|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن
فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن تأليف الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي رحمه الله تعالى (1307هـ - 1376هـ) اعتنى به عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر للتحميل *اكبس هنا* |
#2
|
||||
|
||||
بسم الله الرحمن الرحيم تقريظ فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وبعد: فلا تزال فوائد شيخنا العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي تتجدد حتى بعد وفاته، وذلك مما يتحفنا به أبناؤه وأحفاده حفظهم الله. من الفوائد الجديدة والمؤلفات النفيسة التي لم تنشر بعد لأنه رحمه الله قد أشرب حب العلم والتعليم والبحث والتأليف حتى سهلت عليه الكتابة، فلا تكاد تراه إلا باحثًا أو معلمًا أو مؤلفًا أو كاتبًا. وإن من أنفع مؤلفاته الأخيرة التي لم تُنشر بعد كتاب «فتح الرحيم الملك العلاّم في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن» ، هكذا سماه المؤلف بخط يده المثبت على طرة الكتاب، وسمّاه في موضع آخر: «بستان الموقنين وقرة عيون المؤمنين» فهما اسمان لمسمى واحد وهو هذا الكتاب المختصر الذي جمع فيه مؤلفه على اختصاره ثلاثة فنون. أحدها: علم التوحيد والعقائد. والثاني: علم الأخلاق والآداب. والثالث: علم الفقه، عبادات ومعاملات وغيرها. فهذه الفنون الثلاثة هي أهم ما يمكن أن يحققه المسلم ويشملها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، فمن حصل عليها فليبشر بأن الله قد أراد به خيرًا وفقهه في الدين. وقد صدّره المؤلف بتفسير بعض الأسماء الحسنى تبركًا بها وتيمُّنًا بمعانيها، ثم استرسل يذكر مسائل الكتاب بعبارات جزلة واضحة. وقد خدمه فضيلة الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، الأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، وذلك بمقابلته على أصوله، وتصحيح عباراته، وعزو آياته، وتخريج أحاديثه، ووضع فهارسه، وغير ذلك مما زاده وضوحًا وقرب فوائده. فجزاه الله خيرًا على ما خدم به هذا المؤلف الجليل وأثابه على ذلك. وعلى كُلٍّ فمخبر الكتاب يفوق منظره وما رآء كمن سمع، وإني أحث إخواني وأبنائي الطلاب على دراسته والنهل من معينه، فإن صلاح نية مؤلفه وإخلاصه ـ ولا نزكي على الله أحدًا ـ لها دخل كبير في حصول الفائدة وقرب الانتفاع وبالله التوفيق. وصلى الله على محمد وآله وصحبه. وكتبه الفقير إلى الله عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل
رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقًا |
#3
|
||||
|
||||
بسم الله الرحمن الرحيم الـمقدمة أما بعد: فإنَّ القرآنَ الكريمَ كلامَ ربِّ العالمينَ هو أعظمُ أبوابِ الهدايةِ وأجلُّ سبلِ الفلاحِ. أنزلَهُ اللهُ على عبادِهِ هدى ورحمةً وبشرى، وضياءً ونورًا، وذكرى للذاكرينَ، جمعَ فيه سبحانه العلومَ النافعةَ والمعاني الجليلةَ الكاملةَ، والترغيبَ والترهيبَ، والأصولَ والفروعَ، والوسائلَ والمقاصدَ، والعلومَ الدينيةَ والدنيويةَ والأخرويَةَ، وجعلَهُ مرشدًا للعبادِ إلى كلِّ طريقٍ نافعٍ وسبيلٍ قويمٍ، يفرقونَ به بينَ الحقِّ والباطلِ، والهدى والضلالِ، والخيرِ والشرِ، ويهديهم إلى أقومِ الأمورِ وأرشدِهَا وأنفعِهَا في كلِّ شيءٍ في العقائدِ والعباداتِ والآدابِ، ويرشدُهُم إلى كلِّ صلاحٍ وفلاحٍ ديني ودنيوي بحيث تقوم به أمورهم، وتزكو نفوسُهُم، وتعتدل أحوالُهُم، ويستقيمُ طريقُهم، ويحصل لهم الكمالُ المتنوعُ منْ كلِّ وجهٍ، فهو كتابُ علمٍ وتعليمٍ تزول به الضلالاتُ المتفرقةُ والجهالاتُ المتنوعةُ، وكتابُ تربيةٍ وتأديبٍ تتحقق به الأخلاقُ الفاضلةُ والأعمالُ الكريمةُ. وهو كتابٌ بحرُهُ عميقٌ، وفهمُهُ دقيقٌ، وخزائنُه ملأى، لا يصل إلى استخراجِ كنوزِه، واستنباطِ جواهرِهِ إلا مَنْ تبحرَ في العلومِ وعاملَ اللهَ تعالى بتقواه في سرِهِ وعلانيتِهِ. ونحسب أنَّ الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ كذلك، إذ قد منّ الله عليه بكتابة عدد من المؤلفات النافعة حول القرآن الكريم، لقيت القبول بين المسلمين، وانتشرت بين أهل العلمِ وطلابِهِ، وأفاد منها الخاصُّ والعامُّ، ويأتي في مقدمتها كتابه الذي ألفه في تفسير القرآن، وخلاصته، والقواعد الحسان التي يحتاج إليها المفسر، إلى غير ذلك مما ألفه ـ رحمه الله ـ في خدمة كتاب الله ـ عز وجل ـ. وهذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن الموسوم بـ :فتح الرّحيمِ الملكِ العلاّمِ في علمِ العقائدِ والتوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المستنبطةِ منَ القرآنِ_ هو أحد مؤلفاته النفيسة المتعلقة بكتاب الله تعالى يخرجُ إلى طلاب العلم لأول مرة، وقد جمع فيه ـ رحمه الله ـ أهمَ علوم القرآن وأجلَّها على الإطلاق وهي ثلاثة علوم: 1 ـ علم التوحيد والعقائد الدينية. 2 ـ علم الأخلاق والخصال الفاضلة. 3 ـ علم الأحكام للعبادات والمعاملات. بذلك الأسلوب العلمي الرائع المعهود في الشيخ ـ رحمه الله ـ بعباراته الجَزْلَةِ، وألفاظهِ السهلةِ، وتنبيهاتِهِ اللطيفةِ، في حسنِ نصحٍ وتمامِ إرشادٍ، فرحمه الله من إمام، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء، ورفع في الجنة درجته، وأعلا فيها منزلته، إنَّه سميعٌ مجيبٌ. وقد اعتمدت في إخراجه على نسخة بخط مؤلفه رحمه الله محفوظة لدى أبنائه حفظهم الله وبارك فيهم، وقد لمست فيهم حرصًا كبيرًا ورغبة شديدة في نشر مؤلفات والدهم، وتوزيعها احتسابًا للأجر والثواب، والشيء من معدنِهِ لا يُسْتَغْرَب، فنسأل الله أن يتقبل منهم، ويثيبهم، ويوفقهم لكلِّ خير. أما عن عملي في هذا الكتاب فيتلخص في الآتي: 1 ـ مقابلة المصفوف من الكتاب على نسخته الخطية، مع الحرص قدر المستطاع على إخراجه إخراجًا سليمًا من الأخطاء كما أراده مؤلفُهُ ـ رحمه الله ـ. 2 ـ عزو الآيات إلى سورها مع تصويب الأخطاء القليلة الواقعة في بعض الآيات، لأنَّ الشيخ رحمه الله ـ فيما يظهر ـ كان يكتبها من حفظه. 3 ـ تخريج الأحاديث باختصار، فما كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما، وما كان في غيرهما أشير إلى مصدر أو مصدرين من مصادر تخريجه مع ذكر درجته. 4 ـ التعليق على بعض المواطن اليسيرة بإحالة إلى مرجع أو توثيق معلومة أو نحو ذلك. 5 ـ وضع فهرس لموضوعات الكتاب في آخره. والله الكريم أسأل أن ينفع به، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، وأن يغفر لنا جميعًا، ولوالدين، وللمسلمين والمسلمات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. وكتبه: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر المدينة النبوية |
#4
|
||||
|
||||
بسم الله الرحمن الرحيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وسلطانه، ولا مثيل له في نعوته وأوصافه وكرمه وإحسانه، ولا نديد له في ألوهيته وحمديته وعظمة كبريائه وشأنه. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المؤيَّد بآياته وبرهانه، الهادي إلى جنته ورضوانه. اللهم صلّ على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه على الحق وأعوانه وسلِّم تسليمًا. أما بعد: فقد كتبت سابقًا كتابًا مطولاً في تفسير القرآن، فصار طوله من أكبر الدواعي لعدم نشره؛ لفتور الهمم ومللِها من الطول، ثم إني بعد ذلك استخلصت منه ومن غيره قواعد تتعلق كلُّها بأصول التفسير، وهي نعم العون للراغبين في علم التفسير الذي هو أصل العلوم كلِّها، فبلغت سبعين قاعدة، ويسّر المولى طبعها ونشرها. فتكرَّر علي الطلب في السعي في نشر التفسير فاعتذرت بالعذر المذكور، ولكن لا زلت أفكر في تلخيصه واختصاره [1]- وقد فعل ذلك رحمه الله حيث ألف كتابه «تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن» وهو مطبوع متداول.-تعقيب بالحاشية ، فظهر لي أنَّ الأولى والأنفع إفرادُ علومِ التفسير كلِّ نوع على حدته ولو لزم من ذلك ترك ترتيب التفسير،- بل لو لزم من ذلك ترك الكلام على كثير من الآيات القرآنية إذا تكلمنا على نظيرها أو ما يقاربها، فإنَّ الإحاطة على جميع الآيات القرآنية ليس من شروط علم التفسير، لأنَّ من خواص تيسير الله لمعاني كتابه أنَّه جعله أصولاً وقواعد وأسسًا، إذا عرف العبد منها شيئًا وموضعًا عرف نظيره ومشابهه ومقاربه في كلِّ المواضع، فمعرفة بعضه يدعو إلى معرفة باقيه. ثم نظرت فإذا علوم التفسير كثيرة جدًا، وفي استيعابها يطول الكتاب جدًا، فرأيت أهم علوم القرآن على الإطلاق ثلاثة علوم: علم التوحيد والعقائد الدينية، وعلم الأخلاق والخصال المرضية، وعلم الأحكام للعبادات والمعاملات. فرأيت الاقتصار على هذه الثلاثة أولى وأنفع وأحسن موقعًا - وقد كان لدى الشيخ رحمه الله اتجاه إلى إفراد علم التوحيد وعلم الأخلاق في رسالة مستقلة، حيث كلف أحد تلاميذه بنسخ ما يتعلق بهما من هذه الرسالة، وكتب لها مقدمة خاصة، قال فيها: «... وأجل ما احتوى عليه [أي: القرآن] علم التوحيد وأصول العقائد وعلم الأخلاق التي لا صلاح ولا فلاح ولا نجاح للخلق إلا بها... لهذا جعلت هذه الرسالة خاصة في هذين النوعين من علوم القرآن، إذ بإصلاح العقائد والأخلاق تصلح الأمور كلُّها» غير أنَّه لم يُنسخ من هذه المخطوطة إلا جزءٌ كبيرٌ من القسم المتعلق بالتوحيد فحسب، فجاءت في (42) صفحة، فرغ من نسخها في 1367هـ، وهي محفوظة لدى أبناء الشيخ حفظهم الله باسم «بستان الموقنين وقرة عيون المؤمنين» كما هو مثبت في غلافها بخط المصنف نفسه، وعليها تصويبات بخطه رحمه الله، أما الذي قام بنسخها بتكليف من المصنف فهو الشيخ عبد العزيز بن صالح الدامغ، ـ حفظه الله ـ كما أفادني بذلك الأستاذ مساعد بن عبد الله السعدي وفقه الله، ثم عثرنا على نسخة ثالثة للكتاب تقع في (48) صفحة، بخط الشيخ عبد العزيز بن صالح الدامغ، فرغ من نسخها في 18/1/1367هـ، وكان الاتجاه فيها إلى أفراد النوع الأول فقط، المتعلق بالاعتقاد والتوحيد، وقد كتب لها ـ رحمه الله ـ مقدمة خاصة قال فيها: «أما بعد: فهذه رسالة في علم التوحيد وأصول الدين وعقائد[هـ] سهلة الألفاظ جليلة المعاني جمعت فيها من غرر هذا العلم ونكته أصولاً جمة وفوائد مهمة يحتاجها، بل يضطر إليها المبتدي والمتوسط والمنتهي، استخلصتها من كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما أجمع عليه أئمة السلف المعتبرون...» وجعلها بعنوان «فتح الرب الحميد في علم العقائد وأصول التوحيد»، كما هو مثبت على غلافها بخط المصنف نفسه رحمه الله تعالى -. ، وكلُّ واحد من هذه الثلاثة يقتضي كتابًا مطولاً وخصوصًا علم الأحكام، ولكن أتينا بمقاصدها ونصوصها من الكتاب، وجمعناها في فنِّها واختصرنا الكلام فيها اختصارًا لا يخل بالمقصود ولا يغلق العبارات، بل أتينا بذلك بعبارات واضحة ليس فيها حشو ولا تعقيد. ونسأل المولى تعالى أن يعيننا على ذلك وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به وسائر إخواننا المسلمين، وأن يعفو عن خطئنا وتقصيرنا وإسرافنا في أمرنا، إنَّه جواد كريم. وسميته: «فتح الرحيم العلاَّم في علم العقائد والأخلاق والأحكام» المستندة إلى كتاب الله الكريم نصًا واستنباطًا وتنبيهًا وإرشادًا. حاشية: *فائدة وتعقيب من خارج الكتاب: "تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن" - الكتاب هنا -، هذا الكتاب خلاصة وانتقاء لبعض مواضع من تفسيره "تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن" - الكتاب هنا -اقتصر فيه على اختيار بعض الآيات ، ليكون ميسَّرًا على القارئين . انتهى المؤلف من كتابه سنة 1368هـ وهو على إيجازه واختصاره فيه معونة على تدبر كلام رب العالمين – وهو قريب من منهج التفسير الموضوعي ، وقد أراد المؤلف بجمع كل موضوع على حدته التقريب والسهولة وجمع المعاني التي من فنٍّ واحد في موضع واحد . هنا . |
#5
|
||||
|
||||
النوع الأول من علوم القرآن علم العقائد وأصول التوحيد وموضوع هذا العلم البحث عما يجب لله من صفات الكمال ونعوت الجلال، وما يمتنع ويستحيل عليه من أوصاف النقص والعيب والمثال، وما يجوز عليه من إيجاد الكائنات وأنَّه الفعّال لما يريد، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وكذلك البحث عما يجب الإيمان به من الرسل وصفاتهم، وما يجب لهم ويمتنع في حقهم ويجوز، والإيمان بالكتب المنزلة على الرسل، والإيمان بما أخبر الله به وأخبرت به رسله عن الحوادث الماضية والمستقبلة، وعن الإيمان باليوم الآخر، والجزاء والثواب والعقاب، والجنة والنار، وما يتبع ذلك ويتعلق به. فهذه مجملات مواضيع هذا العلم الجليل، والقرآن العظيم قد بيّن هذه الأمور غاية التبيين، ووضَّحها توضيحًا لا يقاربه شيء من الكتب المنزلة، ولم يُبْقِ منها أصلاً إلا بيّنه وجمع فيه بين البيان والبرهان، بيّن المسائل المهمة الجليلة، والبراهين القاطعة العقلية والنقلية والفطرية. وهذا النوع أقسام: أولها ومقدَّمها: علم التوحيد. أما الاعتقاد والعلم، فأنْ يعتقد العبد أنَّ جميع ما وصف الله به نفسه من الصفات الكاملة ثابتٌ لله على أكمل الوجوه، وأنَّه ليس لله في شيء من هذا الكمال مشارك، وأنَّه منزّهٌ عن كلِّ ما ينافي هذا الكمال ويناقضه، مما نزّه به نفسه أو نزّهه رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما التأله والعمل، فأن يتقرَّب العبد إلى ربه بأعماله الظاهرة والباطنة إلى الله، ويخلصها لوجهه وينيب إليه ويتألهه محبة وخوفًا ورجاءً وطلبًا وطمعًا، فيقصد وجهه الأعلى بما يعتقده من العقائد الصحيحة، وبما يقصده ويريده من الإرادات الصالحة والمقاصد الحسنة التابعة لأعمال القلوب، وبما يعمله من الأعمال الصالحة الراجعة للقيام بحقوق الله وحقوق عباده، وبما يقوله ويتكلم به من ذكر الله والثناء عليه وقراءة كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام أهل العلم الذي يرجع إلى ذلك، ومن الكلام الطيِّب والنُصح للعباد في أمور دينهم ودنياهم، ومن ذلك تعلمُ العلوم النافعة وتعليمُها، فكلُّ هذه الأشياء يجب إخلاصها لله وحده، وبتمام الإخلاص يتم التوحيد والإيمان. فبهذا التقرير يكون التوحيد يرجع إلى أمرين: توحيد الأسماء والصفات، ويدخل فيه توحيد الربوبية، وهذا يرجع إلى العلم والاعتقاد. وتوحيد الإلهية والعبادة، وهذا يرجع إلى العمل والإرادة، عملِ القلوب وعملِ الأبدان كما تقدم، ويسمَّى توحيد الإلهية، لأنَّ الإلهية وصف الباري تعالى، ويسمَّى توحيد العبادة لأنَّ العبادة وصف العبد الموحّد المخلص لله في أقواله وأعماله وجميع شؤونه، والقرآن العظيم يكاد كلُّه أنْ يكون تقريراً لهذه الأصول العظيمة، ودفعًا لما يناقضها ويضادّها من التعطيل والتشبيه والتنقيص، ومن الشرك الأكبر والأصغر والتنديد. وجوب تصديق الله ورسوله في كلِّ خبر وتقديم ذلك على غيره قال تعالى"قُلْ صَدَقَ اللَّهُ "آل عمران: 95 ، "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا "النساء: 122 ، "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا "النساء: 87."وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ "فاطر: 14 ، "قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ "البقرة: 140 ، "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ "الأنعام: 19 ،"لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا "النساء:166 ، "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "آل عمران:18 . والآيات في هذا المعنى العظيم كثيرة، تدل أوضح دلالة، على أنَّ أفرض الفروض على العباد أن يصدقوا الله تعالى في كلِّ ما أخبر به عن نفسه من صفات الكمال وما تنزَّه عنه من صفات النقص، وأنَّه أعلم بذلك من خلقه، وشهادته على ذلك أكبر شهادة، وخبره عن نفسه وعن جميع ما يخبر به أعلى درجات الصدق، وذلك يوجب للعبد أن لا يدخل في قلبه أدنى ريبٍ في أيِّ خبر يخبر الله به، وأن يُنَزِّلَ ذلك من قلبه منزلة العقيدة الراسخة التي لا يمكن أن يعارضها معارض ولا يعتريها شك. وأن يعلم علمًا يقينيًا أنَّه لا يمكن أن يَرِدَ شيءٌ يناقض خبر الله وخبر رسوله، وأنَّ كلَّ ما عارض ذلك ونافاه من أيِّ علم كان، فإنَّه باطل في نفسه وباطل في حكمه، وأنَّه محالٌ أن يرد علم صحيح يناقض ما أخبر الله به، وتدل أكبر دلالة أنَّ من بنى عقيدته على مجرد خبر الله وخبر رسوله فقد بناها على أساسٍ متينٍ، بل على أصل الأصول كلِّها، ولو فرض وقدِّر معارضةُ أيِّ معارضٍ كان، فكيف والأدلةُ العقليةُ والفطرية والأفقية والنفسية كلُّها تؤيد خبر الله وخبر رسله وتشهد بصدق ذلك ومنفعته، ولهذا مدح الله خواص خلقه وأولي الألباب منهم حيث بنوا إيمانهم على هذا الأصل في قولهم"رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا "آل عمران: 193، "وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا "البقرة: 285 ، "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ "الزمر: 18. وعُلِمَ من ذلك أنَّ ابتداع أهل الكلام الباطل لأقوال وعقائد ما أنزل الله عليها من سلطان، ولم تُبْنَ على الكتاب والسنّة، بل على عقولٍ قد عُلم خطأ أصحابِها وضلالِهم، أنَّه من أبطل الباطل وأسفه السفه، حيث رغِبوا عن خبرِ اللهِ وخبر رسلِه إلى حيث سوَّلت لهم نفوسهم الأمّارة بالسوء، ودعتهم عقولهم التي لم تَتَزكَّ بحقائق الإيمان، ولا تغذت بالإيمان الصحيح واليقين الراسخ. يكفي هذا الأصل في ردِّ جميع أقوال أهل الزيغ بقطع النظر عن معرفة بطلانها على وجه التفصيل، لأنَّه متى علمنا مخالفتها للقواطع الشرعية والبراهين السمعية علمنا بطلانها، لأنَّ كلَّ ما نافى الحق فهو باطل، وما خالف الصدق فهو كذب. |
#6
|
||||
|
||||
شرح أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن على وجه الإيجاز غير المخِلِّ وفي الحديث الصحيح: «إنَّ لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة» - رواه البخاري (رقم: 2736)، ومسلم (رقم: 2677).- وإحصاؤها تحصيل معانيها في القلب، وامتلاء القلب من آثار هذه المعرفة، فإنَّ كلَّ اسم له في القلب الخاضع لله المؤمن به أثرٌ وحالٌ لا يُحَصِّلُ العبد في هذه الدار ولا في دار القرار أجلَّ وأعظمَ منها، فنسأله تعالى أن يمنَّ علينا بمعرفته ومحبته والإنابة إليه. اللَّه ولهذا تضاف جميع الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم ويوصف بها، فيقال: الرحمن، الرحيم، الخالق، الرازق، العزيز، الحكيم، إلى آخرها من أسماء الله. ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، الرحيم، إلى آخرها. فمعنى الله كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين»- رواه ابن جرير في تفسيره (1/54)-.، فجمع رضي الله عنه في هذا التفسير بين الوصف المتعلِّق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية التي هي وصفه الدال عليها لفظ الله، كما دلَّ على العلم الذي هو وصفه لفظ العليم، وكما دل على العزة التي هي وصفه لفظ العزيز، وكما دلَّ على الحكمة التي هي وصفه لفظ الحكيم، وكما دلَّ على الرحمة التي هي وصفه لفظ الرحيم، وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها. فكذلك الله هو ذو الألوهية، والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحق أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشارِكٌ بوجه من الوجوه. وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان. فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤله ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية والربوبية والملك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالرحمة وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالغنى المطلق التامِّ من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده. فالألوهية تتضمن جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا، وبهذا احتج من قال: إنَّ الله هو الاسم الأعظم، ومنهم من قال: إنَّه الصمد الذي تصمد إليه جميع المخلوقات بحاجتها لكمال سيادته وعظمته وسعة أوصافه، ومنهم من قال: إنَّ الاسم الأعظم هو الحي القيوم لوروده في بعض الأحاديث، ولأنَّ هذين الاسمين العظيمين يتضمنان جميع الأسماء الحسنى والصفات الكاملة، فإنَّ الصفات الذاتية ترجع إلى الحي الذي قد كملت حياته فكملت صفاته، وصفات الأفعال ترجع إلى القيُّوم؛ لأنَّه الذي قام بنفسه وقام بغيره - أي: قام بتدبير أمورهم، وتصريف شؤونهم.-، وافتقرت إليه الكائنات بأسرها، وقيل في تعيين الاسم الأعظم أقوال أُخر - وهي تبلغ عشرين قولاً جمعها السيوطي في كتابه «الدر المنظم في الاسم الأعظم» وكثير منها ظاهر ضعفه لعدم قيام دليل صحيح صريح على صحته وثبوته.-، والتحقيق أنَّ الاسم الأعظم اسم جنس لا يراد به اسم معين، فإنَّ أسماء الله نوعان: أحدهما: ما دلَّ على صفة واحدة أو صفتين أو تضمن أوصافاً معدودة. والثاني: ما دلَّ على جميع ما لله من صفات الكمال، وتضمَّن ما له من نعوت العظمة والجلال والجمال، فهذا النوع هو الاسم الأعظم لما دلَّ عليه من المعاني التي هي أعظم المعاني وأوسعها. فاللَّهُ اسم أعظم، وكذلك الصمد، وكذلك الحي القيوم، وكذلك الحميد المجيد، وكذلك الكبير العظيم، وكذلك المحيط. وهذا التحقيق هو الذي تدل عليه التسمية وهو مقتضى الحكمة، وبه أيضاً تجتمع الأقوال الصحيحة كلُّها، والله أعلم - وممن ذهب إلى ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ففي تعليقٍ له على كتاب فقه الأدعية والأذكار (ص155)، قال: «والصواب أنَّ الأعظم بمعنى العظيم، وأنَّ أسماء الله سبحانه كلّها حسنى، وكلّها عظيمة، ومن سأل الله سبحانه بشيء منها صادقًا مخلصًا سالمًا من الموانع رُجيت إجابته، ويدل على ذلك اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك، ولأنَّ المعنى يقتضي ذلك، فكلُّ أسمائه حسنى، وكلّها عظمى عز وجل، والله ولي التوفيق» اهـ.- والمقصود أنَّ هذا التفسير من ابن عباس رضي الله عنهما يُدْخِلُ فيها وصفَه بالألوهية التي نبهنا هذا التنبيه اللطيف على معنى الألوهية، ويُدْخِلُ فيها وصفَ العباد وهو العبودية، فالعباد يعبدونه ويألهونه. قال تعالى"وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ "الزخرف: 84 ، أي: يألهه أهل السماء وأهل الأرض طوعاً وكرهاً، الكلُّ خاضعون لعظمته، منقادون لإرادته ومشيئته، عانون لعزَّته وقيُّوميته. وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي والروحي، والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم، فيعرفون من نعوته وأوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته، ويحبونه من كلِّ قلوبهم محبةً تتضاءل جميعُ المحابِّ لها، فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الأولاد والوالدين وجميع محبوبات النفوس، بل خواصهم جعلوا كلَّ محبوبات النفوس الدينية والدنيوية العادية تبعًا لهذه المحبة، فلما تمَّت محبة الله في قلوبهم أحبوا ما أحبه من أشخاص وأعمال وأزمنة وأمكنة، فصارت محبتهم وكراهتهم تبعاً لإلههم وسيدهم ومحبوبهم. ولما تمَّت محبة الله في قلوبهم التي هي أصل التأله والتعبد أنابوا إليه فطلبوا قُربه ورضوانه، وتوسَّلوا إلى ذلك وإلى ثوابه بالجد والاجتهاد في فعل ما أمر الله به ورسوله، وفي ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله، وبهذا صاروا محبِّين محبوبين له، وبذلك تحققت عبوديتهم وألوهيتهم لربهم، وبذلك استحقوا أن يكونوا عباده حقًا، وأن يضيفهم إليه بوصف الرحمة حيث قال"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ "الفرقان: 63 ، ثم ذكر أوصافهم الجميلة التي إنما نالوها برحمته وتبوأوا منازلها برحمته، وجازاهم بمحبته وقُربه ورضوانه وثوابه وكرامته برحمته. وقد عُلم بهذا أنَّ من بذل هذه المحبة التي هي روح العبادة التي خلق الخلق لها لغير الله، فقد وضعها في غير موضعها، ولقد ضيَّعها أيضاً، ولقد ظلم نفسه أعظم الظلم، حيث هضمها أعظم حقوقها، وبذلك استحق أن يكون الشرك هو الظلم العظيم، وأن يكون المشرك مخلدًا في النار، محرومًا دخول الجنة محرَّمًا عليه، لأنها دار الطيبين الذين عبدوه حق عبادته وأخلصوا له الدين. وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع مثل قوله تعالى لموسى: "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي "طه : 14."وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ".الأنبياء:25 ، "فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا".مريم: 65 ، أي مساميًا مماثلاً في صفات الألوهية. وكذلك كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله، تتضمن نفي الألوهية عن غير الله، وأنَّه لا يستحق أحد من الخلق فيها مثقال ذرة، فلا يصرف لغير الله شيء من العبادات الظاهرة والباطنة، وتقرر الألوهية كلَّها لله وحده، فهو الذي يستحق أن يؤله محبة ورغبة ورهبة وإنابة إليه، وخضوعًا وخشوعًا له من جميع الوجوه والاعتبارات، فهو المألوه وحده، المعبود، المحمود، المعظّم، المُمَجّد، ذو الجلال والإكرام. |
|
|