عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 09-19-2022, 12:59 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow


من آية 137إلى 141

"فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"137.
أي: فإنْ آمَن اليهودُ والنَّصارى إيمانًا مماثلًا من كلِّ الوجوه لإيمانكم- أيُّها المسلمون- ومِن ذلك الإيمانُ بجميعِ كتُب الله تعالى، وبجميع رُسله عليهم الصَّلاة والسَّلام- فقد رَشَدوا ووُفِّقوا للحقِّ والخير.واهتدوا للصراط المستقيم, الموصل لجنات النعيم. و والهُدَى هو العلم بالحق, والعمل به.
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ:أي: فإنْ أعرَض أولئك اليهودُ والنَّصارى عن الحقِّ بعد إقامة الحُجَّة عليهم، فلم يُؤمِنوا بمِثل إيمانكم، فاعلموا- أيُّها المؤمنون- أنَّهم يَقصِدون المخالفةَ والمنازعةَ والعداوةَ لكم.الدرر موسوعة التفسير .
فالمشاق: هو الذي يكون في شق والله ورسوله في شق، ويلزم من المشاقة المحادة, والعداوة البليغة, التي من لوازمها, بذل ما يقدرون عليه من أذية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلهذا وعد الله رسوله, أن يكفيه إياهم أي يكفيه شرهم . وقد أنجز الله لرسوله وعده, وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم, وسبى بعضهم, وأجلى بعضهم, وشردهم كل مشرد. ففيه معجزة من معجزات القرآن, وهو الإخبار بالشيء قبل وقوعه, فوقع طبق ما أخبر.تفسير السعدي.
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ : فهو سبحانه السميع لأقوالهم العليم بأحوالهم و بما يُبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحَسد والبغضاء.
"صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ"138.
صِبْغَةَ اللَّهِ : الصبغة في الآية بمعنى الإيمان . وإنما أطلقت الصبغة على الإيمان ،لأن الإيمان يمتزج بالقلوب امتزاج الصبغ بالمصبوغ، وتبدو آثاره على المؤمنين كما تبدو آثار الصبغ على المصبوغ. وكأنهم قالوا صبغنا الله بالإيمان صبغته.
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً : والاستفهام هنا للإنكار والنفي ، والمعنى: لا أحد أحسن من الله صبغة لأنه هو الذي يصبغ عباده بالإيمان ويطهرهم من أدران الكفر والضلال، فهي صبغة ثابتة لا تزول لأن الإيمان متى خالطت بشاشته القلوب لا يرتد عنه أحد سخطة له.
بخلاف ما يتلقنه أهل الكتاب عن أحبارهم ورهبانهم من الأديان الباطلة فهو من الصبغة البشرية، التي تجعل من الدين الواحد أديانا مختلفة ومذاهب متنافرة.
وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ :عابدون أي مطيعون . والمعنى: قل لهم يا محمد إننا نحن معاشر المسلمين نعبد الله وحده وصبغته هي صبغتنا ولا نعبد غيره فلا نتخذ الأحبار والرهبان أربابًا يزيدون في ديننا وينقصون ويحلون ويحرمون ويمحون من النفوس صبغة التوحيد، ليحلوا محلها بأهوائهم صبغة الشرك والكفر.
"قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ"139.
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ :المحاجة هي: المجادلة بين اثنين فأكثر, تتعلق بالمسائل الخلافية, حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله, وإبطال قول خصمه، فكل واحد منهما, يجتهد في إقامة الحُجة على ذلك. والمعنى أتجادلوننا في شأن الله، وتقولون أنكم الأقرب إلى الله، وتزعمون أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى. وإن ديننا هو الأقدم وكتابنا هو الأسبق ولو كنتَ نبيًّا لكنتَ منَّا.
وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ: يعنى ليس أحد منا أولى بالله من الآخر، لأنه تعالى "رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ" وعطاء الربوبية عام لكل الناس ، المتصرف فينا وفيكم ، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له !
"وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ" نحن لَنَا أَعْمَالُنَا التى سنحاسب عليها، وأنتم لَكُمْ أَعْمَالُكُمْ التى ستحاسبون عليها، والعمل وحده هو الذي يقرب لله تعالى، وليس كما تزعمون أنكم أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وأن آبائكم الأنبياء سيشفعون لكم.
فشُبْهَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْجُو مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَتِهِمْ، وَإِنْ أَحْسَنَ فِي عَمَلِهِ وَأَخْلَصَ فِي قَصْدِهِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ النَّاجُونَ الْفَائِزُونَ وَإِنْ أَسَاءُوا عَمَلًا وَنِيَّةً؛ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُنْجُونَهُمْ وَيُخَلِّصُونَهُمْ بِجَاهِهِمْ، فَالْفَوْزُ عِنْدَهُمْ بِعَمَلِ سَلَفِهِمْ لَا بِصَلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَلَا أَعْمَالِهِمْ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ هَدْمٌ لِدِينِ اللهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ جَمِيعَ أَنْبِيَائِهِ .
"وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ" ونحن مخلصون في أعمالنا، والْإِخْلَاصُ هو رُوحُ الْأَعْمَالِ، والإخلاص, هو الطريق إلى الخلاص، فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْإِخْلَاصُ أَنْ يُخْلِصَ الْعَبْدُ دِينَهُ وَعَمَلَهُ فَلَا يُشْرِكَ بِهِ فِي دِينِهِ وَلَا يُرَائِيَ بِعَمَلِهِ، قَالَ الفضيل: ترك العمل من أجل النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ الله منهما.الألوكة.
"أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " 140.
وهذه دعوى أخرى منهم, ومحاجة في رسل الله، زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين.
فرد الله عليهم بقوله" أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ " وقال سبحانه في موضع آخر " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "آل عمران : 67.وهم يقولون: بل كان يهوديًا أو نصرانيًا. فإما أن يكونوا، هم الصادقين العالمين، أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك, فأحد الأمرين متعين لا محالة، وصورة الجواب مبهم، وهو في غاية الوضوح والبيان، حتى إنه - من وضوحه - لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق، ونحو ذلك، لانجلائه لكل أحد، كما إذا قيل: الليل أنور، أم النهار؟ والنار أحر أم الماء؟ والشرك أحسن أم التوحيد؟ ونحو ذلك. وهذا يعرفه كل من له أدنى عقل حتى إنهم بأنفسهم يعرفون ذلك, ويعرفون أن إبراهيم وغيره من الأنبياء, لم يكونوا هودا ولا نصارى, فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة، فلهذا كان ظلمهم أعظم الظلم. ولهذا قال تعالى "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ " ولا أحدَ أشدُّ ظلمًا في كِتمان الشَّهادة؛ ممَّن يَكتُم ما أنزل الله في كُتبه . فهي شهادة عندهم، مودعة من الله، لا من الخلق، فيقتضي الاهتمام بإقامتها، فكتموها، وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق، وعدم النطق به، وإظهار الباطل، والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله، وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة، فلهذا قال سبحانه " وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " فيه تهديد ووعيد شديد، فالله سبحانه وتعالى ليس بسَاهٍ عن هؤلاء اليهودِ والنَّصارى، بل هو على عِلمٍ بجميع أعمالِهم محيط بها ، ولا يَخفَى عليه منها شيء.فقد أحصى أعمالهم، وعدها وادخر لهم جزاءها، فبئس الجزاء جزاؤهم, وبئست النار، مثوى للظالمين.تفسير السعدي.وموسوعة التفسير .
"تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ"141.
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ : أي : تِلْكَ إشارة إلى إبراهيم وبنيه، أي أن إبراهيم وذريته، أمة قد مضت وانقرضت،. لهم أعمالهم ولكم أعمالكم، وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم ، من غير متابعة منكم لهم ، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله ، الذين بعثوا مبشرين ومنذرين ، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل ، ولا سيما من كفر بسيد الأنبياء ، وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من سائر المكلفين ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين .من تفسير ابن كثير.
رد مع اقتباس