مجلس رقم 78
59-مَوْقِفُكَ مِن وَهْمِ مَن سَبَقَكَ :
إذا ظَفِرْتَ بوَهْمٍ لعالِمٍ ؛ فلا تَفْرَحْ به للحَطِّ منه ، ولكن افْرَحْ به لتصحيحِ المسألةِ فقطْ ؛ فإنَّ الْمُنْصِفَ يَكادُ يَجْزِمُ بأنه ما من إمامٍ إلا وله أغلاطٌ وأوهامٌ ، لا سِيَّمَا الْمُكْثِرِين منهم .
وما يُشَغِّبُ بهذا ويَفْرَحُ به للتَّنَقُّصِ ؛ إلا مُتعالِمٌ ( يُريدُ أن يُطِبَّ زُكامًا فيُحْدِثَ به جُذَامًا ) . نعمْ ؛ يُنَبِّهُ على خَطأٍ أو وَهْمٍ وَقَعَ لإمامٍ غُمِرَ في بَحْرِ عِلْمِه وفَضْلِه لكن لا يُثيرُ الرَّهَجَ 1 إليه بالتنَقُّصِ منه والْحَطِّ عليه فيَغْتَرَّ به مَن هو مِثْلُه .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
هذا أيضا مهم جدا، وهو موقف الإنسان من وَهْمِ مَنْ سبقه أو مَنْ عاصرَهُ أيضا. هذا الموقف له جهتان:
الجهة الأولى- التصحيح وهذا أمر واجب، ويجب على كل إنسان عَثَرَ على وَهْمِ إنسانٍ- ولو كان من أكابر العلماء في عصره- أو فيمن سبقه- يجب عليه أن ينبه على هذا الوهم وعلى هذا الخطأ، لأن بيان هذا الوهم أمر واجب، ولا يمكن أن يضيع الحق لاحترام من قال بالباطل، لأن احترام الحق أولى من مراعاته.
لكن هل يصرح بذكر قائل الخطأ أو الوهم، أو يقول: توهم بعض الناس وقال كذا وكذا؟ هذا ينظر إلى المصلحة. قد يكون من المصلحة ألا يصرح، كما لو كان يتكلم عن عالم مشهور في عصره، موثوق عند الناس محبوب إليهم. فيقول: قال فلان كذا وكذا خطأ، فإن العامة لا يقبلون منه شيئا بل يسخرون به، ويقولون: من أنت حتى ترد على فلان، ولا يقبلون الحق. ففي هذه الحال يجب أن يقول: من الوهم أن يقول القائل كذا وكذا. ولا يقل: فلان.
وقد يكون هذا الرجل- الذي توهم- متبوعا يتبعه شرذمة من الناس، وليس له قدر في المجتمع، فحينئذ يصرح، لئلا لا يغتر الناس به، فيقول: قال فلان كذا وكذا وهو خطأ.
الجهة الثانية- في موقف الإنسان من وهم من سبقه أو من عاصره أن يقصد بذلك بيان معايبه لا إظهار الحق من الباطل.
وهذه إنما تقع من إنسان حاسد- والعياذ بالله- يتمنى أن يجد قولا ضعيفا أو خطأ لشخص ما، فينشره بين الناس ولهذا نجد أهل البدع يتكلمون في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وينظرون إلى أقرب شيء يمكن أن يقدح به، فينشرونه ويعيبونه، فيقولون: خالف الإجماع في أن الثلاث طلقات واحدة، فيكون هو شاذا. ومن شذ شذ في النار، يحكم بأن الإنسان إذا قال لامرأته أنت طالق، بأن يكفر كفارة يمين، مع أنه لم يتكلم باليمين إطلاقا، وإنما قال: إذا فعلت كذا فأنت طالق مثلا.
يقول بأن الله تعالى لم يزل فعالا ولم يزل فاعلا، وهذا يستلزم أن يكون مع الله قديم، لأن هذه المقولات الواقعة بفعل الله، إذا جعل فعل الله قديما لم يزل، لزم أن تكون المفعولات قديمة، فيكون قد قال بوجود إلهين.... وما أشبهها من هذه الكلمات التي يأخذونها زلة من زلاته يشيعونها بين الناس، مع أن الصواب معه.
لكن الحاسد الناقم- والعياذ بالله- له مقام آخر.
فأنت في وهْمِ من سبقك يجب أن يكون قصدك الحق، ومن كان قصدُه الحقَ وُفِّقَ للقبولِ، أما من كان قصدُه أن يُظهرَ عيوبَ الناسِ، فإن من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه.2
ثم يقول :«إذا ظَفِرْتَ بوَهْمٍ لعالِمٍ ؛ فلا تَفْرَحْ به للحَطِّ منه ، ولكن افْرَحْ به لتصحيحِ المسألةِ فقطْ ؛». والحقيقة إني أقول: لا تفرح به إطلاقا، إذا عثَرَتَ على وهْمِ عالمٍ فحاول أن تدفع اللوم عنه وأن تذب عنه، لا سيما إذا كان من العلماء المشهود لهم بالعدالة والخير ونصح الأمة.
أما أن أفرح بها، فهذا لا ينبغي حتى وإن كان قصدي تصحيح الخطأ. ولهذا لو كانت العبارة «إذا ظفرت بوهم عالم فلا تفرح به للحط منه ولكن التمس العذر له وصحح الخطأ» هذا صواب العبارة.
ثم قال:«فإنَّ الْمُنْصِفَ يَكادُ يَجْزِمُ بأنه ما من إمامٍ إلا وله أغلاطٌ وأوهامٌ ، لا سِيَّمَا الْمُكْثِرِين منهم ». والأفصح أن يقول :«لا سيما المكثرون منهم».
يقول أن المنصف يعني الذي يتكلم بالعدل ويتتبع أقوال العلماء يعلم أنه ما في عالم إلا وله أوهام وأخطاء، ولا سيما المكثر الذي يكثر الكتابة والفتوى. ولهذا قال بعضهم: من كثر كلامه، كثر سقطه. ومن قل كلامه، قل سقطه.
ثم قال :«وما يُشَغِّبُ بهذا ويَفْرَحُ به للتَّنَقُّصِ ؛ إلا مُتعالِمٌ» يُريدُ أن يُطِبَّ زُكامًا فيُحْدِثَ به جُذَامًا.
في الحقيقة لا يفرح به للتنقص إلا إنسان معتدي لا متعالي. معتدي يريد العدوان على الشخص نفسه، ويريد العدوان على العلم الصحيح، لأن الناس إذا وجدوا هذا العالم أخطأ في مسألة ضعف قوله، أو ضعفت قوة قوله عندهم حتى في المسائل الصحيحة.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ
كذلك إذا وجدنا وهما أو خطأً لبعض أهل العلم لا ينبغي أن نبادر فيه ، وأن نعليه وأن نشهره رغبة في إظهار أنفسنا ، وإنما نحاول تصحيح الأمر بما يكون مظهرا للعلم ومبيّنا للحق ، وبما لا يكون منقصا لمقدار ذلك العالم ، فإنه ما من أحد إلا ويحتمل أن يقع في خطأ وزلل.
آفاق التيسير
1- الرَّهْجُ : الشَّغْبُ. هنا
2- -" يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمينَ ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم ، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه" الراوي : أبو برزة الأسلمي و البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 7984 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية