تُبايِعون رسولَ الله" ثلاثَ مرَّاتٍ؛ تأكيدًا عليهم، قال عَوْفُ بنُ مالِكٍ راوِي الحديثِ: "فقَدَّمْنا أَيْدِيَنا"، أي: مَدَدْنا أيدِيَنا لِلمُبايَعَةِ؛ امتِثالًا لأمرِه صلَّى الله عليه وسلَّم، "فبَايَعْناه" أي أَرَدْنا مُبايَعَتَه، "فقلنا: يا رسولَ الله، قد بايَعْناك" وإنَّما قالوا ذلك لِظَنِّهم أنَّه نَسِيَ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّهم قد بايَعُوه قَبْلَ ذلك، حيثُ إنَّهم كانوا قَرِيبِي عهدٍ بالمُبايَعَةِ؛ ففي روايةِ أبي دَاوُدَ: "وكُنَّا حديثَ عهدٍ بِبَيْعَةٍ"، فأرادوا تذكيرَه بذلك، أو أنَّهم أرادوا أن يَستَوْضِحوا ما البَيْعَةُ المطلوبةُ منهم الآنَ؟ كما يدلُّ عليه قولُهم: "فعَلامَ؟"، أي: على أيِّ شيءٍ نُبايِعُك؟
قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "على أن تَعبُدوا الله"، أي: تُبايِعونني على عبادةِ الله تعالى وطاعتِه، "ولا تُشرِكوا به شيئًا"، أي: وألَّا تُشرِكوا به شيئًا مِن الأشياءِ، ولا تُشرِكوا به شيئًا مِنَ الشِّركِ الأكبرِ، والأصغرِ، والجَلِيِّ، والخَفِيِّ، والأمرُ الثاني: هو المُبايَعَةُ على إقامةِ "الصَّلوات الخَمْس"، قال عَوْفٌ رضِي اللهُ عنه: "وأَسَرَّ"، أي: أَخْفَى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "كَلِمَةً خَفِيَّةً"، أي: لم يَجْهَرْ بها كما جَهَرَ بما تقدَّم، وفسَّرها بقولِه: "ألَّا تَسأَلُوا الناسَ شيئًا"، أي: هذه الكلمةُ الخَفِيَّةُ هي عدمُ سؤالِ الناسِ شيئًا، وهو حثٌّ على العِفَّةِ، وإفرادِ الله بإنزالِ الحاجاتِ به، وعدمِ سؤالِ أحدٍ من العِبادِ شيئًا، ويُشبِهُ أن يكونَ صلَّى الله عليه وسلَّم أَسَرَّ النهيَ عن السؤالِ لِيَخُصَّ به بعضَهم دونَ بعضٍ ولا يَعُمَّهم بذلك؛ لأنَّه لا يُمكِنُ العُمومُ؛ إذ لا بُدَّ مِن السؤالِ ولا بُدَّ من التعفُّفِ، ولا بُدَّ مِن الغِنَى ولا بُدَّ مِن الفَقْرِ، وقد قَضَى الله تبارك وتعالى بذلك كلِّه، فلا بُدَّ أن يَنقَسِمَ الخَلْقُ إلى الوَجْهَيْنِ.
والمرادُ بالسؤالِ المنهيِّ عنه: السؤالُ المتعلِّقُ بالأُمورِ الدُّنيوِيَّةِ، فلا يَتناوَلُ السؤالَ عن العِلْمِ وأمورِ الدِّينِ؛ لقولِه تعالى"فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"النحل: 43.
ثُمَّ قال عَوْفٌ راوِي الحديث: "فلقد رأيتُ بعضَ أولئك النَّفَرِ يَسقُط سَوْطُ أحدِهم، فما يَسأَلُ أحدًا يُناوِلُه إيَّاه" أي أنَّ بعضَهم حَمَل النهيَ عن السؤالِ على العُمومِ، فلم يَكُنْ يَسأَلُ أحدًا أن يُناوِلَه أيَّ شيءٍ سَقَط منه؛ امتِثالًا لِمَا بايَعَ عليه النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: التَّنفِيرُ مِن سؤالِ الناسِ، ولو يسيرًا.
وفيه: الأخْذُ بالعُمومِ؛ لأنَّهم نُهُوا عن السُّؤالِ، فحَمَلوه على العُمومِ
.
.الدرر=
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-13-2019, 09:57 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow

وظاهر هذا الحديث أنه عام في كل مسؤول ، لأن قوله صلى الله عليه وسلم " شيئًا " غير محدد ولا مخصص ، بل هو نكرة ، ومن المقرر في علم الأصول : أن النكرة في سياق النهي تفيد العموم .
قال النووي في " شرح مسلم " (7/132) : " فيه التمسك بالعموم ؛ لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه ، وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا والله أعلم " انتهى .
وترك سؤال الناس مطلقًا ، أمر لا يطيقه كل الناس ، لذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه ، ولم يأمرهم به ، وقد استنبط بعض العلماء ذلك من إسراره صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة .
قال الأبي في " شرح مسلم " 2/173 " الذي يترجح أنها لا ترجع إلى التكليف ، وإلا لوقع بيانها لوجوب التبليغ عليه صلى الله عليه وسلم " انتهى .
قال العيني في " شرح سنن أبي داود " 6/393 " قوله "وأسر كلمة خفية " يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أسر النهي عن السؤال ، ليخص به بعضهم دون بعضه ولا يعمهم بذلك ؛ لأنه لا يمكن العموم ، إذ لا بد من السؤال ، ولا بد من التعفف ، ولا بد من الغنى ، ولا بد من الفقر ، وقد قضى الله تبارك وتعالى بذلك كله ، فلا بد أن ينقسم الخلق إلى الوجهين " انتهى .
وجاء في معنى حديث عوف بن مالك : حديثُ ثوبان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسم قال"مَنْ يَتَقَبَّلُ – وفي رواية يتكفل - لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : أَنَا. قَالَ "لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا " فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ . رواه أبو داود :1450، وغيره ، وصححه الألباني .
فهذا ثوبان رضي الله عنه فهم عموم هذا الأمر ، فكان لا يسأل أحدًا أن يناوله السوط .
قال الآبادي في " عون المعبود " 5/39:في شرح قوله صلى الله عليه وسلم " وأتكفل له بالجنة " " أي أوَّلا من غير سابقة عقوبة ، وفيه إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة " انتهى .
وقيده بعض أهل العلم بطلب الحاجات من الناس ، أو طلب أموالهم ؛ قال السندي في حاشيته على النسائي :1/564 " لا تسأل الناس شيئا" أي من مالهم ، وإلا فطلب ماله عليهم لا يضر والله أعلم " انتهى .
فهذه الأحاديث عامة في كل مسؤول ، ومن أراد تحصيل ما فيها من الأجر العظيم ، وهو تكفل النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة ، فليترك سؤال الناس في القليل والكثير ، والجليل والحقير ، وليس ذلك واجبًا ، ولكنه من الكمالات ، وليس كل الناس يستطيع فعله .
قال القرطبي في " المفهم " 3/86 " وأخذه صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة ألا يسألوا أحدا شيئا : حملٌ منه على مكارم الأخلاق ، والترفع عن تحمل منة الخلق ، وتعليم الصبر على مضض الحاجات ، والاستغناء عن الناس ، وعزة النفوس ، ولمَّا أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء وفي كل الأحوال ، حتى فيما لا تلحق فيه منة ؛ طردا للباب ، وحسما للذرائع " انتهى .
إلا أن ذلك ـ أيضًا ـ مقيد بغير حالة الضرورة ، فما لم يضطر المرء إلى سؤاله : لم يسأله ، وما دفعته الضرورة إليه ، فلا حرج عليه في سؤاله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ " مُحَرَّمَةً فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْلِلضَّرُورَةِ وَفِي النَّهْيِ عَنْهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" 10/182 .
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-13-2019, 10:54 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow

"تَحَمَّلْتُ حَمالَةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أسْأَلُهُ فيها، فقالَ: أقِمْ حتَّى تَأْتِيَنا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لكَ بها، قالَ: ثُمَّ قالَ" يا قَبِيصَةُ إنَّ المَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمالَةً، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتاحَتْ مالَهُ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ، أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ فاقَةٌ حتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجا مِن قَوْمِهِ: لقَدْ أصابَتْ فُلانًا فاقَةٌ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ، أوْ قالَ سِدادًا مِن عَيْشٍ، فَما سِواهُنَّ مِنَ المَسْأَلَةِ يا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُها صاحِبُها سُحْتًا.

الراوي : قبيصة بن مخارق الهلالي - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم
- الصفحة أو الرقم: 1044 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
*الشرح
هذا الحديثُ يوضِّح جانبًا عملِيًّا مِن التربِيَةِ النبويَّةِ للمسلمين على العِفَّةِ وعِزَّةِ النفسِ، وعدمِ سؤالِ الناسِ إلَّا في الحالاتِ التي بيَّنها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للصَّحابِيِّ الذي جاء يَستَعِينُه بعدَ أن تحمَّل على نفسِه بمالٍ لِيُصْلِحَ بينَ الناسِ، فأعانَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه مِمَّن يَحِقُّ له السؤالُ ويَستَحِقُّ الصَّدقَةَ.
وهذا الحديثُ له مقدِّمةٌ توضيحيَّةٌ تُبيِّن السببَ المُلجِئَ الذي أَجْبَرَ الصحابِيَّ على طلبِ العَوْنِ مِنَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال الصحابيُّ: "تَحمَّلْتُ حَمالَةً"، أي: تَكفَّلْتُ دَينًا، والحَمالَةُ: هي المالُ الذي يَتحمَّلُه الإنسانُ، أي: يَستَدِينُه ويَدْفَعُه في إصلاحِ ذاتِ البَيْنِ، كالإصلاحِ بينَ قَبِيلَتَيْنِ، ونحو ذلك.
"فأَتَيْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَسْأَلُهُ فيها، فقال: أَقِمْ حتَّى تَأتِيَنا الصَّدَقةُ، فنَأمُرَ لكَ بها"، أي: ذهَبْتُ أطلُب مِن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم العَوْنَ على الحَمالَةِ، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: انْتَظِرْ حتَّى تَأتِيَنا الصَّدقةُ مِن زَكَوَاتِ الناسِ فنُعْطِيَك منها، وإنَّما حلَّتْ له المسألةُ واستَحَقَّ أن يُعطَى مِن الزَّكاةِ؛ لأنَّه استَدانَ لغيرِ مَعْصِيَةٍ.
ثُمَّ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم له موضِّحًا الأصنافَ التي تَحِلُّ لها أن تسألَ الناسَ: "يا قَبِيصَةُ، إنَّ المسألةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ"؛ الصِّنْفُ الأوَّلُ: "رَجُلٌ تحمَّلَ حَمالَةً فحَلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصِيبَها ثُمَّ يُمْسِكُ"، أي: مَن تَحمَّلَ دَينًا على نفسِه لِلإصلاحِ بينَ الناسِ، فهذا يَطلُب من الناسِ مالًا، "حتَّى يُصيبَها"، أي: يُصِيبَ ويَأخُذَ ما تَحمَّلَه مِنَ الحَمالَةِ، فيَأخُذ مِن الصدقةِ بقَدْرِها، "ثُمَّ يُمسِكُ"، أي: يُمسِكُ ويَمتَنِعُ عن المسألةِ والطلَبِ.
والصِّنفُ الثاني الذي تَحِلُّ له المسألةُ: "ورَجُلٌ أصابَتْه جَائِحَةٌ" الجائِحَةُ: الآفَةُ التي تُهلِكُ الثِّمارَ والأموالَ، وتَستأصِلُها، فمَن أصابَتْه الآفةُ السَّماوِيَّةُ، واستأصَلَتْ ثِمارَه أو أموالَه، "فحَلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوَامًا مِن عَيْشٍ، أو قال: سِدَادًا من عَيْشٍ"، أي: حَلَّتْ له المسألةُ حتَّى يَحصُلَ على ما يقومُ بحاجتِه الضروريَّةِ، وما يتقوَّم به من العَيْشِ، والقِوَامُ والسِّدادُ: هما ما يُغنِي من الشيءِ، وما تُسَدُّ به الحاجةُ، وكلُّ شيءٍ يُسَدُّ به شيءٌ فهو سِدَادٌ.
والصِّنفُ الثالثُ الذي تَحِلُّ له المَسْأَلةُ: "ورَجُلٌ أصابَتْه فاقَةٌ حتَّى يَقُومَ ثلاثةٌ مِن ذَوِي الحِجَا مِن قومِه: لقد أصابَتْ فُلانًا فاقةٌ، فحلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيْشٍ، أو قال: سِدَادًا مِن عَيْشٍ"، أي: أصابَه الفَقْرُ الشديدُ، واتَّضَحَ وظَهَر "حتَّى يقومَ ثلاثةٌ مِن ذَوِي الحِجَا"، أي: حتَّى يَشْهَدَ ثلاثةٌ مِن قومِه مِن ذَوِي الفَهْمِ والعَقْلِ يقولون: "لقد أصابَتْ فُلانًا فاقةٌ" وقيَّدهم بِذَوِي العُقولِ تنبيهًا على أنَّه يُشترَطُ في الشَّهادةِ: التيقُّظُ، فلا تُقبَلُ من مُغَفَّلٍ، وجعَلهم من قومِه؛ لأنَّهم أعلمُ بحالِه.
وهؤلاءِ هم الذين تَحِلُّ لهم المسألةُ كما ورَد في الحديثِ، "فما سِوَاهُنَّ مِنَ المسألةِ -يا قَبِيصَةُ- سُحْتًا، يَأكُلُها صاحبُها سُحْتًا" السُّحْتُ: هو الحَرامُ الذي لا يَحِلُّ كَسْبُه؛ لأنَّه يُسحِتُ البَرَكَةَ، أي: يُذهِبُها.
وقولُه: "يَأكُلها صاحبُها سُحتًا" يُفِيدُ أنَّ آكِلَ السُّحتِ لا يَجِدُ لِلسُّحتِ الذي يَأكُله شُبهةً تَجعلُها مباحةً لنفسِه، بل يَأكُلها مِن جِهَةِ السُّحتِ والحرامِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن مسألةِ الناسِ إلَّا لِلضَّرورَةِ المُلجِئَةِ.
وفيه: بيانُ أصنافِ مَن تَحِلُّ لهم المسألةُ مع بيانِ الأسبابِ المُلجِئَةِ لذلك.
وفيه: أنَّ مَن أخَذَ أموالَ الناسِ بغيرِ حقٍّ فإنَّه يَأكُلُ سُحتًا وحَرامًا .

= الدرر =
"أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أعْطَاهُ أوْ مَنَعَهُ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1470 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر =

الشرح

يُقسِم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم باللهِ الَّذي رُوحُه بيدِه على أنَّ العملَ مهما يكُنْ نوعُه فهو أفضلُ مِن سؤالِ النَّاس وإراقةِ ماءِ الوجه لهم، وأنَّه مهما يكُنْ شاقًّا عنيفًا فهو أرحمُ مِن مَذلَّةِ السُّؤالِ.
في الحديثِ: التَّرغيبُ في السَّعيِ والعملِ، وطَرقِ الأسبابِ المشروعةِ لكَسْبِ الرِّزق بشرفٍ وكرامةٍ وعزَّةِ نفسٍ.
وفيه: مُحاربةُ الإسلام للتسوُّلِ والبَطالةِ؛ ولذلك أوجب السَّعيَ والعملَ، ولو كان شاقًّا؛ كالاحتطابِ مثلًا.

=الدرر =


سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فأعْطَانِي ثُمَّ قالَ: يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، قالَ حَكِيمٌ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، يَدْعُو حَكِيمًا إلى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ منه، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فأبَى أَنْ يَقْبَلَ منه شيئًا، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ علَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عليه حَقَّهُ مِن هذا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تُوُفِّيَ.

الراوي : حكيم بن حزام - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 1472 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
الشرح
المالُ مِن فِتَنِ الحياةِ الدُّنيا التي يَنبغي لِلْمُؤمِن أنْ يَصُونَ نفسَه عنها، ويَحترِزَ مِن الوُقوعِ فيها.
وفي هذا الحديثِ: يُرشِد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ رضِي اللهُ عنه إلى الطَّرِيق الأَمْثَلِ لأخذِ المالِ، وذلك عندما سَأَله حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ أن يُعطِيَه فأَعْطَاه ثلاثَ مراتٍ، ثُمَّ قال له صلَّى الله عليه وسلَّم «يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ»، أي: كالفَاكِهَةِ الخَضِرَةِ في المَنْظَرِ، الحُلْوَةِ في المَذَاقِ؛ ولذلك تَرْغَبه النُّفوسُ وتَمِيلُ إليه وتَحرِص عليه، «فمَنْ أَخَذه بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِك له فيه»، أي: مَن أَخَذه بغيرِ إِلْحَاحٍ في السُّؤالِ ولا طَمَعٍ ولا حِرْصٍ ولا إكراهٍ أو إحراجٍ للمُعطِي، كَثُر ونَمَا وكان رِزْقًا حَلالًا يَشْعُر بِلَذَّتِه، «ومَن أَخَذَه بإشرافِ نَفْسٍ لم يُبَارَكْ له فيه» يعني: مَن أَخَذه بإلحاحٍ في السؤالِ وتَطلُّعٍ لِمَا في أيدِي غيرِه وشِدَّةِ حِرْصٍ على تَحصِيلِه مع إكراهِ المُعطِي وإحراجِه، لم يكن له فيه بَرَكَةٌ، «وكان كالذي يَأكُل ولا يَشْبَع»، فلا يَقْنَع بما يَأْتِيه؛ فكُلَّما ازْدَادَ أَكْلًا ازْدَادَ جُوعًا، وكُلَّما جَمَع مِن المالِ شيئًا ازْدَادَ رغبةً في غيرِه وازداد شُحًّا وبُخْلًا بِما في يدِه وحِرصًا عليه. ثم قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى»، أي: إنَّ الإنسانَ الذي يُعطِي خيرٌ مِن الإنسانِ الذي يَأخُذ. فلمَّا سَمِع حَكِيمٌ رضِي اللهُ عنه هذه الوَصِيَّةَ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «يا رَسولَ الله، والذي بَعَثَك بالحقِّ، لا أَرْزَأُ أحدًا بعدك شيئًا حتَّى أُفارِقَ الدُّنيا» يعني: لا أَنْقُص أحدًا مِن مالِه شيئًا بالطَّلَبِ منه، يُرِيد أنَّه لن يَأخُذَ مِن أحدٍ شيئًا بعد ذلك، فكان رضِي اللهُ عنه لا يَأخُذ مِن الفَيْءِ- وهو ما أُخِذ مِن الكُفَّار مِن غيرِ قِتالٍ- شيئًا بعد ذلك في زَمَنِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضِي اللهُ عنه وفي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضِي اللهُ عنه؛ حتَّى إنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضِي اللهُ عنه لَمَّا عَرَض عليه مِنَ الفَيْءِ وأَبَى: أَشْهَدَ الناسَ عليه أنَّه يَعرِض عليه مِن الفَيْءِ فيَأْبَى أن يَأخُذَ منه شيئًا، وظَلَّ كذلك حتَّى تُوُفِّيَ رضِي اللهُ عنه.
وفي الحديثِ: أنَّ سؤالَ السُّلطانِ أو الإمامِ ليس بِعَارٍ.
وفيه: أنَّ السَّائلَ إذا أَلْحَفَ لا بَأْسَ بِرَدِّه ووَعْظِه وأَمْرِه بالتعفُّفِ وتَرْكِ الحِرْصِ.
وفيه: أنَّ الإنسانَ لا يَسأل إلَّا عند الحاجةِ والضَّرُورَة.
وفيه: أنَّ الأخذَ مع سَخَاوَةِ النَّفْسِ يَحصُل معه أجرُ الزُّهْد والبَرَكةُ في الرِّزق.
وفيه: فضيلةٌ ظاهرةٌ لحَكيمِ بنِ حِزامٍ رضي الله عنه. = الدرر =
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 09:09 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر