العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-18-2017, 02:56 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
شرح حلية طالب العلم

شرح حلية طالب العلم

المقدِّمةُ
الحمدُ للهِ ،وبعدُ :
فأُقَيِّدُ معالِمَ هذه ( الْحِلْيَةِ ) المبارَكَةِ عامَ 1408 هـ ، والمسلمونَ – وللهِ الحمدُ – يُعايِشونَ يَقَظَةً علْمِيَّةً ، تتَهَلَّلُ لها سُبُحَاتُ الوُجوهِ ، ولا تَزالُ تنشُطُ – متقدِّمَةً إلى الترَقِّي والنُّضوجِ – في أفئدةِ شبابِ الأُمَّةِ مَجْدَها ودَمَها الْمُجَدِّدَ لحياتِها ، إذ نَرَى الكتائبَ الشبابيَّةَ تَتْرَى ، يتَقَلَّبُون في أعطافِ العلْمِ مثْقَلِينَ بِحَمْلِه يَعُلُّونَ منه ويَنْهَلُون ، فلَدَيْهِم من الطموحِ والجامِعِيَّةِ ، والاطِّلاعِ الْمُدْهِشِ والغَوْصِ على مَكنوناتِ المسائلِ ، ما يَفرحُ به المسلمونَ نَصْرًا فسبُحانَ مَن يُحْيِي ويُميتُ قُلوبًا .
لكن ؛ لا بُدَّ لهذه النَّواةِ المبارَكَةِ من السَّقْيِ والتَّعَهُّدِ في مَساراتِها كافَّةً ؛ نَشْرًا للضماناتِ التي تَكُفُّ عنها العِثارَ والتعَثُّرَ في مَثانِي الطلَبِ والعمَلِ ؛ من تَمَوُّجَاتٍ فِكرِيَّةٍ وعَقَدِيَّةٍ ، وسُلوكيَّةٍ ، وطائِفِيَّةٍ وحِزْبِيَّةٍ .
وقد جَعَلْتُ طَوْعَ أيدِيهم رسالةً في ( التَّعَالُمِ ) تَكْشِفُ الْمُنْدَسِّينَ بينَهم خشيةَ أن يُرْدُوهم ، ويُضَيِّعُوا عليهم أمْرَهم ، ويُبَعْثِروا مَسيرتَهم في الطلَبِ فيَسْتَلُّوهُم وهم لا يَشْعُرون .
واليومَ أَخوكَ يَشُدُّ عَضُدَك ، ويأخُذُ بِيَدِك ، فأَجْعَلُ طَوْعَ بَنانِكَ رسالةً تَحمِلُ ( الصفةَ الكاشفةَ ) لحِلْيَتِك ، فها أنذا أَجْعَلُ سِنَّ القَلَمِ على القِرْطَاسِ ، فاتْلُ ما أَرْقُمُ لك أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْنًا .
لقد تَوَارَدَتْ مُوجباتُ الشرْعِ على أنَّ التَّحَلِّيَ بمحاسِنِ الآدابِ ، ومَكارمِ الأخلاقِ ، والْهَدْيِ الحسَنِ ، والسمْتِ الصالِحِ: سِمَةُ أهلِ الإسلامِ وأنَّ العِلْمَ – وهو أَثْمَنُ دُرَّةٍ في تَاجِ الشرْعِ الْمُطَهَّرِ – لا يَصِلُ إليه إلا الْمُتَحَلِّي بآدابِه ، الْمُتَخَلِّي عن آفاتِه ، ولهذا عناه العلماءُ بالبحْثِ والتنبيهِ وأَفْرَدُوها بالتأليفِ ، إمَّا على وجهِ العمومِ لكافَّةِ العلومِ، أو على وَجهِ الْخُصوصِ ، كآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ الكريمِ ، وآدابِ الْمُحَدِّث وآدابِ الْمُفْتِي وآدابِ القاضي ، وآدابِ الْمُحْتَسِبِ ، وهكذا .
والشأنُ هنا في الآدابِ العامَّةِ لِمَنْ يَسْلُكُ طريقَ التعلُّمِ الشرعيِّ.
وقد كان العلماءُ السابقون يُلَقِّنُونَ الطُّلَّابَ في حِلَقِ العِلْمِ آدابَ الطلَبِ وأَدْرَكْتُ خَبَرَ آخِرِ العَقْدِ في ذلك في بعضِ حَلقاتِ العلْمِ في المسجدِ النبويِّ الشريفِ ؛ إذ كان بعضُ الْمُدَرِّسينَ فيه ، يُدَرِّسُ طُلابَه كتابَ الزرنوجيِّ ( م سنة 593 هـ ) رَحِمَه الله تعالى ، الْمُسَمَّى : تعليمَ المتعلِّمِ طَريقَ التعلُّمِ.
فعَسَى أن يَصِلَ أهلُ العلْمِ هذا الحبْلَ الوَثيقَ الهاديَ لأَقوَمِ طريقٍ فيُدْرَجُ تدريسُ هذه المادَّةِ في فواتِحِ دُروسِ المساجدِ ، وفي موادِّ الدراسةِ النِّظاميَّةِ ، وأَرْجُو أن يكونَ هذا التقييدُ فاتحةَ خيرٍ في التنبيهِ على إحياءِ هذه المادَّةِ التي تُهَذِّبُ الطالبَ وتَسلُكُ به الجادَّةَ في آدابِ الطلَبِ وحَمْلِ العلْمِ ، وأَدَبِه مع نفسِه ، ومع مُدَرِّسِه ، ودَرْسِه ، وزميلِه ، وكتابِه ، وثَمَرَةِ عِلْمِه ، وهكذا في مَراحلِ حياتِه .
فإليك حِلْيَةً تَحْوِي مجموعةَ آدابٍ ، نواقِضُها مَجموعةُ آفاتٍ ، فإذا فاتَ أَدَبٌ منها اقْتَرَفَ الْمُفَرِّطُ آفةً من آفاتِه ، فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ وكما أنَّ هذه الآدابَ درجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِ فالوجوبُ ، فنواقِضُها دَرَكَاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمِ .
ومنها ما يَشْمَلُ عُمومَ الْخَلْقِ من كلِّ مُكَلَّفٍ ، ومنها ما يَخْتَصُّ به طالبُ العلْمِ ، ومنها ما يُدْرَكُ بضرورةِ الشرْعِ ، ومنها ما يُعْرَفُ بالطبْعِ ، ويَدُلُّ عليه عُمومُ الشرْعِ ، من الْحَمْلِ على مَحاسِنِ الآدابِ ومَكارِمِ الأخلاقِ ولم أَعْنِ الاستيفاءَ ، لكن سِياقَتَها تَجْرِي على سبيلِ ضَرْبِ الْمِثالِ ، قاصدًا الدَّلالةَ على الْمُهِمَّاتِ ، فإذا وافَقَتْ نفسًا صالحةً لها ، تناوَلَتْ هذا القليلَ فكَثَّرَتْه وهذا الْمُجْمَلَ ففَصَّلَتْه، ومَن أَخَذَ بها انْتَفَعَ ونَفَعَ، وهي بدَوْرِها مأخوذةٌ من أَدَبِ مَن بارَكَ اللهُ في عِلْمِهم وصاروا أئمَّةً يُهْتَدَى بهم ، جَمَعَنا اللهُ بهم في جَنَّتِه آمينَ .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-18-2017, 03:05 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:مفرغ
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد فقد قرر شيخنا محمد بن صالح العثيمين قراءة كتاب حلية طالب العلم لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (وذلك أواخر شهر رجب لعام 1415
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم تعليقًا على هذه المقدمة نحن قررنا هذا بعد مشاورتكم واقترحاتكم وذلك لأن طالب العلم إذا لم يتحل بالأخلاق الفاضلة فإن طلبه للعلم لا فائدة فيه لا بد أن الإنسان كلما علم شيئا من الفضائل أو العبادات أن يقوم به فإن لم يفعل فهو والجاهل سواء بل الجاهل أحسن حالاً منه لأن هذا ترك الفضل عن عمد بخلاف الجاهل ولأن الجاهل ربما ينتفع إذا علم بخلاف من علم ولم ينتفع وبهذا أحث نفسي وإياكم على التحلي بالأخلاق الفاضلة والصبر والمصابرة والعفو والإحسان بقدر المستطاع هذا بغض النظر عن الوصية الكبرى وهي الوصية بتقوى الله عز وجل التي قال الله تعالى فيها
"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِۗوَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَۚوَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا"النساء 131


أما مؤلف هذه الحلية فهو أخونا الشيخ بكر أبو زيد وهو من أكابر العلماء ومن المعروفين بالحزم والضبط والنزاهة لأنه تولى مناصب كثيرة وكل عمله فيها يدل على أنه أهل لما تولاه وهو الآن مع لجنة الفتوى التي يرأسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الرياض ومع هيئة كبار العلماء فنسأل الله لنا وله التوفيق ثم إن كلامه في غالب كتبه كلام يدل على تضلعه في اللغة العربية ولهذا يأتي أحيانا بألفاظ تحتاج إلى مراجعة قواميس اللغة والذي يظهر أنه لا يتكلف ذلك لأن الكلام سلس ومستقيم وهذا يدل على أن الله تعالى أعطاه غريزة في اللغة العربية لم ينلها كثير من العلماء في وقتنا حتى إنك تكاد تقول إن هذه الفصول كمقامات الحريري ومقامات الحريري معروفة لأكثركم مقامات جيدة وفيها مواعظ وفيها كثير من الكلمات اللغوية التي يستفيد الإنسان منها – نعم.
القارئ:
قال الشيخ بكر : بسم الله الرحمن الرحيم .

المـُــقـَـدِّمـَـةُ
الحمدُ للهِ ، وبعدُ :
فأُقَيِّدُ معالِمَ هذه ( الْحِلْيَةِ ) المبارَكَةِ عامَ 1408 هـ ، والمسلمونَ – وللهِ الحمدُ – يُعايِشونَ يَقْظَةً علْمِيَّةً ، تتَهَلَّلُ لها سُبُحَاتُ الوُجوهِ ، ولا تَزالُ تنشُطُ – متقدِّمَةً إلى الترَقِّي والنُّضوجِ – في أفئدةِ شبابِ الأُمَّةِ مَجْدَها ودَمَها الْمُجَدِّدَ لحياتِها ، إذ نَرَى الكتائبَ الشبابيَّةَ تَتْرَى ، يتَقَلَّبُون في أعطافِ العلْمِ مثْقَلِينَ بِحَمْلِه يَعُلُّونَ منه ويَنْهَلُون ، فلَدَيْهِم من الطموحِ والجامِعِيَّةِ ، والاطِّلاعِ الْمُدْهِشِ والغَوْصِ على مَكنوناتِ المسائلِ ، ما يَفرحُ به المسلمونَ نَصْرًا فسبُحانَ مَن يُحْيِي ويُميتُ قُلوبًا .
لكن ؛ لا بُدَّ لهذه النَّواةِ المبارَكَةِ من السَّقْيِ والتَّعَهُّدِ في مَساراتِها كافَّةً ؛ نَشْرًا للضماناتِ التي تَكُفُّ عنها العِثارَ والتعَثُّرَ في مَثانِي الطلَبِ والعمَلِ ؛ من تَمَوُّجَاتٍ فِكرِيَّةٍ وعَقَدِيَّةٍ ، وسُلوكيَّةٍ ، وطائِفِيَّةٍ وحِزْبِيَّةٍ .
الشيخ:
هذا ما قاله صحيح لأنه في الآوانة الآخيرة حصل ولله الحمد من الشباب طموحات واسعة في شتى المجالات لكنها تحتاج كما قال تحتاج إلى ضمانات وكوابح تضمن بقاء هذه النهضة وهذا الطموح لأن كل شيء إذا زاد عن حده فإنه سوف يرجع إلى جذره إذا لم يضبط ويكبح فإنه يكون دمارًا وربما يكون دمارا في المجتمع وربما يكون دمارا حتى على صاحبه في قلبه أرأيتم الخوارج عندهم من الإيمان بمحبة كون المسلمين على الحق مالا يوجد في غيرهم لكن هذا قد زاد حتى كفروا المسلمين وأئمة المسلمين وخرجوا عليهم فصارواكما قال النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام" يمرقون من الإسلام كما يمرق السهممن الرمية".1فأنت اضبط قلبك إذا رأيته سوف ينفر بعيدا وسوف يسلك مسلك صعبا فعليك أن ترده عليك أن ترده وأن تعرف أن المقصود إقامة دين الله لا الانتصار للغيرة وثورة النفس ومعلوم أنه إذا كان هذا هو المقصود أعني الانتصار لدين الله فإن الإنسان سوف يسلك أقرب الطرق إلى حصول هذا المقصود ولو بالمهادنة إذا دعت الحاجة إلى ذلك . نعم .
القارئ:
وقد جَعَلْتُ طَوْعَ أيدِيهم رسالةً في ( التَّعَالُمِ ) تَكْشِفُ الْمُنْدَسِّينَ بينَهم خشيةَ أن يُرْدُوهم ، ويُضَيِّعُوا عليهم أمْرَهم ، ويُبَعْثِروا مَسيرتَهم في الطلَبِ فيَسْتَلُّوهُم وهم لا يَشْعُرون .
واليومَ أَخوكَ يَشُدُّ عَضُدَك ، ويأخُذُ بِيَدِك ، فأَجْعَلُ طَوْعَ بَنانِكَ رسالةً تَحمِلُ ( الصفةَ الكاشفةَ ) لحِلْيَتِك ، فها أنذا أَجْعَلُ سِنَّ القَلَمِ على القِرْطَاسِ ، فاتْلُ ما أَرْقُمُ لك أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْنًا .
لقد تَوَارَدَتْ مُوجباتُ الشرْعِ على أنَّ التَّحَلِّيَ بمحاسِنِ الآدابِ ، ومَكارمِ الأخلاقِ ، والْهَدْيِ الحسَنِ ، والسمْتِ الصالِحِ: سِمَةُ أهلِ الإسلامِ.
الشيخ:
الآن الشيخ بكر يقول اليوم أخوك يشد عضدك ويأخذ بيدك فأجعل طوع. فيها التفات من أين؟ من الغيبة إلى الحضور هذا ليس معتادًا عند العلماء في مؤلفاتهم العلمية لكن كما قلنا أولا أن الشيخ يعتمد على البلاغات اللغوية ومعلوم أن الانتقال في الإسلوب من غيبة إلى خطاب أو من خطاب إلى غيبة أو من مفرد إلى جمع حيث صح الجمع . من المعلوم أن هذا سوف يوجب الانتباه لأن الإنسان إذا كان يسير بأسلوب مستمر عليه انسابت نفسه لكن إذا جاء شيء يغير الأسلوب سوف يتوقف وينتبه" وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" "وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا"المائدة 12
فقال"أَخَذَ اللَّهُ"هذا غيب" وَبَعَثْنَا" حضور.
القارئ:
وأنَّ العِلْمَ – وهو أَثْمَنُ دُرَّةٍ في تَاجِ الشرْعِ الْمُطَهَّرِ – لا يَصِلُ إليه إلا الْمُتَحَلِّي بآدابِه ، الْمُتَخَلِّي عن آفاتِه .
ولهذا عناه العلماءُ بالبحْثِ والتنبيهِ وأَفْرَدُوها بالتأليفِ ، إمَّا على وجهِ العمومِ لكافَّةِ العلومِ، أو على وَجهِ الْخُصوصِ ، كآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ الكريمِ ، وآدابِ الْمُحَدِّث وآدابِ الْمُفْتِي وآدابِ القاضي ، وآدابِ الْمُحْتَسِبِ ، وهكذا .
والشأنُ هنا في الآدابِ العامَّةِ لِمَنْ يَسْلُكُ طريقَ التعلُّمِ الشرعيِّ .
الشيخ:
فهذا يشمل من يسلك طريق العلم الشرعي ويشمل أيضا لمن يسلك طريق التعليم فالآداب هنا للمتعلم وللمعلم حتى المتعلم له آداب يجب أن يعتني بها .
القارئ:
وقد كان العلماءُ السابقون يُلَقِّنُونَ الطُّلَّابَ في حِلَقِ العِلْمِ آدابَ الطلَبِ وأَدْرَكْتُ خَبَرَ آخِرِ العَقْدِ في ذلك في بعضِ حَلقاتِ العلْمِ في المسجدِ النبويِّ الشريفِ ؛ إذ كان بعضُ الْمُدَرِّسينَ فيه ، يُدَرِّسُ طُلابَه كتابَ الزرنوجيِّ ( م سنة 593 هـ ) رَحِمَه الله تعالى ، الْمُسَمَّى : ( تعليمَ المتعلِّمِ طَريقَ التعلُّمِ.
فعَسَى أن يَصِلَ أهلُ العلْمِ هذا الحبْلَ الوَثيقَ الهاديَ لأَقوَمِ طريقٍ فيُدْرَجُ تدريسُ هذه المادَّةِ في فواتِحِ دُروسِ المساجدِ ، وفي موادِّ الدراسةِ النِّظاميَّةِ ، وأَرْجُو أن يكونَ هذا التقييدُ فاتحةَ خيرٍ في التنبيهِ على إحياءِ هذه المادَّةِ التي تُهَذِّبُ الطالبَ وتَسلُكُ به الجادَّةَ في آدابِ الطلَبِ وحَمْلِ العلْمِ ، وأَدَبِه مع نفسِه ، ومع مُدَرِّسِه ، ودَرْسِه ، وزميلِه ، وكتابِه ، وثَمَرَةِ عِلْمِه ، وهكذا في مَراحلِ حياتِه .
فإليك حِلْيَةً تَحْوِي مجموعةَ آدابٍ ، نواقِضُها مَجموعةُ آفاتٍ ، فإذا فاتَ أَدَبٌ منها اقْتَرَفَ الْمُفَرِّطُ آفةً من آفاتِه ، فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ وكما أنَّ هذه الآدابَ درجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِ فالوجوبُ ، فنواقِضُها دَرَكَاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمِ .

الشيخ:
يعني ضدها يعني معناه أنه ذكر الآداب فيكون ضدها إن كانت مسنونة يكون ضدها مكروهة وإن كانت واجبة فضدها محرم ولكن هذا ليس على إطلاق لأنه ليس ترك كل مسنون يكون مكروهًا وإلا لقلنا إن كل من لم يأت بالمسنونات في الصلاة يكون قد فعل مكروهًا لكن إذا ترك أدبا من الآداب الواجبة فإنه يكون فاعلا محرما في نفس ذلك الآدب فقط لأنه ترك فيه واجب وكذلك إذا كان مسنونًا وتركه فينظر إذا تضمن تركه إساءة أدب مع المعلم أو مع زملائه فهذا يكون مكروهًا لا لأنه تركه ولكن لأنه لزم منه إساءة الأدب والحاصل أنه لا يستقيم أن نقول كل من ترك مسنونًا فقد وقع في المكروه أو كل من ترك واجبا فقد وقع في المحرم يعني على سبيل الإطلاق بل يقيد هذا .
القارئ:
ومنها ما يَشْمَلُ عُمومَ الْخَلْقِ من كلِّ مُكَلَّفٍ ، ومنها ما يَخْتَصُّ به طالبُ العلْمِ ، ومنها ما يُدْرَكُ بضرورةِ الشرْعِ ، ومنها ما يُعْرَفُ بالطبْعِ ، ويَدُلُّ عليه عُمومُ الشرْعِ ، من الْحَمْلِ على مَحاسِنِ الآدابِ ومَكارِمِ الأخلاقِ ولم أَعْنِ الاستيفاءَ ، لكن سِياقَتَها تَجْرِي على سبيلِ ضَرْبِ الْمِثالِ ، قاصدًا الدَّلالةَ على الْمُهِمَّاتِ ، فإذا وافَقَتْ نفسًا صالحةً لها ، تناوَلَتْ هذا القليلَ فكَثَّرَتْه وهذا الْمُجْمَلَ ففَصَّلَتْه، ومَن أَخَذَ بها انْتَفَعَ ونَفَعَ، وهي بدَوْرِها مأخوذةٌ من أَدَبِ مَن بارَكَ اللهُ في عِلْمِهم وصاروا أئمَّةً يُهْتَدَى بهم ، جَمَعَنا اللهُ بهم في جَنَّتِه آمينَ .

بكر بن عبد الله أبو زيد
في اليوم الخامس من الشهر الثامن عام 1408


هنا
1- قلتُ لسَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ : هل سمعتَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ في الخوارجِ شيئا ؟ قال : سمعتُه يقولُ وأَهْوَى بيدِه قِبَلَ العراقِ : يَخرُجُ منه قومٌ يَقرؤُون القرآنَ ، لا يُجَاوِزُ تَراقِيهم ، يَمرُقون مِن الإسلامِ مُروقَ السهمِ مِن الرَّمِيَّةِ.الراوي: سهل بن حنيف المحدث: البخاري - المصدر:صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6934- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-18-2017, 03:20 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشيثري:مفرغ
مقدمة الشارح :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد رغَّب في طلب العلم، ورتَّب عليه الأجورَ العظيمة، كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"إنّ الملائكة لتضَع أجنحتها لطالب العلم، رضًا بما يصنع"1، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم"من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة"2، وكما جاء في الحديث الثالث"ما خرج يطلب علمًا، فهو في سبيل الله حتى يرجع"3؛ولذلك أشاد الأئمة في طلب العلم ورغَّبوا فيه وحثُّوا عليه انطلاقًا من هذه النصوص ، وذلك أن حاجة الأمة إلى العلماء أشد من حاجتها إلى وجود غيرهم من طوائف الناس ، سواءًكان من العُبَّاد، أو كان من أهل الجهاد أو كان من أهل الأمر بالمعروف والنهي هن المنكر ، وذلك أن هذه العبادات لا تصح إلا بعلم ، لو جاهد بدون علم ، لكان ما يؤدي إليه جهاده من الفساد أعظم ممايؤدي إليه من إصلاح الأحوال ، وهكذا في بقية الأعمال؛فمن تقرب إلى الله بصلاة ليست مبنية على علم ، فقد يكون فيها من المُبطلات والمُفسدات ما يجعلها غير مقبولة عند الله عز وجل ، ولذلك اهتم الأئمة بالعلم ، ورغَّبوا فيه ، وجعلوه شرطا في العمل ، كما قال الإمام البخاري باب ( العلم قبل القول و العمل ) ، واستدل عليه بقوله تعالى"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ"محمد19
إذا تقرَّر هذا ، فإن الله - جل وعلا- قد وازن بين العلماء وبين غيرهم فرفع شأن العلماء ، وبيَّن رِفعة مكانتهم ، كما قال جل وعلا:"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ"الزمر9، وقال سبحانه:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوايَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"المجادلة11
،وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم،4وفضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب"5. والنصوص في هذا كثيرة .
وطلب العلم ،-والعلم لا يَحصُل إلا بطلبه ، وبذل الأسباب من أجل تحصيله- ،وهذا من أفضل القربات.
وحاجة الأمة إلى العلماء أشد من حاجتها لغيرهم كما تقدم ، ومن هنا فإن العلماء هم الذين يأمرون الناس بالخير وهم الذين يعلمونهم ما فيه نفعهم في دنياهم وآخرتهم ، وهم الذين يَقُونَ الأمة من الشرور ، وهم الذين يستنبِطون حلول مشاكل الأمة من كتاب الله جل وعلا ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا توجه الناس إلى رعاية العمل الإسلامي بدون أن يكون ذلك مبنيًا على علم، كان ذلك سببًا من أسباب انتكاسة العمل الإسلامي ، وذلك لأن العمل متى كان مبنيًا على عاطفة ، ولم يكن مبنيًا على علم شرعي مؤصل من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كان ما يؤديه من المفاسد أكبر مما يؤدي إليه من المصالح ، خصوصًا في مثل أزماننا هذه ، التي ركض فيها أهل الضلالة والفساد نحو مجتمعات المسلمين ، يقودهم عدونا الأكبر الشيطان ، من أجل صد الناس عن دين الله ، ولهم في ذلك حيلٌ ومكر كثير؛ من حيلهم أنهم يدفعون الناس إلى ردود فعلٍ غير محسوبة النتائج ، فتؤدي إلى مفاسد شنيعة ، وذلك لأنهم لم ينطلقوا في تصرفاتهم من علمٍ شرعي ، ولذلك ذكر العلماء أن من شروط الفعل المكلَّف به:العلم ، بحيث يكون المرءُ عالماً بأن الشرع قد كلَّف بذلك الفعل ، ويكون المرءُ عالماً بكيفية أداء ذلك الفعل ، لكن العلم له طرائق في تعلمه، لا يمكن الاستفادة من هذا العلم ، إلا عندما نقوم بالالتزام بآداب التعلم ، بحيث نتَّصِف بهذه الآداب ونطبقها في تعلمنا، فمن تعلم العلوم بدون أن يتأدب بالآداب الشرعية لن يبارك لهُ في علمه ولن يغالى في القبول ، وكان الناس ينفرون منهُ ويظنون أن تلك النُّفرة من العلم الذي يحمله، وإنما النُّفرة من سوء تأدُّبه وسوء تخلُّقه بأخلاق الإسلام ، فحينئذ يكون ما يؤديه من المفاسد أكثر مما يؤديه من المصالح ، ولذلك عَنيَ أهل العلم بالتأليف في آداب طلب العلم منذُ العصور الأولى فأُلفت مؤلَّفات كثيرة منها آداب حملة القرآن ، ومنها أخلاق أهل العلم ، لطائفة من أهل العلم، ولازال علماء الشريعة يعتنون بهذا الباب، ولكن كل عصر توجد فيه مُستجِدات تجعل أهل العلم يحاولون أن يَنُصُّوا على أحكام هذه المستجِدات من آداب طلب العلم في مؤلفاتهم ، ولذلك كلما وُجد عندنا كتاب يعتني بالمستجدات المتعلقة بطلب العلم وآدابه وطريقته كلما كانت الاستفادة من ذلك أكثر وأشمل ، ومما أُلف في أدب طلب العلم كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى ، وهو من علماء الأمة الذين لهم مؤلفات عديدة ، وقد كان عضوًا في هيئة كبار العلماء وعضوا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، وقد نفع الله به كثيرًا ولم يمت إلا من سنوات قليلة ، ونفع الله بعلمه ونشر الله ذلك العلم للأمة في مشارق الأرض ومغاربها ، ولذلك فلعلنا نقرأ هذا الكتاب"حلية طالب العلم"الذي امتاز بمميَّزات ،
أولهذه المميزات اشتماله على أدب طلب العلم ،
وثانيها أن هذا الكتاب ألفه عالم سلفي سني ينطلق من النصوص الشرعية فيما يكتبه ،
وثالثها أن هذا الكتاب اشتمل على آداب كثيرة من آداب طلب العلم حتى فيما يتعلق بتربية طالب العلم في نفسه وفي أخلاقه وفي تعامله مع الله – جل وعلا – ومع عباده ،ومن مميزات هذا الكتاب شموله لكثير من هذه الآداب ولم يترك إلا الشيء القليل ،
ومن مميزات هذا الكتاب أنه قد تعرض لمسائل عصرية يحتاج إليها طالب العلم سواءً فيما يتعلق بالتحزبات والافتراقات أو فيما يتعلق بجعل الولاء والبراء لجماعة أو حزب أو نحوه ، أو بما يتعلق بالوسائل الحديثة لطلب العلم وكيفية الاستفادة منها .
كذلك من مميزات هذا الكتاب أنه أُلف بلغة رفيعة فيها ألفاظ عربية ، بحيث يتعلم الإنسان من هذا الكتاب عددا من الألفاظ اللغوية التي قد لا يجدها في غيره، ثم فيه من الألفاظ الجزلة القوية المؤدية للمعنى ما يجعل لغة طالب هذا الكتاب تعلو وترتفع ، ولذلك لعلنا نقرأ هذا الكتاب المبارك ، كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمة الله تعالى ورفع درجته وأعلى منزلته في عليين ، وجعلنا وإياكم ممن تبع هذا الإمام واستفاد من علمه وسار على طريقته ورضي الله عنه بذلك ، هذا ونبتدئ بإذن الله قراءة الكتاب.
القارئ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال المؤلف الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمة الله عليه في كتابه حلية طالب العلم :

المقدمة
الحمد لله ، وبعد:
فأقيد معالم هذه الحلية المباركة عام 1408 هـ، والمسلمون - ولله الحمد - يعايشون يقظة علمية تتهلل لها سبحات الوجوه، ولا تزال تنشط متقدمة إلى الترقي والنضوج في أفئدة شباب الأمة، مدها ودمها المجدد لحياتها، إذ نرى الكتائب الشبابية تترى يتقلبون في أعطاف العلم مثقلين بحمله يعلون منه وينهلون،
الشيخ (مصحِّحا): يَعُلُّون، يعني يشربون. النَّهَلْ، الشرب أول مرة، والعَلَلْ، الشرب في المرة الثانية.
فلديهم من الطموح، والجامعية، والاطلاع المدهش والغوص على مكنونات المسائل، ما يفرح به المسلمون نصرًا، فسبحان من يحيى ويميت قلوبًا
لكن، لا بد لهذه النواة المباركة من السقي والتعهد في مساراتها كافة، نشرًا للضمانات التي تكف عنها العثار والتعصب في مثاني الطلب والعمل من تموجات فكرية، وعقدية، وسلوكية، وطائفية، وحزبية.
وقد جعلت طوع أيديهم رسالة في التعاليم تكشف المندسين بينهم خشية أن يُرْدوهم، ويضيعوا عليهم أمرهم، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب، فيستلوهم وهم لا يشعرون.
واليوم أخوك يشد عضدك، ويأخذ بيدك، فاجعل طوع بنانك رسالة تحمل " الصفة الكاشفة" لحليتك، فها أنا ذا أجعل سن القلم على القرطاس، فاتل ما أرقم لك أنعم الله بك عينا :
لقد تواردت موجبات الشرع على أنَّ التحلي بمحاسن الأدب، ومكارم الأخلاق، والهدى الحسن، والسمت الصالح: سمة أهل الإسلام، وأنَّ العلم - وهو أثمن درة في تاج الشرع المطهر - لا يصل إليه إلا المتحلي بآدابه، المتخلي عن آفاته، ولهذا عناها العلماء بالبحث والتنبيه، وأفردوها بالتأليف، إما على وجه العموم لكافة العلوم، أو على وجه الخصوص، كآداب حملة القرآن الكريم، وآداب المحدث، وآداب المفتي، وآداب القاضي، وآداب المحتسب، وهكذا.
والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي.
وقد كان العلماء السابقون يلقنون الطلاب في حلق العلم آداب الطلب، وأدركت خبر آخر العقد في ذلك في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف، إذ كان بعض المدرسين فيه، يدرس طلابه كتاب الزرنوجيم سنة 593 هـ .رحمه الله تعالى، المسمى: " تعليم المتعلم طريق التعلم" .
فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق، فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد، وفي مواد الدراسة النظامية، وأرجو أن يكون هذا التقييد فاتحة خير في التنبيه على إحياء هذه المادة التي تهذب الطالب، وتسلك به الجادة في آداب الطلب وحمل العلم، وأدبه مع نفسه، ومع مدرسه، ودرسه، وزميله، وكتابه، وثمرة علمه، وهكذا في مراحل حياته.
فإليك حلية تحوي مجموعة آداب، نواقضها مجموعة آفات، فإذا فات أدب منها، اقترف المفرط آفة من آفاته، فمقل ومستكثر، وكما أنّ هذه الآداب درجات صاعدة إلى السنة فالوجوب، فنواقضها دركات هابطة إلى الكراهة فالتحريم.
ومنها ما يشمل عموم الخلق من كل مكلف، ومنها ما يختص به طالب العلم، ومنها ما يدرك بضرورة الشرع، ومنها ما يعرف بالطبع، ويدل عليه عموم الشرع، من الحمل على محاسن الآداب، ومكارم الأخلاق، ولم أعن الاستيفاء، لكن سياقتها تجرى على سبيل ضرب المثال، قاصداً الدلالة على المهمات، فإذا وافقت نفسًا صالحة لها، تناولت هذا القليل فكثرته، وهذا المجمل ففصلته، ومن أخذ بها، انتفع ونفع، وهى بدورها مأخوذة من أدب من بارك الله في علمهم، وصاروا أئمة يهتدى بهم، جمعنا الله بهم في جنته، آمين
الشيخ:
هذه مقدمة كتاب ( حلية طالب العلم) ، ذكر المؤلف فيها عددا من الأمور ،
الأمر الأول:السبب الذي دعاه لتأليف هذا الكتاب وهو أنه رأى نهضة علمية مباركة من شباب الأمة نحو تعلم العلوم الشرعية النافعة في الدنيا والآخرة ، ولذلك خشي أن يكون هذا التعلم غير منضبط بالضوابط الشرعية فيؤدي إلى مفاسد عديدة، ويؤدي إلى تضييع أوقات الشباب بما لا ينفعهم ، ويقول بأنه قد بذل خُطوة في هذا في "رسالة التعالم" ، من أجل بيان من اندس في طلب العلم وهو ليس من العلماء ليُحذَر منه ومن أجل ألا يُطلب العلم على يده ،
ثم بعد ذلك بين أنَّ هذه الشريعة مبنية على الأخلاق الفاضلة ، وأنَّ أهل الإسلام يتمسكون بالخلق الطيب ، ومن أولى من يتمسك بالخلق الطيب هم علماء الشريعة ، ولذلك ألف هذه الرسالة في بيان آداب الشرع من أجل أن يتمسك بها المتعلِّمون.
الأمر الثالث :أنه من سنة العلماء التي توارثوها ، ورثها الصغير عن الكبير ، أنهم يتعلمون آداب طلب العلم قبل بدئهم بتعلم العلوم ، فلا بد أن نسير على هذه الطريقة لأنَّ هذه الأمة المحمدية لا تجتمع على ضلالة ،
ولذلك بعد ذلك أوصى بوصية التزام دراسة آداب طلب العلم قبل دراسة ذات العلم ، سواءً كان في المساجد أو في دور التعلم ، ثم بعد ذلك ذكر المؤلف أنواع هذه الآداب وأيضًا ذكرسببا رابعًا :وهو أنه من فاتته هذه الآداب فاته خير كثير وفاته علم بسبب عدم تأدبه بآداب التعلم.
ثم ذكر أنَّ هذه الآداب منها ما يختص به طالب العلم ومنها ما يكون لكل مسلم ، وذكر أنَّ هذه الآداب منها ما يُعرف بالطبع ومنها ما يُعرف بما وُرث عن العرب ، ومنها ما يُعرف بالشرع ، وما عُرف بالطبع يُعرف أيضًا بالشرع ، لكن توافق عليه الأمران ، ثم ذكر أنَّ هذا الكتاب لم يُعن باستيفاء الآداب ، وإنما ذكر أمثلة ونماذج من أجل أن تُفهم بقية المسائل بواسطة هذه الآداب التي ذكرها المؤلف في هذا الكتاب. نمر على بعض الألفاظ الموجودة في الكتاب لعلنا إن شاء الله نفسِّر شيئا من هذه الألفاظ.
قال المؤلف: "يعايشون يقظة علمية"يعني : أنَّ المسلمين أصبح في حياتهم ومما شاع بينهم التوجه إلى العلم الشرعي وتعلُّم هذا العلم ، وهذا-أي اليقظة العلمية- كأنهم قد أفاقوا من السبات والنوم إلى التعلم ،قال: "تَتَهلَّل لها"يعني : أنَّ سُبُحات الوجوه -وهي قسمات الوجوه وما فيها من أجزاء- تتهلل بمعنى أنها تفرح ويظهر منها أثرالاستبشار،ثم قال:"ولا تزال تُنشِّط متقدمةً إلى الترقي والنضوج": الترقي: الصعود إلى أعلى ،والنضوج :أن يكون الشيء على تمامه بحيث يكون على أكمل وجوهه،قال:"في أفئدة شباب الأمة مجدها ودمها المُجدِّد لحياتها": لأنَّ هذا العلم هو الذي يجدد للأمة حياتها ويعيدها إلى الهدي النبوي ، ثم قال : "نرى الكتائب الشبابية تَتْرى"يعني : تأتي طائفة بعد طائفة ،"يتقلبون في أعْطاف العلمعِطْف الثوب : جانبه وطرفه الذي يتحلى به ، قال: مُثقلين بحمله يعُلُّونمنه وينهلون، مامعنى يعُلُّون منه وينهلون؟النَّهَل:الشرب أول مرة ،والعَلَل:الشرب في المرة الثانية ،فلديهم من الطموح،يعني :الرغبة الجامحة في التعلم ،والجامعيةيعني : الرغبة في جمع أكبر قدر من العلوم ،والإطلاع المدهشيعني : الذي يجعل الإنسان يعجب به ،والغوص على مكنونات المسائل يعني : المسائل الخفية الغامضة التي يضعها أهل العلم في غير مواطنها ،ما يفرح به المسلمون نصرافسبحان من يحيي ويميت قلوبًا: فحياة القلوب هي في العلم وموت القلوب بترك التعلم.
لكن لابد لهذه النواة المباركة من السَّقْي بحيث ( نُمدها ) بطرائق التعلم وآداب التعلم ،والتعهد في مساراتها كافةيعني : في الطرق المتعددة التي يسلكونها في طلب العلم ،نشرًا للضمانات يعني : للحواجز التي تحجز هؤلاء الشباب عن الضلال والإضلال وعن الإسفاف في التعامل والخلق ،التي تكف عنها العَثار"وهو : السقوط أول مرة ،والتعثُّر"يعني : السُّقوط الشديد الذي لا يتمكن الإنسان من التجاوز لمكان السقوط مرة أخرى ،"في مثاني الطلب والعمل"لأنَّ هناك ،"تموُّجات فكرية"يعني : أنه هناك أمور ناتجة عن أفكار بعض الناس ، وذلك أنَّ الشياطين تُلقي في قلوب بعض العباد وساوس يظنونها مَعْقولات وأفكارًا ، فيبثونها ويكتبونها ويتكلمون بها في وسائل الإعلام فتسبب موجات فتن مختلفة ، وهناك أيضا"تموجات عقدية"، فهؤلاء على الطائفة الفلانية ، وهؤلاء من الطائفة الفلانية ، كيف نَقي شبابنا من هذه التموجات؟ ،
لابد أن يكون ذلك من خلال تعلمهم لآداب طلب العلم ، وكذلك في الأمور"السلوكية"فيما يفعلونه ويؤدونه من السلوكيات والتصرفات التي قد يكون منشؤها ناشئًا من شرق أو غرب ، ولابد عندنا من أن نتعلم الآداب لنقي هؤلاء الشباب الذين توجهوا للعلم من العثرات السلوكية ، وهكذا أيضا فيما يتعلق بتقسيم أهل الإسلام وجعلهم طوائفَ وأحزابا يعادي بعضهم بعضا ، إذ أنَّ هناك من يحاول أن يفرِّق المسلمين ويوجِد الشَّتات بينهم ، ولذلك لابد أن نعطي آدابا واضحة تجمع أبناء الأمة ليكونوا على طريقة واحدة وهيئة واحدة ، ينطلقون من الكتاب والسنة ، وكلما رجع الناس إلى الكتاب والسنة كان ذلك سببا لتآلف قلوبهم ومحبة بعضهم لبعض وجعلهم أمة واحدة ويدًا واحدة على من سواهم ، وكلما ابتعدوا عن الكتاب والسنة كلما حصل النزاع والشقاق والتطاحن والتقاتل بينهم ، ومن هنا نعلم أنَّ التآلف بين القلوب نعمة ربانية تكون لمن تمسك بكتاب الله وسنة رسوله قال تعالى""وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"
رسالة التعالُم: رسالة قد ألَّفها الشيخ رحمه الله لبيان صفات أولئك الذين يدَّعون العلم ، ويحاولون أن ينسِبوا إلى أنفسهم علوما وهم ليسوا كذلك ، وليسوا من أهل العلم في شيء ، وإنما يُريدون إظهار أنفسهم ، وأذكر أنَّ الشيخ ضرب لذلك أمثلة فقال: (الطُّبولِيون)، وقال: (الخُنفِشاريُّ)، وقال وقال، ولعل هذا يأتي إن شاء الله في هذا الكتاب.
قال: خشية أن يُردُوهم يعني : أنا أخشى أن يأتي هؤلاء المتعالِمون لطلاب العلم ، فيكون ذلك سببًا لجعل طلاب العلم يَتَردَّون ولا ينتفعون بالعلم ،ويضيِّعوا عليهم أمرهم؛ بأن يوجهوهم إلى غير العلم النافع ، أو يعطوهم معلومات خاطئة ، أو يُدلوهم على طرائق مخالفة لطرائق أهل العلم ، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب ، كم وجدنا من هؤلاء المُتعالمين من صدّ الطلاب عن طلب العلم باسم طلب العلم ، ثم قال: فيَسْتَلُّوهم وهم لا يشعرون، يعني : يستخرجوهم استخراجًا لطيفًا ، كما يقال استَلَّ الشعرة من العجين ، يعني : استخرجها استخراجًا لطيفًا.
قال: واليوم أخوك، يقصد المؤلف نفسه ،يشُد عضدك ، ويأخذ بيدك ، فاجعل طَوع بنانك رسالة تحمل الصفة الكاشفة،الصفات على نوعين؛ صفة كاشِفة توضِّح وتبيِّن الموصوف ، وهناك الصفات التي يُراد بها إعمال مفهوم المخالَفة وتسمى ( الصفة المُقيِّدة) ، عندما تقول رجل طويل ، طويل كاشف ، وصفٌ كاشف ، وعندما تقول أعتق رقبةً مؤمنة ، معناها أنك تقول في الكفارة لا تعتق غير الرقبة المؤمنة. قال:لحليتك، الأصل في الحلية ما يلبسه النساء من الذهب والفضة ونحو ذلك ،وهنا المراد به الآداب التي يتأدب بها طالب العلم فتظهر أمام الناس.
قال: فها أنا ذا أجعل سِنَّ القلم عل القِرطاس؛ يعني : طرف القلم ،فاتْلُ ما أرقم لك، يعني : اقرأ ما كتبته لك ،أنْعَم الله بك عَينا، يعني : أنني أدعو الله- عز وجل- أن تنعَم العيون برؤيتك.
ثم قال: لقد تواردت موجِباتُ الشرع على أن التحلِّي بمحاسن الآدابإلى أن قال: سمة أهل الإسلام، يعني : صفتهم الظاهرة ، السمة هي الصفة الظاهرة.
وأنَّ العلم هو أثمن دُرَّة في تاج الشرع المطهَّر، الدرة نوع من أنواع الجواهر، والتاج هو ما يلبس على الرأس ،لا يَصل إليه إلا المتحلي بآدابه، المتحلي يعني : المتصف بالصفة الظاهرة ،المتخلي عنآفاته، يعني : التارك للأخلاق الرديئة التي تكون سببا لفوات العلم ، وتكون من آفاته.
ولهذا عناها العلماءيعني : الآداب بالبحث والتنبيه ، إلى أن قال: والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي، يعني : أنني سأخصص كتابي في آداب طالب العلم.
ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتتابع الناس على تعلم آداب التعلم.
قال: فإليك حليةً، يعني : أهدي إليك حلية ،تحويمجموعة آداب، نواقضها، يعني : يضادهامجموعة آفات، فأنت إذا عرفت هذه الآداب، عرفت ما يقابلها من الآفات ،فإذا فات منها أدب،اقترف المفرط آفة من آفاته، فمُقِلٌّ ومُسْتَكثِروبعض هذه الآداب سنة ، وبعضها واجب ، وكذلك ما يقابلها من الآفات منها ما هو مكروه ، ومنها ما هو محرم. ما المراد بالسنة؟
هو المستحب ، النَّفل ، الندب ، الذي طلبه الشارع طلباً غير جازم ، يُؤجر صاحبُه ولا يُعاقب تاركُه ، لكن لا ينبغي لطالب العلم أن يتركه ؛ لأن طلبة العلم هم أعلى الأمة بعد الأنبياء والصحابة ، ولذلك يُشرع لهم أن يلتزموا هذه السنن، أما الواجب فهو :ما طلبه الشارع طلبًا جازمًا ، بحيث يُؤجر فاعله متى فعله لله ، ويُعاقب تاركُه،والمراد بالمكروه هو :ما نهى عنه الشارع نهيًا غير جازم ، بحيث يُؤجَر تاركُه متى تركه لله ، ولا يُعاقَب فاعلُه،وأما المحرَّم فهو :ما نهى عنه الشارع نهيًا جازمًا ، بحيث يأثم فاعلُه متى فعله قصدًا عمدا ، ويُؤجَر تاركه متى تركه لله.
قال:هذه الآداب منها ما يشمل كل مكلف، ومنها ما يختص به طلبة العلم

إلى أن ذكر قوله: فإذا وافقت نفسًا صالحة لها،من يتلقى العلم ، منهم من يكون عنده استعداد ونفس مهيَّأة لطلب العلم ، وبالتالي تتقبل العلم ، وتهتدي به ، وتلتزم به كما قال تعالى"وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ"،فهؤلاء عندهم نفوس صالحة ، أسأل الله- جل وعلا- أن يجعل نفوسنا وإياكم صالحة لذلك. فهذه النفوس إذا قبلت هذه الآداب كثَّرتها واستفادت منها ، وإذا وجدت كلاما مختصَرًا ، فصَّلته وعرفت المراد به ، والمعاني التي اشتملها ذلك الكلام. فمن أخذ بهذه الآداب انتفع في نفسه ونفع غيره ، وهذه الآداب مأخوذة من الكتاب والسنة ، ومأخوذة من سِيَر سلفنا الصالح الذين قال الله فيهم"وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"،فأثنى عليهم لكونهم اتبعوا سلفنا الصالح ، وقال سبحانه:"وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ".نعم.
هنا
1"إنَّ الملائكةَ لَتضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رضًا بما يطلُبُ "الراوي: صفوان بن عسال المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1956-خلاصة حكم المحدث:صحيح-الدرر السنية

2
- "من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا ، سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنَّةِ"الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6298-خلاصة حكم المحدث: صحيح-الدرر السنية.
3
"ما خرج رجلٌ من بيتِهِ يطلُبُ علمًا ، إلَّا سهَّلَ اللهُ له طريقًا إلى الجنَّةِ" الراوي: عائشة و أبو هريرة و أبو الدرداء المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5617-خلاصة حكم المحدث: صحيح-الدرر السنية

4"فضلُ العالِمِ علَى العابدِ كفَضلي علَى أدناكُم "الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني- المصدر: إصلاح المساجد - الصفحة أو الرقم: 126-خلاصة حكم المحدث: حسن-الدرر السنية.
5
- "فضلُ العالمِ علَى العابِدِ ، كفَضْلِ القمرِ ليلةَ البدْرِ علَى سائِرِ الكواكِبِ "الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4212-خلاصة حكم المحدث: صحيح-الدرر السنية.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-18-2017, 03:52 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

الفصلُ الأوَّلُ :
آدابُ الطالبِ في نفسِه
العلْمُ عِبادةٌ:
أصلُ الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ )، بل ولكلِّ أمْرٍ مَطلوبٍ عِلْمُك بأنَّ العِلْمَ عِبادةٌ، قالَ بعضُ العُلماءِ : العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ، وعبادةُ القَلْبِ
وعليه ؛ فإنَّشَرْطَ العِبادةِ:
1إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى ، لقولِه"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ"الآيةَ .وفي الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"الحديثَ .
فإنْ فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُ شِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا : عَلِمْتُ وحَفِظْتُ .
وعليه فالْتَزِم التَّخَلُّصَ من كلِّ ما يَشوبُ نِيَّتَكَ في صِدْقِ الطلَبِ كحبِّ الظهورِ ، والتفوُّقِ على الأقرانِ ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أو صَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك ، فإنَّ هذه وأَمثالَها إذا شَابَت النِّيَّةَ أَفْسَدَتْها وذَهَبَتْ بَرَكَةُ العلْمِ ولهذا يَتَعَيَّنُ عليك أن تَحْمِيَ نِيَّتَكَ من شَوْبِ الإرادةِ لغيرِ اللهِ تعالى ، بل وتَحْمِي الْحِمَى .
وللعُلماءِ في هذا أقوالٌ ومَوقفٌ بَيَّنْتُ طَرَفًا منها في الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ من كتابِ ( التعالُمِ ) ويُزادُ عليه نَهْيُ العلماءِ عن ( الطَّبُولِيَّاتِ ) وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ .
وقد قيلَ: زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ
وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ : كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ.
فاستَمْسِكْ رَحِمَك اللهُ تعالى بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ، عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه .
ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ بنِ سَعيدٍ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه : مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي.
وعن عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ ! لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ .
وَفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ آمِينَ .

2الْخَصْلَةُ الجامعةُ لِخَيْرَي الدنيا والآخِرةِ ( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وتَحقيقُها بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ .قال اللهُ تعالى"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"وبالجُملةِ فهذا أَصلُ هذه ( الْحِلْيَةِ )، ويَقعانِ منها مَوْقِعَ التاجِ من الْحُلَّةِ .
فيا أيُّها الطُّلابُ ها أنتم هؤلاءِ تَرَبَّعْتُم للدَّرْسِ وتَعَلَّقْتُمْ بأنْفَسِ عِلْقٍ ( طَلَبِ العلْمِ ) فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ، ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .
هنا

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله " مفرغ

الفصلُ الأوَّلُ :
آدابُ الطالبِ في نفسِه
أولاً العلْمُ عِبادةٌ:

أصلُ الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ )، بل ولكلِّ أمْرٍ مَطلوبٍ عِلْمُك بأنَّ العِلْمَ عِبادةٌ، قالَ بعضُ العُلماءِ : ( العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ، وعبادةُ القَلْبِ
الشيخ:
نعم العلم عبادة لا شك بل هو من أجل العبادات وأفضل العبادات حتى أن الله تعالى جعله في كتابه قسيما للجهاد في سبيل الله الجهاد المسلح فقال جل وعلا"وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ"ليتفقهوا يعني بذلك ؟ الطائفة القاعدة" لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ"وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"فإذا رزقك الله الفقه في دينه والفقه هنا يعنى به العلم بالشرع فيدخل فيه علم العقائد والتوحيد وغير ذلك فإذا رأيت أن الله من عليك بهذا فاستبشر خيرا لأن الله تعالى أراد بك خيرا . وقال الإمام أحمد: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته. قالوا: وكيف تصح النية يا أبا عبد الله؟ قال : ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره .
القارئ:
وعليه ؛ فإنَّشَرْطَ العِبادةِ:
1
إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى ، لقولِه"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ"الآيةَ .وفي الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"الحديثَ .
فإنْ فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُ شِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا : عَلِمْتُ وحَفِظْتُ .

الشيخ:
كذلك إذا قال قائل بما يكون الإخلاص في طلب العلم؟ قلنا: الإخلاص في طلب العلم يكون في أمور:
1أن تنوي بذلك امتثال أمر الله لأن الله تعالى أمر بذلك فقال"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ"وحث سبحانه وتعالى على العلم والحث على الشيء يستلزم محبته والرضا به والأمر به.
2أن تنوي بذلك حفظ شريعة الله لأن حفظ شريعة الله يكون بالتعلم والحفظ في الصدور ويكون كذلك بالكتابة كتابة الكتب
3أن تنوي بذلك حماية الشريعة والدفاع عنها لأنه لولا العلماء ما حميت الشريعة ولا دافع عنها أحد ولهذا نجد مثلا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم الذين تصدوا لأهل البدع وبينوا بطلان بدعهم نرى أنهم حصلوا على خير كثير.
4أن تنوي بذلك اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنك لا يمكن أن تتبع شريعته حتى تعلم هذه الشريعة ، هذه أمور أربع كلها يتضمنها قولنا أنه يجب الإخلاص لله في طلب العلم .
القارئ:
وعليه فالْتَزِم التَّخَلُّصَ من كلِّ ما يَشوبُ نِيَّتَكَ في صِدْقِ الطلَبِ كحبِّ الظهورِ ، والتفوُّقِ على الأقرانِ ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أو صَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك ، فإنَّ هذه وأَمثالَها إذا شَابَت النِّيَّةَ أَفْسَدَتْها وذَهَبَتْ بَرَكَةُ العلْمِ ولهذا يَتَعَيَّنُ عليك أن تَحْمِيَ نِيَّتَكَ من شَوْبِ الإرادةِ لغيرِ اللهِ تعالى ، بل وتَحْمِي الْحِمَى .
الشيخ:
صحيح ما قاله من وجوب حماية النية من هذا المقاصد السيئة فهو صحيح ومن طلب علما وهو مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم يجد رائحة الجنة نسأل الله العافية ثم إن هذه المحمدة والجاه والتعظيم وانصراف وجوه الناس إليه ستجده إذا حصلت العلم حتى وإن كانت نيتك سليمة بل إذا كانت نيتك سليمة فهو قرب إلى حصول هذا لك.
القارئ:
وللعُلماءِ في هذا أقوالٌ ومَواقفٌ بَيَّنْتُ طَرَفًا منها في الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ من كتابِ ( التعالُمِ ) ويُزادُ عليه نَهْيُ العلماءِ عن " الطَّبُولِيَّاتِ " وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ .
الشيخ:
الطبوليات المسائل التي يراد بها الشهرة لماذا سميت طبوليات ؟ لأنها مثل الطبل لها صوت ورنين فهذا إذا جاء بمسألة غريبة عن الناس نعم واشتهرت عنه كأنها صوت الطبل فهذه يسمونها الطبوليات ولم أسمع بهذا لكن وجهها واضح .
القارئ:
وقد قيلَ" زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ"
وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ: كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ.

الشيخ: يقول هذا سفيان يقول كنت أوتيت فهم القرآن فلما قبلت الصرة سلبته . الصرة يعني من السلطان لما أعطاه سلب فهم القرآن وهؤلاء هم الذين يدركون الأمور ولهذا يتحرز السلف من عطايا السلطان ويقولون إنهم لا يعطوننا إلا ليشتروا ديننا بدنياهم فتجدهم لا يقبلونها ثم إن السلاطين فيما سبق قد تكون أموالهم مأخوذة من غير حلها فيتورعون عنها أيضا من هذه الناحية ومن المعلوم أنه لا يجوز للعالم أن يقبل هدية السلطان إذا كان السلطان يريد أن تكون هذه العطية مطية له يركبها متى شاء بالنسبة لهذا العالم أما إذا كانت أموال السلطان نزيهة ولم يكن يقبل الهدية منه ليبيع دينه بها فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمر"ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك"
وغرض سفيان رحمه الله من ذلك التحذير من هذا وتبكيت نفسه على ما صنع.
القارئ:
فاستَمْسِكْ رَحِمَك اللهُ تعالى بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ، عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه .
ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ بنِ سَعيدٍ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه : مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي.
الشيخ:
وفي معنى ذلك ما أدري هل هو قول آخر أو نقل بالمعنى يقول: ما عالجت نفسي على شيء أشد من معالجتها على الإخلاص وهذا بمعنى كلام سفيان لأن الإخلاص شديد ولهذا من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه فإنه يدخل الجنة وهو أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
القارئ:
وعن عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ ! لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ .
الشيخ:
الله أكبر هذا مثلٌ عظيم النائحة الثكلى يعني التي فقدت ولدها أي تبكي بكاء من القلب والنائحة المستأجرة ما يؤثر نوحها ولا بكاؤها لأنها تصطنع البكاء ولكن مثل هذا الكلام الذي يرد عن السلف يجب أن نحسن الظن به وأنهم لا يريدون بذلك مدح أنفسهم وإنما يريدون بذلك حث الناس على إخلاص النية والبعد عن الرياء وما أشبه ذلك وإلا لكان هذا تزكية للناس واضحة والله عز وجل يقول"فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى"لكن السلف رحمهم الله لعلمنا بمقامهم وإخلاصهم يجب أن نحمل ما ورد عنهم مما يحتمل هذا المعنى الفاسد أن نحمله على المعنى الصحيح.
- سؤال وارد يقول: إن إخلاص النية في عصرنا الحاضر صعب أو قد يكون مستحيلا لأن الذين يطلبون العلم ولا سيما الطلب النظامي يطلبون العلم لنيل الشهادة وهذا ليس لله فنقول إذا كنت تطلب العلم لنيل الشهادة فإن كنت تريد من هذه الشهادة أن ترتقي مرتقى دنيويا فالنية فاسدة أما إن كنت تريد أن ترتقي إلى مرتقى تنفع الناس به لأنك تعرف اليوم أنه لا يمكن للإنسان من ارتقاء المناصب العالية الموجهة للأمة إلا إذا كان معه شهادة فأنا الآن أقصد بهذه الشهادة أن أنال ما أنفع به الناس فهذه نية طيبة يعني ما تنافي الإخلاص الآن لو وجد عالم جيد في شتى فنون العلم لكن ليس معه شهادة لا يتمكن من تدريس الثانوي هذا هو الواقع . نعم لكن لا يأتي واحد ما يعرف كوعه من كرسوعه ومعه شهادة . نعم . يقبل في الجامعة مادام معه شهادة فالإنسان حسب نيته .
القارئ:
وَفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ آمِينَ .
الشرط الثاني- الْخَصْلَةُ الجامعةُ لِخَيْرَي الدنيا والآخِرةِ ( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وتَحقيقُها بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ. قال اللهُ تعالى"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ" .

الشيخ:
لا شك أن المحبة لها أثر عظيم في الدفع والمنع إذ أن المحب يسعى غاية جهده في الوصول إلى محبوبه فيطلب ماذا؟ يطلب ما يرضيه وما يقربه منه ويسعى غاية جهده في اجتناب ما يكرهه محبوبه ويبتعد عنه ولهذا ذكر ابن القيم في روضة المحبين أن كل الحركات مبنية على المحبة كل حركات الإنسان وهذا صحيح لأن الإرادة لا تقع من شخص عاقل إلا بشيء يرجو نفعه أو دفع ضرره وكل إنسان يحب ما ينفعه ويكره ما يضره فالمحبة في الواقع هي القائد والسائق إلى الله عز وجل تقود الإنسان وتسوقه وانظر إلى الذين كرهوا ما أنزل الله كيف قال الله تعالى" ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ"صارت نتيجتهم الكفر لأنهم كرهوا ما أنزل الله فالمحبة كما قال الشيخ هي الجامعة لخيري الدنيا والآخرة أما محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنها تحملك على متابعته ظاهرا وباطنا لأن الحبيب يقلد محبوبه حتى في أمور الدنيا تجده يقلد محبوبه تجده مثلا يقلده في اللباس في الكلام حتى في الخط نحن نذكر بعض الطلبة في زماننا لما كنا نطلب كان يقلدون الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي في خطه مع إن خطه رحمه الله ضعيف ما تكاد تقرأه لكن من شدة محبتهم له. فالإنسان كلما أحب شخصا حاول أن يكون مثله في خصاله فإذا أحببت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن هذه المحبة سوف تقودك إلى اتباعه صلوات الله وسلامه عليه ثم ذكر الآية التي يسميها علماء السلف يسمونها آية المحنة يعني الامتحان لأن قوما ادعوا أنهم يحبون الله فقال الله تعالى"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي"والجواب؟"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي"الجواب المتوقع فاتبعوني تصدقوا في دعواكم لأن الآن الشرط والمشروط" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي"تصدقوا في دعواكم أنكم تحبون الله لكن جاء الجواب"فَاتَّبِعُونِيُحْبِبْكُمُ الله" إشارة إلى أن الشأن كل الشأن أن يحبك الله عز وجل هذا هو الثمرة وهو المقصود وإلا لكان" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي"يعني تصدقوا في دعواكم لكن جاءت" يُحْبِبْكُمُ اللهُ"لأن هذا هو الثمرة فالشأن كل الشأن أن الله يحبك جعلنا الله وإياكم من أحبابه لا أن تحب الله لأن كل إنسان يدعي ذلك وربما يكون ظاهرك محبة الله لكن في قلبك شيء لا يقتضي أن الله يحبك فتبقى غير حاصل على الثمرة .

القارئ:
وبالجُملةِ فهذا أَصلُ هذه ( الْحِلْيَةِ )، ويَقعانِ منها مَوْقِعَ التاجِ من الْحُلَّةِ .
فيا أيُّها الطُّلابُ ها أنتم هؤلاءِ تَرَبَّعْتُم للدَّرْسِ وتَعَلَّقْتُمْ بأنْفَسِ عِلْقٍ ( طَلَبِ العلْمِ ) فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ، ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .

الشيخ:
نعم صدق رحمه الله وعفا عنه ويدل لهذا قول الله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا"تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وبين الطاعة والمعصية وبين أولياء الله وأعداء الله إلى غير ذلك وتارة يحصل هذا الفرقان بواسطة العلم يفتح الله على الإنسان من العلوم وييسر له تحصيلها أكثر ممن لا يتقي الله وتارة يحصل له هذا الفرقان بما يعطيه الله تعالى في قلبه من الفراسةقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم" إن يكن فيكم محدثون فعمر"فالله تعالى يجعل لمن اتقاه فراسة يتفرس بها فتكون موافقة للصواب فقوله تعالى"يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا"يشمل الفرقان بوسائل العلم والتعلم والفرقان بوسائل الفراسة والإلهام أن الله تعالى يلهم الإنسان التقي ما لا يلهم غيره وربما يظهر لك هذا في مجراك في طلب العلم تمر بك أيام تجد قلبك خاشعا منيبا إلى الله مقبلا إليه متقيا له فيفتح الله عليك مفاتح ومعارف كثيرة ويمر بك غفلة ينغلق قلبك وكل هذا تحقيق لقول الله تبارك وتعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ"ثلاث فوائد وإذا غفر الله للعبد أيضا فتح الله عليه أبواب المعرفة قال الله تعالى"إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا"وبعدها"وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ"ولهذا قال بعض العلماء : ينبغي للإنسان إذا استفتي أن يقدم استغفار الله حتى يبين له الحق لأنه الله قال"لِتَحْكُمَ"ثم قال"وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ".

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ

القارئ:
الفصل الأول:
آداب الطالب في نفسه :
العلم عبادة : أصل الأصول في هذه "الحلية" بل ولكل أمر مطلوب علمك بأن العلم عبادة، قال بعض العلماء: "العلم صلاة السر، وعبادة القلب". وعليه، فإن شرط العبادة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، لقوله"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ "، الآية. وفي الحديث الفرد المشهور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات" الحديث.
فإن فقد العلم إخلاص النية، انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، ولا شئ يحطم العلم مثل: الرياء؛ رياء شرك، أو رياء إخلاص ، ومثل التسميع؛ بأن يقول مسمعاً: علمت وحفظت.
وعليه؛ فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلمًا لأغراض وأعراض، من جاه، أو مال، أو تعظيم، أو سمعة، أو طلب محمدة، أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية، أفسدتها، وذهبت بركة العلم، ولهذا يتعين عليك أن تحمى نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى، بل وتحمى الحمى.
وللعلماء في هذا أقوال ومواقف بينت طرفاً منها في المبحث الأول من كتاب "التعالم"، ويزاد عليه نهى العلماء عن "الطبوليات"، وهى المسائل التي يراد بها الشهرة.وقد قيل: "زلة العالم مضروب لها الطبل" . وعن سفيان رحمه الله تعالى أنه قال: "كنت أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة، سلبته" .
فاستمسك رحمك الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب؛ بأن تكون - مع بذل الجهد في الإخلاص - شديد الخوف من نواقضه، عظيم الافتقار والالتجاء إليه سبحانه.ويؤثر عن سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى قوله: "ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي".وعن عمر بن ذر أنه قال لوالده "يا أبي! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بنى! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة. وفقك الله لرشدك آمين.
الخصلة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيقها بتمحض المتابعة وقفوا الأثر للمعصوم.قال الله تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ".
وبالجملة؛ فهذا أصل هذه "الحلية"، ويقعان منها موقع التاج من الحلة.
فيا أيها الطلاب! ها أنتم هؤلاء تربعتم للدرس، وتعلقتم بأنفس علق (طلب العلم) ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، فهي العدة، وهى مهبط الفضائل، ومتنزل المحامد، وهى مبعث القوة، ومعراج السمو، والرابط الوثيق على القلوب عن الفتن، فلا تفرطوا.
الشيخ:
هذا هو الأدب الأول من آداب طالب العلم ، والمؤلف رحمه الله تعالى قسَّم آداب طلب العلم إلى آداب الطالب في نفسه ، وآداب متعلقة بكيفية الطلب والتلقِّي ، وآداب الطالب مع شيخه ، وأدب الطالب مع زميله ، وأدب الطالب في حياته العلمية ، وآداب متعلقة بالعمل في العلم ، ثم هناك محاذير متعلقة بطلب العلم. إذن قسَّم المؤلف كتابه إلى سبعة فصول:
الفصل الأول في آداب طالب العلم في نفسه، طالب العلم في نفسه لابد أن يلتزم بآداب شرعية محددة ،أولها :أن يعلم أن طلب العلم عبادة ، ويترتب على ذلك أنه لابد أن يلتزم بشروط العبادات.
متى تكون العبادة صحيحة؟ إذا وُجد فيهاشرطان،الشرط الأول:الإخلاص لله ،والشرط الثاني:المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث يكون عمل الإنسان على وفق الشريعة. قال تعالى"فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"" عَمَلًا صَالِحًا" يعني : يكون فيه متبعًا ،" وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"يعني : أنه يخلص عمله لله ، فينوي بأعماله وجه الله والدار الآخرة. جاء في تفسير قوله تعالى"لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"، قال الفضيل بن عياض"أحس عملا أن يكون صوابًا خالصا"، صوابًا يعني : على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ، خالصًا يعني : بنية لله. إذا تقرَّر هذا فإنّ في الشرط الأول ، وهو ما يتعلق بإخلاص النية ، هناك نصوص كثيرة تدل على وجوب إخلاص النية في جميع الأعمال ، ذكر المؤلف منها قوله تعالى"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"، وحديث"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"، وبين أنه إذا لم ينو الإنسان بطلبه للعلم وجه الله والدار الآخرة كان مشركًا ، وكون الشرك يكون في معابد المشركين هذا نستنكره، لأنه فساد ، فإذا وُجد في بلاد الحرمين استنكرناه أكثر ، فإذا وُجد في بيوت الله في المساجد كان استنكارنا له أعظم ، وما زاد إلا أولئك الذين يريدون بطلب العلم غير وجه الله تعالى. استمع لما يقوله – جل وعلا- فيمن أراد بعمله الدنيا"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون"، واسمع قول الله تعالى"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا"، ولذلك على كل منا أن يحرص على إخلاص النية في طلب العلم ،ماذا ننوي؟
ننوي إرضاء رب العالمين ، ننوي رِفعة الدرجة في الجنة ، ننوي الحصول على الدرجات.
فإن قال قائل:ما هي أوجه ترك هذا الأدب ، أدب الإخلاص في طلب العلم؟
نقول هنا أمثلةأولها :الرياء ، رياء الشرك ، بأن يقول أنا أتعلم من أجل أن أكون صاحب منزلة عند الناس ، أو أتعلم من أجل أن يتكلم الناس في علمي ويثنوا عليَّ ، أومن أجل أن يقول الناس ما أكثر محفوظاته.
قال"ومثل التسميع"، بأن يقول مسمِّعًا للناس: أنا علمت بكذا ، وأنا حفظت كذا ، بحيث يكون له منزلة.
ومثَّل المؤلف بما يُفقد فيه الإخلاص: بحب الظهور ؛ حتى يعرفني الناس ، ويكون لي معرفة ، ويعرفني من في مشارق الأرض ومغاربها ، إذًا هذا ليس من الإخلاص في شيء ، أو يكون مقصوده التفوق على الأقران ، من أجل أن أكون الأول على زملائي ، ومن أجل أن أكون سابقًا لفلان أو لفلان ، أو"سُلَّمًا لأغراض وأعراض"بحيث يقول : أنا أريد أن يكون لي أموالٌ كثيرةٌ بسبب طلبي العلم ، أو أريد أن يكون لي منزلة ، وبالتالي إذا طلبت من شيء من أحد من المسئولين أمرًا من الأمور استجابوا لي ، أو يكون لي منزلة وجاه بحيث إذا شَفَعت لأحدٍ من قرابتي شُفِّعْتُ فيه ، أو أن يُعظِّمني الناس في المجالس ، إذا دخلت في المجلس وضعوني في صدر المجلس ، أو لِيُقبِّلوا رأسي. كل هذه أغراض فاسدة تخالف الإخلاص في النية. إذا تقرر هذا ، إذا حصل شيء من هذه الأمور ، ولم تكن من قصد الإنسان ، ولا تكون له ذات قيمة ومنزلة ، فهذه لا تؤثِّر عليه ، لو حصل أنَّ عالم أصبح الناس يُقبِّلون رأسه ، لم يكن قاصدًا لذلك ولا مريدًا له ، وأَذِن لهم ليكون ثوابًا لهم ؛ لأن الإنسان لا يستفيد من تقبيل الناس لرأسه شيئًا ، بل قد يؤذونه ويؤلمون رقبته ، فالمستفيد المُقبِّل لا المُقبَّل ، فحينئذ لا يَلتفت إليه ولا يكون له منزلة في نفسه. وجاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنَّ أول من تُسعَّر بهم النار ثلاثة ؛ منهم القارئ ، وفي لفظ العالم ، الذي جاء الله به يوم القيامة ، فعرَّفه نعمه وقال: ما عملت؟ قال: تعلَّمت العلم فيك ، ونشرته من أجلك. فقال الله: كذبت ، إنما تعلمتَه ليقال عالمٌ ، أو قارئٌ فقد قيل ، ثم أُمِر به إلى نار جهنم ، والعياذ بالله. أتعب نفسه في الدنيا ، ولم يُحصِّل ثمرةً في الآخرة. وجاء في سنن أبي داوود : أنَّ من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله ليصرف وجوه الناس إليه ، لم يجد رائحة الجنة، فالأمر خطير وليس الأَمر بالسهل. وذكر المؤلف أيضا عددا من الآثار المتعلقة بهذا.
الشرط الثاني:المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّ من لم يُتابع الهدي النبوي في العبادة فإن عبادته مردودة ؛ لأنها تكون بدعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"؛ أي : مردود على صاحبه. وقال صلى الله عليه وسلم"كلُّ بِدْعةٍ ضَلالة"، والله - جل وعلا- يقول" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ"، ولذلك جاءت النصوص بالأمر باتباع هدي النبي الكريم ، فقال سبحانه"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"،" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"،"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"، ولذلك يحرص الإنسان على اقتفاء الهدي النبوي وخصوصًا في طلب العلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد وفَد عليه الطلاب وعلَّمهم ، وجعل لهذا التعلم آدابًا وسننًا وطرائق ، ولذلك لابد أن نقتدي بهذا الهدي الكريم ، ولا يمكن أن نقتدي بهذا الهدي الكريم حتى نتعلم السنة الواردة في ذلك ، إذ كيف تقتدي بشيء أنت لا تعرفه ؟ ، إذا تقرر هذا فلعلنا نأخذ كلام المؤلف ، قال: العلم عبادة،يقصد بالعلم:العلم الشرعي ؛ لأنه مما يَتمحَّض أن يكون عبادة ،والناس فيه على ثلاثة أصناف؛ من جعله لله من أن أجل أن ينيله الآخرة ، فهذا مؤمن موحِّد مُثاب ،الثاني :من جعله لله لينيله الله الدنيا ، فليس له في الآخرة من خلاق ،الثالث:من قصد به الدنيا مباشرة ، فهذا مشرك آثم مستحقٌّ للغضب دنيًا وآخرة.
قال المؤلف:أصل الأصول، هذا الأصل يعني يتعلق بالنية ويتعلق بالمتابعة ،قال بعض العلماء: "العلم صلاة السر، وعبادة القلب"؛ لأن العلم منشؤه ذاتي من القلب ، والنية فيه تكون مما يَختص أو مما يُضمر في القلوب.
قال المؤلف: في الحديث الفَرد المشهور، الفرد: يعني أنه غريب رواه راوٍ واحد عن راوٍ واحد عن راوٍ واحد ، وذلك أنَّ هذا الحديث قد رواه يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التِّيمي عن علقمة بن وقَّاص عن عمر بن الخطاب ، فهو فردٌ في أربع طبقات من إسناده ،مشهور: لأنه اشتهر بعد ذلك على الألسن واستفاض فقد رواه عن يحيى بن سعيد قرابة مائتي راوٍ.
قال المؤلف: فإن فقد العلم إخلاص النية، انتقل من أفضل الطاعات إلى أَحطِّ المخالفات: لأنه حينئذٍ يكون شركًا ؛ إما شركًا أكبر وإما شركًا أصغر؛ ومثَّل المؤلف له بالأمثلة ، قال: ويزاد عليه نهيالعلماء عن "الطُّبوليات"، يأتي الإنسان بالمسألة الغريبة فينشرها في وسائل الإعلام، ثم يأتي ضعاف القلوب فيُصفِّقون لها ويُطَبِّلون لها وينشرونها في الأمة ، ولذلك نقل هذه الكلمة"زلة العالم مضروب لهاالطبل"، لو يأتي إنسان غير معروف بعلم فيكتب كتابة مخالفة لما استقر في علم الشريعة ، طمست ولم يكن لها أثر ، وإنما نخشى من زلة العالِم ؛ فإنه يَزلُّ بها عالَم ، ولذلك هذا ما أراده المؤلف بهذه الكلمة ، قال سفيان: "كنت أوتيت فهم القرآن"، يعني معرفة معاني آيات القرآن وأسراره وحِكمه وتمكنت من استنباط الأحكام منه ،" فلما قَبلْت الصُرَّة"-أخذت المال من الناس- ، سُلبت هذه القدرة وهي فهم القرآن ، وحينئذٍ يحذر الإنسان- طالب العلم - من مثل هذا ، فإنه يكون سببًا من أسباب عدم فهمه للعلم ، وفي أوله فهم القرآن ، ما أوتي من هذا المال بدون طلب وبدون إِشْراف نفس ولم تتعلق نفسه به وقضى حوائجه ، فحينئذٍ لا يلحقه به حرج كما ورد في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما أُوتيت من هذا المال غير مُشرف له نفسك، فخذه وتَموَّله، ثم ذكر المؤلف قول سفيان أيضا" ما عالجت شيئا أشدَّ علي من نيتي"النية سهلة على من سهَّلها الله عليه ، في لحظة وفي ثانية تتمكن من قلب نيتك وتجعل أعمالك لله ، وفي نفس الوقت هي صعبة عسيرة ؛ لأن الناس يغفلون عنها من جهة ؛ ولأن الشيطان يحرص على إفساد النوايا ؛ لأن النية عظيمة النفع ، كبيرة الأثر ، هي جالبة البركة ، ومن ثَمَّ فالشيطان يحرص على إفساد النيات من أجل هذا الأمر.
قال المؤلف: الخصلة الجامعةيعني الشرط الثاني من شروط العبادة : المتابعة ، والمتابعة هي الجالِبة لمحبة الله وبمحبة رسوله ، كما قال تعالى" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"، قال:وبالجملة فهذا أصل هذه الحلية، الذي هو الإخلاص والمتابعة ،ويقعان منها موقع التاج من الحلة، هي أعلى شيء وأبرك شيء وأعظم شيء وأكثر شيء آثار ، الإخلاص والمتابعة. نعم
هنا

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-18-2017, 04:36 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

2 كنْ على جَادَّةِ السلَفِ الصالحِ
كنْ سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، طريقِ السلَفِ الصالحِ من الصحابةِ رَضِي اللهُ عَنْهُم ، فمَن بَعْدَهم مِمَّنْ قَفَا أَثَرَهم في جميعِ أبوابِ الدينِ ، من التوحيدِ والعِباداتِ ونحوِها مُتَمَيِّزًا بالتزامِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِك وتَرْكِ الْجِدالِ والْمِراءِ والْخَوْضِ في عِلْمِ الكلامِ وما يَجْلُبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن الشرْعِ .

قالَ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى :
وَصَحَّ عن الدَّارَقُطْنِيِّ أنه قالَ : ما شيءٌ أَبْغَضَ إليَّ من عِلْمِ الكلامِ . قلتُ: لم يَدْخُل الرجُلُ أبدًا في علْمِ الكلامِ ولا الْجِدالِ ولا خَاضَ في ذلك، بل كان سَلَفِيًّا ) اهـ.
وهؤلاءِ هم ( أهلُ السنَّةِ والجماعةِ ) الْمُتَّبِعون آثارَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى :
" وأهلُ السنَّةِ : نَقاوةُ المسلمينَ، وهم خيرُ الناسِ للناسِ "اهـ . فالْزَم السبيلَ" وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ"

*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ
القارئ:
الأمر الثاني من آداب الطالب في نفسه:
كنْ سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، طريقِ السلَفِ الصالحِ من الصحابةِ رَضِي اللهُ عَنْهُم ، فمَن بَعْدَهم مِمَّنْ قَفَا أَثَرَهم في جميعِ أبوابِ الدينِ ، من التوحيدِ والعِباداتِ ونحوِها مُتَمَيِّزًا بالتزامِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِك وتَرْكِ الْجِدالِ والْمِراءِ والْخَوْضِ في عِلْمِ الكلامِ وما يَجْلُبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن الشرْعِ .
الشيخ:
هذه من أهم الأمور، أن الإنسان يكون على طريق السلف الصالح في جميع أبواب الدين من التوحيد والعبادات والمعاملات وغيرها.
كذلك أيضا يترك الجدال والمراء لأن الجدال والمراء هو الباب الذي يقفل طريق الصواب؛ فإن الجدال والمراء يحمل المرء على أن يتكلم لينتصر لنفسه فقط، حتى لو بان له الحق تجده إما أن ينكره، وإما أن يؤوله على وجه مستكره انتصارًا لنفسه وإرغامًا لخصمه على الأخذ بقوله؛ فإذا رأيت من أخيك جدالا ومراءً بحيث يكون الحق واضحا (ففر منه فرراك من الأسد) يعني بحيث يكون الحق واضحا ولكنه لم يتبعه ففر منه فرارك من الأسد، وقل ليس عندي إلا هذا واتركه.
وكذلك الخوض في علم الكلام، الخوض في علم الكلام أيضًا مضيعة للوقت لأنهم يتكلمون في أشياء من أوضح الأشياء، مر علي اليوم في دراسة بعض الطلبة يقول لك ما هو العقل؟
حدد العقل؟
عرف العقل لغة واصطلاحا شرعًا وعرفًا.هذا لا يحتاج تعريف،يحتاج العقل للتوضيح؟ ما يحتاج لكن أهل علم الكلام دخلوا علينا من هذه الأشياء ، ما هو العقل هذا؟ سبحان الله الظاهر إنه وهو يفكر في تعريف العقل صار مجنون نعم لأن هذا أمر واضح ما يحتاج إلى تعريف لكن هؤلاء أهل الكلام صدوا الناس عن الحق وعن المنهج السلفي البسيط بما يوردونه من الشبهات والتعريفات والحدود وغيرها وانظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في الرد على المنطقيين يتبين لك الأمر أو في نقض المنطق وهو مختصر وأوضح لطالب العلم يتبين لك ما هم عليه من الضلال . ما الذي حمل علماء جهابذة على أن يسلكوا باب التأويل في باب الصفات إلا علم الكلام لو كان كذا لكان كذا، لو كان مستو على العرش حقيقة لزم أن يكون محدودًا لماذا؟ لأن العرش محدود، لو كان يرى لزم أن يكون في جهة وإذا كان في جهة لزم أن يكون جسما وهلم جرا يعطونك من هذا الكلام الذي يضيعك وهم يظنون أنهم يهدونك سواء السبيل فإذن من المهم لطالب العلم أن يترك الجدال والمراء وأن يسلك ما يرد على ذهنه من الإيرادات إذا قلنا كذا فكيف يكون كذا اترك هذه الأشياء لا تتنطع اجعل علمك سهلا ميسرا يعني الأعرابي يجي ببعيره يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن مسائل الدين وينصرف بدون مناقشة لأنه ليس عنده إلا التسليم أما المناقشات والمراء والجدال فهذا يضر الإنسان فالشيخ أبو بكر جزاه الله خير يعني ألمح إلى هذا الأمر وما يجلب الآثام ويصد عن الشرع .
القارئ:
قالَ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى :
"وَصَحَّ عن الدَّارَقُطْنِيِّ أنه قالَ : ما شيءٌ أَبْغَضَ إليَّ من عِلْمِ الكلامِ . قلتُ: لم يَدْخُل الرجُلُ أبدًا في علْمِ الكلامِ ولا الْجِدالِ ولا خَاضَ في ذلك، بل كان سَلَفِيًّا " اهـ.
الشيخ:
يعني بذلك الدارقطني يعني يبغضه مع أنه ما دخل فيه لكن لما له من نتائج سيئة وتطويل بلا فائدة وتشكيك فيما هو متيقن وإرباك للأفكار وهجر للآثار ولهذا ليس شيء فيما أرى أضر على المسلمين في عقائدهم من علم الكلام والمنطق وكثير من علماء الكلام الكبار أقروا في آخر حياتهم أنهم على دين العجائز ورجعوا إلى الفطرة الأولى لما علموا من علم الكلام قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتوى الحموية : وأكثر من يخاف عليه الضلال هم المتوسطون من علماء الكلام لأن من لم يدخل فيه فهو في عافية منه ومن دخل فيه وبلغ غايته فقد عرف فساده وبطلانه ورجع وصدق رحمه الله وهذا هو الذي يخاف عليه في كل علم يخاف من الأنصاف الذين في عرض الطريق لأنهم لم يروا أنفسهم أنهم لم يدخلوا في العلم فيتركوه لغيرهم ولم يبلغوا غاية العلم والرسوخ فيه فيضلون ويضلون لكن علم الكلام خطير لأنه يتعلق بذات الرب عز وجل وصفاته ولأنه يبطل النصوص تماما ويحكم العقل ولهذا كان من قواعدهم أن ما جاء في النصوص من صفات الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أقره العقل فهذا نقره بدلالة العقل لا بدلالة السمع (انظر أعوذ بالله.
القسم الثاني: نفاه العقل فيجب علينا نفيه دون تردد لأن العقل نفاه ولكن عقل من؟ قال الإمام مالك رحمه الله: ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟ أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل؛ أخذنا قوله وتركنا من أجله الكتاب والسنة؟! هذا لا يمكن.
القسم الثالث: ما لم يرد العقل بنفيه ولا إثباته فمن قال إن شرط الإثبات دلاله العقل قال يُرَد لأن العقل لم يثبته ومن قال: إن من شرط قبوله ألا يرده العقل قال أنه يقبل وأكثرهم يقول إنه يرد ولا يقبل لأن من شرط إثابته أن يدل عليه العقل وبعضهم توقف قال : إذا لم يثبته العقل ولم ينفه فالواجب علينا أن نتوقف وكل هذه قواعد ما أنزل الله بها من سلطان ضلوا بها وأضلوا والعياذ بالله وارتبكوا وشكوا وتحيروا ولهذا أكثر الناس شكا عند الموت هم أهل الكلام عند الموت والعياذ بالله يترددون هل الله جوهر أم عرض؟ هل هو قائم بنفسه أو بغيره؟ هل يفعل أو لا يفعل؟ هكذا عند الموت فيموت وهو شاك نسأل الله السلامة والعافية لكن إذا كانت طريقته طريقة السلف الصالح سهل عليه الأمر ولم يرد على قلبه شك ولا تشكيك ولا تردد نعم .
القارئ:
وهؤلاءِ هم ( أهلُ السنَّةِ والجماعةِ ) الْمُتَّبِعون آثارَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى" وأهلُ السنَّةِ : نَقاوةُ المسلمينَ، وهم خيرُ الناسِ للناسِ "اهـ .
الشيخ:
لكن يا إخوان اعلموا أن من المتأخرين من قال: إن أهل السنة ينقسمون إلى قسمين: مفوضة ومؤولة، وجعلوا الأشاعرة والماتردية وأشباههم جعلوهم من أهل السنة وجعلوا المفوضة هم السلف فأخطأوا في فهم السلف وفي منهجهم لأن السلف لا يفوضون المعنى إطلاقا بل قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن القول بالتفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد واستدل لذلك بأننا إذا كنا لا ندري معاني ما أخبر الله به عن نفسه من أسماء وصفات جاءنا الفلاسفة وقالوا أنتم جهال نحن الذين عندنا العلم ثم تكلموا بما يريدون وقالوا المراد من النص كذا وكذا ومعلوم أن معنى للنص خير من توقف فيه وأنه ليس له معنى فانتبهوا لهذا أن بعض الناس يرى أن أهل السنة والجماعة يدخل فيهم المتكلمون من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم ويقسم أهل السنة إلى قسمين مفوضة ومؤولة ثم يقول من العجب العجاب: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم. سبحان الله كيف تكون طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم وهل يمكن أن تكون طريق أعلم وأحكم وليست أسلم؟! بل يلزم من كون طريقة الخلف أعلم وأحكم أن تكون أسلم بلا شك لأن شخصا يقول هذا النص له معناه وأنا أؤمن به أعلم بلا شك وأحكم من شخص يقول: والله ما أدري هو عندي بمنزلة ألف باء تاء ... ما أدري فلا سلامة إلا بالعلم والحكمة العلم بالحق واتباع الحق الحكمة اتباع الحق والعلم (...) فهذا تناقض عظيم ولهذا كان القول الصحيح في هذه العبارة أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم جعلنا الله وإياكم على هذه الطريقة .نعم.
القارئ:
فالْزَم السبيلَ"وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ"
الشيخ:
يلزم من كوننا نحث الطلبة على منهج السلف تحريضهم على معرفة منهج السلف أليس كذلك؟! فنطالع الكتب المؤلفة في هذا كسير أعلام النبلاء وغيرها حتى نعرف طريقهم ونسلك هذا المنهج القويم أما أن نقول نتبع السلف ولا أدري ماذا يفعلون فهذا ناقص بلا شك .
هنا

إضافة من خارج الكتاب :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"
أهل السنة نقاوة المسلمين , وهم خير الناس للناس " .
رواه الدارمي في " سننه " 1/68-69 , بسند صحيح .
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " 2/466 , والدارمي :1/116 , وهو صحيح الإسناد . منهج السنة النبوية " 5/158 .
أخشى عليك الفتنة ! :
عن سفيان بن عيينة – رحمه الله – قال :
سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال : " يا أبا عبد الله , من أين أُحرم ؟ " قال : " من ذي الحليفة , من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فقال : " إني أريد أن أحرم من المسجد عند القبر " , قال " لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة " , فقال : " وأي فتنة في هذا ؟! إنما هي أميال أريدها " قال " وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! إني سمعت الله يقول" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"النور63 .

قال الإمام ابن بطة – رحمه الله - :
"
اعلموا – إخواني – أني فكرت في السبب الذي أخرج أقوامًا من السنة والجماعة , واضطرهم إلى البدعة والشناعة , وفتح باب البلية على أفئدتهم , وحجب نور الحق عن بصيرتهم , فوجدت ذلك من وجهين :
أحدهما : البحث والتنقير , وكثرة السؤال عما لا يعني , ولا يضر المسلم جهله , ولا ينفع المؤمن فهمه .
والآخر : مجالسة من لا تؤمن فتنته , وتُفْسِدُ القلوبَ صُحبَتُهُ "
"
الإبانة " لابن بطة :1/390 .

عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال :
"
خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً , ثم قال " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله , ثم قال : " وهذا سبل , وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه", ثم قرأ"وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ"الأنعام: 153 .

قال ابن القيم – رحمه الله - " وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد , وهو ما بعث به رسله , وأنزل كتبه ولا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق , ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطريق عليهم مسدودة , والأبواب مغلقة , إلا من الطريق الواحد , فإنه متصل بالله , موصل إلى الله " .
رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح
"
التفسير القيم " ص14-15 .

لا تجالسوهم ! :
قال أبو قلابة – رحمه الله - :
"
لا تجالسوهم – أي : أصحاب البدع – ولا تخالطوهم ؛ فإنه لا آمن أن يفسدوكم ويلبسوا عليكم كثيرا مما تعرفون " .

قال ابن قدامة – رحمه الله - :
"
كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع , والنظر في كتبهم , والاستماع إلى كلامهم " .
"
الاعتقاد " ص118. بتحقيق الحلبي , و " السنة " لعبد الله بن أحمد بن حنبل :ص18. " الآداب الشرعية " لابن مفلح :1/263.

قال سفيان الثوري – رحمه الله - :
"
من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه , لا يُلقها في قلوبهم " .
أوردها الذهبي وعلق عليها بقوله : " أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة " .
"
السير " 19/447 .
"
السير " 7/261.

= هنا=

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ

القارئ:
كن على جادة السلف الصالح
كن سلفيًا على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضى الله عنهم، فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات، ونحوها، متميزاً بالتزام آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال، والمراء، والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام، ويصد عن الشرع.
قال الذهبي رحمه الله تعالى: "وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام. قلت: لم يدخل الرجل أبداُ في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً" ا هـ.
وهؤلاء هم (أهل السنة والجماعة) المتبعون آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وأهل السنة: نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس" اهـ. فالزم السبيل" وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ"

الشيخ:
قال المؤلف في الحلية الثانية : كن على جادة السلف الصالح،أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ خير أمته هم القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، فهؤلاء هم خير الأمة ، وإذا أردنا أن نكون ممن اتّصف بالخيرية فلنكن ممن يسير على طريقتهم ، قال الله جل وعلا"وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، والله- جل وعلا- قد أمر باتّباع طريقة الصالحين كما قال جل وعلا"اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ"، وأمربالاقتداء بأهل الفضل ، ولذلك لما ذكر قول إبراهيم وممن معه أمر بالاقتداء بهم"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌحَسَنَةٌ"، ولما ذكر الله - جل وعلا- السابقين من المهاجرين والأنصار أمر باتباعهم وأثنى على من اتبعهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم"اقتدُوا بالذَّين من بعدي أبوبكرٍ وعمر"، وقال"فعليكم بسنتي وسنةِ الخُلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسَّكوا بها وعُضُّوا عليها بالنواجِذ"، والنصوص في هذا كثيرة.
ولذلك تجد في السلف الصالح عندهم من الفوائد والبركة الشيء الكثير ، عندهم كلام قليل فيه معانٍ كثيرة ، فما أعظم منة الله علينا بأن جعل سلفنا أولئك القوم الصالحين ، فإنَّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثنت عليهم النصوص"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"الآية ، والنصوص في هذا كثيرة.
قال المؤلف"كن سلفيًا" ، بعض الناس يقول السلف مرحلة زمنية ، فنقول اتّباع السلف ليس مرحلةً وإنما هو فعل ، وبالتالي نحن نقصد اتباع السلف الذي جاءت النصوص به ، فمن طالبنا بغير ذلك لم نسمع منه ، ثم قال"اتبع طريق السلف الصلح ومن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين"؛ لأنَّ بعض الناس يقتدي بالسلف في باب دون باب ، فحينئذٍ يضل في الباب الذي ترك فيه الاقتداء بسلف الأمة ، أَضْرِبُ لهذا مثالا : يأتيك إنسان يتقن أبواب الصفات ويكون على طريقة السلف الصالح ولكنه في أبواب الإيمان لا يكون كذلك ، حينئذٍ ضيَّع جزءًا من طريقة السلف ، عندما يأتي في أبواب الإيمان وأبواب الصفات على طريقة السلف لكنه يُخالِف طريقة السلف فيما يتعلق بمعاملة الولاة حينئذٍ لا يكون سلفيًا ، وإن كان سلفيا في باب لكن لا يقال له بإنه سلفيٌّ بإطلاق ، ذكر المؤلف من ذلك توحيد العبادات ونحوها .
قال المؤلف"وترك الجدال"، الجدال قد يراد به توضيح الحق والاستدلال له فيكون محمودًا مرغوبا به ، وقد يكون المراد به المناقشة العقيمة والمجادلة بما لا يصل إلى ثمرة ، بحيث يكون مقصود كل من المتكلِّمَين الانتصارَ للنفس ، فحينئذٍ يكون مذموما ، أما الدليل على المحمود فقول الله تعالى"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ"، هذه الآية اشتملت على النوعين ؛ الجدال المذموم والجدال المحمود ، قال تعالى في الجدال المحمود"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، فإذا كان الجدال ليس بالتي هي أحسن فإنه يكون مذمومًا ، وإن كان بالتي هي أحسن يكون محمودًا ،ما صفته؟ أن يكون المقصود والمراد هو إعلاء الحق وبيانه وإرشاد الناس إليه لا الانتصار للنفس ، إذا كان المجادل ملتزمًا بالآداب والأخلاق الشرعية ، إذا كان المجادل لا يتكلم بلسانه بما يخالف الحق ، أو بما يكون منافيًا للأدب ، قال"والمراء"المراد بالمراء : الحديث والمجادلة التي لا تصل إلى ثمرةٍ ونتيجة ، بحيث يُردِّد كل منهما مقالتَه وينتصر لها ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"أنا ضَمينٌ ببيتٍ في أَوسَطِ الجنة لمن ترك المِراء ولو كان مُحِقًّا"، فإذن المرء يأتي بالحق ويوضحه ويبينه ويقيم الدليل عليه وحينئذ يكتفي به.
قال المؤلف"والخوض في علم الكلام"، علم الكلام الذي ذمه السلف الصالح يراد به :الحديث في المباحث العقدية على مقتضى الطرائق اليونانية ،أي طرائق غير المسلمين ، فإن الكلام في التوحيد على مقتضى ما ورد في الكتاب والسنة هذا محمود مرغَّبٌ فيه ، سواءً كان بالدلالة الشرعية المجردة أو بالدلالة العقلية ؛ لأن القرآن قد اشتمل على أعلى الأدلة العقلية الواردة في المباحث العقدية ، انظر في آخر سورة يس حجج عقلية ترشدك إلى الإيمان بالبعث ، يذعن لها كل عاقلٍ منصِف.
قال المؤلف"صح عن الدارقطني أنه قال ماشيء أبغض إلي من علم الكلام. قلت: لم يدخل الرجل أبدًا"، يعني : الذهبي يثني على الدارقطني ، يقول لم يدخل الدارقطني في علم الكلام ولا الجدال بل كان سلفيًّا ، ثم ذكر كلمة شيخ الإسلام"أهل السنة نقاوة المسلمين"، يعني صفوَتهم ،"وهم خير الناس للناس" لأنهم يرشدونهم إلى الحق ويحسنون إليهم ويكفون عن الكلام في معايِبهم ، وبالتالي هم خير الناس للناس ، بينما بقية الطوائف يكون عندهم من الشر والأذى ما يُقابلون به إحسانَ أهل السنة إليهم ، ولذلك من رحمة الله أن جعل أهل السنة أهل الصفات الحسنة الذين يُحسنون إلى الخلق ، وكلما ابتعد الإنسان عن السنة كلما تقرَّب إلى الله بإيذاء الناس . نعم
هنا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-18-2017, 06:37 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

3 مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى
التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِ الإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى" أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى"
فالْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ فإنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى،وما يَخشاهُ إلا عالِمٌ، إِذَنْ فخيرُ البَرِيَّةِ هو العالِمُ ولا يَغِبْ عن بَالِكَ أنَّ العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًا ولا يَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ .
وأَسْنَدَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى بسَنَدٍ فيه لَطيفةٌ إسناديَّةٌ برِوايةِ آباءٍ تِسعةٍ فقالَ : أَخبَرَنا أبو الفَرَجِ عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أَسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفيانَ بنِ زَيدِ بنِ أُكَينةَبنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من حِفْظِه ، قالَ : سَمِعْتُ أبي يقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سمعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ " هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ " اهـ .
وهذا اللفظُ بنَحوِه مَرْوِيٌّ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .

*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ
القارئ:
مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى
التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِ الإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى"أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى"
الشيخ:
وهذا الذي قاله الإمام أحمد صحيح أصل العلم خشية الله وخشية الله هي الخوف المبني على العلم والتعظيم ولهذا قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"فالإنسان إذا علم الله عز وجل حق العلم وعرفه حق المعرفة فلا بد أن يقوم في قلبه خشية الله لأنه إذا علم ذلك علم عن رب عظيم عن رب قوي عن رب قاهر عن رب عالم بما يسر ويخفي الإنسان فتجده يقوم بطاعة الله عز وجل أتم قيام"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"قال العلماء : والفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي ،والخوف من ضعف الخائف الخوف يكون من ضعف الخائف وإن لم يكن المخوف عظيمًا ولهذا يخاف الصبي من فتى أكبر منه قليلا لكن الأكبر من هذا الفتى يخاف من هذا الفتى أم لا؟ يا جماعة الصبي الصغير له سنتان يخاف من صبي له ست سنوات صحيح؟ طيب ، لعظم المخوف وأم لقصر الخائف؟ لقصر الخائف (طيب) هذا الذي له ست سنوات يخاف ممن له عشر سنوات إذن ليس عظيما فالفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي والخوف من نقص الخائف ولهذا بعض الناس يخاف من لا شيء لأنه رعديد تعرفون الرعديد؟ جبان يخاف من كل شيء ولهذا يضرب المثل بالرجل يقال هو يخاف من ظلاله يمشي مثلا في القمر فيرى الظلال فيقول هذا واحد يلاحقني ثم يهرب وهذا الظلال معه رجليه وهو يقول أنا نجوت من هذا الرجل لأنه جبان فالحاصل أن الخشية أعظم من الخوف ولكن قد يقال خَفِ الله"فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"وهذا في مقابلة فعل هؤلاء الذين يخافون من الناس .
القارئ:
فالْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ فإنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى،وما يَخشاهُ إلا عالِمٌ، إِذَنْ فخيرُ البَرِيَّةِ هو العالِمُ ولا يَغِبْ عن بَالِكَ أنَّ العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًا ولا يَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ .
الشيخ:
قوله وفقه الله : لا يعد عالما يعني: عالمًا ربانيًا وأما كونه عالما ضد الجاهل فهذا يقال، يقال إن الذي ألف المنجد رجل نصراني وفيه من معرفة اللغة العربية شيء كثير وإن كان غلطات كثيرة وأشياء تؤخذ عليه من الناحية الدينية لكن العالم الذي يعمل بعلمه هو الذي يصدق عليه أنه عالم رباني لأنه يربي نفسه أولا ثم يربي غيره ثانيا .
القارئ:
وأَسْنَدَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى بسَنَدٍ فيه لَطيفةٌ إسناديَّةٌ برِوايةِ آباءٍ تِسعةٍ فقالَ : أَخبَرَنا أبو الفَرَجِ عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أَسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفيانَ بنِ زَيدِ بنِ أُكَينةَبنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من حِفْظِه ، قالَ : سَمِعْتُ أبي يقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سمعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ " هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ " اهـ .
وهذا اللفظُ بنَحوِه مَرْوِيٌّ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
الشيخ:
إذن لا بد من العمل بما علم لأنه إذا لم يعمل بعلمه صار من أول تسعر بهم النار يوم القيامة
وعالم بعلمه لم يعملن = معذب من قبل عباد الوثن
هذه واحدة إذا لم يعمل بعلمه أُرث الفشل في العلم وعدم البركة ونسيان العلم لقول الله تعالى"فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ"بعدها "وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"وهذا النسيان يشمل النسيان الذهني والعملي قد يكون بمعنى ينسونه دينيا أوينسونه يتركونه لأن النسيان في اللغة العربية يطلق بمعنى الترك أما إذا عمل الإنسان بعلمه فإن الله تعالى يزيده هدى قال الله تعالى"وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى"ويزيده تقوى ولهذا قال"وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ "إذا عمل بعلمه ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم ولهذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وتروى هذه اللفظة العلم يهتف بالعمل (يعني يدعوه) فإن أجابه وإلا ارتحل. ما الذي يرتحل ؟ العلم وهذا واضح لأنك إذا عملت بالعلم تذكرته كلما عملت وأضرب لكم مثلا برجل عرف صفة الصلاة من السنة وصار يعمل بها كلما صلى هل ينسى ما علم ؟ لا ينسى لأنه تكرر عليه لكن لو ترك العمل به نسي وهذا دليل محسوس على أن العمل بالعلم يوجب ثبات العلم ولا ينساه . نعم .
هنا آفاق التيسير

**شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ
القارئ:
ملازمة خشية الله تعالى
التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله تعالى؛ محافظًا على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة إليها؛ دالاً على الله بعلمك وسمتك وعلمك، متحليًا بالرجولة، والمساهلة، والسمت الصالح.
وملاك ذلك خشية الله تعالى ، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "أصل العلم خشية الله تعالى". فالزم خشية الله في السر والعلن، فإن خير البرية من يخشى الله تعالى، وما يخشاه إلا عالم، إذن فخير البرية هو العالم، ولا يغب عن بالك أن العالم لا يعد عالماً إلا إذا كان عاملاً، ولا يعمل العالم بعلمه إلا إذا لزمته خشية الله.
وأسند الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بسند فيه لطيفة إسنادية برواية آباء تسعة، فقال(1): أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن زيد بن أكينة ابن عبد الله التميمي من حفظه؛ قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبى يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول"هتف العلم بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل" ا هـ.
وهذا اللفظ بنحوه مروي عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى.
الشيخ
:
الأدب الثالث من حلية طالب العلم :ملازمة خشية الله تعالى ، بحيث يمتلئ قلبك من مخافة الله التي تدفعك إلى طاعته وتبعدك عن معصيته ،والفرق بين الخوف والخشية أنَّ الخوف يُلاحِظ فيه الخائفُ ضعفَ نفسِه ، والخشية يُلاحِظ فيه الخاشي قوةَ المَخْشِي ، فعندما يلاحظ المرء قدرة الله – جل وعلا- تبدأ عنده درجة الخشية ، وكلاهما مطلوب ؛ الخشية والخوف ، قال تعالى"إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"، والخشية أيضا مطلوبة قال تعالى"أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ"، فإذن الخشية من الدرجات المطلوبة ، والخشية تدفع الإنسان إلى المحافظة على شعائر الإسلام في باطنه وظاهره. الخشية تنشأ من أمور؛أولها :العلم بالله تعالى وبقدرته وبصفاته ومن ذلك أن يَعلم العبد أن الله مُطَّلعٌ عليه في كل أحواله ،الثاني :مما تنشأ عنه الخشية ، معرفة العبد بأن ربَّه قادر عليه ، قادرٌ على إنزال العقوبة به ، ويُطالع سُنن الله في الكون في الأمم السابقة كم أنزل بهم من العقوبات. الخشية تنشأ من ملاحظة الدار الآخرة وأنَّ المرء عما قريب منتقل إليها ومحاسبٌ على أعماله في الدنيا ، فإذا استحضر الإنسان ذلك زادت عنده صفة الخشية من الله تعالى. هذه الخشية ليست خاصةً بالقلب بل لها مظاهرُ في ظاهر البدن ؛منها المحافظة على شعائر الإسلام ،ومنها إظهار السنة ،ومنها حرص الإنسان على نشر السنة والدعوة إليها ،ومنها أن يكون المرء متخلقًا بالأخلاق الفاضلة ، سَهْلا مع عباد الله ، وهذا معنى قول المؤلف"والمساهَلة"يعني : أن يكون هيِّنًا رفيقًا مع الخلق ، وأما"السمت الصالح"فالسَّمت المراد به الصفة الظاهرة ، السمت هو الصفة الظاهرة ، قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، ثم أورد المؤلف حديث أو أثر"هتف العلم بالعمل ، فإن أجابه ، وإلا ارتحل"، يعني : أنَّ صاحب العلم إذا عمل به بقيَ علمُه ، وأما إذا لم يعمل به فإن العلم يزول ، ولكن هذا الحديث أو هذا الأثر الذي ذكره المؤلف ضعيف الإسناد ، فيه عبد العزيز التميمي وهو مُتكلَّمٌ فيه ، ولذلك لا يصح هذا الحديث فهو ضعيفٌ جدًا ،لا يصح هذا الأثر فهو ضعيفٌ جدا .نعم
هنا آفاق التيسير

***إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية
بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول :ماالفائدة من تكرار اللفظ (سمعت أبي يقول) ؟
الجواب : تكرار لفظ (سمعت أبي يقول) في الإسناد المذكور هو لاختلاف القائلين ؛ فعبد الوهاب قال سمعت أبي ، يقصد عبد العزيز ، وعبد العزيز قال: سمعت أبي، يقصد الحارث، والحارث قال: سمعت أبي ، يقصد أسدًا، وهكذا...

السؤال الثاني : هل كل من ينسى العلم علما بأنه يطبق ويجتهد في نشره لكن عند نصح شخص أو تذكيره بحديث ينساه ولايتذكره،كالأربعين النووية مثلاً،فهل هذا دليل أنه غضب من الله أوبسبب الذُنوب أو عدم البركة،أم إهمال منه وقت حفظ العلم وثباته
الجواب :إن كان النسيان بسبب تفريط وإهمال فصاحبه مذموم، ونسيانه عقوبة له على بعض ذنوبه فإن الذنب يورث الذنب، كما أن الحسنة تورث الحسنة بعدها.
وأما إن كان نسيانه من غير تفريط ولا إهمال وإنما بسبب آفة عرضت له من مرض عضوي أو نفسي أو غلبة همّ ابتلي به أو ابتلاء عارض أذهله عن المراجعة حتى نسي بعض ما كان يحفظ فلا يلام على ذلك ، بل يرجى له أن يجري له أجر ما كان يعتاده من المراجعة لأن هذه الآفات هي من جنس الأمراض وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"رواه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

هنا آفاق التيسير
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-18-2017, 07:48 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

4دوامُ الْمُراقَبَةِ
التحَلِّي بدوامِ المراقَبَةِ للهِ تعالى في السرِّ والعَلَنِ سائرًا إلى ربِّك بينَ الخوفِ والرجاءِ فإنهما للمسلِمِ كالْجَناحَيْنِ للطائرِ
فأَقْبِلْ على اللهِ بكُلِّيَّتِكَ ولْيَمْتَلِئْ قلْبُك بِمَحبَّتِه ولسانُك بذِكْرِه والاستبشارِ والفرْحِ والسرورِ بأحكامِه وحُكْمِه سبحانَه


*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ

القارئ:
الأمر الرابع دوامُ الْمُراقَبَةِ .
التحَلِّي بدوامِ المراقَبَةِ للهِ تعالى في السرِّ والعَلَنِ سائرًا إلى ربِّك بينَ الخوفِ والرجاءِ فإنهما للمسلِمِ كالْجَناحَيْنِ للطائرِ.
فأَقْبِلْ على اللهِ بكُلِّيَّتِكَ ولْيَمْتَلِئْ قلْبُك بِمَحبَّتِه ولسانُك بذِكْرِه والاستبشارِ والفرْحِ والسرورِ بأحكامِه وحُكْمِه سبحانَه .
الشيخ:
نعم . فمن المهم دوام المراقبة لله وهذا من ثمرات الخشية أن الإنسان يكون مع الله دائما يعبد الله كأنه يراه يقوم للصلاة فيتوضأ وكأنه ينفذ قول الله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ"يقوم يتوضأ وكأنه ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ ويقول من توضأ نحو وضوئي هذا كمال المراقبة وهذا أمر مهم وقوله:" يكون سائرًا بين الخوف والرجاء فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر". هذا أحد الأقوال في هذه المسألة
وهي هل الأولى للإنسان أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء أو يغلب جانب الخوف أو يغلب جانب الرجاء ؟
-
الإمام أحمد رحمه الله يقول : ينبغي أن يكون خوفه ورجائه واحدا فأيهما غلب هلك صاحبه
-
ومن العلماء من يفصل ويقول : إذا هممت بطاعة فغلب جانب الرجاء إنك إذا فعلتها قبل الله منك ورفعك بها درجات من أجل أن تقوى وإذا هممت بمعصية فغلب جانب الخوف حتى لا تقع فيها فعلى هذا يكون التغليب لأحدهما بحسب حال الإنسان
-
ومنهم من قال إنه بحسب الحال على وجه آخر فقال : أما في المرض فيغلب جانب الرجاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه "ولأنه إذا غلَّب في حال المرض جانب الخوف فربما يدفعه ذلك إلى القنوط من رحمة الله في حال الصحة يغلب جانب الخوف لأن الصحة مدعاة للفساد كما قال الشاعر الحكيم:
إن الشباب والفراغ والجدة = مفسدة للمرء أي مفسدة
يعني مفسدة عظيمة والذي أرى أن الإنسان يجب أن يعامل حاله بما تقتضيه الحال وأن أقرب الأقوال في ذلك أنه إذا عمل خيرا فليغلب جانب الرجاء وإذا هم بسيء فليغلب جانب الخوف هذا أحسن ما أراه في هذه المسألة الخطيرة العظيمة (طيب) إذا قال قائل تغليب جانب الرجاء هل يجب أن يكون مبنيًا على سبب صالح للرجاء أو يكون رجاء المفلسين ؟ الأول يعني إنسان مثلا يعصي الله دائما وأبدا ويقول رحمه الله واسعة هذا غلط لأن إحسان الظن بالله ورجاء الله لا بد أن يكون هناك سبب ينبني عليه الرجاء وإحسان الظن وإلا كان مجرد أمنية والتمني كما يقول عامة أهل نجد يعني العوام من أهل نجد يقولون : التمني رأس مال المفاليس، تعرفون المفاليس ؟ من هم؟ الذين ليس عندهم شيء (...) وعندي أموال وأشياء عظيمة (...) هكذا حكيت لنا والله أعلم هل تصح أم لا، لكن يعني حال الأولين وبلاهتهم يعني يمكن أن تكون هكذا والله أعلم . نعم .
هنا

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري:مفرغ
القارئ:
دوام المراقبة:
التحلي بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن، سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء، فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر.
فأقبل على الله بكليتك، وليمتلئ قلبك بمحبته، ولسانك بذكره، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحكمه سبحانه.
الشيخ:
هذه الصفة الرابعة من صفات طالب العلم، حلية طالب العلم تقتضي أنَّ طالب العلم يستشعر أنَّ الله تعالى يراقبه ، فهو يراقب عملَه الظاهر ، وهو يراقب نيته ومقصده ؛ لأنَّ الله تعالى كما وصف نفسه بقوله"إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ"، وكما قال-سبحانه- في وصف نفسه"يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى"، من استشعر هذه الصفة وكانت صفةً ملازمةً له ، وصل إلى أعلى مراتب الدين وهي صفة الإحسان ، فإنَّ صفة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والمؤمن يتصف بهذه الصفة حال وجوده بين أيدي الناس وحال خَلوته ؛ لأنه يعلم أن الله- جل وعلا- مُطلع عليه في جميع أحوله"إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ"كذلك هذه الصفة تجعل المؤمن يستشعر الخوف ويستشعر الرجاء ، فهو يخاف على نفسه أن يعاقبه الله بسبب ذنوبه ، وهو في نفس الوقت يرجو من الله أن يسبغ عليه نعمه ، وأن يرحمه بسبب أنَّ الله كريم عفو رحيم مُتفضِّل ، فهو يخاف بسبب فِعل نفسِه ويرجو بسبب رحمة ربه ، "فإنهما- يعني الخوف والرجاء- للمسلم كالجناحين للطائر"، وهذا يدلك على خطأ من يقول : العبادة تكون بالمحبة ، بل لابد في العبادة من خوف ورجاء ومحبة.
قال"فأقبِل على الله بكُلِّيَّتِك"يعني : بجميعك ، من أقبل على الله فإنَّ الله سيكون له معينًا ، ومؤيدًا وناصرا ، من كان مع الله كان الله معه ،" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ"،"وليمتلئقلبُك بمحبة الله"؛ لأنَّ هذا من القربات قال تعالى"وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ"،"وليمتلئ لسانك بذكر الله"، فإنَّ ذكر الله سبب من أسباب طمأنينة القلب التي يتمكن القلب بها من تحصيل العلم ، وذكر الله سبب من أسباب طرد الشياطين التي تلقي الوساوس في قلوب العباد ، وذكر الله سبب من أسباب إعانة الله للعبد كما قال سبحانه"فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ"، و قال"وأَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي ، فإن ذكرني فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"، وهذا الوصف مما يُؤكَّد عليه خصوصا في زماننا هذا ، فإنَّ الإكثار من ذكر الله من أعظم أسباب تحصيل العلم ، وكلما كان الإنسان مُكْثرا لذكر الله كلما فتح الله ذهنه للفهم الصحيح ، وجعل قلبه يحوي العلم الكثير ، وبارك الله في شأنه كله ، وكلما أقل الإنسان من ذكر الله ، كلما ابتعدت عنه البركة ، ولذلك ليكن لطالب العلم أورادًا يومية ، وكلما خلا بنفسه اشتغل لسانُه بذكر الله وترك هذه الوساوس التي تُشغِل قلبَه في أوقات خلوته.
وإذا تأمل الإنسان الأمر بذكر الله ، وجد أنَّ الله جل وعلا لا يأمر بالذكر إلا ويصفه بصفة الكثرة ، كما قال سبحانه"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا"، بينما وصف المنافقين بأنهم كانوا"لَايَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا"، حينئذٍ إذا أراد الإنسان أن يُبارك له في وقته ، في شأنه ، فليُكْثِر من ذكر الله ،ومن أعظم أنواع الذكر:قراءة القرآن.
قال المؤلف أيضا من الأمور التي يتصف بها طالب العلم"الاستبشار والفرح والسرور بأحكام الله وحِكَمه سبحانه وتعالى"، فافرح بما أنعم الله عليك ، وافرح بإنزال هذا الكتاب ، وافرح ببعثة هذا النبي الكريم ، وافرح بأن تعلمت شيئًا من أحكام هذه الشريعة ، قال تعالى"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"
هذا شيء من الصفات التي ذكرها المؤلف في حلية طالب العلم بما يتعلق بصفة طالب العلم في نفسه ، ولعلنا إن شاء الله - جل وعلا- أن نكمل بقية هذه الصفات في لقائنا القادم...
أسأل الله – جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم الأخلاق الفاضلة ، اللهم اجعلنا ممن تأدب بآداب العلم ، اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا ، اللهم إنا نسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين ، اللهم وفقنا لما تحب وترضى ، واجعل أعمالنا على البر والتقوى ، اللهم اجعلنا ممن عمل بعلمه فأكسبته علما آخر ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير ، واجعلهم من أسباب الهدى والتقى والصلاح والسعادة ، هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
°سؤال :أحسن الله إليكم شيخنا ....
الشيخ :إمام يصلي من أجل أن يؤثِّر على المأمومين . فنقول لماذا يؤثر؟ ، هل ليكون له مكانة؟ ، هل ليكون له منزلة؟ ، هل ليُثني عليه الناس ويقولوا ما أجمل صوته؟ ، حينئذٍ هذا رياءٌ وسمعة ، ومن سمَّعَّ سمَّعَّ الله به ، فيقال له يوم القيامة إنما قرأت ليقال قارئ فقد قيل ، وأما إن كان يريد أن يكون ذلك مؤثِّرا في قلوب المستمعين ليتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه ويتركوا طاعة الشيطان ، ويتصفوا بصفة الإنابة إلى الله – جل وعلا- لا لحَظِّ نفسه وإنما يريد مصلحتهم هم ، فحينئذ هذا جائز بل يؤجر العبد عليه ، فإن الله – جل وعلا- قد أمر بالتذكير فقال"فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى".
سؤال :أحسن الله إليكم هذا سائل يقول ....كيف يكون التخلص من الرياء؟
الشيخ :التخلص من الرياء بأن يقصد الإنسان بعمله وجه الله والدار الآخرة. نسأل الله - جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هنا

°إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول :لم أفهم هذه الفقرةـ بارك الله فيكمـمن موضوع دوام المراقبة

اقتباس:
إذا قال قائل تغليب جانب الرجاء هل يجب أن يكون مبنيا على سبب صالح للرجاء أو يكون رجاء المفلسين ؟
الأول يعني إنسان مثلا يعصي الله دائما وأبدا ويقول رحمه الله واسعة هذا غلط
لأن إحسان الظن بالله ورجاء الله لا بد أن يكون هناك سبب ينبني عليه الرجاء وإحسان الظن وإلا كان مجرد أمنية والتمني كما يقول عامة أهل نجد يعني العوام من أهل نجد يقولون : التمني رأس مال المفاليس، تعرفون المفاليس ؟ من هم؟ الذين ليس عندهم شيء (...) وعندي أموال وأشياء عظيمة (...) هكذا حكيت لنا والله أعلم هل تصح أم لا،
لكن يعني حال الأولين وبلاهتهم يعني يمكن أن تكون هكذا والله أعلم . نعم .

الجواب :المقصود أن الرجاء الذي ينفع صاحبه هو الذي يصاحبه العمل وبذل الأسباب، وأما الرجاء مع القعود عن بذل الأسباب فهو عجز مذموم، كما روي في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه وغيرها من حديث أبي بكر بن أبي مريم الغساني عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" وابن أبي مريم ضعيف، والمعنى صحيح، فإن العجز هو ترك بذل الأسباب مع إمكانها.
فالذي يتمنى حصول الخير ولا يبذل أسبابه إنما هو عاجز متمنّي
إذا منَّتك نفسك نيل خير = ولم تبذل له سبباً مؤتَّى
فما تبني وإن أجهدتَ فكراً = سوى حلم يزول إذا صحوتَا
وهذه الأماني هي رؤوس أموال المفاليس، والمفلس هو الذي لا مال له، والإفلاس الذي لا حيلة للإنسان فيه ليس عيباً، وإنما المعيب أن يسترسل في الأماني الباطلة التي تجهد فكره، وتضيع وقته، وتصدّه عن العمل النافع، كما قال أحدهم فيما حكاه الجاحظ في كتاب الحيوان:
إذا تمنَّيت مالاً بتّ مغتبطًا = إن المنى رأس أموال المفاليس
لولا المنى متُّ من همّ ومن حَزَنٍ = إذا تذكَّرت ما في داخل الكيس
وقد جعل الله للمؤمن من حسن الظن به والتوكل عليه والالتجاء إليه ما يغنيه عن الأماني الباطلة إذا أعيته الحيل وتقطعت به الأسباب المادية، فإن سبب الله لا ينقطع.

السؤال الثاني :
إن الشباب والفراغ والجدة=مفسدة للمرء اي مفسدة
مامعنى كلمة الجدة؟
الجواب :الجِدَة : الغنى وكثرة المال.

هنا
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-19-2017, 01:39 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

5خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ
تَحَلَّ بآدابِ النفْسِ من العَفافِ والحِلْمِ والصبرِ والتواضُعِ للحَقِّ وسكونِ الطائرِ من الوَقارِ والرزانةِ وخَفْضِ الْجَناحِ مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ .
وعليه : فاحْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ مَبْلَغًا : ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي .
قلتُ :يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّه من الْخُيلاءِ. اهـ .
وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
واحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةِ " الْكِبْرَ "؛ فإنَّ الكِبْرَ والحرْصَ والحسَدَ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به ، فتَطَاوُلُكَ على مُعَلِّمِكَ كِبرياءُ، واستنكافُكَ عَمَّن يُفيدُك مِمَّنْ هو دونَك كِبرياءُ، وتَقصيرُك عن العمَلِ بالعِلْمِ حَمْأَةُ كِبْرٍ وعُنوانُ حِرمانٍ .
العلْمُ حربٌ للفَتَى الْمُتَعَالِي كالسيْلِ حرْبٌ للمكانِ الْعَالِي فالْزَمْ رَحِمَك اللهُ – اللُّصُوقَ إلى الأرضِ والإزراءَ على نفسِك وهَضْمَها ومُراغَمَتَها عندَ الاستشرافِ لكِبرياءَ أو غَطرسةٍ أو حُبِّ ظُهورٍ أو عُجْبٍ ... ونحوِ ذلك من آفاتِ العِلْمِ القاتلةِ له الْمُذهِبَةِ لِهَيْبَتِه الْمُطْفَئِةِ لنورِه وكُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا أو رِفعةً في وِلايةٍ فالزَمْ ذلك ، تُحْرِزْ سعادةً عُظْمَى ، ومَقامًا يَغْبِطُكَ عليه الناسُ .
وعن عبدِ اللهِ بنِ الإمامِ الحُجَّةِ الراويةِ في الكتُبِ الستَّةِ بكرِ بنِ عبدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهما اللهُ تعالى قالَ :
"
سَمِعْتُ إنسانًا يُحَدِّثُ عن أبي ، أنه كان واقفًا بعَرَفَةَ فَرَقَّ ، فقالَ : لولا أَنِّي فيهم ، لقُلْتُ قد غُفِرَ لهم . "
خَرَّجَه الذهبيُّ ثم قالَ " قلتُ : كذلك يَنبغِي للعبْدِ أن يُزْرِيَ على نفسِه ويَهْضِمَها " اهـ .
*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه حلية طالب العلم .
الأمر الخامس من آداب الطالب في نفسه
خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ :
تَحَلَّ بآدابِ النفْسِ من العَفافِ والحِلْمِ والصبرِ والتواضُعِ للحَقِّ وسكونِ الطائرِ من الوَقارِ والرزانةِ وخَفْضِ الْجَناحِ مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ .
الشيخ:
قوله"تحل بآداب النفس من العفاف والحلم والصبر والتواضع للحق" لأن المقام يقتضي هكذا أن يكون عند طالب العلم عفة عما في أيدي الناس وعفة عما يتعلق بالنظر المحرم وحلم لا يعاجل بالعقوبة إذا أساء إليه أحد وصبر على ما يحصل من الأذى مما يسمعه إما من عامة الناس وإما من أقرانه وإما من معلمه فليصبر وليحتسب، والتواضع للحق وكذلك للخلق، يتواضع للحق بمعنى أنه متى بان له الحق خضع له، ولم يبغ بدله، نعم، ولم يبغ لسواه بديلا وكذلك للخلق فكم من طالب فتح على معلمه أبوابا ليست على بال منه ولا تحقرن شيئًا وقوله: سكون الطائر من الوقار والرزانة وخفض الجناح هذه أيضا ينبغي لطالب العلم أن يبتعد عن الخفة سواء كان في مشيته أو في تعامله مع الناس وألا يكثر من القهقهة التي تميت القلب وتذهب الوقار بل يكون خافضًا للجناح متأدبًا بالآداب التي تليق بطالب العلم وقوله : متحملا ذل التعلم لعزة العلم . هذا جيد يعني : أنك لو أذللت نفسك للتعلم فإنما تطلب عزها بالعلم فيكون تذليلها بالتعلم لأنه ينتج ثمرة طيبة .
القارئ:
وعليه : فاحْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ مَبْلَغًا.
الشيخ:
صحيح الخيلاء هذه تحدث للإنسان طالب العلم وللإنسان كثير المال وللإنسان سديد الرأي وكذلك في كل نعمة أنعم الله بها على العبد ربما يحصل عنده خيلاء والخيلاء هي الإعجاب بالنفس مع ظهور ذلك على هيئة البدن كما جاء في الحديث " من جر ثوابه خيلاء " فالإعجاب يكون بالقلب فقط فإن ظهرت آثاره فهو خيلاء وقوله "فإنه نفاق وكبرياء" أما كونه كبرياء فواضح وأما كونه نفاقًا فلأن الإنسان يظهر بمظهر أكبر من حجمه الحقيقي وهكذا المنافق يظهر بمظهر المخلص الناصح وهو ليس كذلك.
القارئ:
ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي
قلتُ : يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّ ذلك من الْخُيلاءِ. اهـ .
الشيخ:
صحيح يخطر بيده يعني يحركها تحريكًا معينًا يدل على أنه عنده كبرياء وعنده خيلاء فيقبض بيمنه على شماله لئلا تتحرك .
القارئ:
وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
واحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةِ "الْكِبْرَ"؛ فإنَّ الكِبْرَ والحرْصَ والحسَدَ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به ، فتَطَاوُلُكَ على مُعَلِّمِكَ كِبرياءُ، واستنكافُكَ عَمَّن يُفيدُك مِمَّنْ هو دونَك كِبرياءُ، وتَقصيرُك عن العمَلِ بالعِلْمِ حَمْأَةُ كِبْرٍ وعُنوانُ حِرمانٍ .
العلْمُ حربٌ للفَتَى الْمُتَعَالِي = كالسيْلِ حرْبٌ للمكانِ الْعَالِي
الشيخ:
احذر داء الجبابرة وهو الكبر وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع التفسير وأبينه وأوضحه فقال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" .
وبطر الحق: هو ردُّ الحق، وغمط الناس: يعني احتقارهم وازدرائهم.
وقوله"إن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عُصي الله به" يريد فيما نعلم لأننا نعلم أن أول من عصى الله عز وجل هو الشيطان حين أمره الله تعالى أن يسجد لآدم لكن منعه الكبرياء، "أبى واستكبر" وقال: " ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"،وقال"هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ"وقال لما أمره ربه أن يسجد- قال"أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"،فقوله"إنه أول ذنب عُصي الله به" يعني باعتبار ما نعلم، وإلا فإن الله تعالى قال للملائكة"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" ،قال أهل العلم: إنما قال الملائكة ذلك لأنه كان على الأرض أمة من قبل آدم وبنيه، كانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. ثم ذكر أمثلة، قال"تطاولك على معلمك كبرياء" التطاول يكون باللسان ويكون أيضًا بالانفعال، قد يمشي مع معلمه وهو يتبختر، ويقول فعلت وفعلت، وكذلك أيضًا استنكافك عمن يفيدك من علومه كبرياء، وهذا أيضًا يقع لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم يستنكف ولا يقبل.
"
تقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان" نسأل الله العافية، يعني هذا نوع من الكبر، ألاّ تعمل بالعلم.
وقوله: "العلم حرب للفتى المتعالي" يعني أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يُدرك العلم، لأن العلم حرب له، "كالسيل حرب للمكان العالي"، صحيح؟ نعم، المكان العالي ينفض عنه السيل يمينًا وشمالاً ولا يستقر عليه.
القارئ :
فَالزَمْ – رَحِمَكَ الله- اللُّصوقَ إِلى الأَرْضِ، وَالإِزْراءَ عَلى نَفْسِكَ، وَهَضْمِها، وَمُراغَمَتِها عِنْدَ الاسْتِشْرافِ لِكِبْرياءٍ أَوْ غَطْرَسَةٍ، أَوْ حُبِّ ظُهورٍ، أَوْ عُجُبٍ.. وَنَحْوِ ذلكَ مِنْ آفاتِ الْعِلْمِ الْقاتِلَةِ لَهُ، الْمُذْهِبَةِ لِهَيْبَتِهِ، الْمُطْفِئَةِ لنِورِهِ، وَكُلَّما ازْدَدَتْ عِلْمًا أَوْ رِفْعَةً في وِلايَةٍ، فَالزَمْ ذلكِ؛ تَحْرُزْ سَعادَةً عُظْمى، وَمَقامًا يُغْبِطُكَ عَلَيْهِ النّاسُ، وَعَنْ عَبْدِ الله بن الإِمام الْحُجَّة الرّاوِيَةِ في الْكُتُبِ السِّتَةِ بَكْرٍ بن عَبْدِ الله الْمُزْنّي- رَحِمَهُما الله تَعالى- قال: سَمِعْتُ إنْسانًا يُحدِّث عَنْ أَبي، أَنَّهُ كانَ واقِفًا بِعَرَفَةَ، فَرَقَّ، فَقال"لَوْلا أَنّي فيهمْ؛ لَقُلْتُ: قَدْ غُفِرَ لَهُمْ"، خَرَّجَهُ الذَّهْبِيِّ، ثُمَّ قال:
"قُلْتُ: كَذلِكَ يَنْبَغي لِلْعَبْدِ أَنْ يُزْري عَلى نَفْسِهِ وَيَهْضُمُها" اهـ.
الشيخ:
وهذه العبارات التي تطلق عن السلف، من مثل هذا يريدون به التواضع، وليسوا يريدون أنهم يُغَلِّبون جانب سوء الظن بالله عزوجل أبدًا، لكنهم إذا رأوا ما هم عليه خافوا وحذروا وجرت منهم هذه الكلمات، وإلا فإن الأولى بالإنسان أن يُحسن الظن بالله ولا سيما في هذا المقام، في مقام عرفة الذي هو مقام دعاء وتضرع إلى الله عزوجل، ويقول مثلاً: إن الله لم ييسر لي الوصول إلى هذا المكان إلا من أجل أن يغفر لي لأني أسأله المغفرة، والله تعالى يقول"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"،لكن تظهر مثل هذه العبارات من السلف من باب التواضع وسوء الظن بالنفس لا بالله عزَّ وجل.
هنا

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ
الشيخ:
نحمده سبحانه ونثني عليه وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى عليه وعلى آله و أصحابه و أتباعه وسلم تسليما كثيرًا أما بعد :
نواصل ما كنا ابتدأنا به من قراءة كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء
تحل بآداب النفس، من العفاف، والحلم، والصبر، والتواضع للحق، وسكون الطائر، من الوقار والرزانة، وخفض الجناح، متحملاً ذل التعلم لعزة العلم، ذليلا للحق.
وعليه، فاحذر نواقض هذه الآداب، فإنها مع الإثم تقيم على نفسك شاهداً على أن في العقل علة، وعلى حرمان من العلم والعمل به، فإياك والخيلاء، فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقي منه عند السلف مبلغاً.ومن دقيقه ما أسنده الذهبي في ترجمة عمرو بن الأسود العنسي المُتوفى في خلافة عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: أنه كان إذا خرج من المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك؟ فقال: مخافة أن تنافق يدي.قلت: يمسكها خوفاً من أن يخطر بيده في مشيته، فإن ذلك من الخيلاء اهـ. وهذا العارض عرض للعنسي رحمه الله تعالى.
واحذر داء الجبابرة: (الكبر) ، فإن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عصى لله به ، فتطاولك على معلمك كبرياء، واستنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان.
العلم حرب للفتى المعالي... ...كالسيل حرب للمكان العالي
فالزم - رحمك الله - اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها، ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة أو حب ظهور أو عجب.. ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المطفئة لنوره، وكلما ازددت علمًا أو رفعة في ولاية، فالزم ذلك، تحرز سعادة عظمى، ومقاماً يغبطك عليه الناس.
وعن عبد الله ابن الإمام الحجة الراوية في الكتب السنة بكر بن عبد الله المزني رحمهما الله تعالى، قال:
"
سمعت إنسانًا يحدث عن أبي، أنه كان واقفًا بعرفة، فرق، فقال: لولا أني فيهم، لقلت: قد غفر لهم"
خرجه الذهبي ، ثم قال: "قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها"اهـ.وانظر كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (14/160 ..
الشيخ :
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أدبًا خامسًا من آداب طالب العلم، وهو خَفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء ، والمراد بهذا التواضع ،فخفض الجناح، بأن يكون المرء حَسُن التعامل ، ذليلا في تعامله مع غيره ، بحيث لا يرى لنفسه فضلا ولا مكانة ولا يرى أنه أعلى من غيره ، هذا هو خفض الجناح ، بحيث يكون بمثابة من يرى أنه والناس بمرتبةٍ واحدة ، ولا يرى له فضلا على أحد من الناس ، ولا يرى أنه أرفع أو أعلى من أي أحد من الخلق مهما كانت منزلة من يقابله.
وأما الخيلاء والكبرياءفالمُراد بها رؤية المرء للنفس حتى يُخيل للإنسان أنه أعلى من غيره وأرفع درجة منهم ،وأما الكبرياء فقد فسَّرها النبي - صلى الله وسلم- بأنها جَحْد الحق واحتقار الخلق ، إذا تقرر هذا فإنَّ الكِبْرَ والبَطْرَ من الأمور المحرمة في الشريعة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم"إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ"، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "لا يدخلُ الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ،قالوا يا رسول الله : إنَّ الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم"الكبرُ بطَرُ الحق ، وغَمْط الناس".بطر الحق:يعني جحده ،وغمط الناس يعني احتقارهم.
والنصوص الواردة في النهي عن الخيلاء والكبرياء كثيرة ، جاء في حديث آخر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال"مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"،" قال المؤلف: تحلى بآداب النفس من العفاف"،المراد بالعفاف ترَفُّع النفس عما لا يليق بها ، فعفتها عن الأمور والفواحش وترفُّعِها عنها يُعد عفافًا.
وأما"الحلم"فهو السكينة والأناة ، بحيث يصبر الإنسان على أذى الآخرين ، ويكون حسَن التعامل معهم ، وأما"الصبر"فيراد به الصبر على أذية الآخرين ، والصبر في طاعة الله ، والصبر عن معاصي الله ، قال "والتواضع للحق"بحيث إذا جاءك الحق من أي أحد قبلته وعملت به مهما كان قائله. قال : "وسكون الطائر من الوقار"بحيث لا يكون الإنسان خفيفًا ولا سريعًا ، وإنما عليه السكينة ، قال "والرزانة"بحيث لا يتصرف الإنسان تصرفات فيها تسرع ، أو فيها دلالة على طيش، قال: "وخفض الجناح"يعني : التواضع مع الآخرين متحملا ذل التعلم من أجل أن تنال عزة العلم ذليلا للحق.
قال المؤلف "واحذر نواقض هذه الآداب"فإنَّ المرء يكسب بهذه الآداب الأجر والثواب متى نوى التقرب بها لله ، ويكسب أيضا محبة الناس له لكن إذا اتصف الإنسان بضد هذه الآداب ، فإنه أولاً: يأثم ،وثانيًا :يمْقُتُه الله ،وثالثًا يحتقره الناس ويعلمون أنَّ في عقله مرضًا وعلة ، ومن ثَمَّ يجتنبونه ،ورابعًا :يكون سببًا لحرمان العلم والعمل به.
قال المؤلف "وقد بلغ من شدة التوقِّي منه"، يعني : بلغ من شدة السلف للحذر من ذلك مبالغ عالية ، من ذلك أنَّ عمرو بن الأسود يخشى إذا أطلق يديه ، وبدأ يرسلهما وهو يمشي ، أن تتحرك يمينا وشمالا وأن تتقدم ، ثم بعد ذلك يصبح مظهرًا من مظاهر الخيلاء ، ولذلك كان يمسك شماله بيمينه. وعلى كلٍّ ، هذا تطبيق للنصوص السابقة ، والنصوص السابقة دلَّت على التحذير من الكِبر والخيلاء ورغَّبت في ضدهما من خفض الجناح والوَقار والسكينة. وقد جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا مَشيتم إلى الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، وأما تطبيقات هذا فإنه يختلف ما بين زمان وآخر ، قد نرى في زمن من الأزمان أنَّ هذا التصرف فيه خيلاء وكبرياء لكنه يكون في زمان آخر تصرفا معتادا لا يكون من الخيلاء في شيء ، وهكذا أيضًا فيما يتعلق بأنواع الألبسة ، فقد نلبَس لباسًا في عصرنا الحاضر لكنَّ هذا اللباس ليس معتادًا في زمان آخر ، عندك مثلا : كان أهل الزمان الأول يسيرون بهذه البشوت ، يلبسها الصغير والكبير ، ويلبسها العامِي ، ولا يتركها أحد ، ففي ذلك الزمان لا يعد لبسها من الخيلاء في شيء ، لكن في زماننا هذا اقتصر لبسها على المناسبات العامة ، أو على العلماء ليعرفهم الناس ، فحينئذ يكون لبسها من غيرهم نوع خيلاء.
قال المؤلف "واحذر داء الجبابِرة وهو الكِبر ، فإنَّ الكبرَ والحرصَ"، الحرص الإسراع بالنفس من أجل طمع ،"والحسد" والمراد بالحسد تمني زوال النعم التي أنعمها الله على الغير ، هذه الأمور أول ذنب عُصي الله به ، هكذا يقرره طائفة من العلماء. لأنَّ آدم حسده إبليس ، وتكبّر إبليس ، كيف أسجد لمن خلقت طينا ، من كان مخلوقا من النار كيف يسجد لمخلوق من الطين ، قال المؤلف : "فتطاولك" من أمثلة الكبرياء المذمومة شرعًا التطاول على المعلم ،المراد بالتطاول الترفع عليه ومضادة كلامه ورفع الصوت عليه ونحو ذلك ، هذا يعد من الكبرياء قال ومن أمثلته"استنكافُك عمن يفيدك ممن هو دونك" ،استنكافُك يعني: ترفُّعك عمن يأتيك بفائدة ، إذا كان هذا ممن هو دونك فإنه من الكبرياء ، فينبغي للإنسان أن يقبل الفائدة ولو كانت من أصغر صغير ، ولا يستنكف عن ذلك .
صورة ثالثة من صور التكبر،"التقصير عن العمل بالعلم" فإنه من مظاهر التكبر، عندما يجد مجتمعًا من المجتمعات يجعل الإنسان لا يؤدي سنةً كان يعتادها ، هذا كبر.
قال ثم ذكر المؤلف هذا البيت"الْعِلْمُ حَرْبٌ لِلْفَتى المُتَعالي = كَالسَّيْلِ حَرْبٌ للمَكانِ العالي"
المتعالي يعني: المتكبر ،كالسيل حرب للمكان العالي ، المكان العالي لا يصله السيل إنما السيل يجري في مكان منخفض ، وهكذا العلم ، العلم لا يناله كما ورد عن بعض السلف ، العلم لا يناله مُستح ولا متكبِّر.
قال"فالزم اللُّصوق إلى الأرض والإزراء على نفسك" ، يعني : التنقص منها.
وإذا جاءتك نفسك وخيلت إليك أنك على منزلةٍ عالية ، وأنك قد استفدت علمًا كثيرًا فكذِّبها ، وقل يا نفس هذا ليس من صفاتِك ، لم تستفيدي من العلم إلا الشيء القليل ، وانظر إلى قصة موسى عليه السلام مع الخضر ، لما سُئل موسى من أعلم من في الأرض ، قال موسى : أنا ، فابتلاه الله وقال: بل عبدنا الخضر أعلم منك فسأل الرحلة إليه ، لماذا؟ لأنه أدرى بالنفس بعد ذلك ، وطلب أن يذهب إلى من هو أعلم منه وتَعرفون من قصتهم في سورة الكهف ما تَعرفون.
قال"ومراقبة النفس عند الاستشراف بالكبرياء"، إذا تطلعت نفسك إلى التكبر على الخلق ، قم بإمساك لجامها ، وقِدْها ، ولا تجعلها تستشرف الكبرياء ، "أو الغطرسة أو حب الظهور أو الإعجاب بالنفس" ، فكل هذا من آفات النفس التي يجب علينا أن نُروِّض النفس من أجل مضادتها.
قال المؤلف في بيان الأدب الخامس من آداب طالب العلم خفض الجناح ونبذ الكبرياء والخُيلاء ، قال"من آفات النفس الكبرياء ، والغطرسة ، وحب الظهور ، والإعجاب بالنفس"، فإنَّ هذه الآفات تقتل النفس ، ولا تُمكنها من طلب العلم ، وكلما ازددت علمًا أو رفعةً في ولاية فاحذر من التكبر ، والزم التواضع ،"تُحرز بذلك السعادة العظمى"، فإنَّ المتكبر كالبعيد يراه الناس صغيرًا ويرونه صغيرًا ، المتكبر كالبعيد يراه الناس صغيرًا و يراهم صغارًا.
قال : ثم ذكر رواية"عن بكر بن عبد الله المزني قال كان أبي واقفا بعرفه فرقّ"أي : رقَّت نفسُه وبدأت العبرة تخرج من عينه ثم بعد ذلك أزرى بنفسه وتَنقَّصها فقال: أخشى أن لا يُغفر لهم بسببي. بكر بن عبد الله المزني إمام ، عالم ، حجة ، قد بثَّ من العلم ما بثَّ ومع ذلك يخشى أن لا يُقبل من الحجيج ولا يُغفر لهم بسببه هو.
"
قال الإمام الذهبي كذلك ينبغي للعبد أن يُزري على نفسه"، يعني : أن ينتقص منها"وأن يهضمها"يأخذ بعض ما يكون لها ، من أجل أن يكون ذلك سببًا لقبول الله له ، كلما تواضع العبد لله كان ذلك سببًا لرفعة العبد عند الله - جل وعلا- ، وكلما ترك الإنسان الكبرياء والعجب بالنفس كلما كان أدعى لقبول الأعمال ، وأدعى إلى معية الله ، وأدعى لأن تكون معية الله مع العبد.نعم

هنا
*إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل
السؤال الأول :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
العلم حرب للفتى المتعالي ،يعني أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يدرك العلم ،لأن العلم حرب له"
كيف يكون العلم حرب؟!!! وما المعنى؟!
الجواب :
لعلك تشير إلى قول الشاعر:
العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي
ومراده والله أعلم ، أن الفتى المتعالي لا ينتفع بالعلم لأن تعاليه يصرفه عن الانتفاع بالعلم كما أن المكان العالي لا يصيبه السيل لتعاليه وارتفاعه .
فلو شبه العلم بالسيل لكانت الأرض المتواضعة لها النصيب من الانتفاع به ، وحرممن الانتفاع به الأراضي المترفعة عنه لأن السيل يجري وينحدر ولا يرتفع .
وهذه التشبيهات التي يذكرها الشعراء إنما هي لتشبيه حالة بحالة فيمثلون الصورة المعنوية بصورة حسية حتى تتضح في الأذهان .
وأما كونه حربًا للمكان العالي فليس المقصودمنه الحرب الذي هو ضد السلم كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، وإنما المراد منه شدة العداوة والمنافرة يقال فلان حرب لفلان إذا كان بينهما عداوة ومباغضة شديدة.
قال في لسان العرب"يقال فلان حَرْبٌ لفلان إِذا كان بينهما تَباعُدٌ"
السؤال الثاني :
ماذ يقصد الشيخ من قوله:
"والتواضع للحق وكذلك للخلق يتواضع للحق بمعنى أنه متى بانله الحق خضع له ولم يبغي بدله نعم ولم يبغي لسواه بديلا وكذلك للخلق فكم من طالب فتح على معلمه أبوابًا ليست على بال منه ولا تحقرن شيئًا"
الجواب :
التواضع للحق :هو قبوله والانقياد لحكم الله تعالى ، فإذا علم العبد أن الله حرم أمرًا وجب عليه اجتنابه ، وإذا علم أن الله أوجب شيئًا وجب عليه امتثاله ما استطاع .
وهذا هو الانقياد للحق والتواضع له ، فمن فعله فقد برئ من نصف الكِبر.
وأما من تكبر عن امتثال الأمر واجتناب النهي ورآى أنه لا يليق به أن يمتثل ما يعلم أن الله أمر به فهذا من الكبر والعياذ بالله ، وصاحبه على شفير هلكة نسأل الله العافية.
والتواضع للخلق: هو عدم غمطهم وازدرائهم وهضمهم حقوقَهم ظلمًا وعلوًا ، فيلين مع المسلمين كما أمر الله تعالى ، ويحبهم ويواليهم ولا يكون في قلبه غِلاًّ لإخوانه المسلمين ، ويعامل الكفار بما أمر الله تعالى من العدل والإحسان في مواضع الإحسان ، والغلظة في مواضع الغلظة ليس ترفعًا وازدراء وتكبرًا عليهم وإنما امتثالاً لأمر الله تعالى وبيانًا للعزة الإيمانية.
فمن تواضع للحق وتواضع للخلق فقد برئ من الكبر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرَّف الكبر بقوله"الكبر بطر الحق وغمط الناس"
وأما قوله"فكم من طالب فَتَحَ على معلمه أبوابًا ليست على بال منه ولا تحقرن شيئًا"
فيعني به أن الطالب قد يذكر لمعلمه أمورًا لا يعرفها ولم تكن تخطر على باله، فإن العالم مهما بلغ علمه فإنه لا يحيط علمه بجميع المسائل ، بل ربما كان ما يحهله من المسائل كثيرًا جدًا، وربما تحير العالم في جواب بعض المسائل لعارض من العوارض وتفطن للجواب بعض طلابه المبتدئين .
كما حصل ذلك للقاضي الماوردي رحمه الله فقد ذكر أنه ألف كتاباًكبيراً في أحكام البيوع استقصى فيه المسائل والأدلة والأقوال واجتهد فيه اجتهادًا بالغًا
قال فلما فرغت من الكتاب خرجت إلى المسجد فأتاني رجلان يختصمان في مسألة من مسائل البيوع فلم أحر فيها جوابًا! فذهبا إلى طالب من الطلاب فأجابهم .
فاستفدنا من هذه القصة فوائد:
الأولى: أن العالم قد يستغلق عليه جواب بعض المسائل وهذا من طبيعة النقص البشري.
الثانية: أن بعض الطلاب قد يفتح لهم في العلم والفهم ما لا يفتح لشيوخهم كما قال تعالى"ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكمًا وعلمًا"
الثالثة: ورع القاضي الماوردي رحمه الله ونصحه ، فأما ورعه فلإمساكه عن الفتوى فيما لم يتبين له جوابه.
وأما نصحه فلذكره لهذه القصة التي ربما يظنها بعض الناس نقيصة في حقه ، وهي لم تزده إلارفعة.
السؤال الثالث :
أفهم من كلامك أن الانقياد للحق والتواضع له براءة من نصف الكبر، وأن التواضع للخلق واللين معهم براءة من النصف الآخر.
فنصف الكبر التعالي على الحق ونصفه الآخرالتعالي على الخلق.
ألا يكون يا شيخنا قول الشيخ " وكذلك للخلق " من باب عطفه على قوله "والتواضع للحق" أي هو داخل فيه، فمن تواضع للخلق فقد تواضع للحق، فالله يأمر بالتواضع للخلق، واتباع الأمر تواضع للحق. ومن يتعالى على الخلق فقد تعالى على الحق.
فيصبح الكبر كله تعال على الحق. وله أنواع.
الجواب :
أنا قصدت ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم"الكبر بطر الحق وغمط الناس"
فبطر الحق يعالج بالتواضع للحق ، وهذا هو النصف الأول
وغمط الناس يعالج بالتواضع للخلق، وهذا هو النصف الثاني
والتعبير بكونه نصف الكبر ونحوه إنما المراد منه تقريب الصورة والتبيين والتوضيح ، ولا يلزم منه أن يكون النصف الأول مساو لمقدار النصف الثاني.
وهذا المنهج التعليمي ورد في الهدي النبوي وله أكثر من مثال ، كما في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"الطهور شطر الإيمان"، وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث رجل من بني سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم"الطهور نصف الإيمان".
وللعلماء كلام كثير في معنى كون الطهور شطر الإيمان،وأقربه ما ذكره الخطابي ورجحه ابن رجب وغيره من أن التقسيم إلى نصفين في مثل هذا المقام إنما هو باعتبار اقتضته المناسبة،كما في قول الشاعر: إذا مِتُّ كان الناسُ نصفينِ : شامتٌ بموتي ومُثْنٍ بالذي كنتُ أفعلُ
أي أنهم فريقان:
-
فريق مبغض له شامت بموته
-
وفريق محب له مادح له ومثن عليه بأمجاده
ولا يلزم تساوي عدد الفريقين ،وتماثل النصفين
قيل لشريح القاضي: كيف أصبحت؟
فقال"أصبحت ونصفُ الناس عليَّ غضبان"
قال ابن رجب"يريد أنَّ الناسَ بين محكومٍ له ومحكومٍ عليه ،فالمحكومُ عليه غضبان ، والمحكوم له راضٍ عنه ، فهما حزبان مختلفان"
والمقصود أنه لما كان لا بد للبراءة من الكبر من أمرين:
الأول: التواضع للحق
والثاني: التواضع للخلق
صح اعتبارهما قسمين كما دل عليه الحديث،ولا يلزم من ذلك تماثل القسمين، بل بينهما من التلازم ما هو ظاهر بين ، كحال سائر الطاعات فإن بعضها يدل على بعض ويعين عليه ويكمله .
السؤال الرابع :ذكر الشيخ العثيمين عن أهل العلم أن هناك أمة قبل آدم وبنيه كيف نوفق بين هذا وأن آدم أول بشر خلقه الله
الجواب :التوفيق بأن الأمم السابقة من غير البشر.
هنا

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06-23-2017, 03:40 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

6 القناعةُ والزَّهادةُ

التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِالزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ .
ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى " لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ " وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًا في الزهْدِ ؟ قال " قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ .
يعني" الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ " اهـ .
وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ .
وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في 17/12/1393 هـ رَحِمَه اللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِ الوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه :
لقد جِئْتُ من البلادِ – شِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو ( القَناعةُ )، ولوأرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُؤْثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ . فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ .هنا

*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ
القارئ :
الأمر السادس: القناعة والزهادة
التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِ : الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ
الشيخ :
التحلي بالقناعة من أهم خصال طالب العلم يعني أن يقتنع بما أتاه الله عزوجل ولايطلب أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين لأن بعض طلبة العلم وغيرهم تجده يريد أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين فيتكلف النفقات في المأكل والمشرب والملبس والمفرش ثم يثقل كاهله بالديون وهذا خطأ بل عليك بالقناعة فإنها خير زاد للمسلم .
وأما الزهادة فيقول حقيقة الزهد : الزهد بالحرام والابتعاد عن حماه بالكف عن المشتبهات وكأنه أراد بالزهد هنا الورع لأن هناك ورعًا وزهدًا، والزهد أعلى مقامًا من الورع لأن الورع ترك ما يضر في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وبينهما فرق الفرق الذي بينهما المرتبة التي ليس فيها ضرر وليس فيها نفع فالورِع لا يتحاشاها والزاهد يتحاشاها ويتركها لأنه لا يريد إلا ما ينفعه في الآخرة.
القارئ :
ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى : لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ.
الشيخ :
الله أكبر يعني في الوصية لو قال: أوصيت لأعقل الناس، يصرف إلى من؟ إلى الزهاد لأن الزهاد هم أعقل الناس حيث تجنبوا ما لا ينفعهم في الآخرة, وهذا الذي قاله رحمه الله ليس على إطلاق لأن الوصايا والأوقاف والهبات والرهون وغيرها ترجع إلى معناها في العرف فإذا كان أعقل الناس في عرفنا هم الزهاد صرف لهم وإذا كان أعقل الناس هم ذوو المروءة والوقار والكرم بالمال والنفس صرف إليهم .
القارئ :
وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًا في الزهْدِ ؟ قال : قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ .
يعني: الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ. اهـ .
الشيخ :
لما طُلب منه أن يصنف في الزهد قال: قد صنفت كتاباً في البيوع لأن من عرف البيوع وأحكامها وتحرز من الحرام واستحل الحلال فإن هذا هو الزاهد .
القارئ :
وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ .
وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في السابع عشر من شهر ذي الحجة عام 1393هـ رَحِمَه اللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِ الوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه : لقد جِئْتُ من البلادِ – شِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو ( القَناعةُ )، ولو أرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُوثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ . فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ .
الشيخ :
آمين . هذا الكلام من الشيخ الشنقيطي وأشباهه من أهل العلم لا يريدون بذلك تزكية النفس إنما يريدون بذلك نفع الخلق وأن يقتدي الناس بهم وأن يكونوا على هذا الطريق لأننا نعلم هذا من أحوالهم يعني أحوال العلماء أنهم لا يريدون تزكية النفس وهم أبعد الناس عن ذلك وهو رحمه الله كما ذكره الشيخ بكر من الزهاد إذا رأيته لا تقول إلا أنه رجل من أهل البادية حتى العباءة تجد أن عليه عباءة عادية وكذلك الثياب ولا تجده يهتم بهندمة نفسه وثيابه .

هنا

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ
القارئ:
القناعة والزهادة:
التحلي بالقناعة والزهادة، وحقيقة الزهد : "الزهد بالحرام، والابتعاد عن حماه، بالكف عن المشتهات وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس".
ويؤثر عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : "لو أوصى إنسان لأعقل الناس، صرف إلى الزهاد". وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له: ألا تصنف كتابًا في الزهد؟ قال : "قد صنفت كتابًا في البيوع" .
يعنى: "الزاهد من يتحرز عن الشبهات، والمكروهات، في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف" اهـ.
وعليه، فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، بحيث يصون نفسه ومن يعول، ولا يرد مواطن الذلة والهون.
وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطى المتوفى في 17/12/1393هـ رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله : "لقد جئت من البلاد - شنقيط - ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد، وهو (القناعة) ، ولو أردت المناصب، لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم لنيل المآرب الدنيوية". فرحمه الله تعالى رحمه واسعة آمين.
الشيخ :
هنا الأدب السادس من آداب طالب العلم، وهو القناعة والزهادة،أما القناعة فالمراد بها عدم استشراف النفس بما لم يُعطه اللهُ للعبد ، القناعة عدم استشراف النفس بما لم يُعطه اللهُ للعبد ، بحيث يكون راضيًا بما رزقه الله - جل وعلا - هذه هي القناعة ،أما الزهد فالمراد بالزهد ترك مالا ينفع في الآخرة ترك مالا ينفع في الآخرة ، وقال المؤلف : الزهد بالحرام والابتعاد عن حماه بالكف عن المُشْتبهات، الزهد في الحرام هذا يقول له الفقهاء الورع ،فالمراد بالورع هو ترك الحرام ، والمراد بالزهد ترك مالا ينفع.
قال : لو أوصى إنسانٌ لأعقل الناس ، قال الإمام الشافعي: فإنه يُصرف إلى الزهاد، لماذا؟ لأنهم انتفعوا بما لديهم ولم يُقدِموا على مالا ينفعهم ، ليس المراد بالزهد ترك الدنيا ، وإنما المراد بالزهد الاقتصار على ما ينفع ، ولذلك نجد مثلاَ سليمان بن داوود ونجد أباه قد آتاهم الله من الدنيا ما آتاهم ، لا يعد هذا مناقضًا للزهد ، وإنما من جاءته الدنيا واستعملها فيما ينفعه في الآخرة فإنه يُعد زاهدا ، قال تعالى" وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ"، فدل هذا على أنَّ الأموال التي يعطيها الله جل وعلا للعبد إذا استعملها في طاعة الله جل وعلا فإنه حينئذ يكون من الزهاد ، ولو كان عنده من الأموال الشيء الكثير ، وأنَّ الله- جل وعلا - إذا لم يجعل العبد يصرف ما أعطاه الله له في مراضيه فإنه ليس بزاهدٍ ولو لم يكن عنده من الدنيا إلا الشيء القليل. قال المؤلف: وعن محمد بن الحسن الشيباني لما قيل له ألا تصنف كتاباً في الزهد؟ قال: قد صنفت كتاباً في البيوع؛ لأنَّ من كان يترك من البيوع مالا ينفعه فإنه حينئذ سيكون زاهدا ، قال : الزاهد من يتحرز عن الشبهات.والشبهات تشمل صورًا :
الصورة الأولى :إذا كان هناك مسائل يختلف أهل العلم فيها وللخلاف محله ، فحينئذ هذه المسائل من الشبهات.
الصورة الثانية :مسائل فيها أدلة متعارِضة ، ولم يعرف كيفية الجمع بينها ، فهذه من المسائل المُشتبهات.
الصورة الثالثة :أن يكون هناك مسائل لا ندري هل تدخل في تطبيق الحرام أو في تطبيق الحلال ، فحينئذ هذه المسائل من المشتبهات ، والمشتبهات لها عشر صور ، هذه أبرز صور المشتبهات.
قال : وعليه فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، يعني : يكون سببًا لورود مالا يُحمد عليه ، وبحيث لا يثنى عليه بسوء ، قال : بحيث يصون نفسه ومن يعول، فهو يقتات ويعمل ولكن لا يكون ذلك العمل من المشتبهات أو مما يُخالف المروءات ،ولا يرد مواطن الذلة والهَون، يعني : المَحال التي تكون سببًا من أسباب اعتقاد الناس أنَّ هذا يخالف المروءة ، فالصنائع ، الأعمال التي تخالف المروءات عند الناس يجتبها طالب العلم.
ثم ذكر المؤلف عن شيخه الشيخ الأمين الشنقيطي وهو من علماء الأمة فضلا وعلمًا ، ومن سمِع أحاديثه أو أشرطته ودروسه ، عَلم ما آتاه الله جل وعلا من العلم ، وتفسيره أضواء البيان من الكتب النادرة العظيمة المشتملة على علم كثير مع كونه لا يتجاوز تفسير الآيات التي يرد عليها. والشيخ الشنقيطي نموذج ، فالزهد ليس في حال من أعرضت عنه الدنيا ، ولكن الزهد فيمن أقبلت عليه الدنيا ، إذا تقرر هذا فإنَّ من آتاه الله المال الكثير فاستعمله في طاعة الله فهذا زاهد.. نعم.

هنا
*إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول :لم أفهم ما هو الورع وما الفرق بينه وبين الزهد
الجواب :من أحسن من عرفهما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ قال:
الزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله .
والورَع المشروع: هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة، وهو ترك المحرمات والشبهات.
وبه تعلم أن الزهد والورع يجتمعان في أمور ويفترقان .
فالزهد والورع يجمعهما جامع الترك فكل منهما يترك صاحبه أمرًا، لكن الدافع في التركين مختلف.
فالترك الذي يحمل على الزهد هو لأجل أنه لا ينفع في الآخرة، فكل ما لا ينفع في الآخرة فتركه من الزهد.
والترك الذي يحمل عليه الورَع هو خشية العذاب بعدم الترك، وأكثر ما يطلق الورع على ما ترك المشتبهات ، فيتركها الورِعُ احتياطًا لدينه وخشية من أن يكون فيها ما يأثم بسببه فيعذب عليه.
وأما ترك فضول المباحات التي لا يستعان بها على طاعة الله عز وجل فهو من الزهد لأنها لا تنفع في الآخرة، وليس من الورع لأنه ليس فيها ما يخشى من ضرره في الآخره.
والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني :لهل يمكن القول بأن الزهد صفاته فى العمل والورع صفاته فى النفس ؟
الجواب : الزهد والورع كلاهما من أعمال القلوب ، وكلاهما فيهما ترك.
وإنما يتبين الفرق بينهما بمعرفة السبب الحامل على الترك.
فإن كان التارك قد تركه رغبة عنه لالتفات قلبه إلى ثواب أعظم فهذا زهد فيما تركه.
وإن كان تركه خشية من العقاب على فعله فهو وَرَع.
ولذلك قيل: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يُخشى ضرره.
وأكثر ما يطلق الورع على ترك المشتبهات.
وأكثر ما يطلق الزهد على ترك فضول المباحات.

هنا
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-23-2017, 04:44 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

7 التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ
التَّحَلِّي بـ ( رَوْنَقِ العِلْمِ ) حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، من دَوامِ السكينةِ والوَقارِ والخشوعِ والتواضُعِ ولزومِ الْمَحَجَّةِ بعِمارةِ الظاهِرِ والباطنِ والتَّخَلِّي عن نواقِضِها .
وعن ابنِ سيرينَ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ"كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كما يَتَعَلَّمُون العِلْمَ " وعن رجاءِ بنِ حَيْوَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ لرَجُلٍ"حَدِّثْنَا ، ولا تُحَدِّثْنا عن مُتَمَاوِتٍ ولا طَعَّانٍ " رواهما الخطيبُ في ( الجامِعِ ) وقالَ"يَجِبُ على طالبِ الحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ ، والعَبَثَ ، والتبَذُّلَ في المجالِسِ بالسُّخْفِ والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِ التنادُرِ وإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِ منه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُ عن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وما أَوْغَرَ منه الصدورَ وجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِ يَضَعُ من القدْرِ ويُزيلُ الْمُروءةَ " اهـ .
وقد قيلَ " مَنْ أَكْثَرَ مِن شيءٍ عُرِفَ به " فتَجَنَّبْ هاتِيكَ السقَطَاتِ في مُجالَسَتِكَ ومُحادَثَتِك .وبعضُ مَن يَجْهَلُ يَظُنُّ أنَّ التبَسُّطَ في هذا أَرْيَحِيَّةٌ .
وعن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ"جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ ، إني أَبْغَضُ الرجلَ يكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه"وفي كتابِ المحدَّثِ الملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ"وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ" .وانْظُرْ شَرْحَه لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى .
هنا

*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :مفرغ
القارئ :
الأمر السابع
التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ:
التَّحَلِّي بـ ( رَوْنَقِ العِلْمِ ) حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، من دَوامِ السكينةِ والوَقارِ والخشوعِ والتواضُعِ ولزومِ الْمَحَجَّةِ بعِمارةِ الظاهِرِ والباطنِ والتَّخَلِّي عن نواقِضِها .
الشيخ :
هذا قد يكون فرعا مما سبق؛ فإن حسن السمت، والهدي الصالح، من دوام السكينة، والوقار، والخشوع، والتواضع، قد سبق الإشارة إليه وأنه ينبغي لطالب العلم أن يكون أسوة صالحة في هذه الأمور .
القارئ :

وعن ابنِ سيرينَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ"كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كما يَتَعَلَّمُون العِلْمَ " وعن رجاءِ بنِ حَيْوَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ لرَجُلٍ"حَدِّثْنَا ، ولا تُحَدِّثْنا عن مُتَمَاوِتٍ ولا طَعَّانٍ " رواهما الخطيبُ في ( الجامِعِ ) وقالَ"يَجِبُ على طالبِ الحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ ، والعَبَثَ ، والتبَذُّلَ في المجالِسِ بالسُّخْفِ والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِ التنادُرِ وإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِ منه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُ عن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وما أَوْغَرَ منه الصدورَ وجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِ يَضَعُ من القدْرِ ويُزيلُ الْمُروءةَ " اهـ .

الشيخ :
هذا من أحسن ما قيل في آداب طالب العلم , أن يتجنب اللعب والعبث , إلا ما جاءت به الشريعة , كاللعب برمحه وسيفه وفرسه , لأن ذلك يعينه على الجهاد في سبيل الله, وكذلك في الوقت الحاضر اللعب بالبنادق الصغيرة, هذا لا بأس به كذلك ، العبث هو أن يفعل فعلا لا داعي له , أو يقول قولا لا داعي له . كذلك التبذل في المجالس , بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، لا سيما عند عامة الناس , أما عند أصحابك وأقرانك فالأمر أهون , لكن عند عامة الناس إياك أن تفتح باب الامتهان فإن ذلك يذهب الهيبة من قلوب الناس , فلا يهابونك ولا يهابون العلم الذي تأتي بهالقارئ :

وقد قيلَ " مَنْ أَكْثَرَ مِن شيءٍ عُرِفَ به " فتَجَنَّبْ هاتِيكَ السقَطَاتِ في مُجالَسَتِكَ ومُحادَثَتِك . وبعضُ مَن يَجْهَلُ يَظُنُّ أنَّ التبَسُّطَ في هذا أَرْيَحِيَّةٌ .
وعن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ"جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ ، إني أَبْغَضُ الرجلَ يكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه"

الشيخ :
الله المستعان , صحيح , لأن هذا يشغل عن طلب العلم , مثل أن يقول أكلت البارحة أكلا حتى ملأت البطن , وما أشبه ذلك , من الأشياء التي لا داعي لها , أو يتكلم بما يتعلق بالنساء .
أما أن يكون الرجل مع أهله ثم يصبح يحدث الناس بما فعل , فإن هذا من أشر الناس منزلة عند الله عز وجل .
القارئ :
وفي كتابِ المحدَّثِ الملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ"وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ" . وانْظُرْ شَرْحَه لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى .
الشيخ :
يقول رحمه الله : وفي كتاب المحدث الملهم .
المحدَّث : يعني به عمر بن الخطاب رضي الله عنه , لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "إن يكن فيكم محدثون فعمر"
والمراد الملهم : الذي يلهمه الله عز وجل . وكأنه يُحدَّث بالوحي .
وقد أشكل هذا على بعض العلماء , حيث قالوا أن هذا يقتضي أن عمر أفضل الصحابة, لأنه قال "إن يكن فيكم محدثون فعمر"
لكن أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بأن عمر إنما يتلقى الإصابة بواسطة , أما أبو بكر فيتلقاها بلا واسطة.
وعلى هذا فيكون أفضل من عمر , ومن رأى تصرف أبو بكر رضي الله عنه في مواقع الشدة , علم أنه أقرب إلى الصواب من عمر .
ففي كتاب الصلح , الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقريش , وراجع عمر فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , وأجابه , ثم راجع أبا بكر , فأجابه بما أجابه به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم حرفا بحرف .
وفي قتال أهل الردة , وكذلك في تنفيذ جيش أسامة بن زيد , وكذلك في تثبيت الناس يوم وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم , كل هذا يدل على أن أبا بكر أصوب رأيا من عمر .
لكن الذي أظهر عمر رضي الله عنه , هو طول خلافته , وتفرغه لأمور المسلمين العامة والخاصة , فكان مشتهرا بذلك رضي الله عنه .
ولهذا نحن نقول , أيما أكثر رواية للحديث أبو هريرة أو أبو بكر ؟
أبو هريرة , هل يعني ذلك أن أبا هريرة أكثر تلقيا للحديث من الرسول عليه الصلاة والسلام من أبي بكر ؟
لا , لكن أبو بكر لم يحدث بما روى عن الرسول , وإلا فأبو بكر صاحب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم , صيفا وشتاء , ليلا ونهارا , سفرا وإقامة .
فهو أكثر الناس تلقيا عنه , وأعلم الناس بأحواله , لكن لم يتفرغ ليجلس إلى الناس ليحدثهم بما رواه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
الحاصل : أن بهذا يتبين الجواب عن الحديث " إن يكن فيكم محدثون فعمر".
يقول في الكتاب الذي كتبه إلى أبي موسى في القضاء :
من تزين بما ليس فيه شانه الله .
هذا حقيقة , إذا تزين الإنسان بأنه طالب علم , وقام يضرب الجبلين بعضهما ببعض , وكلما أتته مسألة من مسائل العلم شمر عن أكمامه , وقال أنا صاحبها , هذا حلال وهذا حرام وهذا واجب وهذا فرض كفاية وهذا فرض عين وهذا يشترط فيه كذا وكذا وهذا ليس له شروط وقام يفصل ويجمل , ولكن يأتيه طالب علم صغير , ويقول أخبرني عن كذا , فإذا بالله يفضحه ويبين أنه ليس بعالم .
وكذلك من تزين بعبادة وأظهر للناس أنه عابد , فلا بد أن يكشفه الله عز وجل لا بد أن ينكشف , أعاذنا الله وإياكم من الرياء .
ومهما تكن عند امرئ من خليقة = وإن خالها تخفى على الناس تعلم .
ومهما يكتم الناس فالله يعلمه , وسيفضح من لا يعمل لأجله .
فهذه العبارة من عمر زن بها جميع أعمالك , " من تزين بما ليس فيه شانه الله "
قال الشيخ بكر أبو زيد : وانظر شرحه لابن القيم رحمه الله .
شرحه ابن القيم في كتاب : (إعلام الموقعين) . شرحا طويل طويلا, حتى تكاد أن تقول: إن جميع الكتاب الذي هو ثلاث مجلدات كبار كان شرحا لهذا الحديث .
وإن لم يكن شرحا لألفاظه , لكنه شرح لألفاظه بوجه , وشرح لمعانيه وحكمه .
فلهذا أشار بكر أبو زيد إلى أن ننظر إلى هذا الشرح .


هنا

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ.

القارئ:
قال رحمه الله:التحلي برونق العلم:
التحلي بـ (رونق العلم) حسن السمت، والهدى الصالح، من دوام السكينة، والوقار، والخشوع، والتواضع، ولزوم المحجة، بعمارة الظاهر والباطن، والتخلي عن نواقضها.وعن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال:"كانوا يتعلمون الهدى كما يتعلمون العلم".
وعن رجاء بن حيوة رحمه الله تعالى أنه قال لرجل:"حدثنا، ولا تحدثنا عن متماوت ولا طعان".
رواهما الخطيب في "الجامع"، وقال :
"يجب على طالب الحديث أن يتجنب: اللعب، والعبث، والتبذل في المجالس، بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح بيسيره ونادره وطريفة، والذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه وما أوغر منه الصدور وجلب الشر، فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة" اهـ.
وقد قيل: "من أكثر من شيء، عرف به". فتجنب هاتيك السقطات في مجالستك ومحادثتك.
وبعض من يجهل يظن أنَّ التبسط في هذا أريحية.
وعن الأحنف بن قيس قال:
"جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصَّافاً لفرجه وبطنه". وفي كتاب المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في القضاء : "ومن تزين بما ليس فيه، شانه الله". وانظر شرحه لابن القيم رحمه الله تعالى.
الشيخ:
هذا هو الأدب السابع من آداب طالب العلم، بحيث أن يكون ظاهر طالب العلم موافقًا للعلم الذي يطلبه بحيث يكون"حَسُنَ السمت"، وحُسن السمت قلنا أنَّ السمت فيما سبق هو الصورة الظاهرة ، بحيث تكون أخلاقه الظاهرة وكلامه وملبسه ، دالاً على كونه من طلبة العلم ، فيكون هديه الظاهر موافقًا لهدي أهل الصلاح ، ومن ثَمَّ يلازم"السكينة"وهو طمأنينة النفس"والوقار"، بحيث يكون ظاهره غيرَ مُنبِئٍ عن خلاف هذه ، وكذلك يتصف"بالخشوع"، فليس متسرعًا ولا متبادراً لما لا ينبغي ، وليس متكلمًا بما لا يناسب حاله ، وكذلك يتصف بصفة"التواضع"، وهو ينافي التكبر ، ويكون"ملازمًاللمَحجَّة"،المراد بالمحجة :وسط الطريق الموصل إلى المُراد بحيث لا يكون ممن يميل جهة اليمين ولا جهة الشمال ، ويَعمُر ظاهره وباطنه بعبادة الله تعالى وذكره والتخلِّي عن نواقض ذلك .
"قال ابن سيرين كانوا يتعلمون الهَدي - وهو الصفة الظاهرة - كما يتعلمون العلم"، بحيث تكون ظواهرهم موافقة لبواطنهم ، ظواهرهم متحلية بالأوصاف الشرعية والأخلاق المَرعية.
"قال رجاء بن حيوة لرجلٍ : حدِّثنا ولا تحدِّثنا عن مُتماوِتٍ ولا طعَّان"،والمتماوت:هو من كان متصفا بصفة موت القلب ، بحيث لا يكون باطنه معمورا لله جل وعلا ،ولا طعان :وهو الذي يبذل لسانه في القدح في الآخرين والسب منهم.
"قال الخطيب: يجب على طالب الحديث أن يَتجنب اللعب"،ما المراد باللعب؟العمل الذي ليس له ثمرة ، هذا هو اللعب ، من أمثلته: هذه الألعاب التي في زماننا وعصرنا سواء في الانترنت أو في السوني أو في غيرها.
كذلك يتجنب"العبث"، مثل أن يحرك يديه حركات لا فائدة منها ، كذلك يتجنب"التبذُل في المجالس"، التبذل في المجالس الحديث في كل ما يقصد الناس الحديث فيه ، بحيث لا يوجد له ضوابط في حديثه ، ومن ثم تجده يتكلم"بالسُّخف"، والمراد بالسخف الأمور التوافه ، التي لا قيمة لها ولا منزلة ، أو يتكلم بأمورٍ مضحِكة التي ينتج عنها القهقهة ،"وكثرة التَنَدُّر"، والتنكيت على الآخرين ، وكذلك على طالب الحديث أن يتجنب"إدمان المزاح والإكثار منه"، لو مزح مرةً جاز ولم يُنافي ذلك آداب طالب العلم ، لكن أن يكون ذلك دأَبَه في كل حديثه وفي كل أموره ، فهذا ليس من شأن طالب العلم ،"إنما يُستجاز من المزاح الشيء اليسير النادر القليل والطريف ، الذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم"، أما أنيكون كل حديثه وكل مجالسه على المزاح ، ويتكلم بالأمور الفاحشة في المزاح التي تكون كبيرة ، وتكون عظيمة أن تصدر من إنسان ، أو يتكلم في الأمور السخيفة التافهة التي لا قيمة لها ، أو يتكلم من المزاح بما يوغر الصدور ، بحيث يُعلِّق على هذا ، ويُنكِّت على هذا ، فهذا يورد القطيعة ، ويورد غِل القلوب ويجلب الشر ، هذا كله مذموم. وأصل كثرة المزاح حتى ولو لم تكن بهذه الأمور؛ بالفاحش والسخيف والمورد للعداوة ، كثرة المزاح تضع من قدر الإنسان وتُزيل صفة المروءة منه ،ما هي صفة المروءة؟المروءة المراد بها اجتناب الإنسان مالا يُثنى عليه من الأوصاف عند الناس ، وبعضهم يقول المروءة اجتناب الإنسان الصفات غير المرغوب فيها ، مثال هذا: مما يُرغب فيه أن يكون الإنسان في مجتمعاتنا لابسًا للثياب ، فإذا لبس البنطلونات لم يُعدَّ حينئذ ممن اتصف بصفات المروءة ؛ لأنَّ الناس لا يُثنون على من ترك هذه الثياب المعتادة. وقد"قيل من أكثر من شيء"من مزاح أو ضحك ،"عُرف به"، بحيث يكون موصوفًا به ، فلان المزاح ،"فتجنب هاتيك السقطات في مُجالستك ومٌحادثتك ، وبعض من يجهل يظن أنَّ التبسط في هذا أرِيحية"، الأريحية يعني ما يكون مُنتجا لراحة النفس ، بعض الناس يعد الضحك والتبذل وكثرة المزاح من الأريحية التي ترتاح لها النفوس ، وهذا ليس من ذلك في شيء بل إنَّ الناس إذا وجدوا شخصا يُكثر من المزاح والتعليق على الآخرين ، فإنه حينئذ تنفر منه نفوسهم ، ولذلك"قال الأحنف بن قيس : جنِّبوا مجالسنا ذكرَ النساء والطعام"، وذلك لأنَّ هذه الأمور ليست من الأمور التي تَقصدها نفوس العقلاء ، وترتفع نفوسهم بها ، وإنما ينبغي أن تكون مجالسنا فيها ذكر الآداب ، فيها ذكر الأحكام الشرعية.
كذلك من الأمور التي تتعلق بهذا أن لا يظهر الإنسان صفة ليس متصفًا بها حقيقة ، كأن يُظهر للآخرين أنه يقوم الليل وليس كذلك ، أو يُظهر للآخرين أنه يقرأ القرآن أو يحفظ كتاب الله ، وليس فيه تلك الصفة ،"قال عمر رضي الله عنه : من تزين بما ليس فيه شانه الله"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"المُتَشبِّع بما لم يعط: الذي يقول أنا مُتصفٌ بالصفة الفلانية ، ومتصف بالصفة الفلانية ومتصف بالصفة الفلانية ، هذا كلابس ثوبي زور ،الزور:هو الكذب وتمويه الحقائق ، وجَعَلَها كالثوبين لأنها أولاً :قد كذب عن نفسه بحيث يُظهر أنه مُتصف بهذه الصفة وليس كذلك ،وكذلك قد زوَّر صورته في نفوس الآخرين ، ولذلك جعله كلابس ثوبي زورٍ.نعم

هنا
* إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل
السؤال الأول: ما معنى كلمة ( السمت ) ..؟ هل هي بـمعنى السمات والصفات ؟
الجواب: السمت في اللغة له معانٍ ، والمراد هنا هيئة أهل الخير وطريقتهم ، يقال: ما أحسن سمته !
إذا كانت هيئته حسنة على هيئة أهل الخير والصلاح وطريقتهم .

السؤال الثاني : ما المقصود بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بأن عمر إنما يتلقى الإصابة بواسطة ، أما أبو بكر فيتلقاها بلا واسطة ؟
الجواب : نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله كما في الرد على المنطقيين"فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لا يبلغها أحد، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد كان في الامم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر".
وفي حديث آخر : "إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه"
وقال علي"كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر".
وفي الترمذي وغيره:"لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ، ولو كان بعدي نبي ينتظر لكان عمر".
ومع هذا فالصديق أكمل منه فإن الصديق كمل في تصديقه للنبي فلا يتلقى إلا عن النبي، والنبي معصوم، والمحدَّث كعمر يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهمه ويحدَّث به، لكن قلبه ليس معصوما؛ فعليه أن يعرض ما أُلقي عليه على ما جاء به الرسول فإن وافقه قبله، وإن خالفه رده، ولهذا قد رجع عمر عن أشياء، وكان الصحابة يناظرونه ويحتجون عليه فإذا بينت له الحجة من الكتاب والسنة رجع إليها وترك ما رآه، والصديق إنما يتلقى عن الرسول لا عن قلبه، فهو أكمل من المحدث، وليس بعد أبي بكر صديق أفضل منه، ولا بعد عمر محدَّث أفضل منه). ا.هـ

ومراده أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أكمل فهمًا وعلمًا ويقينًا من عمر بن الخطاب؛ فقوة يقينه وفهمه للكتاب والسنة بلغت منزلة أعلى من منزلة المحدَّث الملهم الذي يستدل على الحق بواسطة ما يلقى في روعه.
وقلوب المحدَّثين غير معصومة فقد يلقى فيها الحق وهو الغالب، وقد يكون معه ما يلقيه الشيطان ابتلاء وامتحانًا، فوجب أن يعرضوا ما ألقي في قلوبهم على نصوص الكتاب والسنة فما خالف النصوص رجعوا عنه، وما وافقها قبلوه.
ولذلك لما ارتد من ارتد من العرب وعزم أبو بكر على قتالهم قال له عمر : يا أبا بكر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ودمه ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله".
فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعه.
قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
أخرجه البخاري ومسلم.
فكان أبو بكر أكثر علمًا وأحسن فهماً من عمر حتى رجع عمر إلى قوله، وهما من علماء الصحابة، بل نقل شيخ الإسلام إتفاق أهل العلم على أن أعلم هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر.

السؤال الثالث :
قول ابن سيرين رحمه الله"كانوا يتعلمون الهدي كما كانو يتعلمون العلم"في وقتنا الحاضر كيف نتعلم الهدي في ظل الغياب الكبير للقدوات خصوصا ان جل دراساتنا الشرعية ان لم يكن كلها هي دراسة عن بعد اي اننا لانكاد تلتقي بقدوات في هذا المجال ولايخفى على فضيلتكم ان لسان الحال ليس كلسان المقال أي أننا مهما قرأنا في الكتب عن سير الأعلام فان هذا ليس كرؤية أحوالهم ومعاشرتها؟ فكيف السبيل إلى ذلك .
الجواب :
لا يخلو زمان من صالحين متمسكين بالهدي الصحيح، وإن ندروا وكانوا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، ومَن كان صاحب تأسٍّ بأهل الخير والصلاح كفاه أن يحثه على ذلك ما يراه من جوانب الخير والصلاح لديهم، فرُبَّ عمل يراه المرء من أحدهم فينتفع به زمنًا طويلاً، ولا يشترط في القدوة أن يكون كاملاً في جميع الجوانب، بل النقص من طبيعة البشر، حتى الصالحين يقع منهم تقصير وقصور في جوانب وإجادة وإحسان في جوانب أخرى.
فمن فتح له في العلم والتعليم ونشر العلم قد يقع منه قصور وتقصير في جوانب أخرى.
ومن فتح له في التعبد والتهجد وكثرة الصلاة والصيام والتلاوة وكثرة الذكر قد يقع منه قصور وتقصير في جوانب أخرى.
ومن فتح له في أعمال البر والإحسان ونفع الناس قد يقع منه تقصير في غير ذلك من الأمور.
ومن فتح له في الجهاد والنصيحة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورعاية حدود الله وحرماته فكذلك.
وأما من كان ذا حظ في هذه الأعمال كلها فهو إمام من الأئمة الأبدال.
ذكر ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار أن عبد الله بن عبد العزيز العُمَري العابد كتب إلى الإمام مالك بن أنس يحضُّه على الانفراد والعمل وترك مجالسة الناس في العلم وغيره فكتب إليه مالك:
"إن الله تعالى قسم بين عباده الأعمالَ كما قسمَ الأرزاقَ؛ فرُبَّ رجل فُتِحَ له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح الله له في الجهاد، ولم يفتح له في الصلاة، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصيام.
وقد علمتُ أنَّ نشر العلم وتعليمَه من أفضل الأعمال، وقد رضيتُ بما فَتَحَ الله لي فيه، وقسم لي منه، وما أظنُّ ما أنا فيه بدون ما أنت فيه من العبادة، وكلانا على خير إن شاء الله"
ومن فتح الله له بابًا من أبواب الخير فليعتنِ بالاتساء بأئمة ذلك الباب من الصالحين، وينتفع من هديهم ودلّهم وسمتهم في غير مخالفة لهدي الكتاب والسنة.
وبهذا يُعلم أن الاقتداء يتجزأ ويتنوَّع ، فما يُرى عند بعض الصالحين من تقصير وقصور في جوانب لا يمنع من الاقتداء بهم فيما أحسنوا فيه.
ومن تطَلَّب قدوة تامًّا في جميع هذه الأبواب أعياه ذلك.
ومن تأمل أحوال من حوله وجد من بعضهم إجادة وبراعة في بعض أمور الخير، فليكن ذلك حافزًا له على الاتساء بهم بما يتيسر له.
والآثار عن السلف في الاتساء ببعض أحوال الناس وأقوالهم كثيرة مبثوثة في سيرهم.
قال أصبغ المالكي لعون بن عبد الله" سمعت من أبيك كلامًا نفعني الله تعالى به وهو: لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"
وقال زبيد بن الحارث اليامي"سمعت كلمة فنفعني الله عزَّ وجلَّ بها ثلاثين سنة"
بل إن بعضهم يرى موقفًا أمامه فيعتبر به مدة طويلة من الزمن.
وهذا هو مقصود الاقتداء أن ينتفع المقتدي بما يسمع ويرى.

ومن الدعاء الذي أرشد الله إليه عباده المؤمنين أن يقولوا"وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)" الفرقان.
وهو يشمل الإمامة على اختلاف درجاتها، فقد يفتح لعبد من عباد الله في عمل من الأعمال فيكون فيه إمامًا يقتدى به فيه ، ولو كان لديه ضعف في أبواب أخرى من أبواب الخير.
واللبيب الذي يحاسب نفسه ويزن عمله بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة يعرف من نفسه ما هو مقصّر فيه في من أبواب الخير، ويعرف ما فتح له فيه مما يحسنه؛ فيعتني أولاً بالقدر الواجب من كل ذلك، وهو أمر متيسّر لا حرج فيه على المرء؛ لأن الواجبات الشرعية هي من تكاليف الدين، وما جعل لله علينا في الدين من حرج.
ثم يعتني بالاجتهاد فيما فتح له فيه، وليعلم أن قيمة كل امرئ ما يحسنه كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومما يعينه على الإحسان في ذلك الأمر النظر إلى سير المحسنين فيه فيعتني بآثارهم ومآثرهم سواء أكانوا من الأموات أم الأحياء
فمن مات يعتني بسيرهم ويتعرف على طرائقهم وأسباب تفوقهم وتمكنهم وانتفاع الناس بهم.
والأحياء منهم يحرص على الاستفادة منهم بما يتيسر له، فقد ينتفع من مجالستهم ومراسلتهم والعرض عليهم ما لا يستفيده من القراءة والدراسة مدة طويلة.
وقد قال النووي في شرح صحيح مسلم: ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أيامًا.
فإذا كان هذا نفع مذاكرة ساعة؛ فما الظن بملازمتهم والعرض عليهم والتخرج على أيديهم.

هنا
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 04:21 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر