عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 07-08-2017, 12:13 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,266
Arrow

شرح أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن

على وجه الإيجاز غير المخِلِّ
هذا الأصل هو أعظم أصول التوحيد، بل لا يقوم التوحيد ولا يتم ولا يكمل حتى ينبني على هذا الأصل، فإنَّ التوحيد يقوى بمعرفة الله، ومعرفةُ الله أصلها معرفة أسمائه الحُسنى وما تشتمل عليه من المعاني العظيمة والتعبُّد لله بذلك.
وفي الحديث الصحيح: «إنَّ لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة» - رواه البخاري (رقم: 2736)، ومسلم (رقم: 2677).-
وإحصاؤها تحصيل معانيها في القلب، وامتلاء القلب من آثار هذه المعرفة، فإنَّ كلَّ اسم له في القلب الخاضع لله المؤمن به أثرٌ وحالٌ لا يُحَصِّلُ العبد في هذه الدار ولا في دار القرار أجلَّ وأعظمَ منها، فنسأله تعالى أن يمنَّ علينا بمعرفته ومحبته والإنابة إليه.
اللَّه
هذا الاسم الجليل الجميل هو أعظم الأسماء الحسنى، بل قيل: إنَّه الاسم الأعظم - وممن قال بذلك ابن مَندَة في كتابه التوحيد :2/21.-، وسيأتي التنبيه على الاسم الأعظم عن قريب إنْ شاء الله.
ولهذا تضاف جميع الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم ويوصف بها، فيقال: الرحمن، الرحيم، الخالق، الرازق، العزيز، الحكيم، إلى آخرها من أسماء الله. ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، الرحيم، إلى آخرها.
فمعنى الله كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين»- رواه ابن جرير في تفسيره (1/54)-.، فجمع رضي الله عنه في هذا التفسير بين الوصف المتعلِّق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية التي هي وصفه الدال عليها لفظ الله، كما دلَّ على العلم الذي هو وصفه لفظ العليم، وكما دل على العزة التي هي وصفه لفظ العزيز، وكما دلَّ على الحكمة التي هي وصفه لفظ الحكيم، وكما دلَّ على الرحمة التي هي وصفه لفظ الرحيم، وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها.
فكذلك الله هو ذو الألوهية، والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحق أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشارِكٌ بوجه من الوجوه.
وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان.
فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤله ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية والربوبية والملك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالرحمة وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالغنى المطلق التامِّ من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده.
فالألوهية تتضمن جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا، وبهذا احتج من قال: إنَّ الله هو الاسم الأعظم، ومنهم من قال: إنَّه الصمد الذي تصمد إليه جميع المخلوقات بحاجتها لكمال سيادته وعظمته وسعة أوصافه، ومنهم من قال: إنَّ الاسم الأعظم هو الحي القيوم لوروده في بعض الأحاديث، ولأنَّ هذين الاسمين العظيمين يتضمنان جميع الأسماء الحسنى والصفات الكاملة، فإنَّ الصفات الذاتية ترجع إلى الحي الذي قد كملت حياته فكملت صفاته، وصفات الأفعال ترجع إلى القيُّوم؛ لأنَّه الذي قام بنفسه وقام بغيره - أي: قام بتدبير أمورهم، وتصريف شؤونهم.-، وافتقرت إليه الكائنات بأسرها، وقيل في تعيين الاسم الأعظم أقوال أُخر - وهي تبلغ عشرين قولاً جمعها السيوطي في كتابه «الدر المنظم في الاسم الأعظم» وكثير منها ظاهر ضعفه لعدم قيام دليل صحيح صريح على صحته وثبوته.-، والتحقيق أنَّ الاسم الأعظم اسم جنس لا يراد به اسم معين، فإنَّ أسماء الله نوعان:

أحدهما: ما دلَّ على صفة واحدة أو صفتين أو تضمن أوصافاً معدودة.
والثاني: ما دلَّ على جميع ما لله من صفات الكمال، وتضمَّن ما له من نعوت العظمة والجلال والجمال، فهذا النوع هو الاسم الأعظم لما دلَّ عليه من المعاني التي هي أعظم المعاني وأوسعها.
فاللَّهُ اسم أعظم، وكذلك الصمد، وكذلك الحي القيوم، وكذلك الحميد المجيد، وكذلك الكبير العظيم، وكذلك المحيط. وهذا التحقيق هو الذي تدل عليه التسمية وهو مقتضى الحكمة، وبه أيضاً تجتمع الأقوال الصحيحة كلُّها، والله أعلم - وممن ذهب إلى ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ففي تعليقٍ له على كتاب فقه الأدعية والأذكار (ص155)، قال: «والصواب أنَّ الأعظم بمعنى العظيم، وأنَّ أسماء الله سبحانه كلّها حسنى، وكلّها عظيمة، ومن سأل الله سبحانه بشيء منها صادقًا مخلصًا سالمًا من الموانع رُجيت إجابته، ويدل على ذلك اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك، ولأنَّ المعنى يقتضي ذلك، فكلُّ أسمائه حسنى، وكلّها عظمى عز وجل، والله ولي التوفيق» اهـ.-

والمقصود أنَّ هذا التفسير من ابن عباس رضي الله عنهما يُدْخِلُ فيها وصفَه بالألوهية التي نبهنا هذا التنبيه اللطيف على معنى الألوهية، ويُدْخِلُ فيها وصفَ العباد وهو العبودية، فالعباد يعبدونه ويألهونه.
قال تعالى"وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ "الزخرف: 84 ، أي: يألهه أهل السماء وأهل الأرض طوعاً وكرهاً، الكلُّ خاضعون لعظمته، منقادون لإرادته ومشيئته، عانون لعزَّته وقيُّوميته.
وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي والروحي، والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم، فيعرفون من نعوته وأوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته، ويحبونه من كلِّ قلوبهم محبةً تتضاءل جميعُ المحابِّ لها، فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الأولاد
والوالدين وجميع محبوبات النفوس، بل خواصهم جعلوا كلَّ محبوبات النفوس
الدينية والدنيوية العادية تبعًا لهذه المحبة، فلما تمَّت محبة الله في قلوبهم أحبوا ما أحبه من أشخاص وأعمال وأزمنة وأمكنة، فصارت محبتهم وكراهتهم تبعاً لإلههم وسيدهم ومحبوبهم.
ولما تمَّت محبة الله في قلوبهم التي هي أصل التأله والتعبد أنابوا إليه فطلبوا قُربه ورضوانه، وتوسَّلوا إلى ذلك وإلى ثوابه بالجد والاجتهاد في فعل ما أمر الله به ورسوله، وفي ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله، وبهذا صاروا محبِّين محبوبين له، وبذلك تحققت عبوديتهم وألوهيتهم لربهم، وبذلك استحقوا أن يكونوا عباده حقًا، وأن يضيفهم إليه بوصف الرحمة حيث قال"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ "الفرقان: 63 ، ثم ذكر أوصافهم الجميلة التي إنما نالوها برحمته وتبوأوا منازلها برحمته، وجازاهم بمحبته وقُربه ورضوانه وثوابه وكرامته برحمته.
وقد عُلم بهذا أنَّ من بذل هذه المحبة التي هي روح العبادة التي خلق الخلق لها لغير الله، فقد وضعها في غير موضعها، ولقد ضيَّعها أيضاً، ولقد ظلم نفسه أعظم الظلم، حيث هضمها أعظم حقوقها، وبذلك استحق أن يكون الشرك هو الظلم العظيم، وأن يكون المشرك مخلدًا في النار، محرومًا دخول الجنة محرَّمًا عليه، لأنها دار الطيبين الذين عبدوه حق عبادته وأخلصوا له الدين.
وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع مثل قوله تعالى لموسى:
"
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي "طه : 14."وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ".الأنبياء:25 ، "فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا".مريم: 65 ، أي مساميًا مماثلاً في صفات الألوهية.

وكذلك كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله، تتضمن نفي الألوهية عن غير الله، وأنَّه لا يستحق أحد من الخلق فيها مثقال ذرة، فلا يصرف لغير الله شيء من العبادات الظاهرة والباطنة، وتقرر الألوهية كلَّها لله وحده، فهو الذي يستحق أن يؤله محبة ورغبة ورهبة وإنابة إليه، وخضوعًا وخشوعًا له من جميع الوجوه والاعتبارات، فهو المألوه وحده، المعبود، المحمود، المعظّم، المُمَجّد، ذو الجلال والإكرام.
رد مع اقتباس