عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 12-14-2022, 01:14 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Arrow

من آية 189إلى195.
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"189.
كان الكلام في الآيات السابقة في بيان حكم الصيام وذكر شهر رمضان، فناسب ذلك ذكر الأهِلَّة، لأن الصوم والإفطار مقرونان برؤية الهلال كما جاء في الحديث "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُمِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا العَدَدَ."الراوي : أبو هريرة- صحيح مسلم .
"جعل اللهُ الأهلَّةَ مواقيتَ للناسِ ، فصوموا لرؤيتِه ، وأَفطِروا لرؤيتِه ، فإن غُمَّ عليكم فعُدُّوا ثلاثين يومًا"الراوي : عبدالله بن عمر وطلق بن علي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم : 3093 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ" والسؤال الذي نحن بصدده يعالج قضية كونية. وعندما يسأل المسلمون عن قضية كونية فذلك دليل على أنهم التفتوا إلى كون الله التفاتًا شرعيًا آخر، لقد وجدوا الشمس تشرق كل يوم ولا تتغير، أما القمر الذي يظهر في الليل فهو الذي يتغير، إنه يبدأ في أول الشهر هلالًا صغيرًا ثم يكبر حتى يصبح بدرًا، وبعد ذلك يبدأ في التناقص حتى يعود إلى ما كان عليه، لقد لفت نظرهم ما يحدث للقمر ولا يحدث من الشمس، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم.
قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ : أي قل لهم يا محمد – صلى الله عليه وسلم - إن الله - تعالى - قد خلقها ليضبط بها النَّاسُ شوؤنَهم المؤقَّتة بأوقاتٍ كصومهم ، وزكاتهم ، وحجهم ، وعدة نسائهم ، ومدد حملهن ، ومدة الرضاع ، وغير ذلك مما يتعلق بأمور معاشهم . والتوقيت بالأهلة يسهل على العالِم بالحساب والجاهل به، وعلى أهل البدو والحضر.
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ:
"سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضيَ اللهُ عنه يقولُ: نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِينَا؛ كَانَتِ الأنْصَارُ إذَا حَجُّوا فَجَاؤُوا، لَمْ يَدْخُلُوا مِن قِبَلِ أبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، ولَكِنْ مِن ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَدَخَلَ مِن قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأنَّهُ عُيِّرَ بذلكَ، فَنَزَلَتْ"وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا"البقرة: 189.الراوي : البراء بن عازب - صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 1803.
الشرح:مِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنَّه لم يُنزِلِ القُرآنَ الكريمَ جُملةً واحدةً، بلْ أنْزَلَه مُفرَّقًا وَفْقَ التَّدرُّجِ الذي أرادهُ اللهُ في بِناءِ وتَربيةِ المجتمَعِ المُسلِمِ الوليدِ، ونزَلَ مُعالِجًا للعاداتِ الخاطئةِ، وما يَطرَأُ مِن مُشكِلاتٍ، وما يَستجِدُّ مِن أحداثٍ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي البَراءُ بنُ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الأنصارَ كانوا قبْلَ الإسلامِ إذا رَجَعوا مِنَ الحجِّ أو العُمرةِ لا يَدخُلونَ بُيوتَهم مِن أبوابِها، بلْ يَدخُلونَ مِن ظُهورِها -وكذلك كان يَفعَلُ كَثيرٌ مِن العرَبِ- فكانوا يَتسلَّقون جُدرانَ بُيوتِهم منَ الخَلْفِ، أو يَفتحونَ فَتحةً في الجِدارِ ويَدخُلونَ منها، وكانوا يَرَوْنَ مُخالَفَةَ ذلك عَيبًا كَبيرًا، ويَرْوَن فِعلَ ذلك هو البِرَّ والتَّقوى، فلمَّا جاء الإسلامُ دَخَلَ رجُلٌ منَ الأنصارِ مِن بابِ بَيتِه، فعَيَّروه بذلك، فأنْزَلَ اللهُ تعالَى قَولَه"وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا"البقرة: 189، فأخْبَرَهم اللهُ تعالَى أنَّ هذا العَملَ مع اعتِقادِه قُربةً، ليس مِن الخيرِ في شَيءٍ، بلْ إنَّ البِرَّ الحقيقيَّ هو أنَّ يَتَّقيَ العبدُ ربَّه عزَّ وجلَّ؛ بامتثالِ أوامرِه، واجتنابِ نَواهِيه، لا التعبُّدُ بما لم يَشْرَعْه اللهُ جلَّ وعلا؛ ولذا أمَرَ بإتيانِ البيوتِ مِن أبوابِها، كما هو الأصلُ الَّذي جَرَتْ به العادةُ؛ إذ لا دَليلَ يَمنَعُ مِن ذلك وقْتَ الإحرامِ، فتَرَكَ النَّاسُ هذه العادةَ وصاروا يَدخلونَ بُيُوتَهم مِن أبوابِها.
وفي الحديثِ: أنَّ العاداتِ لا تَجعَلُ غيرَ المَشروعِ مَشروعًا.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى إذا نَهَى عن شَيءٍ فتَح لعِبادِه مِن المأذونِ ما يَقومُ مقامَه؛ فإنَّه لَمَّا نَفى أنْ يكونَ إتيانُ البُيوتِ مِن ظُهورِها مِن البِرِّ، بيَّن ما يَقومُ مَقامَه.الدرر السنية.
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ: أمرهم سبحانه أن يلتزموا بالتَّقوى؛ بفعلهم المأمورَ، وتركِهم المنهيَّ عنه، رجاء أنْ يصِلوا بتقواهم تلك إلى الظَّفَر بما يطلُبون – الجنة: رزقنا الله وإياكم الفلاح ودخول الجنة -، والنَّجاةِ ممَّا يحذَرون- النار :أعاذنا الله وإياكم منها-.
"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"190.
بعد أن ذكر في الآية السابقة أن الأهلة مواقيت للناس في عبادتهم ومعاملاتهم ولا سيما الحج، فهو يكون في أشهر هلالية خاصة كان القتال فيها محرمًا في الجاهلية ،بَيَّنَ هنا أنه لا حرج عليكم في القتال في هذه الأشهر دفاعًا عن دينكم ولإعلاء كلمة الحق ، وتربية لمن يفتنكم عن دينكم، وينكث العهد ،لا لحظوظ النفس وشهواتها وحبّ سفك الدماء.
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ: أي ولا تعتدوا بالقتال فتبدءوهم به، ولا في القتال فتقتلوا من لا يقاتل من النساء والصبيان والشيوخ والمرضى، ولا من ألقى إليكم السلم وكفّ عن حربكم، ولا بغير ذلك من أنواع الاعتداء كالتخريب وقطع الأشجار، فإنّ الاعتداء من السيئات التي يكرهها الله تعالى، ولا سيما حين الإحرام وفي أرض الحرم وفي الأشهر الحرم.تفسير المراغي.
ومن الاعتداء, مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها, فإن ذلك لا يجوز.تفسير السعدي.
"وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ"191.
والمعنى: عليكم أيها المسلمون أن تقتلوا هؤلاء الذين أذنا لكم بقتالهم حيث وجدتموهم وظفرتم بهم، فإنهم قد بادءوكم بالعدوان، وتمنوا لكم كل شر وسوء.فهذا أمر بقتالهم، أينما وجدوا في كل وقت، وفي كل زمان قتال مدافعة، وقتال مهاجمة .
ولما كان القتال عند المسجد الحرام، يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام، أخبر تعالى أن المفسدة بالفتنة عنده بالشرك، والصد عن دينه، أشد من مفسدة القتل، فليس عليكم - أيها المسلمون - حرج في قتالهم. ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة، وهي: أنه يرتكب أخف المفسدتين، لدفع أعلاهما.
ثم استثنى من هذا العموم قتالهم في المسجد الحرام قتال مهاجمة.فقال سبحانه " وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ"أي إن من دخل منهم المسجد الحرام يكون آمنا إلا أن يقاتِل هو فيه وينتهك حرمته، فلا أمان له حينئذ. وأنه لا يجوز قتالهم في المسجد الحرام إلا أن يبدأوا بالقتال، فالبادئ هو الظالم، والمدافع غير آثم.فإنهم يُقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم، وهذا مستمر في كل وقت، حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا، فإن الله يتوب عليهم، ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله، والشرك في المسجد الحرام، وصد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده.
ولم يقل- سبحانه- فإن قاتلوكم فقاتلوهم، وإنما قال فَإِنْ قاتَلُوكُمْفَاقْتُلُوهُمْ تبشيرًا للمؤمنين بالغلبة عليهم، وإشعارًا بأن هؤلاء المشركين من الخذلان والضعف بحالة أمر الله المؤمنين معها بقتلهم لا بقتالهم فهم لضعفهم لا يحتاجون من المؤمنين إلا إلى القتل.
كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ : تذييل لما قبله. واسم الإشارة ذلك يعود إلى قتل المقاتلين أينما وجدوا.
والجزاء: ما يقع في مقابلة الإحسان أو الإساءة، فيطلق على ما يثاب به المحسن، وعلى ما يعاقب به المسيء. والمراد به في الآية العقاب.
أى: مثل هذا الجزاء العادل من القتل والردع يجازي الله الكافرين الذين قاتلوا المؤمنين وأخرجوهم من ديارهم.الوسيط.
"فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "192.
أي: فإن انتهوا عن الكفر وعن مقاتلتكم فكفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم فإن الله غفور رحيم. وكل من تاب من كفر أو معصية فشأن الله معه أن يغفر له ويرحمه. ونظير هذه الآية قوله- تعالى"قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ"الأنفال:38.
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ "193.
ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله، وأنه ليس المقصود به، سفك دماء الكفار، وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن " ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ " فيظهر دين الله تعالى، على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه، من الشرك وغيره، وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل هذا المقصود، فلا قتل ولا قتال. والدين في اللغة: العادة والطاعة ثم استعمل فيما يتعبد به الله- تعالى- سواء أكان ما تعبد به صحيحا أم باطلا.
والمراد هنا: الدين الصحيح الذي شرعه الله لعباده على لسان نبيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم ليتوصلوا به إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل. وقد تحقق ذلك – أي تحقق ظهور دين الله - بالقتال الذي دار بين المسلمين والمشركين في أكثر من عشرين غزوة قادها النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وفي أكثر من أربعين سرية بعث فيها أصحابه، وكانت ثمار هذه المعارك أن انتصر الحق وزهق الباطل. وقبل أن يلتحق النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى كان الدين الظاهر في جزيرة العرب هو دين الإسلام الذي جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ :أي: فلا قتل إلا على الذين لا ينتهون عن الكفر، فإنهم بإصرارهم على كفرهم ظالمون لأنفسهم. فمن ظلم منهم، فإنه يستحق المعاقبة، بقدر ظلمه.لأن العقوبة والعدوان إنما تكون على الظالمين تأديبا لهم، ليرجعوا عن ظلمهم وغيهم.
"الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"194.
الآية فيها بيان للحكمة في إباحة القتال في الأشهر الحرم، وإيذان بأن مراعاة حرمة الشهر الحرام إنما هي واجبة في حق من يصون حرمته، أما من هتكها فقد صار بسبب انتهاكه لحرمة الشهر الحرام محلا للقصاص والمعاقبة في الشهر وفي غيره.
وسمي الشهر الحرام لأنه يحرم فيه ما يحل في غيره من القتال ونحوه. والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.قال- تعالى"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ".التوبة :36.
قال صلى الله عليه وسلم "الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ، ..." الراوي : أبو بكرة نفيع بن الحارث -صحيح البخاري.
وقوله: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ متضمن لإقامة الحجة على الحكم السابق والحرمات: جمع حرمة، وهي ما يحفظ ويرعى ولا ينتهك.
والقصاص: المساواة. أي، وكل حرمة يجري فيها القصاص. فمن هتك أية حرمة اقتص منه بأن تهتك له حرمة.
والمراد: أن المشركين إذا أقدموا على مقاتلتكم- أيها المؤمنون- في الحرم أو في الشهر الحرام، فقاتلوهم أنتم أيضًا على سبيل القصاص والمجازاة بالمثل، حتى لا يتخذوا الأشهر الحرم ذريعة للغدر والإضرار بكم.
ثم أكد- سبحانه- هذا المعنى بقوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ.
أي: فمن اعتدى عليكم وظلمكم فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثل ما اعتدى عليكم دون حيف أو تجاوز للحد الذي أباحه الله لكم. إن الاعتداء المحظور ما كان ابتداء، أما ما كان على سبيل القصاص فهو اعتداء مأذون فيه.وسمي جزاء الاعتداء اعتداء على سبيل المشاكلة. وفي الآية إيماء إلى أن قتال الأعداء كقتال المجرمين بلا هوادة ولا تقصير، فمن يقاتل بالقذائف النارية أو بالمدافع أو بالغازات السامة يقاتل بمثلها حتى يمتنع عن الظلم والعدوان، والفتنة والاضطهاد، ويوجد الأمان والاطمئنان بين الناس.تفسير المراغي.
قال الآلوسى: واستدل الشافعي بالآية على أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به من محدد أو خنق أو حرق أو تجويع أو تغريق. حتى لو ألقاه في ماء عذب لم يلق في ماء مالح. واستدل بها أيضًا على أن من غصب شيئًا وأتلفه لزمه رد مثله، ثم إن المثل قد يكون من طريق الصورة- كما في ذوات الأمثال- وقد يكون من طريق المعنى كالقيم فيما لا مثل له .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالأمر بالتقوى والخشية منه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.أي: اتقوا الله وراقبوه في الانتصار لأنفسكم، وترك الاعتداء فيما لم يرخص لكم فيه، واعلموا أن الله مع المتقين الذين يمتثلون أمره ويجتنبون نهيه بالمعونة والتأييد، والنصر والتمكين، والغلبة لهم على أعدائهم تأييدًا لدينه وإعلاء لكلمته
.الوسيط. والمراغي.
"وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" 195.
أي أنفقوا في الجهاد ، وابذلوا المال في وسائل الدفاع عن بيضة الدين ، فاشتروا السلاح والكراع وعُدد الحرب التي لعدوكم مثلها إن لم تزيدوا عليه حتى لا يكون له الغلبة عليكم ، فالجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على ساق النفقة، فالنفقة له كالروح، لا يمكن وجوده بدونها، وفي ترك الإنفاق في سبيل الله، إبطال للجهاد، وتسليط للأعداء، وشدة تكالبهم. وإلى هذا أشار بقوله تعالى:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ: أي إنكم إن لم تبذلوا في سبيل الله وتأييد دينه كل ما تستطيعون من مال وإعداد للعدّة فقد أهلكتم أنفسكم. وكلمة " ألقى " تفيد أن هناك شيئا عاليًا وشيئًا أسفل منه، فكأن الله يقول: لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، وهل سيلقي الواحد منا نفسه إلى التهلكة، أو أن يلقي نفسه في التهلكة بين عدوه؟ لا، إن اليد المغلولة عن الإنفاق في سبيل الله هي التي تُلقي بصاحبها إلى التهلكة؛ لأنه إن امتنع عن ذلك اجترأ العدو عليه، وما دام العدو قد اجترأ على المؤمنين فسوف يفتنهم في دينهم، وإذا فتنهم في دينهم فقد هلكوا. إذن فالاستعداد للحرب أنفى للحرب، وعندما يراك العدو قويًا فهو يهابك ويتراجع عن قتالك.
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: والإحسان كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن تعبد الله ـ أي تطيع أوامره ـ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك لحديث جبريل الطويل " ....قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ،.....".صحيح البخاري.
فنهايةُ مَقامِ الإحسانِ: أنْ يَعبُدَ المؤمِنُ ربَّه كأنَّه يَراه بقلْبِه، فيكونَ مُستحضِرًا ببَصيرتِه وفِكرتِه لهذا المَقامِ، فإنْ عجَزَ عنه وشقَّ عليه انتقَلَ إلى مَقامٍ آخَرَ؛ وهو أنْ يَعبُدَ اللهَ على أنَّ اللهَ يَراهُ ويطَّلِعُ على سِرِّه وعَلانيتِه، ولا يَخفى عليه شَيءٌ مِن أمرِه. الدرر السنية.
- فالمسلم حال إنفاقه في سبيل الله يحرص أن يبلغ مقام الإحسان هذا . ودائرة الإحسان لا تقتصر على القتال فقط، للقاعدة الأصولية : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .فالأمر هنا عام، وهذا تحفيز للإحسان في كل شيء.فكل زاوية من زوايا الدين جاءت لتخدم كل جزئيات الحياة، فالإحسان إذا كان بالمال فهذا يقتضي أن يحسن الإنسان الحركة في الأرض، ويعمل عملاً يكفيه ويكفي من يعول، ثم يفيض لديه ما يحسن به.إذا لم يتوافر المال، فعليك أن تُحسن بجاهك وتشفع لغيرك، والجاه قد قومه الإسلام أي جعل له قيمة، فعلى صاحب الجاه أن يشفع بجاهه ليساعد أصحاب الحقوق في الحصول على حقوقهم، وعلى الوجيه أيضًا أن يأخذالضعيف في جواره ويحميه من عسف وظلم القوي، وعليه بجاهه أن يقيم العدل في البيئة التي يعيش فيها. ولم يشهد التاريخ أمة قوية رحيمة بالضعفاء في فتوحها كالأمة الإسلامية.
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :تذييلٌ للترغيب في الإحسان؛ لأنَّ محبة الله عبدَه غايةُ ما يطلبه الناس؛ إذ محبَّة اللهِ العبدَ سببُ الصلاحِ والخيرِ دُنيا وآخِرة، واللام للاستغراق العُرفي، والمراد المحسنون من المؤمنين.موسوعة التفسير،بالدرر السنية.
رد مع اقتباس