العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-19-2024, 12:17 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,233
Exclamation


من آية 284 إلى آية286.
"لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" 284.
"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"285.
"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"286.
لما ضمَّن الله تعالى هذه السُّورة أكثرَ عِلم الأصول والفروع من: دلائل التَّوحيد، والنُّبوة، والمعاد، والصَّلاة، والزَّكاة، والقِصاص، والصَّوم، والحجِّ، والجهاد، والحيض، والطَّلاق، والعِدَّة، والخُلْع، والإيلاء، والرَّضاعة، والرِّبا، والبيع، وكيفيَّة المُداينة، ناسَب تكليفه إيَّانا بهذه الشرائع أن يذكُر أنَّه تعالى مالكٌ لِمَا في السَّموات وما في الأرض؛ فهو يُلزِم مَن شاء من مملوكاته بما شاء من تعبُّداته وتكليفاته، ولَمَّا كان محل اعتقاد هذه التكاليف هو الأنفُس، وما تنطوي عليه من النيَّات، وثواب مُلتزِمها وعقاب تارِكها إنما يَظهَر في الدَّار الآخرة- نبَّه على صفة العلم التي بها تقَعُ المحاسبةُ في الدَّار الآخرة فقال سبحانه:
لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ : أي: إنَّ لله تعالى وحده ما في السَّموات والأرض وما بَينهما، خَلْقًا ومُلْكًا وتدبيرًا، الجميع خلقهم ورزقهم ودبرهم لمصالحهم الدينية والدنيوية، فكانوا ملكًا له وعبيدًا، لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وهو ربهم ومالكهم الذي يتصرف فيهم بحكمته وعدله وإحسانه،وما دام الأمر كذلك فعليكم- أيها المؤمنون- أن تبذلوا أقصى جهدكم في العمل الصالح الذي بين أيديكم إنما هو عارية مستردة، وأن المالك الحقيقي له إنما هو الله رب العالمين، فأنفقوا من هذا المال- الذي هو أمانة بين أيديكم- في وجوه الخير واجمعوه من طريق حلال، وكونوا من القوم العقلاء الصالحين الذين لم تشغلهم دنياهم عن أخراهم.
وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ: بيان لشمول علم الله-تبارك وتعالى- لما أظهره الإنسان أو أخفاه من أقوال وأعمال، وأنه سيحاسبه على ذلك بما يستحقه من خير أو شر.
فهو المُطَّلِع على مَنْ فيهما، لا يَخفى عليه شيء مُطلَقًا، وسيُطْلِعهم على وجه المحاسبة على إظهارِ ما انطوت عليه نفوسُهم، أو إضماره، ممَّا استقرَّ فيها وثبَت، من الكُفْر والنِّفاق، أو من الأوصاف السيِّئة التي تتَّصِف بها، أو من العزائم المصمِّمة على ارتكاب معصية .
والجملة الكريمة صريحة في أن الله-تبارك وتعالى- يحاسب العباد على نياتهم وما تكسبه قلوبهم سواء أأخفوه أم أظهروه.
وقد بين المحققون من العلماء أن هذه المحاسبة إنما تكون على ما يعزم عليه الإنسان وينويه ويصر على فعله، سواء أنفذ ما اعتزم عليه أم حالت دونه حوائل خارجة عن إرادته: كمن عزم على السرقة واتخذ الوسائل لذلك ولكن لم يستطع التنفيذ لأسباب لم يتمكن معها من السرقة التي أصر عليها.
أما الخواطر النفسية التي تجول في النفس، وتعرض للإنسان دون أن يعزم على تنفيذها، فإنها ليست موضع مؤاخذة، بل إن التغلب عليها، وكفها بعد مكافحتها يجعله أهلا للثواب.
عن عبد لله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً."صحيح البخاري.
اللهُ عَزَّ وجَلَّ واسِعُ الرَّحمةِ، جَزيلُ العَطاءِ، ومُعاملتُه لعِبادِه دائرةٌ بيْن العَدلِ والفَضلِ.
وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لِكَرَمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ مع العِبادِ في كِتابةِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ؛ فيَروي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ القُدسيِّ الذي يَرْويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ: أنَّ اللهَ أمَرَ المَلائِكةَ الحفَظةَ بكِتابةِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ للعبْدِ؛ ليُجازيَه بِهما في الدَّارِ الآخرةِ، أو أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدَّرَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ قَديمًا وَفْقَ عِلْمِه سُبحانَه، ثمَّ بيَّن للمَلَكينِ كيْف يَكتُبانِها،"فمَن هَمَّ بحَسَنةٍ" والهَمُّ هو النيَّةُ وعَقدُ العَزمِ، والمعنى: فمَن نَوَى حَسَنةً وأراد أنْ يَفعَلَها، ولكنَّه لم يَفعَلْها لمانعٍ، أو لغيرِ مانعٍ، كَتَبها اللهُ عِنده حَسَنةً كاملةً غيْرَ مَنقوصةٍ، واطِّلاعُ المَلَكِ على النيَّةِ التي هي مِن فِعلِ القَلبِ يَكونُ بإطْلاعِ اللهِ تَعالى إيَّاه، فإذا همَّ العَبدُ بالحَسَنةِ فعَمِلها، كَتَبها اللهُ عزَّ وجلَّ وضاعفَها مِن عَشْرِ حَسَناتٍ، إلى سَبعِ مِائةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كَثيرةٍ، كما قال تعالى"مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"البقرة: 261؛ وذلك بحسَبِ الإخلاصِ وصِدقِ العَزمِ، وحُضورِ القَلبِ، وتَعدِّي النَّفعِ. ومِن نَوى عَمَلَ سيِّئةٍ فلمْ يَعمَلْها -خوْفًا مِن اللهِ وحَياءً منه- كَتَبها اللهُ عِنده حَسنةً كاملةً؛ لا يَنقُصُ مِن ثَوابِها شَيءٌ، فإنْ همَّ بها فعَمِلها، كَتَبها اللهُ عليه سيِّئةً واحدةً دونَ زِيادةٍ أو مُضاعَفةٍ كما في الحَسَناتِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ سَعةِ فضْلِ اللهِ على هذه الأمَّةِ؛ إذ لوْلا ذلك كاد لا يَدخُلُ أحدٌ الجنَّةَ؛ لأنَّ عَمَلَ العبادِ للسَّيِّئاتِ أكثرُ مِن عَملِهم للحَسَناتِ.الدرر السنية.
أنواع الهم: هم خطرات وهم عزم وإصرار.ونمثل له بالآتي:
" وَلَقَد هَمَّت بِهِوَهَمَّ بِهَا لَولَاۤ أَن رَّءَا بُرهَـنَ رَبِّهِكَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلفَحشَاۤءَ إِنَّهُۥ مِن عِبَادِنَا ٱلمُخلَصِینَ" يوسف:24.
همُّ يوسفَ كان همَّ خطرات فتركه لله فأثابه الله عليه ، وهم امرأة العزيز كان هم إصرار بذلت معه جهدها فلم تصل إليه فلم يستو الهمّان.
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: الهم همان همُّ خطرات وهمُّ إصرار، فهم الخطرات لا يؤاخذ به وهم الإصرار يؤاخذ به. تفسير ابن القيم .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "لَمَّا نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ "لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ"البقرة: 284، قالَ: فاشْتَدَّ ذلكَ علَى أصْحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا علَى الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ، الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ ولا نُطِيقُها، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولوا كما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنا وعَصَيْنا؟ بَلْ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ، قالوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ، فأنْزَلَ اللَّهُ في إثْرِها"آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ"البقرة: 285، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلكَ نَسَخَها اللَّهُ تَعالَى، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا"البقرة: 286،قالَ: نَعَمْ "رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عليْنا إصْرًا كما حَمَلْتَهُ علَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا" قالَ: نَعَمْ "رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بهِ" قالَ: نَعَمْ "واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا علَى القَوْمِ الكافِرِينَ" قالَ: نَعَمْ.صحيح مسلم.
وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ: :قالوا : ولا نُطيقُها؛ لاعتقادِهم أنَّهم مُؤاخَذون بما لا قُدرةَ لهُم على دَفعِه مِنَ الخواطرِ الَّتي لا تُكتسَبُ. فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ :أي: فيغفر بعد المحاسبة، لِمَن أتى بأسباب المغفرة فضلًا منه، ويُعاقِب مَن يكفُر به، أو يُصِرُّ على المعاصي، في باطنه أو ظاهره عدلًا منه، فالله تعالى لا يُعجِزه شيءٌ، ومن تَمام قُدْرته محاسبةُ الخلائق، وإيصالُ ما يَستحِقُّونه من الثواب والعقاب .
ولا نُطيقُها؛ ولم يَرضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا مِنهم، وخَشيَ أن يَفتحَ عليهم بابَ الرِّضا ببعضِ الأحكامِ وعدمِ الرِّضا بالبعضِ الآخَرِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتُريدون أن تَقُولوا كما قالَ أهلُ الكتابَينِ منَ اليهودِ والنَّصارى من قَبلِكم حينَ قالوا بشأنِ تكاليفِهم "سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"البقرة: 93، النساء: 46، فالأفضلُ لكم ألَّا تَقُولوا: شقَّ علينا كذا، بل قُولوا"سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُاقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ " - ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ : أي لانت لها نفوسهم وألسنتهم-، فلمَّا تَكلَّمَ بها المُسلِمون وانقادَت بالاستسلامِ بها ألسنتُهم وانصاعت نُفوسُهم لها، ولأمرِ ربِّهم فيها؛ أنزَلَ اللهُ في عَقِبِ نُزولِها من غيرِ فاصلٍ"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ" وهذا إخبارٌ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك، وهو الإيمانُ بالقُرآنِ، "وَالْمُؤْمِنُونَ" عطفٌ على الرَّسولِ، ثُمَّ أخبَرَ عنِ الجَميعِ فقالَ"كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ"البقرة: 285؛ فالمُؤمِنون يُؤمِنون بأنَّ اللهَ واحدٌ أحدٌ، فردٌ صَمَدٌ، لا إلهَ غيرُه، ولا ربَّ سِواه، ويُصدِّقون بجميعِ الملائكةِ والأنبياءِ والرُّسلِ والكُتبِ المُنزَّلةِ مِنَ السَّماءِ على عِبادِ اللهِ المُرسَلين والأنبياءِ، لا يُفرِّقون بين أحَدٍ منهم، ولا يؤمِنون ببعضٍ ويَكفرون ببعضٍ، بلِ الجميعُ عِندَهم صادِقون بارُّونَ، راشِدونَ مَهديُّون، هادُون إلى سُبلِ الخيرِ، وإن كانَ بعضُهم يَنسَخُ شَريعةَ بعضٍ بإذنِ اللهِ، حتَّى نُسِخَ الجميعُ بشَرعِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتَمِ الأنبياءِ والمُرسَلين، الَّذي تَقومُ السَّاعةُ على شَريعتِه، "وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا" أي: سَمِعنا قولَك يا ربَّنا، وفَهِمناه، وقُمنا به، وامتثَلنا العملَ بمُقتضاه، "غُفْرَانَكَ رَبَّنَا" وهذا سُؤالٌ للمغفرةِ والرَّحمةِ واللُّطفِ، "وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"، فإليك المَرجِعُ والمآبُ يومَ يَقومُ الحسابُ، فلمَّا فعَلوا ذلك، وقالوا ما أُمِروا بقولِه من إظهارِ السَّمعِ والطَّاعةِ لأوامرِ اللهِ؛ نَسَخَها اللهُ تَعالَى، فأثبَتَ الآيةَ خطًّا في المصحفِ ونسَخَ الحُكمَ، فأنزَلَ اللهُ تخفيفًا عنهم فقالَ"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" مما تسَعُه قُدرتُها وطاقتُها وجُهدُها-وإذا كانت بعض التكاليف التي كلفنا الله بها فيها مشقة، فإن هذه المشقة محتملة وفي وسع الإنسان وقدرته وطاقته، وسيثيبنا الله-تبارك وتعالى-عليها ثوابًا جزيلا،- "لَهَا مَا كَسَبَتْ" من ثوابِ الخيرِ،"وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ" من وِزرِ الشَّرِّ وإثمِه، ولا يُؤاخَذُ أحَدٌ بذَنبِ أحدٍ، ولا بما لم يَكسِبه ممَّا وَسوسَته به نفسُه- لم خص الخير بالكسب، والشر بالاكتساب؟ "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا" بالعِقابِ "إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" فترَكنا الصَّوابَ، لا عن عمدٍ، كما آخَذتَ به مَن قَبلَنا، فاستجابَ اللهُ سُبحانَه لهُم فقالَ "نَعَمْ"، أي: قد فعَلتُ، "رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا" منَ الأمورِ التي يَثقُلُ علينا حَملُها، "كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا" من بَني إسرائيلَ وغيرِهم، فاستجابَ اللهُ لهُم وقالَ"نَعَمْ"، أي: قد فعَلتُ، "رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ" منَ التَّكاليفِ والبلاءِ، قالَ"نَعَمْ"، "وَاعْفُ عَنَّا" فامحُ عنَّا ذُنوبَنا، "وَاغْفِرْ لَنَا" واستُر علينا فيما بيننا وبين عِبادِك، فلا تُظهِرهم على سيِّئاتِنا، وتَجاوَز عنها، "وَارْحَمْنَا" وجُدْ علينا بالرَّحمةِ حتَّى لا نَقَعَ في ارتكابِ محظورٍ، أو تَهاوُنٍ في أداءِ مأمورٍ، "أَنْتَ مَوْلَانَا"، أي: سيِّدُنا ومُتولّي أمرِنا؛ "فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"البقرة: 286. بإقامةِ الحُجَّةِ والغلَبةِ في قِتالِهم؛ فإنَّ شأنَ المَولى أن ينصُرَ مَواليَه على الأعداءِ،- والأول أشد أثرًا وأقوى فعلًا، فإنه نصر على الروح والعقل، أما النصر بالسيف فهو نصر على الجسد فحسب- فاستجابَ اللهُ لهُم، فقالَ"نَعَمْ"، أي: قد فعَلتُ.
وهذا من عَظيمِ فَضلِ اللهِ على المؤمِنينَ الذين يَخضَعونَ لأمرِه، ويُسلِّمون لحُكمِه، أمَّا الذين قالوا: سَمِعنا وعَصَينا، فقد حَمَلَ اللهُ عليهمُ الإثمَ والذَّنبَ وعاقَبَهم به في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرةِ.
وقد أكرمَ اللهُ هذه الأمَّةَ بما لم يُكرِم به مَن قبلَها، وثَبَّتَ إيمانَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم، وأحسَنَ إليهم، وأثنَى عليهم بقولِه"آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ من رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ من رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ" البقرة: 285.
وفي الحديثِ: شِدَّةُ تَعظيمِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لأمرِ اللهِ تَعالَى ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى لا يُحمِّلُنا ما لا طاقةَ لنا به، ولا يُكلِّفُنا إلَّا وُسعَنا، وأنَّ الوَساوسَ الَّتي تَجُولُ في صُدورِنا إذا لم نَركَنْ إليها، ولم نَطمئنَّ إليها، ولم نَأخُذْ بها -فإنَّها لا تَضُرُّ.
وفيه: أنَّ اللهَ تَجاوَزَ عنِ الأمَّةِ ما حدَّثَت به أنفُسَها ما لم تتكلَّم أو تعمَل به.
وفيه: ثُبوتُ النَّسخِ في القرآنِ الكريمِ، وأنَّ منَ القرآنِ ما يُقرَأُ ولكن نُسِخَحُكمُه فلا يُعمَلُ به.الدرر.
"مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ ."الراوي : أبو مسعود عقبة بن عمرو - صحيح البخاري.
أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن قَرَأهما في لَيلةٍ حَفِظَتاه مِن الشَّرِّ، ووَقَتاه مِن المَكْروهِ، ....وذلك لِمَا فيهما مِن مَعاني الإيمانِ، والإسْلامِ، والالْتِجاءِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، والاسْتِعانةِ به، والتَّوكُّلِ عليه، وطلَبِ المَغفِرةِ والرَّحْمةِ منه.
تم
بحمد الله تفسير سورة البقرة كاملة

سبحانك اللهم بحمدك أستغفرك وأتوب إليك اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-04-2024, 02:12 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,233
Arrow

معالم سورة البقرة
سورة البقرة هي ثاني سورة في المصحف ،وهي السورة رقم 78 في ترتيب النزول. سورة البَقرة سورةٌ مدنيَّة، نزلتْ بعد الهِجرة، ونقَل الإجماعَ على ذلك عددٌ من المفسِّرين.

مقاصد سورة البقرة
من مقاصد سورة الفاتحة تحديد معالم الدين وتحديد أصول الدين إجمالًا ، لكن سورة البقرة توضح أسس وأصول الدين تفصيلا.ولسورة البقرة خمسة مقاصد رئيسية:
المقصد الأول: من مقاصد سورة البقرة بيان أركان الإسلام : شهادة ألا إله إلا الله ؛ الصلاة ؛ الزكاة؛ الصيام؛ الحج ، وأركان الإيمان الستة : الإيمان بالله؛ وملائكته ؛وكتبه؛ ورسله؛ واليوم الآخر ؛ والقدر خيره وشره .ذُكرت تصريحًا ولزومًا.
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ : وهذا الغيب يلزم ويشتمل :على الإيمان بالله عز وجل وصفاته سبحانه وتعالى وكذلك الإيمان بالملائكة واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، فكل هذه الأمور من الإيمان بالغيب.
المقصد الثاني: تمييز للمسلمين عن غير المسلمين ، فنزلت سورة البقرة فيها آيات الأحكام ، و آيات تحويل القبلة من بيت
المقدس إلى المسجد الحرام. أحكام الصيام والزكاة والحج والعمرة وأحكام الخمر والميسر والمال والربا والمُداينة ، كل هذه الأحكام نزلت في هذه السورة لتمييز المسلمين عن غيرهم من اليهود والنصارى.
أنزل الله عز وجل سورة البقرة لبناء المجتمع الإسلامي بالأوامر و التكاليف والتشريعات اللى نزلت فى هذه السورة الكريمة.
المقصد الثالث : الاستخلاف في الأرض: أننا جميعًا خلفاء
في هذه الأرض أي يخلف بعضنا بعضًا ، يموت أقوام ويأتي آخرون ، وعلينا أن نسير بهذا الهدى الذي أنزله الله عز وجل إلينا ألا وهو الوحي ، القرآن الكريم ورسالة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.وذُكِر في سورة البقرة ثلاث خلفاء في الأرض قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام.، كنماذج واقعية منهم من أمثل وأخطأ ثم تاب –آدم عليه السلام- ومنهم من انحرف عن الجادة وعصى ولم يتب – وهم اليهود المغضوب عليهم- ، ومنهم من امتثل تماما – وهو إبراهيم عليه السلام.
المقصد الرابع : الانقياد لأمر الله عز وجل والاستسلام لشرعه
سبحانه وتعالى.
" بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"112.
ذكر تعالى البرهان الجلي العام لكل أحد, ..... مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ : أي: أخلص لله أعماله, متوجها إليه بقلبه، وَهُوَ : مع إخلاصه " مُحْسِنٌ " في عبادة ربه, بأن عبده بشرعه, فأولئك هم أهل الجنة وحدهم. " فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ " وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم، " وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " فحصل لهم المرغوب, ونجوا من المرهوب. ويفهم منها – بمفهوم المخالفة - أن من ليس كذلك, فهو من أهل النار الهالكين، فلا نجاة إلا لأهل الإخلاص للمعبود, والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .تفسير السعدي.
المقصد الخامس : من مقاصد سورة البقرة هو تحقيق تقوى الله عز وجل:
"ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"2.
فالتكاليف والأحكام ليس الغرض منها التعب والمشقة وإنما الغرض منها هو تحقيق تقوى الله عز وجل.وعلى سبيل المثال وليس الحصر ورد بعد كل تكليف الغاية منه وهي تحقيق التقوى:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"21.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"183.
"وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"179.
وهكذا.....

مواضيع سورة البقرة الرئيسية:
الموضوع الأول:هو مقدمة السورة: من آية1 إلى آية 29.
الموضوع الثاني :هو الخلفاء الثلاثة: من آية 30 إلى آية 141.
الموضوع الثالث:هو أحكام التكاليف : من آية 142 إلى آية 283.
الموضوع الرابع:هو خاتمة السورة: من آية 284 إلى آية 286.
*نبذة مختصرة عن كل موضوع :
الموضوع الأول:هو مقدمة السورة: من آية1إلى آية29 "آلم"إلى"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"29.
قال سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة" اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" دعاء بالهداية على الصراط المستقيم ثم تأتي سورة البقرة وتوضح معالم هذه الهداية ومنبعها"ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"فمقدمة سورة البقرة تحدثت عن القرآن الكريم وكيف أن هذا القرآن يهدي به اللهُ سبحانه وتعالى الناسَ ويُخرجهم به من الظلمات إلى النور..المحور الأساسي الذي تقوم عليه سورة البقرة والمعنى المصاحب لهذه السورة هو الاستسلام والانقياد التام لأمر الله والإذعان والخضوع لأمر الله." يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"208. وهذا نموذج يحتذى به للاستسلام التام لأوامر الله عز وجل إذ قال لإبراهيم عليه السلام" إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"131. وختمت السورة أيضا بهذا المعنى قال تعالى " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"258.
ثم سبحانه وتعالى قسم الناس في هذه المقدمة حسب تعاملهم واستجابتهم للقرآن الكريم وتكاليفه إلى أقسام ثلاثة :
القسم الأول: هم المؤمنون المُتقون ، في أول خمس آيات.
والقسم الثاني: هم الكافرون المشركون، في آية رقم 6 وآية رقم 7 .
والقسم الثالث: هم المنافقون.من آية 8 إلى آية 20.
ثم الآية 21 فيها نداء لكافة الناس لعبادة الله تعالى وهذا أول نداء في القرآن الكريم حسب ترتيب المصحف"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"21.
ثم أقام على المشركين الحُجة والدلائل الموجبة للإيمان ، ثم تحداهم أن يقدموا أدلة صدق دعواهم وأنذرهم بسوء العاقبة ، ثم بشر الصالحين بالجنات "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ.....24. وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"25.
الموضوع الثاني :هو الخلفاء الثلاثة: من آية30إلى آية141.
*في سورة البقرة ثلاثة نماذج لخلفاء سابقين:

الخليفة الأول:آدم عليه السلام من آية 30إلى آية39. "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة : 30.

الخليفة الثاني: بني إسرائيل من آية40إلى آية123.وردت آيات كثيرة لوصف ظلمهم ومخالفتهم لأوامر الله"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"91.بنو إسرائيل استخلفهم الله في الأرض قبل أمة النبي صلى، وربنا سبحانه وتعالى أنزل لهم تكاليف وتشريعات لكنهم خالفوا هذه الأوامر.ولذلك استبدلهم الله عز وجل وانتقلت الرسالة والاستخلاف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم."وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ"محمد:38.

الخليفة الثالث:إبراهيم عليه السلام. من آية124إلى آية141."وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ"124.

نظرات مستخلصة من الحكمة في ذكر الخلفاء الثلاثة قبل التكاليف:
عُرِضَ ثلاثة نماذج لخلفاء في الأرض نزلت عليهم أوامر وتكاليف وتباينوا في تفاعلهم مع هذه التكاليف:
أولًا آدم عليه السلام عصى ربه وأكل من الشجرة ثم تاب ،"فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"36/37.

ثانيًا بني إسرائيل:هؤلاء كانت حياتهم كلها معصية في معصية .
ثالثًا إبراهيم عليه السلام هذا كانت حياته كلها طاعة في طاعة."وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ"124.

لذا ربنا سبحانه وتعالى بدأ بالحديث عن الخلفاء الثلاثة وتفاعلهم مع التكاليف ليعتبر من أراد الاعتبار . هل ستكون مثل آدم عليه السلام إذا عصيت رجعت وتبت وأنبت إلى الله. أم ستكون مثل بني إسرائيل وسترفض هذه الأوامر والتكاليف وتُعرض عنها ؟ أم ستكون مثل إبراهيم عليه السلام الذي امتثل لأوامر ّالله سبحانه وتعالى فتمتثل لكل التكاليف ما استطعت؟فلذلك جاء الحديث عن الخلفاء الثلاثة قبل الحديث عن الأحكام والتكاليف.

الموضوع الثالث:هو أحكام التكاليف : من آية 142 إلى آية 283.
وتنقسم الأحكام والتكاليف إلى خمسة مواضيع رئيسية:
الموضوع الأول:تحويل القبلة وآيات تحويل القبلة "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" 144,من آية 149 إلى آية 177 ، هذه الآيات تتحدث عن أول تكليف من التكاليف ألا وهو تحويل القبلة.
الأربعة مواضيع الأخرى كل موضوع فيهم يحتوي على عبادة وحولها بعض الأحكام وسنسمي الموضوع باسم العبادة الموجودة فيه ونشير إلى الأحكام الأخرى المذكورة معه:
الموضوع الثاني من مواضيع التكاليف والأحكام هوعبادة الصيام من آية 178 إلى آية 188."يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"183.وذُكِرَ مع عبادة الصيام وأحكامها بعض الأحكام الأخرى ؛ مثل أحكام القصاص والوصية والرشوة .

الموضوع الثالث:عبادة الحج والعمرة وأحكامهما، من آية189إلى آية218،" وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" 196.وذُكِرَ مع عبادة الحج والعمرة وأحكامهما بعض الأحكام الأخرى مثل ؛أحكام القتال فى سبيل ّالله،وهي مناسبة لعبادة الحج لأن الحج فيه مشقة وجهاد أيضًا، والإنفاق في سبيل الله وهو مناسب أيضًا لعبادة الحج لأن الحج فيه جهاد بالنفقة أيضًا.
الموضوع الرابع:عبادة الصلاة"حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى" 238، من آية 219 إلى آية 242.
وذُكِرَ مع عبادة الصلاة بعض الأحكام الأخرى مثل: أحكام الخمر والميسر وأحكام اليتامى وأحكام زواج المسلم من غير المسلمة وأحكام الحيض والأيمان، وأحكام الأسرة من إيلاء وطلاق وخلع وعدة وأحكامها ورضاعة ....بَيْنَ كل هذه العبادات تُذكر عبادة الصلاة لما للصلاة من شأن عظيم من توريث التقوى والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فأداء الصلاة بحقها يعين على سائر العبادات.

الموضوع الخامس من مواضيع التكاليف والأحكام هوعبادة الجهاد فى سبيل ّالله عز وجل "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة:244. من آية 243 إلى آية 283.وذُكِرَ مع عبادة الجهاد في سبيل الله بعض الأحكام الأخرى مثل: أحكام الإنفاق فى سبيل ّالله، وأحكام المال ومنها أحكام المُداينة والربا.

الموضوع الرابع:هو خاتمة السورة.من آية 284 إلى آية 286.
هذه الآيات تتحدث عن تخفيف ّالله عز وجل على المؤمنين"لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ"
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا وبصائرنا، وجلاء همنا وحزننا، وأعنا على إتمام ما قصدناه بفضلك ورعايتك يا أكرم الأكرمين.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على طريقته إلى يوم الدين.

نسأل ّالله عز وجل أن ينفعنا بما علّمنا وأن يُعلمنا ماينفعنا ، اللّهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل ، اللّهم تقبل منا صالح الأعمال ، اللّهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللّهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحانك اللّهم ربنا وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
مقتبس من سلسلة تعرف للشيخ محمد أحمد نبهان حفظه الله ومصادر أخرى.
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 11:10 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر