عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 09-09-2017, 02:29 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,266
Arrow

حول قصة موسى ـ عليه السلام ـ

نحيا مع خطبة للشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ طوَّفَ فيها بقلوبنا حول قصة موسى ـ عليه السلام ـ وقومه الذين هم على الحق .
الخطبة
الحمد لله الذي أعزَّ أولياءه بنصره ، وأذل أعداءه بخذله ، فنِعم المولى ونِعم النصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، البشير النذير والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم المصير ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد :
أيها الإخوة المسلمون ، اتّقوا الله تعالى حق التقوى ، واعتصموا بالإسلام فهو العروة الوثقى ، واتّقوا عذاب النار ؛ فإن أجسامكم على النار لا تقوى .
عباد الله ، اذكروا أيام الله لعلّكم تذكّرون وتعتبرون ، اذكروا أيام الله بخذل أعدائه ومَن والاهم لعلّكم تتقون ، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده يوم القيام لعلّكم توقنون .
أيها الإخوة المسلمون ، إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمة انتصارٌ للحق وذلٌّ للباطل ، وأخذٌ للمتكبر ونعمة على المؤمنين إلى يوم القيامة ؛ لأن كل مؤمن يُسَرُّ بذلك ؛ لأن فيه نصر دين الله عزَّ وجل ، وفي هذا الشهر ـ شهر المحرم ـ كانت نجاة موسى ـ عليه السلام ـ وقومه من فرعون وجنوده ، لقد أرسله الله تعالى إلى فرعون بالآيات البيّنات والبرهان القاطع على نبوَّته ، أرسله إلى فرعون الذي تكبَّر على الملإ وقال * { ... أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى }سورة النازعات / آية : 24 ، فجاءه موسى بالآيات العظيمة ودعاه إلى توحيد الله تعالى ، إلى خالق السماوات والأرض رب العالمين ، فقال فرعون مكابرًا ومنكرًا وجاحدًا : * { ... وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } سورة الشعراء / آية : 23 ، أنكرَ الرب العظيم الذي قامت بأمره السماء والأرض ، وفي كل شيء له آية تدلّ على وجوده وربوبيّته وعلمه وقدرته وحكمته ، وأنه الرب الواحد الذي يجب إفراده بالعبادة كما هو منفردٌ بالخلق والتدبير ، فأجابه موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً : * { قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ }سورة الشعراء / آية : 24، يعني :هذا رب العالمين ، وذلك أن في السماوت وما بينهما من الآيات ما يوجب الإيمان واليقين ، فردَّ فرعون مقالةَ موسى ساخرًا به ومستهزئًا ومحتقرًا ، * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } سورة الشعراء / آية : 25 ، يقول هذا سخرية واستهزاءً فأجاب موسى ـ عليه السلام ـ مُذكِّرًا لهم أصلهم وأنهم مخلوقون مربوبون وكما خُلقوا فهم صائرون إلى العدم طريقة آبائهم الأولين فقال * { ... رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِينَ }سورة الشعراء / آية : 26 ، وحينئذٍ بُهت فرعون فلم يستطع أن يُجيب ولكنّه ادَّعى دعوى الكاذب المغبون فقال * { ... إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }سورة الشعراء / آية : 27 ، وهكذا يكون رد الخائب الخاسر الذي ليس عنده برهان أن يلجأ إلى الطعن وإلى اللجاج وإلى الغضب ، فطعن فرعون بالرسول وبِمَن أرسله فأجابه موسى مُبيِّنًا من هو الأحق بوصف الجنون ، أهو المؤمن بالله خالق السماوات والأرض ومالك المشرق والمغرب أم هو المنكر لذلك ؟ فقال موسى : * { ... رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }سورة الشعراء / آية : 28 ، ومَنْ الذي يملك المشرق والمغرب ؟ مَن الذي يملك الأفاق سوى الملك الخلاق ، فلمّا عجز فرعون عن مقاومة الحق وأفحمه موسى بالحجة والبرهان ، لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجـزون المتكبّرون من الإرهاب والوعيد فتوعَّد موسى بالاعتقال والسجن قائلاً : * { ... لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } سورة الشعراء / آية : 29 ، وتأمّل لم يقل : لأسجننك ، بل قال : * { ... لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ }إشارة إلى أن لديه مساجين كثيرين ؛ ليزيد في إرهاب موسى حيث إن له من القوة والسلطان ما مكَّنه من سجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حدِّ تهديده ، قال :
* { ... لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } سورة الشعراء / آية : 29 ، وما زال موسى يأتي بالآيات واضحة وضوح النهار وفرعون يحاول بكل جهوده ودعاته أن يقضي عليها بالرد والكتمان حتى قال لموسى ـ عليه السلام ـ : * { ... أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى *فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } سورة طه / آية : 57 ، 58 ، أي : مكانًا مستويًا لا يحجب عن الرؤية فيه ، وادٍ ولا جبل ، فواعدهم موسى موعد الواثق بنصر الله وقال لهم * { ... مَوْعِدُكُم يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } سورة طه / آية : 59 ، و { ... يَوْمُ الزِّينَةِ... }هو : يوم العيد ، و { ...يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } أي : في أول النهار ؛ حتى لا يبغتهم الليل ، فاجتمع الناس وأتى فرعون بكل ما يستطيع من كيد ومكر فقال لهم موسى * { ... وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } سورة طه / آية : 61، فوقعت هذه الكلمة الواحدة الصادرة عن إيمان ويقين بين الناس أشد من السلاح الفتّاك فتنازعوا أمرهم بينهم وتفرّقت كلمتهم وصارت العاقبة لنبي الله موـى ـ عليه السلام ـ ، وأعلن خصومًه من السحرة إيمانهم به * { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} سورة الشعراء / آية : 46 ـ 48 ، وقالوا لفرعون حين توعدهم : * { ... لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } سورة طه / آية : 72 ، 73 .
وما زال فرعون ينابذ دعوة موسى ـ عليه السلام ـ حتى استخفَّ * { ... قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } سورة الزخرف / آية : 54 ، قال الله عزَّ وجل : { فَلَمَّا ءَاسَفُونَا ... } ـ أي : أغضبونا { ... انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلأَخِرِينَ } سورة الزخرف / آية : 55 ـ 56 ، وكان من قصة إغراقهم أن الله أوحى * { ... إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ... } سورة طه / آية : 77، ليلاً من مِصر فاهتمَّ لذلك فرعون اهتمامًا عظيمًا فأرسل في جميع مدائن مِصر أن يُحشر الناس للوصول إليه لأمر يريده الله عزَّ وجل ، فاجتمع الناسُ إليه فخرجَ بهم في أثر موسى وقومه ليقضي عليهم حتى أدركهم عند البحر الأحمر ، * { فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }سورة الشعراء / آية : 61 ، البحر أمامنا فإن خضناه غرقنا ، وفرعون وقومه خلفنا وسيأخذوننا ، فقال لهم موسى ـ عليه السلام ـ: كَلا ـ أي : لستم مدركين ـ *{ ... إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }سورة الشعراء / آية : 62، هكذا الإيقان والإيمان وهكذا الثقة بوعد الله ونصره ، فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فدخلَ موسى وقومه يمشون بين جبال الماء في طُرق يابسة أيْبَسها الله تعالى بلحظة آمنين ، فلما تكاملوا خارجين وتبعهم فرعون بجنوده داخلين ، أمرَ الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنوده حتى غرقوا عن آخرهم ، فلمَّا أدرك فرعون الغرقُ قال : * { ... ءَامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَناْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }سورة يونس / آية : 90 ، ولكن لم ينفعه الإيمانُ حينئذٍ فقيل له توبيخًا { ... ءَآلئَنَ ... } ـ يعني الآنَ تؤمن ـ { ...وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } سورة يونس / آية : 91 ،قال الله عزَّ وجل : * فأخْرَجْناهُم ـ يعني : فرعون وقومه ـ * { ... مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأََرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ } سورة الدخان / آية : 25 ـ 29 ، فأورث اللهُ بني إسرائيل أرضَ فرعون وقومه المجرمين ؛ لأن بني إسرائيل حينذاك كانوا على الحق سائرين ، ولِوَحْي الله الذي أنزله على موسى متَّبعين ، فكانوا وارثين لأرض الله كما وعدَ اللهُ عزَّ وجل ، * { ... إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } سورة الأعراف / آية : 128 ، * { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ }سورة الأنبياء / آية : 105 ، 106 .
أمّا فرعون فلما كان مرعبًا لبني إـرائيل قال الله عزَّ وجل : * { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً ... }سورة يونس / آية : 92، فأنجى الله بدنه حتى شاهده بنو إسرائيل طافيًا على الماء فأيقنوا أنه هلك ثم أنه هلكَ فيمن هلكَ وأكلتْهُ الحيتان كما هي العادة ، أمَّا ما يوجد في أهرام مِصر اليوم فليس هو فرعون موسى .
أيها الناس ، إن نجاة نبي الله موسى وقومه من عدو الله فرعون وجنوده لَنِعْمَةٌ كبرى تستوجب الشكر لله عزَّ وجل .
فاللهم إنا نشكرك على خذلان أعداء الله وعلى انتصار أولياء الله ؛ ولهذا لمَّا قدمِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة وجدَ اليهود يصومون اليوم العاشر من هذا الشهر ـ شهر المحرم ـ فقال :
" ما هذا ؟ " قالوا : يومٌ صالح نَجّى الله فيه موسى وقومه ـن عدوهم فصامَه موسى ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: " فأنا أحقّ بموسى منكم " (1) فصامَه وأمر بصيامه ، وسُئل عن فضل صيامه ـ أي : اليوم العاشر ـ فقال : " أحتسبُ على الله أن يكفِّر السنة التي قبله " (2) .
الله وفّقنا لشكر نعمتك وحسن عبادتك وانصر أولياءك على أعدائك يارب العالمين .
اللهم انصر إخواننا المسلمين في كسوفا على أعدائهم النصارى المجرمين ، يا ذا الجلال والإكرام .
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . ا . هـ .

* * * * *
--------
( 1 ) صحيح البخاري / ( 30 ) ـ كتاب : الصوم / ( 69 ) ـ باب : صيام يوم عاشوراء / حديث رقم : 2004 / ص :225 .
( 2 ) صحيح مسلم / ( 13 ) ـ كتاب الصيام / ( 36 ) ـ باب : استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس / حديث رقم : 196 ـ ( 1163 ) / ص : 279 .
رد مع اقتباس