عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 10-24-2022, 02:51 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Arrow

من آية 151إلى 157
"كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ" 151.
يقول تعالى: إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة, ليس ذلك ببدع من إحساننا, ولا بأوله, بل أنعمنا عليكم من قبل بإرسال هذا الرسول الكريم لكم ،وهو منكم, تعرفون نَسبَهُ وأخلاقَهُ الفاضلة وصدقه, وأمانته وكماله ونصحه.
يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا: وهذا يَعُم الآيات القرآنية وغيرها، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل, والهدى من الضلال, التي دلتكم أولًا, على توحيد الله وكماله, ثم على صدق رسوله, ووجوب الإيمان به, ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب, حتى حصل لكم الهداية التامة, والعلم اليقيني.
وَيُزَكِّيكُمْ : أي يطهر نفوسَكُم من أدران الرذائل التي كانت فاشية في العرب من عبادة الأصنام ومن وأد البنات والخمر والميسر والربا، وقتل الأولاد تخلصًا من النفقة، وسفك الدماء لأوهن الأسباب، ويغرس فيها فاضل الأخلاق وحميد الآداب. بتربيتها على الأخلاق الجميلة, وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة, وذلك كتزكيتكم وتطهيركم من الشرك, إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص, ومن الكذب إلى الصدق, ومن الخيانة إلى الأمانة, ومن الكِبر إلى التواضع, ومن سوء الخلق إلى حُسن الخلق, ومن التباغض والتهاجر والتقاطع, إلى التحاب والتواصل والتواد, وغير ذلك من أنواع التزكية.
وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ : وإذا أشرقت النفوس بنور الحق، وتحلت بالأخلاق الحميدة، قويت على تلقي ما يَرِد عليها من الحقائق السامية. المراد بالكتاب: القرآن، وتعليمه بيان ما يخفى من معانيه، فهو غير التلاوة، فلا تكرار بين قوله يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وبين قوله وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ.

وَالْحِكْمَةَ: السنة ، أي ما يصدر عنه صلّى الله عليه وسلّم من الأقوال والأفعال التي جعل الله للناس فيها أسوة حسنة.
وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ: أي ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه مما لا طريق إلى معرفته سوى الوحي. ومما لم يكونوا يعلمونه وعلمهم إياه صلّى الله عليه وسلّم مثل وجوه استنباط الأحكام من النصوص أو الأصول المستمدة منها، وأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء، وغير ذلك مما لم تستقل بعلمه عقولهم. وبهذا النوع من التعليم صار الدين كاملا قبل انتهاء عهد النبوة.
ولقد كان العرب قبل الإسلام في حالة شديدة من ظلام العقول وفساد العقائد ...
فلما أكرمهم الله- تعالى- برسالة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وتلا عليهم الآيات، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، خرج منهم رجال صاروا أمثالًا عالية في العقيدة السليمة، والأخلاق القويمة والأحكام العادلة، والسياسة الرشيدة لمختلف البيئات والنزعات.تفسير الوسيط.

"فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ "152.
أي: عليكم بذِكري في مقابل تلك النعم التي تقدَّم ذكرها. وهذا الذِّكر المأمور به عامٌّ يَشملُ ذِكْرَ اللهِ قولًا باللِّسانِ، وعملًا بالقلبِ وبالجوارحِ، أَذْكُرْكُمْ ووعد عليه أفضل جزاء على هذا الذِّكر ، وهو أن يَذكُر هو سبحانَه مَن ذكَره.
"يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. "الراوي : أبو هريرة- صحيح البخاري.
وفي الحَديثِ: التَّرغيبُ في حُسنِ الظَّنِّ باللهِ تَعالَى. وفيه: بَيانُ أنَّ الجَزاءَ من جِنسِ العَمَلِ.الدرر السنية.
وهذه أفضل تربية من الله لعباده، إذا ذكروه ذكرهم بإدامة النعمة والفضل، وإذا نسوه نسيهم وعاقبهم بمقتضى العدل.
وبعد أن أعلمهم ما يحفظ النعم، أرشدهم إلى ما يوجب المزيد منها بمقتضى الجود والكرم فقال: وَاشْكُرُوا لِي:
أي: اشكُروني على ما مَنحتُكم من نِعمٍ بأن تستعملوا النعم في طاعته سبحانه، باللِّسانِ وبالقلب والجوارح، ولا تجحدوا إحساني إليكم. ومن أعظمِ ذلك: نِعمةُ الإسلام، وإرسالُ محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسلام، والهدايةُ إلى الشَّرائع الصَّحيحة، ومنها استقبالُ الكعبة الشريفة فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة, وزيادة في النعم المفقودة، قال تعالى:
"لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " إبراهيم:7.
ولما كان الشكر ضده الكفر, نهى عن ضده فقال " وَلَا تَكْفُرُونِ"
المراد بالكفر هاهنا ما يقابل الشكر, فهو كفر النِّعم وجحدها، ويحتمل أن يكون المعنى عامًّا, فيكون الكفر أنواعًا كثيرة, أعظمه الكفر بالله, ثم أنواع المعاصي, على اختلاف أنواعها وأجناسها, من الشرك, فما دونه.تفسير السعدي.
وهذا تحذير لهذه الأمة حتى لا تقع فيما وقع فيه بعض الأمم السابقة التي فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"153.
بعد أن أمر- سبحانه- عباده بذكره وشكره، وجه نداء إليهم بيَّنَ لهم فيه ما يعينهم على ذلك، كما بين لهم عاقبة الصابرين على البلاء.
فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره, فهو ثلاثة أقسام: صبرها على طاعة الله حتى تؤديها, وعن معصية الله حتى تتركها, وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها، فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر.
وَالصَّلَاةِ : الصَّلاةُ أعظمُ أركانِ الإسلامِ العَمليَّةِ، ولها أهمِّيَّتُها الخاصَّةُ في الشَّرعِ، وفيها مِن الرُّوحانيَّاتِ والصِّلةِ باللهِ ما يَجْعَلُ القلبَ يَرْتاحُ ويَخْرُجُ مِنْ متاعبِ الدُّنيا إلى مَعِيَّةِ الحَقِّ سُبْحانَه، وقد جعلتُ قُرَّةُ عينِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّلاةِ.
"وجعلَتْ قرةُ عَيني في الصلاةِ "الراوي : أنس بن مالك -المحدث : الألباني- المصدر : صحيح النسائي.
فلا شيءَ يُسعِدُه ويُدخِلُ عليه السُّرورَ بمِثْلِ ما تُدخِلُ عليه الصَّلاةُ؛ فقُرَّةُ العينِ يُعبَّرُ بها عنِ المَسرَّةِ ورؤيةِ ما يُحِبُّه الإنسانُ.وهي عبادةٌ جليلةٌ فيها تَصْفو بها الرُّوحُ مِن الكَدَرِ والمُنغِّصاتِ النَّفسيَّةِ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيْ ربِّه ويَدْعوه لِتَفريجِ هُمومِه؛ فهو وحْدَه القادِرُ على إزالةِ الهمِّ والحزنِ وتسهيلِ الصِّعابِ. وفي الحديث: بَيانُ عِظَمِ قَدْرِ الصَّلاةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وأنَّها يَنبغي أنْ تكونَ الأَوْلَى عندَ كلِّ مسلِمٍ .الدرر السنية.
عن حذيفةَ قالَ : كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى " المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود.
وهذا مِن تعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم لأمَّتِه، فإنَّه يُعلِّمُنا حُسْنَ التَّوكُّلِ على اللهِ واللُّجوءَ إليه في كلِّ الأمورِ.
" يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها "الراوي : سالم بن أبي الجعد -المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود.
وطَلَبُ الرَّاحةِ في الصَّلاةِ يَصْدُرُ ممَّنْ كان خاشعًا فيها ومُحِبًّا لها، وإنْ كانت ثَقيلةً على البعضِ؛ كما قال اللهُ"وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" البقرة: 45.
وفي الحَديثِ: أنَّ الصَّلاةَ راحةٌ للقَلْبِ مِنْ تَعَبِ الدُّنيا ومَشاغِلِها.
"الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ،...........والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها."الراوي : أبو مالك الأشعري- المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 223.
والصَّلاةُ نُورٌ : قيل: المَعنَى: إنَّ من أجرِها أن يَجعَلَ اللهُ عزَّ وجَلَّ نورًا لصاحِبِها يَومَ القيامةِ، ويَكونُ في الدُّنيا أيضًا على وَجهِه البَهاءُ، بخِلافِ مَن لم يُصَلِّ، وقيل: هي تَمنَعُ منَ المَعاصي وتَنهَى عنِ الفَحشاءِ والمُنكَرِ، وتَهدي إلى الصَّوابِ، كما أنَّ النُّورَ يُستَضاءُ به، وقيل: كُلُّ هذا؛ فهي نُورٌ للعَبدِ في قَلبِه، وفي وَجهِه، وفي قَبرِه، وفي حَشرِه.
والصَّبْرُ ضِياءٌ"، والضِّياءُ هو النُّورُ الذي يَحصُلُ فيه نَوعُ حَرارةٍ وإحراقٍ، كضياءِ الشَّمسِ، بخِلافِ القَمَرِ؛ فإنَّه نورٌ مَحضٌ، فيه إشراقٌ بغَيرِ حَرارةٍ، ولمَّا كان الصَّبرُ شاقًّا على النُّفوسِ يَحتاجُ إلى مُجاهدةِ النَّفسِ وحَبسِها وكَفِّها عمَّا تَهواهُ، كان ضياءً.الدرر السنية.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ : أي: مع من كان الصبر لهم خلقا, وصفة, وملكة بمعونته وتوفيقه, وتسديده، أي: إنَّه سبحانه وتعالى مع الصَّابرين معيَّةً خاصَّةً تَقتضي قُربَه منهم، ومحبَّتَه لهم، ونصْرهم وتأييدَهم، وإعانتهمفهانت عليهم بذلك, المشاق والمكاره, وسهل عليهم كل عظيم, وزالت عنهم كل صعوبة، وهذه منقبة عظيمة للصابرين، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية الخاصة من الله, لكفى بها فضلًا وشرفًا.تفسير السعدي.
الفرق بين المعية الخاصة والعامة:المعيَّةُ الخاصَّةُ : هي للمُتَّقينَ والصَّابرينَ والمحسِنينَ، فهذه المعيَّةُ الخاصَّةُ هي بالنَّصرِ والتَّوفيقِ والإعانةِ والتسديدِ ونحوِ ذلك.كقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ "النحل: 128 ،" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " البقرة: 153. ،" لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا "التوبة: 40.
والمعيَّةُ العامَّةُ : عامة للمؤمنِ والكافرِ، وأمَّا المعِيَّةُ العامَّةُ فبالسَّمعِ والبَصَرِ والعِلمِ ، وهي المذكورةُ في قَولِه" مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ" إلى قَولِه" وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْأَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "المجادلة: 7 ، "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ "الحديد: 4 ؛ لأنَّ جميعَ الكائناتِ بسَمواتِها وأرضِها في يدِ خالِقِ السَّمَواتِ والأرضِ أصغَرُ مِن حَبَّةِ خَردَلٍ، فهو مع جميعِها بالإحاطةِ الكامِلةِ العَظيمةِ، وبالإحاطةِ العِلميَّةِ ونُفوذِ التصَرُّفِ كما لا يخفى.الموسوعة العقدية/الدرر السنية.ومصادر أخرى.

"وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ "154.
لما ذكر تبارك وتعالى، الأمر بالاستعانة بالصبر على جميع الأمور ذكر نموذجًا مما يُستعان بالصبر عليه, وهو الجهاد في سبيله, وهو أفضل الطاعات البدنية, وأشقها على النفوس, لمشقته في نفسه, ولكونه مؤديًا للقتل, وعدم الحياة, التي إنما يرغب الراغبون في هذه الدنيا لحصول الحياة ولوازمها، فكل ما يتصرفون به, فإنه سعى لها, ودفع لما يضادها. ومن المعلوم أن المحبوب لا يتركه العاقل إلا لمحبوب أعلى منه وأعظم، فأخبر تعالى: أن من قتل في سبيله, بأن قاتل في سبيل الله, لتكون كلمة الله هي العليا, ودينه الظاهر, لا لغير ذلك من الأغراض, فإنه لم تفته الحياة المحبوبة, بل حصل له حياة أعظم وأكمل, مما تظنون وتحسبون. فالشهداء " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ "آل عمران الآيات 169-170.فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى, وتمتعهم برزقه البدني في المأكولات والمشروبات اللذيذة, والرزق الروحي, وهو الفرح، والاستبشار وزوال كل خوف وحزن، وهذه حياة برزخية أكمل من الحياة الدنيا. تفسير السعدي.
وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ : أي: لا تحسون ولا تدركون حالهم بالمشاعر، لأنها من شؤون الغيب التي لا طريق للعلم بها إلا الوحي.
"وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " 155.
وبعد أن أمر- سبحانه- عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة على احتمال المكاره، أردف ذلك بذكر بعض المواطن التي لا يمر فيها الإنسان بسلامة إلا إذا اعتصم بعرى الصبر.
فأخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي -والبلاء وهو الامتحان والاختبار- عبادَهُ بالمحنِ, ليتبين الصادقَ منَ الكاذبِ, والجازعَ مِنَ الصابرِ, ولتمييز أهل الخير من أهل الشر وهذه سنته تعالى في عباده.
قوله: بِشَيْءٍ: للتقليل.أي بشيء يسير من كل واحد من هذه البلايا والمحن المذكورة.لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله, أو الجوع, لهلكوا, والمحن تمحص لا تهلك.
والمعنى: ولنصيبنكم بشيء من الخوف وبشيء من الجوع، وبشيء من النقص في الأنفس والأموال والثمرات، ليظهر هل تصبرون أو لا تصبرون، فنرتب الثواب على الصبر والثبات على الطاعة، ونرتب العقاب على الجزع وعدم التسليم لأمر الله- تعالى-.
ولقد حدث للمسلمين الأولين خوف شديد بسبب تألب أعدائهم عليهم كما حصل في غزوة الأحزاب. وحدث لهم جوع أليم وقلة ذات يدهم .عن عبد الله بن شقيق قال : أقمتُ مع أبي هريرةَ بالمدينةِ سنةً ، فقالَ لي ذاتَ يَومٍ ونحنُ عندَ حُجرةِ عائشةَ : لقد رأيتُنَا وما لَنا ثيابٌ إلَّا البُرُدُ المُتفتِّقَةُ ، وإنَّه لَيأتي على أحدِنا الأيَّامُ ما يجدُ طعامًا يُقيمُ بهِ صُلبَه حتَّى إن كانَ أحدُنا لِيأخذُ الحجَرَ فيَشدُّ بهِ على أخْمَصِ بطنِه ، ثمَّ يشُدُّه بثوبِه ليُقيمَ صُلبَه."الراوي : أبو هريرة- المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم : 3307 - خلاصة حكم المحدث : صحيح موقوف .
"أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ له أبو شُعَيْبٍ، كانَ له غُلَامٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ له أبو شُعَيْبٍ: اصْنَعْ لي طَعَامَ خَمْسَةٍ لَعَلِّي أدْعُو النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ، وأَبْصَرَ في وجْهِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الجُوعَ، فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ لَمْ يُدْعَ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ هذا قَدِ اتَّبَعَنَا، أتَأْذَنُ له؟، قَالَ: نَعَمْ. "الراوي : أبو مسعود عقبة بن عمرو- المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري .
. وحدث لهم نقص في أموالهم بسبب اشتغالهم بإعلاء كلمة الله. وحدث لهم نقص في أنفسهم بسبب قتالهم لأعدائهم. ولكن كل هذه الآلام لم تزدهم إلا إيمانًا وتسليمًا لقضاء الله وقدره، واستمساكًا بتعاليم دينِهِم.
وفي الآية إيماء إلى أن الانتساب إلى الإيمان لا يقتضى سعة الرزق وبسط النفوذ وانتفاء المخاوف.
ومع هذا فإن من الهدي سؤال الله العافية :
"لم يَكُنْ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يَدَعُ هؤلاءِ الكَلِماتِ حين يُمْسِي وحين يُصْبِحُ : اللهم ! إني أَسْأَلُكَ العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهم ! إني أَسْأَلُكَ العَفْوَ والعافيةَ في دِينِي ودُنْيَايَ، وأهلي ومالي، اللهم ! اسْتُرْ عَوْراتِي وآمِنْ رَوْعاتِي، اللهم ! احْفَظْنِي من بينِ يَدَيَّ، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعَظَمَتِكَ أن أُغْتالَ من تحتي ؛ يعني : الخَسْفَ "الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : هداية الرواة -صحيح.
قامَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ على المنبرِ ثمَّ بَكى فقالَ: قامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم عامَ الأوَّلِ على المنبرِ ثمَّ بَكى فقالَ سلوا اللَّهَ العفوَ والعافيةَ فإنَّ أحدًا لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيرًا منَ العافيةِ "الراوي : رفاعة بن عرابة الجهني - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم : 3558- خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح .
الشرح: "سَلُوا اللهَ"، أي: اطلُبوا في دُعائِكم مِن اللهِ، "العفوَ"، أي: مَحْوَ الذُّنوبِ وسَتْرَ العيوبِ، "والعافيةَ"، أي: السَّلامةَ في الدِّينِ مِن الفِتنةِ، وفي البَدنِ مِن الأمراضِ، أو السَّلامةَ في الدُّنيا مِن النَّاسِ وشُرورِهم، وأن يُعافِيَك اللهُ مِنهم ويُعافِيَهم منك؛ "فإنَّ أحَدًا لم يُعطَ بعدَ اليَقينِ"، أي: بعد الإيمانِ والبصيرةِ في الدِّينِ "خيرًا مِن العافيةِ"، فكان هذا الدُّعاءُ مِن جَوامعِ الدُّعاءِ.الدرر السنية.
ولكن لنحذر من الخوف المفتعل من المجهول ومن المستقبل وأنه قد يقع بلاء كذا أو كذا فآفة الناس أنهم يعيشون في المصائب قبل وقوعها، وبذلك يكبر حجم المصيبة بالتوجس منها والرهبة من مواجهتها؟ إنك لو توكلت على الله وسألت الله العافية قد لا تقع ، ولو وقعت المصيبة فهو برحمته ينزل معها اللطف، فكأنك إن عشت في المصيبة قبل أن تقع، فأنت تعيش في المصيبة وحدها معزولة عن اللطف المصاحب لها.
"تنزِلُ المعونَةُ مِنَ السماءِ علَى قَدْرِ المؤْنَةِ ، وينزلُ الصبرُ على قدرِ المصيبةِ"الراوي : أبو هريرة- المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3001- خلاصة حكم المحدث : صحيح.
الشرح: "تنزلُ المَعونةُ"، أي: الإعانةُ بجَميعِ صُوَرِها؛ مِن مالٍ وغيرِه، " مِن السَّماءِ"، أي: يُنَزِّلُها اللهُ عزَّ وجلَّ على العبْدِ "على قدْرِ المُؤْنةِ"، والمُؤْنةُ هي القُوتُ الذي يُحتاجُ إليه، وقِيل: هي الشِّدَّةُ والتَّعبُ، والمعنى: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنَزِّلُ للعبْدِ رِزقَه على قدْرِ حاجتِه.وعِمادُ ذلك طلَبُ المَعونةِ مِن اللهِ تعالى بصِدقٍ وإخلاصٍ.
" ويَنزِلُ الصَّبرُ"، أي: يأْتي مِن اللهِ تعالى للعبْدِ المُصابِ، "على قَدْرِ المُصيبةِ"؛ فإنْ عظُمَت المُصيبةُ أفرَغَ اللهُ عليه صبْرًا كثيرًا؛ لُطْفًا منه تعالى به؛ لئلَّا يَهلِكَ جَزعًا، وإنْ خفَّتَ فبقَدْرِها.
وفي الحَديثِ: إرشادٌ إلى الاعتِصامِ بحَولِ اللهِ وقوَّتِه، وتَوجيهِ الرَّغباتِ إليه بالسُّؤالِ والابتهالِ.الدرر السنية.
نسأل الله السلامة والعافية من كل بلاء.
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ: أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
القائلين إذا أصابتهم مصيبة:
" الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"156.
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ :أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه.
ومع أننا مملوكون لله, فإنا إليه راجعون يوم المعاد, فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورًا عنده، وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله, وراجع إليه, من أقوى أسباب الصبر.تفسير السعدي.
يقولون هذه المقالة المعبرة عن الإيمان بالقضاء والقدر - بالظفر بحسن العاقبة في أمورهم كلها بحسب ما وضع من السنن في الكون. والصبر لا ينافي ما يحدث من الحزن حين حلول المصيبة، فإن ذلك من الرقة والرحمة الطبيعيين في الإنسان.تفسير المراغي.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وبشّر، يا محمد، الصابرين الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمنّي, فيُقرون بعبوديتي, ويوحِّدونني بالربوبية, ، ويصدقون بالمعاد والرجوع إليّ فيستسلمون لقضائي, ويرجون ثَوابي، ويخافون عقابي.تفسير الطبري.
"أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" 157.
أُولَٰئِكَ :الموصوفون بالصبر المذكور.
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ :أي: إنَّ هؤلاءِ الصَّابرين المبشَّرين الذين يقولون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، لهم من الله تعالى ثناءٌ عليهم وتنويهٌ بشأنهم، وتتنزَّل عليهم منه سبحانه الرَّحمات.
"ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"البقرة: 156، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها ...."الراوي : أم سلمة أم المؤمنين - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 918.
"إذا أصابَت أحدَكُم مُصيبةٌ فليقُل : إنَّا للَّهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ ، اللَّهمَّ عندَكَ أحتسِبُ مُصيبتي ، فآجِرني فيها ، وأبدِل لي بِها خيرًا مِنها "الراوي : أم سلمة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 3119 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
الشرح: أمَرَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بالصَّبرِ عند المصائِبِ، ومِمَّا يُعينُ على الصَّبرِ ما أخبَر به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الحديثِ بقولِه: "إذا أصابَت أحدَكم مُصيبَةٌ"، أي: إذا وقَعَ على الإنسانِ ما يَكرَهُ ويتَأذَّى منه، وليس له القُدرَةُ على دَفْعِه؛ "فليَقُلْ: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعون"، أي: إيمانًا منه وتَسْليمًا بقَضاءِ اللهِ وقدَرِه على ما أصابَه، فنحن مَملُوكون للهِ وعَبيدٌ له، وإليه عزَّ وجلَّ نَرجِعُ في حَوْلِنا وقوَّتِنا، "اللَّهمَّ عِندَك أحتَسِبُ مُصيبَتي"، أي: أجعَلُ أجرَها وجزاءَ ما بُليتُ به عندَك لا عندَ أحدٍ سِواكَ، "فأْجُرْني فيها"، أي: فاجعَلْ لي فيما أصابَني يا أللهُ أجْرًا وثَوابًا في الآخِرَةِ، "وأبدِلْ لي بها خيرًا منها"، أي: أبدِلْ تلك المُصيبَةَ الَّتي وقعَتْ بي بنعمَةٍ خيرًا مِنها وأفضَلَ في الدُّنيا، فيكونُ العبْدُ بذلك إذا ما حلَّتْ به مصيبَةٌ فإنَّه يَطلُبُ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ بها ثَوابًا في الآخِرَةِ ونعمَةً في الدُّنيا بعد الثَّناءِ على اللهِ والخضُوعِ له، فيَجمَعُ بينَ الخيرَينِ فضْلًا مِن اللهِ ونعمَةً.
وفي الحديثِ: الأمرُ باللُّجوءِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ عندَ المصيبةِ بالصَّبرِ والذِّكرِ والدُّعاءِ.الدرر السنية.
وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ : وهؤلاء هم الذين عرفوا الحق وعملوا به , وهو في هذا الموضع, علمهم بأنهم لله, وأنهم إليه راجعون, وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها, لتخف وتسهل, إذا وقعت، وبيان ما تقابل به, إذا وقعت, وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر, وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر, بضد حال الصابر.تفسير السعدي.
رد مع اقتباس