المصـــدر الرابـــع : القيـــاس
تعريــف القيــاس :
القيـاس لغـة : التقديـر ، ومنـه قسـت الأرض بالمتـر أي قدرتهـا بـه ، والمسـاواة ومنـه تقديـر الشـيء بغيـره وتسـويته بـه
ومثــال ذلـك :
فـلان يُقـاس بفـلان إذا كانـا متسـاويين ، والتسـوية بيـن الشـيئين فـي اللغـة تشـمل الأشـياء الحسـية كمـا سـبق ، والمعنويـة كفـلان يقـاس بفـلان فـي العلـم .التأسيس ... / ص : 201 .
القيــاس اصطلاحـًا :
هـو إلحـاق حكـم الأصـل بالفـرع ، لِعِلَّـةٍ جامعـةٍ بينهمـا .
شــرح التعريــف :
" إلحـاق " : أي إثبـات حكـم الأصـل للفـرع ، والإلحـاق بمعنـى تسـوية حكـم الفـرع بحكـم الأصـل ، وأيضـًا بمعنـى التعديـة أي تعـدي حكـم الأصـل للفـرع .
" حكـم الأصـل " : من وجـوب أو نـدب أو تحريـم أو كراهـة أو إباحـة أو صحـة أو فسـاد وغيـر ذلـك .
" الأصـل " : المقيـس عليـه .
" الفـرع " : المقيـس .
" العلـة " : هـي الوصـف الـذي اعتبـر مظنـة إثبـات حكـم الأصـل .
ومـن خـلال شـرح التعريـف يتبيـن أن القيـاس مظهـر للحكـم وليـس مؤسـسـًا لـه .التأسيس ... / ص : 201 .
مثـــال :
قـال تعالـى " يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ إِنَّمَـا الْخَمْـرُ وَالْمَيْسِـرُ وَالأَنصَـابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْـسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّـيْطَانِ فَاجْتَنِبُـوهُ لَعَلَّكُـمْ تُفْلِحُـونَ " .سورة المائدة / آية : 90 .
معلـوم أنـه صـح عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنـه قـال " كـل مسـكر خمـر ، وكـل خمـر حـرام " .صحيح مسلم / ( 36 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 7 ) ـ باب : بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام / حديث رقم : 2003 /ص : 524 .
هـب أن هـذا الحديـث لـم يصـل إلـى بعـض الفقهـاء ، أو وصـل ولـم يصـح عندهـم .
وعليـه فـإن الآيـة نـص صريـح فـي تحريـم الخمـر ، فمـا حكـم النبيـذ مثـلًا ؟
الأصـــل : الخمـر .
وحكـم الأصــل : أنـه مُسْـكِر .
والفـــرع : النبيـذ .
وقـد وجـد أن النبيـذ فيـه نفـس العلـة ، وهـي الإسـكار (1) فتعـدى حكـم الأصـل لـه .
وعليـه أن حكـم شـرب النبيـذ : التحريـم " بالقيـاس " .
وهـذا قيـاس صحيـح .التأسيس ... / ص : 202 .
( 1 ) الإسكار : هو تغطية العقل على وجه اللذة والطرب ، أما تغطية العقل لغير هذا فليس بإسكار .
" فالبنبح " مثلاً غير مسكر ، لأنه ليس فيه لذة وطرب [ مجموع الفتاوي ( 28 / 340 ) ] . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 531 .
يشــترط لصحــة القيــاس الآتــي :
الشـرط الأول :
أن لا يصـادم دليـلاً أقـوى منـه :
فـلا اعتبـار لقيـاس يصـادم النـص أو الإجمـاع ، ويسـمى القيـاس المصـادم لمـا ذُكـر : فاســد الاعتبــار .والاعتبـار هـو القيـاس .
مثالــه :
أن يقـال : يصـح أن تُـزَوِّج المـرأةُ الرشـيدة نفسَـها بغيـر ولـي ، قياسـًا علـى صحـة بيعهـا مـا لهـا بغيـر ولـي ، فهـذا قيـاس فاسـد الاعتبـار لمصادمتـه النـص ، وهـو :
قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " لا نكـاح إلا بولـي " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 6 ) ـ كتاب : النكاح /( 20 ) ـ باب : في الولي / حديث رقم : 2085 / ص : 361 / صحيح . ( الأصــول مـن علـم الأصـول ... / ص : 521 ، ... ) . ( التأسـيس ... / ص : 201 )
الشــرط الثانــي :
أن يكـون حكـم الأصـل ثابتـًا بنـص أو إجمـاع :
فـإن كـان ثابتـًا بقيـاس لـم يصـح القيـاس عليـه ، وإنمـا يُقـاس علـى الأصـل الأول ، لأن الرجـوع إليـه أولـى ، ولأن قيـاس الفـرع عليـه الـذي جُعـل أصـلاً قـد يكـون غيـر صحيـح ، ولأن القيـاس علـى الفـرع تطويـل بـلا فائـدة .
مثالــه :
أن يُقـال : يجـري الربـا فـي " الـذرة " قياسـًا علـى " الأرز " ، ويجـري فـي الأرز قياسـًا علـى البُـرِّ .
فالقيـاس هكـذا غيـر صحيـح لأنـه قـاس علـى فـرع ولـم يقـس علـى أصـل .
ولكـن يُقـال : يجـري الربـا فـي " الـذرة " قياسـًا علـى " البُـرِّ " ، وذلـك لِيُقَـاس علـى أصـل ثابـت .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 524 .
الشــرط الثالــث :
أن يكـون لحكـم الأصـل علـة معلومـة :
لابـد أن تكـون علـة الأصـل ـ وهـو المقيـس عليـه ـ معلومـة مـن أجـل أن نجمـع بينـه وبيـن الفـرع فيهـا إذ لـو لـم تتحقـق العلـة فـي الفـرع ، لـم يصـح القيـاس ، فـإن كـان حكـم الأصـل تعبديًّـا (1) محضـًا لـم يصـح القيـاس عليـه .
( 1 ) التعبـدي المحـض : هـو الـذي ليـس فـي العقـل مـا يحـث عليـه أو يغـري بـه .
وذلـك لأن العبـادات نوعـان : نـوع لـه علـة معقولـة ، فهـذه يكـون الإنسـان فاعـلاً لهـا باطمئنـان ، لأن العقـل باعـث إليهـا .
وتـارة لا يكـون للحكـم علـة معلومـة ، فهـذه يفعلهـا الإنسـان علـى سـبيل التعبـد المحـض .
فرمـي الجمـرات مثـلاً ليـس لـه علـة معلومـة ، بـل هـو مجـرد تعبـد .
فـإذا كـان حكـم الأصـل تعبديـًّا محضـًا لـم يصـح القيـاس عليـه ؛ ولهـذا قلنـا : لا قيـاس فـي العبـادات ـ ليـس فـي شـروطها وأركانهـا ـ لكـن فـي أصـل مشـروعيتها .
مثالـــه :
لـو قـال قائـل : إذا احتجبـت عنـا الشـمس بِغَيْـم كثيـف حتـى صـار الجـو كـأن لا شـمس ، فإنـه تشـرع صـلاة " الكسـوف " فـي هـذه الحـال قياسـًا علـى مـا إذا كسـفت الشـمس كسـوفًا عاديًّـا ، لأن الشـمس احتجبـت بسـحاب كثيـف ، فهـي كاحتجـاب نورهـا بالقمـر ، لأن كسـوف الشـمس سـببه أن القمـر يحُـول بينهـا وبيـن الأرض . فـلا فـرق إلا أن القمـر بعيـد وهـذا السـحاب قريـب ! !
نقـول :لا قيـاس فـي ذلـك ؛ لأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أخبــر أن الله تعالـى يخـوف عبـاده بالكسـوف ، ولـم يَقُـلْ إنـه يخوفهـم بالسـحاب الكثيـف ، وإن كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آلهوسلم ـ إذا رأى السـحاب أقبـل وأدبـر وتغيـر وجهـه حتـى يسـقط المطـر ، فيسـرَّ عنـه .شرح الأصول من علم الأصول / ص : 530 / بتصرف .
مثــال تطبيقـــي :
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " القاتـل لا يـرث " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 27 ) ـ كتاب : الفرائض / ( 17 ) ـ باب :ماجاء في إبطال ميراث القاتل / حديث رقم : 2109 / ص : 476 / صحيح .
الأصــل : هـو الـوارث .
حكـم الأصـل : حرمانـه مـن الميـراث .
علـة الحكـم : اسـتعجال الشـيء قبـل أوانـه .
الفــرع : هـو الموصَـى لـه .
حكـم الفـرع : حرمانـه مـن الوصيـة .
علـة الحكـم : اسـتعجال الشـيء قبـل أوانـه .
وهـذا المثـال الواضـح ، فـي أن العلـة التـي بُنـي عليهـا حكـم حرمـان الـوارث مـن الميـراث ، هـو أنـه قَتَـل المـورِّث اسـتعجالاً لإرثـه ، فعاقَبَـهُ الشـارع بالحرمـان .
وكذلـك الموصـى لـه اسـتعجل الوصيـة ، فَقَتَـل مـن أوصـى ، فعاقبـه الشـارع أيضًـا بالحرمـان .التأسيس ... / ص : 224 .
مرادفــات العلـــة :
للعلـة مرادفـات كثيـرة منها : الجامـع ، المنـاط ، الأمـارة ، الداعـي ، الباعـث ، المقتضِـي ، الموجـب ، المشـترك .
فتاوي شيخ الإسلام / ج : 19 / ص : 6 .التأسيس ... / ص : 215 .
الشــرط الرابـــع :
أن تكـون العِلَّـة مشـتملة علـى معنـى مناسـب للحُكْـم يُعْلَـم مـن قواعـد الشـرع اعتبـاره :
وذلـك بـأن يكـون تشـريع الحكـم لأجلهـا محصـلاً للمحصلـة أو دارئًـا للمفسـدة فـي تقديـر أصحـاب العقـول السـليمة ، والطبـاع المسـتقيمة . وهـو مـا يُعَبَّـر عنـه بالمناسـبة .
مثــل :
أَكْـرِم اليتيـمَ ليتمـه ، أَطْعِـم المسـكينَ لمسـكنته ، ..... فـإن كـان الوصـف طرديًّـا ، كالسـواد والبيـاض ، والطـول والقصـر ، لـم يجـز التعليـل بـه .الواضح ... / ص : 243 / بتصرف .والوصـف الطـردي هـو الوصـف الـذي لا مناسـبة فيـه للحكـم : فـلا يصـح التعليـل بـه ولا يصـح القيـاس عليـه ، لأن العلـة حينئـذ سـاقطة ، كالسـواد والبيـاض .
فمثـــلاً :
لـو جـاء فـي الحديـث أن رجـلاً كثيـر الشـعر ضخـم البـدن مفتـول العضـلات ، جـاء إلـى النبـي ـ صلىالله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـو يقـول : يـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، إنـي جامعــت امرأتـي فـي رمضـان ، فمـاذا علـيّ ؟ !
يقـول صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : عليـك كـذا وكـذا .....
فهـذه الأوصـاف ـ التـي وردت فـي الرجـل السـائل ـ هـل هـي أوصـاف طرديـة ؛ أي لـو اسـتفتانا رجـل نحيـف أصلـع رخـي العضـلات ـ جامـع فـي رمضـان ـ هـل يكـون حكمـه كحكــم الأول أم يختلـف ؟
الجـــواب :
حكمـه كحكـم الأول تمامًـا مـع أن الأول كـان كثيـر الشـعر مفتـول العضـلات ... .
وهـذا الثانـي نحيـف أصلـع ... .
مـع ذلـك كلـه نقـول : أن حُكْمَـهُ كَحُكْمِـهِ ، لأن الأوصـاف المذكـورة أوصـاف طرديـة لا مناسـبة لهـا .
مثــال ذلــك :
حديـث ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ أن بريـرة خُيِّـرَتْ علـى زوجهـا حيـن عُتِقَـتْ . وكـان زوجهـا عبـدًا أسـود ، فقولـه " أسـود " وصـف طـردي لا مناسـبة فيـه للحكـم .
ولذلـك يثبـت الخيـار للأَمـة إذا عُتِقَـتْ تحـت عبـد وإن كـان أبيـض ، ولا يثبـت لهـا ـ الخيـار ـ إذا عتقـت تحـت حـر وإن كـان أسـود وذلـك لأن الوصـف بكونـه عبـدًا معنـوي ، فهـو واضـح ومناسـب للحكـم لأنـه عبـد مملـوك وهـي الآن ملكـت نفسـها ، وأمـا كونـه أسـود فهـو وصـف طـردي لا مناسـبة فيـه للحكـم فهـذا صـار لاغيـًا .
فنحـن نقـول هـذا الحديـث فيـه وصفـان : وصـف طـردي لا أثـر لـه فـي الحكـم وهـو كونـه أسـود ، ووصـف معنـوي لـه تأثيـر فـي الحكـم وهـو كونـه عبـدًا . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 533 / بتصرف .
فعـن ابـن عبـاس أن زوج بريـرة كـان عبـدًا يُقـال لـه مُغيـثٌ ، كأنـي أنظـرُ إليـه يطـوفُ خلفَهَـا يبكـي ودموعُـهُ تسـيلُ علـى لحيتـه . فقـال النبـيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لعبـاسٍ : يـا عبـاسُ ألا تعجَـبُ مـن حـبِّ مُغيـثٍ بريـرةَ ومـن بُغـضِ بريـرةَ مغيثـًا .فقـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لو راجَعْتِـهِ " . قالـت : يـا رسـول الله تأمرنـي ؟ قـال: " إنمـا أنـا أشـفعُ" . قالـت : لا حاجـة لـي فيـه" .صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 16 ) ـ باب : شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في زوج بريرة / حديث رقم : 5283 / ص : 638 .
الشــرط الخامــس :
أن تكـون العلـة موجـودة فـي الفـرع كوجودهـا فـي الأصل :
الفـرع هنـا هـو المقيـس ، إذَا فالمـراد أن تكـون العلـة موجـودة فـي الفـرع ـ أي فـي المقيـس ـ كوجودهـا فـي الأصـل ؛ أي فـي المقيـس عليـه .
وذلـك كالإيـذاء فـي ضـرب الوالديـن المقيـس علـى التأفيـف .
قـال تعالـى " ... فَـلاَ تَقُـل لَّهُمَـا أُفٍّ ..." .سورة الإسراء / آية : 23 .
نقـول : العلـة فـي قولـه : " أف " الإيـذاء .
والإيـذاء موجـود فـي الضـرب كوجـوده فـي التأفـف فيكـون حرامـًا قياسـًا عليـه .
وبعـض أهـل العلـم يـرى أن تحريـم الضـرب ليـس مـن بـاب الدلالـة القياسـية ، بـل مـن بـاب الأولويـة . فـإن النـص دل عليـه نطقـًا لا قياسـًا ؛ لأن الشـريعة إذا ذكـرت الأدنـى فهـي تريـد مـا فوقـه ، كمـا قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " خمـسٌ يُقتَلْـنَ في الحِـلِّ والحَـَرم : الحيـةُ ، والغـرابُ الأبْقَـعُ ، والفـأرةُ ، والكلـبُ العقـورُ ، والحُدَيَّـا " .صحيح مسلم . متون/ (15) ـ كتاب : الحج / (9) ـ باب : ما يُنْدب للمحرم وغيره ... / حديث رقم : 67 ـ 1198 / ص : 291 .
فلـو جـاء أسـد ، أو نمـر فهـو يقتـل مـن بـاب أولـى لا مـن بـاب القيـاس ، لأن التنبيـه بالأدنـى تنبيـه علـى الأعلـى .
وبالتالـي فضـرب الأم حـرام لدخولـه فـي النـص لا بالقيـاس .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 538 / بتصرف .
أقســام القيــاس باعتبــار ثبـوت العلــة :
أ ـ قيـاس جَلِـي . ب ـ قيـاس خَفِـيّ التأسيس ... / ص : 216 .
أ ـ القيـــاس الجلــي :
هـو مـا ثبتـت علتـه بنـص أو إجمـاع ، أو كـان مقطوعـًا فيـه بنفـي الفـارق بيـن الأصـل والفـرع .
يتضـح مـن التعريـف مـا يلـي :
ـ ... فـإذا نـص الشـارع علـى العلـة ووجدنـا شـيئًا تثبـت فيـه هـذه العلـة صـار القيـاس جليًّـا .
ـ وكذلـك إذا أجمـع العلمـاء على أن علـة هـذا الحكـم كـذا ، صـارت كالعلــة التـي نـص عليهـا الشـارع ، وحينئـذٍ يكـون القيـاس علـى الحكـم المعلـل بهـا جليًّـا .
ـ مـا يُقطـع فيـه : أي يُعلـم علـم اليقيـن أنـه لا فـرق بيـن الأصـل والفـرع ، وهـذا يعنـي أننـا قطعنـا بنفـي الفـارق .
مثــال ذلــك : لا فـرق بيـن مـن بـال فـي المـاء الراكـد ، ومـن بـال فـي إنـاء ثـم صبـه فـي المـاء الراكـد .شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 540 / بتصرف .
مثــال تطبيقــي علـى القيــاس الجلـي :
عـن عبـد الله قـال : قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " إذا كنتـم ثلاثـة فـلا يتناجـى اثنـان دون صاحبهمـا فـإن ذلـك يحزنـه " .صحيح مسلم . متون / 39 ـ كتاب السلام / 15 ـ باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه / حديث رقم : 38 ـ 2184 / ص : 568 .
فالعِلَّـة هنـا منصوصـة ، والحكـم هـو النهـي عـن التناجـي .
والعلـة : " فـإن ذلـك يحزنـه " ، فـإذا جلـس رجـلان إلـى ثالـث وهمـا يعرفـان اللغـة الإنجليزيـة ، والثالـث لا يعـرف إلا العربيـة ، وبـدءا يتكلمـان ، فيكلـم أحدهمـا الآخـر بالإنجليزيـة ، وكلمـا تكلمـا كلمـة التفتـا إلـى الرجـل الثالـث ، فـإن ذلـك يحزنـه .
فـإن قـالا :
نحـن لـم نتنـاج ، بـل نحـن نتكلـم بصـوت مسـموع ، والنهـي إنمـا هـو عـن التناجـي !
نقـول : قـد بيـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ العِلَّـة فـي هـذه المسـألة وقـال :
" فـإن ذلـك يُحزنـه " وهـذا بـلا شـك يحزنـه .
وبِنَـاءً علـى ذلـك :
لـو تناجـى اثنـان فـي وجـود ثالـث ولكنـه مـا أهمـه ذلـك بـل هـو منشـغل عنهمـا إمـا بالكتابـة ، أو بمكالمـة هاتفيـة أو غيـر ذلـك ، فهـذا ـ التناجـي ـ حينئـذ جائـز ، لأن العلـة ـ وهـي الإحـزان ـ لـم تتحقـق ، فـإن حصـل إحـزان للمسـلم بالتناجـي فهـو منهـي عنـه .
شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 541 / بتصرف .
ب ـ القيــاس الخفــي :
وهـو مـا ثبتـت علتـه باسـتنباط ، ولـم يُقْطـع فيـه بنفـي الفـارق بيـن الأصـل والفـرع .
يتضـح مـن التعريـف مـا يلـي :
ـ أنـه لـم تثبـت علتـه بنـص أو إجمـاع .
ـ لـم يقطـع فيـه بنفـي الفـارق فخـرج بـه مـا قطعنـا فيـه بنفـي الفـارق ـ بيـن الأصـل والفـرع .
مثالـــه :
كثيـر مـن العلمـاء ـ رحمهم الله ـ اختلفـوا فـي علـة جريـان الربـا فـي الأصنـاف السـتة .
فبعـض العلمـاء قـال : إن العلـة الكيـل ، فأجـرى الربـا فـي كـل مـا كـان مكيـلاً .
وهـذا هـو المشـهور مـن مذهـب الإمـام أحمـد ، لكـن هـذه العلـة لـم تثبـت بالنـص ، ولـم تثبـت بالإجمـاع .
وبعـض العلمـاء يقـول بـأن العلـة : الطَّعـمُ دون الكيـل ، ائتمامًـا بالشـافعي ، ولهـذا فالشـافعية يـرون جريـان الربـا فـي البرتقـال والتفـاح ومـا أشـبههما لأنهـا مطعومـة وكذلـك فهـذه العلـة لا يقطــع فيهـا بنفـي الفـارق ؛ إذ مـن الجائـز أن يقــول قائـل : ليسـت العلـة الكيـل ، بـل العلـة الطعـم ، وحينئـذ نسـمي هـذا القيـاس خفيًّـا ؛ لأن العلـة لم ينـص عليهـا بـل هـي
مسـتنبطة ، ولـم يقطـع فيهـا بنفـي الفـارق .
شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 545 .
* * * *