19 ـ والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ * والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارة
هذا شروع مِن الناظم رحمه الله في بيان بعض الأصول التي يجب التمسك بها عند ورود الشك، فهي تفريع على القاعدة السابقة
لما كانت الأحكام ترجع إلى أصولها حتى يُتَيَقَّن زوال الأصل كما سبق بيانه ، لذا احتيج إلى معرفة أصول أشياء إذا شك فيها رجع إلى أصولها ، وهي أصول تابعة لقاعدة "الأصلَ في الأشياءِ الطَّهارةُ" وهذا معلومٌ من كُليَّات الشَّريعةِ وجزئيَّاتها، ولا يُصارُ إلى غير ذلك إلَّا بدليلٍ ناقلٍ عن الأصلِ = هنا =
"اليقينُ لا يزول بالشكِّ " وتُمثل جانب اليقين منها ـ أي من القاعدة ـ لذا ذَكَرَها الناظمُ عقب هذه القاعدة .منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وذكر المؤلف في هذه القاعدة مجموعة أصول تحت أصل " الأصل في الأعيان أو في الأشياء الطهارة "
فقال : والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ * والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارة ،
فالأصل في هذه الأمور الأربعة -وهي المياه والأرض والثياب والحجارة- الأصل فيها أنها طاهرة.
وذِكر هذه الأشياء الأربعة لا يُراد به التخصيص والحصر ، بل المراد التمثيل ، وإلا فالأصل في سائر الأشياء الطهارة حتى يَثبت خلاف ذلك بالدليل أو القرينة .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وهذه القاعدة مرتبة على القاعدة السابقة ، ولكن من تأمل ما ذكرناه سابقًا من الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي ، يجد أن هذه القاعدة أقرب إلى الضابط الفقهي منها إلى القاعدة الفقهية ، فهي ضابط فقهي وليست قاعدة فقهية .
*الفرق بين القاعدة وبين الضابط:
=القاعدة الفقهية تكون مما يدخل في أبواب عديدة، فالقاعدة الفقهية لها فروع في أبواب فقهية متعددة، مثال ذلك: قاعدة الأمور بمقاصدها نأخذ منها وجوب الصلاة في باب الصلاة، ونأخذ منها في البيع أن المقاصد معتبرة.
، بينما الضوابط الفقهية تكون خاصة بباب واحد؛ مثال ذلك: قاعدة أن ما جاز في الفريضة من الصلوات جاز في النفل، فهذا ضابط فقهي متعلق بالأبواب- أبواب النوافل، نوافل الصلوات، ومثله ضابط كل زوج يلاعن، يعني أنه يحق لأي زوج من الأزواج إذا اتهم زوجته بالزنا أن يلاعنها، فهذا ضابط فقهي يختص بباب واحد.
=الفرق الثاني بين القاعدة الفقهية والضابط: أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليل الحكم، فقولنا: الأمور بمقاصدها فيه إشارة لمأخذ الحكم، وهو الدليل الوارد في ذلك إنما الأعمال بالنيات، كما رواه الشيخان من حديث عمر بن الخطاب، بينما الضابط الفقهي لا يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها.=هنا =
معنى ذلك : أنه لما تأصل في الشريعة أن المياه والثياب والأرض والحجارة الأصل فيها الطهارة ،كأن هذا التأصيل يدل على أنه هو المتيقن ، وعدم طهارة هذه الأشياء شكٌّ يحتاج إلى دليل ، فلا يُصار إليه حتى يأتي دليل يدل على خلاف الأصل .
ففقه هذا الضابط يسد باب الوسوسة الذي أُبتلي بها كثير من الناس ، فالأصل في الماء والأرض والثياب والحجارة ؛ الطهارة .
فبعض الناس يبني عبادته على أوهام ويقول هذا من باب الاحتياط في العبادة ، فنقول : إن الأصل في الماء - مثلًا- الطهارة ما لم يتبين للإنسان النجاسة بقرينة .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
الأصل في اللغة ؛ هو ما يُبنى عليه غيره، وقيل ما يتفرع على غيره.الشيخ خالد المصلح = هنا =
وأما تعريفه في استعمالات العلماء، فالأَصْلُ في كلام العلماء يُطلق على معانٍ متعددة ، كالدليلِ ، والراجح ، والقاعدة المستمرة ، والحالة الأولى المستصحَبةِ ، والمراد هنا الأخيرُ .
يطلق على الدليل، فتقول : الأصل في الطهارة قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ"المائدة:6، الآية، معناه الأصل هنا الدليل.
الأصل في إباحة البيع قول الله عز وجل"وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"البقرة:275، هذا بمعنى الدليل.
إطلاق الأصل على الراجح، فتقول اختلف العلماء في الوضوء من أكل لحم الإبل، والأصل فيه وجوب الوضوء، أو والأصل فيه عدم الوجوب، عندما نقول الأصل فيه وجوب الوضوء ليس المقصود القاعدة المستمرة ولا الدليل، إنما نقصد بذلك الراجح، فعندما تقول الأصل كذا ويذكر المختار فهو بمعنى الراجح.
يطلق الأصل ويراد به القاعدة المستمرة، وهذا هو المقصود في هذا السياق، في قول المصنف " والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ"، فإن مقصوده بالأصل هنا: أي القاعدة المستمرة، وقريبٌ من هذا الأمر المستصحب، فإنه يطلق عليه الأصل، وهذان متقاربان.
فهنا المصنف رحمه الله يذكر الأصل بمعنى القاعدة المستمرة، ولا نفسره بالدليل لأنه لم يذكر دليلًا، ولا بأنه الراجح لأن هذا مجمعٌ عليه، وإنما يكون الراجح والمرجوح فيما فيه خلافٌ من مسائل العلم، أما ما لا خلاف فيه من مسائل العلم فإنه لا يوصف براجح ومرجوح.
o أدلة طهارة هذه المذكورات :
ـــــــــــــــ
* الأصل في المياه الطهارة لقوله تعالى :
"وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا " .سورة الفرقان / آية : 48 .
قالوا: والمياه الموجودة الآن على وجه الأرض أصلها مِن السماء.والعلماء على خلاف في أصل الماء على كوكب الأرض، وهل هو منها، أو من خارجها ؟ولمعرفة تفاصيل هذا الخلاف يرجع للرابط الآتي = هنا= إسلام ويب /فقه العبادات الطهارة أحكام الميا
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الماء طهورٌ لا يُنَجِّسُه شيء»وهذا يدل على أنّ الماء أصلُه طاهر
"أنَّه قيلَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنتوضَّأُ من بئرِ بضاعةَ وَهيَ بئرٌ يطرحُ فيها الحيضُ ولحمُ الكلابِ والنَّتنُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ" الماءُ طَهورٌ لا ينجِّسُه شيءٌ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 66 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر =
* ..... سمع أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ يقول : جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! إنَّا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " هو الطهور ماؤه ، الحِلّ ميتته " .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / 1 ـ كتاب : الطهارة / 38 ـ باب : الوضوء بماء البحر / حديث رقم : 386 / ص : 85 / صحيح .
فالماء مثلاً الذي لا نعلم فيه دليلًا على طهارته ، ولا على نجاسته ، فإننا نحكم بقاعدة الأصل ،وهي الطهارة .
فقوله رحمه الله " والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا "، أي القاعدة المستمرة التي لا تنخرم ولا تختل في مياهنا ؛ أي في شأن المياه، وأضاف المياه إلى الناس، لأنه يتحدث عن الناس، فقوله مياهنا، نا هنا للجمع، أي مياه الناس، سواءً كانت نازلة من السماء، نابعة من الأرض، مطلقة في البراري والمستنقعات، محوزة في أوعية وأواني، الماء في كل صوره وفي كل أحواله وفي كل أوعيته وأينما كان الأصل فيه الطهارة، ولذلك قال " والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا "
* والأصل كذلك طهارة الأرض لقوله تعالى "فَلمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا ". سورة النساء / آية : 43 .
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " فُضِّلْتُ بأربعٍ : جُعِلتُ أنا وأمتي في الصلاةِ كما تَصُفُّ الملائكةُ ، وجُعل الصعيدُ لي وَضوءًا وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا ، وأُحلَّت ليَ الغنائم " .
رواه الطبراني عن أبي الدرداء . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... /
الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 4219 / ص : 777 .
الأرض من : التراب ، والأحجار ، والسباخ - السباخ : هو رَوْث مأكول اللحم -، والرمال ، والمعادن ، والأشجار ، الأصل طهارتها.رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 22 / بتصرف
أي والأصل في الأرض أنها طاهرة، ومعنى الطهارة في الأرض ؛ أي أنه يجوز استعمالها في التيمم، ويجوز السير عليها، ولا يتحرز من شيءٍ مما على الأرض، فإن الأصل فيها الطهارة، ويجوز أن يصلي حيثما تيسر له من الأرض، ولا يحتاج إلى أن يتحقق أو يسأل هل هي طاهرة أو لا، لأن الأصل في الأرض الطهارة، وقد جاء ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر ما خص الله تعالى به رسوله دون سائر الأمم، " وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، وهذا يشمل كل أجزاء الأرض.الشيخ خالد المصلح = هنا =
و قوله " والثياب "، يشمل كل الثياب، سواءً كانت مما يلي البدن أو مما لا يليه، وسواءً كانت ثياب مؤمن أو ثياب كافر.
فجميع أصناف الملابس ، الأصل فيها الطهارة ، حتى يُتَيَقَّن زوال أصلِها بِطُرُوء النجاسة عليها .
ويخرج من الملابس المصنوع من غير طاهر ، كجلود السباع والكلاب والخنازير .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 22 / بتصرف .
وهذه قاعدة جامعة نافعة، ويحتاجها الإنسان في مواضع عديدة، وهي مما أجمع عليه علماء الأمة، كما حكى الإجماع غير واحدٍ من أهل العلم.الشيخ خالد المصلح = هنا =
* والأصل كذلك طهارة الحجارة :
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطب ، فإنها تُجزئ عنه " .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / 1 ـ كتاب : الطهارة / 21 ـ باب : الاستنجاء بالأحجار / حديث رقم : 40 / ص : 13 / حسن .
ذِكر بعض أفراد العام بحكمٍ لا يخالف العام لا يفيد التخصيص . لذلك ذكرَ الحجارةَ لأنها بعض أفراد العام، بعض أفراد الأرض، فجميع الأرض بكل أجزائها طاهرة، فلا يحتاج الإنسان إلى أن يسأل ولا أن يتحقق ولا أن يتحرى، لا في التيمم بها، ولا في الصلاة عليها، ولا في غير ذلك.الشيخ خالد المصلح = هنا = ـ فالأصل في هذه الأشياء الطهارة فلا يقول قائل : ما دليلك على طهارة هذا الماء ، أو طهارة هذه الأرض ؟ .
فالأصل في كل هذا الطهارة . ولا نَخرُج عنِ الأصلِ إلا بنصٍ أو بَيِّنَةٍ . فلا يقول قائل : هذا الماء ما أدراك لعل أحد قد بال فيه ، أو لعل كلب وَلَغَ فيه ، لعل لعل ... لا يصلح ، بل لعل هذه محتاجة بَيِّنَة ، فأنت مطالب بإثبات ما ادعيته ببينة وإلا فاستصحاب البراءة الأصلية ، فالأصل في كل حادثٍ عدمه حتى يتحقق .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف