عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 02-13-2022, 02:30 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Post

من آية 111 إلى 118

"وقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُودًا أَوْ نَصارَى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ"111.
أي: قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فحكموا لأنفسهم بالجنة وحدهم, وهذا مجرد أماني غير مقبولةإلا بحُجة وبرهان ،لذا أمر الله- تعالى- نبيه بهذا "قُلْهاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ "أي قل يا محمد- لهؤلاء الزاعمين أن الجنة لهم خاصة من دون الناس، هاتوا حُجتكم على خلوص الجنة لكم، إن كنتم صادقين في دعواكم، لأنه لما كانت دعواهم الاختصاص بدخول الجنة لا تثبت إلا بوحي من الله وليس لمجرد التمني، أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يطالبهم بالدليل من كتبهم على صحة دعواهم، وهذه المطالبة من قبيل التعجيز لأن كتبَهم خالية مما يدل على صحتها.
هذا، ويؤخذ من الآية الكريمة بطلان التقليد في أمور الدين، وهو قبول قول الغير مجردًا من الدليل، فلا ينبغي للإنسان أن يقرر حكمًا في الدين إلا أن يسنده إلى دليل، كما أنه لا يقبل من غيره قولا إلا أن يكون مؤيدا بدليل.
"بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"112.
بعد أن بين لنا الله تبارك وتعالى كذب اليهود وطالبهم بالدليل الشرعي على ما قالوه من أنه لن يدخل الجنة إلا اليهود والنصارى جاء بحقيقة القضية ليخبرنا جل جلاله من الذي سيدخل الجنة.. فقال"بَلى" وعندما تقرأ"بَلى" اعلم أنها حرف جواب ولابد أن يسبقها كلام ونفي. فساعة يقول لك إنسان ليس لي عليك دين.. إذا قلت له نعم فقد صدَّقْتَ أنه ليس عليه دين.. ولكن إذا قلت بلى فذلك يعني أن عليه دينا وأنه كاذب فيما قاله.. إذن بلى تأتي جوابًا لتثبيت نفي ما تقدم.
هم قالوا"لَن يَدْخُلَ الجنةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى".. عندما يقول الله لهم بلى فمعنى ذلك أن هذا الكلام غير صحيح.. وأنه سيدخلها غير هؤلاء.. وليس معنى أنه سيدخلها غير اليهود والنصارى.. أن كل يهودي وكل نصراني سيدخل الجنة.. لأن الله سبحانه وتعالى قد حكم حينما جاء الإسلام بأن الذي لا يسلم لا يدخل الجنة.. واقرأ قوله جل جلاله"وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخَاسِرِينَ"آل عمران: 85.
لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى.. أنه لن يدخلها اليهود ولا النصارى.. لأن القرآن أزلي.. ما معنى أزلي؟.. أي أنه يعالج القضايا منذ بداية الخلق وحتى يوم القيامة.. فالقرآن كلام الله تبارك وتعالى.. فلو أنه قال لن يدخل الجنة إلا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لكان في هذا تجاوزٌ.. لأن هناك من آمن بموسى وقت رسالته وعاصره واتبعه وحَسُن دينه وماتَ قبل أن يُدرك محمدًا عليه الصلاة والسلام.. فهل هذا لا يدخل الجنة ويجازَى بحسن عمله.. وهناك من النصارى من آمن بعيسى وقت حياته.. وعاصره ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات قبل أن يُبْعَثَ محمدٌ عليه الصلاة والسلام.. أهذا لن يدخل الجنة؟.. لا،بل يدخل الجنة وتكون منزلته حسب عمله ويجازى بأحسن الجزاء.. ولكن بعد أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام ونزل القرآن، فكل من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة.. بل ولن يراها.. ولذلك جاء كلام الله دقيقًا لم يظلم أحدًا من خلقه.
إذن فقوله تعالى"بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ".. أي لا يدخل الجنة إلا من أسلم وجهه لله وهو محسن.. فقد يسلم واحد وجهه لله ويكون منافقًا يظهر غير ما يُبطن.. نقول إن المنافقين لم يكونوا محسنين ولكنهم كانوا مسيئين.
لأن لهم شخصيتين شخصية مؤمنة أمام الناس وشخصية كافرة في الحقيقة أو في قلوبهم.
قوله تعالى"مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ"أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ المراد به اتجه إليه، وأذعن لأمره، وأخلص له العبادة، وأصل معناه الاستسلام والخضوع. وخص الله- تعالى- الوجه دون سائر الجوارح بذلك، لأنه أكرم الأعضاء وأعظمها حُرْمَة، فإذا خضع الوجه الذي هو أكرم أعضاء الجسد فغيره من أجزاء الجسد أكثر خضوعا. "وَهُوَ مُحْسِنٌ" أى: مطابق للصواب وهو ما جاء به الشرع الشريف.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم"أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ." صحيح مسلم.

الصَّلاة من أَجلِّ وأعظمِ العباداتِ التي يتقرَّبُ فيها العبدُ إلى اللهِ تعالى، وكلَّما ازدادَ تَواضُعُ العبدِ وخشوعُه زادَ قُربًا مِن الله، ووضْعُ الوجهِ والأنف في الأرض قمَّةُ التَّواضُع والتَّذلُل، وهنا يكون الدُّعاء من قلبٍ خاشع، ومُتواضِع لله فيكون أقربَ لاستجابةِ الدُّعاء.
" فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" أي: إنَّ للمسلمِ وجهَه لله تعالى مُحسِنًا، ثوابَه على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ" إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا " الكهف:30.فهم أهل الجَنَّة وحْدهم، آمِنون؛ فلا خوفَ عليهم ممَّا يستقبلونه من أمور الآخِرة، وهم في سُرور دائم؛ فلا يَحزنون على ما فاتهم من أمور الدُّنيا، فحصَل لهم المرغوب، ونجَوْا من المرهوب.والآية ترشد إلى أن الإيمان الخالص لا يكفي وحده للنجاة، بل لا بد أن يقرن بإحسان العمل.
"وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"113.
أي: ضلَّل وكفَّر بعضُهم بعضًا، فادَّعى أهلُ كلِّ دِينٍ منهم، أنَّ دِين الآخَر باطل، ليس فيه شيءٌ من الحقِّ مطلقًا.
وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ :أي: والحال أنَّ هؤلاء المدَّعين من اليهود والنصارى، يَقرؤون كتُبَهم ويعلمون ما فيها من الحقِّ، فيقرأ اليهود التوراة، ويقرأ النَّصارى الإنجيل، وكِلا الكِتابينِ شاهدانِ عليهما؛ فهما يقولان بخِلاف ما يقولون؛ فالإنجيل يَتضمَّن صِدقَ موسى وتقريرَ التوراة، والتَّوراة تتضمَّن التبشيرَ بعيسى وصِحَّة نبوَّته، وكِلاهما يتضمَّنان صِدقَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ فكيف يدَّعي كلٌّ منهما أنه ليس في دِين الآخر شيءٌ من الحقِّ مطلقًا.
" كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ "أي الذين لا يعلمون دينا ولا يعلمون إلها ولا يعلمون أي شيء قالوا مثل هذا القول الذي لم يبن على برهان، فقال الجهلة من عبدة الأوثان لأهل كل كتاب: لستم على شيء ، فاشترك اليهود والنصارى وهم أهلُ كتاب، مع أهلِ الجَهالة في المقالة نفْسها.
" فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"
فكل فرقة تضلل الفرقة الأخرى, ويحكم الله في الآخرة بين المختلفين بحكمه العدل,أي: إنَّ الحَكَم العدل سبحانه وتعالى، يتوعَّد هؤلاءِ المختلِفين- القائِلِ بعضُهم لبعض: لستُم على شيء من الحقِّ- بأن يقضيَ ويَفصِل بينهم في الآخرة ، وأنَّه سيَجزي كلَّ مبطل على باطله؛ فإنَّه لا فوز ولا نجاة إلا لمن صدق جميع الأنبياء والمرسلين, وامتثل أوامر ربه, واجتنب نواهيه, ومن عداهم, فهو هالك.
"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"114.
فالحق جل جلاله بعد أن بين لنا موقف اليهود والنصارى والمشركين من بعضهم البعض ومن الإسلام، وكيف أن هذه الطوائف الثلاث تواجه الإسلام بعداء ويواجه بعضها البعض باتهامات.. فكل طائفة منها تتهم الأخرى أنها على باطل.. أراد أن يحذرهم تبارك وتعالى من الحرب ضد الإسلام ومحاربة هذا الدين فقال" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا"
وَمَنْ: الاستفهام هنا للإنكار ويفيد النفي. أَظْلَمُ: والظلم: الاعتداء على حق الغير، بالتصرف فيه بما لا يرضَى به، ويُطلق على وضع الشيء في غير ما يستحق أن يوضع فيه، والمعنيان واضحان هنا.وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه, فبمفهوم المخالفة: لا أعظم إيمانًا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية, وقد زكى الله سبحانه تعالى مَنْ يعمر مساجد الله "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ "التوبة:18.
يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ: وذكر اسم الله كناية عما يؤدَى فيها من العبادات، إذ لا تكاد عبادة تخلو من ذكر اسمه- تعالى.
أي: لا أحد أظلم وأشد جُرمًا, ممن منع مساجد الله, عن ذكر الله فيها, وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات.
وَسَعَى : أي: اجتهد وبذل وسعه " فِي خَرَابِهَا " الخراب الحسي والخراب المعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها, وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لله منها، وهذا عام, لكل من اتصف بهذه الصفة, فيدخل في ذلك أصحاب الفيل, وقريش, حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية, والنصارى حين أخربوا بيت المقدس, وغيرهم من أنواع الظلمة, الساعين في خرابها, محادة لله, ومشاقة، فجازاهم الله, بأن منعهم دخولها شرعًا وقدرًا, إلا خائفين ذليلين, فلما أخافوا عباد الله, أخافهم الله، فالمشركون الذين صدوا رسوله, لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرًا, حتى أذن الله له في فتح مكة، ومنع المشركين من قربان بيته, فقال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا "
وأصحاب الفيل, قد ذكر الله ما جرى عليهم، والنصارى, سلط الله عليهم المؤمنين, فأجلوهم عنه.
وهكذا كل من اتصف بوصفهم, فلا بد أن يناله قسطه, وهذا من الآيات العظيمة, أخبر بها الباري قبل وقوعها, فوقعت كما أخبر.
واستدل العلماء بالآية الكريمة, على أنه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد.
" لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ "أى: لهم في الدنيا هوان وذلة بسبب ظلمهم وبغيهم " وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ولهم في الآخرة عذاب عظيم يخلدون معه في النار. وليس هناك أشقى ممنيعيش دنياه في هوان وذلة، ثم ينتقل إلى أخراه فيجد مصيره العذاب الأليم الذي لا يموت فيه ولا يحيا.
"وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"115.
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى جزاء الذين يخربون مساجد الله ويهدمونها.. ويمنعون أن يذكر فيها اسمه والعذاب الذي ينتظرهم في الآخرة أراد أن يذكرنا بأن تنفيذ هذا على مستوى تام وكامل عملية مستحيلة لأن الأرض كلها مساجد. قال صلى الله عليه وسلم" وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ..."صحيح البخاري.

وكأن الآية تومي، إلى أن سعى أولئك الظالمين في منع المساجد من ذكره- تعالى- وتخريبها، لا يمنع من أداء العبادة لله- تعالى-: لأن له المشرق والمغرب وما بينهما، فأينما حل الإنسان وتحرى القبلة المأمور بالتوجه إليها فهناك جهة الله المطلوب منه استقبالها

اللام في قوله " وَلِلَّهِ"تفيد معنى الملك.الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ :مكان شروق الشمس وغروبها، والمراد بهما هنا جميع جهات الأرض.
أي: إنَّ لله تبارك وتعالى مُلكَ الجِهة التي تطلُع منها الشَّمس، ومُلك الجِهة التي تَغيب منها، وله مُلك جميع ما بينهما من الجِهات والمخلوقات.
" إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"وذيلت الآية بقوله "إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ" لإفادة سعة ملكه أو سعة تيسيره على عباده في أمر الدين. أى: إن الله يسع خلقه جميعًا برحمته وتيسيره وجوده وهو عليم بأعمالهم لا يخفى عليه عمل عامل أينما كان وكيفما كان.
ثم حكى القرآن بعض الأقاويل الباطلة التي افتراها أصحاب القلوب المريضة فقال تعالى:
"وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ"116.
"وَقَالُوا " أي: اليهود والنصارى والمشركون, وكل من قال ذلك.فقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقال المشركون: الملائكة بنات الله.
قول المشركين"أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى البنات على البنين"الصافات: 151-153.
وقول اليهود "وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله"التوبة: 30.
وقول النصارى"وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله"التوبة: 30.
وَلَدًا :والولد: يطلق على الذكر والأنثى، والواحد والجمع.
سُبْحانَهُ: أي: تنزه وتقدس عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون مما لا يليق بجلاله، فسبحان من له الكمال المطلق, من جميع الوجوه, الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه. ،قال تعالى في سورة الإخلاص:قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ*
ومع رده لقولهم, أقام الحجة والبرهان على تنزيهه عن ذلك فقال:
"بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ"أي: جميعهم ملكه وعبيده, يتصرف فيهم تصرف المالك بالمماليك, وهم قانتون له مسخرون تحت تدبيره، فإذا كانوا كلهم عبيده, مفتقرين إليه, وهو غني عنهم, فكيف يكون منهم أحد, يكون له ولدا, والولد لا بد أن يكون من جنس والده, لأنه جزء منه.
والله تعالى المالك القاهر, وأنتم المملوكون المقهورون, وهو الغني وأنتم الفقراء، فكيف مع هذا, يكون له ولد؟ هذا من أبطل الباطل وأسمجه.
والقنوت نوعان: قنوت عام: وهو قنوت الخلق كلهم, تحت تدبير الخالق، وخاص: وهو قنوت العبادة. فالنوع الأول كما في هذه الآية، والنوع الثاني: كما في قوله تعالى"وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ"البقرة:238.
"بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْرًا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "117.
بعد أن بين الله تبارك وتعالى أن قولهم اتخذ الله ولدا هو افتراء على الله أظهر لنا مزيد براهين على تنزيهه وقدرته فقال:
"بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" أى: خالقهما ومنشئهما على وجه قد أتقنهما وأحسنهما على غير مثال سبق ولا اقتداء. وبلا آلة ولا مادة، وبديع صفة مشبهة من أبدع، والذي ابتدعهما من غير أصل ولا مثال هو الله- تعالى-. وخص السموات والأرض بالإبداع، لأنهما أعظم ما يشاهد من المخلوقات.
" وَإِذا قَضى أَمْرًا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" أي: إنَّه سبحانه إذا أراد شيئًا، فحسبُه أن يقول له: كن، فيكون ذلك الشيء على وَفقِ ما يُريد الله تبارك وتعالى، فلا يستعصى عليه, ولا يمتنع منه.
والإيجاد والتكوين من أسرار الألوهية عبر عنهما بما يقربهما من الفهم وهو أن يقول للشيء كن فيكون.
"وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"118.
" وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ "أي: قال مُشرِكو العرب وغيرهم: هلَّا أَوحى الله عزَّ وجلَّ إلينا كما أَوحى إلى رُسله؟ أو يكلِّمنا بتصديق رسوله محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ؟ أو تأتينا معجزةٌ دالَّة على صِدق ما جاء به؟ وهذا الطَّلب قد صدَر منهم على سبيل التعنُّت والعِناد، وكأن كل المعجزات التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسها القرآن الكريم لم تكن كافية لإقناعهم، مع أن القرآن كلام معجز وقد أتى به رسول أمي ، جاء القرآن ليتحدى في أحداث المستقبل وفي أسرار النفس البشرية، وكان ذلك يكفيهم لو أنهم استخدموا عقولهم ولكنهم أرادوا العناد كلما جاءتهم آية كذبوا بها وطلبوا آية أخرى.
وإلَّا فقد جاءتْهم آيات كثيرة دالَّة على صِدق بِعثة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ومنها القرآن الكريم.
ومما في القرآن من أخبار عن المستقبل والتي وقعت كما أخبر بها الرب عز وجل: انتصار الروم على الفرس / انتصار المسلمين في معركة " بدر " /وموت أبي لهب على الكفر/.....
*انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم من قبَلهم أول الأمر .
قال تعالى " غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ ..." الروم/ 2 – 4 إلى قوله"وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" الروم/ 6.
وكلمة " بِضع " في اللغة تدل على ما بين ثلاث وتسع ، وقد جاء انتصار الروم على الفرس بعد سبع سنين من نزول الآية .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله " وهذا من الأمور الغيبية التي أخبر بها اللّه قبل وقوعها ووجدت في زمان من أخبرهم اللّه بها من المسلمين والمشركين ، "وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " أن ما وعد اللّه به حق فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعد الله، ويكذبون آياته " انتهى من " تفسير السعدي " ص 636.
*انتصار المسلمين في معركة بدر:
قال تعالى " سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ " القمر/ 45 .
قال القرطبي – رحمه الله " وهذا مِن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر " انتهى من " تفسير القرطبي " 17 / 146.
*موت أبي لهب على الكفر:
قال تعالى" تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ . سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ " المسد/ 1-3
وفي هذه الآيات إخبارٌ من الله تعالى أن عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبا لهب سيموت على الكفر ولن يدخل في الإسلام ، وهو أمر غيبي أوحاه الله لنبيِّه عليه الصلاة والسلام ، وكان بإمكان أبي لهب أن يعلن إسلامه ليكذِّب هذا الخبر – ولو في الظاهر – لكنه لم يفعل ، رغم أن السورة نزلت قبل وفاة أبي لهب بعشر سنوات ، هذه السورة تقرر أن أبا لهب سوف يذهب إلى النار ، أي بمعنى آخر : أن أبا لهب لن يدخل الإسلام ، عشر سنوات كانت لديه الفرصة أن يكذب القرآن بدقيقة واحدة ! ولكن لأن الكلام هذا ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه وحي ممن يعلم الغيب ويعلم أن أبا لهب لن يسلم.
وقد أحدثت هذه الآيات وقعًا عظيمًا على بعض الكفار الذين أرادوا البحث في القرآن عن أخطاء ليشككوا المسلمين بكتاب ربِّهم تعالى ، فأبهرتهم هذه الآية - من ضمن آيات كثيرة – فما كان من هذا الراغب بالتشكيك بالقرآن إلا أن يُعلن إسلامه ويصير من الدعاة للإسلام ،وهو الدكتور " جاري ميلر ".وخلال عشر سنوات كاملة كل ما كان على أبي لهب أن يفعله هو أن يأتي أمام الناس ويقول " محمد يقول إني لن أسلم وسوف أدخل النار ولكني أعلن الآن أني أريد أن أدخل في الاسلام وأصبح مسلمًا ، لكنَّ أبا لهب لم يفعل ذلك تماما ، رغم أن كل أفعاله كانت هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكنه لم يخالفه في هذا الأمر ؛ لأن الكلام هذا ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه وحي ممن يعلم الغيب ويعلم أن أبا لهب لن يسلم.
لَوْلا: كلمة لحضّ الفاعل على الفعل وطلبه منه.
كما قال تعالى"وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ "الأنعام: 124.
"كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"
أي: قولهم ذلِك مطابقٌ لقول مَن قَبلهم من الأُمم السابقة من اليَهود والنصارى وغيرِهم.
أي ومثل هذه الأسئلة التي يراد بها التعنت لإجلاء الحقيقة، قد قالها من قبلهم من الأمم الماضية، فقد قال اليهود لموسى"أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً"، و"لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ" إلى نحو ذلك، وقالت النصارى "هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ"المائدة:112. فهذه أقوال صدرت عنهم للتشهي واتباع الهوى تعنّتا وعنادًا لا للوصول إلى كشف غامض وجلاء حقيقة كما قال تعالى "وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ". الأنعام:7.
ثم ذكر السبب في اتحاد مقالهم ومقال من سبقهم فقال:
"تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ" أي تماثلت قلوب هؤلاء وقلوب من قبلهم في العمى والقسوة والعناد، والألسنة ترجمان القلوب، والقلب إذا استحكم فيه الكفر والعمى لا يجري على لسان صاحبه إلا ما ينبئ بالتباعد عن الإيمان من معاذير لا تجدي، وتعلّات لا تفيد. تفسير المراغي.
" قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" أي: قد أَظهَرْنا ووضَّحنا العلاماتِ الدالَّاتِ على صِدق الرُّسل عليهم السَّلام- ومنهم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ- بما لا يُحتاج معها إلى سؤالٍ آخَر، ولكنْ ذلك لِمَن كان اليقين من خِصالهم الدَّائمة؛ فهم يَتثبَّتون ويستوثقون، ويطلُبون معرفةَ حقائق الأشياء إلى درجة اليقين.فقد بينا للناس الآيات بما لا يدع مجالًا للريب لدى طالبي الحق بالدليل والبرهان.
رد مع اقتباس