#11
|
||||
|
||||
8- تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ التَّحَلِّي بـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِ الوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَ والعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ .
وعليه فتَنَكُّبُ ( خَوارِمِ الْمُروءةِ ) في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِ مَواطِنِ الرِّيَبِ . هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ : الأمر الثامن - تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ : التَّحَلِّي بـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِ الوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَ والعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ . الشيخ : نعم . يقول التحلي بالمروءة , فما هي المروءة ؟ حدها الفقهاء رحمهم الله , في كتاب الشهادات , قالوا : هي فعل ما يجمله ويزينه , واجتناب ما يدنسه ويشينه . وهذه عبارة عامة، كل شي يجملك عند الناس ويزينك ويكون سببا للثناء عليك , فهو مروءة , وإن لم يكن من العبادات , وكل شيء بالعكس فهو خلاف المروءة . ثم ضرب لهذا مثلا , فقال من مكارم الأخلاق , فما هو كرم الخُلُق ؟ أن يكون الإنسان دائما متسامحًا , أو أن يتسامح في موضع التسامح , ويأخذ بالعزم في موضع العزيمة . ولهذا جاء الدين الإسلامي وسطًا بين التسامح الذي تضيع به الحقوق , وبين العزيمة التي ربما تحمل على الجور , فنضرب مثلا بالقصاص : وهو قتل النفس بالنفس , يذكر أن بني اسرائيل انقسمت شرائعهم في القصاص إلى قسمين : قسم أوجب القتل , ولا خيار لأولياء المقتول فيه , وهي شريعة التوراة . لأن شريعة التوراة تميل إلى الغلظة والشدة . وقسم آخر أوجب العفو , وقال: إنه إذا قتل الإنسان عمدا فالواجب على أولياؤه التسامح . هكذا نقرأ في الكتب المنقولة , لأننا لم نقف على نص في الإنجيل وإلا فإن الأصل أن شريعة الإنجيل هي شريعة التوراة , وقد قال الله تعالى " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "المائدة 45 . لكن فيما ينقل عن بني إسرائيل نسمع هذا . فجاء دين الاسلام وسطا وجعل الخيار لأولياء المقتول , إن شاءوا قتلوا قصاصا ولهم الحق , وإن شاءوا عفوا مجانا , وإن شاءوا أخذوا الدية .فصار الأمر في ذلك واسعا . ومعلوم أن كل عاقل يخير في مثل هذه الأمور , سيختار ما فيه المصلحة العامة , يقدمها على كل شيء . فمثلا إذا كان هذا الرجل شريرا -يعني القاتل- وأولياء المقتول يحبون المال وقالوا نريد أن نعفو إلى الدية , لأننا محتاجون ليس عندنا مال نقول: هذا ليس من الحكمة , انظر الى المصلحة العامة , وأنتم إذا تركتم شيئا لله عوضكم الله خيرا منه . اقتلوا هذا القاتل . ولهذا أوجب شيخ الإسلام ابن تيمية تبعا للإمام مالك رحمه الله , أوجب قتل القاتل غيلة , حتى لو عفا أولياءه, حتى لو كان له صغار يحتاجون إلى المال , فإنه يجب أن يقتل , لأن القتل غيلة لا يمكن التخلص منه . إذ أن الإنسان اغتيل في حال لا يمكن أن يدافع عن نفسه , والمغتال مفسد في الأرض ,"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ 33"المائدة. إذن , مكارم الأخلاق ما هي ؟ هي أن يتخلق الإنسان بالأخلاق الفاضلة الجامعة بين العدل والإحسان , فيأخذ بالحزم في موضع الحزم , وباللين واليسر في موضع اللين واليسر. طلاقة الوجه، أيضا طلاقة الوجه هذه من مكارم الأخلاق , وهل مثلا أطلق وجهي لكل إنسان حتى لو كان من أجرم المجرمين أو على حسب الحال؟ على حسب الحال , أطلق الوجه في ستة من تسعة : ما معناها؟ يعني في الثلثين والثلث دعه لما تقتضيه الحاجة. ليكن سيمتك طلاقة الوجه , هذا أحسن شيء , تجذب الناس إلى نفسك , ويحبك الناس, ويستطيعون أن يفضوا إليك ما يخفونه من أسرارهم . لكن إذا كنت عبوسا , تعض على شفتك السفلى , فإن الناس يهابوك , ولا يستطيعون أن يتكلموا معك . لكن إذا اقتضت الحال أن لا تطلق الوجه , فافعل . ولهذا لا يلام الإنسان على العبوسة لومًا مطلقا , ولا يمدح على تركها مدحا مطلقا . إفشاء السلام : يعني نشره وإظهاره على كل أحد؟ لا ليس على كل أحد، على من يستحق أن يسلم عليه , على المسلم وإن كان عاصيا , وإن كان زانيا وإن كان سارقا وإن كان مرابيا وإن كان يشرب الخمر , لإنه مسلم ألقي إليه السلام. لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن -أو قال أخاه- فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" . فإن فعل المؤمن منكرا , ولاسيما إذا كان منكرا عظيما يخشى منه أن يتفتت المجتمع الإسلامي , فحينئذ يكون هجره واجبا هجره إن نفع الهجر, وإنما أقول ذلك لئلا يرد علينا قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهجره , أمر أن يهجره الناس فهجروه وصاروا لا يتكلمون معه , حتى إنه ذات يوم تسور حديقة أبي قتادة رضي الله عنه , وهو ابن عمه وأحب الناس إليه , فسلم على أبي قتادة فلم يرد عليه السلام , سلم ثانيا فلم يرد عليه السلام, سلم ثالثا فلم يرد عليه السلام, فقال : أنشدك الله , هل تعلم أني أحب الله ورسوله , " يعني أنت كيف تهجرني وأنا أحب الله ورسوله " وهل تعلم؟ يعني ألم تعلم ؟ ولم يرد عليه . ما قال نعم ولا لا قال : الله ورسوله أعلم . ما أجاب، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم, ولو أمرهم أن يفعلوا أكبر من ذلك لفعلوا . المهم أن الصحابة هجروه لأنه تخلف عن غزوة تبوك وكان هجره بأمر من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تصوروا يا إخوان يأتي ويسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : فلا أدري أحرك شفتيه برد السلام أم لا . يعني هو لا يسمع الرد قطعا لكن لا يدري هل حرك شفتيه بالسلام أم لا. ولكن الرسول يحبه , لأنه إذا قام يصلي -كعب- جعل النبي صلى الله عليه وسلم يسارقه النظر ينظر إليه . فهل هذا الهجر الذي وقع من الصحابة لكعب بن مالك هل أثر أو لم يؤثر ؟ أثر، أثر رجوعا عظيما إلى الله عز وجل ,"وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 118"التوبة. , ظنوا بمعنى أيقنوا , لجؤوا إلى الله , ففرج الله عنهم . فهذا أثر تأثيرا عظيما , وحصل به مصلحة عظيمة , تُتلى قصتهم في كتاب الله عز وجل , يقرؤها المسلمون كلهم في صلواتهم وفي خلواتهم . يذكرونهم كلما مروا بذكرهم هذه فائدة عظيمة ثم فيها محنة عظيمة أيضا لكعب , جاءه كتاب من ملك غسان , فقال له في الكتاب : إنه بلغنا أن صاحبك قلاك -يعني أبغضك وهجرك وتركك- , فالحق بنا نواسك , " يعني ائت إلينا نجعلك مثلنا " "كأنه يشير أن يجعله ملكا على غسان " فماذا فعل ؟ رأى أن هذه فتنة عظيمة , ذهب بالورقة فسجَّر بها التنور , يعني أحرقها , إحراقا تاما كراهة لها ولما تضمنته , ولئلا تغلبه نفسه في المستقبل حتى يجيب لهذا الطلب . وهكذا يكون الإيمان وهذه لا شك أنها محنة عظيمة , حصلت من أجل هذه القصة . فالحاصل أن إفشاء السلام الأصل فيه أنه عام , لكل أحد من المسلمين , إلا من جاهر بمعصية , وكان من المصلحة أن يُهجر فليُهجر . أما غير المسلمين فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم"لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ". فيحرم علينا أن نبدأ اليهود والنصارى ومن سواهم أخبث منهم فلا نبدأه بالسلام ، إن سلموا نرد عليهم , لقول الله تعالى : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " . فإذا قالوا : السلام عليكم , نقول : عليكم السلام صراحة لأن الآية ناطقة بذلك "حيوا بأحسن منها أو ردوها" . ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما أمر أن نقول : وعليكم , لأنهم يقولون السام عليكم , كما جاء ذلك مصرحا به في حديث عبد الله بن عمر قال إن اليهود أو قال أهل الكتاب يقولون السام عليكم فإذا سلموا فقولوا وعليكم . القارئ : وعليه فتَنَكُّبُ "خَوارِمِ الْمُروءةِ " في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِ مَواطِنِ الرِّيَبِ . الشيخ : لما ذكر المروءة أنه ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها , قال تنكَّب يعني أبعد عن خورام المروءة , في طبع أو قول أو عمل : يعني في طباعك حاول أن تكون طباعك ملائمة للمروءة , ومن المعلوم أنه ليس التكحل في العينين كالكحل, وليس التطبع كالطبع , لكن الإنسان مع ممارسة الشيء ربما يكون الكسب غريزة , والتطبع طبيعة , وإلا فإن الإنسان لو حاول ما يحاول من الأخلاق وطبعه ليس كذلك سيجد صعوبة , لكنه مع التمرن تحسن الحال . وهذا مُجرب , فقد سمعنا عن بعض الناس الذي كان بعيدا عن العلم وعن طلب العلم له أخلاق سيئة , ثم لما منَّ الله عليه بالعلم بالهداية وطلب صارت أخلاقه طيبة , لأنه مرن نفسه على هذه الأخلاق حتى صارت كأنها من طباعه وغرائزه . من حرفة مهينة , أو خلة رديئة : الخلة يعني الخصلة , والحرفة المهينة هي كل ما يحترفه الإنسان من عمل . ثم ضرب لذلك أمثلة بقوله كالعُجب , أن يعجب الإنسان بنفسه , فإذا استنبط فائدة قال : هذه الفائدة ما شاء الله أنا استنبطتها هذه ما يستنبطها أكبر عالم , ثم أٌعجب بنفسه , ورأى نفسه كبيرا وانتفخ . الرياء أن يرائي الناس بأن يتكلم في العلوم أمامهم حتى يروا أنه عالم فيقال : هذا عالم . البطر: رد الحق , وهذه تحصل في المجادلات والتعصب لرأي من الآراء , أو لمذهب من المذاهب , تجده يغمط الآخرين يرد الحق لأنه خلاف ما يرى . الخيلاء نتيجة العجب , يعني يُظهر نفسه بمظهر العالم الواسع العلم , ومن ذلك أن يكون للعلماء في بلد ما زيُّ خاص في اللباس, فيأتي هذا الإنسان البادئ بالعلم فيلبس لباس كبار العلماء ليظن الظان أنه من كبار العلماء , فهذا من الخيلاء. كذلك أيضا احتقار الآخرين , فالبطر هو احتقار الآخرين هو الكبر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام "الكبر بطر الحق وغمط الناس" . أي احتقارهم , وغِشْيَان مواطن الريب . يعني المواطن التي تكون محل الشك فيه وفي مروءته وأخلاقه يتجنبها. "رحم الله امرءًا كف الغيبة عن نفسه" , وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطهر الخلق , قال للرجلين الأنصاريين وهو مع زوجه صفية رضي الله عنها , قال : إنها صفية . فكيف بغيره . فالحاصل أنك لا تثق بنفسك وتقول إن الناس لن يظنوا بي شيئا , فأنت وإن كنت عند الناس بهذه المثابة , لكن الشيطان يلقي في قلوبهم الشر, حتى يتهموك بما أنت منه برئ , فتجنب مواطن الريب حتى تسلم من الريبة . الأنفة من غير كبرياء : يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء. العزة في غير الجبروت : أن يكون عزيز النفس , قويا لكن من غير جبروت , بمعنى أن لا يذل أمام خصمه , عند المناظرة أو غير المناظرة , بل يتصور أنه غالب , لكن بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى الجبروت , فإنه إذا أدى إلى الجبروت صار خلقا ذميما . عكس ذلك من يكون ذليلا حتى وإن كان عنده علم لا يستطيع أن يناظر ولا أن يجادل , ولا أن يتكلم مع الغير فتجده يُهزم حتى في مواطن الحق التي أصاب فيها . الشهامة في غير عصبية : واضحة أن يكون الإنسان شهما معتزا بنفسه لكن من غير عصبية , لا يقول أنا من القبيلة الفلانية ولي شهامة , أنا من تميم ، أنا من قريش ، أنا من كذا، أنا من كذا . والحمية في غير جاهلية : أن يكون عند الإنسان حمية وغيرة , لكن في الحق لا في الجاهلية . * شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) القارئ: تحل بالمروءة : التحلي بـ "المروءة" ، وما يحمل إليها، من مكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وتحمل الناس، والأنفة من غير كبرياء، والعزة في غير جبروت، والشهامة في غير عصبية، والحمية في غير جاهلية. وعليه فتنكب "خوارم المروءة" ، في طبع، أو قول، أو عمل، من حرفة مهينة، أو خلة رديئة، كالعجب، والرياء، والبطر، والخيلاء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الريب. الشيخ: إذن هذا هو الأدب الثامن من آداب طالب العلم : "التحلي بالمروءة". تقدم معنا أنَّ المروءة : التزام الصفات المحمودة عند الخلق ، واجتناب الصفات غير المرغوب فيها عند الخلق ، التحلي بالمروءة من "مكارم الأخلاق" ، ومن أمثلة المروءات التي يحسن لطالب العلم أن يلتزم بها ، أن يكون ملازما للأخلاق الفاضلة ، يحسن التعامل مع الآخرين ومن ذلك "طلاقة الوجه" بحيث لا يكون مُعبِّسا أو يكون مُعرضا بوجهه عن طلابه أو عن زملائه ، ومن المروءة "إفشاء السلام" ومن المروءة "تحمل الناس" ، المراد بتحمل الناس الصبر على أذيتهم ، ومن المروءة "الأنفة من غير كبرياء" ، والمراد بالأنفة ترفُّع النفس عن ما لا يليق بها ، بحيث لا يفعل الإنسان فعلا لا يكون مناسبا لحاله ، وكذلك "العزة بغير جبروت" فلا يُقدم على فعل لا يليق به ، فيرفع نفسه ، "والشَّهامة في غير عصبية" يعني : يكون مُقدِّما للخير للآخرين ، شهما ، كريما ، لكن لا يكون دافعه لذلك العصبية ونفع قرابته فقط وإنما يكون دافعه لذلك التقرب لله - جل وعلا- ، وكذلك مما تقتضيه المروءة "الحمية في غير جاهلية" والمراد بالحمية أن يحميَ المؤمنون بعضهم بعضا عما لا يليق بهم ، ولا يكون الدافع لذلك صفة من صفات أهل الجاهلية. وعليه "فتنكُّب خوارم المروءة" ، ليس من شأن أهل الإسلام خوارم المروءة تَقدَّم لنا أمثلتها ، سواءً كانت هذه الخوارم في "طبع" كأن يكون مِخْراقا كأن يكون عجلا ، أو في " قول" بأن يتكلم بالكلام غير اللائق ، كأن يسب ويقدح الآخرين ، أو في "عمل" كأن يبتذل نفسه في الذهاب إلى أماكن لا تليق به ، وكذلك يجتنب "الحرف المهينة" التي يحتقرها الناس ؛ لأنَّ طالب العلم ينبغي أن يوجد له مكانة في الناس من أجل أن يقبلوا ما ينشره من العلم ، وعندما يمتهن حرفة مهينة فإنه حينئذ يكون مناقِضا ويكون مما لا تقبله نفوس الناس ، وبالتالي لا يسمعون له ولا يأخذون ما لديه من علم. وهكذا يجتنب الأوصاف الرديئة (الخلة) يعني : الوصف ، الرديء يعني : السيء غير المقبول؛ ومن ذلك (العجب) بأن يرى الإنسان لنفسه فضلا ، (والرياء) بأن يكون مقصوده بما يؤديه من العمل اطلاع الناس عليه ، (والبَطَر) وهو نوع من أنواع الكبرياء ويكون فيه جحد للحق ، (والخيلاء) بترفع النفس عما يكون مناسبا لها ، ومظنَّة أن للنفس فضلا على الغير ، (واحتقار الآخرين) ، وكذلك ترك (مَواطن الريب) يعني : المَواطن التي يُظن فيها الإنسان بظن السوء ، من أمثلة ذلك : عندما يذهب الإنسان إلى الأمكنة التي فيها معازف هذا موطن من مواطن الريب ، ولو لم يكن مقصده مكان العزف وكان يقصد محلا مجاورا له هذا من خوارم المروءة ؛ لأنَّ هذا من مواطن الريب ولذلك يجتنبه الإنسان ، وهكذا أيضا المحال التي فيها معاصي يجتنبها طالب العلم ؛ لأنَّ هذه من مواطن الريب ، وإذا خشي أن يُظن به ظن السوء احتاط لذلك ، وبذل من الأسباب ما يدفع مثل هذا الظن السيء ، ولذلك جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءته زوجته صفية فلبِثت معه في المسجد وهو معتكف ، فلما أرادت أن تنصرف انقلب معها وكانوا في ليل فشاهده بعض الأنصار رجلان من الأنصار فأسرعا ، فناداهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنها زوجتي صفية ، إنها زوجتي صفية ، دفعا للريبة فقالوا : أَوَفيك يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم ، وإني خشيت أن يلقي في قلوبكما شيئا ، وفي لفظ شرا كما ورد ذلك في الصحيح.نعم هنا * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال : ما معنى [قتل الغيلة] الجواب : قتل الغيلة هو قتل الغدر الذي يكون فيه المغدور آمناً جانب الغادر كقتل المرأة لزوجها والأخ لأخيه وصاحب الدار لضيفه السؤال الثاني : ما معنى: فتَنَكُّبُ خَوارِمِ الْمُروءةِ ؟ ما معنى هذا الكلام ؟ اقتباس: الأنفة من غير كبرياء : يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء. الجواب : التنكّب هو الإعراض والعدول عن الشيء كأنه مأخوذ من توليته المنكبية، كما ان الإدبار مأخوذ من توليته الدبر. قال الله تعالى"وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ" المؤمنون 74. أي معرضون عن الصراط المستقيم منحرفون مائلون غير مستقيمين على ما يحبه الله. والصراط المستقيم هو الطريق الوحيد الموصل إلى رضوان الله تعالى وجنته، فمن تنكَّب عن هذا الصراط لم يصل إلا إلى سخط الله وعقابه. والعرب تقول: ريح نَكْبَاءَ إذا خالفت المهب المعتاد. وقوله في الأنفة من غير كبرياء ( يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء) بعض المِهَن الوضيعة - ولو كانت جائزة لا إثم فيها - فلا ينبغي لطالب العلم أن يعمل فيها ولا يجوز له أن يتكبر على أصحابها ، فأنفَته من هذه المهن الوضيعة هو لحفظ قدر العلم وأهله، وقد جرت عادة الناس على احتقار أصحاب هذه المهن ولا ينبغي لطالب العلم أن يضع نفسه في موضع يحتقره الناس فيه. وقد تكون بعض تلك المهن جائزة ويقبل بها من كان محتاجاً مضطراَ إليها ، ولا حرج عليه شرعاً فيها ، وهو كسب حلال ويرجى له فيه أجره إذا قصد به إعفاف نفسه وعياله، لكنه إذا أمكنه الانتقال إلى مهن لا يحتقرن الناس فهو خير له وأصلح. والمهن الوضيعة على قسمين: - مِهَن وضيعة حسًّا وهي التي تباشر فيها النجاسات غالباً كالزبالة واستخراج النجاسات من مجاري المياه ونحو ذلك، وهذه مهن جائزة ولا سيما عند الحاجة وإن كانت مكروهة لأهل العلم والفضل لكن لا يأثم صاحبها، وامتهانها خير من سؤال الناس واستجدائهم. - ومهن وضيعة معنى وهي التي يكون فيها ابتذال لكرامة الإنسان واعتياده على مساوي الأخلاق من الكذب والفحش والتفحش والإسفاف في القول والعمل ، وهذه مهن محرَّمة. هنا |
#12
|
||||
|
||||
9- التمَتُّعُ بخِصَالِ الرجولةِ
تَمَتَّعْ بِخِصالِ الرجولةِ من الشجاعةِ وشِدَّةِ البَأْسِ في الحقِّ ومَكارِمِ الأخلاقِ والبَذْلِ في سبيلِ المعروفِ حتى تَنْقَطِعَ دونَك آمالُ الرجالِ . وعليه فاحْذَرْ نَوَاقِضَها : من ضَعْفِ الْجَأْشِ ، وقِلَّةِ الصبْرِ وضَعْفِ الْمَكَارِمِ فإنها تَهْضِمُ العِلْمَ وتَقْطَعُ اللسانَ عن قَوْلَةِ الْحَقِّ ، وتَأْخُذُ بناصيَتِه إلى خُصومِه في حالةٍ تَلْفَحُ بسمومِها في وُجوهِ الصالحينَ من عِبادِه . هنا * شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) القارئ: قال المؤلف رحمه الله : الأمر التاسع - التمَتُّعُ بخِصَالِ الرجولةِ : تَمَتَّعْ بِخِصالِ الرجولةِ من الشجاعةِ وشِدَّةِ البَأْسِ في الحقِّ ومَكارِمِ الأخلاقِ والبَذْلِ في سبيلِ المعروفِ حتى تَنْقَطِعَ دونَك آمالُ الرجالِ . وعليه فاحْذَرْ نَوَاقِضَها : من ضَعْفِ الْجَأْشِ ، وقِلَّةِ الصبْرِ وضَعْفِ الْمَكَارِمِ فإنها تَهْضِمُ العِلْمَ وتَقْطَعُ اللسانَ عن قَوْلَةِ الْحَقِّ ، وتَأْخُذُ بناصيَتِه إلى خُصومِه في حالةٍ تَلْفَحُ بسمومِها في وُجوهِ الصالحينَ من عِبادِه . الشيخ: هنا هذا كالتكميل للأول لأن التمتع بخصال الرجولة من المروءة بلا شك , فإن الإنسان إذا نزل نفسه منزلة الرجال الذين هم رجال بمعنى الكلمة , فإنه سوف يتمتع بما ذكره , الشجاعة وشدة البأس في الحق , مكارم الأخلاق، البذل في سبيل المعروف، حتى تنقطع دونك آمال الرجال: يعني حتى لا يهم أحد بأن يسبقك بما أنت عليه من هذه الخصال . فالشجاعة: الإقدام في محل الإقدام , فإذا كانت الشجاعة هي الإقدام في محل الإقدام لزم من ذلك أن تسبق برأي وتفكير وحنكة . ولهذا قال المتنبي : الرأي قبل شجاعة الشجعان = هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا بنفس حرة = بلغت من العلياء كل أمال فلا بد من رأي , لأن الإقدام في غير رأي تهور , تكون نتيجته عكس ما يريده هذا المقدم. كذلك أيضا شدة البأس في الحق , بحيث يكون قويا فيه صابرا على ما يحصل من أذى أو غيره في جانب الحق. مكارم الأخلاق سبق الكلام عليها وأنها تشمل كل خلق كريم يحمد الإنسان عليه , البذل في سبيل المعروف، البذل: يشمل بذل المال والجاه والعلم , وكل ما يبذل للغير لكن في سبيل المعروف . أما البذل في سبيل المنكر فهو منكر , والبذل فيما ليس بمعروف ولا منكر قد يكون من إضاعة الوقت أو من إضاعة المال . * شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هنا القارئ: قال المؤلف رحمه الله : التمتع بخصال الرجولة: تمتع بخصال الرجولة، من الشجاعة، وشدة البأس في الحق، ومكارم الأخلاق، والبذل في سبيل المعروف، حتى تنقطع دونك آمال الرجال. وعليه، فاحذر نواقضها، من ضعف الجأش، وقلة الصبر، وضعف المكارم، فإنها تهضم العلم، وتقطع اللسان عن قوله الحق، وتأخذ بناصيته إلى خصومة في حالة تلفح بسمومها في وجوه الصالحين من عباده. الشيخ: هذه الخصلة التاسعة من خصال طالب العلم : اتّصافه بصفات الرجولة ، وصفات الرجولة أنواع ؛ منها : (الشجاعة) بحيث يكون مِقداما على الأفعال الطيبة ، ولا تكون نفسه ذات خَوَر أو ضَعف عن الإقدام عمّا يليق به ، فالشجاعة صفة من صفات الرجال الذين يُثنى عليهم ، ولذلك جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تعوَّذ من الجُبْن ، والجبن هو : الضَعْف والخَوَر مما يقابل الشجاعة ، ومن أنواع الشجاعة "شدة البأس في الحق". ومن صفات الرجال اتصافهم " بمكارم الأخلاق" وبذلك يكونون على الخلق الفاضل العالي ، وقد جاءت الشريعة ترغب في اتِّصاف المؤمنين بالصفات العالية والأخلاق الكريمة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "أنا ضمين ببيت في أعلى الجنة لمن حَسُن خلقه" ، وجاء في حديث في السنن أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال"إنَّ المؤمن يبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم". ومن خصال الرجولة " البذل في سبيل المعروف" ، بحيث يعطي الإنسان لله ، وكم من آية في كتاب الله تثني على أولئك الذين يبذلون في سبيل الله ، قال – جل وعلا-" الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ، والآية التي قبلها " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" ، وقال – جل وعلا-" يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ " ، يعني أنه يضاعفها ، وقد وعد الله- جل وعلا- المنفقين في سبيله بالخَلَف في الدنيا والأجر العظيم في الآخرة قال تعالى"وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" ، وجاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال الله - عز وجل-: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" ، وجاء في الحديث الآخر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من صباح إلا وينادي فيه ملكان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا" يعني : خسارة وذهابا للمال. كذلك هذه الصفات الثلاثة : الشجاعة ، والأخلاق الفاضلة ، والبذل بالمعروف ، من وُجدت فيه أصبح ممن يَعظُم أجرهم ، ومن الرجال الذين يعتمد عليهم ، يقابل هذا أمور : أولها "ضعف الجأش" والجُبن والخَوَر ، والضعف صفة يُذم بها الإنسان ، الصفة الثانية "قلة الصبر"وعدم التمكن من إمساك النفس في المكارم وأفعال الخيرات ، الثالث "عدم فعل الأخلاق الفاضلة"فهذه الأمور "تهضِم العلم" ، يعني : تُنقص مقدار العلم ، فالعالم متى كان باذلا للمعروف منفقا فيه فإنَّ الله – جل وعلا- يبارك له في علمه ويضع له القبول في الأرض ، وكذلك هذه الصفات ؛ وهي الجُبن وسوء الأخلاق والبخل "تقطع اللسان عن قولة الحق" ، بحيث تُعجز الإنسان عن أن يتكلم بما ينتفع به الناس في دنياهم وآخرتهم ، بل إنَّ هذه الصفات تجعل طالب العلم في حالة يتمكن أعداؤه منه ويتمكنون من بث سمومهم في سمعته فيكون ذلك سببا لإعراض الناس عن العلم النافع بسبب عدم اتِّصاف أصحابه بهذه الصفات التي تجعل الناس يُقبلون عليه. * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد/ الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول: نرجو من شيخنا الفاضل توضيح تلك المعاني: اقتباس: ضَعْفِ الْجَأْشِ - وتَأْخُذُ بناصيَتِه إلى خُصومِه في حالةٍ تَلْفَحُ بسمومِها في وُجوهِ الصالحينَ من عِبادِه الجواب: الجأش المراد به هنا جأش القلب، وهو رواعه واضطرابه عند الفزع، يقال: هو رابط الجأش وساكن الجأش؛ إذا كان ثابتاً مطمئنا لا يفزع إذا ألمّ به الخطب، كما قال لبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه في وصف ناقة. يُسْئِد السَّيرَ عليها رَاكب ... رَابِطُ الجَأْشِ على كلِّ وَجَلْ قال الأصمعي"الرابطُ الجأش: الذي يربط نفسه عن الفرار، يكفُّها لجرأته وشجاعته".ويقال: واهي الجأش، أي ضعيف الجأش إذا كان يفزع في الملمّات فيحتاج إلى من يسكّن جأشَه كما قالت الخنساء في أخيها صخر: كمْ طريدٍ قدْ سكَّنَ الجأشَ منهُ ... كان يَدْعُو بصفّهنّ صُراحا فسكون الجأش ورباطته يراد بها طمأنينة القلب في الملمات التي يفزع منها ضعيف الصبر والشجاعة، ومن أجود ما قيل في وصف سكون الجأش في الحرب قول البحتري:لقد كانَ ذاك الجأش جأشَ مسالمٍ ... على أنَّ ذاكَ الزيَّ زيُّ محاربِ أي أنه من رباطة جأشه وثبات قلبه يسرع إلى الحرب كأنه مسرع إلى لقاء أحبّته. تسرَّعَ حتى قالَ من شهدَ الوغى: ... لقاءُ عُداة أم لقاء حبائب ومقصود الشيخ رحمه الله هنا أن يكون طالب العلم ثابت الجنان في المناظرات والخصومات مع أهل البدع وغيرهم من المخالفين؛ فمن كان واهي الجأش أثّر فيه ما يجلب به عليه خصومه فيفزع ويتحيّر وربّما شكّ في الحق الذي لديه، وهذا خلاف طريقة أهل الحق واليقين. وقوله"وتأخذ بناصيته إلى خصومه.." أي أنّ ضعفه في مقام نصرة الحقّ قد يجرّ عليه وعلى المسلمين أذيّة وبليّة ويتسلّط عليه أعداؤه لضعف قيامه بالحجة وتردده واضطرابه. هنا |
#13
|
||||
|
||||
10-هَجْرُ التَّرَفُّهِ لا تَسْتَرْسِلْ في " التَّنَعُّمِ والرفاهِيَةِ"؛ فإنَّ " البَذاذةَ من الإيمانِ " وخُذْ بوَصيةِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في كتابِه المشهورِ وفيه " وإِيَّاكُم والتنَعُّمَ وزِيَّ العَجَمِ ، وتَمَعْدَدُوا واخْشَوْشِنُوا " .وعليه فازْوَرَّ عن زَيْفِ الحضارةِ فإنه يُؤَنِّثُ الطِّباعَ ويُرْخِي الأعصابَ ويُقَيِّدُك بِخَيْطِ الأَوْهَامِ ويَصِلُ المُجِدُّونَ لغاياتِهم وأنتَ لم تَبْرَحْ مكَانكَ، مَشْغُولٌ بالتأَنُّقِ في مَلْبَسِكَ وإن كان منها شِيَاتٌ ليست مُحَرَّمَةً ولا مَكروهةً لكن ليست سَمْتًا صالحًا والحِلْيَةُ في الظاهرِ كاللِّباسِ عُنوانٌ على انتماءِ الشخصِ بل تَحديدٌ له ، وهل اللِّباسُ إلا وَسيلةٌ من وسائلِ التعبيرِ عن الذاتِ ؟! فكُنْ حَذِرًا في لِباسِكَ؛ لأنه يُعَبِّرُ لغَيْرِكَ عن تَقْوِيمِك في الانتماءِ والتكوينِ والذوْقِ ، ولهذا قِيلَ : الْحِلْيَةُ في الظاهِرِ تَدُلُّ على مَيْلٍ في الباطِنِ والناسُ يُصَنِّفُونَكَ من لِباسِك بل إنَّ كيفِيَّةَ اللُّبْسِ تُعْطِي للناظِرِ تَصنيفَ اللابسِ من : الرصانةِ والتعَقُّلِ أو التَّمَشْيُخِ والرَّهْبَنَةِ أو التصابِي وحُبِّ الظهورِ، فخُذْ من اللِّباسِ ما يَزينُك ولا يَشينُك ولا يَجْعَلْ فيكَ مَقالًا لقائلٍ ولا لَمْزًا لِلَامِزٍ ، وإذا تلاقَى مَلْبَسُك وكيفيَّةُ لُبْسِك بما يَلتَقِي مع شَرَفِ ما تَحْمِلُه من العِلْمِ الشرعيِّ كان أَدْعَى لتعظيمِك والانتفاعِ بعلْمِك، بل بِحُسْنِ نِيَّتِك يكونُ قُرْبَةً إنه وسيلةٌ إلى هِدايةِ الْخَلْقِ للحَقِّ .وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ " أَحَبُّإليَّ أن أَنْظُرَ القارِئَ أبيضَ الثيابِ " . أي : ليَعْظُمَ في نفوسِ الناسِ فيَعْظُمَ في نفوسِهم ما لَدَيْهِ من الْحَقِّ . والناسُ – كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى – كأسرابِ الْقَطَا ، مَجبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببَعْضٍ .فإيَّاكَ ثم إيَّاكَ من لِباسِ التصابِي، أمَّا اللِّباسُ الإفرنجيُّ فغَيرُ خافٍ عليك حُكْمُه ، وليس معنى هذا أن تأتِيَ بلِباسٍ مُشَوَّهٍ لكنه الاقتصادُ في اللِّباسِ برَسْمِ الشرْعِ ، تَحُفُّه بالسمْتِ الصالحِ والْهَدْيِ الْحَسَنِ . وتَطْلُبُ دلائلَ ذلك في كتُبِ السنَّةِ والرِّقاقِ ، لا سِيَّمَا في ( الجامعِ ) للخطيبِ . ولا تَسْتَنْكِرْ هذه الإشارةَ فما زالَ أهلُ العِلْمِ يُنَبِّهُون على هذا في كُتُبِ الرِّقاقِ والآدابِ واللِّباسِ ، واللهُ أَعْلَمُ . هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ : الأمر العاشر - هَجْرُ التَّرَفُّهِ : وعليه فازْوَرَّ عن زَيْفِ الحضارةِ فإنه يُؤَنِّثُ الطِّباعَ ويُرْخِي الأعصابَ ويُقَيِّدُك بِخَيْطِ الأَوْهَامِ ويَصِلُ المُجِدُّونَ لغاياتِهم وأنتَ لم تَبْرَحْ مكَانكَ، مَشْغُولٌ بالتأَنُّقِ في مَلْبَسِكَ وإن كان منها شِيَاتٌ ليست مُحَرَّمَةً ولا مَكروهةً لكن ليست سَمْتًا صالحًا والحِلْيَةُ في الظاهرِ كاللِّباسِ عُنوانٌ على انتماءِ الشخصِ بل تَحديدٌ له ، وهل اللِّباسُ إلا وَسيلةٌ من وسائلِ التعبيرِ عن الذاتِ ؟!لا تَسْتَرْسِلْ في " التَّنَعُّمِ والرفاهِيَةِ " فإنَّ " البَذاذةَ من الإيمانِ " وخُذْ بوَصيةِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في كتابِه المشهورِ وفيه " وإِيَّاكُم والتنَعُّمَ وزِيَّ العَجَمِ ، وتَمَعْدَدُوا واخْشَوْشِنُوا ...." . الشيخ : لا تسترسل في التنعم والرفاهية، وهذه النصيحة تقال لطالب العلم ولغير طالب العلم , لأن الاسترسال في ذلك مخالف لإرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم , فقد كان ينهى عن كثرة الإرفاه ويأمر بالاحتفاء أحيانا, والإنسان الذي يعتاد الرفاهية يصعب عليه معالجة الأمور , لأنه قد تأتيه الأمور على وجه لا يتمكن معه من الرفاهية ولنضرب لذلك مثلا بهذا المثل الذي ذكرناه في الحديث يأمر بالاحتفاء أحيانا , بعض الناس لا يحتفي , دائما عليه جورب وعليه خف وعليه نعل , لا يكاد يمشي هذا الرجل لو عرض له عارض وقيل له تمشي 500 متر بدون وقاية للرجل لوجدت ذلك يشق عليه مشقة عظيمة , وربما تدمى قدمه من مماسة الأرض , لكن لو عوَّد نفسه على الخشونة وعلى ترك الترفه دائما , لحصل له خير كثير . ثم إن البدن إذا لم يعود على مثل هذه الأمور لم يكن عنده مناعة , فتجده يتألم من أي شيء من ذلك , لكن إذا كان عنده مناعة لا يهتم له ولهذا تجد أيدي العمال الآن أقوى بكثير من أيدي طلبة العلم , لأنها تعودت واعتادت على ذلك حتى إن بعض العمال فيما سبق لما كانوا يعانون الطين واللبن إذا مسست أيديهم كأنما مسست حجرا من خشونتها , لو أنه ضم أصابعه على يدك لآلمك كثيرا لإنه اعتاد على ذلك. فترفيه الإنسان نفسه كثيرا لا شك أنه ضرر عليه كبير . قوله : " البذاذة من الإيمان " ما هي البذاذة ؟ البذاذة : عدم التنعم والترفه , وليست البذاءة , فرق بين البذاءة وبين البذاذة . البذاءة صفة غير محمودة , أما البذاذة فهي صفة محمودة . وخذ بوصيه أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور، وفيه: وإياكم وزي العجم . هذه الجمله تحذيرية , لأن العرب عندهم جمل تحذيرية وعندهم جمل إغرائية . فإن وردت في مطلوب فهي إغراء , وإن وردت في محذور فهي تحذير . فلو قلت لشخص : الأسد الأسد , هذا تحذير . وإن قلت : الغزال الغزال, هذا إغراء . أما "إيَّا" فهي للتحذير . قال ابن مالك : إياك والشر ونحوه نصب = محذر بما استتاره وجب ومعنى إياكم : أحذركم . والتنعم : هذه الواو للعطف , وقيل للمعية , والمعنى : أحذركم مع التنعم يعني أن تكونوا مع التنعم , التنعم باللباس وبالبدن وكل شيء, والمراد بذلك كثرته . لأن التنعم بما أحل الله على وجه لا إسراف فيه , من الأمور المحمودة بلا شك . ومن ترك التنعم بما أحل الله من غير سبب شرعي , فهو مذموم . وقوله: وزي العجم ، ما هو زي العجم ؟ شكله . سواء كان ذلك في الحلية كشكل الشعر شعر الرأس أو اللحية أو ما أشبه ذلك أو كان باللباس يعني بالتحلي باللباس. فإننا منهيون عن زي العجم , وليس المراد بالعجم أمة إيران بل المراد بالعجم كل ما سوى العرب فيدخل فيه الأوربيون والشرقيون في آسيا وغيرها, كل من سوى العرب فهو عجم لكن المسلم من العجم التحق بالعرب حكما لا نسبا , لأنه اقتدى بمن بعث في الأميين رسولا , صلى الله عليه وعلى آله وسلم . تمعددوا : هل معناه كبروا معدتكم؟!لا، معد بن عدنان هذا أعلى أجداد الرسول عليه الصلاة والسلام بعد عدنان وهو ولا شك من صميم العرب فكأنه يقول: اتركوا زي العجم وعليكم بزي العرب "معد بن عدنان" وأما اخشوشنوا : فهو من الخشونة التي هي ضد الليونة والتنعم . وكل هذه وصايا نافعة من عمر رضي الله عنه , لو أن الناس عملوا بها , سواء من طلبة العلم أو غير طلبة العلم , لكان في هذا خير كثير . لكن الآن في البلاد التي منَّ الله عليها بالأمن وطيب العيش وكثرة المال , صار الأمر بالعكس تماما, فالتنعم موجود لا يريد الإنسان إلا أن يركب مركبا مريحا ويبني قصرا مشيدا ولا يناله شيء من الأذى لا برد في برد ولا حر في حر ولا يريد أن يمسه شيء متنعم تماما. ولهذا كثرت فيهم الأوبئة التي تترتب على عدم الحركة , مثل السمنة والضغط وضيق التنفس وعدم القدرة ، يعني بعض الناس تجد الشاب تصعد أنت وهو الجبل ،لا ينتصف الجبل إلا وقد سارع نَفَسُه حتى يكاد يسقط بدنه, وأنت مستريح لأنك تعودت وهو لم يتعود مع أنه شاب لكن لم يعود نفسه , زي العجم الآن موجود يترقبون كل موضة تخرج حتى يقلدوها , وقد أتعبت النساء رجالها في هذا الباب تجدها تأتي صباح النهار كل يوم بلباس من أحسن الألبسة نظيف، ساتر , ثم تنزل إلى السوق في آخر النهار فإذا بموضة جديدة , فتصيح أريد أن أشتري هذا الثوب مع أنه أضيق من الأول وأسوأ من الأول ولكن هذا شيء جديد، لا بد من الإعجاب به لا بد من أن تأخذ منه , خصوصا من منَّ الله عليها بالمال كبعض المدرسات وغيرهم , فتجدها لا يهمها تشتري ما تريد , وهذا غلط . ولهذا كثرت الآن بين أيدي النساء مجلات تسمى البردة , تأخذها المرأة وتنظر ما يروق لها حتى وإن كان لباسا لا يتناسب مع اللباس الشرعي , لكنه جديد، نسأل الله السلامة والهداية . القارئ : فكُنْ حَذِرًا في لِباسِكَ؛ لأنه يُعَبِّرُ لغَيْرِكَ عن تَقْوِيمِك في الانتماءِ والتكوينِ والذوْقِ ، ولهذا قِيلَ : الْحِلْيَةُ في الظاهِرِ تَدُلُّ على مَيْلٍ في الباطِنِ والناسُ يُصَنِّفُونَكَ من لِباسِك بل إنَّ كيفِيَّةَ اللُّبْسِ تُعْطِي للناظِرِ تَصنيفَ اللابسِ من : الرصانةِ والتعَقُّلِ أو التَّمَشْيُخِ والرَّهْبَنَةِ أو التصابِي وحُبِّ الظهورِ، فخُذْ من اللِّباسِ ما يَزينُك ولا يَشينُك ولا يَجْعَلْ فيكَ مَقالًا لقائلٍ ولا لَمْزًا لِلَامِزٍ ، وإذا تلاقَى مَلْبَسُك وكيفيَّةُ لُبْسِك بما يَلتَقِي مع شَرَفِ ما تَحْمِلُه من العِلْمِ الشرعيِّ كان أَدْعَى لتعظيمِك والانتفاعِ بعلْمِك، بل بِحُسْنِ نِيَّتِك يكونُ قُرْبَةً إنه وسيلةٌ إلى هِدايةِ الْخَلْقِ للحَقِّ . وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ " أَحَبُّ إليَّ أن أَنْظُرَ القارِئَ أبيضَ الثيابِ " . أي : ليَعْظُمَ في نفوسِ الناسِ فيَعْظُمَ في نفوسِهم ما لَدَيْهِ من الْحَقِّ . والناسُ – كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى – كأسرابِ الْقَطَا ، مَجبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببَعْضٍ . فإيَّاكَ ثم إيَّاكَ من لِباسِ التصابِي، أمَّا اللِّباسُ الإفرنجيُّ فغَيرُ خافٍ عليك حُكْمُه ، وليس معنى هذا أن تأتِيَ بلِباسٍ مُشَوَّهٍ لكنه الاقتصادُ في اللِّباسِ برَسْمِ الشرْعِ ، تَحُفُّه بالسمْتِ الصالحِ والْهَدْيِ الْحَسَنِ . وتَطْلُبُ دلائلَ ذلك في كتُبِ السنَّةِ والرِّقاقِ ، لا سِيَّمَا في - الجامعِ -للخطيبِ . ولا تَسْتَنْكِرْ هذه الإشارةَ فما زالَ أهلُ العِلْمِ يُنَبِّهُون على هذا في كُتُبِ الرِّقاقِ والآدابِ واللِّباسِ ، واللهُ أَعْلَمُ . الشيخ : لما ذكر , وفقه الله , هجر الترفه , أطنب في ذكر اللباس , لأن اللباس الظاهر عنوان على اللباس الباطن . ولهذا يمر بك رجلان كلاهما عليه ثوب مثل الآخر, فتزدري أحدهما ولا تهتم بالآخر, تزدري بمن لباسه ينبغي أن يكون على غير هذا الوجه . إما في الكيفية وإما في اللون وإما في الخياطة أو غير ذلك , والثاني لا ترفع به رأسا ولا ترى في لباسه بأسا , لأن لكل قالب ما يناسبه . مثلا لبس العقال : هو في الأصل لا بأس به , بل إن بعضهم يقول: إنه العمامة العصرية , العمامة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت لفافة تطوى على الرأس وتحتاج إلى تعب في طيها ونقلها, لكن هذا مطوي جاهز ليس عليك إلا أن تضعه على رأسك , فهو العمامة إلا أنها عمامة ميسرة , ولهذا كان بعض الناس فيما سبق يجعلون " العُقُل " يجعلونها بيضاء لتكون كالعمامة تماما , هذه العُقُل لا يلبسها كل الناس على حد سواء , يمر بك رجلان كلاهما قد لبس العقال أحدهما تزدريه والثاني لا تهتم به , لأن الأول لبس ما لا يلبسه مثله والثاني لبس ما يلبسه مثله ولا تهتم به . وأشياء كثيرة من هذا النوع، مر بك رجلان أحدهما ميكانيكي عليه بنطلون ومر بك عالم كبير عليه بنطلون في بلد لا يلبس العلماء مثله, تجد أنك تزدري الثاني ولا تزدري الأول . فالمهم أن الشيخ وفقه الله , يقول إن بعض الناس يكون مشغولا بالتأنق في ملابسه , حتى وإن كانت مباحة , فلا ينبغي أن يكون أكبر همك الهندمة والتأنق في اللباس , والتأنق في لبس الغترة "واجعلها مرزاب لا مرزابين ولا ثلاثة" لا تهتم بهذا , ولكن لا تكون أيضا بالعكس , لا تهتم بنفسك ولا بلباسك , وقد سبق أن التجمل في اللباس مما يحبه الله عز وجل , وهذا عمر رضي الله عنه يقول : أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب . لأنه جمال. وقول الشيخ بكر أبي زيد , وفقه الله : (إنه يعبر لغيرك عن تقويمك، في الانتماء، والتكوين، والذوق)؛ هذا أيضا صحيح لأن كل إنسان قد يزن من لاقاه بحسب ما عليه من اللباس , كما أنه يزنه بالنسبة لحركاته وكلامه وأقواله , وخفته ورزانته كذلك في اللباس . ثم حذر من لباس التصابي، قبلها كلام شيخ الإسلام أيضا كلام مهم: الناس كأسرابِ الْقَطَا ، مَجبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببَعْضٍ . وهذا صحيح ولذلك إذا ظهر نوع جديد من اللباس تجد الناس يتقاطرون عليه فما تلبث أن يسع الناس كلهم . أما لباس التصابي , بأن يلبس الشيخ الكبير سنا ما يلبسه الصبيان , من رقيق الثياب وما أشبه ذلك فهذا أيضا من الأمور التي لا ينبغي للإنسان أن يمارسها . أما اللباس الإفرنجي فغير خاف عليك حكمه , ما هو حكمه ؟ التحريم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم" . لكن ما هو اللباس الإفرنجي ؟ اللباس الإفرنجي هو المختص بهم بحيث لا يلبسه غيرهم , وإذا رآه الرائي قال: إن لابسه من الإفرنج , وأما ما كان شائعا بين الناس , من الإفرنج وغير الإفرنج , فهذا لا يكون من التشبه , لكن قد يحرم من جهة أخرى مثل أن يكون حريرا بالنسبة للرجال , أو قصيرا بالنسبة للنساء أو ما أشبه ذلك , ثم لما خاف أن يمضي الذهن بعيدا قال : وليس معنى هذا أن تأتي بلباس مشوه، يعني ليس معنى ما قاله أن الإنسان يأتي باللباس المشوه كما يفعله بعض الناس , إظهارا للزهد . تجد ثوبه يشق يقول: دعه، ما يهتم به ويتسخ يقول لا يهم أنا مآلي للتراب والأرض تأكل الكفن وتوسخ الجسد ما يهم, أو مثلا يأتي وغترته غير مرتبه ولا يبالي، الجانب هذا قليل والجانب هذا كثير ويمشي بدون مبالاة هذا ليس طيبا, الإنسان ينبغي أن يعتني بنفسه ولا يأتي بما يكون هزءا في حقه, لأنه مأمور بأن يدفع الغيبة عن نفسه"رحم الله امرءا كف الغيبة عن نفسه". *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هنا القارئ: قال رحمه الله هجر الترفه: لا تسترسل في "التنعم والرفاهية" فإنَّ "البذاذة من الإيمان" ، وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في كتابه المشهور، وفيه: "وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا ..." . وعليه، فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخى الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المجدون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتاً صالحاً، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة التعبير عن الذات؟! فكن حذراً في لباسك، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك، في الانتماء، والتكوين، والذوق، ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك، بل إنَّ كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من : الرصانة والتعقل. أو التمشيخ والرهبنة. أو التصابي وحب الظهور. فخذ مم اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالا لقائل، ولا لمزا للامز، وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق. وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه : "أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب". أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق. والناس - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض . فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خاف عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتى بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفه بالسمت الصالح والهدي الحسن.وتطلب دلائل ذلك في كتب السنة الرقاق، لا سيما في "الجامع" للخطيب. ولا تستنكر هذه الإشارة، فما زال أهل العلم ينبهون على هذا في كتب الرقاق والآداب واللباس ، والله أعلم . الشيخ: ذكر المؤلف ها هنا الأدب العاشر من آداب طالب العلم ، وهو ترك الاسترسال في التنعم والرفاهية ، والمراد بالتنعم استخدام أنعم ما يكون من الثياب والمراكب ونحو ذلك ، "فإنَّ البذاذة من الإيمان" ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ" والمراد بالبذاذة ترك الترفه وعدم استعمال الناعم من الملابس والمراكب ، (وجاء في كتاب عمر "إياكم والتنعم وزي العجم ، وتمعددوا" يعني : شابهوا معد بن عدنان الذي كان يترك الرفاهية في لباسه وسائر أموره ، "واخْشَوشِنوا" يعني ليكن من أموركم ما يكون مخالفا للتنعم بالخشونة. "وعليه فازْوَرَّ عن زيف الحضارة" ، جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نام في فراشه فكان في ذلك الفراش رِمالٌ يعني : خيوط و حبال فأثَّرت فيه ، فلذلك جاءه عمر- رضي الله عنه- فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك فقال –رضي الله عنه – ملوك فارس والروم فيما هم فيه وأنت في حالك هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أَوَ في شَك أنت يا ابن الخطاب" ، فالمقصود أنَّ الإنسان يستعمل ما لديه ، يستعمل ما لديه ، فلا يتكلف في ملبسه ولا يتكلف في مركبه ولا يتكلف في أنواع الأثاث لديه ، وذلك لأنَّ التكلف في ذلك يخالف سمت طالب العلم ويجعل الناس يظنون به ظن السَّوء ، قال "وعليه" وبناءً على ما مضى "فازْوَرَّ" يعني : أعرض "عن زيف الحضارة" والمراد به الصورة الظاهرية الزائفة ، "فإنه يؤنث الطباع"يجعل الطبع مشابها لطبع من يكون رقيقا في أموره ، (وُيرخي الأعصاب) وبالتالي لا يتمكن الإنسان من كونه: يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، ولا يكون قويا في الحق ، ومثل ذلك "يقيدك بخيط الأوهام"، الناس لم يعجبهم لباسي ، الناس لم يكن ثوبي حسنا عندهم ، الناس لم يُعجبوا بالرائحة التي استعملتها ، وبالتالي يكون همه في هذه الأمور الظاهرة ويترك الأمور الحقيقية التي ينبغي به أن يتوجه لها ، وبالتالي لا يتمكن المُجِدّون من الوصول لغاياتهم ؛ لأنهم اشتغلوا بالتوافه ومن ثَـمَّ يصل المُجِدّون إلى الغاية وأنت تشتغل بالصورة الظاهرة"لم تبرح مكانك" لأنك مشغول بالتأنق في الملبس ، يعني حسن اختيار أنواع الملابس ، هذا القماش هذه النوعية من القماش أفضل من تلك النوعية ، وبالتالي هذا الكبك أحسن من ذلك الكبك ، هذه الساعة خير وأحسن ، وهذا الجوال بهذه الصفة أحسن من تلك الصفة ، والنوع الفلاني من الجوالات أحسن ، ومن ثمَّ يصبح يشتغل بهذه الأمور التوافه الظاهرة ، "وإن كان منها شِيَات ليست محرمة" ، نحن لا نستطيع أن نقول إنها محرمة ، لكن طالب العلم مشتغل بما هو أعظم وأنفع وأعلى ، هو الذي قد اشتغل بما يوصله إلى جنة الخلد ، فكيف يكون مشتغلا بهذه الأمور الظاهرة. قال "وإن كان منها شيات" ، الشية هي : الأمور القليلة التي ليست بمحمودة ، ليست محرمة ولا مكروهة ، لكن ليست سمتا صالحا ، وبالتالي ليست من صفة طالب العلم ، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على اهتمام الشخص ، من جاء وعليه شماغ وقد زخرف ذلك الشماغ ، عَرَفت طريقته وحكمت عليه ، إذا وجدته قد لبس من الساعات المزخرفة التي فيها جذب لرؤية الآخرين عرفت توجهه وعرفت طريقته ، فالحلية في الظاهر عنوان على انتماء الشخص ، ولذلك الأشخاص في ألبستهم يذهب كل منهم إلى من يُشاكله في اللباس ، ومن هنا من لبس الملابس الكاملة ، لبس الغترة ولبس البُشت ، وجدته مع من كان بهذه الصفة ، ومن خلع العباءة وجدته مع من ماثله ، ومن خلع الغترة وجدته مع من ماثله ، وهكذا فالناس كالطيور يأتون إلى من يماثلهم في الصفة ، والطيور على أشكالها تقع. قال "وهل اللباس إلا وسيلة من وسائل التعبير عن الذات" ، لذلك من وجدته يلبس أنواعًا من الألبسة حكمت عليه من مجرد لباسه ، "فكن حذرا في لباسك ؛ لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك" ، فالناس يحكمون عليك من خلال ما تلبَسه ، سواءً في "انتمائك"إلى من تنتمي ، وكذلك في (تكوينك) ما هي شخصيتك ؟ ، يعرفونها من اللباس ، وكذلك في "ذوقك" فيعرفون ما هو ذوقك؟ ، وما الذي تشتهيه وما لا تشتهيه من خلال رؤية لباسك ، وانظر إلى نفسك كم من شخص بمجرد رؤيته الظاهرة ارتاحت نفسك إليه ، وكم من شخص بمجرد رؤيته الظاهرة اشمأزت نفسك منه وابتعدت عنه كل الابتعاد ، و هذا تجدونه ، ولهذا قيل "الحلية في الظاهر" ، ما تظهره من حليتك ولباسك "تدل على ميل في الباطن ، والناس يصنِّفونك من لباسك ، بل إنَّ كيفية اللُّبس تعطي للناظر تصنيف اللابس" ، نلبس جميعا هذه الكوفية - الغترة - ومع ذلك يحكم الناس علينا بأحكام مختلفة لطريقة اللُّبس ؛ فهذا يصفونه بالعقل والحكمة وهذا يصفونه بالطيش من مجرد لبسته لهذا النوع من أنواع اللباس ، وهكذا أيضا بلباسك يحكمون هل أنت شيخ؟ ، هل أنت ممن يُقبل على الخير أم أنت ممن يُقبل على الشر؟ ، هل أنت ممن يتصابى ويحاول أن يُظهر نفسه بمظاهر الصبيان وصغار السن؟ ، هل أنت ممن يحب الظُّهور ويحب لَفت الأنظار إليه أو لا؟ ، فحينئذٍ خذ من اللباس ما يكون مزيِّنًا لك عند الله – جل وعلا- ومبعدًا لقالة السوء ومظنة السوء فيك ، واترك ما يَشينك من اللباس ، لكن لا يعني هذا أن يلبس الإنسان الثياب المُخَرَّقة ، أو يلبس الثياب المتسخة ، أو يلبس ما لا يعتاده الناس من اللباس ، و إنما يلبس ما يكون معتادًا عند أهل الخير والصلاح من اللباس ، ويَتَزيَّى بزيِّهم ، ولذلك لم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه طريقة أهله وقبيلته ، لبس مثل لباسهم لكن على صفة محمودة ، ولذلك حتى فيما يتعلق في طريقة لبسه تدل على العقل والرزانة. اللباس إذا لم يكن على الصفة المعهودة جعل للناس فيك مقالا ، ومنها إذا جاء طالب علم لبس في كوفيته من أنواع الزري ، وجعل في ثوبه أنواع المخططات التي تكون لافتة للنظر ، فحينئذ هذا ليس لائقًا به وليست هذه اللِّبسة من ملابس أهل الفضل والعلم ، وهذه قد تجعل الناس يتكلمون فيه ويلمزونه ومن ثَمَّ لايَقبلون ما لديه من العلم ، وإذا تلاقى ملبسك وكيفية نوع المَلبس وكيفية اللُّبس – طريقة اللُبس- بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم ، انتفع الناس بك وأخذوا منك العلم ، وإذا أحسنت النية في لباسك وفي اختيار نوعه ، كان ذلك سببًا للحصول على الأجر من جهة ، وسببًا لقبول الناس منك وأخذهم الحق عنك. قال عمر "أَحَبُّ إليَ أن أنظرَ القارئَ أبيض الثياب" ، ولهذا جاء في الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر باختيار الثياب البيضاء وقال "الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبِيضَ وَكَفِّنُوا فِيه مَوْتَاكُم"، وهذا لأنَّ الثوب الأبيض يجر النفوس إليه ، وترتاح العين برؤيته ، ويسكن القلب بالاطلاع على صاحبه ، قال "والناس كما قال شيخ الإسلام كأسراب القطا" ،- القطا نوع من أنوا ع الطيور- "مجبولون على تشبه بعضهم ببعض" ، فطائر القطا إذا فعل واحد منهم شيئًا فعل البقية مثل فعله ، تجدونهم في أول النهار إذا صوَّت واحدٌ منهم لجَّت أصواتهم في وقت واحد ، ثم قال "فإياك" - يعني احذر- "من لباس التصابي" ، لِبس مثل لبس الصبيان بحيث يظن الناس أنك صغير السن ، ثم ذكر المؤلف اختيار الألبسة التي تكون من بلدان أخرى فهذا ليس من شأن طالب العلم ، وإن كان إذا ذهب إليهم قد يلبَس مثل لباسهم ، مثال هذا : لباس أهل الخليج يخالفوننا في بعض الصفات ، فحينئذ لا ينبغي لطالب العلم أن يلبس مثل لباسِهم عند أصحابه وجماعته وأهل بلده لماذا؟ ، لأنَّ الناس يلتفتون إلى هذا ويكون مثارًا لكلامهم وحديثهم فينصرفون عن علمك وعن حديثك إلى الاطِّلاع على لباسك ، وهكذا مثلا لباس أهل باكستان لا يلبسه طالب العلم ، لماذا؟ لأنه ليس من الألبسة المعتادة ، وهكذا أيضا اللباس الذي يكون للكفار فإنَّ المؤمن حريص على الابتعاد عن التشبه بغير المسلمين ، وقد ورد في أحاديث كثيرة أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم - نهى عن التشبه باليهود ، وعن التشبه بالنصارى ، وعن التشبه بالأعاجم ، وعن التشبه بالمجوس ، و "ليس معنى هذا أن يأتي الإنسان بلباس مشوَّه" إما وسخ وإما مُقطع فإنَّ هذا من لباس الشهرة ، ومن هنا فإنه يُنهى عنه ، وقد ورد في الحديث النهي عن لباس الشهرة ، و"لكنه الاقتصاد في اللباس" أيضا يجتنب الإنسان ذلك اللباس الذي له أثمان كثيرة فإنَّ هذا إسراف؛ والإسراف منهي عنه في الشريعة ، وبالتالي إذا التزم الإنسان بهذه الآداب كان متصفا بالسمت الصالح والهدي الظاهر الحسن ، وأهل العلم قد كتبوا لذلك أمثلة في كتب الرقائق وكتب السنة ، وقد أَلَّف عدد من الأئمة كتبًا في هذا ، وألَّفوا في الزهد كتبًا عديدة ، ومثَّل المؤلف لذلك بكتاب الجامع لآداب الراوي والسامع للخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى - ، لا يقولنَّ قائل : ما مدخل هذا في آداب طالب العلم ؟ ، فنقول : أولا : النصوص الشرعية قد وردت بهذه الآداب. وثانيا : الناس عند التزام هذه الآداب يُقبلون على علم ذلك المُتعلم . وثالثا : الناس ينفرون ممن لم يتصف بهذه الآداب ولا يَقبلون منه علما . ورابعا: أنَّ لبس ما يُخالف ما تقدم يُعدُّ من أنواع الشهرة التي تورث في النفس ترفعًا وتكبرا ، و طالب العلم ينبغي به أن يعالج نفسه. هذا شيءٌ مما يتعلق بهذه الصفة من صفات طالب العلم ، و أسأل الله - جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .....، وأسأله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن اتصف بصفات طلاب العلم ، ولعلنا إن شاء الله نأخذ شيئا من الأسئلة لا تزيد عن سؤالين. الأسئلة: السائل : أحسن الله إليكم هذا سائل يقول :"فضيلة الشيخ هل تذكر لنا بعض الحرف المهينة ......؟ الشيخ : الحرف المهينة التي يترفع عنها طالب العلم تختلف ما بين زمان وزمان ومكان ومكان ؛ عندنا سابقًا من كان يشتغل في الصناعة أو لديه عمال يعملون في صناعة شيء عدَّوا هذا حرفة مهينة ، والآن وجدنا تجارًا وأناسًا لهم مكانة عندهم مصانع مختلفة ، ولذلك مثلا عندنا مهنة الحلاق ، هل يليق بطالب العلم في مجتمعنا أن يكون حلاقًا؟ ، أو يكون حجَّامًا؟ هذا ليس مما يليق بطالب العلم في مواطننا وفي أزمنتنا ، لكن في بلدان أخرى قد يكون هذا أمرا غير مخالف لصفات المروءة. السائل : أحسن الله إليكم هذا سائل يقول : ما حكم جلوس المرأة مع أهل بيتها وهي بكامل زينتها لابسة البرقع وبحضور زوجها علما بأنَّ زوجها ... قد يكون من أطراف الحديث؟ الشيخ: الأصل أنَّ المرأة المسلمة حريصة على صيانة نفسها لا تقوم بالاتِّصاف بما يُظهر شيئا من زينتها ، لا يجوز لها أن تتعطر عند غير محارمها ؛ أخ الزوج وابن أخ الزوج وعم الزوج أجانب عنها ، ومن هنا تعاملهم بمعاملة الأجانب ؛ لا تتعطر لديهم ولا تتبذل في الحديث والضحك معهم ولا تقوم بإظهار شيء من زينتها سواءً الذهب ، أو ما يتعلق بالثياب الحسنة الملفتة للذهن ، كذلك تجتنب المرأة عند هؤلاء المحارم إظهار شيء من بدنها ، والنصوص في هذا كثيرة ، نسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى ، وأن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصةً لوجهه ، اللهم ارزقنا علمًا نافعا وعملا صالحا ، هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد هنا
السؤال: تمعددوا؟ سمعت أنها مأخوذة من معد بن يكرب إن كان ذلك صحيحا .. فما كان فعله ؟ الجواب : "وتمعددوا واخشوشنوا"قالها عمر بن الخطاب في وصيته للمقاتلين بأذربيجان ، وقد رواهالنسائي من حديث أبي عثمان النهدي عن عمر ورواه أبو عوانة والطبراني مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي حدرد الأسلمي . قال ابن الجزري في النهاية في غريب الحديث: يقال : تَمَعْدَدَ الغلامُ إذا شَبَّ وغَلُظَ . وقيل : أراد تَشَبَّهوا بعَيْشِ مَعَدِّ بنِ عدنان . وكانوا أهلَ غِلَظٍ وَقَشف : أي كونوا مثْلَهم ودَعُوا التَّنَعُّم وزِيَّ العَجَم - ومنه حديثه الآخر" عليكم باللِّبْسَة المَعَدِّيَّة " أي خُشُونة اللِباس. وقال حسان بن ثابت: فحاضرنا يكفوننا ساكن القرىوأعرابنا يكفوننا من تمعـددا |
#14
|
||||
|
||||
11-الإعراضُ عن مَجَالِسِ اللَّغْوِ لا تَطَأْ بِساطَ مَن يَغْشُونَ في نادِيهم الْمُنْكَرَ ، ويَهْتِكُون أستارَ الأَدَبِ مُتَغَابِيًا عن ذلك ، فإنْ فعَلْتَ ذلك فإنَّ جِنايَتَكَ على العِلْمِ وأَهْلِه عظيمةٌ .هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ: الأمر الحادي عشر: الإعراضُ عن مَجَالِسِ اللَّغْوِ : لا تَطَأْ بِساطَ مَن يَغْشُونَ في نادِيهم الْمُنْكَرَ ، ويَهْتِكُون أستارَ الأَدَبِ مُتَغَابِيًا عن ذلك ، فإنْ فعَلْتَ ذلك فإنَّ جِنايَتَكَ على العِلْمِ وأَهْلِه عظيمةٌ . الشيخ: أما قوله"الإعراض عن مجالس اللغو" فاللغو نوعان: لغو ليس فيه فائدة ولا مضرة، ولغو فيه مضرة أما الأول فلا ينبغي للعاقل أن يُذهب وقته فيه لأنه خسارة وأما الثاني فإنه يحرم عليه أن يمضي وقته فيه لأنه منكر محرم والمؤلف كأنه حمل الترجمة على المعنى الثاني الذي هو اللغو المحرم ولا شك أن المجالس التي تشتمل على المحرم لا يجوز للإنسان أن يجلس فيها لأن الله تعالى يقول" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا "النساء :140" فمن جلس مجلسًا منكرًا وجب عليه أن ينهى عن هذا المنكر فإن استقامت الحال فهذا المطلوب وإن لم تستقم وأصروا على منكرهم فالواجب أن ينصرف خلافا لما يتوهمه بعض العامة يقول: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال"فإن لم يستطع فبقلبه " وأنا كاره لهذا المنكر في قلبي وهو جالس مع أهله فيقال له: لو كنت كارهًا له حقًا ما جلست معهم لأن الإنسان لا يمكن أن يجلس على مكروه إلا إذا كان مكرها، أما شيء تكرهه وتجلس باختيارك فإن دعواك كراهته ليست بصحيحة، وقوله"فإن فعلت ذلك فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة"أما كونه جنايته على نفسه فالأمر ظاهر، يعني لو رأينا طالب علم يجلس مجالس اللهو واللغو والمنكر فجنايته على نفسه واضحة وعظيمة، لكن كيف تكون جناية على العلم وأهله ؟ لأن الناس يقولون: هؤلاء طلبة العلم، هؤلاء العلماء، هذا نتيجة العلم، وما أشبه ذلك فيكون قد جنى على نفسه وعلى غيره. *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هنا الشيخ : الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أما بعد : فلا زلنا في سياق الكلام عن آداب طلب العلم حيث بحثنا عشرة آداب في كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ، ولعلنا إن شاء الله جل وعلا نواصل الحديث في ذلك ، نعم القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :...... الإعراض عن مجالس اللغو: لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر ، ويهتكون أستار الأدب ، متغابياً عن ذلك ، فإن فعلت ذلك ، فإنّ جنايتك على العلم وأهله عظيمة. الشيخ : إذن هذا هو الأدب الحادي عشر الإعراض عن مجالس اللغو ، والمراد باللغو ما يشين الإنسان من أنواع الكلام ، قال تعالى "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ "1" الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ "2" وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ" ، و بعض أهل العلم يقول : إنّ المراد باللغو مالا فائدة له من الكلام ، وكلاهما قد يكون مرادا هنا فطالب العلم يحفظ وقته؛ ومن حفظه لوقته أن يعرض عن مجالس اللغو ليستعمل وقته في طاعة الله جل وعلا . قال المؤلف "لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر" المراد بالمنكر المعصية فإنه لا يجوز للإنسان أن يجلس في مجلس يعصى الله فيه وهو قادر على ترك ذلك المجلس ، قال تعالى "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ" ، وقال جل وعلا "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا" ، وجاء في سنن أبي داود "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس المؤمن على مائدة يدار فيها الخمر" وهكذا بقية أنواع المعاصي ، قال المؤلف "متغابيًا عن ذلك" يعني : لا تجلس في ذلك المجلس الذي فيه معصية وفيه هتك لستر الأدب "متغافلا عنه" غير ملتفت إليه ، فإن فعلت ذلك فجلست في هذه المجالس فإنّ جنايتك على العلم وأهله عظيمة ، لأنّ الناس يزدرون يهتكون أستار الأدب مع أهل العلم ولا يقيمون لهم وزنا ، ويكون ذلك سببا من أسباب انتشار المعاصي والمنكرات لأنهم إذا رَأَوْا طلبة العلم يجلسون في مجالس المعصية ولا ينكرونها فعل أهل المعاصي تلك المعاصي في الظاهر ولم يختفوا بها ، و من قواعد الشريعة الترغيب في عدم إظهار المنكرات وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال "كل أمتي معافى إلا المجاهرون".أخرجه البخاري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - رقم 6069. * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد
السؤال الأول : في الاعراض عن مجالس اللغو هناك من يحتج بحديث بانت سعاد وان القصيده بها من الغزل ما لم ينكره صلى الله علية وسلم، فما توجيهكم؟ الجواب : مطلع البردة ليس بغزل وإنما هو أسى على فراق زوجته بسبب محنته ، وقد أدخل بعض الرواة أبياتاً فيها ليست منها ، وما استفاضت روايته من أبياتها فليس فيه تشبب منكر، ولا تزيين للفاحشة ولا دعوة للباطل. وإنما هو يعرض شكايته ومحنته على النبي صلى الله عليه وسلم. هنا |
#15
|
||||
|
||||
12-الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ .
ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ " الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ " وعنه في" مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ " . " إنه وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا - القاموسُ – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - . فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ - القاموسَ - وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه " والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ" أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ " اهـ ملَخَّصًا . هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ: الأمر الثاني عشر الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ : التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ . الشيخ: الهيشات يعني بذلك هيشات الأسواق كما جاء في الحديث التحذير منها لأنها تشتمل على لغط وسب وشتم وبعض طلبة العلم يقول أنا أقعد في الأسواق من أجل أن أنظر ماذا يفعل الناس؟ وماذا يكون بينهم؟ فنقول: هناك فرق بين الاختبار والممارسة يعني لو ذكر لك أن في السوق الفلاني كذا وكذا فهنا لا حرج عليك أن تذهب وتختبر بنفسك لكن لو كان جلوسك في هذا السوق مستمرا تمارسه كل عصر تروح تجلس في هذا السوق لكان هذا خطأ بالنسبة لك لأنه إهانة لك ولطلب العلم ولطلبة العلم عموما وللعلم الشرعي أيضا . القارئ: ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ " الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ " وعنه في" مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ " . " أنه وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا "القاموسُ " – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - . فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ " القاموسَ " وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه " والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ " أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ " اهـ ملَخَّصًا . الشيخ: هؤلاء قبائل جرى بينهم فتنة فقتل من إحدى القبيلتين أربعة رجال فحضروا إلى القاضي فقال الشيخ واسمه باب بن أحمد: مثل هذا لا قصاص فيه قال القاضي الحاكم: إن هذا لا يوجد في كتاب، يعني أين الدليل على أنه لا قصاص فيه؟ لا يوجد، في أي كتاب أنه لا قصاص في ذلك، فقال الشيخ باب بن أحمد: بل لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس، يعنى أنه يدخل في عموم كتاب وهو قول باب بن أحمد: لم يخل منه كتاب كلمة -م يخل منه كتاب- كلمة كتاب عامة تشمل كل الكتب، كتب الفقه والعقيدة والنحو والأدب وكل شيء؛ لأن كتاب نكرة في سياق النفي فتكون للعموم وهو يقول لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس، القاضي الآن يعني عنده ثقة بنفسه أنه لن يوجد في القاموس حكم هذه المسألة؛ لأن القاموس كتاب لغة وليس كتاب فقه، قال القاضي هذا القاموس وأنت تقول: لا يخلو منه كتاب، هذا القاموس أعطني إياها، يقول فتناول صاحب الترجمة القاموس وأول ما موقع نظره عليه والهيشة فتنة وأم حبين وليس في الهيشات قود، فأخذ من كتاب القاموس أن حكم القاضي بأنه يقتل من القبيلة الأخرى أربعة خطأ . هذا معنى هذه القصة. أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج انتهى ملخصًا . الهشية الفتنة وأم حبين من يعرف أم حبين ؟ هي دويبة لكنها تشبه الخنفساء، دوبية يعني ليست من الدواب القوية لكنها على كل حال هي دويبة من الحشرات . *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هنا القارئ : الإعراض عن الهيشات : التصون من اللغط والهيشات ، فإنّ الغلط تحت اللغط ، وهذا ينافي أدب الطلب.ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب "الوسيط في أدباء شنقيط" وعنه في "معجم المعاجم":"أنه وقع نزاع بين قبيلتين ، فسعت بينهما قبيلة أخرى في الصلح ، فتراضوا بحكم الشرع ، وحكموا عالماً ، فاستظهر قتل أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى ، فقال الشيخ باب بن أحمد : مثل هذا لا قصاص فيه. فقال القاضي : إنّ هذا لا يوجد في كتاب. فقال : بل لم يخل منه كتاب. فقال القاضي : هذا "القاموس" يعنى أنه يدخل في عموم كتاب - فتناول صاحب الترجمة "القاموس" وأول ما وقع نظره عليه : "والهيشة : الفتنة ، وأم حبين ، وليس في الهيشات قود" ، أي : في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله ، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج"اهـ ملخصاً. الشيخ : إذن هذا أدب من آداب طالب العلم أنه يتصون عن اللغط والهيشات ،والمراد بالهيشات : ما يحصل من الخصومات والتجمعات التي يكون فيها كلام بعض الناس على بعض وما لا يمكن ضبطه و لا تعرف عاقبته ، فإنّ دخول طلبة العلم في الهيشات ينتج عنه أنّ الناس قد يعتدون عليهم ، وقد يتكلمون فيهم ، وقد يكون ذلك سببا من أسباب احتقارهم وعدم معرفة ما لديهم من علم يستوجب رفع مكانتهم و الأخذ منهم ، وذكر المؤلف هنا ما يتعلق بهذا النداء الذي وقع بين هاتين القبيلتين ، نعم. |
#16
|
||||
|
||||
* إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد/ هنا
الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول : الإعراض عن الهيشات ، ما المراد بها ؟ الجواب : الهيشة والهوشة بالياء والواو هي المنازعة التي تفضي إلى تسابّ أوتضارب أوتقاتل ،فتختلف درجتها باختلاف ما تؤدي إليه وكلها يشملها اسم الهوشة والهيشات وجمعها: هيشات وهوشات. السؤال الثاني : لم أفهم هذا الكلام : اقتباس: الهيشات يعني بذلك هيشات الأسواق كما جاء في التحذير منها لأنها تشتمل على لغط وسب وشتم وبعض طلبة العلم يقول أنا أقعد في الأسواق من أجل أن أنظر ماذا يفعل الناس؟ وماذا يكون بينهم؟ فنقول: هناك فرق بين الاختبار والممارسة الجواب : يقصد بالممارسة أن يكون من عادة طالب العلم أن يكثر الجلوس في الأسواق من غير حاجة لشراء أو بيع ، وإنما رغبة في تزجية الوقت وملاحظة الناس ؛ فهذا مذموم ، وليس من أدب طالب العلم أن يكون بهذه الحالة، وهذا فيه امتهان لقدره. وأما الاختبار فقصد به لو أن أحدًا أخبره عن حدث حصل في السوق فذهب ليختبر صدق الخبر ويتحقق منه فهذا يختلف عن الأول ، وقد يكون مطلوبًا إذا كان يترتب على ذلك إنكار منكر أو نصرة مظلوم أو إعانة محتاج، وإذا كان لغرض الفرجة فقط لم يكن فيه فضيلة ، بل هو إلى المنع أقرب لئلا يطلع من الناس على ما يكرهون فيعاقب بذلك في بعض شأنه. |
#17
|
||||
|
||||
13- التحَلِّي بالرِّفْقِ الْتَزِم الرِّفْقَ في القوْلِ ، مُجْتَنِبًا الكلمةَ الجافيةَ فإنَّ الْخِطابَ اللَّيِّنَ يتَأَلَّفُ النفوسَ الناشِزَةَ . وأَدِلَّةُ الكتابِ والسنَّةِ في هذا مُتكاثِرَةٌ .هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ: الأمر الثالث عشر التحَلِّي بالرِّفْقِ : الْتَزِم الرِّفْقَ في القوْلِ ، مُجْتَنِبًا الكلمةَ الجافيةَ فإنَّ الْخِطابَ اللَّيِّنَ يتَأَلَّفُ النفوسَ الناشِزَةَ . الشيخ: وأَدِلَّةُ الكتابِ والسنَّةِ في هذا مُتكاثِرَةٌ . هذا من أهم الأخلاق لطالب العلم سواء أكان طالبا أم مطلوبا أي: معلما فالرفق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام"إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء وإلا شانه"لكن لا بد أن يكون الإنسان رفيقًا من غير ضعف أما أن يكون رفيقًا يُمتهن ولا يؤخذ بقوله ولا يهتم به فهذا خلاف الحزم لكن يكون رفيقًا في مواضع الرفق وعنيفًا في مواضع العنف ولا أحد أرحم من الخلق من الله عز وجل ومع ذلك يقول"الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" فلكل مقام مقال لو أن الإنسان عامل ابنه بالرفق في كل شيء حتى فيما ينبغي فيه الحزم ما استطاع أن يربيه، لو كان ابنه مثلا كسر الزجاج وفتح الأبواب وشق الثياب ثم جاء الأب ووجده على هذه الحال قال : يا ولدي ما يصلح هذا لو شققته يتلف ولو كسرته تكون خسارة علينا وقمت تكلمه هكذا والولد عفريت من العفاريت، يكفي هذا أم لا يكفي؟ ما يكفي كل مقام له مقال "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر " لكن إذا دار الأمر بين الرفق أو العنف فما الأفضل ؟ الرفق، فإن تعين العنف صار هو الحكمة . يقول: مجتنبًا الكلمة الجافية، هذا صحيح تجنب الكلمة الجافية والفعلة الجافية أيضا، وقوله: الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة، عندنا كلمة يقولها العامة لا أدري هل توافقون عليها أم لا: الكلام اللين يغلب الحق البين، لا بد أن نفهم المراد يغلب الحق البين يعني أن تليين الكلام للخصم ولو كان الحق معه فإنه يتنازل عن حقه، وليس معناه أن الكلام اللين يبطل الحق، يغلب الحق البين يعني فيما جاء به الخصم لأنك إذا ألنت له الكلام لان لك وهذا شيء مشاهد إذا نازعت أحدا فسيشتد عليك ويزيد وإذا ألنت له القول فإنه يقرب منك ولهذا قال الله تعالى لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون"فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)"طه. *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هناالقارئ : التحلي بالرفق : التزم الرفق في القول ، مجتنبًا الكلمة الجافية ، فإنّ الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة . وأدلة الكتاب والسنة في هذا متكاثرة. الشيخ : هذا هو الأدب الثالث عشر من أدب طلب العلم التحلي بالرفق ، والمراد بالرفق السهولة واللين ، و لا يعني نفي العقوبة أو نفي ما يكون مؤديا إلى أخذ الإنسان بحقوقه ، جاء في ذلك نصوص عديدة قال تعالى "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" ، وجاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه"، وقد جاء في الحديث "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذهب و معه عائشة رضي الله عنها فقال له نفر من اليهود فقال اليهود : السام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وعليكم ، فقالت عائشة : بل عليكم السام واللعنة والغضب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مهلا يا عائشة ، قالت : ألم تسمع ما قالوا ، لقد قالوا السام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألم تسمع ما قلتْ ، قلتُ : وعليكم فيستجاب لنا ولا يستجاب لهم ، ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه" ، وفي الحديث الآخر "الرفق خير كله" ، جاء في عدد من الأحاديث الترغيب في لين القول وعدم إغلاظه ، ليكون ذلك سببا في تأليف القلوب ، قال تعالى "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" ، وقال سبحانه "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا" ، الناس مهما كانت قلوبهم يتمكن طالب العلم من جلبهم بالكلمة الطيبة اللينة السهلة ، ولذلك انظر كم أثرت من كلمة في نفوس كانت بعيدة عن الخير ناشزة عنه بعيدة عن طاعة الله جل وعلا ، وكم من كلمة كانت قاسية كانت سببا من أسباب ابتعاد كثير من الناس عن طاعة الله تعالى ، والعبد يحرص على لين القول تقربا لله ، وليكون ذلك أدعى لقبول قوله لا انتصارا لنفسه ، وإنما رغبة في نشر الخير وأملا في قَبول الناس ما يقوله من دعوة إلى الله جل وعلا فيكون هذا سببًا من أسباب زيادة حسناته وعلو درجته عند الله جل وعلا ، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم "الكلمة الطيبة صدقة". |
#18
|
||||
|
||||
14- التأمُّلُ
التَّحَلِّي بالتأمُّلِ ، فإنَّ مَن تَأَمَّلَ أَدْرَكَ ، وقيلَ " تَأَمَّلْ تُدْرِكْ ". وعليه فتَأَمَّلْ عندَ التَّكَلُّمِ : بماذا تَتَكَلَّمُ ؟ وما هي عائدتُه ؟ وتَحَرَّزْ في العِبارةِ والأداءِ دونَ تَعَنُّتٍ أو تَحَذْلُقٍ ، وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ ، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا .هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ:الأمر الرابع عشر: التأمُّلُ : التَّحَلِّي بالتأمُّلِ. فإنَّ مَن تَأَمَّلَ أَدْرَكَ ، وقيلَ " تَأَمَّلْ تُدْرِكْ " . وعليه فتَأَمَّلْ عندَ التَّكَلُّمِ : بماذا تَتَكَلَّمُ ؟ وما هي عائدتُه ؟ وتَحَرَّزْ في العِبارةِ والأداءِ دونَ تَعَنُّتٍ أو تَحَذْلُقٍ ، وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ ، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا . الشيخ : التأمل الذي أراده :تأمل عند الجواب كيف يكون جوابك؟ هل هو واضح لا يحصل فيه لبس أو مبهم؟ وهل هو مفصل أو مجمل؟ حسب ما تقتضيه الحال المهم التأمل يريد بذلك التأني وألا تتكلم حتى تعرف ماذا تتكلم به وماذا ستكون النتيجة؟ ولهذا يقولون: لا تضع قدمك إلا حيث علمت السلامة يعني : الإنسان يخطو ويمشي لا يضع قدمه في شيء لا يدري أحفرة هو أم شوكا أم حصى أم نارا أم ثلجا حتى يعرف أين يضع قدمه، فالتأمل هذا مهم ولا تتعجل إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك ولهذا قال الشاعر الناظم : قد يدرك المتأني بعض حاجته = وقد يكون مع المستعجل الزلل وربما فات قوم جل أمرهم = مع التأني وكان الرأى لو عجلوا فإذا دار الأمر بين أن أتأنى وأصبر أو أتعجل وأقدم فأيهما أقدم؟ الأول لأن القولة أو الفعلة إذا خرجت منك لن ترد لكن ما دمت لم تقل ولم تفعل فأنت حر تملك، فتأمل بماذا تتكلم به؟ وما هي فائدته؟ ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت " تحرز في العبارة والأداء وهذا أيضا من أهم ما يكون يعني : لا تطلق العبارة على وجه تؤخذ عليك بل تحرز إما بقيود تضيفها إلى الإطلاق وإما بتخصيص تضيفه إلى العموم وإما بشرط تقول إن كان كذا أو ما أشبه ذلك ولكن أقول دون تعنت أو تحذلق، تعنت يعني دون أن تشق على نفسك، النعنت من العنت أو تحذلق يعني تدعي أنك حاذق وهذا التحذلق من الحذق مع زيادة اللام وإلا فالأصل أن اللام هنا ليست موجودة في تحذلق، وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ، لعله أراد تأمل عند المذاكرة: يعني إذا كنت تذاكر غيرك في شيء وتناظره فاختر القالب المناسب للمعنى المراد، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا، وكذلك أيضا في الجواب وهو أهم لأن السؤال يسهل على المسؤول أن يستفهم من السائل: ماذا يريد ؟ أريد كذا وكذا فيتبين الأمر لكن الجواب إذا وقع مجملا فإنه يبقى عند الناس على تفاسير متعددة كل إنسان يفسر هذا الكلام بما يريد وبما يناسبه. *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هنا القارئ : قال المؤلف ... التأمل : التحلي بالتأمل ، فإنّ من تأمل أدرك ، وقيل:"تأمل تدرك" . وعليه ، فتأمل عند التكلم : بماذا تتكلم ؟ وما هي عائدته ؟ وتحرز في العبارة والأداء دون تعنت أو تحذلق ، وتأمل عند المذاكرة كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد ، وتأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين ؟ و هكذا. الشيخ : الأدب الرابع عشر من آداب طالب العلم أن يكون متأملا متفكرا في عواقب الأمور ، التأمل يشمل عددا من الأشياء : أولها : التفكر بحيث يعرف حقيقة ما يعرض عليه سواءا كان من آيات الله الكونية أو من آيات الله الشرعية ، وقد جاءت النصوص في الترغيب في التفكر في ذلك. الثاني : الاعتبار وهو مقايسة النّفس بغيرها بحيث يقيس العبد نفسه على غيره فيما يتعلق بما حصل عليهم سواءا كان من العاقبة الحميدة أو العواقب السيئة ، فإنّ ما حل بغيرك سيحل بك متى ما فعلت مثل فعله . الأمر الثالث : مما يدخل في التأمل : التدبر بحيث يعرف الإنسان معاني الكلام ويتأمل في دلالاته وقد جاءت النصوص في الترغيب في التدبر قال تعالى "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ" ، وقال جل وعلا "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ" ، وحينئذ أيضا يتأمل الإنسان في كلامه فلا يتكلم إلا بالكلام الذي تكون عاقبته حميدة ، ويشمل هذا أمور : الأول : أن يكون اللفظ مناسبا غير نابي أو أقل مما يراد به من المعاني ، فإنّ اللغة واسعة واللفظ يدل على معنى ، وهناك ألفاظ تدل على معنى أعلى منه ، وهناك ألفاظ تدل على معاني أقل منه ، وحينئذ ننتقي من الألفاظ ما يكون دالا على المراد ، و بالتالي يتفكر الإنسان في ألفاظه ، ويتفكر في معاني الألفاظ بحسب الدلالة اللغوية قبل أن يتكلم بالكلمة . الثاني : أن يتأمل الإنسان في العواقب التي تنتج عن هذه الكلمة فإن كانت العاقبة حميدة تكلم بها ، و إن كانت العاقبة غير ذلك لم يتكلم بها ، و هكذا أيضا يتأمل في طريقة كلامه و أسلوبه بحيث يكون مرتبا ترتيبا صحيحا لا يأتي بكلام متنافر لا يصح أن يرتب بعضه على بعض ، كذلك يحرص أن يكون كلامه سهلا بحيث يجتنب التقعر في الكلام ، كذلك يحرص أن يكون كلامه سهلا من جهة وضوحه ، واضحا عند سامعه يعرف المراد به ، كذلك يجتنب اللفظ الذي يكون مجملا يحتمل معانيَ متعددة ، فإنّ الألفاظ المشتركة إذا أطلقها الإنسان قد يفهم منها غير ما يريده المتكلم به ، وكذلك فيما يتعلق بإطلاق الأسئلة يتحرز الإنسان في أسئلته عند شيخه فلا يتكلم بلفظ في سؤاله إلا وهو دال على المراد الذي يريده ويكون ملتزما فيه جانب الأدب ، كذلك يكون مفهوما عند شيخه بحيث يجتنب ما قد يظن أنه لا يفهم ، وكذلك يحرص عند سؤاله ألا يتكلم بالألفاظ التي لها معاني متعددة ويكون الكلام في أحد هذه الأبواب التي يُفهم منها خلاف مراد السائل ، مثال هذا : عند كلمة المفرد في النحو نطلقها ماذا نريد بها ؟ مرة نريد بها ما يقابل الجملة وما يقابل شبه الجملة ، ومرة نطلق كلمة المفرد ونريد بها ما يقابل المثنى والجمع ، فعندما يأتي المتكلم ويتكلم في باب الخبر ويقول : الخبر ينقسم إلى مفرد وجملة وشبه جملة فيسأله عن المفرد الذي هو مقابل للمثنى والجمع ، فحينئذ يكون قد أدخل في الكلام ما يكون سببًا للتشويش؛ إما تشويشا على الطلاب أو جعل الأستاذ لا يتمكن من الجواب عن ذلك السؤال في هذا الموطن خشية من تداخل هذه المصطلحات ، مثال ذلك : عندما يأتي الفقيه أو الأصولي ويأمر الناس بالعمل بالنصوص ثم يأتي السائل ويسأله عن النص الذي في مقابلة الظاهر فحينئذ يُلبس وقد يُظن أنّ العمل بالنصوص إنما يراد به الأدلة القطعية ، و هذا ليس مرادا للشيخ وإنما المراد الشيخ بكلامه النص الذي يشمل ما كان صريح الدلالة وما ورد عليه احتمال و يشمل أيضا اللفظ الظاهر ، فعندما يأتي السائل ويسأل بهذا اللفظ يكون قد أوقع الناس في لبس سواءا أوقع شيخه أو أوقع زملاءه ، نعم . هناك مسألة وهي كلمة العبارة ، وذلك أنّ هذه اللفظة أصلها من الفعل عبر بمعنى انتقل من مكان إلى مكان وقد قال جل وعلا في سور عديدة أمر الله جل و علا بالاعتبار فقال "فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" يعني اعبروا بأذهانكم وانتقلوا بذهنكم من حال أولئك اليهود الذين خُربت عليهم بيوتهم وعُذبوا بهذا التعذيب المذكور في أول السورة وقيسوا أنفسكم وانتقلوا بأذهانكم إلى أنفسكم ، فإنكم إذا فعلتم مثل فعلهم عاقبكم الله بمثل عقوبتهم ، وبعض أهل العلم يطلق على الكلام هذا اللفظ العبارات ، و هذا ناشئ من منشأ عقدي وذلك أنّ بعض الطوائف يرون أنّ الكلام هو المعاني النفسية وأنّ الألفاظ والأصوات والحروف عبارة عن الكلام وليست هي الكلام ، ولذلك يسمون الجمل والكلمات عبارات ، وهذا منشؤه عقدي ولذلك ينبغي التحرز من إطلاق هذه الجملة جملة العبارة |
#19
|
||||
|
||||
15-الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ : تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) .
هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ: الأمر الخامس عشر والأخير: الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ : تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) . الشيخ: هذا أهم ما يكون في هذه الآداب هو التثبت، التثبت فيما ينقل من الأخبار والتثبت فيما يصدر منك من الأحكام فالأخبار إذا نقلت فلا بد أن تتثبت أولا هل صحت عمن نقلت إليه أو لا ،ثم إذا صحت فلا تحكم، تثبت في الحكم ربما يكون الخبر الذي سمعته يكون مبنيا على أصل تجهله أنت فتحكم بأنه خطا والواقع أنه ليس بخطأ، ولكن كيف العلاج في هذه الحال ؟ العلاج أن تتصل بمن نسب إليه الخبر وتقول نقل عنك كذا وكذا فهل هذا صحيح ثم تناقشه فقد يكون استنكارك ونفور نفسك منه أول وهلة سمعته لأنك لا تدري ما سبب هذا المنقول، ويقال: إذا علم السبب بطل العجب، فلا بد أولا من التثبيت ثم بعد ذلك تتصل بمن نقل عنه وتسأله هل صح ذلك أو لا ؟ ثم تناقشه فإما أن يكون هو على حق وصواب فترجع إليه أو يكون الصواب معك فيرجع إليه . القارئ: الأمر الخامس عشر الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ : تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) . الشيخ: الثبات والتثبيت هذان شيئان متشابهان لفظا لكنهما مختلفان معنى . فالثبات معناه الصبر والمصابرة وألا يمل ولا يضجر وألا يأخذ من كل كتاب نتفة أو من كل فن قطعة ثم يترك، لأن هذا هو الذي يضر الطالب يقطع عليه الأيام بلا فائدة إذا لم يثبت على شيء تجده مرة في الآجرومية ومرة في متن القطر ومرة في الألفية، في المصطلح: مرة في النخبة، ومرة في ألفية العراقي، ويتخبط، في الفقه: مرة في زاد المستقنع، مرة في عمدة الفقه، مرة في المغنى، مرة في شرح المهذب، وهكذا في كل كتاب وهلم جرا هذا في الغالب أنه لا يحصل علما، ولو حصل علما فإنما يحصل مسائل لا أصولا وتحصيل المسائل كالذي يلتقط الجراد واحدة بعد أخرى لكن التأصيل والرسوخ والثبات هذا هو المهم، اثبت بالنسبة للكتب التي تقرأ أو تراجع واثبت بالنسبة للشيوخ أيضا الذين تتلقى عنهم لا تكن ذواقا كل أسبوع عند شيخ كل شهر عند شيخ قرر أولا من ستتلقى العلم عنده، ثم إذا قررت ذلك فاثبت ولا تجعل كل شهر أو كل أسبوع لك شيخا، ولا فرق بين أن تجعل لك شيخا في الفقه وتستمر معه في الفقه وشيخا آخر في النحو وتستمر معه في النحو وشيخا آخر في العقيدة والتوحيد، وتستمر معه، المهم أن تستمر لا أن تتذوق وتكون كالرجل المطلاق كلما تزوج امرأة وجلس عندها سبعة أيام طلقها وذهب يطلب أخرى، هذا يبقى طول دهره لم يتمتع بزوجة ولم يحصل له أولاد في الغالب، أيضا التثبت كما قلنا قبل قليل أيضا من أهم الأمور إن لم يكن أهمها التثبت فيما ينقل عن الغير أمر مهم لأن الناقلين تارة تكون لهم إرادات سيئة ينقلون ما يشوه سمعة المنقول عنه قصدا وعمدا وتارة لا يكون عندهم إرادات سيئة لكنهم يفهمون الشيء على خلاف معناه الذي أريد به، ولهذا يجب التثبت فإذا ثبت بالسند ما نقل فحينئذ يأتي دور المناقشة مع من؟ مع صاحبه الذي نقل عنه قبل أن تحكم على هذا القول بأنه خطأ أو غير خطأ وذلك لأنه ربما يظهر لك بالمناقشة أن الصواب مع هذا الذي نقل عنه الكلام، وإلا من المعلوم أن الإنسان لو حكم على الشيء بمجرد السماع من أول وهلة لكان ينقل عنه أشياء تنفر منها النفوس عن بعض العلماء الذين يعتبرون منارات للعلم لكن عندما يتثبت ويتأمل ويتصل بهذا الشيخ مثلا يتبين له الأمر، ولهذا قال: (منه الصبر والثبات في التلقي وطي الساعات في الطلب على الأشياخ) هذا داخل في الثبات أم في التثبت؟ في الثبات (فإن من ثبت نبت) ومن لم يثبت لم ينبت، ولم يحصل على شيء . *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هناالقارئ : قال المؤلف : الثبات والتثبت : تحل بالثبات والتثبت ، لا سيما في الملمات والمهمات ، ومنه : الصبر والثبات في التلقي ، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ ، فإنّ "من ثبت نبت". الشيخ : هاتان الصفتان ذكرهما المؤلف في آداب طالب العلم المتعلقة بنفسه ، الصفة الأولى: الثبات ؛ والثبات يراد به البقاء على الأمر المعروف و عدم الانتقال عنه إلى غيره، والثبات تشمل الثبات في المعتقدات بحيث لا ينجر الإنسان في معتقده لأي متكلم يتكلم معه حتى يكون متثبتا في أمره. الثاني : الثبات فيما يتعلق في التصرفات ، فلا يكون الإنسان من أتباع كل ناعق كلما تكلم متكلم سار معه و إنما يكون ثابتا على مبدئه وطريقته. الثالث : الثبات فيما يتعلق بنصرة الأشخاص ، فلا ينصر العبد إلا إذا علم أنه على حق وأما أن ينصر قريبه أو صاحب بلده بدون أن يكون متثبتا من حاله فهذا يكون من العصبية المذمومة وحمية الجاهلية. الرابع : الثبات فيما يتعلق بما يؤديه العبد من الأعمال الصالحة بحيث لا تصرفه الصوارف عن عمله الصالح الذي يؤديه سواءا كان من الفرائض أو النوافل ، وتعلمون أنّ النصوص قد جاءت في الترغيب في المداومة على الأعمال الصالحة وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل) ، وقد روي مرفوعا وموقوفا . الأمر الخامس : مما يؤمر بالثبات فيه الثبات في طلب العلم بحيث لا تأتي المشغلات فتشغل الطالب عن طلبه للعلم ، وهذه مسألة مهمة جدا ينبغي الالتفات إليها فإنّ بعض الناس عندما يأتيه أدنى أمر ينشغل عن طلب العلم ولا يثبت فيه ، وحينئذ لا يرزق بركته و لا يستمر معه ، و نجد طلبة العلم كثر ثم بعد ذلك لا يثبتون وما ذلك إلا لانشغال مرات بتوافه ومرات بلعب ومرات بلهو ومرات بهيشات ومرات بأمور لا تناسب طالب العلم ، ولذلك هذه الهيشات وهذه المشغلات لا تكون سببا في انصراف طالب العلم عن طلب العلم ، ولذلك ذكر المؤلف هنا أو رغب في الصبر والثبات في التلقي وطي الساعات في الطلب على الأشياخ ، فإنّ (من ثبت) يعني في طلب العلم ، (نبت) وأصبح عالما، وأما من بذل من وقته شيئا ثم انصرف فإنه لا يستفيد العلم . والصفة الثانية : التثبت بحيث لا يقبل ما يرد عليه من الواردات حتى يكون متيقنا من أنه الحق وأنه الصحيح وهذا يشمل أمورا : أولها : ما يتعلق بالمعتقدات فإذا وردت إليك مسألة عقدية كلام من أحد الناس فتثبت فيها . وثانيها : التثبت فيما يتعلق بالأحاديث التي تورد على الإنسان ، فلا يأخذ منها إلا ما تثبت أنه صحيح ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما بمعرفة إسناده ، أو بمعرفة من صححه من أهل العلم ، أو بنقله من عالم التزم الصحة في حديثه و فيما ينقله من الأحاديث. الثالث : التثبت في نسبة الأقوال إلى علماء الشريعة ، فكم من مرة وجدنا أقوالا تنسب إلى فقهاء وهم منها برءاء ، وهذا في مسائل عظيمة من مسائل العقائد فضلا عن مسائل الفقه ، وإذا نظر الإنسان إلى مثل هذا وجده كثيرا ، حتى أنهم قالوا عن بعض المسائل هذه مسائل التراجم أو قول التراجم ما معنى قول التراجم : هي القول الذي ترجم كل طائفة به الطائفة الأخرى بدون أن يكون صحيحا ، مثال ذلك : مسألة هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؛ إذا نظرنا إلى كتب الأصول عند الحنفية قالوا: وقد قالت الشافعية بأنّ الكفار غير مخاطبين ، وإذا نظرنا إلى كتب الشافعية وجدناهم يقولون: الحنفية يقولون بأنّ الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة ، وإذا نظرت مثلا إلى مسألة التصويب والتخطئة في المعتقدات وجدناهم أنهم ينسبون أقوالا عظيمة إلى عبيد الله بن حسن العنبري وهو منه براء ، بل ينسبون إلى طوائف كثيرة أقوالا هم منها براء ، وفي نفس الوقت في مثل هذه المسألة -مسألة التأثيم في الخطأ في مسائل العقائد- نجدهم ينسبون إلى جماهير أهل العلم بخلاف ما يقولون به ، -فمسألة التصويب والتخطئة- نجد أئمة كالنووي وابن حجر يقولون: الجمهور أو ينسبون إلى الجمهور أنهم يقولون بأنّ كل مجتهد مصيب، ولعلهم يقصدون جمهور الأشاعرة وإلا فإنّ جمهور أهل العلم من بقية الطوائف يقولون بخلاف هذا؛ يقولون أنّ المصيب واحد وأنّ ما عاداه مخطئ ، وهكذا أيضا فيما يتعلق بالأخبار التي يتناقلها الناس يكون الإنسان متثبتا فيها ولا يتقبل منها إلا ما يكون قد قامت عليه القرائن والدلائل على صحته وقد قال جل وعلا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" وورد في بعض القراءات فتثبتوا . |
#20
|
||||
|
||||
الفصلُ الثاني : كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي 16- كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه : مَن لم يُتْقِن الأصولَ ، حُرِمَ الوُصولَ ومَن رامَ العلْمَ جُملةً ، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً وقيلَ أيضًا : ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ . وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه ، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه ؛ وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ . قالَ اللهُ تعالى " وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا" وقالَ تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا " .وقالَ تعالى " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ " فأمامَك أمورٌ لا بُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه : - حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه . - ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ . - عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه . - لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ . - اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ . - جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ . وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ . لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ، فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه . أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ . وكان من أهلِ العلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في ( زادِ الْمُسْتَقْنِعِ ) للمبتدئينَ و (الْمُقْنِعِ ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ ، ثم ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ .وهكذا ؛ دَفْعًا للتشويشِ. واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَ عليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه . والحالُ هنا تَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِ وضَعْفِه ، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه . هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ: الفصلُ الثاني : كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه : ( مَن لم يُتْقِن الأصولَ ، حُرِمَ الوُصولَ ) ( ومَن رامَ العلْمَ جُملةً ، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً ) وقيلَ أيضًا : ( ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ ) . وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه ، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه ؛ وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ . قالَ اللهُ تعالى " وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا " وقالَ تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا " . وقالَ تعالى " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ". الشيخ: كيفية الطلب وهذا أيضا مهم ليبني الإنسان على أصول ولا يتخبط خبط عشواء يقول : (من لم يتقن الأصول حرم الوصول) وقيل بعبارة أخرى: من فاته الأصول حرم الوصول، لأن الأصول هي العلم والمسائل فروع، كأصل الشجرة وأغصانها إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد فإنها تذبل وتهلك فلا بد من أن يبني الإنسان علمه على أصول فما هي الأصول ؟ هل هي الأدلة الصحيحة؟ أو هي القواعد والضوابط؟ أو هذا وهذا ؟ الثاني هو المراد، تبني على أصول من الكتاب والسنة وتبني على قواعد وضوابط مأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسنة ترجع إليها أحكام الكتاب والسنة وهذه من أهم ما يكون لطالب العلم مثلاً (المشقة تجلب التيسير) هذا أصل من الأصول مأخوذ من الكتاب والسنة، من الكتاب من قوله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج " من السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران ابن حصين"صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ". وقال" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " هذا أصل لو جاءتك ألف مسألة بصور متنوعة لأمكنك أن تحكم على هذه المسائل بناء على هذا الأصل، لكن لو لم يكن عندك هذا الأصل وتأتيك مسألتان أشكل عليك الأمر، كذلك أيضا يقول : (من رام العلم جملة ذهب عنه جملة) هذا أيضا له وجه صحيح إذا أراد الإنسان أن يأخذ العلم جميعا فإنه يفوته العلم جميعا، لا بد أن تأخذ العلم شيئا فشيئا كسلم تصعد إليه من الأرض إلى السقف ليس العلم مأكولا كتبت فيه العلوم فتأكله وتقول خلاص هضمت العلم، لا العلم يحتاج مرونة وصبر وثبات وتدرج ،وقيل أيضا (التحام العلم في السمع مضلة الفهم )يعني لكثرة ما تسمع من العلوم توجب أن تضل في فهمك وهذا أيضا ربما يكون صحيح أن الإنسان إذا ملأ سمعه مما يسمع أو ملأ بصره مما يقرأ ربما تزدحم العلوم عليه ثم تشتبك ويعجز عن التخلص منها. وقال: (وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ) ، لا بد من هذا (على شيخ متقن)، ليس على شيخ أعلى منك بقليل لأن بعض الناس إذا رأى طالبا من الطلبة يتميز عنهم بشيء من التميز جعله شيخه، وعنده شيوخ أعلم من هذا بكثير لكن يجعل هذا الصغير شيخه لأنه بزه في شيء من المسائل العلمية وهذا غير صحيح بل اختر المشايخ ذوي الإتقان وأيضا نضيف إلى الإتقان وصف آخر وهو الأمانة، لأن الإتقان قوة والقوة لابد فيها من أمانة {إن خير من استأجرت القوي الأمين} ربما يكون العالم عنده إتقان وعنده سعة علم وعنده قدرة على التقريب وعلى التقسيم وعلى كل شيء لكن ليس عنده أمانة فربما أضلك من حيث لا تشعر، لا بالتحصيل الذاتي وحده، يعني لا تأخذ العلم بالتحصيل الذاتي يعني أن تقرأ الكتب فقط دون أن يكون لك شيخ معتمد ولهذا قيل: (من دليله كتابه خطؤه أكثر من صوابه) أو: (غلب خطأه صوابه) هذا هو الأصل، الأصل أن من اعتمد على التحصيل الذاتي وعلى مراجعة الكتب الغالب والأصل أنه يضل لأنه يجد بحرا لا ساحل له ويجد عمقا لا يستطيع التخلص فيه أما من أخذ عن عالم وشيخ فإنه يستفيد فائدتين عظيمتين، الفائدة الأولى : قصر المدة والفائدة الثانية قلة التكلف وهناك فائدة ثالثة والفائدة الثالثة أن ذلك أحرى بالصواب؛ لأن هذا الشيخ قد علم وتعلم ورجح وفهم فيعطيك الشيء ناضجا لكنه يمرنك إذا كان عنده شيء من الأمانة يمرنك على المراجعة والمطالعة أما من اعتمد على الكتب فإنه لا بد يكرث جهوده ليلا ونهارا ثم إذا طالع الكتب التي يقارن فيها بين أقوال العلماء فسيقت أدلة هؤلاء وسيقت أدلة هؤلاء من يدله على أن هذا الأصوب ؟ يبقى متحيرا ولهذا نرى أن ابن القيم رحمه الله عندما يناقش قولين لأهل العلم سواء في زاد المعاد أو في أعلام الموقعين إذا ساق أدلة هذا القول وعلله تقول خلاص هذا هو القول الصواب ولا يجوز العدول عنه بأي حال من الأحوال ثم ينقض ويأتي بالقول المقابل ويذكر أدلته وعلله فتقول هذا هو القول الصواب، الأول ما عنده علم لكن لا بد من أن يكون قراءتك على شيخ متقن أمين. قال: وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ . ثم استدل بالآيات: قالَ اللهُ تعالى " وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا "، " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا " . قوله" لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ". المعروف أن نزل لما ينزل شيئا فشيئا، وأن أنزل لما نزل جملة واحدة، فلماذا قال الذين كفروا: (لولا نزل) ولم يقولوا (لولا أنزل) علينا القرآن جملة واحدة؟ نقول قالوا ذلك باعتبار واقع القرآن أنه منزل شيئا فشيئا وقوله" كذلك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف والتقدير: أنزلناه، كذلك وجملة (لنثبت) تعليل متعلق بالفعل المحذوف . وقال تعالى "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" (الذين آتيناهم الكتاب) يعني أعطيناهم إياه، وأنزلناه إليهم يتلونه حق تلاوته والتلاوة هنا تشمل التلاوة اللفظية والتلاوة الحكمية، فأما التلاوة اللفظية يعني يقرأوه بألسنتهم، وأما التلاوة الحكمية بأن يصدقوا بأخباره ويلتزموا بأحكامه، وقوله {حق تلاوته} من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني تلاوة الحقة الصحيحة . القارئ: فأمامَك أمورٌ لا بُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه : أولا: حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه . ثانيا: ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ . ثالثا: عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه . رابعا: لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ . خامسا: اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ . سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ . الشيخ: هذه أمور لا بد من مراعاتها كما قال الشيخ (أولا : حفظ مختصر فيه)، فمثلا إذا كنت تطلب النحو فاحفظ مختصرا فيه إن كنت مبتدأ فلا أرى أحسن من متن الآجرومية لأنه واضح وجامع وحاصر وفيه بركة، ثم متن الألفية ألفية ابن مالك لأنها خلاصة علم النحو كما قال هو نفسه: أحصى من الكافية الخلاصة = كما اقتضى فنا بلا خصاصة وفي الفقه احفظ زاد المستنقع لأن هذا الكتاب مخدوم بالشروح والحواشي والتدريس وإن كان بعض المتون الأخرى أحسن منه من وجه لكنه هو أحسن منهما من وجه آخر من حيث كثرة المسائل الموجودة فيه ومن حيث أنه مخدوم بالشروح والحواشي وغير ذلك . في الحديث: متن عمدة الأحكام وإن ترقيت فبلوغ المرام وإذا كنت تقول إما هذا أو هذا فبلوغ المرام أحسن لأنه أخصر ولأن الحافظ ابن حجر رحمه الله يبين درجة الحديث وهذا مفقود بالنسبة لعمدة الأحكام وإن كان درجة الحديث فيها معروفة لأنه لم يضع في هذا الكتاب إلا ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم . في التوحيد: من أحسن ما قرأنا كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن الوهاب وقد يسر الله تعالى في الآوانة الأخيرة من خرج أحاديثه وبين ما في بعضها من ضعف والحق أحق أن يتبع . في الأسماء والصفات: من أحسن ما ألف فيما قرأت العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية فهي كتاب جامع مبارك مفيد وهلم جرا خذ من كل فن تريد طلبه كتابا مختصرا فيه واحفظه ثانيا ضبطه على شيخ متقن، ولو قال: ضبطه وشرحه لكان أولى لأن المقصود ضبطه وتحقيق ألفاظه وما كان زائدا أو ناقصا وكذلك الشرح، استشرح هذا المتن على شيخ متقن وكما قلنا فيما سبق إنه يجب أن يضاف إلى الإتقان صفة أخرى وهي الأمانة لأن هذه من أهم ما يكون وأنتم تعلمون أن ذكر القوة والأمانة في القرآن متعدد لأن عليهما مدار العمل فقد قال العفريت من الجن { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين } وقال صاحب مدين ، بل قالت ابنته: { يا أبت استئجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } وقال الله تعالى في وصف جبريل: {ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} فعلى هذين الوصفين القوة والأمانة تبنى الأعمال كلها فلا بد من شيخ متقن ويكون أمينا، الثالث :عدم الاشتغال بالمطولات وهذه أعني الفقرة الثالثة مهمة جدا لطالب العلم أن يتقن المختصرات أولا حتى ترسخ العلوم في ذهنه ثم بعد ذلك يفيض إلى المطولات لكن بعض الطلبة قد يغرب فيطالع المطولات ثم إذا جلس مجلسا قال: قال صاحب المغني قال صاحب المجموع قال صاحب الإنصاف قال صاحب الحاوي ليظهر أنه واسع الاطلاع وهذا خطأ نحن نقول ابدأ بالمختصرات أولا حتى ترسخ العلوم في ذهنك ثم إذا من الله عليك فاشتغل بالمطولات ولهذا قال: عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله أي لأصل ذلك العلم وانتبه لهذه المسألة إياكم أن تشغلوا أنفسكم بالمطولات قبل إتقان ما دونها وقياس ذلك في الأمر المخصوص أن ينزل من لم يتعلم السباحة إلى بحر عميق فإنه لا يستطيع أن يتخلص فضلا عن أن يتقن . الرابع : لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب فهذا من باب الضجر . وهذه أيضا آفة يعني التنقل من مختصر إلى آخر أو من كتاب فوق المختصر إلى آخر هذه آفة عظيمة تقطع على الطالب طلبه وتضيع عليه أوقاته، كل يوم له كتاب بل كل ساعة له كتاب، هذا خطأ إذا عزمت على أن يكون قرارك الكتاب الفلاني فاستمر لا تقل أقرأ كتابا أو فصلا من هذا الكتاب ثم أنتقل إلى آخر فإن هذا مضيعة للوقت ويقول : بلا موجب . أما إذا كان هناك موجب كما لو لم تجد أحد يدرسك في هذا المختصر ورأيت شيخا موثوقا في إتقانه وأمانته يدرس مختصر آخر فهذا ممكن لا حرج عليك أن تنتقل من هذا إلى هذا. خامسا : اقتناص الفوائد والضوابط العلمية – وهذا أيضا من أهم ما يكون، الفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن أو التي يندر ذكرها والتعرض لها أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها هذه اقتنصها واضبطها بالكتابة قيد، لا تقل هذا أمر معلوم عندي ولا حاجة أن أقيده أنا إن شاء الله ما أنساه فإنك سرعان ما تنسى وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة لا تحتاج إلى قيد ثم بعد مدة وجيزة يتذكرها ولا يجدها لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو التي يتجدد وقوعها أما الضوابط فناهيك بها أيضا احرص على الاهتمام بالضوابط ومن الضوابط ما يذكره الفقهاء تعليلا للأحكام فإن كل التعليلات للأحكام الفقهية تعتبر ضوابط لأنها تنبني عليها الأحكام فهذه أيضا احتفظ بها ولولا أنني سمعت أن بعض الإخوان الآن يتتبع هذه الضوابط في الروض المربع ويحررها لقلت من الحسن أن نكلف طائفة منكم بالقيام بهذا العمل تتبع الروض المربع من أوله إلى آخره كل ما ذكر علة يقيدها لأن كل علة ينبني عليها مسائل كثيرة إذ أن العلة ضابط يدخل تحته جزئيات كثيرة مثلا : إذا قال: إذا شك في طهارة الماء من نجاسته فإنه يبني على اليقين هذه على كل حال تعتبر حكما وتعتبر ضابطا أيضا ، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان إذا ما شك في نجاسة طاهر ، فهو طاهر، أو في طهارة نجس فهو نجس لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ولو أن الإنسان كل ما مر عليه مثل هذه التعليلات حررها وضبطها ثم حاول في المستقبل أن يبني عليها مسائل جزئية لكان في هذا فوائد كثيرة له ولغيره . سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ . هذا أيضا مهم أن الإنسان يجمع نفسه للطلب فلا يشتتها يمينا ويسارا يوما يطلب العلم ثم يوم يفكر يقول أفتح مكتبة، الناس رزقهم الله ويوم ثان يقول أروح إلى بيع الخضار ، هذا ليس بصحيح اجمع النفس على الطلب ما دمت مقتنعا بأن هذا منهجك وسبيلك فاجمع نفسك عليه وأيضا اجمع نفسك على الترقي فيه لا تبقى ساكنا فكر فيما وصل إليه علمك من المسائل والدلائل حتى تترقى شيئا فشيئا واستعن بمن تثق به من زملائك وإخوانك إذا احتاجت المسألة إلى استعانة ولا تستحي أن تقول يا فلان ساعدني على تحقيق هذه المسألة بمراجعة الكتب الفلانية والفلانية، الحياء لا ينال العلم به أحد، فلا ينال العلم مستحي ولا مستكبر . وقوله : (والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه) يعني معناه أن الإنسان يكون عنده شغف شديد تتحرق نفسه لينال ما فوق المنزلة التي هو فيها (حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ) . نعم. القارئ: وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ . الشيخ: (أن لا يخلط الطالب في التعليم بين علمين) وهذا ليس على إطلاقه بل يجب أن يقيد ولعله يكون قيده فإن لم يفعل بينا ما يحتاج إلى قيد . القارئ: لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ، فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه . أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ . الشيخ: طيب ما معنى هذا؟ قوله رحمه الله: إنك تقدم تعليم العربية هذا قد يكون مسلما بالنسبة لمن لا ينطق العربية وذلك لأنه لا يمكن أن يعرف القرآن إلا إذا تعلم العربية لكن من كان عربيا فليس من المُسَلَّم أن نقول تعلم العربية بمعنى: توسع فيها والشعر والحساب، كيف نقدم الشعر والحساب على القرآن ؟ هذا ليس بمُسَلَّم، كذلك أيضا . قوله: لا يجمع بين علمين، فيقال إن الناس يختلفون في الفهم والاستعداد فقد يكون سهلا على المرء أن يجمع بين علمين وقد يكون من الصعب أن يجمع بين علمين وكل إنسان طبيب نفسه فإذا رأى من نفسه قدرة وقوة فلا بأس أن يجمع بين علمين ولكن ليحذر النشاط أو نشاط البدء لأن نشاط البدء بمنزلة السفر، فإن بعض الناس أول ما يبدأ يجد نفسه نشيطا نشيطا نشيطا ثلاث مرات فيريد أن يلتهم العلوم جميعا فإذا به ينكث على الوراء لأنه كبر اللقمة ومن كبر اللقمة فلا بد أن يغص حتى لو وجدت من نفسك قدرة وقوة لا تكلفها ما لا تطيق اتزن حتى تستمر . القارئ: وكان من أهلِ العلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في ( زادِ الْمُسْتَقْنِعِ ) للمبتدئينَ و (الْمُقْنِعِ ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ ، ثم ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ . وهكذا ؛ دَفْعًا للتشويشِ. الشيخ: نعم صحيح من أهل العلم من يفعل ذلك إذا كان يدرس الفقه الحنبلي يدرس في زاد المستنقع لأن زاد المستنقع اختصار المقنع ثم ينتقل إلى تدريس المقنع؛ لأن المقنع فيه ذكر الروايتين والوجهين والقولين في المذهب بدون تعليل ولا دليل يطلع الطالب على أن هناك خلافا في المسائل وبعضهم ينتقل من بعد المقنع إلى الكافي، الكافي قبل المغني لأن الكافي يذكر فيه الخلاف المذهبي مع الأدلة وبهذا يمتاز عن المقنع فهو يذكر الخلاف ويذكر الأدلة سواء كانت الأدلة سمعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح أو عقلية من النظر ثم بعد ذلك المغني لأن الخلاف في المغني ليس مع أصحاب الإمام أحمد بل مع عامة المذاهب فيترقى من هذا إلى هذا، الموفق رحمه الله سلك هذا التدرج لكن له كتاب قبل المقنع سلم للمقنع وهو عمدة الفقه للموفق كتاب مختصر أقل بكثير من زاد المستقنع من حيث المسائل لكنها تشتمل على بعض الدلائل يعني ليست جافة كزاد المستقنع بل فيها أدلة . فالحاصل أنه ينبغي أن المعلم يرتقى بالطلبة درجة فدرجة حتى يتقنوا ما تعلموه. قال: (ولا يسمح للطبقة الأولى أن تجلس في دروس الثانية وهكذا دفعا للتشويش)، لكني أنا في النقطة الأخير لا أستطيع ولهذا أجمع بين الصغير والكبير فيما ندرسه من الكتب ونقول هذا الصغير الآن يزحف ثم يبدأ يمشي شيئا فشيئا حتى تقله رجلاه وسبب ذلك أن الطلاب عندنا يتواردون شيئا فشيئا ولو راعينا الوافدين لأهملنا حق السابقين لو قلنا مثلا إذا جاء أناس جدد رجعنا في زاد المستقنع إلى كتاب الطهارة ووصلنا مثلا قل إلى كتاب الصلاة في هذه الفترة جاء العام الثاني وفد جماعة ماذا نعمل؟ رجعنا إلى الطهارة كان في هذا ظلم للسابقين ومعناه سنبقي دائم الأبد من أول الكتاب إلى الطهارة هذا ما يستقيم، لذلك نرجوا منكم العذر إلا أنه والحمد لله وجد من الطلبة السابقين من جلس للطلبة الوافدين في بعض المختصرات وهذا والحمد لله من نعمة الله على الجميع . القارئ: واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَ عليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه . الشيخ: هذه الفقرة صحيحة مثلا قد يكون الإنسان في بلد ينتحلون مذهب الشافعي ستجد العلماء يدرسون أو يبنون أصول تدريسهم على كتب الشافعي، في بلد ينهج فيه أهله مذهب الإمام أحمد تجد العلماء يدرسون كتب هذا المذهب وهلم جرا . القارئ: والحالُ هنا تَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِ وضَعْفِه ، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه . الشيخ: وهناك أسباب أخرى أيضا وهي قوة الاستعداد للعلم وتلقيه وضعف ذلك وكذلك كثرة المشاغل وقلتها، المهم أن الاختلاف وارد في كل شيء لكن ما ذكره أولاً مبني على الغالب فقد يكون من المبتدئين من يمكن أن تدرسه المقنع . *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) هنا القارئ : قال المؤلف: الفصل الثاني: كيفية الطلب والتلقين كيفية الطلب ومراتبه:"من لم يتقن الأصول ، حرم الوصول" ، و "من رام العلم جملة ، ذهب عنه جملة" ، وقيل أيضاً:"ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم" . وعليه، فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه، بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن، لا بالتحصيل الذاتي وحده، وأخذاً الطلب بالتدرج . قال الله تعالى: (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكثونزلناه تنزيلاً). وقال تعالى: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً). وقال تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) فأمامك أمور لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه : حفظ مختصر فيه . ضبطه على شيخ متقن. عدم الاشتغال بالمطولات و تفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله. لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب ، فهذا من باب الضجر. اقتناص الفوائد والضوابط العلمية. جمع النفس للطلب والترقي فيه ، والاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة. وكان من رأي ابن العربي المالكي أن لا يخلط الطالب في التعليم بين علمين ، وأن يقدم تعليم العربية والشعر والحساب ، ثم ينتقل منه إلى القرآن. لكن تعقبه بن خلدون بأنّ العوائد لا تساعد على هذا ، وأنّ المقدم هو دراسة القرآن الكريم وحفظه ؛ لأنّ الولد ما دام في الحجر ؛ ينقاد للحكم ، فإذا تجاوز البلوغ ؛ صعب جبره. أما الخلط في التعليم بين علمين فأكثر ؛ فهذا يختلف باختلاف المتعلمين في الفهم والنشاط. وكان من أهل العلم من يدرس الفقه الحنبلي في "زاد المستنقع " للمبتدئين ، و "المقنع " لمن بعدهم للخلاف المذهبي ، ثم "المغني " للخلاف العالي ، ولا يسمح بالطبقة الأولى أن تجلس في درس الثانية… وهكذا ؛ دفعاً للتشويش. واعلم أنّ ذكر المختصرات والمطولات التي يؤسس عليه الطلب والتلقي لدى المشايخ تختلف غالباً من قطر إلى قطر باختلاف المذاهب ، وما نشأ عليه علماء ذلك القطر من إتقان هذا المختصر والتمرس فيه دون غيره. والحال هنا تختلف من طالب إلى آخر باختلاف القرائح و الفهوم ، وقوة الاستعداد وضعفه ، وبرودة الذهن وتقوده. وقد كان الطلب في قطرنا بعد مرحلة الكتاتيب والأخذ بحفظ القرآن الكريم يمر بمراحل ثلاث لدى المشايخ في دروس المساجد : للمبتدئين ، ثم المتوسطين ، ثم المتمكنين: ففي التوحيد: "ثلاثة الأصول وأدلتها " ، و "القواعد الأربع " ، ثم "كشف الشبهات " ، ثم "كتاب التوحيد " ؛ أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، هذا في توحيد العبادة. وفي توحيد الأسماء والصفات: "العقيدة الواسطيه" ، ثم "الحموية" ، و "التدمرية" ؛ ثلاثتها لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى ، فـ "الطحاوية" مع "شرحها". وفي النحو: "الأجرومية" ، ثم "ملحة الإعراب" للحريري ، ثم "قطر الندى" لابن هشام ، وألفية ابن مالك مع شرحها لابن عقيل. وفي الحديث: "الأربعين" للنووي ، ثم "عمدة الأحكام" للمقدسي ، ثم "بلوغ المرام" لابن حجر ، و "المنتقى" للمجد بن تيمية ؛ رحمهم الله تعالى ، فالدخول في قراءة الأمهات الست وغيرها. وفي المصطلح : "نخبة الفكر" لابن حجر ، ثم "ألفية العراقي" رحمه الله تعالى. وفي الفقه مثلاً : "آداب المشي إلى الصلاة" للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ثم "زاد المستنقع" للحجاوي رحمه الله تعالى ، أو "عمدة الفقه" ، ثم "المقنع" للخلاف المذهبي ، و "المغنى" للخلاف العالي ؛ ثلاثتها لابن قدامه رحمه الله تعالى. وفي أصول الفقه : "الورقات" للجويني رحمه الله تعالى ، ثم "روضة الناظر" لابن قدامه رحمه الله تعالى. وفي الفرائض : "الرحبية" ، و ثم مع شروحها ، و"الفوائد الجلية". وفي التفسير :"تفسير ابن كثير" رحمه الله تعالى. وفي أصول التفسير :"المقدمة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وفي السيرة النبوية :"مختصرها" للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأصلها لابن هشام ، وفيه "زاد المعاد" لابن القيم رحمه الله تعالى. وفي لسان العرب : العناية بأشعارها ، وكـ"المعلقات السبع" ، والقراءة في "القاموس" للفيروز آبادي رحمه الله تعالى. … وهكذا من مراحل الطلب في الفنون. وكانوا مع ذلك يأخذون بجرد المطولات ؛ مثل "تاريخ بن جرير" ، وابن كثير ، وتفسيرهما ، ويركزون على كتب شيخ الإسلام بن تيمية ، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى ، وكتب أئمة الدعوى وفتاواهم ، لاسيما محرراتهم في الاعتقاد. وهكذا كانت الأوقات عامرة في الطلب ، ومجالس العلم ، فبعد صلاة الفجر إلى ارتفاع الضحى ، ثم تقول القيلولة قبيل صلاة الظهر ، وفي أعقاب جميع الصلوات الخمس تعقد الدروس ، وكانوا في أدب جم وتقدير بعزة نفس من الطرفين على منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى ، ولذا أدركوا وصار منهم في عداد الأئمة في العلم جمع غفير ، والحمد لله رب العالمين. فهل من عودة إلى أصالة الطلب في دراسة المختصرات المعتمدة ، لا على المذكرات ، وفي حفظها لا الاعتماد على الفهم فحسب ، حتى ضاع الطلاب فلا حفظ ولا فهم! وفي خلو التلقين من الزغل والشوائب والكدر ، سير على منهاج السلف. والله المستعان. وقال الحافظ عثمان بن خرزاد (م سنة 282هـ) رحمه الله تعالى : "يحتاج صاحب الحديث إلى خمس ، فإن عدمت واحدة ؛ فهي نقص ، يحتاج إلى عقل جيد ، ودين ، وضبط ، و حذاقة بالصناعة ، مع أمانة تعرف منه". قلت : - أي الذهبي-: "الأمانة جزء من الدين ، والضبط داخل في الحذق ، فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون : تقياً ، ذكياً ، نحوياً ، لغوياً ، زكياً ، حيياً ، سلفياً يكفيه أن يكتب بيديه مائتي مجلد ، ويحصل من الدواوين المعتبرة خمس مائة مجلد ، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات بنية خالصة ، وتواضع ، وإلا فلا يتعن " هـ. الشيخ : بعدما ذكر المؤلف رحمه الله آداب طالب العلم في نفسه انتقل إلى الآداب المتعلقة بكيفية الطلب و التلقي ، وأول هذه الآداب أن يحرص على التدرج في التعلم ، بحيث يأخذ كل أناس ما يناسبهم وينبغي أن يكون هذا بأمور : أولها : الارتباط بعالم ناصح سالم مثبت بحيث إذا ارتبط الإنسان بالعالم استفاد من سمته وهديه ، وكذلك برّزّه في العلم وانتقى له من الكتب ما يناسبه ويكون صالحا لحاله ، وأضرب لهذا مثلا : سألني بعض الطلاب هنا أن أشرح لهم مختصر التحرير ، مختصر التحرير كتاب قويم وصعب وفيه مباحث دقيقة ومبنية على أصول عقدية ، وقد لا يستوعبها هؤلاء ثم قد يضيق الوقت عندهم ، فيأخذون ربع الكتاب أو نصف الكتاب ثم لا يتمكنون من إكماله و إتمامه فيكون عندهم في نفوسهم نوع من التنقص لعدم إكمالهم للكتاب ، ولذلك اخترنا لهم أن يكون لنا دورة علمية في كل أسبوع منها نأخذ متنا علميا ، و يكون ذلك سببا من أسباب التحصيل وإكمال مهمات هذه الكتب وإدراك الأهداف التي سعى إليها مؤلفو هذه المتون . الأمر الثالث : مما يتعلق بهذا التدرج في التعلم بحيث يبتدئ الإنسان بالنقطة الأولى ، و يبتدئ بالمتن الأقل ليضبطه ويتقنه ويكون بمثابة الأساس الذي يؤسَس عليه البنيان ، و أما إذا أتى ليبني سقف المنزل وهو لم يبن أساسه بعد فإنه لن يتمكن من بنائه ولو وضع سقفه فهو عما قريب سيسقط ، و هذا من أكبر المسائل التي نعنى بها في عصرنا ، تجد بعضهم ينتقل إلى المطولات فيكون سببا لتخليطه في المسائل و إدخال المسائل بعضها بـبعض ، كما أدركنا من أناس رغبوا في الخير فأخذوا كتاب المغني فبدؤوا يقرؤون يقولون نريد الكتاب الشامل المحتوي على العلم كله ، فلما ابتدءوا بقراءته فإذا في أوله مسائل عديدة متعلقة بالمياه لا يفهمونها ولا يدركون مصطلحات أهل العلم فيها فكان ذلك سببا لتركهم التعلم بالكلية ، ويحضرني في هذا: بعض الفقهاء الذين ذكروا أنهم كانوا يدرسون مختصر الخرقي فلما طلبوا من شيخهم أن ينتقل بهم إلى كتاب آخر ، قال : هذا الكتاب قد ضبطته وعرفت ما فيه فأدرسكم إياه ومن أراد غيره فلينتقل لغيري ، ثم قال : أنت يا فلان و فلان لا تنتقلا عن هذا الكتاب حتى تضبطاه ، ولذلك لا بد من التدرج في التعلم . الأمر الرابع : معرفة المصطلحات العلمية في الكتب التي يريد الإنسان قراءتها بحيث كلما مر عنده لفظ عرف معناه ، و عرف مراد أهل العلم به ، بحيث لا يُنَزِّل كلام أهل العلم على غير مرادهم ، فإنك إذا لم تفهم هذه المصطلحات فحينئذ ستفهم فهما خاطئا مغلوطا ، وأضرب لهذا مثلا : جاءني إنسان ووجدني أقرأ كتاب الرد على المنطقيين ، كانت هيأته حسنة و أعرف عنه رغبة في العلم وطلب مني استعارة هذا الكتاب فأعرته له ، بعد أسبوع أعاد لي الكتاب وقال : كتاب قيم فيه فوائد كثيرة ، لكن هذا الكتاب اشتمل على كلمة لا أعرف ما مدخلها في الكتاب ، ما هي هذه الكلمة ؟ ، قال : كلمة الحد . قال فما مدخل العقوبات في المناطقة ؟ فقلت : لقد أتعبت نفسك بقراءة هذا الكتاب ، المراد بالحد التعريف ، والمؤلف في الرد على المنطقيين يرد على المناطقة طريقتهم في التعريفات التي هي الحدود ، فعندما يفهم أنّ المراد هو الحد الذي يقصد به العقوبة المقدرة حينئذ يكون قد فهم الكتاب على غير مراد صاحبه. الأمر الآخر هو الحرص على الحفظ وأول ما يحفظ النصوص الشرعية الكتاب والسنة ، فإنّ الإنسان إذا لم يحفظ هذه الأصول فإنه حينئذ لا ينطلق في تعليمه ، ولا في دعوته ، ولا في علمه من منطلقات صحيحة ، لأنّ منطلقات العلم هي النصوص كتابا وسنة من عرفها تمكن من تأسيس علم صحيح ، ومن لم يعرفها فإنه حينئذ سيعرف شيئا من المعلومات ، وبالتالي لا يكون قد وصل إلى مقصود الشرع ومراده. الأمر الآخر الذي يتعلق بهذا وهو أن يحرص الإنسان على اختيار الكتب والمؤلفات التي يعرفها الناس في بلده ويكون لها مكانة في ذلك البلد ، من أجل أن يتمكن من ضبطها ، ومن أجل أن يكون ذلك سبيلا لنشرها في الأمة ، ومن أجل اجتماع الناس من خلال تعلمهم في كتب متقاربة ، وأما إذا درسنا كتبا لا يعرفها الناس وجعلناها هي الأساس الذي ننطلق منه في التعلم ، حينئذ نكون قد نفرنا بقية طلبة العلم ولم نكن وإياهم على وفاق. أيضا من الأمور المتعلقة بهذا عدم الملل في التعلم وقد أشرنا إلى هذا فيما سبق ، فإنّ الإنسان إذا كان كلما قرأ كتابا وانتصف فيه ملّ منه وانتقل إلى كتاب آخر لم يتمكن من ضبط العلم. كذلك من الأمور التي ينبغي أن تعرف هو عدم الخلط بين العلوم ، وليس المراد به ألا يتعلم الإنسان علمين في زمن واحد في سنة واحدة أو في يوم واحد ، وإنما المراد به ألا يدخل بعضها في بعض في وقت واحد ، لأنّ مصطلحات أهل الفنون تختلف ومراد كل طائفة يغاير مراد الطائفة الأخرى. كذلك من الأمور التي ينبغي أن تكون عند طالب العلم ألا يدخل في الخلاف حتى يتقن أساس ذلك الفن الذي يدرسه ، لأنك إذا دخلت في الأقوال وفي الأدلة وأنت لم تحط بالمراد بهذه المسائل ، فحينئذ ستُنزِّل كلامهم على غير مرادهم ، ولن تتمكن من فهم هذه المسألة . كذلك ينبغي أن يعلم بأنّ التعلم في كتاب لا يعني العمل به فطالب العلم يتعلم ما في هذا الكتاب ، لكنه عند العمل يسأل فقهاء عصره إن لم يكن مجتهدا ، و إن خالف ما في الإجتهاد والفتوى ما في ذلك الكتاب فإنه يسأل عن سبب المخالفة حتى يحيط بالقولين ويعرف مستند كل منهما ، هذا شيء مما يتعلق بكيفية الطلب والتلقي ومراتبه. قال المؤلف : (من لم يتقن الأصول حرم الوصول) المراد بالأصول هنا القواعد والأسس التي يتعلم الإنسان بناء عليها ، (حرم الوصول) مراد أهل العلم أنّ من لم يعرف قواعد التعلم ومراتبه فإنه لن يتمكن من الوصول لتحصيل العلم ، (من رام العلم جملة ذهب عنه جملة) فمن أراد أن يحصل العلم كله في وقت واحد فإنه حينئذ سيذهب منه سريعا ، ولذلك ينبغي للإنسان أن يُقَعِّد القواعد ثم بعد ذلك يبني عليها فروع العلم. قال : (ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم) فإنّ السمع كلما كان مصغيا لأنواع التعلم مبتدءا بالأقل فالأكثر فإنه حينئذ سيفهم وسينتقل من حال الجهل إلى حال العلم. قال المؤلف : (فلا بد من التأصيل والتأسيس) (التأصيل) معرفة الأصول وهي القواعد التي ينبني عليها التعلم ، (والتأسيس) يعني معرفة الأسس التي يبنى عليها العلم، فالتأصيل معرفة قواعد التعلم هذا المراد به هنا ، والتأسيس معرفة الأسس والقواعد التي يبنى عليها العلم ، (وذلك بضبط أصل العلم وبدراسة مختصر على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي وحده) وجدنا من حاول أن يحصل العلوم بنفسه بدون الاستناد إلى شيخ وجدنا منهم أمورا كثيرة منها : أولا : الخطأ في نطق الكلمات فتجدهم لا يضبطون تشكيل الكلمة ضبطا صحيحا ، وذلك لأنهم أخذوا الكتاب فقرءوا منه فظنوا أنّ ما نطقوه هو الصحيح لأنّ الكتب في الغالب غير مشكلة ، إذا قرأ قال : (مُنَ) مناخ من سبق، وهي (مِنَ) ، إذا قرأ قال : (أَسِيد) وهو (أُسَيد بن حضير) ، إذا قرء (عتاب بن أُسَيد) وهو (بن أَسِيد) وهكذا ، لماذا ؟ ، لأنه اعتمد على ما في هذه الكتب ولم يكن لديه شيخ يأخذ منه طريقة نطق هذه الكلمات. الأمر الثاني : أن من لم يتعلم على شيخ ، أدخل المسائل بعضها في بعض ، وقد مثلنا له فيما مضى بمن قرأ مسألة من سبقه الحدث في الصلاة ، فحينئذ يقول الفقهاء : يستخلف من وراءه فيقدمون إماما يصلي بهم ، بينما في مسألة من تذكر الحدث في أثناء الصلاة قالوا : تبطل صلاته وتبطل صلاة من خلفه هكذا قال الفقهاء ، فيأتي إنسان فيظن أنّ هذه المسألة هي تلك المسألة فينسب إلى هؤلاء الفقهاء ما لم يقولوه. وكذلك من الأمور التي تنبني على تعلم الإنسان بنفسه بدون مراجعة شيخ متقن ، أنّ فهم الكلمات والمصطلحات لا يعرف إلا من خلال هؤلاء العلماء الذين يتعلم الإنسان عليهم ، وقد مثلت لكم بأمثلة مصطلح واحد يختلف من باب إلى باب ، وهناك مصطلحات تختلف من عالم إلى عالم ، وهناك مصطلحات تختلف من فن إلى فن ، وهناك مصطلحات تختلف من مذهب إلى مذهب ، مثال هذا : إذا قال إنسان أو فقيه : الكفالة جائزة ، ما المراد بالكفالة ؟ إن كان حنبليا فهو يريد الالتزام بإحضار بدن من عليه حق هذه الكفالة ، وإن لم يكن حنبليا فهو يريد الالتزام بدفع ما في ذمة الآخرين الذي يسميه الحنابلة الضمان ، إذن من أين اختلف المصطلح ؟ باختلاف المذهب ، و قد يكون باختلاف الأبواب ، فكلمة الضمان يراد بها مرة ضم ذمة إلى ذمة ، ومرة يراد بها دفع التعويض ، والكل في كتاب واحد كيف يعرف الإنسان التفريق بينهما ؟ بكونه يتعلم على معلم يدله على مراد أهل العلم بذلك. الفائدة الرابعة : معرفة الصحيح من الضعيف ، عندما يأتي الإنسان ويقرأ الكتب يكون كحاطب لا يميز بين صحيحها وضعيفها ، و عندما يراجع العلماء المتقنين يدله على الصحيح من الضعيف ، بل يُوجِد لديه قدرة ومَلَكة يتمكن بواسطتها من التمييز بين الصحيح والضعيف ، ولذلك في عصرنا الحاضر وجدنا من لم يطلب العلم على العلماء يقومون بتسجيل أشرطة ثم يكون في هذه الأشرطة من الصواب الشيء الكثير ، عند النطق بالكلمات لا ينطقونها بنطق صحيح ، وعند الروايات لا يفرقون بين الرواية الصحيحة والرواية الضعيفة ، ثم لا يتمكنون من ربط المسائل بعضها ببعض ، أو ربط الحوادث بعضها ببعض لأنهم ليس لديهم دراسة سابقة مبنية على تحصيل عند عالم متقن ، إذا تقرر هذا فإنه لا بد أن يختار الإنسان العالم المتقن ، أما من انتسب إلى العلم ولم يكن متقنا له ، فحينئذ قد يوقعه في أشياء كثيرة مخالفة للصواب والحق ، ومما يتعلق بهذا أن تختار في كل فن من يتقنه ، حتى تكون بذلك قد حصلت الإتقان في ذلك الفن ، وقد يوجد علماء يتقنون فنونا عديدة فمثل هؤلاء هم الذين يحرص على اقتناصهم واقتناص التعلم منهم ، وذلك لأنّ العلوم الشرعية يرتبط بعضها ببعض ، فعندما تأتي بشخص عارف في الفقه ومتقن لكلام أهل العلم فيه ، لكنه لا يعرف قواعد الأصول ، أولا يعرف مباحث المعتقد يكون درسك معه مقطوعا ، لأنّ مسائل الفقه مرتبطة بالأصول وهناك مسائل فقهية عديدة فيها جوانب عقدية . ذكر المؤلف عددا من الأدلة الدالة على مشروعية التدرج في طلب العلم منها قوله تعالى "وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا" كثير من أهل العلم يفرق بين أَنْزل ونزّل؛ لأن نزّل يراد بها التنزيل المفرق ، و أما أنزل فيحتمل أنها تكون كذا و أن تكون كذا ، و هذا إنما يكون عند المقارنة بين اللفظين ، ثم جاء بقوله تعالى "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً" هنا لم يؤت في مقابلة أُنزل ، أو قيِّد بقوله : جملة واحدة ، "كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ" هذه هي الفائدة الأولى أن يثبت العلم في قلب المتعلم "وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا" ، وقال "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ" ذكر المؤلف عددا من الوسائل في التعلم : أولها "حفظ مختصر في العلم" ، فإنه يُبقي ذلك العلم في القلب. وثانيها : (ضبط العلم بضبط مصطلحاته) ، وضبط ألفاظه ومعانيها وضبط أساليبه و ضبط أبوابه ، والمراد بالضبط الحفظ التام ، و الضبط يكون للعلم ويكون لكتبه ، فيضبط ما أُلِّف فيه من المؤلفات ، ويضبط أيضا مواطن بحث المسائل التي تبحث؛ أين يبحثها أهل العلم ؟ ، لأنّ كثيرا من المسائل تبحث في غير مظانها، يبحث عنها الإنسان في شيء وهي في باب آخر ، مثال هذا : حديث (أنّ النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن وصل الصلاة بصلاة حتى ينتقل أو يتكلم ) هذا رواه الإمام مسلم ، أين موطنه وأين يُبْحث ؟ (الجواب من الطلبة والشيخ يعيد جوابهم : من كتاب الصلاة) الشيخ : من أين من كتاب الصلاة ؟ جواب الطلبة: أوقات الصلاة ، صفة الصلاة ، التطوع في الصلوات ، مكروهات الصلاة الشيخ:كل هذه المباحث يبحثها طالب آخر: في باب الصيام الشيخ : غلط، بحثه في آخر باب صلاة الجمعة ، لابد أن نعرف مواطن بحث المسائل ، عندك مسائل متعلقة بالمسابقات ، أين تُبحث ؟ بعض أهل العلم يبحثها في كتاب القضاء في باب الشهادات ، وبعض أهل العلم يبحثها في كتاب الجهاد ، وبعض أهل العلم يبحثها في كتاب المعاملات بعد أنواع الإيجارات إلى غير ذلك من طرائق أهل العلم ، فعندما يتعلم الإنسان العلم على شيخ وعلى فن معين و على مذهب معين يعرف أين بحث هذه المسائل. كذلك لا ينتقل الإنسان إلى الكتاب المطول حتى يضبط المتون الأولى في ذلك العلم ، ولا يترك مختصر وهو لم يكمله إلى مختصر آخر ، وكذلك ينبغي بنا أن نقتنص الفوائد كلما وجدنا فائدة علمية وضابطا حرصنا على تقييده ليبقى في الذهن ، ويكون ذلك سببا من أسباب اندفاع الإنسان لهذا العلم ، كذلك الحرص على جعل النفس تلتفت إلى التعلم ولا تلتفت إلى غيره ، بحيث يجمع العبد نفسه في الطلب وفي الترقي من درجة إلى درجة ويكون في نفسه حُرقة ورغبة شديدة في التعلم "والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة" تفيض: من المياه إذا فاض الماء بحيث امتلأ المكان الأول فانتقل بعضه إلى مكان آخر، هذا إفاضة الماء فاض الماء ، فهو يفيض من المختصرات إلى المطولات بسابلة ، ما هي السابلة ؟ السحاب القوي الذي فيه مطر كثير ، موثقة بحيث يكون متوثقا من علمه . ذكر المؤلف خلافا بين ابن العربي المالكي و بين ابن خلدون وفيما يتدرج فيه من التعلم ، فابن العربي يرى تقديم العربية والشعر والحساب ثم ينتقل إلى القرآن ، وابن خلدون يرى أنّ المقدم هم القرآن وحفظه ، وعلى كل معرفة العربية كان الناس يحرصون عليها ، وذلك لأنّ الصبي في أول تكلمه إذا عُلِّم العربية نطقا وأسلوبا لتكون العربية سليقة له فهذا يكون أول ما يتعلمه الإنسان ، وأما تعلم العربية كقواعد وتعلم أنواع علوم العربية الخادمة لهذا فيكون بعد إتقان القرآن ، لأنّ تعلم القرآن وحفظه يعين على معرفة العربية ومعرفة العربية تعين على فهم القرآن ، فهو يبتدئ أولا بحفظ القرآن ثم يتعلم العربية فينطلق من العربية إلى فهم القرآن. ذكر المؤلف التدرج في التعلم ، وذكر أنه كان من شأن أهل العلم ألا يخلطوا بين المتعلمين فيكون لطائفة التعلم في أول الفنون والمتون في العلم ثم بعد ذلك من أتقنه انتقل إلى المرحلة الأخرى ، فأما إذا خلط الطلاب بعضهم مع بعض فإنه يؤدي إلى خلط و خبط ، ذلك أنّ المبتدئ يسأل سؤالا يناسب حاله ، فيضجر منه من هو أعلى درجة منه ويمل من طلب العلم في ذلك المجلس ، وإذا سأل المتمكن والمتوسط سؤالا قد لا يفهمه المبتدئ فيكون ذلك سببًا لخلط العلوم في ذهنه وإدخال بعضها في بعض ، ولذلك كان من الشأن تقسيم طلبة العلم بحسب درجاتهم ، أما بالنسبة لاختيار المتون كما تقدم فيختلف من بلد إلى بلد ، ومن أهل مذهب إلى أهل مذهب ، فحينئذ فيختار الشيخ لطلابه ما يناسبهم من المتون ويتوافق مع أحوالهم قال المؤلف أيضًا : الطلاب يختلفون من حيث جودة الفهم ، ومن حيث ما لديهم من صفات تؤهلهم لحفظ العلم ، وما لديهم من رغبة في التعلم ، وما لديهم من قوة الذهن وضعفه ، ولذلك فينتقى لكل مجموعة ما يناسبهم من الكتب. * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد/ الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول : ما معني سابلة موثقة الجواب : السابلة اسم للمارة الذين يسلكون السبيل أي الطريق، ويطلق أيضاً على الطريق. ومراده حث طالب العلم على القراءة والاستزادة من العلم وما يحفزه لطلبه حتى يكون كل ذلك كأعوانه في سلوك الطريق الموصل للتمكن من قراءة الكتب المطولة الكبار بحسن فهم ودراية. السؤال الثاني:وردت العبارة "ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم" أرجو شرح وافي لهذه العبارة. هل يدخل فيها دراسة اكثر من متن او علم في نفس الوقت او التحاق الطالب للدراسة في اكثر من دورة في ان واحد؟ وجزاكم الله خيرًا الجواب: أي أن الطالب إذا خلط في تعليمه بين دروس في وقت متزامن من غير تنظيم ولا ترتيب فإن ذلك من أسباب عدم ضبط العلم ؛ فيسمع درساً في العقيدة وتبقى عليه مسائل فيه لم يفهما جيداً ثم ينتقل إلى درس في التفسير والعربية وهكذا وهو لم يضبط ما درسه أولاً فإن ذلك ضعف في تحصيله ينتج عنه خلل في البناء العلمي لديه، لأن إذا واصل الدروس بهذه الطريقة يكون كالمستكثر منها على غير فهم وعلم وضبط وتتداخل العلوم لديه ولا يميز بين حدودها. لكن إذا كان الطالب منظماً لوقته حريصاً فهم الدرس الذي يستمع إليه أو يقرأ فيه، ثم إذا انتقل إلى درس آخر ضبطه كذلك، وحرص على السير في العلم بتدرج ومنهج صحيح فإنه يصل بإذن الله تعالى، ويحصل تحصيلاً جيداً. السؤال الثالث: مامناسبة ذكر الاية "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" 121البقرة. في هذا الدرس تحت نقطة اخذ الطلب بالتدرج؟ الجواب: يتلونه حق تلاوته : أي يحسنون قراءته والعمل به والاهتداء بهديه، ويتبعونه حق اتباعه. قال عبد الله بن مسعود"والذي نفسي بيده إن حق تلاوته: أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله". رواه ابن جرير. وتعلم العلم النافع والعمل به هو من المعاني التي تضمنتها تلاوة الكتاب حق تلاوته لأن القرآن هو أصل العلم والهدى. السؤال الرابع: من كان دليله كتابه كان خطؤه أكثر من صوابِهِ . لقدسمعتُ الناس يقول هذا قولاً من الإمامِ الشافعي فهل هذا صحيح ام لا؟ الجواب: لا أعلم ثبوت هذا اللفظ عن الشافعي رحمه الله ، لكن له في معناه كلام آخرة ، وهي مقولة مشهورة مأثورة ، ومعناها صحيح ، فمن كان يقتصر في طلبه للعلم على قراءة الكتب من تلقاء نفسه بلا منهج بيّن في القراءة يقرّه عليه عالم معروف أو طالب علم متمكن ، ولا يعرض تحصيله وقراءته على من يقوّمه ويسدده بتنبيهه على ما أخطأ فيه وإرشاده لما يحتاج إلى دراسته فهذا لا شك أن طريقته في القراءة تفضي به إلى أخطاء كثيرة. لكن لا ينبغي أن يفهم من هذه المقولة أن لا يقرأ الطالب كتاباً إلا على شيخ ؛ فهذا من التزمه فرّط في علم كثير ووقت كبير ولم يحصّل كبير علم بطريقته هذه . بل ينبغي لطالب العلم أن يكون حريصاً على قراءة كتب العلم وأن يستشير في أوّل أمره في انتقاء ما يقرأ مما يناسب مستواه العلمي وإذا أشكل عليه شيء سأل عنه وإذا استغلقت عليه مسألة طلب من يشرحها له فبذلك يحصّل تحصيلاً جيّدا. وأمّا من زعم أنه لا يحتاج إلى العلماء والشيوخ وأنه يقدر على تحصيل العلم بالقراءة في الكتب دون الرجوع إلى أهل العلم فهذا بمثابة من يدّعي أنه يستطيع أن يكون طبيبًا بمجرّد القراءة في كتب الطب ويكون مهندسًا بالقراءة في كتب الهندسة دون أن يكون له منهج موصل ودربة عملية وإشراف علمي من عالم بالصنعة ؛ وهذه الدعوى لا تصدر إلا من جاهل مكابر.هنا |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|