العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى المعتقد الصحيح > ملتقى المعتقد الصحيح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-15-2020, 10:09 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,267
Post أسباب زيادة الإيمان ونقصانه

أسباب زيادة الإيمان ونقصانه
الحديث في هذا الفصل فسيكون عن أسباب زيادة الإيمان ونقصانه، إذ إن هناك أسبابًا كثيرة إذا حصلت من العبد زاد بها إيمانه ونمى وسار في طريق الكمال، وهناك أسباب أخرى إذا فعلها العبد نقص إيمانه وضعف وهوى نحو طريق الكفر والضلال.
وفي معرفة هذه الأسباب فوائد عظيمة ومنافع جمة، بل الضرورة ماسة إلى معرفتها والعناية بها، معرفة واتصافًا، وذلك لأن الإيمان هو كمال العبد وسبيل فلاحه وسعادته، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة، وهو السبب والطريق لكل خير عاجل وآجل، ولا يحصل، ولا يقوى ولا يتم إلا بمعرفة طرقه وأسبابه.
فجدير بالعبد المسلم الناصح لنفسه أن يجتهد في معرفة هذه الأسباب، ويتأملها ثم يطبقها في حياته، ليزيد إيمانه ويقوى يقينه، وأن يبعد نفسه عن أسباب نقص الإيمان، ويحصنها من الوقوع فيها، ليسلم من عواقبها الوخيمة ومغبتها الأليمة. ومن وفق لذلك فقد وفق للخير كله.
"فالعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في أمرين
أحدهما: تحقيق الإيمان وفروعه والتحقق بها علمًا وعملًا، حالًا.
والثاني: السعي في دفع ما ينافيها وينقضها أو ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة. ويداوي ما قصر من الأول، وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح، وتدارك الأمر قبل فواته"
فتحقيق الإيمان وتقويته، يكون بمعرفة أسباب زيادة الإيمان، والقيام بها.
وأما السعي في دفع ما ينافيه ويضاده، فيكون بمعرفة أسباب نقصه والحذر من الوقوع فيها.
ولذا فالكلام على هذا سيكون في مبحثين:
المبحث الأول: في أسباب زيادة الإيمان.
المبحث الثاني: في أسباب نقص الإيمان.
ونسأل الله العون والتوفيق.هنا-
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-15-2020, 10:24 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,267
افتراضي

المبحث الأول :أسباب زيادة الإيمان:
لقد جعل الله سبحانه لكل مرغوب ومطلوب سببًا وطريقًا يوصل إليه، وإن أهم وأعظم المطالب وأعمها نفعًا هو الإيمان، وقد جعل الله له مواد كثيرة تجلبه وتقويه، وأسبابًا عديدة تزيده وتنميه، إذا فعلها العباد قوى يقينهم وزاد إيمانهم، بينها الله في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
ولعل أهم هذه الأسباب ما يلي:
أولًا- تعلم العلم النافع:إن أهم وأنفع أسباب زيادة الإيمان تعلم العلم النافع علم الشريعة المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

*فائدة قال شيخ الإسلام"وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمره الله به وما نهاه عنه، فإن هذا فرض على الأعيان" الفتاوى :28/80 .
قال ابن رجب معرفًا بهذا العلم"فالعلم النافع هو ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف، وغير ذلك والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولًا، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيًا، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم
النافع عُني واشتغل ... "فضل علم السلف على علم الخلف :ص 45.
وقال ابن حجر"والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد ما يجب على المكلف من أمر دينه في عبادته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه"فتح الباري :1/ 141.
قلتُ - أي الشيخ عبد الرزاق عبد المحسن البدر:
فَمَنْ وُفِّقَ لهذا العلم، فقد وفق، عظم أسباب زيادة الإيمان، ومن تأمل نصوص الكتاب والسنة علم ذلك:قال الله تعالى"شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
سورة آل عمران، الآية: 18.
وقال تعالى"لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا"
سورة النساء، الآية: 162.

.وقال تعالى"قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا"
سورة الإسراء، الآيتان: 107- 109.
وقال تعالى"وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ ".سورة الحج، الآية: 54.
وقال تعالى"وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ"
سورة سبأ، الآية: 6.
.وقال تعالى"وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ"
سورة فاطر، الآية: 28.
.وقال تعالى"يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"
سورة المجادلة، الآية: 11.
وفي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ" صحيح البخاري.
وفي المسند وغيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"
من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا ، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ" صحيح أبي داود.
هنا -
وفي الترمذي وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"فَضلُ العالِمِ على العابدِ ، كفَضلِي على أدنَاكُم . ثمَّ قالَ رَسولُ اللهِ : إنَّ اللهَ و ملائكتَه و أهلَ السَّماواتِ و الأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها ، و حتَّى الحوتَ ، ليُصلُّونَ على مُعلِّمِي النَّاسِ الخيرَ" صحيح الترغيب والترهيب.

فهذه النصوص المذكورة فيها بيان منزلة العلم ومكانته، وعظم شأنه وأهميته، وما يترتب عليه من آثار حميدة وخصال كريمة في الدنيا والآخر، وما ينتج عنه من خضوع وانقياد لشرع الله، وإذعان وامتثال لأمره، فالعالم عرت ربه، وعرف نبيه، وعرف أوامر الله وحدوده، وميز بين ما يحبه الله ويرضاه وبين ما يكرهه ويأباه، فهو يعمل بأمر الله فيما يأتي ويذر، هذا إن وفق للعمل بما علم وإلا فعلمه وبال عليه.

قال الآجري في مقدمة كتابه أخلاق العلماء"إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه اختص من خلقه من أحب فهداهم للإيمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدين وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، فضلهم عظيم وخطرهم جزيل، ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء، الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل من العُبَّاد، وأعلى درجة من الزهاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائله، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج ... إلى أن قال: فهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ مثلهم في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انتطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا"أخلاق العلماء :ص 13، 14.

.ثم ساق من نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم ما يؤيد ما ذكر.

فالعلم له منزلة عالية، ومكانة سامقة، ومن أعظم ما يبين لنا فضله وعظم شأنه، قول الله تعالى"يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" سورة المجادلة، الآية: 11.
.قيل في تفسيرها: يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم، ورفعة الدرجات تدل على الفضل، إذ المراد به كثرة الثواب وبها ترتفع الدرجات، ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة.فتح الباري لابن حجر :1/141.
وكذلك قول الله تعالى"وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا"سورة طه، الآية: 114.
ودلالة هذه الآية على فضل العلم ظاهرة، لأن الله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، لما يترتب عليه من زيادة الإيمان والثبات عليه، قال تعالى"وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ" سورة آل عمران، الآية: 7.
وقال تعالى"لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" سورة النساء، الآية: 162.
وقال تعالى"شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"سورة آل عمران، الآية:18..
وهذه الآية الأخيرة كتب فيهاابن القيم رحمه الله بحثًا حافلًا بين فيه دلالتها على فضل العلم من وجوه كثيرة جدًا، تربوا على مائة وخمسين وجهًا، في كتابه القيم مفتاح دار السعادة 5.وقول النبي صلى الله عليه وسلم"مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ" من أعظم ما يبين فضل العلم وأهله، وأن من وفق له فقد وفق للخير كله، يدلنا على ذلك تنكير لفظة"خير"في الحديث ليعم الخير كله ويشمل القليل منه والكثير، وهذا كله من فضل الله وكرمه وعظيم إحسانه على من وفق للعلم، وعلى العكس من ذلك من حرم العلم فقد حرم الخير، بدلالة الحديث نفسه
قال ابن القيم"وهذا يدل على أن من لم يفقهه في دينه لم يرد به خيراً، كما أن من أراد به خيراً فقهه في دينه، ومن فقهه في دينه فقد أراد به خيراً، إذا أريد بالفقه العلم المستلزم للعمل، وأما إن أريد به مجرد العلم فلا يدل على أن من فقه في الدين فقد أريد به خيراً، فإن الفقه حينئذ يكون شرطاً لإرادة الخير وعلى الأول يكون موجباً والله أعلم"مفتاح دار السعادة :ص 65 ، وانظر الفتاوى :28/80.
وقال ابن حجر"ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي: لم يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير.. لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهاً ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم"فتح الباري :1/ 165.
وإنما نال العلم هذه المكانة العظيمة، لأنه وسيلة لأعظم الغايات وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له والقيام بتوحيده على الوجه المطلوب.فالعلم ليس مقصوداً لذاته وإنما هو مقصود لغيره وهو العمل، فكل علم شرعي فطلب الشرع له إنما يكون حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى، ويدل على ذلك أمور:
أحدها: أن الشرع إنما جاء بالتعبد، وهو المقصود من بعثة الأنبياء عليهم السلام، كقوله تعالى"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ" سورة البقرة، الآية: 21.
.وقوله"الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاتَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ" سورة هود، الآية: 1-2.
. وقوله تعالى"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ" سورة الأنبياء، الآية: 25.
.وقوله"إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ"سورة الزمر، الآيتان: 2- 3.
وما أشبه ذلك من الآيات التي لا تكاد تحصى إلا بكلفة كلها دالة على أن المقصود من العلم هو التعبد لله عز وجل، وصرف جميع أنواع العبادات والطاعات له.الثاني: ما جاء من الأدلة الدالة على أن روح العلم هو العمل، وإلا فالعلم عارية وغير منتفع به.فقد قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" سورة فاطر، الآية: 28.
وقال تعالى"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ"سورة الزمر، الآية: 9.
فهذه الأدلة وغيرها تدل على أن العلم وسيلة من الوسائل، ليس مقصوداً لنفسه من حيث النظر الشرعي، وإنما هو وسيلة إلى العمل، وكل ما ورد في فضل العلم إنما هو ثابت للعلم من جهة ما هو مكلف بالعمل به.هنا -
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-15-2020, 11:42 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,267
ومن المعلوم أن أفضل العلوم هو العلم بالله عز وجل، ومع هذا لا تصح به فضيلة لصاحبه حتى يصدق بمقتضاه وهو الإيمان بالله.انظر الموافقات للشاطبي :1/60- 65.
الثالث: ما ثبت في نصوص الشرع من التهديد الشديد، والتغليظ والوعيد لمن لم يعمل بعلمه، وأن العالم يسأل عن علمه ماذا عمل به، وأن من لم يعمل بعلمه يكون علمه وبالاً عليه وحسرة وندامة.قال تعالى"أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ"
سورة البقرة، الآية: 44.
وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ"
سورة الصف، الآيتان: 2، 3.
وقال تعالى حكاية عن شعيب عيه السلام أنه قال لقومه"وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"
سورة هود، الآية: 88.
.وغيرها من النصوص، وقد جاء عن السلف في هذا آثار كثيرة عظيمة النفع، جليلة القدر تناقلها العلماء في مؤلفاتهم
انظر بعضها في رسالة الخطيب البغدادي"اقتضاء العلم العمل" ورسالة الحافظ ابن عساكر"ذم من لا يعمل بعلمه" وكلاهما مطبوع.
وقال شيخ الإسلام" ... ولهذا يقال: العلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان
هو حجة الله على عباده.هذا من كلام الحسن البصري رحمه أخرجه الدارمي :1/ 102- وغيره وذكره شيخ الإسلام في الفتاوى وعزاه للحسن انظر :7/23 .
فالفقيه الذي تفقه قلبه، غير الخطيب الذي يخطب بلسانه، وقد يحصل للقلب من الفقه والعلم أمور عظيمة، ولا يكون صاحبه مخاطباً بذلك لغيره، وقد يخاطب غيره بأمور كثيرة من معارف القلوب وأحوالها، وهو عار عن ذلك، فارغ منه"
درء التعارض :7/453، 454.
وبما تقدم يعرف قدر العلم ومكانته، وعظم منافعه وعوائده، وقوة أثره على قوة الإيمان وثباته، وأنه أعظم أسباب زيادته ونمائه وقوته، وذلك لمن عمل به. بل إن الأعمال إنما تتفاوت في زيادتها ونقصها، وقبولها وردها من جهة موافقتها للعلم ومطابقتها له.
كما قال ابن القيم رحمه الله"والأعمال إنما تتفاوت في القبول والرد بحسب موافقتها للعلم ومخالفتها له، فالعمل الموافق للعلم هو المقبول، والمخالف له هو المردود فالعلم هو الميزان، وهو المحك"
مفتاح دار السعادة :ص 89.
وقال"وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان قوة فمدخول ... "
الفوائد ص 162.
وزيادة الإيمان الحاصلة من جهة العلم تكون من وجوه متعددة: من جهة خروج أهله في طلب العلم، وجلوسهم في حلق الذكر، ومذاكرة بعضهم بعضاً في مسائل العلم، وزيادة معرفتهم بالله وشرعه، وتطبيقهم لما تعلموه، وفيمن تعلم منهم العلم لهم فيه أجر، فهذه جوانب متعددة يزداد به الإيمان بسبب العلم وتحصيله .

قال ابن رجب"فمتى كان العلم نافعًا ووقر في القلب فقد خشع القلب لله وانكسر له وذل هيبة وإجلالًا وخشية ومحبة وتعظيمًا، ومتى خشع القلب لله وذل وانكسر له قنعت النفس بيسير الحلال في الدنيا وشبعت به فأوجب لها ذلك القناعة والزهد في الدنيا ... وأوجب له علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه"فضل علم السلف على علم الخلف (ص 46) بتقديم وتأخير في النقل.
وهذا زيادة إيمان.أما أبواب العلم الشرعي التي يحصل بها زيادة الإيمان فكثيرة جدًا، أجمل بعضها فيما يلي:
الأول- قراءة القرآن الكريم وتدبره:
فإن هذا من أعظم أبواب العلم المؤدية إلى زيادة الإيمان وثباته وقوته، فقد أنزل الله كتابه المبين على عباده هدى ورحمة وضياء ونوراً وبشرى وذكرى للذاكرين.قال الله تعالى" وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ"
سورة الأنعام، الآية: 92.
.وقال تعالى "وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"
سورة الأنعام، الآية: 155.
.وقال تعالى"وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"
سورة الأعراف، الآية: 52.
-هنا-
وقال تعالى"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" سورة النحل، الآية: 89.
.وقال تعالى"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ"
سورة ص، الآية 29.
وقال تعالى"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرًا"
سورة الإسراء، الآية: 9.
وقال تعالى"وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا "
سورة الإسراء، الآية: 82.
.وقال تعالى"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"
سورة ق، الآية: 37.
فهذه الآيات الكريمات فيها فضل القرآن الكريم كتاب رب العالمين، وأن الله جعله مباركاً وهدى للعالمين، وجعل فيه شفاء من الأسقام سيما أسقام القلوب وأمراضها من شبهات وشهوات، وجعله بشرى ورحمة للعالمين وذكرى للذاكرين، وجعله يهدي للتي هي أقوم، وصرف فيه من الآيات والوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرى.فالذي يقرأ كتاب الله ويتدبر آياته ويتأملها، يجد فيه من العلوم والمعارف ما يقوي إيمانه ويزيده وينميه، ذلك أنه يجد في خطاب القرآن..
ملكًا له الملك كله، وله الحمد كله أزمة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه، مستوياً على عرشه، لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته، عالماً بما في نفوس عبيده، مطلعاً على أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهن، ويخلق ويرزق، ويميت ويحي، ويقدر ويقضي ويدبر، ويدعو عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فيذكرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء.ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم، وأحسن أوصافهم، ويذم أعداءه بسيء أعمالهم، وقبيح صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوع الأدلة والبراهين، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق، ويهدي السبيل، ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها، ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها وآلامها، ويذكر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكر غناه عنهم وعن جميع الموجودات وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه بنفسه، وإنه لا ينال أحد ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته، ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته.ويشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب، وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم، وغافر زلاتهم، ومقيم أعذارهم، ومصلح فاسدهم، والدافع عنهم
والمحامي عنهم، والناصر لهم، والكفيل بمصالحهم، والمنجى لهم من كل كرب، والموفي لهم بوعده وأنه وليهم الذي لا ولي لهم سواه، فهو مولاهم الحق، ونصيرهم على عدوهم، فنعم المولى ونعم النصير.فلا يزال العبد يستفيد من هذا التدبر لكتاب الله، ويشهد قلبه فيه من العلوم ما يزيد في إيمانه ويقويه، وكيف لا؟ وهو يجد في القرآن ملكاً عظيماً رحيماً جواداً جميلاً هذا شأنه، فكيف لا يحبه وينافس في القرب منه، وينفق أنفاسه في التودد إليه، وكيف لا يكون أحب إليه مما سواه، وكيف لا يؤثر رضاه عن رضى كل من سواه، وكيف لا يلهج بذكره، ويصير حبه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤه وقوته ودواؤه، بحيث إن فقد ذلك فسد وهلك، ولم ينتفع بحياته.انظر الفوائد لابن القيم :ص 58- 60.
.قال الآجرى رحمه الله"ومن تدبر كلامه عرف الرب عز وجل، وعرف عظيم سلطانه وقدرته، وعرف عظيم تفضله على المؤمنين، وعرف ما عليه من فرض عبادته، فألزم نفسه الواجب، فحذر مما حذره مولاه الكريم، فرغب فيما رغبه، ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره كان القرآن له شفاءً فاستغنى بلا مال، وعز بلا عشيرة، وأنس مما يستوحش منه غيره، وكان همه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها متى أتعظ بما أتلو، ولم يكن مراده متى أختم السورة، وإنما مراده متى اعقل عن الله الخطاب، متى ازدجر متى اعتبر لأن تلاوة القرآن عبادة، لا تكون بغفلة، والله الموفق لذلك"
أخلاق حملة القرآن للآجري :ص 10.
ولهذا فإن الله الكريم أمر عباده وحثهم على تدبر القران فقال
سبحانه"أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرًا" سورة النساء، الآية: 82.
وقال"أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"
سورة محمد، الآية: 24.
.وأخبر سبحانه أنه إنما أنزله لتتدبر آياته، فقال"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ"
سورة ص، الآية: 29.
.وبين سبحانه أن سبب عدم هداية من أضل عن الصراط المستقيم، هو تركه لتدبر القرآن واستكباره عن سماعه، فقال"قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ"
سورة المؤمنون، الآيتان: 67- 68.
.وأخبر سبحانه عن القرآن أنه يزيد المؤمنين إيماناً إذا قرأوه وتدبروا آياته، فقال سبحانه"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"
سورة الأنفال، الآية: 2..وأخبر عن صالح أهل الكتاب أن القرآن إذا تلي عليهم يخرون للأذقان سجدًا يبكون ويزيدهم خشوعًا وإيمانًا وتسليمًا، فقال سبحانه"قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا" سورة الإسراء، الآيات: 107، 108، 109.
.وأخبر سبحانه أنه لو أنزل القرآن الكريم على جبل لخشع وتصدع من خشية الله عز وجل، وجعل هذا مثلاً للناس يبين لهم عظمة القرآن، فقال"لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"
سورة الحشر، الآية: 21.
.ووصفه بأنه أحسن الحديث، وأنه ثنى فيه من الآيات وردد القول فيه ليفهم، وأن جلود الأبرار عند سماعه تقشعر خشية وخوفاً، فقال"اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ"
سورة الزمر، الآية: 23.
.وعاتب سبحانه المؤمنين على عدم خشوعهم عند سماع القرآن، وحذرهم من مشابهة الكفار في ذلك، فقال"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"
سورة الحديد، الآية: 16.
.فهذه الآيات المتقدمة فيها أوضح دلالة على أهمية القرآن ولزوم العناية به وعلى قوة أثره على القلوب، وأنه أعظم شيء يزيد الإيمان، سيما إذا كانت القراءة بتدبر وتأمل ومحاولة لفهم معانيه.قال ابن القيم رحمه الله"وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة
القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن ... "مفتاح دار السعادة ص 204.
وقال محمد رشيد رضا"واعلم أن قوة الدين وكمال الإيمان واليقين لا يحصلان إلا بكثرة قراءة القرآن واستماعه مع التدبر بنية الاهتداء به والعمل بأمره ونهيه. فالإيمان الإذعاني الصحيح يزداد ويقوى وينمي وتترتب عليه آثاره من الأعمال الصالحة وترك المعاصي والفساد بقدر تدبر القرآن، وينقص ويضعف على هذه النسبة من ترك تدبره وما آمن أكثر العرب إلا بسماعه وفهمه، ولا فتحوا الأقطار ومصروا الأمصار، واتسع عمرانهم، وعظم سلطانهم، إلا بتأثير هدايته، وما كان الجاحدون المعاندون من زعماء مكة يجاهدون النبي ويصدونه عن تبليغ دعوة ربه إلا بمنعه من قراءة القرآن على الناس"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ"
سورة فصلت، الآية: 26..

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-15-2020, 11:49 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,267
وما ضعف الإسلام مند القرون الوسطى حتى زال أكثر ملكه إلا بهجر تدبر القرآن وتلاوته والعمل به"1.فالقرآن الكريم هو من أعظم مقويات الإيمان، وانفع دواعي زيادته، وهو يزيد إيمان العبد من وجوه متعددة.
قال ابن سعدي:
"ويقويه من وجوه كثيرة، فالمؤمن بمجرد ما يتلو آيات الله، ويعرف ما ركب عليه من الأخبار الصادقة والأحكام الحسنة يحصل له من أمور الإيمان خير كير، فكيف إذا أحسن تأمله، وفهم مقاصده وأسراره"
التوضيح والبيان لشجرة الإيمان :ص 27 .
.
لكن ينبغي أن يعلم أن زيادة الإيمان التي تكون بقراءة القرآن لا تكون إلا لمن اعتنى بفهم القرآن وتطبيقه والعمل به، لا أن يقرأه قراءة مجردة دون فهم أو تدبر وإلا فكم قارئ، للقرآن والقرآن حجيجه وخصيمه يوم القيامة.فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوماً ويضع آخرين"
رواه مسلم 1/ 559
.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال" ... والقرآن حجة لك أو عيك" رواه مسلم في صحيحه.
فهو حجة لك ويزيد في إيمانك إن عملت به، وحجة علبك وينقص إيمانك إن فرطت به وأهملت حدوده.
هنا-
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 05:06 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر