عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-30-2021, 11:30 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Post


"مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ "17" صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ "18.

أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارًا، أي: كان في ظلمة عظيمة, وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره, ولم تكن عنده معدة, بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله, ونظر المحل الذي هو فيه, وما فيه من المخاوف وأمنها, وانتفع بتلك النار, وقرت بها عينه, وظن أنه قادر عليها, فبينما هو كذلك, إذ ذهب الله بنوره, فذهب عنه النور, وذهب معه السرور, وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة, فذهب ما فيها من الإشراق, وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة المطر, والظلمة الحاصلة بعد النور, فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون, استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين, ولم تكن صفة لهم, فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم, وسلمت أموالهم, وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت, فسلبهم الانتفاع بذلك النور, وحصل لهم كل هم وغم وعذاب, وحصل لهم ظلمة القبر, وظلمة الكفر, وظلمة النفاق, وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها, وبعد ذلك ظلمة النار وبئس القرار.
فلهذا قال تعالى عنهم" صُمٌّ " أي: عن سماع الخير" بُكْمٌ "أيعن النطق به، " عُمْيٌ " عن رؤية الحق، " فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ " لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه, فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال, فإنه لا يعقل, وهو أقرب رجوعًا منهم.

ثم قال تعالى" أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ " يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب, أي: ينزل بكثرة، " فِيهِ ظُلُمَاتٌ " ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمات المطر، " وَرَعْدٌ " وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، " وَبَرْقٌ " وهو الضوء اللامع المشاهد مع السحاب.
" كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ " البرق في تلك الظلمات " مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا " أي: وقفوا.
فهكذا حال المنافقين, إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده, جعلوا أصابعهم في آذانهم, وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده, فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم, ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد, ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت, فهذا تمكن له السلامة. وأما المنافقون فأنى لهم السلامة, وهو تعالى محيط بهم, قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه, بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها أتم الجزاء.
ولما كانوا مبتلين بالصمم, والبكم, والعمى المعنوي, ومسدودة عليهم طرق الإيمان، قال تعالى" وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ " أي: الحسية، ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية, ليحذروا, فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، " إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض.تفسير السعدي.


"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"22/21.

العبادة: خضوع ينشأ عن استشعار القلب بعظمة المعبود.
بعد أن ذكر سبحانه أصناف الخلق وبيّن أن منهم المهتدين، والكافرين الذين فقدوا الاستعداد للهداية، والمنافقين المذبذبين بين ذلك - دعا الناس إلى دين التوحيد الحق وهو عبادة الله وحده عبادة خشوع وإخلاص، حتى كأنهم ينظرون إليه ويرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، فإن فعلوا ذلك أعدّوا أنفسهم للتقوى.
ثم عدد بعض نعمِهِ المتظهرة عليهم الموجبة للعبادة والشكر، فجعل منها خلقهم أحياء قادرين على العمل والكسب،الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ".
ثم خلق الأرض مستقرا ومهادا لينتفعوا بخيراتها ويستخرجوا معادنها ونباتها،"الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا" أي هو الذي مهدّ لكم الأرض وجعلها صالحة للافتراش والإقامة فيها.
ثم بنى لهم السماء التي زينها بالكواكب، وجعل فيها مصابيح يهتدى بها الساري في الليل المظلم، وَالسَّمَاءَ بِنَاءً".
"وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ".أي وهو الذي أنزل من السماء مطرا يسقى به الزرع، ويغذّى به النبات، فأخرج به ثمرا نأكل منه وننتفع به.
"فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا"
عن عبد الله بن مسعود قال :سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قالَ" أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ ....".صحيح البخاري.

والنِّدُّ هو المثيلُ والنَّظيرُ.أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر أي:لا تجعلوا لله نظراء وأشباها من المخلوقين،فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبون الله, وهم مثلكم, مخلوقون، مرزوقون مدبرون، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره. " وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ "أي وإنكم لتعلمون بطلان ذلك وأن الله ليس له شريك, ولا نظير, لا في الخلق, والرزق، والتدبير، ولا في العبادة .
"وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 23.

"وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا"وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم، دليل على أن أعظم أوصافِهِ صلى الله عليه وسلم، قيامه بالعبودية، التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين.وهي عبودية تشريف.
كما شرفه ووصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال
" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ "الإسراء:1. وفي مقام الإنزال، فقال" تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ" الفرقان:1.
أنواع العبودية:
العبودية العامة : فهذه لا يخرج عنها مخلوق وتسمى عبودية القهر فالخلق كلهم بهذا المعنى عبيد لله يجري فيهم حكمه ، و ينفذ فيهم قضاؤه ، لا يملك أحد لنفسه ضرًا ولا نفعًا إلا بإذن ربه ومالكه المتصرف فيه . وهذه العبودية هي التي جاءت في مثل قوله تعالى " إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا " مريم/93 ، وهذه العبودية لا تقتضي فضلاً ولا تشريفًا.فمن أعرض عن العبودية الخاصة فهو مأسور مقهور بالعبودية العامة فلا يخرج عنها بحال من الأحوال . فالخلق كلهم عبيد لله فمن لم يعبد الله باختياره فهو عبد له بالقهر والتذليل والغلبة .
العبودية الخاصة:
عبودية المحبة والانقياد والطاعة التي يشرف بها العبد ويعظم ،وهي التي وردت في مثل قول الله تعالى "اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ" الشورى/19 ، وقوله "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا " الفرقان/63 ، وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى ، لا يشاركهم فيها الكفار الذين خرجوا عن شرع الله تعالى وأمره ونهيه ، والناس يتفاوتون في هذه العبودية تفاوتًا عظيمًا ؛ فكلما كان العبد محبًّا لله متبعًا لأوامره منقادًا لشرعه كان أكثر عبودية.
"
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ"
بعد أن ذكر سبحانه أن الناس بالنظر إلى القرآن أقسام ثلاثة: مُتَّقُون يهتدون بهديه، وجاحِدون معانِدون عن سماع حججه وبراهينه، ومُذَبذبون بين ذلك - طلب هنا إلى الجاحدين المعاندين في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي أن القرآن معجزته - أن يتعرفوا إن كان هو من عند الله كما يدّعي، أو هو من عند نفسه كما يدّعون.
ها هو صلى الله عليه وسلم بشر مثلكم، ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم، لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله، وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون، فأتوا بسورة من مثله، واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم من دون الله ، فإن هذا أمر يسير عليكم، خاصة وأنتم أهل الفصاحة والخطابة، والعداوة العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن جئتم بسورة من مثله، فهو كما زعمتم، وبرهان على صدقكم.

"فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ"28.
"
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا" وهذه حُجَّة قويةٌ ودليلٌ عقليٌّ وتحدي لعلهم يرجعون ،وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز،وَلَنْ تَفْعَلُوا على التأبيد وعَبْر كل العصور حتى قيام الساعة.

وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا "الإسراء: 88.
وكيف يقدر المخلوق من تراب، أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق.
" فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ" اتقوا النار التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة مبلغها، وقودها الناس والحجارة، ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب،قال ابن عباس يعني حجارة الكبريت لأنها أكثر التهابًا. وقيل جميع الحجارة وفيه دليل على عظم تلك النار وقوتها.

والمراد بالحجارة هاهنا: هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت، أجارنا الله منها.
قال عبد الملك بن ميسرة الزرّاد عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى"وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين. رواه ابن جرير، وهذا لفظه. وابن أبي حاتم، والحاكم في مستدركه وقال: على شرط الشيخين.
النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها.نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكم.
" أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ"وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله، بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.

وفي قوله" أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ" ونحوها من الآيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة.
رد مع اقتباس