الموضوع: الزهد
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-26-2021, 06:04 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Post


* قصة الملك الذي فر من الحكم :

من كتاب : صحيح القصص النبوي / الدكتور عمر سليمان عبد الله الأشقر :

هذه قصة أحد ملوك بني إسرائيل اختاره قومه لتولي الحكم والسلطان ، فدفعته مخافة الله أن يفر من قومه ، تاركًا لهم كرسي الحكم مؤثرًا عليه عبادة الله في ديار لا يُعْرَفُ فيها ، ينال قوته من عمل يده .
روى أحمد عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال :
" إن بني إسرائيلَ استخلفوا خليفةً عليهم بعد موسى فقامَ يصلي ليلةً فوق بيت المقدسِ في القمر ، فذكرَ أمورًا كان صنعها ، فتدَلّى بسببٍ (1) ، فأصبحَ السبب مُعَلقًا في المسجد ، وقد ذهب .
قال : فانطلق حتى أتى قومًا على شط البحر ، فوجدهم يضربون لَبْنًا ، أو يصنعون لَبْنًا ، فسألهم : كيف تأخذون على هذا اللّبْنِ ؟ قال : فأخبروه ، فَلَبَّنَ معهم (2) ، فكان يأكل من عمل يده ، فإذا كان حَيْنَ الصَّلاةِ قام يصلي ، فرفع ذلك العمالُ إلى دَهْقَانهم (3) ؛ أنَّ فينا رجلًا يفعلُ كذا وكذا ، فأرسلَ إليه فأبى أن يأتيه ، ثلاث مراتٍ ، ثم إِنَّه جاء يسير على دابتِهِ .
فلما رآه فر ، فاتَّبَعَهُ فسبقه ، فقال : انْظُرْنِي أكَلِّمْكَ ، قال : فقام حتى كلمه ، فأخبره خبره ، فلما أخبره أنه كان ملِكًا ، وأنه فر من رهبة ربه ، قال : إني لأظنُّنِي لاحق بك . قال : فاتبعه ، فعبدا الله ، حتى ماتا بِرُمَيْلَةِ (4) مِصْرَ . قال عبد الله : لو أني كنتُ ثَمَّ لاهتديتُ إلى قبرِهما بصفةِ رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ التي وصف لنا " .
رواه أحمد . وصححه الألباني في السلسلة ... / حديث رقم : 2833 .

( 1 ) فتدلى بسبب : السبب هنا الحبل .
( 2 ) لبَّن معهم : اشتغل بصناعة اللَّبْنِ معهم .لَبَّنَ الطِّينَ : رَبَّعَهُ وَجَعَلَهُ كَاللَّبِنَةِ.اللَّبِنُ : المضروبُ من الطِّين يُبنى به.
( 3 ) دهقانهم : رئيس القرية .
( 4 ) رميلة : تصغير رملة ، والرملة إحدى مُدن فلسطين ، وموضع بين البصرة ومكة ، وقرية بالبحرين .
ولعل المراد بالرُّمَيْلَة منطقة ذات رمل على شاطيء البحر في مصر ، أو أنها قرية ليست بذات أهمية تدعى بهذا الاسم .

قد يقال : أو لم يكن أفضل لهذين الرجلين أن يبقيا فيما كانا فيه ، ويستخدما سلطانهما في إصلاح الرعية ، ومحاربة المنكرات ، وإقرار الخيرات وتنفيذ شرع الله ؟
والجواب :
أن هذا يختلف باختلاف الأحوال ، فبعض الناس لا يقوى على أمور الحكم ، فيجد أنه لا يستطيع أن يسير على منهجٍ سواءٍ إن كان حاكمًا ، وقد يغريه الحكم بالفساد ، وقد يكون قادرًا على سياسة أمور الناس ، ولكن يمنعه من ذلك معوقات لا يستطيع تجاوزها ، كأن يكون الشر والفساد مستشريًا في البلاد التي يحكمها ، فإن أرادهم على الاستقامة فربما ثاروا وأخذتهم العزة بالإثم . أما إذا كان الحاكـم قادرًا على تسيير أمور الحكم ، ومحاربة الشر ،
وإقرار الخير ، فإن استمراره في الحكم أكثر أجرًا وثوابًا من انقطاعه للعبادة .
ويبدو أن هذين الرجلين كانا من الصنف الأول . ا . هـ

حقيقة الدنيا
* عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال :
جاءَ قومٌ إلى رسولِ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقال لهم "أَلَكُمْ طَعَامٌ ؟ قالوا : نَعَمْ قال : فَلَكُمْ شَرَابٌ ؟ قالوا : نَعَمْ قال : فَتُصَفُّونَهُ ؟ قالوا : نَعَمْ قال وتبرزونَهُ ؟ قالوا : نَعَمْ قال : فإنَّ مَعادَهُما كَمَعَادِ الدنيا ؛ يَقُومُ أحدُكُمْ إلى خلفِ بَيتِه ، فَيُمْسِكُ أنفَهُ من نَتْنِهِ .رواه الطبراني . وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب /ج : 3 / كتاب : التوبة والزهد / حديث رقم : 3241 / ص : 264 .


( 1 ) تصفونه : صفاه : أزال عنه القذى والكدرة . المعجم الوجيز / ص : 367 .
( 2 ) تبرزونه : أي يخرج مع البراز أثناء قضاء الحاجة .


* عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : نامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى حصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ فقلنا يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً فقالَ "ما لي وما للدُّنيا ، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها".الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 2377 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
وطاءً : المهاد اللين السهل . يقال هذا الفراش وطيء .
قال الشيخ العثيمين في شرح هذا الحديث :
" فالرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ليس له تطلّع إلى الدنيا ، بل كان ينفق ماله كله في سبيل الله ويعيش عيشة الفقراء .
* عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال :كُنْتُ أمْشِي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَرَّةِ المَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقالَ: يا أبَا ذَرٍّ قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ما يَسُرُّنِي أنَّ عِندِي مِثْلَ أُحُدٍ هذا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وعِندِي منه دِينَارٌ، إلَّا شيئًا أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إلَّا أنْ أقُولَ به في عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا عن يَمِينِهِ، وعَنْ شِمَالِهِ، ومِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ مَشَى فَقالَ: إنَّ الأكْثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ يَومَ القِيَامَةِ، إلَّا مَن قالَ هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا- عن يَمِينِهِ وعَنْ شِمَالِهِ ومِنْ خَلْفِهِ - وقَلِيلٌ ما هُمْ ثُمَّ قالَ لِي: مَكَانَكَ لا تَبْرَحْ حتَّى آتِيَكَ ثُمَّ انْطَلَقَ في سَوَادِ اللَّيْلِ حتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أنْ يَكونَ قدْ عَرَضَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأرَدْتُ أنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: لا تَبْرَحْ حتَّى آتِيَكَ فَلَمْ أبْرَحْ حتَّى أتَانِي، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ لقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ له، فَقالَ: وهلْ سَمِعْتَهُ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ أتَانِي، فَقالَ: مَن مَاتَ مِن أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى، وإنْ سَرَقَ."صحيح البخاري.
والمعْنى: أنَّ مَن ماتَ على التَّوحيدِ، فإنَّ مَصيرَه إلى الجنَّةِ، وإنْ نالَهُ قبْلَ ذلِك مِن العُقوبةِ ما نالَه، إلَّا أنَّه لا يُخلَّدُ في النَّارِ.الدرر.

أرْصُدُهُ : أُبقيه ولا أُنفقه في سبيل الله ، لسداد الدَّين .
إنَّ الأكْثَرِين: يعني المكثرين من الدنيا هم المقلون من الأعمال الصالحة يوم القيامة ، وذلك لأن الغالب على من كثر ماله في الدنيا أن يستغني ويتكبر ويعرض عن طاعة الله ، لأن الدنيا تلهيه ، فيكون مكثرًا في الدنيا مقلًا في الآخرة إلَّا مَن قالَ هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا :يعني : في المال وصرفه في سبيل الله عز وجل .
وهذا يدل على أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان أزهد الناس في الدنيا ، لأنه لا يريد أن يجمع المال إلا شيئًا يرصده لِدَيْن ، وقد تُوُفِّيَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لأهله .
"نَجَا أولُ هذه الأُمَّةِ بِاليَقِينِ والزُّهْدِ ، ويَهْلِكُ آخِرُ هذه الأُمَّةِ بِالبُخْلِ والأَمَلِ . " .الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 6746 - خلاصة حكم المحدث : حسن.




* عن خبابِ بنِ الأرَتِّ ـ رضي الله عنه ـ قال :
"هَاجَرْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَلْتَمِسُ وجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا علَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَن مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِن أَجْرِهِ شيئًا، منهمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ ومِنَّا مَن أَيْنَعَتْ له ثَمَرَتُهُ، فَهو يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ ما نُكَفِّنُهُ إلَّا بُرْدَةً إذَا غَطَّيْنَا بهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وإذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فأمَرَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وأَنْ نَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ".صحيح البخاري

فَوَقَعَ أَجْرُنَا علَى اللَّهِ: معناه وجوب إنجاز وعد بالشرع ، لا وجوب العقل كما تزعمه المعتزلة ، وهو نحو ما في الحديث " حق العباد على الله ..... " .

لَمْ يَأْكُلْ مِن أَجْرِهِ شيئًا : كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح وكأن المراد بالأجر ثمرته ، فليس مقصورًا على أجر الآخرة .
أي : لم يوسع عليه الدنيا ، ولم يعجل له شيء من جزاء عمله .

مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ : وهو من المهاجرين الذين هاجروا لله عز وجل ابتغاء وجه الله ، وكان شابًا مدللًا من قِبَلِ والديه في مكة ، ولما أسلم طرده أبواه لأنهما كانا كافرين ، فهاجر ـ رضي الله عنه ـ وقتل في أُحُد في السنة الثالثة من الهجرة ، فلم يمض على هجرته إلا ثلاثة أعوام أو أقل . فقتل شهيدًا وكان صاحب الراية ، ولم يكن معه شيء إلا بردة ، ثوب واحد ، إن غَطَّوْا به رأسه بدت رِجلاه ، وإن غطوا به رجليه بدا رأسه .
يَهْدِبُهَا : أي يجتنيها .
الإذْخِرِ: حشيش معروف طيب الرائحة .

رد مع اقتباس