عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 02-08-2022, 03:08 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Post


المجلس الثاني والثلاثون
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل


أبو عبيدة بن الجراح من العشرة المبشرين بالجنة

*أبو عُبيدةَ: هو: عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ بنِ هلالِ بنِ أهيَبَ، وهو أحدُ السَّابقين الأوَّلين إلى الإسلامِ، أسلَم على يدِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ في الأيَّامِ الأولى للإسلامِ. هاجَر إلى الحبَشةِ في الهجرةِ الثَّانيةِ، وقد لقَّبَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمينِ الأمَّةِ، "وكان مِمَّن ثبَت مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ أحُدٍ، وشَهِد المَشاهِدَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والخلفاءِ الرَّاشِدين مِن بعدِه، مات بطاعونِ عَمَواسٍ ودُفِن في قريةٍ صغيرةٍ حمَلَتِ اسْمَه بالغُورِ في الأردُنِّ.
أبو عبيدة أمين الأمة
"إنَّ لكلِّ أمَّةٍ أمينًا ، وإنَّ أميننَا ، أيَّتُها الأمَّةُ ، أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ ."الراوي : أنس بن مالك المحدث : البخاري المصدر : صحيح برقم: 3744 خلاصة حكم المحدث : صحيح.
جاء أهلُ نجرانَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا : ابعث لنا رجلًا أمينًا، فقال " لأبعثنَّ إليكم رجلًا أمينًا حَقَّ أمينٍ". فاستشرَفَ لهُ الناسُ فبعثَ أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ .الراوي : حذيفة بن اليمان المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4381 خلاصة حكم المحدث : صحيح.


"أرحَمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكْرٍ، وأشدُّهم في أمرِ اللَّهِ عمرُ، وأصدقُهُم حياءً عثمانُ، وأعلَمُهُم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ، وأفرَضُهُم زيدُ بنُ ثابتٍ، وأقرَؤُهُم أبيُّ ولِكُلِّ أمَّةٍ أمينٌ وأمينُ هذِهِ الأمَّةِ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ".الراوي : أنس بن مالك المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 3790 خلاصة حكم المحدث : صحيح.
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ"بَعَثَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِن تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، قالَ: فَقُلتُ: كيفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بهَا؟ قالَ: نَمَصُّهَا كما يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ المَاءِ، فَتَكْفِينَا يَومَنَا إلى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بعِصِيِّنَا الخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بالمَاءِ فَنَأْكُلُهُ، قالَ: وَانْطَلَقْنَا علَى سَاحِلِ البَحْرِ، فَرُفِعَ لَنَا علَى سَاحِلِ البَحْرِ كَهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْمِ، فأتَيْنَاهُ فَإِذَا هي دَابَّةٌ تُدْعَى العَنْبَرَ، قالَ: قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ، ثُمَّ قالَ: لَا، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وفي سَبيلِ اللهِ، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا، قالَ: فأقَمْنَا عليه شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِئَةٍ حتَّى سَمِنَّا، قالَ: وَلقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِن وَقْبِ عَيْنِهِ بالقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ منه الفِدَرَ كَالثَّوْرِ، أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ، فَلقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فأقْعَدَهُمْ في وَقْبِ عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلَعًا مِن أَضْلَاعِهِ فأقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ معنَا، فَمَرَّ مِن تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِن لَحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذلكَ له، فَقالَ: هو رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهلْ معكُمْ مِن لَحْمِهِ شيءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ قالَ: فأرْسَلْنَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ منه فأكَلَهُ."الراوي : جابر بن عبدالله-المحدث : مسلم-المصدر : صحيح مسلم.

*يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عَنهما "بَعَثنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَّرَ علينا أبا عُبيدةَأي: وجَعلَ أبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ أميرًا على تلكَ السَّرِيَّةِ. "نتلقَّى عيرًا لقُريشٍ"، أي: إنَّ سَببَ خُروجِهم كانَ لقَطعِ الطَّريقِ على قافلةٍ كانتْ لقريشٍ . والعِيرُ: الإبلُ التي تحمِلُ الطعامَ، "وزوَّدَنا"، أي: أمدَّنا وأعْطانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "جِرابًا مِن تَمرٍ" والجِرابُ: وِعاءٌ مَصنوعٌ مِن جلدٍ. "لم يجِدْ لنا غَيرَه"...... وكُنا نضرِبُ بعِصيِّنا الخَبَطَ" وهوَ ما يتَساقَطُ مِن ورقِ الشَّجرِ بعدَ خَبطهِ، "ثم نبُلُّه بالماءِ فنأكلُه"، أي: يأكلُونَه بجانبِ التَّمرِ.
قال جابرٌ رضِي اللهُ عنه "وانطلَقْنا على ساحلِ البَحرِ"، أي: سارُوا بجانِبه وعلى شاطِئهِ "فرُفِعَ لنا"، أي: ظَهرَ لنا، "على ساحلِ البحرِ كَهيئةِ الكَثِيبِ الضَّخمِ"، والكَثيبُ: التلُّ المتجمِّعُ من الرَّملِ، "فأتَيْناهُ"، أي: فاقترَبْنا منه، "فإذا هي دابَّةٌ تُدعَى"، أي: تُسمَّى، "العَنْبرَ". والعَنبرُ: نَوعٌ مِن الأسْماكِ يصِلُ طولُه إلى خَمسينَ ذِراعًا، وسُميَ بالعَنبرِ وهوَ الطِّيبُ المعروفُ؛ لأنَّه يُستخرَجُ مِن أمعائِه، قالَ جابرٌ: قالَ أبو عُبيدةَ: "مَيْتةٌ"، أي: لا يَحِلُّ لنا أكْلُه، ثمَّ قالَ "لا، بلْ نحنُ رسُلُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفي سَبيلِ اللهِ، وقد اضْطُرِرتم؛ فكُلوا"، أي: كان أبو عُبَيدةَ سيَنهى عن أكلِه؛ لأنَّها مَيْتةٌ وأكلُ الميْتةِ محرَّمٌ، ثم بَدَا له أنهم اضْطرُّوا إليها فأَباحَ لهمْ أكلَها.
قا لَ جابرٌ "فأقَمْنا عليهِ"، أي: على أكْلِ هذا العَنبرِ، "شهرًا، ونحن ثلاثُ مِئةٍ حتى سمِنَّا"، وفي هذا مبالَغةٌ وإشارةٌ إلى ما كانوا فيهِ مِن شِبعٍ، ثم جَعَلَ جابرٌ يُفصِّلُ في حجم العَنبرِ وكيفَ كانَ يأخذونَ مِنه ويأكلونَ....
قال "وتزوَّدْنا مِن لحمِهِ وشائِقَ"، أي: حملوا مَعهم مِن لحمهِ، وجعلوهُ وشائقَ، أي: قَدِيدًا، وصفة ذلك أن يُؤْخَذَ اللَّحمُ ويُطَهى دُونَ النُّضوجٍ ثم يُجفَّف بالشَّمسِ؛ ليبْقى مَعهم حالَ السَّفرِ.

قالَ جابرٌ رضِي اللهُ عنه "فلمَّا قدِمْنا المدينةَ أتَينا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذَكرْنا ذلكَ لهُ"، أي: بقِصَّةِ العَنبرِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "هو رِزقٌ أخرَجهُ اللهُ لكم؛ فهل مَعكم من لحمِه شيءٌ فتُطعِمونا؟ "، وهذا إشارةٌ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أنَّ مَيتةَ البحرِ حِلٌّ أكلُها حتى في غَيرِ اضْطرارٍ، قالَ جابرٌ رضِي اللهُ عنه "فأرسَلْنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنه"، أي: مِن لَحمِ العَنبرِ، فأكلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يُطيِّبَ نُفوسَهم في حِلِّ ذلك اللحمِ.الدرر السنية.
"أنَّ أَهْلَ اليَمَنِ قَدِمُوا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: ابْعَثْ معنَا رَجُلًا يُعَلِّمْنَا السُّنَّةَ وَالإِسْلَامَ قالَفأخَذَ بيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقالَ: هذا أَمِينُ هذِه الأُمَّةِ."الراوي : أنس بن مالك– صحيح مسلم.


وَصْفِه بالأمانةِ، وليس حِرصًا على الوِلايةِ ، إنَّما خَصَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأمانةِ، وإنْ كانت مُشترَكةً بيْنَه وبيْنَ غيرِه منَ الصَّحابةِ؛ لغلَبَتِها فيه بالنِّسبةِ إليهم، وقيلَ: لكَوْنِها غالِبةً بالنِّسبةِ إلى سائرِ صِفاتِه. وفي الحَديثِ: فَضيلةٌ ظاهِرةٌ لأبي عُبَيْدةَ رَضيَ اللهُ عنه.
ومن مناقبه العالية -رضي الله عنه- أنه كان أحد من يصلح للخلافة، وأحد الناس الذين كانوا أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
سُئِلَت عائشَةُ رضِي اللهُ عنها مَن كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستَخلفَه، أي: جاعِلَه خَليفةً له، لَوِ استخلَفَ؟
روى الإمام مسلم بإسناده إلى ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسئلت"مَن كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَهُ؟ قالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، فقِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ؟ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قالَتْ: عُمَرُ، ثُمَّ قيلَ لَهَا مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟، قالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ ثُمَّ انْتَهَتْ إلى هذا." الراوي : عائشة أم المؤمنين- صحيح مسلم.

-قلتُ لعائشةَ أيُّ أصحابِهِ كانَ أحبَّ إليهِ قالت أبو بكرٍ قلتُ ثمَّ أيُّهم قالت عمرُ قلتُ ثمَّ أيُّهم قالت أبو عُبَيدةَ"الراوي : عبدالله بن شقيق -المحدث : الألباني -صحيح ابن ماجه.

وهذا لا يَعْني أنَّ أبا عُبيدةَ رضِيَ اللهُ عنه أفضَلُ مِن عُثمانَ أو عَلِيٍّ رضِيَ اللهُ عنهما؛ ففي هذا بيانُ فضيلةٍ لأبي عُبيدةَ، وهي أنَّه كان أحَدَ الَّذين هم أحَبُّ النَّاسِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَعْني هذا تَقدُّمَه على عُثمانَ ولا عَليٍّ، ولكن كانت أمُّ المؤمِنين عائِشةُ رضي اللهُ عنها تَذكُرُ أنَّ أبا عُبيدَةَ صالِحٌ للخِلافَةِ وأنَّه أهلٌ لها، وهذا لا يَعْني تقديمَ غيرِ أبي بكرٍ وعُمرَ على عُثمانَ وعليٍّ، وقد أجمَعَت الأمَّةُ على تفضيلِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين بالتَّرتيبِ، ثمَّ بقيَّةِ العشَرةِ المبشَّرينَ بالجَنَّةِ.الدرر السنية.
ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن الفاروق -رضي الله عنه- كان يكره مخالفته فيما يراه وأنه كان جليل القدر عنده
"أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه خَرَجَ إلى الشَّأْمِ، حتَّى إذَا كانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ؛ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأَصْحَابُهُ، فأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لي المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وأَخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قدْ خَرَجْتَ لأمْرٍ، ولَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عنْه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: معكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأَصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لي الأنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ، واخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لي مَن كانَ هَاهُنَا مِن مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِن مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ منهمْ عليه رَجُلَانِ، فَقالوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بالنَّاسِ ولَا تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصَبِّحٌ علَى ظَهْرٍ فأصْبِحُوا عليه. قَالَ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ؟! فَقَالَ عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبَا عُبَيْدَةَ؟! نَعَمْ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ، أرَأَيْتَ لو كانَ لكَ إبِلٌ هَبَطَتْ وادِيًا له عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُما خَصِبَةٌ، والأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ:فَجَاءَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ -وكانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ- فَقَالَ: إنَّ عِندِي في هذا عِلْمًا؛ سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:إذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه. قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ."الراوي :عبدالله بن عباس– صحيح البخاري.

فاعترض أبو عُبَيْدةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عنه على أمرِ رُجوعِهم، وقال لِعُمرَ رَضِيَ الله عنه"أفِرَارًا من قَدَرِ الله؟! فقال له عُمرُ: لو غَيْرُكَ قالها يا أبا عُبَيْدةَ؟!" أي: لو أنَّ غَيرَكَ مِمَّن ليس في منزِلَتِك ولا فَهْمَ له قال ذلك لعزَّرْتُه وَوَبَّخْتُه، أو المعنى: لو غيرُك قالها لم أتعَجَّبْ منه، ولكني أتعَجَّبُ منك مع عِلْمِك وفَضْلِك كيف تقولُ هذا؛ وذلك لاعتراضِه عليه في مسألةٍ اجتِهاديَّةٍ اتَّفَق عليها أكثَرُ النَّاسِ مِن أهلِ الحَلِّ والعَقدِ. وفي روايةِ مُسلِمٍ"وكان عُمَرُ يَكرَهُ خِلافَهأي: مخالفةَ أبي عُبَيدةَ؛ لشِدَّةِ وُثوقِه بعِلْمِه، وتقواه، ووَرَعِه.
"....... فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصْبِحٌ علَى ظَهْرٍ، فأصْبِحُوا عليه، فَقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِن قَدَرِ اللهِ؟ فَقالَ عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قالَهَا يا أَبَا عُبَيْدَةَ،وَكانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ......"الراوي :عبدالله بن عباس - صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم.2219.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وذلك دال على جلالة أبي عبيدة عند عمر.الإصابة: 2/244.
ومن مناقبه -رضي الله عنه- أنه عليه الصلاة والسلام قرنه في المدح بالشيخين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهم جميعًا:
"نِعمَ الرَّجلُ أبو بَكْرٍ، نِعمَ الرَّجلُ عُمرُ، نِعمَ الرَّجلُ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ"الراوي :أبو هريرة- المحدث :الألباني- المصدر :صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3759- خلاصة حكم المحدث :صحيح

ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن وفاته كانت شهادة في سبيل الله فقد مات في الطاعون الذي حصل بأرض الشام زمن الفاروق -رضي الله عنه-
ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقَلِيلٌ، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ،ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ ابنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أبِيكَ في هذا الحَديثِ أنَّه قالَ: والْغَرِيقُ شَهِيدٌ." الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم : 1915.
والمُرادُ بِشَهادةِ هؤلاءِ كُلِّهم غيرِ المقتولِ في سبيلِ اللهِ أنَّهم يكونُ لهم في الآخِرةِ ثوابُ الشُّهداءِ، وأمَّا في الدُّنيا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عليهم.
وقد اتفق العلماء على أن أبا عبيدة مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة. الاستيعاب على حاشية الإصابة: 3/3، الإصابة:2/245.

وصلى عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه. الدرر
السنية/الموسوعة العقدية
رد مع اقتباس