10-05-2021, 06:28 PM
|
|
غفر الله لها
|
|
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
|
|
"يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ "40"
يا بَنِي إِسْرائِيلَ :وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قال أبو الفرج الجوزي.والخطاب مع فرق بني إسرائيل, الذين بالمدينة وما حولها, ويدخل فيهم من أتى من بعدهم .تفسير السعدي
وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق ، كما تقول : يا ابن الكريم ، افعل كذا . يا ابن الشجاع ، بارز الأبطال ، يا ابن العالم ، اطلب العلم ، ونحو ذلك.تفسير ابن كثير.
وعندما ينادي الله تعالى قوم موسى بقوله: يا بني إسرائيل. فإنه يريد أن يذكرهم بمنزلة إسرائيل عند الله. ما واجهه من بلاء. وما تحمله في حياته. فاذكروا ما وصاكم به حين حضرته الوفاة.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إلها وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"البقرة: 133.
ثم يأتي بعد ذلك قول يعقوب.. واقرأ قوله تعالى"يَابَنِيَّ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ"البقرة: 132.
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ:وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه.تفسير السعدي.
وفي هذا إشارة إلى أنهم نسوها، ولم تعين الآية هذه النعمة- وقيل- أراد بها نعمة النبوة التي اصطفاهم بها زمانا طويلا. وهذه المكرمة التي أوتوها، والنعمة التي اختصّوا بها وكانوا مفضلين على الأمم والشعوب تقتضي ذكرها وشكرها، ومن شكرها الإيمان بكل نبي يرسله الله لهداية البشر، لكنهم جعلوا هذه النعمة حُجة للإعراض عن النبي صلى الله عليه وسلم، والازدراء به، زعما منهم أن فضل الله محصور فيهم، فلا يبعث الله نبيًّا إلا منهم.
"وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ "
العهد أمر موثق بين العبد وربه. وهو ما عهده إليهم من الإيمان به, وبرسله وإقامة شرعه.
والهدف من هذا العهد. ألا يكتموا ما ورد عن الإسلام في التوراة. وألا يخفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي جاءت بها.. والله سبحانه وتعالى قد أعطى صفات رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة وفي الإنجيل.. واقرأ قوله تعالى"وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين"البقرة: 89.
"وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" المائدة:12.
"أُوفِ بِعَهْدِكُمْ" وهو المجازاة على ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار....
"وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده, وهو الرهبة منه تعالى, وخشيته وحده, فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه.
"وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ "41.
ثم أمرهم بالأمر الخاص, الذي لا يتم إيمانهم, ولا يصح إلا به فقال" وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ " وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان به, واتباعه, ويستلزم ذلك, الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال" أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ"أي: موافقًا له لا مخالفًا ولا مناقضًا، فأنتم أولى من آمن به وصدق به, لكونكم أهل الكتب والعلم. وأيضا فإن في قوله "مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ"إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به, عاد ذلك عليكم, بتكذيب ما معكم, لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم. وأيضا, فإن في الكتب التي بأيدكم, صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به, كذبتم ببعض ما أنزل إليكم, ومن كذب ببعض ما أنزل إليه, فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول, فقد كذب الرسل جميعهم. فلما أمرهم بالإيمان به, نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال " وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ" أي: بالرسول والقرآن. وفي قوله" أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ" أبلغ من قوله:ولا تكفروا به، لأنهم إذا كانوا أول كافر به, كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به, عكس ما ينبغي منهم, وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدِهم. ثم ذكر المانع لهم من الإيمان, وهو اختيار
العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال" وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًاقَلِيلًا" وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل, التي يتوهمون انقطاعها, إن آمنوا بالله ورسوله, فاشتروها بآيات الله واستحبوها, وآثروها.
وسمى هذا البدل قليلا لأن صاحبه يخسر رضوان الله وتحل به عقوبته في الدنيا والآخرة، ويخسر عزّ الحق، ويخسر عقله لإعراضه عن واضح البراهين وبيّن الآيات. فمتاع الدنيا مهما كثر فهو خداع وقليل وزائل "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيل "النساء: 77. " وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُور"الحديد : 20.
"وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ "بالإيمان واتباع الحق، والإعراض عن لذات الدنيا متى شغلت عن أعمال الآخرة. فأمرهم أن يتقوا الله وحده، إذ بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، وإليه المصير. "وَإِيَّايَ" أي: لا غيري " فَاتَّقُونِ " فإنكم إذا اتقيتم الله وحده, أوجبت لكم تقواه, تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل, فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم.
"وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ "42.
أي ولا تخلطوا الحق المنزل بالباطل الذي تخترعونه وتكتبونه حتى لا يتميزا، ولا تكتموا الحق الذي تعرفونه، فالنهى الأوّل عن التغيير، والنهى الثاني عن الكتمان.
بعد أن حذر الحق سبحانه وتعالى اليهود من أن يبيعوا دينهم بثمن قليل وهو المال أو النفوذ الدنيوي. قال تعالى"وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ"
في التوراة نصوص لم يحرفها اليهود.. ونصوص محرفة. فمن ما حُرِّف في التوراة كل ما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه.. وأنه النبي الخاتم.. حرفها اليهود.
" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ "43.
بعد أن دعا بني إسرائيل إلى الإيمان أمرهم بصالح العمل على الوجه المقبول عند الله، فأمرهم بإقامة الصلاة أي: ظاهرًا وباطنًا لتطهر نفوسهم كما أمرهم بإيتاء الزكاة التي هي مظهر شكر الله على نعمه،والزكاة فيها فيها تطهير للنفوس من أدرانها ، وتنمية للمال. سمي الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثاب به المزكي.
"وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ "وعبر عن الصلاة بالركوع ليبعدهم عن الصلاة التي كانوا يصلونها قبلا، إذ لا ركوع فيها. فسبحانه وتعالى يريد أن يلفتهم إلى أن صلاتهم لن تقبل منهم إلا أن يكون فيها ركوع. وصلاة اليهود ليس فيها ركوع.. وإن كان فيها سجود، فإنه سبحانه وتعالى يلفتهم إلى ضرورة وجوب الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم.
"أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ "44.
الخطاب هنا لبني إسرائيلذاك أن اليهود كانوا يدّعون الإيمان بكتابهم والعمل به والمحافظة عليه وتلاوته، ولكنهم ما كانوا يتلونه حق تلاوته، إذ حق تلاوته هو الإيمان به على الوجه الذي يرضاه الله تعالى، ولكن الأحبار والرهبان وكانوا الآمرين الناهين لا يذكرون من الحق إلا ما يوافق أهواءهم، ولا يعملون بما فيه من الأحكام إذا عارض شهواتهم.
ولابد أن ننبه إلى أنه إذا كانت هذه الآيات قد نزلت في اليهود. فليس معناها أنها تنطبق عليهم وحدهم. بل هي تنطبق على أهل الكتاب جميعا وعلى أي شخص يشتري بآيات الله ثمنًا قليلًا. وغير المؤمنين. فالعبرة ليست بخصوص السبب. ولكن العبرة بعموم السبب.
لقد كان اليهود يبشرون بمجيء رسول جديد. ويعلنون أنهم سيؤمنون به. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن من قومهم كفروا به. لأنهم كانوا يريدون أن تكون السطوة لهم. بأن يأتي الرسول الجديد منهم. فلما جاء من العرب.. عرفوا أن سطوتهم ستزول وأن سيادتهم الاقتصادية ستنتهي. فكفروا بالرسول وبرسالته.
عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش ـ وكان من أصحاب بدر ـ وقال :كانَ لَنا جارٌ من يَهودَ في بَني عبدِ الأشهلِ قالَ : فخرجَ علَينا يومًا من بيتِهِ قبلَ مبعثِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ بيسيرٍ فوقفَ علَى مجلسِ عبدِ الأشهلِ . قالَ سلمةُ : وأَنا يومئذٍ أحدثُ مَن فيهِ سنًّا عليَّ بردةٌ مضطجعًا فيها بفناءِ أَهْلي فذَكَرَ البعثَ والقيامةَ والحسابَ والميزانَ والجنَّةَ والنَّارَ فقالَ ذلِكَ لقومٍ أَهْلِ شركٍ أصحابِ أوثانٍ لا يرَونَ أنَّ بعثًا كائنٌ بعدَ الموتِ . فقالوا لَهُ : ويحَكَ يا فلانُ ! ترَى هذا كائنًا أنَّ النَّاسَ يُبعَثونَ بعدَ موتِهِم إلى دارٍ فيها جنَّةٌ وَنارٌ يُجزَونَ فيها بأعمالِهِم ؟ قالَ : نعم والَّذي يُحلَفُ بِهِ .لودَّ أنَّ لَهُ بحظِّهِمن تلكَ النَّارِ أعظمَ تنُّورٍ في الدُّنيا يحمُّونَهُ ثمَّ يدخِلونَهُ إيَّاهُ فيطبقُ بِهِ عليهِ وأن ينجوَ من تلكَ النَّارِ غدًا. قالوا لَهُ ويحَكَ وما آيةُ ذلِكَ قالَ نبيٌّ يُبعَثُ من نحوِ هذِهِ البلادِ وأشارَ بيدِهِ نحوَ مَكَّةَ واليمنِ قالوا ومتَى تراهُ قالَ فنظرَ إليَّ وأَنا أحدثِهِم سنًّا فقالَ إن يستنفدَ هذا الغلامُ عمرَهُ يدرِكْهُ قالَ سلمةُ فواللَّهِ ما ذَهَبَ اللَّيلُ والنَّهارُ حتَّى بعثَ اللَّهُ تعالى رسولَهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ وَهوَ حيٌّ بينَ أظهرِنا فآمنَّا بِهِ وَكَفرَ بِهِ بغيًا وحسدًا فقُلنا ويلَكَ يا فلانُ ألستَ بالَّذي قلتَ لَنا فيهِ ما قلتَ قالَ بلَى وليسَ بِهِ"الراوي : سلمة بن سلامة بن وقش - المحدث : الوادعي- المصدر : صحيح دلائل النبوة .رواه أحمد . وحسنه الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين / مجلد رقم : 5 / 407 .
يَوَدّ : أي : يَوَدُّ الذي رأى هذه النار .
بحظه : أي : بنصيبه .
"وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ" والمراد من النسيان هنا الترك، لأن من شأن الإنسان ألا ينسى نفسه من الخير ولا يحب أن يسبقه أحد إلى السعادة، وعبر به عنه للمبالغة في عدم المبالاة والغفلة عما ينبغي أن يفعله، أي إذا كنتم موقنين بوعد الكتاب على البرّ ووعيده على تركه فكيف نسيتم أنفسكم؟ ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من التوبيخ والتأنيب الذي ليس بعده زيادة لمستزيد.
"وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ"
ومع أنهم متأكدون من صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال كتبهم إلا أنهم لا يؤمنون. ولو كان عندهم ذرة من العقل لآمنوا بما يأمرهم به كتابهم الذي يتلونه. ولكنهم لا يحكمون عقولهم، وإنما يريدون علوا في الأرض. والآية كما قلنا لا تنطبق على اليهود وحدهم. بل على كل من يسلك هذا السلوك.
|