العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 06-07-2017, 04:03 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
مجلس رقم 19

"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ( 19 " إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا " 20 .
يقول تعالى"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ " أي: من نومهم الطويل "لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ" أي: ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبثهم.
" قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ " وهذا مبني على ظن القائل، وكأنهم وقع عندهم اشتباه. في طول مدتهم، فلهذا " قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ " فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء، جملة وتفصيلا ولعل الله تعالى - بعد ذلك- أطلعهم على مدة لبثهم، لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم، وأخبر أنهم تساءلوا، وتكلموا بمبلغ ما عندهم، وصار آخر أمرهم، الاشتباه، فلا بد أن يكون قد أخبرهم يقينا، علمنا ذلك من حكمته في بعثهم، وأنه لا يفعل ذلك عبثا. ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك، وبما ذكر فيما بعده من قوله. "وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا "فلولا أنه حصل العلم بحالهم، لم يكونوا دليلا على ما ذكر، ثم إنهم لما تساءلوا بينهم، وجرى منهم ما أخبر الله به، أرسلوا أحدهم بورقهم، أي: بالدراهم، التي كانت معهم، ليشتري لهم طعاما يأكلونه، من المدينة التي خرجوا منها، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه، أي: أطيبه وألذه، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه، وأن يختفي في ذلك، ويخفي حال إخوانه، ولا يشعرن بهم أحدا. وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم، وظهورهم عليهم، أنهم بين أمرين، إما الرجم بالحجارة، فيقتلونهم أشنع قتلة، لحنقهم عليهم وعلى دينهم، وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتم، وفي هذه الحال، لا يفلحون أبدا، بل يخسرون في دينهم ودنياهم وأخراهم، وقد دلت هاتان الآيتان، على عدة فوائد.
منها: الحث على العلم، وعلى المباحثة فيه، لكون الله بعثهم لأجل ذلك.
ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم، أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده.
ومنها: صحة الوكالة في البيع والشراء، وصحة الشركة في ذلك.
ومنها: جواز أكل الطيبات، والمطاعم اللذيذة، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه لقوله " فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ " وخصوصا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين، القائلين بأن هؤلاء أولاد ملوك لكونهم أمروه بأزكى الأطعمة، التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها.
ومنها: الحث على التحرز، والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين.
ومنها: شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة، في دينهم وتركهم أوطانهم ؛في الله.
ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد، الداعية لبغضه، وتركه، وأن هذه الطريقة، هي طريقة المؤمنين المتقدمين، والمتأخرين لقولهم: " وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا"
تفسير السعدي

"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا "*". قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ" أي كما فعلنا بهم من هذه العناية من تيسير الكهف لهم، وإنامتهم هذه المدة الطويلة، بعثهم الله، أي مثل هذا الفعل بعثناهم، فعلنا بهم فعلاً آخـر، "لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ" كما جرت به العادة أن الناس إذا ناموا يتساءلون إذا قاموا، من الناس من يقول: ماذا رأيت في منامك ومن الناس من يقول: لعلَّ نومك لذيذ أو ما أشبه ذلك "بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا" ليس المعنى أنهم بعثوا للتساؤل ولكن بعثوا فتساءلوا. فاللام جاءت للعاقبة لا للتعليل، كما في قوله تعالى"فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا" القصص: 8 ، اللام ليست للتعليل أبداً، ولا يمكن أن تكون للتعليل لأن آل فرعون لم يلتقطوه ليكون لهم عدوًا وحزنًا، ولكنهم التقطوه فكان لهم عدوًا وحزنًا.
"قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ" كما جرت العادة، أي كم مدة لبثتم؟ "قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" "لَبِثْنَا يَوْمًا" أي كاملاً.
"قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" أي بعض اليوم، ذلك لأنهم دخلوا في أول النهار وبُعثوا من النوم في آخر النهار، فقالوا"قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" إن كان هذا هو اليوم الثاني أو "قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" إن كان هذا هو اليوم الأول، وهذا مما يدل على عمق نومهم.
"قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ" أي قال بعضهم لبعض، وكأن هؤلاء القائلين قد شعروا بأن النومة طويلة ولكن لا يستطيعون أن يُحدِّدوا، أمَّا الأولون فحددوا بناءً على الظاهر، وأما الآخرون فلم يحددوا بناء على الواقع، لأن الإنسان يفرق بين النوم اليسير والنوم الكثير، ثم قال بعضهم لبعض:
"فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ" الوَرِق: هو الفضة كما جاء في الحديث: «وفي الرِّقةِ رُبْع العُشْرِ».هنا. الراوي: أبو بكر الصديق المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1454-خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
.- «وفي الرقة ربع العشر». والرقة: الذهب والفضة. هنا- كان معهم دراهم من الفضة.
"فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ" تضمن هذا:
أولاً: جواز التوكيل في الشراء، والتوكيل في الشراء جائز، وفي البيع جائز أيضاً، فإن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وكَّل أحد أصحابه أن يشتري له أضحية وأعطاه ديناراً، وقال: اشتر أضحية، فاشترى شاتين بالدينار ثم باع إحداهما بدينار فرجع بشاة ودينار، فدعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبارك الله له في بيعه، فكان لواشترى تراباً لربح فيه.صحيح البخاري هنا
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أنه يجوز تصرف الفضولي، أي يجوز للإنسان أن يتصرف بمال غيره إذا علم أن غيره يرضى بذلك، فهؤلاء وكلوا أحدهم أن يذهب إلى المدينة ويأتي برزق.
ثانياً: في هذا أيضاً دليل أنه لا بأس على الإنسان أن يطلب أطيب الطعام لقولهم "فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا".
ثالثاً: فيه دليل أيضاً على ضعف قول الفقهاء: إنه لا يصح الوصف بالأفعل، أي لا يجوز أن أصف المبيع بأنه أطيب كل شيء، فلا تقول: «أبيع عليك برَّاً أفضل ما يكون» لأنه ما من طَيِّب إلاَّ وفوقه أطيب منه، ولكن يقال: هذا يرجع إلى العرف، فأطيب: يعني في ذلك الوقت وفي ذلك المكان، وهل من السنّة ما يشهد لطلب الأزكى من الطعام؟ نعم، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرَّ الصحابة الذين باعوا التمر الرديء بتمر جيد ليطعم النبي صلّى الله عليه وسلّم منه، ولم ينههم عن هذا، وما قال: هذا تَرَفُّه، اتركوا طلب الأطيب، فالإنسان قد فتح الله له في أن يختار الأطيب من الطعام أو الشراب أو المساكن أو الثياب أو المراكب، ما دام الله قد أعطاه القدرة على ذلك فلا يُلام.
"فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ" يعني يشتري ويأتي به، فجمعوا بالتوكيل بين الشراء والإحضار.
"وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا" أي يتعامل بخفية لئلاَّ يُشْعَر بهم فيؤذَون، وهذا يعني أنهم ظنوا أنهم لم يلبثوا إلاَّ قليلاً. ثم علَّلوا هذا؛ أي الأمر بالتلطف والنهي عن الإشعار بقولهم:
"إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا *".
أي أنهم لا بد أنهم يقتلونكم أو يردونكم على أعقابكم بعد إيمانكم "وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا"أي إذا عدتم في ملَّتهم أبداً، وفي هذا دليل على أخذ الحذر من الأعداء بكل وسيلة إلاَّ الوسائل المحرمة؛ فإنها محرمة لا يجوز أن يقع الإنسان فيها.
تفسير العثيمين
"وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا "19.
قوله: " بَعَثْنَاهُمْ " أي: أيقظناهم من نومهم؛ لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتِسْعاً أشبه الموت، فقال "بَعَثْنَاهُمْ " ، والبعْثُ هنا لقضية خاصة بهم، وهي أنْ يسأل بعضهم بعضاً عن مُدّة لُبْثهم في الكهف، وقد انقسموا في سؤالهم هذا إلى فريقين الفريق الأول" قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ.."الكهف: 19.
فَردَّ الفريق الآخر بما تقضيه طبيعة الإنسان في النوم العادي فقال" قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.."الكهف: 19. فالإنسان لا يستطيع تقدير مدّة نومه بالضبط، لكن المعتاد في النوم أن يكون كذلك يوماً أو بعض يوم.
وقد أخذ العلماء من هذا القول أنهم حين تساءلوا هذا السؤال لم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدلُّ على مرور زمن طويل، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها، فلم يتغير مثلاً حالهم من الشباب إلى الشيخوخة، ولم يتغير شعرهم مثلاً إلى البياض؛ لذلك قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدَّروا الزمن المناسب لهذا الشيب.
وهذه وقفة المشدوه حين يُسْأل عن زمن لا يدري مُدته، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده، وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة" قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ.. "البقرة: 259.
لقد حكم على مُدّة لُبْثه بيوم أو بعض يوم؛ لأنه وجد نفسه على الحال التي عهدها لم يتغير منه شيء، فكيف يتأتّى الصدق من الحق سبحانه في قوله "مائة عام" والصدق في قول العُزَيْر بيوم أو بعض يوم؟
لا شكَّ أننا أمام آية من آيات الخالق سبحانه، ومعجزة من معجزاته لا يقدر عليها إلا المالك للزمان والمكان، القابض للزمان ليوم أو بعض يوم، الباسط له إلى مائة عام.
لذلك أظهر الخالق سبحانه في هذه المعجزة الدليل على صدق القولين: ففي طعام العُزَير الذي ظلَّ على حاله طازجاً لم يتغير دليل على يوم أو بعض يوم، وفي حماره الذي رآه عظاماً بالية دليل على المائة عام، فسبحان الذي يجمع الشيء وضده في آن واحد.
ثم يقول تعالى حكاية عنهم" قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ.. "الكهف: 19. وهو قَوْل الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضية التي لا تفيد، واتركوا أمرها لله تعالى. ودائماً يأمرنا الحق سبحانه بأنْ ننقلَ الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء، ونُحوله للأمر المثمر النافع؛ لذلك قالوا: { فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـاذِهِ إِلَىا الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىا طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } [الكهف: 19]
والوَرِق يعني العملة من الفضة، فأرادوا أنْ يرسلوا أحدهم بما معهم من النقود ليشتري لهم من المدينة طعاماً؛ لأنهم بمجرد أن استيقظوا انتهت حالتهم الاستثنائية، وعادوا إلى طبيعتهم؛ لذلك طلبوا الطعام، لكن نلحظ هنا أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أَطيبه وأَطْهره، وأبعده عن الحرام.

وكذلك لم يَفُتْهم أنْ يكونوا على حذر من قومهم، فَمْن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خِلْسة، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها، وما زالوا على حَذَر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم، ويسعَوْن للقضاء عليهم.
ثم يقول الحق سبحانه: " إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ... ".
منقول
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 06-07-2017, 04:11 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
root

مجلس رقم 20

"وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا" 21.

يخبر تعالى, أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف.
وذلك - والله أعلم - بعدما استيقظوا, وبعثوا أحدهم, يشتري لهم طعاما, وأمروه بالاستخفاء والإخفاء.
فأراد الله أمرا, فيه صلاح للناس, وزيادة أجر لهم, وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله, المشاهدة بالعيان, على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد, بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم.
فمن مثبت للوعد والجزاء, ومن ناف لذلك.
فجعل قصتهم, زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين, وحجة على الجاحدين, وصار لهم أجر هذه القضية.
وشهر الله أمرهم, ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم.
" فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا " الله أعلم بحالهم ومآلهم.
وقال من غلب على أمرهم - وهم الذين لهم الأمر: " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا " أي: نعبد الله تعالى فيه, ونتذكر به أحوالهم, وما جرى لهم.
وهذة الحالة محظورة, نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم, وذم فاعليها ولا يدل ذكرها هنا, على عدم ذمها, فإن السياق في شأن أهل الكهف والثناء عليهم, وأن هؤلاء وصل بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم, وحذرهم من الاطلاع عليهم, فوصلت الحال إلى ما ترى.
وفي هذه القصة, دليل على أن من فر بدينه من الفتن, سلمه الله منها.
وأن من حرص على العافية, عافاه الله.
ومن أوى إلى الله, آواه الله, وجعله هداية لغيره.
ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته, كان آخر أمره وعاقبته, العز العظيم, من حيث لا يحتسب " وما عند الله خير للأبرار " .
تفسير السعدي
قوله تعالى"وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ" يعني مثل بعثهم من نومهم، فإن الله أعثر عليهم يعني أطلع عليهم قومهم.
"لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" أطلع الله عليهم قومهم "لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" إما أن المعنى بقيام الساعة الذي كان ينكره هؤلاء أو لأن الله تعالى يُنجي المؤمنين من الكفار، لأن هؤلاء السبعة نجوا من أمة عظيمة تقاتلهم وتنهاهم عن التوحيد.
"وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا" . "وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا" أي قيام الساعة. "وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا" أي لا شك، واقعة لا محالة.
"إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ" متعلقة بأعثرنا، أعثرنا عليهم حتى تنازعوا أمرهم بينهم، تنازعوا فيما بينهم ماذا نفعل بهم؟ أنتركهم أم ماذا نصنع بهم؟
"فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا" يعني ابنوا عليهم بنياناً حتى يكون أثراً من الآثار وحماية لهم.
"رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ" يعني توقفوا في أمرهم كيف يَبقَونَ ثلاث مائة سنة وتسع سنين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتغيرون أيضًا.
"قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ" وهم أمراؤهم "لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا" بدل من أن نبني بنياناً نحوطهم به ونسترهم به ولا يكون لهم أثر "لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا" أي لنجعلن عليهم مسجداً نتخذه مصلى، والظاهر أنهم فعلوا لأن القائل هم الأمراء الذين لهم الغلبة.
هذا الفعل، اتخاذ المساجد على القبور، من وسائل الشرك وقد جاءت شريعتنا بمحاربته حتى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال وهو في سياق الموت: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يُحذِّر ما صنعوا».
*عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال في مرضهِ الذي مات فيه : لعن اللهُ اليهودَ والنصارى، اتخذوا قبورَ أنبيائهمْ مسجدًا . قالت : ولولا ذلك لأبرَزوا قبَرهُ، غير أني أخشى أن يُتخذَ مسجدًا . الراوي: عائشة أم المؤمنين - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1330- خلاصة حكم المحدث:صحيح.
الدرر السنية



ثم قال عزّ وجل مبينًا اختلاف الناس في عددهم:
* * *
"سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا *".
سيقولون ثلاثة، أربعة، خمسة، كيف يمكن أن يكون قولان لغائب واحد؟ هذا يخرج على وجهين:
الوجه الأول: أن المعنى سيقول بعضهم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول البعض الآخر: خمسة سادسهم كلبهم، ويقول البعض الثالث: سبعة وثامنهم كلبهم.
والوجه الثاني: أن المعنى أنهم سيترددون؛ مرة يقولون: ثلاثة، ومرة يقولون: خمسة، ومرة يقولون: سبعة. وكلاهما محتمل ولا يتنافيان، فتَجدُهم أحياناً يقولون كذا، وأحياناً يقولون كذا؛ حسب ما يكون في أذهانهم.
قال الله تعالى"رَجْمًا بِالْغَيْبِ" قاله في الذين قالوا"ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ" و"خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ"، كلا القولين قال الله تعالى إنهم قالوه"رَجْمًا بِالْغَيْبِ" أي راجمين بالغيب، وليس عندهم يقين.
"وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ" ولم يقل: رجماً بالغيب، بل سكت سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم، لأن الله عندما أبطل القولين الأولين، وسكت عن الثالث صار الثالث صواباً،
نظيره قول الله تبارك وتعالى في المشركين إذا فعلوا فاحشة: "وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا" هذا واحد، "وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا" هذا اثنان، قال الله تعالى: "قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"الأعراف: 28 ، فأبطل قولهم"وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا" وسكت عن الأول؛ فدل على أن الأول"وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا" صحيح، وهنا لما قال"رَجْمًا بِالْغَيْبِ" في القولين الأولين، وسكت عن الثالث دل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم.
-وقال غير الشيخ العثيمين : مما يدُّل على أنه الأقرب
للصواب
- انتهى.

"قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ" يعني إذا حصل نزاع فقل للناس"رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ" وهل أعلمنا الله بعدتهم؟
الجواب: نعم؛ أعلمنا بأنهم سبعة وثامنهم كلبهم، يعني فإذا كان الله أعلم بعدتهم فالواجب أن نرجع إلى ما أعلمنا الله به، ونقول جازمين بأن عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم.
"مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ" أي ما يعلمهم قبل إعلام الله أنهم سبعة وثامنهم كلبهم إلاَّ قليل.
"فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ" أي في شأنهم، في زمانهم، في مكانهم، في مآلهم.
"فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا" أي لا يصل إلى القلب لأنه إذا وصل الجدال إلى القلب اشتد المجادل، وغضب وانتفخت أوداجه وتأثر، لكن لما لم يكن للجدال فيهم كبير فائدة قال الله تعالى"فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا" يعني إلاَّ مراءً على اللسان لا يصل إلى القلب، ويؤخذ من هذا أن ما لا فائدة للجدال فيه لا ينبغي للإنسان أن يتعب قلبه في الجدال به، وهذا يقع كثيراً؛ أحياناً يحتمي بعض الناس إذا جودل في شيء لا فائدة فيه، فنقول: «يا أخي لا تتعب، اجعل جدالك ظاهراً على اللسان فقط لا يصل إلى القلب فتحتمي وتغضب»، وهذا يدل على أن ما لا خير فيه فلا ينبغي التعمق فيه، وهذا كثير، وأكثر ما يوجد في علم الكلام، فإن علماء الكلام الذين خاضوا في التوحيد وفي العقيدة يأتون بأشياء لا فائدة منها، مثل قولهم: «تسلسل الحوادث في الأزل وفي المستقبل» وما شابه ذلك من الكلام الفارغ الذي لا داعيَ له، وهم يكتبون الصفحات في تحرير هذه المسألة نفياً أو إثباتاً مع أنه لا طائل تحتها، فالشيء الذي ليس فيه فائدة لا تتعب نفسك فيه، وإذا رأيت من صاحبك المجادلة فقل له: «تأمل الموضوع» وسدَّ الباب.
"وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا" أي ولا تستفت في أهل الكهف"وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا" أي من الناس سواءٌ من أهل الكتاب أم من غيرهم أحداً عن حالهم وزمانهم ومكانهم، وفيه إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يستفتي من ليس أهلاً للإفتاء، حتى وإن زعم أن عنده علماً فلا تَسْتَفْتِهِ إذا لم يكن أهلاً.
تفسير العثيمين

ثم يأتي القول الفَصْل في هذه المسألة" قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ"الكهف: 22. فلم يُبيّن لنا الحق سبحانه عددهم الحقيقي، وأمرنا أن نترك هذا لعلمه سبحانه، ولا نبحث في أمر لا طائل منه، ولا فائدة من ورائه، فالمهم أنْ يثبت أَصْل القصة وهو: الفتية الأشدّاء في دينهم والذين فَرُّوا به وضَحَّوْا في سبيله حتى لا يفتنهم أهل الكفر والطغيان، وقد لجأوا إلى الكهف ففعل الله بهم ما فعل، وجعلهم آيةً وعبرةً ومثَلاً وقدْوة.
أما فرعيات القصة فهي أمور ثانوية لا تُقدّم ولا تُؤخّر؛ لذلك قال تعالى بعدها" فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا "الكهف: 22. أي: لا تجادل في أمرهم.
ثم يأتي فضول الناس ليسألوا عن زمن القصة ومكانها، وعن أشخاصها وعددهم وأسمائهم، حتى كلبهم تكلموا في اسمه. وهذه كلُّها أمور ثانوية لا تنفع في القصة ولا تضرُّ، ويجب هنا أن نعلم أن القَصَص القرآني حين يبهم أبطاله يبهمهم لحكمة، فلو تأملتَ إبهام الأشخاص في قصة أهل الكهف لوجدته عَيْن البيان لأصل القصة؛ لأن القرآن لو أخبرنا مثلاً عن مكان هؤلاء الفتية لقال البعض: إن هذا الحدث من الفتية خاص بهذا المكان؛ لأنه كان فيه قدر من حرية الرأي.
ولو حدد زمانهم لَقال البعض: لقد حدث ما حدث منهم؛ لأن زمانهم كان من الممكن أن يتأتّى فيه مثل هذا العمل، ولو حدد الأشخاص وعيَّنهم لقالوا: هؤلاء أشخاص لا يتكررون مرة أخرى.
لذلك أبهمهم الله لتتحقّق الفائدة المرجوّة من القصة، أبهمهم زماناً، أبهمهم مكاناً، وأبهمهم عدداً، وأبهمهم أشخاصاً ليشيع خبرهم بهذا الوصف في الدنيا كلها لا يرتبط بزمان ولا مكان ولا أشخاص، فحمل راية الحق، والقيام به أمر واجب وشائع في الزمان والمكان والأشخاص، وهذا هو عَيْن البيان للقصة، وهذا هو المغزى من هذه القصة.
وانظر إلى قوله تبارك وتعالى" وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ "غافر: 28.
هكذا " رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ " دون أن يذكر عنه شيئاً، فالمهم أن الرجولة في الإيمان، أيّاً كان هذا المؤمن في أيّ زمان، وفي أيّ مكان، وبأيّ اسم، وبأيّ صفة.
كذلك في قوله تعالى:{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ.. }[التحريم: 10] ولم يذكر عنهما شيئاً، ولم يُشخِّصهما؛ لأن التشخيص هنا لا يفيد، فالمهم والمراد من الآية بيانُ أن الهداية بيد الله وحده، وأن النبي المرسَل من الله لم يستطع هداية زوجته وأقرب الناس إليه، وأن للمرأة حريةً عَقَيدة مُطْلقة.

وكذلك في قوله" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ.."التحريم: 11. ولم يذكر لنا مَنْ هي، ولم يُشخِّصها؛ لأن تعيُّنها لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر، المهم أن نعلم أن فرعونَ الذي ادَّعى الألوهية وبكل جبروته وسلطانه لم يستطع أنْ يحمل امرأته على الإيمان به.
إذن: العقيدة والإيمان أمر شخصيّ قلبي، لا يُجبر عليه الإنسان، وها هي امرأة فرعون تؤمن بالله وتقول"
رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "التحريم: 11.
أما في قصة مريم، فيقول تعالى"
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ.. "التحريم: 12. فشخَّصها باسمها، بل واسم أبيها، لماذا؟ قالوا: لأن الحدث الذي ستتعرَّض له حَدَثٌ فريد وشيء خاصٌّ بها لن يتكرر في غيرها؛ لذلك عيَّنها الله وعرَّفها، أما الأمر العام الذي يتكرر، فمن الحكمة أنْ يظلَّ مُبْهماً غير مرتبط بشخص أو زمان أو مكان، كما في قصة أهل الكهف، فقد أبهمها الله سبحانه لتكون مثالاً وقُدْوة لكل مؤمن في كل زمان ومكان.
منقول
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 06-07-2017, 04:18 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
مجلس رقم 21
و
مجلس رقم 22

"وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا" *23"إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" *24.(24) (الكهف)

"وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا"إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ...
هذا النهي كغيره, وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صلى الله عليه وسلم فإن الخطاب عام للمكلفين.
فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة " إني فاعل ذلك " من دون أن يقرنه بمشيئة الله, وذلك لما فيه من المحذور, وهو: الكلام على الغيوب المستقبلة, التي لا يدري, هل يفعلها أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا.
وذلك محذور محظور1, لأن المشيئة كلها لله "
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ التكوير .29" ولما في ذكر مشيئة الله, من تيسير الأمر وتسهيله, وحصول البركة فيه, والاستعانة من العبد لربه, ولما كان العبد بشرا, لا بد أن يسهو عن ذكر المشيئة, أمره الله أن يستثنى بعد ذلك, إذا ذكر, ليحصل المطلوب, وينفع المحذور.
ويؤخذ من عموم قوله " وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ " الأمر بذكر الله عند النسيان, فإنه يزيله, ويذكر العبد ما سها عنه.
وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله, أن يذكر ربه, ولا يكونن من الغافلين.
ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة, وعدم الخطأ, في أقواله وأفعاله, أمره الله أن يقول: " عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا " .
فأمره أن يدعو الله ويرجوه, ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد.
وحري بعبد, تكون هذه حاله, ثم يبذل جهده, ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد, أن يوفق لذلك, وأن يأتيه المعونة من ربه, وأن يسدده في جميع أموره.
تفسير السعدي

المحْذور
  1. المحْذور - محْذور : المحْذور : ما يُتّقَى ويُحْتَرَز منه . وفي التنزيل العزيز : الإسراء آية 57 "إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا " .المعجم: المعجم الوسيط
محظور1
مَحْظور : جمع مَحظورات :
1 - اسم مفعول من حظَرَ .
2 - محرَّم ممنوع
• الضَّرورات تبيح المحظورات : الحاجات الملحّة تجيز ما لا يجوز في حدود الضرورة الشرعيّة
المعجم: اللغة العربية المعاصر


  1. وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا *إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا *". قوله تعالى: "وَلاَ تَقُولَنَّ" الخطاب هنا للرسول صلّى الله عليه وسلّم كالخطاب الذي قبله أي في شيء "إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا" ذكروا1 أن قريشًا أرسلت إلى اليهود في المدينة وقالوا: إن رجلاً بعث فينا يقول: إنه نبي، فقالوا: اسألوه عن ثلاثة أشياء:
    1 ـ عن فتية خرجوا من مدينتهم ولجأوا إلى غار، ما شأنهم.
    2 ـ وعن رجل مَلَكَ مشارق الأرض ومغاربها.
    3 ـ وعن الروح، ثلاثة أشياء؛ فسألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أصحاب الكهف، فقال: «أخبركم غداً»، فتوقف الوحي نحو خمسة عشر يوماً، لم ينْزل عليه الوحي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يدري عن قصص السابقين كما قال تعالى"وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ" العنكبوت: 48 . ولكن الله اختبره، فأمسك الوحي خمسة عشر يوماً، كما ابتلى سليمان عليه الصلاة والسلام لما قال: «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله»، فقال له الملك: «قل إن شاء الله». فلم يقل وطاف على تسعين امرأة يجامعهن، وما الذي حصل؟ أتت واحدة منهن بشق إنسان**
  2. "قالَ سُلَيْمانُ بنُ داود: لأطوفنَّ اللَّيلةَ على تسعينَ امرأةً، كلُّهنَّ يأتي بفارسٍ يجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، فقالَ لَهُ صاحبُهُ : إن شاءَ اللَّهُ ، فلم يقُلْ : إن شاءَ اللَّهُ ، فطافَ عليهنَّ جميعًا، فلم تحمِل منهنَّ إلَّا امرأةٌ واحدةٌ جاءت بشقِّ رجلٍ، وأيمُ الَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ، لو قال: إن شاءَ اللَّهُ ، لجاهدوا في سبيلِ اللَّهِ فِرسانًا أجمعينَ" الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3840-خلاصة حكم المحدث: صحيح
    الدرر السنية

    ، حتى يُري الله عباده أن الأمر أمره وأن الإنسان مهما بلغ في المرتبة عند الله تعالى والوجاهة؛ فإنه لا مفر له من أمر الله.
    مكث الوحي خمسة عشر يوماً، ومن المعلوم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سيلحقه الغم والهم لئلاَّ يتخذ هؤلاء القوم مِن تأخرِ إخباره بذلك وسيلةً إلى تكذيبه، والحقيقة أن هذا ليس وسيلة للتكذيب، يعني قد يقولون وعدَنا محمد بأن يخبرنا غداً ولم يفعل فأين الوحي الذي يدّعي أنه ينْزِل عليه؟ ولكن نقول: إنَّ تأخر الوحي وتأخر إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك يدل على صدقه، لأنه لو كان كاذباً لصنع قصة فيما بين ليلة وضحاها، وقال: هذه قصتهم، فتأخر الوحي والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يخبرهم يدل على كمال صدقه عليه الصلاة والسلام.
    إلاَّ قولاً مقرونًا بمشيئة الله، فقرْنُ ذلك بمشيئة الله يستفيد منه الإنسان فائدتين عظيمتين:
    إحداهما: أن الله ييسر الأمر له حيث فوضه إليه جلَّ وعلا.
    والثانية: إن لم يفعل لم يحنث.
    فيستفاد من قوله"إِنِّي فَاعِلٌ" أنه لو قال: سأفعل هذا على سبيل الخبر لا على سبيل الجزم بوقوع الفعل، فإن ذلك لا يلزمه أن يأتي بالمشيئة، يعني لو قال لك صاحبك: «هل تمر عليَّ غدًا؟» فقلت: «نعم» ولم تقل: إن شاء الله فلا بأس لأن هذا خبر عما في نفسكَ، وما كان في نفسك فقد شاءه الله فلا داعي لتعليقه بالمشيئة، أما إن أردت أنه سيقع ولا بد فقل: إن شاء الله، وجه ذلك أن الأول خبر عمَّا في قلبك، والذي في قلبك حاضر الآن، وأما أنك ستفعل في المستقبل فهذا خبر عن شيء لم يكن ولا تدري هل يكون أو لا يكون، انتبهوا لهذا الفرق؛ إذا قال الإنسان: سأسافر غدًا، فإن كان يخبر عمَّا في قلبه فلا يحتاج أن يقول: إن شاء الله، لماذا؟ لأنه خبر عن شيء واقع، أما إذا كان يريد بقوله: سأسافر، أنني سأنشئ السفر وأسافر فعلاً، فهنا لا بد أن يقول: إن شاء الله، ولهذا كانت الآية الكريمة"إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا" ولم تكن إني سأفعل، بل قال"إِنِّي فَاعِلٌ"، فلا تقل لشيء مستقبل إني فاعله إلاَّ أن يكون مقروناً بمشيئة الله.
    "وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ" يعني اذكر أمر ربِّك بأن تقول: «إن شاء الله» إذا نسيت أن تقولها، لأن الإنسان قد ينسى وإذا نسي فقد قال الله تعالى: "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا"البقرة: 286. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»."**
  3. "إنَّهُ ليسَ في النَّومِ تفريطٌ ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظةِ ، فإذا نسيَ أحدُكم صلاةً ، أو نامَ عنْها ، فليُصلِّها إذا ذَكرَها" الراوي: أبو قتادة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 177-خلاصة حكم المحدث: صحيح
    الدرر السنية


    فالمشيئة إذا نسيها الإنسان فإنه يقولها إذا ذكرها، ولكن هل تنفعه، بمعنى أنه لو حنِث في يمينه فهل تسقط عنه الكفارة إذا كان قالها متأخراً؟ من العلماء من قال: إنها تنفعه حتى لو لم يذكر الله إلاَّ بعد يوم أو يومين أو سنة أو سنتين، لأن الله أطلق"وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ"، ومن العلماء من قال: لا تنفعه إلاَّ إذا ذكر في زمن قريب بحيث ينبني الاستثناء على المستثنى منه، وهذا الذي عليه جمهور العلماء، فمثلاً إذا قلت: والله لأفعلن هذا ونسيت أن تقول: إن شاء الله، ثم ذكرت بعد عشرة أيام فقلت: إن شاء الله، ثم لم تفعل بناء على أن من قال: إن شاء الله لم يحنَث، فمن العلماء من قال: ينفعه لأن الله تعالى قال"وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ"، ومنهم من قال: لا ينفعه لأن الكلام لم ينبنِ بعضه على بعض، إذاً ما الفائدة من أمر الله أن نذكره إذا نسينا؟ قال: الفائدة هو ارتفاع الإثم، لأن الله قال: فإذا نسيت، فقلها إذا ذكرت، لكن هل تنفعك فلا تحنث أم يرتفع عنك الإثم دون حكم اليمين؟ الظاهر: الثاني؛ أن يرتفع الإثم، وأما الحنْث فإنه يحنَث لو خالف لأن الاستثناء بالنسبة للحِنْث لا ينبغي إلاَّ أن يكون متصلاً، ثم الاتصال هل يقال: إن الاتصال معناه أن يكون الكلام متواصلاً بعضه مع بعض أو أن الاتصال ما دام بالمجلس؟
    الجواب: فيه خلاف، بعضهم يقول: ما دام في المجلس فهو متصل، وإذا قام عن المجلس فقد انقطع، قالوا: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا» ** " البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لم يتفرَّقَا ، أو قال : حتى يتفرَّقَا ، فإن صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لهما في بيعِهما ، وإن كَتَمَا وكَذَّبَا مُحِقَتْ بركةُ بيعِهما"
  4. الراوي: حكيم بن حزام المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2079خلاصة حكم المحدث: صحيح.
    الدرر السنية

  5. فجعل التفرق فاصلاً، ومنهم من قال: العبرة باتصال الكلام بعضه مع بعض، والظاهر والله أعلم أنه إذا كان في مجلسه، ولم يذكر كلاماً يقطع ما بين الكلاميْن، فإنه ينفعه الاستثناء؛ فلا يحنث.
    ـ[1] ورد هذا في السير في رواية لمحمد بن إسحاق، انظر: «السيرة النبوية» (1/25 ـ 266) لابن هشام، وانظر تفسير ابن كثير (3/99)، والقرطبي (10/346 وما بعدها) في سبب نزول السورة.

    فائدة
    حكم الصلاة على النبي عند النسيان
    إذا نسيتم شيئًا فصلُّوا عليَّ تذكروه إنَّ شاء اللهُ تعالَى الراوي: أنس بن مالك المحدث: السخاوي - المصدر: القول البديع - الصفحة أو الرقم: 326-خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف
    أثناء التحدث ننسى بعض الكلمات فنقول: "اللهم صلِّ على محمد" لكي نتذكر فما حكم ذلك؟ وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

    الجواب

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
    فقد ذكر بعض أهل العلم من مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند النسيان, وروي في ذلك حديث, ولكنه ضعيف جدًّا.
    وراجع الفتوى رقم: 45290.والله أعلم.
    إسلام ويب
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 06-07-2017, 04:30 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

مجلس رقم 23

"وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" «عسى» بمعنى الرجاء إذا وقعت من المخلوق، فإن كانت من الخالق فهي للوقوع، فقول الله تبارك وتعالى" إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا "النساء: 98 ـ 99 ، نقول: عسى هنا واقعة، وقال الله عزّ وجل"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ *"التوبة: 18 . أما من الإنسان فهي للرجاء، كقوله: "وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي"هذه للرجاء.
"أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي" أي يدلني إلى الطريق، ولهذا قال "لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" أي هداية وتوفيقاً، وقد فعل الله، فهداه في شأن أصحاب الكهف للرشد.
تفسير العثيمين
يَسبِق إلى أفهام كثيرٍ من النَّاس أن الله - سبحانه وتعالى - اختَصَّ عبادَه بالهداية،
وحرَم آخَرين حقًّا من حُقوقِهم، ولو أراد الله أن يهدِيَهم لهداهم، بل يحتَجُّون بالقدر لما يصدر عنهم من كفر أو معصية أو تقصير، زاعِمين أن مَشِيئة الله نافذة وغالبة، بل يحتَجُّون على تَواكُلهم وتَقصِيرهم عن الواجب وتغيير ما بأنفسهم بآيات من القرآن الكريم يقطعونها من سياقها ولا يفهمون معناها؛ من ذلك قول الله - تعالى "مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا"الكهف: 17،"وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا" السجدة: 13، وهذا مصدر خطأ كبير في فَهْمِ مسألة سبْق القضاء بالهداية والضَّلاَل، والقرآن يُوضِّح لنا ما في هذه القضيَّة من لبس حين نَعرِف أنَّ الهداية الوارِدَة في القرآن الكريم على أنواع.

وهذه المسألة - مسألة الهُدَى والضَّلال - هي قلب أبواب القدر ومسائله، فإن أفضل ما يقدره الله للعبد هو الهُدَى؛ فهو من أعظم النِّعَم، وأعظم ما يبتَلِيه به ويقدره عليه هو الضَّلال، وقد اتَّفقَتْ رسل الله جميعًا وكذلك كتبه المنزلة على أن الله يُضِلُّ مَن يشاء ويهدي مَن يشاء، فالهدى والإضلال بيده لا بيد العبد، أمَّا طلب الهداية والسعي إليها من طلب العبد وكسبه.لذلك كان من الضروري ذكر مَراتِب الهداية كما وردَتْ في القرآن الكريم، وتتلخَّص في أربع مَراتِب،
هي:1- الهداية العامَّة.2 - هداية الدلالة والبيان، والإرشاد والتعليم.3 - هداية التوفيق والمعونة.
4 - الهداية إلى الجنَّة والنَّار يوم القيامة.
المرتبة الأولى: الهداية العامَّة:وهي هداية عامَّة لجميع الكائنات، فالله قد هَدَى كلَّ نفس إلى ما يُصلِح شأنها ومعاشها، وفطَرَها على جلب النافع، ودفع الضارِّ عنها، وهذه أعمُّ مَراتِب الهداية.والله - عزَّ وجلَّ - يقول:"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى" الأعلى: 1 - 3، وفيها ذَكَرَ الله أربعة أمور عامَّة وهي: الخلق، والتسوِيَة، والتقدير، والهداية، وجعَلَ التسوِيَة من تَمام الخلق، والهداية من تَمام التقدير، وبذلك تَكُون التسوِيَة والهداية كمالَيْن للخلق والتقدير؛ "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ" السجدة: 7.فالخلق والتسوِيَة يشمَل الإنسان وغيره؛"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" البقرة: 29، "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا" الشمس: 7، ومن أمثلة ومعاني الهداية العامَّة الخاصَّة بالتسوِيَة والتقدير للمخلوقات عامَّة: الإنسان والحيوان، والطير والدوابُّ، فإن الله قد خَلَقَ الذكر والأنثى، فهَدَى الذكر للأُنثَى كيف يأتِيها، واختِلاف ذُكران الحيوان لإناثه مُختَلِف لاختِلاف الصور والخلق والهيئات، فلولا أنه - سبحانه - جعَلَ كلَّ ذكر على معرفة كيف يأتي أنثى جِنسِه لما اهتَدَى لذلك، أو هَداه لِمَعاشِه ومَرعَاه، وكذلك تقديره - سبحانه - للجَنِين في الرَّحِم ثم هَداه للخُروج.
وأنواع الهداية كثيرةٌ لا يُحصِيها إلا الله؛ مثل: هداية النحل إلى سلوك السُّبُل التي فيها مَراعِيها على تبايُنِها واختلافها، ثم عودها إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يعرش بنو آدم؛ "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ" النحل: 68، وكذلك هدايته - سبحانه - للنملة كيف تخرج من بيتها وتطلُب قُوتَها من هنا وهناك، وكيف خاطبَتْ أصحابها، وأمرَتْهم بأن يدخلوا مساكنهم؛ "قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ" النمل: 18.وهذه الحقيقة الكُبرَى ماثِلَة في كلِّ شيء في هذا الوجود يشهَد لها كلُّ شيء في الوجود من الكبير إلى الصغير، كلُّ شيء مُسَوى في صنعته، كامل في خلقته، مُعَدٌّ لأداء وظيفته، مُقَدَّر له غايته ووجوده، وهو مُيَسَّر لتَحقِيق هذه الغايَة من أيسر طريق، وجميع الأشياء مُجتَمِعة كاملة التناسُق مُيَسَّرة لكي تُؤَدِّي في تجمُّعها دورها الجماعي مثلما هي مُيَسَّرة فُرادَى لكي تُؤَدِّي دورها الفردي، وهذا واضح في الكون المشهود في الذرَّة المفردة والمجموعة الشمسية، كذلك بين الخلية الواحدة وأعطى الكائنات الحيَّة درجات من التنظيمات والتركيبات تدلُّ على الكمال الخلقي والتدبير والتقدير.هذه الحقيقة العميقة الشاملة لكلِّ ما في الوجود يُدرِكها الإنسان ببَصَرِه وبَصِيرته، وبعلمه وملاحظته وتجربته، ويستَطِيع البشر من خِلال العالَم المشهود أن يَتَعرَّف على تسوِيَة الله وهدايته من خلال عالَم النبات والحشرات والطيور والحيوان"مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ" الملك: 3، لكن إن وُجِدَ شيءٌ من التفاوُت وعدم التسوِيَة كالصَّمَم والعَمَى، والخرس والبكم، فهذا يَرجِع إلى عدم إرادة الخالق لهذه التسوِيَة؛ لأن التسوِيَة أمر وجودي مخلوق يَرتَبِط بمشيئة الله وإرادته مُتَعلِّق بالتأثير والإبداع.ومن هذه الآية يَتَّخِذ بعض المعتزلة كالقاضي عبد الجبار (ت: 415هـ) دليلاً على أن الله لم يخلق الباطل لأنه مُتفاوِت، وكذلك لم يخلق الكفر والظلم؛ لأن هذا يَتَنافَى مع حُسْنِ الصنعة والإتقان، والله - تعالى - يقول "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" النمل: 88.وللإجابة عن هذا الفَهْمِ يتلخَّص في الآتي:1 - أنَّ القاضي عبدالجبار قد اقتَطَع الآية من سِياقها، وأخذ جزءًا منها ليستدلَّ بها على مذهبه، وغفل عن بقية الآية.2- أنَّ الآيات التي استدلَّ بها من الواضِح أنها نزلَتْ في غير أفعال العِباد، وأنَّ المقصود نفي التفاوُت عن خلق السموات السبع؛ "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا" الملك: 3، وأن الآية الأخرى - آية النمل - إنما تتحدَّث عن إتقان الجبال لا خلق الأفعال.3 - أنَّ القاضي قد ترك آيات كثيرة صريحة ومُحكَمة تدلُّ على خِلاف مذهبه؛ مثل قوله"وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" الصافات: 96،"اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" الزمر: 62.ومن أثر هذه الهداية الفطرية أنها قادَتْ كلَّ كائن إلى الاعتِراف برَبِّه وذكره؛ قال - تعالى - :"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" الإسراء: 44.وهذا النوع من الهداية - العامَّة الفطريَّة - مُقتَرِنة بالخلق في الدلالة على الربِّ - تبارَك وتعالى - وأسمائه وصفاته وتوحيده؛"قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" طه: 50، وهذا نظير قوله: "قَدَّرَ فَهَدَى"، وهذا الخلق وهذه الهداية من آيات الربوبية والوحدانية، ومن المُلاحَظ أنَّ الجمع بين الخلق والهداية العامَّة قد جاء في القرآن كثيرًا."اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"العلق: 1 - 5، "الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ" الرحمن: 1 - 4، "أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" البلد: 8 - 11،"أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" النمل: 63.فالخلق إعطاء الوجود العيني الخارجي، والهُدَى إعطاء الوجود العلمي الذهني، فهذا خلَقَه وهذا هَدَاه وعلّمه، وكلها عامَّة فيما خلَقَه الله.المرتبة الثانية: هداية الدلالة والبيان والإرشاد:وهذا النوع هو وظيفة الرسل والكتب المنزلة من السماء، وهو خاصٌّ بالمكلَّفين، وهذه الهداية هي التي أثبَتَها لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم – بقوله"وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" الشورى: 52، كما أنَّ هذا النوع من الهداية أخصُّ من التي قبلها، فهي مصدر التكليف ومَناطُه، وبها تقوم حُجَّة الله على عِباده؛ فإن الله - تعالى - لا يُدخِل أحدًا النار إلا بعد إرسال الرسل الذين يُبيِّنون للناس طريق الغيِّ من الرشاد: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"الإسراء: 15، "أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" الزمر: 57، "رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" النساء: 165، يقول ابن كثير: "أي: إنه - تعالى - أنزَلَ كتبه وأرسَلَ رسله بالبشارة والنذارة، وبيَّن ما يحبُّه ويَرضاه ممَّا يكرهه ويأباه؛ لئلاَّ يبقى لمُعتَذِر عذر؛ "وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى" طه: 134].وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - " لا أحد أحب إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك بعَثَ النبيِّين مُبَشِّرين ومُنذِرين".والله - تعالى - لم يمنع أحدًا هذه الهداية، ولم يَحُلْ بين أحدٍ من خلقه وبين هذه الهداية، بل خلَّى بينهم وبينها، ومَنَحَهم من الوَسائل والأدوات التي تُساعِدهم على تقبُّلها والاستِفادة بها؛ كالعقل والفطرة، وأقام لهم بذلك أسباب الهداية ظاهرة وباطنة، ومَن حرَمَه من خلقه بعضًا من هذه الأدوات والوسائل؛ كزوال العقل أو الصِّغَر أو المرض - فقد حطَّ عنه من التكاليف بحسب ما حرَمَه من ذلك؛ قال - تعالى "لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ" النور: 61، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((رُفِع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستَيقِظ، وعن الصبي حتى يَبلُغ، وعن المجنون حتى يفيق))،

"رُفِعَ القلَمُ عن ثَلاثٍ ، عنِ النَّائمِ حتَّى يستَيقظَ ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يَكْبرَ ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يعقلَ أو يُفيقَ" الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3432-خلاصة حكم المحدث: صحيح.الدرر

كما اتَّفق رِجال الأصول على أنه: "إذا أخَذَ ما وهب انقَطَع ما وجب".وهذه الهداية لا تستَلزِم حُصُول التوفيق واتِّباع الحقِّ من العِباد؛ بدليل أنَّ بعض الناس آمَن بدعوة الرسل وبعضهم كفر بها، ولكنَّها سبب في حصول الاهتِداء، والسبب هنا قد اكتَمَل بإرسال الرسل ووصول دعوة وبلاغ الرسل إلى أُمَمِهم، فلا نقص إذًا في السبب، إنما النقص يرجع إلى العبد الذي لم يَقبَل ولم يَنتَفِع بما جاءَتْ به الرسل بسب فساد الفطرة وطغيان المادة؛ قال - تعالى "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" فصلت: 17، "هديناهم"؛ أي: بَيَنَّا لهم ودعوناهم، فاستحبُّوا العَمَى على الهدى؛ أي: بصَّرناهم وبيَّنَّا ووضَّحنا لهم الحقَّ على لسان نبيِّهم صالح، فخالَفُوه وكذَّبُوه وعَقَروا ناقة الله - تعالى - التي هي برهان على صدق نبيِّهم، فعدم الاهتِدَاء واقِعٌ بسبب القُصُور الحادِث في المحلِّ القابِل للأثر وهو الإنسان، وليس في قُصُور السبب، فكانت النتيجة أنْ أضلَّهم الله عقوبة على ترْك الاهتِداء وعدم الاستِجابة لما جاءَتْ به الرسل.وهذا شأن الله في كلِّ نعمة أنعَمَ بها على عباده إذا كفروا؛ فإنه يسلبها منهم بعد أن كانَتْ حظًّا لهم: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" الأنفال: 53، والقرآن الكريم قد قصَّ علينا ما كان من الأُمَم التي أرسل الله إليها رسلاً فلم تستَفِد بهَديِهم؛ فقال يصف حالهم في نار جهنم": كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ" الملك: 8 - 9، فالذي حدث من الله هو الهداية، وكان من العبد التكذيب والضلال، رغم أنه كان في مَقدُورِه أن يَتَّبِع الرسول ويُؤمِن بما جاء به، وليس ذلك شيئًا خارجًا عن قدرته أو فوق طاقته، ففي مثل هذه الحالة فإن الله يُخلِّي بين العبد ونفسه، والنفس بطبعها أمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فإذا وُكِل الإنسان إلى نفسه قادَتْه إلى الهلاك، وهو بذلك يكون قد قُطِع عنه تَوفِيقُه، ولم يُرِد الله أن يُعِينَه على نفسه ليُقبِل العبد بقلبه إلى الله، وهو - سبحانه - إذا فعَل ذلك بأحدٍ من خلقه فليس ظالمًا؛ لأنه لم يسلبه حقًّا له، ولم يمنعه من الدلالة أو البيان، وهذا في مَقدُور العبد فعله، ولكنَّه حرَمَه التوفيق والسداد عدلاً منه في خلقه.المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام والمعونة:وهذه المرتبة أخصُّ من التي قبلها، فهي هداية خاصَّة تأتي بعد هداية البيان؛ تحقيقًا لقوله - تعالى "وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى" مريم: 76، فلا تكون لملك مُقرَّب ولا نبي مُرسَل، إنما هي خاصَّة بالله وحدَه، فلا يقدر عليها إلا هو، ولا يُعطِيها إلا لِمَن حقَّق شروطها واستَوفَى أسبابها."قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" المائدة: 15 - 16.وهذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه الله عن نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - "إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" القصص: 56، "إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ" النحل: 37.وهذا النوع من الهداية يستَلزِم أمرَيْن:أحدهما: فعل الربِّ - تعالى - وهو الهدى بخلق الداعية إلى الفعل والمشيئة له.الثاني: فعل العبد، وهو الاهتِداء وهو نتيجة للفعل الأول "الهدى"؛ قال - تعالى - : "قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ" آل عمران: 73، "مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا" الكهف: 17، ولا سبيل إلى وجود الأثر الذي هو الاهتِداء من العبد إلا بعد وجود المؤثِّر الذي هو الهداية من الله، فإذا لم يحصل فعل الله لم يحصل فعل العبد، وهذا النَّوْعُ من الهداية لا يقدر عليه أحدٌ إلا الله - سبحانه - قال أهل الجنة: "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله".كما أنَّ هذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه القرآن عن الظالمين والفاسقين والكاذبين والمسرف المرتاب، وكلُّ آية في القرآن وردَتْ في نفي الهُدَى فيجب حملها على هذا النوع؛ لأن هذا فضله يختصُّ به مَن يشاء من عباده، ولا حرج في ذلك.المرتبة الرابعة: مرتبة الهداية إلى الجنة والنار يوم القيامة:وهذه المرتبة - وهي آخِر مَراتِب الهداية - وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة، وهو الصراط المُوصِل إليها، فمَن هُدِي في هذه الدار الدنيا إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، هُدِي يوم القيامة إلى الصراط المستقيم، المُوصِل إلى جنَّته ودار ثوابه، وعلى قدر ثُبُوت قدم العبد وسَيْرِه على هذا الصراط الذي نصَبَه الله لعباده في هذه الدار الدنيا، يكون ثُبُوت قدمه وسيره على الصراط المنصوب على متْن جهنم؛ قال - تعالى "احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ"الصافات: 22 - 23، "وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ" محمد: 4- 6، فهذه هداية بعد قتلهم؛ "سَيَهْدِيهِمْ"؛ أي: إلى الجنة، وذلك يفسِّره قوله: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" يونس: 9، "وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ"؛ أي: أمرَهم وحالَهم ويَعصِمهم أيَّام حياتهم في الدنيا، "وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ"؛ أي: عرَّفهم بها وهداهم إليها.هذا، والله الموفِّق والهادي إلى سَواء السبيل، وآخِر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
هنا
هنا
هنا
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 06-07-2017, 04:34 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

مجلس رقم 24

"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا" (25) (الكهف)
لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب*, في شأن أهل الكهف - لعدم علمهم بذلك, وكان الله, عالم الغيب والشهادة, العالم بكل شيء - أخبره الله بمدة لبثهم, وأن علم ذلك, عنده وحده, فإنه من غيب السماوات والأرض, وغيبها مختص به.
فما أخبر به عنها على ألسنة رسله, فهو الحق اليقين, الذي لا شك فيه.
وما لا يطلع رسله عليه, فإن أحدا من الخلق, لا يعلمه.

تفسير السعدي

*"فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا "(22) (الكهف
" فَلَا تُمَارِ " تجادل وتحاج فيهم " إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا " أي: مبنيا على العلم واليقين, ويكون أيضا فيه فائدة.
تفسير السعدي

"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا *".
قوله تعالى" لَبِثُواْ " يعني أصحاب الكهف" فِي كَهْفِهِمْ" الذي اختاروه لأنفسهم وناموا فيه.
"ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ" تكتب اصطلاحًا ثلاثمائة مربوطة: ثلاث مربوطة بمائة، وتكتب مائة بالألف، لكن هذه الألف لا يُنطَق بها، وبعضهم يكتب ثلاث وحدها ومئة وحدها، وهذه قاعدة صحيحة.
وقوله"ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ" "ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ" بالتنوين و "ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ" تمييز مبين لثلاث مائة لأنه لولا كلمة سنين لكنا لا ندري هل ثلاث مائة يوم أو ثلاث مائة أسبوع أو ثلاث مائة سنة؟، فلما قال"ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ" بيَّن ذلك.
"وَازْدَادُوا تِسْعًا" ازدادوا على الثلاث مائة تسع سنين فكان مكثُهم ثلاث مائة وتسع سنين، قد يقول قائل «لماذا لم يقل ثلاث مائة وتسع سنين؟».
فالجواب: هذا بمعنى هذا، لكن القرآن العظيم أبلغ كتاب، فمن أجل تناسب رؤوس الآيات قال"ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا" ، وليس كما قال بعضهم بأن السنين الثلاثمائة بالشمسية وازدادوا تسعاً بالقمرية، فإنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد هذا، من الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى؟ حتى لو وافق أن ثلاث مائة سنين شمسية هي ثلاث مائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا، لأن الحساب عند الله تعالى واحد، وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله؟
الجواب: هي الأهلَّة، ولهذا نقول: إن القول بأن «ثلاث مائة سنين» شمسية، «وازدادوا تسعًا» قمرية قول ضعيف.
أولاً: لا يمكن أن نشهد على الله أنه أراد هذا.
ثانياً: أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة، قال تعالى"هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ"البقرة: 189. وقال تعالى"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ"
تفسير العثيمين
ومن حكمة الخالق سبحانه أن ترتبط التوقيتات في الإسلام بالأهلة، ولك أن تتصور لو ارتبط الحج مثلاً بشهر واحد من التوقيت الشمسي في طقس واحد لا يتغير، فإنْ جاء الحج في الشتاء يظل هكذا في كل عام، وكم في هذا من مشقة على مَنْ لا يناسبهم الحج في فصل الشتاء. والأمر كذلك في الصيام.
أما في التوقيت القمري فإن هذه العبادات تدور بمدار العام، فتأتي هذه العبادات مرة في الصيف، ومرة في الخريف، ومرة في الشتاء، ومرة في الربيع، فيؤدي كل إنسان هذه العبادة في الوقت الذي يناسبه؛ لذلك قالوا: يا زمن وفيك كل الزمن.
والمتأمل في ارتباط شعائر الإسلام بالدورة الفلكية يجد كثيراً من الآيات والعجائب، فلو تتبعتَ مثلاً الأذان للصلاة في ظل هذه الدورة لوجدت أن كلمة " الله أكبر " نداء دائم لا ينقطع في ليل أو نهار من مُلْك الله تعالى، وفي الوقت الذي تنادي فيه " الله أكبر " يُنادي آخر " أشهد ألا إله إلا الله
" وينادي آخر " أشهد أن محمداً رسول الله " وهكذا دواليك في منظومة لا تتوقف.
وكذلك في الصلاة، ففي الوقت الذي تصلي أنت الظهر، هناك آخرون يُصلّون العصر، وآخرون يُصلُّون المغرب، وآخرون يُصلّون العشاء، فلا يخلو كَوْنُ الله في لحظة من اللحظات من قائم أو راكع أو ساجد. إذن: فلفظ الأذان وأفعال الصلاة شائعة في كُلِّ أوقات الزمن، وبكُلّ ألوان العبادة.
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 06-07-2017, 04:42 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

مجلس رقم 25
"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا *"الكهف 26.

وقوله: " أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ " تعجب من كل سمعه وبصره, وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات, بعدما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات.
ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة, فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون, الولي لعباده المؤمنين, يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى, ويجنبهم العسرى, ولهذا قال: " مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ " .
أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف, بلطفه وكرمه, ولم يكلهم إلى أحد من الخلق.
" وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا " وهذا يشمل الحكم الكوني القدري, والحكم الشرعي الديني, فإنه الحاكم في خلقه, قضاء وقدرا, وخلقا وتدبيرا والحاكم فيهم, بأمره ونهيه, وثوابه وعقابه.
تفسير السعدي
قوله تعالى"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" أي قل يا محمد"اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" ، وهذه الجملة تمسك بها من يقول: إنَّ قوله: "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ"الكهف: 25. هي من قول الذين يتحدثون عن مكث أهل الكهف بالكهف وهم اليهود الذين يَدَّعون أن التوراة تدل على هذا، وعلى هذا القول يكون قوله"وَلَبِثُو" مفعولاً لقول محذوف والتقدير: «وقالوا: لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً»، ثم قال: "قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" ولكن هذا القول وإن قال به بعض المفسرين
فالصواب خلافه وأن قوله"وَلَبِثُوا" من قول الله، ويكون قوله"اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" من باب التوكيد أي: توكيد الجملة أنهم لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، والمعنى"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا"وقد أعلَمَنا أنهم لبثوا "ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا" وما دام الله أعلم بما لبثوا فلا قول لأحد بعده.

قال الله عزّ وجل"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا *" أي له ما غاب في السموات والأرض، أو له علم غيب السموات والأرض، وكلا المعنيين حق، والسموات جمع سماء وهي سبع كما هو معروف، والأرض هي أيضاً سبع أرَضين-15، فلا يعلم الغيب ـ علم غيب السموات والأرض ـ إلاَّ الله، فلهذا من ادعى علم الغيب فهو كافر، والمراد بالغيب المستقبل، أما الموجود أو الماضي فمن ادعى علمهما فليس بكافر؛ لأن هذا الشيء قد حصل وعلمه من علمه من الناس، لكن غيب المستقبل لا يكون إلاَّ لله وحده، ولهذا من أتى كاهناً يخبره عن المستقبل وصدَّقه فهو كافر بالله عزّ وجل؛ لأنه مكذب لقوله تعالى" قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"النمل: 65 ، أما ما كان واقعًا؛ فإنه من المعلوم أنه غيب بالنسبة لقوم وشهادة بالنسبة لآخرين.
"أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ" هذا يسميه النحويون فعل تعَجُّب.
"أَبْصِرْ بِهِ" بمعنى ما أبصره.
"وَأَسْمِعْ" بمعنى ما أسمعه، وهو أعلى ما يكون من الوصف، والله تبارك وتعالى يبصر كل شيء، يبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل، ويبصر ما لا تدركه أعين الناس مما هو أخفى وأدق، وكذلك في السمع، يسمع كل شيء، يعلم السر وأخفى من السر ويعلم الجهر "وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى *" طه: 7 . تقول عائشة رضي الله عنها في قصة المجادلة التي ظاهر منها زوجها، وجاءت تشتكي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكانت عائشة في الحجرة، والحجرة صغيرة كما هو معروف، وكان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يحاور المرأة وعائشة يخفى عليها بعض الحديث، والله عزّ وجل يقول"قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"المجادلة: 1 . تقول عائشة رضي الله عنها «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها»،
"الحمدُ للَّهِ الَّذي وسِعَ سمعُهُ الأصواتَ ، لقد جاءَت خَولةُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، تشكو زوجَها ، فَكانَ يَخفَى عليَّ كلامُها فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا الآيةَ" الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3460-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

والله عزّ وجل فوق كل شيء، ومع ذلك سمع قولها ومحاورتها للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفيه الإيمان بأن الله تعالى ذو بصر نافذ لا يغيب عنه شيء وذو سمع ثاقب لا يخفى عليه شيء ، والإيمان بذلك يقتضي للإنسان ألا يُري ربَّه ما يكرهه ولا يُسمعه ما يكرهه؛ لأنك إن عملت أي عمل رآه وإن قلت أي قول سمعه، وهذا يوجب أن تخشى الله عزّ وجل وألا تفعل فعلاً يكرهه ولا تقول قولاً يكرهه الله عزّ وجل، لكن الإيمان ضعيف، فتجد الإنسان عندما يريد أن يقول أو أن يفعل؛ لا يخطر بباله أن الله يسمعه أو يراه إلاَّ إذا نُبِّه، والغفلة كثيرة، فيجب علينا جميعاً أن ننتبه لهذه القضية العظيمة.
"مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" قوله"مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" هل الضمير يعود على أصحاب الكهف أو على من هم في السموات والأرض؟
الجواب: الثاني هو المتعين، يعني ليس لأحد ولي من دون الله، حتى الكفار وليهم الله عزّ وجل وحتى المؤمنون وليهم الله عزّ وجل قال الله تعالى" وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ "الأنعام: 61 ـ 62 . والله ولي كُلِّ أحد، وهذه هي الولاية العامة ، أليس الله تعالى يرزق الكافرين وينمي أجسامهم وييسر لهم ما في السموات والأرض، وسخر الشمس والقمر والنجوم والأمطار؟! هذه ولاية، ويتولى المؤمنين أيضاً بذلك؛ لكن هذه ولاية عامة.
أما الولاية الخاصة، فهي للمؤمنين. قال تعالى"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النَّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ"البقرة: 257 ، والولاية الخاصة تستلزم عناية خاصة، أن الله يسدد العبد فيفتح له أبواب العلم النافع والعمل الصالح، ولهذا قال"يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ". يخرجهم بالعلم، فيعلمهم أولاً ويخرجهم ثانياً بالتوفيق.
إعراب الجملة هذه"مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" نافية، و "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" خبر مقدم، و "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" مبتدأ مؤخر دخل على هذه الكلمة حرف الجر الزائد لأنك لو حذفت "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" وقلت: «ما لهم من دونه وليٌّ» لاستقام الكلام، لكن جاءت "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" من أجل التوكيد والتنصيص على العموم، يعني: لا يمكن أن يوجد لأهل السموات والأرض ولي سوى الله.
قوله"وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" هذه كقوله تعالى"إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ"الأنعام: 57 ، وقال"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ"الشورى: 10 ، والحكم كوني وشرعي، فالخلق والتدبير حكم كوني، والحكم بين الناس بالأوامر والنواهي حكم شرعي، وقوله"وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" يشمل النوعين. فلا أحد يشرك الله في حكمه لا الكوني ولا الشرعي، وفيه دليل على وجوب الرجوع إلى حكم الله الشرعي، وأنه ليس لنا أن نُشَرِّع في دين الله ما ليس منه، لا في العبادات ولا في المعاملات، وأما من قال: إن لنا أن نُشَرِّع في المعاملات ما يناسب الوقت، فهذا قول باطل: لأنه على قولهم لنا أن نجوز الربا ولنا أن نجوز الميسر وأن نجوز كل ما فيه الكسب ولو كان باطلا، فالشرع صالح في كل زمان ومكان ولن يُصلحَ آخر هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها -17، الحكم الكوني لا أحد يُشرك الله فيه ولا أحد يدعي هذا، هل يستطيع أحد أن يُنَزِّل الغيث؟! وهل يستطيع أحد أن يُمسك السموات والأرض أن تزولا؟! ولكن الحكم الشرعي هو محل اختلاف البشر ودعوى بعضهم أن لهم أن يشرعوا للناس ما يرون أنه مناسب.
تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 06-07-2017, 04:44 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

"مَنْ أَتَى كاهِنًا فصدَّقَهُ بما يَقولُ فقدْ كفرَ بما أُنزِلَ علَى محمَّدٍ"
الراوي: أبو هريرة - المحدث: الألباني - المصدر: النصيحة - الصفحة أو الرقم: 164-خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية
"من أخذ من الأرضِ شيئًا بغيرِ حقِّه ، خُسِفَ به يومَ القيامةِ إلى سبعِ أرضين"
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2454-خلاصة حكم المحدث: صحيح.
الدرر السنية
حديثٌ إِنَّ زينبَ بنتَ جحشٍ كانتْ تفخرُ على أزواجِ النبيِّ تقولُ : زوَّجَكُنَّ أهاليكُنَّ ، وزوَّجَنِي اللهُ من فوقِ سبعِ سماواتٍ . وفي لفظٍ : كانتْ تقولُ : إِنَّ اللهَ أنكَحَني في السماءِ
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: مختصر العلو - الصفحة أو الرقم: 6-خلاصة حكم المحدث: صحيح

"نزلَت هذهِ الآيةُ في زينبَ بنتِ جحشٍ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا قالَ فَكانت تفخَرُ علَى أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تقولُ زوجُكُنَّ أهْلوكُنَّ وزوَّجَنيَ اللَّهُ من فوقِ سبعِ سماواتٍ"
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3213-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

الحمدُ للَّهِ الَّذي وسِعَ سمعُهُ الأصواتَ ، لقد جاءتِ المُجادِلةُ إلَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، وأَنا في ناحيةِ البَيتِ ، تَشكُو زوجَها ، وما أسمَعُ ما تَقولُ ، فأُنزِلَ اللَّهُ : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا
الراوي:عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 156 -خلاصة حكم المحدث: صحيح

الحمدُ للَّهِ الَّذي وسِعَ سمعُهُ الأصواتَ ، لقد جاءَت خَولةُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، تشكو زوجَها ، فَكانَ يَخفَى عليَّ كلامُها فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا الآيةَ
الراوي: - عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3460-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 06-07-2017, 04:48 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

الولي
.أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) (الشورى)
"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ج وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) (الشورى)
وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيد " أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّف لِخَلْقِهِ بِمَا يَنْفَعهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ وَهُوَ الْمَحْمُود الْعَاقِبَة فِي جَمِيع مَا يُقَدِّرهُ وَيَفْعَلهُ.تفسير ابن كثير
*"ألا أُحدِّثُكم إلا ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ حدَّثنا به ويأمُرنا أن نقولَ اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ والجبنِ والبخلِ والهَرَمِ وعذابِ القبرِ اللَّهمَّ آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها أنت وَلِيُّها ومولاها ، اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من نفسٍ لا تشبعُ ، ومن قلبٍ لا يخشعُ ، ومن علمٍ لا ينفعُ ، ودعوةٍ لا تُستجابُ" الراوي: زيد بن أرقم المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5553-خلاصة حكم المحدث: صحيحالدرر السنية

"لَقِينا المشركين يومئذٍ ، وأجلَسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم جيشًا مِن الرماةِ ، وأمَّرَ عليهم عبدُ الله ، وقال : لا تَبرَحوا ، إن رأيتمونا ظهرَنا عليهم فلا تَبرَحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تُعينونا . فلما لَقِيناهم هربوا حتى رأيتُ النساءَ يَشتَدِدْنَ في الجبلِ ، رفعْنَ عن سُوقِهنَّ ، قد بدَتْ خلاخلُهنَّ ، فأخذوا يقولون : الغنيمةَ الغنيمةَ .فقال عبدُ اللهِ : عَهِدَ إلىَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -أن لا تَبرَحوا . فأبوا ، فلما أبَوْا صُرِفَتْ وجوهُم ، فأُصِيبَ سبعون قتيلًا ، وأَشَرَفَ أبو سفيانَ، فقال : أفي القومِ محمدٌ ؟ فقال : لا تجيبوه . فقال : أفي القومِ ابنُ أبي قُحافَةَ ؟ قال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم ابنُ الخطابِ ؟ فقال إن هؤلاء قتلوا ، فلو كانوا أحياءَ لأجابوا ، فلم يَملِكْ عمرُ نفسَه ، فقال : كذبتُ يا عدوَّ اللهِ ، أبقى اللهُ عليك ما يُخْزِيك . قال أبو سفيإن : اعْلُ هُبَلُ ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا : ما نقولُ ؟ قال : قولوا : اللهُ أعلى وأجلُّ . قال أبو سفيانَ: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم . قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أجيبوه . قالوا : ما نقولُ ؟ قال : قولوا : اللهُ مولانا ولا مولى لكم . قال أبو سفيان : يومٌ بيومِ بدرٍ ، والحربُ سِجَالٌ ، وتجدون مُثْلَةً ، لم آمرْ بها ولم تَسؤْني ". الراوي: البراء بن عازب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4043خلاصة حكم المحدث: صحيح.
والمولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ويعتمد عليه المؤمنون في الشدة والرخاء والسراء والضراء ولذلك خص الولاية هنا بالمؤمنين، قال تعالى" ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ "محمد:11، وقال تعالى: " وَإِنْ تَوَلوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ"الأنفال:40، وقال" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " التوبة:51، والله جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره، والعمل في طاعته وقربه، والسعي إلى مرضاته وحبه، فمن حديث أَبِي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.
اسم الله المولى يدل على ذات الله وعلى صفة الولاية الخاصة بدلالة المطابقة، وعلى أحدهما بالتضمن، فالولاية التي دل عليها اسمه المولى تكون لبعض خلقه دون بعض كما قال تعالى" الله وَلِيُّ الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "البقرة:257.واسم الله المولى يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والعدل والحكمة والعزة والرحمة والسيادة والأحدية والغنى والصمدية، وغير ذلك من أوصاف الكمال،
هنا
فالولي في اللغة ضد العدو، ومعناه في أَسماء الله تعالى: الناصِرُ، وقيل: المُتَوَلِّي لأُمور العالم والخلائق القائمُ بها، الذي ينصر أولياءه ويليهم بإحسانه وفضله، جاء في شرح أسماء الله الحسنى: وولاية الله لعباده تعني قربه منهم، فهو أقرب إليهم من حبل الوريد، وهي الولاية العامة التي تقتضي العناية والتدبير وتصريف الأمور والمقادير.. أما الولاية الخاصة: فهي ولايته للمؤمنين وقربه منهم، وهي ولاية حفظ ومحبة ونصرة.. قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ "سورة يونس، الآية: 63. وقد ورد اسم الولي ـ مطلقا غير معرف ب أل ـ في كثير من نصوص الوحي من القرآن والسنة، وورد بالتعريف ـ ب أل ـ في القرآن الكريم مرتين فقط في سورة الشورى، وهما قول لله تعالى: فالله هو الولي "وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير" سورة الشورى الآية:9. وقوله تعالى: وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته "وهو الولي الحميد" "سورة الشورى الآية: 28.

هنا
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 06-07-2017, 04:54 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا" 27 الكهف.

ولما أخبر أنه تعالى, له غيب السماوات والأرض, فليس لمخلوق إليها طريق, إلا عن الطريق التي يخبِـر بها عباده, ولماكان هذا القرآن, قد اشتمل على كثير من الغيوب, أمر تعالى بالإقبال عليه فقال: " واتل " إلى قوله " ملتحد " .
التلاوة, هي الاتباع أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها, وتصديق أخباره, وامتثال أوامره ونواهيه, فإنه الكتاب الجليل, الذي لا مبدل لكلماته, أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها, وبلوغها من الحسن, فوق كل غاية "
وَتَمَّت، كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ " .سورة الأنعام رقم الآية 115
فلكمالها, استحال عليها التغيير والتبديل.
فلو كانت ناقصة, لعرض لها ذلك, أو شيء منه.
وفي هذا, تعظيم للقرآن, في ضمنه, الترغيب على الإقبال عليه.
" وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا " أي: لن تجد من دون ربك, ملجأ تلجأ إليه, ولا معاذا تعوذ به.
فإذا تعين أنه وحده, الملجأ في كل الأمور, تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه, في السراء والضراء, المفتقر إليه في جميع الأحوال, المسئول في جميع المطالب.
تفسير السعدي
قوله تعالى"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" هذا كالنتيجة لقوله"وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" يعني إذا كان لا يشرك في حكمه أحداً فاتْلُ"وَاتْلُ".

فقوله"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" يشمل التلاوة اللفظية والتلاوة العملية، أمّا التلاوة اللفظية فظاهر، تقول: «فلان تلا علي سورة الفاتحة»، والتلاوة الحكمية العملية أن تعمل بالقرآن، فإذا عملت به فقد تلوتَه أي تَبعتَه، ولهذا نقول في قوله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ"فاطر: 29 ، يشمل التلاوة اللفظية والحكمية، والخطاب في قوله"وَاتْلُ" للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكن اعلم أن الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دلَّ الدليل على أنه خاص به، فهو خاص به.
الثاني: ما دلَّ الدليل أنه للعموم، فهو للعموم.
الثالث: ما يحتمل الأمرين، فقيل: إنه عام، وقيل: إنه خاص، وتتبعه الأمة لا بمقتضى هذا الخطاب، ولكن بمقتضى أنه أسوتها وقدوتها.
فمثال الأول الذي دلَّ الدليل على أنه خاص به، قوله تبارك وتعالى"أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ *"الشرح: 1. فهذا لا شك أنه خاص به، وكذلك قوله تعالى" أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى "الضحى: 6 ، فهو خاص به صلّى الله عليه وسلّم.
ومثال الثاني الذي دلَّ الدليل على أنه عام، قوله تعالى: "يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصَوا الْعِدَّةَ"الطلاق: 1 ، فقوله"طَلَّقْتُمُ" للجماعة؛ وهم الأمة، لكن الله سبحانه وتعالى نادى زعيمها ورسولها لأنهم تابعون له فقال"يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ"، إذاً الخطاب يشمل النبي صلّى الله عليه وسلّم وجميع الأمة، ومثال ما يحتمل الأمرين هذه الآية"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ"، لكن قد يقول قائل: إن هذه الآية فيها قرينة قد تدل على أنه خاص به كما سنذكره إن شاء الله، ولكن الأمثلة على هذا كثيرة، والصواب أن الخطاب للأمة ولكن وُجِّه لزعيمها وأسوتها؛ لأن الخطابات إنما توجه للرؤساء والمتبوعين.
وقوله"مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" هو القرآن، وفي إضافة الرب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام دليل على أن ما أوحاه الله إلى رسوله من تمام عنايته به.
وقوله"وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا" يعني لا أحد يستطيع أن يبدل كلماته، لا الكونية ولا الشرعية، أما الكونية فواضح، لا أحد يستطيع أن يُبَدِّلها، فإذا قال الله تعالى"كُنْ" في أمر كوني فلا يستطيع أحد أن يبدله، أما الشرعية فلا أحد يستطيع شرعاً أن يبدلها. والنفي هنا ليس نفياً للوجود، ولكن النفي هنا للإمكان الشرعي، فلا أحد يستطيع شرعًا أن يبدل كلمات الله الشرعية، فالواجب على الجميع أن يستسلموا لله، فلو قال قائل: وجدنا من يبدل كلام الله! فإن الله أشار إلى هذا في قوله في الأعراب، قال تعالى"يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ"الفتح: 15 . قلنا: هذا تبديل شرعي، والتبديل الشرعي قد يقع من البشر فيحرفون الكلام عن مواضعه، ويفسرون كلام الله بما لا يريده الله، ومن ذلك جميع المعطِّلة لصفات الله عزّ وجل، أو لبعضها ممن بدلوا كلام الله.
"وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا" يعني لن تجد أيها النبي من دون الله عزّ وجل ملتحداً، أي أحداً تميل إليه أو تلجأ إليه لأن الالتحاد من اللحد وهو الميل، يعني لو أرادك أحد بسوء ما وجدت أحداً يمنعك دون الله عزّ وجل، إذاً عندما يصيب الإنسان شيء يتضرر به أو يخاف منه، يلتجئ إلى من؟ إلى الله، ونظير هذه الآية قوله تعالى" قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا "الجن: 21، 22 .
تفسير العثيمين

