العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-28-2021, 05:26 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,275
Post حكم استعمال أداة النداء (يا) في دعاء الله جل وعلا

حكم استعمال أداة النداء (يا) في دعاء الله جل وعلا

الحمد لله.
أولًا:
جاء القرآن بتعليم العباد آداب مناجاة ودعاء رب الأرباب جل جلاله , لتقع هذه المناجاة على أحسن حال ، وليكون ذلك وسيلة لاستجابة الدعاء , ومن هذه الآداب إسقاط حرف النداء "يا" في الدعاء بما يشعر بقرب المنادَى سبحانه , بخلاف دعاء الله سبحانه لعباده فإنه غالبا ما يأتي بحرف النداء "يا" المشيرة إلى أنه سبحانه موصوف بالتعالي والاستغناء عن خلقه , جاء في " الموافقات " للشاطبي 4 / 202 " فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِـ"يَا" الْمُشِيرَةِ إِلَى بُعْدِ الْمُنَادِي لِأَنَّ صَاحِبَ النِّدَاءِ مُنَزَّهٌ عَنْ مُدَانَاةِ الْعِبَادِ ، مَوْصُوفٌ بِالتَّعَالِي عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ ، فَإِذَا قَرَّرَ نِدَاءَ الْعِبَادِ لِلرَّبِّ أَتَى بِأُمُورٍ تَسْتَدْعِي قُرْبَ الْإِجَابَةِ : مِنْهَا: إِسْقَاطُ حَرْفِ النِّدَاءِ الْمُشِيرِ إِلَى قُرْبِ الْمُنَادَى ، وَأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ الْمُنَادِيِ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ ؛ فَدَلَّ عَلَى اسْتِشْعَارِ الرَّاغِبِ هَذَا الْمَعْنَى ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا "رَبَّنَا" "رَبَّنَا" كَقَوْلِهِ" رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا "الْبَقَرَةِ: 286 , " رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا "البقرة: 127 . " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي"آل عمران: 35 . "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى"الْبَقَرَةِ: 260 " انتهى.

وكون إسقاط حرف النداء من آداب الدعاء لا يعني أن استعمال حرف النداء خطأ , أو مكروه ؛ بل هي مقدرة في هذه السياقات السابقة ، والمقدر كالمذكور ، وإنما قصارى ما في الأمر : التنبيه إلى نكتة بلاغية ، في أمر أغلبي ، كما سبق من كلام الشاطبي ، وليس قاعدة مطردة في كل حال .
ثانيا :
جاءت السنن والآثار ، متظاهرة ، باستعمال حرف النداء في الدعاء , فمن ذلك ما أخرجه البخاري 3350: من دعاء إبراهيم ربه يوم القيامة " يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى " إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ " ، وفي حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري :4712: ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ .

وفي " صحيح مسلم " 920 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ " , وأخرج مسلم (2380) أيضا من دعاء موسى عليه السلام لربه أن يدله على الخضر فقال " يَا رَبِّ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ " ، وفيه أيضا :2445: من دعاء عائشة " يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي " ، وفي سنن أبي داود 1495: عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى " , وفي " سنن الترمذي " 3524: عن أنس بن مالك، قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال" يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" ، وفي " مسند " أحمد (17143) وغيره عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَلِظُّوا بِـ" يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" .
ثالثًا:
ما جاء في السؤال من أن الكبير ينادي على الصغير باستخدام أداة التنبيه (يا) ولا يصح العكس: كلام غير دقيق ، بدليل ما سبق من الأحاديث , وزيادة على ذلك فقد جاء صدور الخطاب من البشر لرب العالمين باستخدام أداة النداء (يا) فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه (4487) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ " ، وفيه أيضًا (4625) " أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي " .
وجاء صدور الخطاب من الصغير للكبير من البشر باستخدام أداة النداء (يا) فمن ذلك نداء يوسف لأبيه يعقوب " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ "يوسف/ 4 , ومن ذلك خطاب إخوة يوسف لأخيهم يوسف وهو عزيز مصر , " فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِين " يوسف/ 88 .
رابعًا:
بخصوص الدعاء بلفظ " اللهم " و " يا الله " فليس هناك فرق من حيث المعنى ؛ لأن الراجح من كلام اللغويين أن " اللهم " هي " يا الله " ولكن حُذِف من (يا الله ) أداة النداء وعُوِّض عنها ميم مشددة مفتوحة في آخر الكلمة , قال القرطبي في تفسيره (4 / 53) " قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلِ اللَّهُمَّ" : اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي تَرْكِيبِ لَفْظَةِ" اللَّهُمَّ " بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّهَا مَضْمُومَةُ الْهَاءِ مُشَدَّدَةُ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ ، وَأَنَّهَا مُنَادَى، وَقَدْ جَاءَتْ مُخَفَّفَةَ الْمِيمِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
كَدَعْوَةٍ مِنْ أبي رباح ... يسمعها - اللهم - الْكبَارُ
قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّ أَصْلَ اللَّهُمَّ : يَا أَللَّهُ ، فَلَمَّا اسْتُعْمِلَتِ الْكَلِمَةُ دُونَ حَرْفِ النِّدَاءِ الَّذِي هُوَ" يَا" ، جَعَلُوا بَدَلَهُ هَذِهِ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ ، فَجَاءُوا بِحَرْفَيْنِ ، وَهُمَا الْمِيمَانِ ، عِوَضًا مِنْ حَرْفَيْنِ وَهُمَا الْيَاءُ وَالْأَلِفُ ، وَالضَّمَّةُ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ .
وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّهُمَّ : يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ ، فَحَذَفَ وَخَلَطَ الْكَلِمَتَيْنِ، وَإِنَّ الضَّمَّةَ الَّتِي فِي الْهَاءِ هِيَ الضَّمَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِي أُمّنَا ، لَمَّا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ انْتَقَلَتِ الْحَرَكَةُ.
قَالَ النَّحَّاسُ : هَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْخَطَأِ الْعَظِيمِ ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ " انتهى .

والأكثر في الدعاء ، مع لفظ الجلالة خاصة : استعمال ( اللهم ) ، من غير أن يذكر معها "الياء" ، قال ابن مالك في ألفيته:
والأكثر اللهم بالتعويض ... وشذ يا اللهم في قريض
جاء في " توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك " 2 / 1068 " وجه شذوذه أن فيه جمعا بين العِوَض والمعوَّض ، ومنه قوله : إني إذا ما حَدَثٌ ألمـَّا ... أقول يا اللهم يا اللهمّا " .انتهى .

والحاصل :
أنه لا حرج في الدعاء بلفظ النداء ، مع أسماء الله الحسنى كلها ، وأما لفظ الجلالة "الله" ، فله خصوصية نحوية ، كما سبق بيانه .

والله أعلم .

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 01:30 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر