عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 10-07-2022, 02:38 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Post

من آية 142إلى 144
" سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" 142.
وقد بدأ الكلام بما سيقع من اعتراضهم على التحويل، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به قبل وقوعه، ولقّنه الحجة البالغة والحكمة فيه، ليوطّن نفسه عليه، فإن مفاجأة المكروه أشدّ إيلامًا، والعلم به قبل وقوعه يبعد القلق عن النفس.وليعدّ الجواب قبل الحاجة إليه، والجواب المعدّ أقطع لحجة الخصم.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يستقبل بيت المقدس وهو في مكة وكان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فيستقبلهما معًا كما يفيده حديث ابن عباس:
"كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّى نحوَ بَيتِ المقدِسِ والكعبةُ بينَ يدَيهِ وبعدَما هاجرَ إلى المدينةِ ستَّةَ عشرَ شَهرًا ، ثمَّ تَوجَّه إلى الكعبةِ"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : موافقة الخبر الخبر-الصفحة أو الرقم : 2/279 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
بقى المسلمون يجمعون فى الصلاة بين القبلتين ما شاء الله ،ثم أُذن لهم فى الهجرة من مكة فخرجوا إلى المدينة ولحق بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وفى المدينة تعذر على النبي والذين آمنوا معه الجمع بين القبلتين .. فكان المسلمون يصلون مع رسول الله ويستقبلون بيت المقدس حتى نزل الوحي بتحويل القِبْلَة إلى الكعبة.
عن البراء بن عازب " كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكَانَتِ اليَهُودُ قدْ أعْجَبَهُمْ إذْ كانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا ولَّى وجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أنْكَرُوا ذلكَ."صحيح البخاري.
شَرائِعُ الدِّينِ مَبنيَّةٌ على الوحْيِ وما أمَرَ به اللهُ سُبحانه، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّبِعًا لذلك، وإنْ مالَتْ نفْسُه إلى أمرٍ فإنَّه لا يَفعَلُه ما لم يُؤمَرْ به.وفي هذا الحَديثِ يَروي البَراءِ بْنُ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا قدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ نزَلَ على بني النَّجَّارِ؛ لأنَّهم هم أخوالُه أو أجدادُه مِن جِهةِ جَدِّ أبيه هاشمِ بنِ عبدِ مَنافٍ. وفي أوَّلِ أمرِ الإسلامِ لمَّا فُرِضَت الصَّلاةُ كانت قِبلتُه إلى بيتِ المقدِسِ، وظلَّ يتَّجِهُ إليه سِتَّةَ عشَرَ شَهرًا، أو سَبعةَ عشَر شَهرًا، وكان يُعجِبُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تكونَ قِبلتُه قِبَلَ الكعبةِ؛ وقد أخبَرَ اللهُ سُبحانه عن حالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه في قولِه تعالى"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"البقرة: 144، فوَعَدَه أنْ يُوجِّهَه إلى القِبلةِ التي يَرْضاها، وكانت أوَّلُ صَلاةٍ صلَّاها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتوجِّهًا إلى الكعبةِ هي صَلاةَ العصرِ، ولا خِلافَ أنَّ ذلك كان في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهجرةِ، وصلَّى معه بَعضُ أصحابِه، فخرَجَ رجلٌ ممَّن صلَّى معه، فمَرَّ على أهلِ مَسجدٍ، فوجَدَهم يُصَلُّون، وكانوا راكعينَ، فقال لهم: أحْلِفُ باللهِ، لقدْ صلَّيتُ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتوجِّهًا إلى الكعبةِ في الصَّلاةِ، فلمَّا سَمِعوه صدَّقوه وَدارُوا ناحيةَ المسجدِ الحرامِ، ولم يَقطَعوا الصَّلاةَ، بلْ أتمُّوها إلى جِهةِ الكعبةِ، فصلَّوا صَلاةً واحدةً إلى جِهتينِ: جِهةِ المسجدِ الأقْصى، وجِهةِ المسجدِ الحرامِ.وكان اليهودُ يُعجِبُهم تَوجُّهُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بَيتِ المقدِسِ؛ لأنَّه قِبْلَتُهم، فلمَّا تَوجَّه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى البيتِ الحرام، أنكَروا ذلك، فنَزَل قولُه تعالى"سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"البقرة: 142. الآياتِ، كما جاء مُصرَّحًا به في رِواياتٍ أُخرى.وكان بعضُ الصَّحابةِ ممَّن صلَّى إلى بَيتِ المقدِسِ مات أو قُتِل قَبلَ أنْ تُحوَّلَ القِبلةُ إلى البيتِ الحرام، فسُئِل صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنهم؛ فأنزَلَ اللهُ"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ"البقرة: 143، أي: صَلاتَكم.وفي الحديثِ: ما كان عندَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم مِن سُرعةِ تَلبيةِ واستجابةِ أوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وفيه: مَشروعيَّةُ الحَلِفِ على الشَّيءِ لتَأكيدِه.وفيه: الحضُّ على حُسنِ الاستِجابةِ لِداعي اللهِ ورَسولِه.الدرر السنية.
أخبَر اللهُ تعالى أنَّ السفهاء : وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن، وهم اليهود والنصارى, ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله وشرائعه، سيتساءلون اعتراضًا- والرِّيبة تملأ قلوبَهم- عن السَّبب الذي صرَف المسلمين عن استقبال بيت المقدِس في صلاتهم.
قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ :أي: قلْ يا محمَّدُ، لهؤلاء المتسائلين: لله تعالى وحْده دون غيرِه مُلكُ المشرق والمغرب وما بينهما، فكلُّ الجِهات مخلوقةٌ ومملوكة له؛ فله أن يأمُرَ بالتوجُّه إلى أيِّ جِهةٍ شاء سبحانه
يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ : الله هو الذي يهدى من يشاء هدايته، إلى السبيل الحق، فيوجه إلى بيت المقدس مدة حيث اقتضت حكمته ذلك، ثم إلى الكعبة، حيث يعلم المصلحة فيما أمر به.
وإذا سأل سائل ما الحكمة من تغيير القبلة؟
إذا أتانا الأمر من الله وجب علينا قبوله والتسليم له - وإن لم تظهر لنا حكمته - كما قال تعالى"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا "الأحزاب 36 .
والله سبحانه وتعالى لا يحكم بحكم إلا لحكمة عظيمة - وإن لم نعلمها - كما قال تعالى"ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"الممتحنة 10.
والله سبحانه وتعالى لا ينسخ حكمًا إلا إلى ما هو أفضل منه أو مثله ، كما قال تبارك وتعالى "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"سورة البقرة 106 .الإسلام سؤال وجواب.
ومن الحكم العظيمة التي تظهر لنا من تحويل القبلة تنقية الصف المسلموامتحان المؤمن الصادق واختباره ، فالمؤمن الصادق يقبل حكم الله جل وعلا ، بخلاف غيره.كما ستوضحه الآية التالية.
"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ". 143.
وَكَذَلِكَ : أي: وكما هديناكم صراطًا مستقيمًا جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا: أيعدولًا خيارًا، لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ: تشهد هذه الأمة لجميع الرسل الذين قد بلغوا رسالات ربهم وبلغوا أممهم.وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا :أي شهيدًا على صدقكم.
ونقل البغوي في تفسيره :1/122، عن الكلبي أنه قال : وَسَطًا " يعني : أهل دين وسط ، بين الغلو والتقصير ، لأنهما مذمومان في الدين "
قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية " فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطًا عدولًا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بَلَّغَتْ ما أُمِرَتْ ببلاغِهِ من رسالاتي إلى أممها ، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدًا عليكم بإيمانكم به ، وبما جاءكم به من عندي " انتهى ."جامع البيان " 2/8 .
جعل الله هذه الأمة، وسطًا في كل أمور الدين، وسطًا في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفا منهم كاليهود، بأن آمنوا بكل الأنبياء على الوجه اللائق بذلك، ووسطًا فِي مَجَالِ الْعِبَادَةِ: جَاءَ الْإِسْلَامُ وَسَطًا بَيْنَ الرَّهْبَانِيَّةِ – الَّتِي اهتمت بالروح وقَطَعَتْ كُلَّ صِلَةٍ بِالْحَيَاةِ، وَانْقَطَعَتْ لِلْعِبَادَةِ، وَبَيْنَ الْإِغْرَاقِ فِي الْمَجَالِ الْمَادِّيِّ وَالِاهْتِمَامِ بِالنَّوَاحِي الْحِسِّيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ وَالطُّغْيَانِ الْمَالِيِّ وَالِانْصِرَافِ عَنِ الْعِبَادَةِ وَتَرْقِيَةِ النَّفْسِ.
فجاء الإسلام جامعًا بين الحقّين حق الروح وحق الجسد، وأعطى المسلم جميع الحقوق الإنسانية، فالإنسان جسد وروح..ووهبهم الله من العلم والحلم، والعدل والإحسان، ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا " أُمَّةً وَسَطًا " كاملين، ليكونوا " شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط، يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان، ولا يحكم عليهم غيرهم. تشهد هذه الأمة يومَ القِيامةِ لجميع الرسل الذين قد بلغوا رسالات ربهم وبلغوا أممهمإذا كذَّبوا وأنكَرُوا أنَّ اللهَ بَعَثَ إليهم الأنبياءَ.وهي لا يَشْهَدُ عَلَيْها إلّا رَسُولُها صلى الله عليه وسلم.والأُمَّة لا تَشْهَدُ عَلى النَّبِي ولِهَذا كانَ يَقُولُ في حَجَّةِ الوَداعِ "ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟، قالوا: نَعَمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ " الحديث..... الراوي : أبو بكرة نفيع بن الحارث - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم : 1741 . فَجَعَلَ اللَّهَ هو الشّاهِدَ عَلى تَبْلِيغِهِ.
يَجِيءُ نُوحٌ وأُمَّتُهُ، فيَقولُ اللَّهُ تَعالَى: هلْ بَلَّغْتَ؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، فيَقولُ لِأُمَّتِهِ: هلْ بَلَّغَكُمْ؟ فيَقولونَ: لا ما جاءَنا مِن نَبِيٍّ، فيَقولُ لِنُوحٍ: مَن يَشْهَدُ لَكَ؟ فيَقولُ: مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أنَّه قدْ بَلَّغَ، وهو قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ"البقرة: 143. والوَسَطُ: العَدْلُ."الراوي : أبو سعيد الخدري - صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 3339 .
يَجِيءُ النبيُّ يومَ القيامةِ ومعه الرجلُ ، والنبيُّ ومعه الرجلانِ ، والنبيُّ ومعه الثلاثةُ ، وأكثرُ من ذلك ، فيُقالُ له : هل بَلَّغْتَ قومَك ؟ فيقولُ : نعم ، فيُدْعَى قومُه ، فيُقالُ لهم : هل بَلَّغَكم هذا ؟ فيقولونَ : لا ، فيُقالُ له : مَن يَشْهَدُ لك ؟ فيقولُ : مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ ، فيُدْعَى مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ فيُقالُ لهم : هل بَلَّغَ هذا قومَه ؟ فيقولونَ : نعم ، فيُقالُ : وما عِلْمُكُم بذلك ؟ فيقولونَ : جاءنا نبيُّنا ، فأَخْبَرَنا أنَّ الرُّسُلَ قد بَلَّغُوا فصَدَّقْناه ، فذلك قولُه : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" الراوي : أبو سعيد الخدري -المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم : 8033 -خلاصة حكم المحدث : صحيح .
وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا: والجَعْلُ هُنا جَعْلُ التَّشْرِيعِ،جَعَلْنَا: أي شَرَعْنا وهي استقبال بيت المقدس أولًا، ففي أوَّلِ أمرِ الإسلامِ لمَّا فُرِضَت الصَّلاةُ كانت قِبلتُه إلى بيتِ المقدِسِ كما سبق وبيناه في تفسير الآية السابقة.خاطَب الله عزَّ وجلَّ نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه إنَّما شرَع له استقبال بيت المقدس أولًا، ثمَّ نسخَه بالتوجُّه إلى الكعبة؛ امتحانًا؛ لكي يَعلمَ مَن يُطيع الرسولَ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ممَّن يرتدُّ عن دِينه، وإنْ كان أمر تحويل القِبلة شاقًّا على النفوس وعظيمًا، إلَّا على مَن وفَّقه الله لطريق الهداية.
إِلَّا لِنَعْلَمَ :أي: علمًا يتعلق به الثواب والعقاب، وإلا فهو تعالى عالم بكل الأمور قبل وجودها. ولكن هذا العلم، لا يعلق عليه ثوابًا ولا عقابًا، لتمام عدله، وإقامة الحجة على عباده، بل إذا وجدت أعمالهم، ترتب عليها الثواب والعقاب، أي: شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن"مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ " من يؤمن به، فيتبعه على كل حال، لأنه عبد مأمور.فالمؤمن المنصف نسخ استقبال بيت المقدس كقبلة للصلاة والتوجُّه إلى الكعبة يزيده إيمانًا وطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم. وأما من انقلب على عقبيه- مثنى عقب وهو مؤخر القدم، وهي كناية عن الارتداد وعن الرجوع إلى الأمر الأول، وهو الكفر -، وأعرض عن الحق، واتبع هواه، فإنه يزداد كفرًا إلى كفره، وحيرة إلى حيرته، ويدلي بالحُجة الباطلة، المبنية على شبهة لا حقيقة لها.
"وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ " " وَإِنْ كَانَتْ " أي: وإن كان صرفك عن استقبال بيت المقدس كقبلة للصلاة " لَكَبِيرَةً " أي: شاقة " إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ "يسيرة على الذين هداهم الله للحق ، فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم، وشكروا، وأقروا له بالإحسان، حيث وجههم إلى هذا البيت العظيم، الذي فضله على سائر بقاع الأرض، وجعل قصده, ركنًا من أركان الإسلام, وهادما للذنوب والآثام, فلهذا خف عليهم ذلك, وشق على من سواهم.
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ " ثم طمْأنَ الله سبحانه المؤمنين بأنَّه عزَّ وجلَّ لن يُضيع ثوابَ صلاتهم إلى بيت المقدِس، قبل تحويل القِبلة، بل هو محفوظٌ عنده عزَّ وجلَّ؛ فهو سبحانه عظيم الرحمة بالنَّاس. ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة، فإن الله لا يضيع إيمانهم، لكونهم امتثلوا أمر الله وطاعة رسوله في وقتها. ، وفي هذا دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، أن الإيمان تدخل فيه أعمال الجوارح.فقد سمى التوجه للقبلة إيمان وهو عمل من أعمال الجوارح.

إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ :والرأفة شدَّة الرَّحْمَة ومنتهاها، فالرَّؤُوف بِمَعْنى الرَّحِيم مَعَ الْمُبَالغَة فِيهِ.
الفرق بين الرأفة والرحمة "والرَّأْفَةُ أَخصُّ وأَرَقُّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلَا تَكاد تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ، والرحمةُ قَدْ تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ للمَصْلحةِ" لسان العرب:9:112.
وقوله" إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ " أي: شديد الرحمة بهم عظيمها، فمن رأفته ورحمته بهم، أن يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها، وأن ميَّزَ عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه، وأن امتحنهم امتحانا، زاد به إيمانهم، وارتفعت به درجتهم، وأن وجههم إلى أشرف البيوت وأجلها.
"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ"144.
"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ" تَقَلُّبَ :تردده المرة بعد المرة في السماء، وهي مصدر الوحي وقبلة الدعاء.كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّمَ يتشوّف لتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، ويقع في روعه أن ذلك كائن، لأن الكعبة قِبلة أبيه إبراهيم، وقد جاء بإحياء ملته وتجديد دعوته، ولأنها أقدم القبلتين، ولأن ذلك أدعى إلى إيمان العرب، وهم الذين عليهم المعول في إظهار هذا الدين، لأنهم أكثر الناس استعدادًا لقبوله، ولأنها كانت مفخرة لهم وأمنا ومزارًا ومطافًا، ولأن اليهود كانوا يقولون: يخالفنا في ديننا ويتبع قبلتنا، ولو لا ديننا لم يدر أين يستقبل القبلة، فَكَرِهَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قبلتهم.تفسير المراغي.
عن البَراء بن عازبٍ رضي الله عنه، قال : كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ أنْ يُوَجَّهَ إلى الكَعْبَةِ، فأنْزَلَ اللَّهُ "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ" فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ، .... صحيح البخاري.
أي: يُؤكِّد الله تعالى لنبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ رُؤيتَه له وهو يتلفَّت محوِّلًا وجهَه في جِهات السماء؛ متلهِّفًا لنزول الوحي بخبَر تحويل القِبلة إلى الكعبة.
"فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا "أي فلنوجهنَّك ولنجعلنّك تلي جهة عظيمةٍ تحبها وتتشوف لها وتطمئنُّ إليها في صلاتك غير جهة بيت المقدس.وتَرْضاها معناه تحبها وتقر بها عينك. تَرْضَاهَا: أي : تحبها وتقر بها عينك.
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ :أي اصرف وجهك - والمراد بالوجه هو الذات كلها- وَحوِّله بحيث يلي جهة المسجد الحرام " الشطر "، النحوَ والقصدَ والتّلقاء.. وفي ذكر "الْمَسْجِدِ الْحَرامِ" دون الكعبة إيذان بكفاية مراعاة جهة الكعبة حين الصلاة إذا كان بعيدًا عنها بحيث لا يراها، ولا يجب استقبال عينها إلا لمن يراها بعينه.
وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ :ثم عمم القرآن الكريم هذا التشريع على الأمة الإسلامية جميعها.أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض ، شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا ، ولا يستثنى من هذا شيء ، سوى النافلة في حال السفر ، فإنه يصليها حيثما توجه قالبه ، وقلبه نحو الكعبة . وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال ، وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده ، وإن كان مخطئًا في نفس الأمر ، لأن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها .
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ :أي: إنَّ اليهود والنَّصارى يَعلمون مِن كتُبهم أنَّ استقبال النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ والمؤمنين الكَعبةَ، أمرٌ حقٌّ، قد فرَضه الله سبحانه وتعالى.
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ: فهو العليم بالظاهر والباطن والمحاسب على ما في السرائر، والرقيب على الأعمال، فيجازي كل عامل بما عمل، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.ولا يخفَى ما في هذا من التهديد والوعيد الشديد لليهود على عنادهم، وإيقادهم نار الفتنة بين المؤمنين.
رد مع اقتباس