التلاوة: هي الاتباع، أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه، فإنه الكتاب الجليل، الذي لا مبدل لكلماته، أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن فوق كل غاية {
وَتَمَّت، كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ " .سورة الأنعام رقم الآية 115 . فلتمامها، استحال عليها التغيير والتبديل، فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك أو شيء منه، وفي هذا تعظيم للقرآن، في ضمنه الترغيب على الإقبال عليه.
" وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا " أي: لن تجد من دون ربك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به، فإذا تعين أنه وحده الملجأ في كل الأمور، تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه، في السراء والضراء، المفتقر إليه في جميع الأحوال، المسئول في جميع المطالب
هنا
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 06-07-2017, 05:00 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,264
Arrow

"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا *".28 الكهف
يأمر تعالى نبيه محمدا, صلى الله عليه وسلم, وغيره أسوته, في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين " الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ " أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله.
فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها.
ففيها الأمر, بصحبة الأخيار, ومجاهدة النفس على صحبتهم, ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد, ما لا يحصى.
" وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " أي: لا تجاوزهم بصرك, وترفع عنهم نظرك.
" تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " فإن هذا ضار غير نافع, وقاطع عن المصالح الدينية.
فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا, فتصير الأفكار والهواجس فيها وتزول من القلب, الرغبة في الآخرة, فإن زينة الدنيا, تروق للناظر, وتسحر القلب, فيغفل القلب عن ذكر الله, ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته, وينفرط أمره, فيخسر الخسارة الأبدية, والندامة السرمدية ولهذا قال: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا " غفل عن الله, فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
" وَاتَّبَعَ هَوَاهُ " أي: صار تبعا لهواه, حيث ما اشتهت نفسه فعله, وسعى في إدراكه, ولو كان فيه هلاكه وخسرانه, فهو قد اتخذ إلهه هواه كما قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم " الآية.
" وَكَانَ أَمْرُهُ " أي: مصالح دينه ودنياه " فُرُطًا " أي: ضائعة معطلة.
فهذا قد نهى الله عن طاعته, لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به, ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به.
ودلت الآية, على أن الذي ينبغي أن يطاع, ويكون إماما للناس, من امتلأ قلبه بمحبة الله, وفاض ذلك على لسانه, فلهج بذكر الله, واتبع مراضي ربه, فقدمها على هواه, فحفظ بذلك ما حظ من وقته, وصلحت أحواله, واستقامت أفعاله, ودعا الناس إلى ما من الله به عليه.
فحقيق بذلك, أن يتبع ويجعل إمامًا.
والصبر, المذكور في هذه الآية, هو الصبر على طاعة الله, الذي هو أعلى أنواع الصبر, وبتمامه يتم باقي الأقسام.
وفي الآية, استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار, لأن الله مدحهم بفعله.
وكل فعل مدح الله فاعله, دل ذلك على أن الله يحبه, وإذا كان يحبه فإنه يأمر به, ويرغب فيه.
تفسير السعدي

قوله تعالى" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ " أي احبسها مع هؤلاء الذين يدعون الله دعاء مسألة ودعاء عبادة، اجلس إليهم وقوِّ عزائمهم.
وقوله" بِالْغَدَاةِ " أي أول النهار.
وقوله"وَالْعَشِيِّ" آخر النهار.
قوله"يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" مخلصين لله عزّ وجل يريدون وجهه ولا يريدون شيئاً من الدنيا، يعني أنهم يفعلون ذلك لله وحده لا لأحدٍ سواه.
وفي الآية إثبات الوجه لله تعالى ، وقد أجمع علماء أهل السنة على ثبوت الوجه لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة على ذلك، قال الله تعالى"وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *"الرحمن: 27 . وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» [*]، وأجمع سلف الأمة وأئمتُها على ثبوت الوجه لله عزّ وجل.
* لما نزلت هذه الآيةُ "قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ" . قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " أعوذُ بوجهِكَ " . فقال"أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ " . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" أعوذُ بوجهِكَ " . قال " أو يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا " . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : هذا أيْسَرُ .
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7406- خلاصة حكم المحدث: صحيح.
الدرر السنية
"قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ"


الأنعام 65


ولكن هل يكون هذا الوجه مماثلاً لأوجه المخلوقين؟
الجواب: لا يمكن أن يكون وجه الله مماثلاً لأوجه المخلوقين لقوله تعالى"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الشورى: 11 . وقوله تعالى"رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا " مريم: 65 ، أي شبيهًا ونظيرًا، وقال الله تبارك وتعالى "فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"البقرة: 22 .
وهكذا كل ما وصف الله به نَفْسَهُ فالواجب علينا أن نجريه على ظاهره، ولكن بدون تمثيل، فإن قال قائل: إذا أثبتّ لله وجهًا لزم من ذلك التمثيل، ونحمل قوله"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى: 11 ، يعني إلاَّ في ما أثبته كالوجه واليدين؟
فالجواب: أن هذا مكابرة؛ لأننا نعلم حساً وعقلاً أن كل مضاف إلى شيء فإنه يناسب ذلك الشيء، أليس للإنسان وجه، وللجَمَلِ وجه، وللحصان وجه وللفيل وجه؟ بلى، وهل هذه الأوجه متماثلة؟ لا؛ أبداً! بل تناسب ما أضيفت إليه، بل إن الوقت والزمن له وجه، كما في قوله تعالى: "آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ"آل عمران: 72 ، فأثبت أن للزمن وجهاً، فهل يمكن لأحد أن يقول: إن وجه النهار مثل وجه الإنسان؟.
الجواب: لا يمكن، إذاً ما أضافه الله لنفسه من الوجه لا يمكن أن يكون مماثلاً لأوجه المخلوقين؛ لأن كل صفة تناسب الموصوف . فإن قال قائل: إنه قد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ الله تعالى خلق آدم على صورته» 19، فما الجواب؟
فالجواب: من أحد وجهين:
الوجه الأول: إما أن يقال: لا يلزم من كونه على صورته أن يكون مماثلاً له، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر بأن أوَّل زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر 20، ونحن نعلم أنه ليس هناك مماثلة بين هؤلاء والقمر، لكن على صورة القمر من حيث العموم إضاءةً وابتهاجاً ونورًا. الوجه الثاني: أن يقال: «على صورته» أي على الصورة التي اختارها الله عزّ وجل، فإضافة صورة الآدمي إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم كما في قوله تعالى"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ"البقرة: 114 ، ومن المعلوم أن الله ليس يصلي في المساجد، لكن أضيفت إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم وعلى أنها إنما بنيت لطاعة الله، وكقول صالح عليه السلام لقومه"نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا"الشمس: 13] ، ومن المعلوم أن هذه الناقة ليست لله كما تكون للآدمي يركبها؛ لكن أضيفت إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم، فيكون «خلق آدم على صورته» أو «على صورة الرحمن»21 ، يعني على الصورة التي اختارها من بين سائر المخلوقات، قال الله تعالى في سورة الانفطار: " يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ "الانفطار: 6، 7 ، أي الذي جعلك جعلا كهذا وهذا يشمل اعتدال القامة واعتدال الخلقة، ففهمنا الآن والحمد لله أن الله تعالى له وجه حقيقي وأنه لا يشبه أوجه المخلوقين . وقوله"يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" إشارة للإخلاص، فعليك أخي المسلم بالإخلاص حتى تنتفع بالعمل.
وقوله"وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" يعني لا تتجاوز عيناك عن هؤلاء السادة الكرام تريد زينة الحياة الدنيا، بل اجعل نظرك إليهم دائماً وصحبتك لهم دائماً، وفي قوله"تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" إشارة إلى أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لو فارقهم لمصلحة دينية لم يدخل هذا في النهي.
قال تعالى"وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا" يعني عن ذكره إيَّانا أو عن الذكر الذي أنزلناه، فعلى الأول يكون المراد الإنسان الذي يذكر الله بلسانه دون قلبه، وعلى الثاني يكون المراد الرجل الذي أغفل الله قلبه عن القرآن، فلم يرفع به رأسًا ولم ير في مخالفته بأسًا.
قوله تعالى"وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" أي ما تهواه نفسه.
"وَكَانَ أَمْرُهُ" أي شأنه "فُرُطًا" أي منفرطًا عليه، ضائعًا، تمضي الأيام والليالي ولا ينتفع بشيء، وفي هذه الآية إشارة إلى أهمية حضور القلب عند ذكر الله، وأن الإنسان الذي يذكر الله بلسانه لا بقلبه تنْزَع البركة من أعماله وأوقاته حتى يكون أمره فُرطا عليه ، تجده يبقى الساعات الطويلة ولم يحصل شيئًا، ولكن لو كان أمره مع الله لحصلت له البركة في جميع أعماله.
تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 12:42 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر