|
#1
|
||||
|
||||
مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ . أسباب حُسْنِ الخاتمة
مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ أسباب حُسْنِ الخاتمة الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"آل عمران: 102. "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"النساء:1،"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"الأحزاب:70-71. أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ. إن الحديث عن الخاتمة حديث تشرئبُّ إليه الأعناق المؤمنة، وتقف له القلوب الحية؛ لأنه حديث عن النهاية، وحديث عن المرحلة الأخيرة من سفر الدنيا، وحديث عن الحال التي سيقابل بها كل إنسان ربَّهُ، فهي الصفحة الأخيرة من دفتر الحياة، وعليها ختم السعادة أو الشقاوة. هذا الحس اليقظ يبعده عن سِنة الغفلة، ونُعاس الفتور، والقعود عن التهيؤ ليوم المعاد؛ فيكون عند ذلك من المسارعين على الصراط المستقيم، فإذا بقي هذا الشعور حيًّا ساق صاحبَهُ إلى حُسْنِ الخاتمةِ. إن ساعة الاحتضار يا عباد الله ساعة رهيبة، يتمنى الإنسان أن يُثبته الله فيها، ويظن أحدٌ أنها سهلة، وأنه يستطيع أن يتكلَّم بما يريد، فكم مِن مُحْتَضَر حَضَر عنده الناسُ، وقالوا: قل "لا إله إلا الله"، ولم يستطع أن يَنطِق بهذه الكلمة، بل ربما تكلم بكلام محرَّم، وأفعال كان يفعلها في هذه الدنيا، فما الأسباب التي تساعد على حسن الختام؟ السبب الأول يا عباد الله: الإيمان بالله جل وعلا؛ قال سبحانه "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " إبراهيم: 27، فيُثبت اللهُ عبادَهُ المؤمنينَ عندَ ساعةِ الاحتضارِ، ويُثَبِّتُ أولياءَهُ في القبرِ عندما يُسألون، ويثبتهم عندما يقومون من قبورهم.عباد الله: إن ساعةَ الختامِ هي الملخص لحياة الإنسان، والخواتيمُ ميراثُ السّوابق من الأعمال، وحُسن الخاتمةِ أن يوفّق العبد قبل موته للتوبة من الذنوب والسيئات، والإقبال على الطاعات والقُرُبات، ثم يكون موتُهُ على هذه الحال الحسنة. "لا تُعْجَبوا بعملِ عاملٍ ، حتى تَنْظُروا بِمَ يُخْتَمُ له "الراوي : أنس بن مالك وأبو أمامة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم : 7366 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الأعمال بالخواتيم، ولا يدري العبد بماذا يُختَمُ له؟ ولخطورة هذا الأمر وأهميته كان المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يكثر من الدعاء بالثبات على الدين. يَقولُ التَّابعيُّ شَهْرُ بنُ حَوشَبٍ قُلتُ :لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ " يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ" قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ " يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ".الراوي : شهر بن حوشب -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 3522 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . "فمن شاء أقام"، أي: فمن شاء اللهُ أقام قلبَه على الهدى، وثبَّتَه على الدِّينِ، "ومَن شاء أزاغ"، أي: ومَن شاء اللهُ صرَف قلبَه عن الهدى إلى الزَّيغِ والضَّلالِ. فإن العامل يعمل زمانًا من عمره أو بُرهة من دَهْرِهِ بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملًا سيئًا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملًا صالحًا، وإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه. الحمد لله الولي الكافي، المجيب الشافي الخبير الهادي القائل "يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ" إبراهيم27 .والقائل"فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" الصف5. وصلى الله وسلم على نبينا التقي، ذي الشرف العلي والهدى الجلي وعلى آله وأصحابه ومن أسباب حسن الختام: أن يُكثر المسلمُ من ذكر الموت؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثِرُوا من ذِكْرِ هادِمِ اللذَّاتِ"إرواء الغليل للألباني.فإذا أكثَر المسلم من ذكر الموت، استعدَّ بالتوبة الصادقة، وشَمَّر عن ساعد الجد بالأعمال الصالحة؛ لأنه يعلم علمَ اليقين أنه في يوم من الأيام سيُفارق الأهل والأحباب والدور والقصور والأموال، وسيوضع في حفرة مظلمة لا أنيس فيها ولا جليس، إلا ما قدَّم من الأعمال الصالحة. عَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ، قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ :يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا . قَالَ :فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ: "مَا لَكَ يَا عَمْرُو" قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ.قَالَ" تَشْتَرِطُ بِمَاذَا"؟. قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي"صحيح مسلم / 1-كتاب الإيمان /54- باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج / حديث رقم :192-(121) / ص: 39.
|
#2
|
||||
|
||||
أما بعد عباد الرحمن: فالثبات على الهُدى توفيق من الله سبحانه ، وله أسباب وعلى العبد أن يأخذ بها طلبًا للثبات على الهُدَى: فمن أسباب تثبيت الله: شعور العبد بفقره وضعفه وحاجته لله وأخذه بأسباب الاستقامة . فمن أسباب الثبات على الهدى: العمل بشرائع الدين كلها! "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا*وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا. وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا"النساء 66-68. "فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ" فالمهم بعد سماع المواعظ العمل بها لا مجرد السماع فقط! "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً" البقرة:208. قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسير الآية: هذا أمرٌ من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا " فِي السِّلْمِ كَافَّةً" البقرة: 208؛ أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئًا، وألا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعًا للدِّين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال الخير، وما يعجِز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته، ولما كان الدخول في السلم كافة لا يمكن أن يتصوَّر إلا بمخالفة الشيطان، قال تعالى" وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ "البقرة: 208؛ أي: في العمل بمعاصي الله. ومن أسباب الثبات زمن الفتن: الاهتداء بالقرآن الكريم قال تعالى "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"النحل:102. ومن أسباب الثبات عند عواصف الفتن والشهوات: أصحاب أتقياء تتواصى معهم بالحق وبالصبر " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا "الكهف: 28. ومن أسباب الثبات على الهدى: ترطيب جفاف النفس بتعاهد قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء وسير الصحابة ومن بعدهم من الصادقين "وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ" هود:120. ومن أسباب الثبات والنجاة من الفتن: التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الصحيح "أتَينا العِرباضَ بنَ ساريةَ، وَهوَ مِمَّن نزلَ فيهِ "وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ" فَسلَّمنا، وقلنا: أتيناكَ زائرينَ وعائِدينَ ومقتَبسينَ، فقالَ العِرباضُ: صلَّى بنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ، ثمَّ أقبلَ علينا فوعظَنا موعِظةً بليغةً ذرِفَت منها العيونُ ووجِلَت منها القلوبُ، فقالَ قائلٌ: يا رسولَ اللَّهِ كأنَّ هذِهِ موعظةُ مودِّعٍ، فماذا تعهدُ إلينا ؟ فقالَ أوصيكم بتقوى اللَّهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ، وإن عَبدًا حبشيًّا، فإنَّهُ مَن يعِش منكُم بعدي فسيَرى اختِلافًا كَثيرًا، فعلَيكُم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهْديِّينَ تمسَّكوا بِها وعضُّوا علَيها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمورِ فان كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وَكُلَّ بدعةٍ ضلالٌ"الراوي: العرباض بن سارية -المحدث : الوادعي -المصدر : الصحيح المسند -الصفحة أو الرقم : 938خلاصة حكم المحدث : حسن.ومن أسباب الثبات عن تقلب رياح فتن الشهوات أو الشبهات: البعد عن مواطنها وفي الحديث الصحيح" من سمِع بالدَّجَّالِ فلينْأَ عنه ، فواللهِ إنَّ الرَّجلَ ليأتيه وهو يحسَبُ أنَّه مؤمنٌ فيتبعُه ممَّا يبعثُ به من الشُّبهاتِ ، أو لما يُبعَثُ به من الشُّبهاتِ"الراوي : عمران بن الحصين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود. قال العلماء: وفي الحديثِ: النهيُ عن حُضورِ مواطنِ الفتنِ وأماكنها، وبيانُ أنَّ مِن أعظمِ أسبابِ النَّجاةِ مِن الفتنِ الابتعادَ عنها وعن أماكنِها. ومن أعظم أسباب الثبات: صلاح القلب والإخلاص لله سبحانه؛ ففي الحديث الصحيح " إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ، فِيما يَبْدُو لِلنَّاسِ وهو مِن أهْلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ، فِيما يَبْدُو لِلنَّاسِ وهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ."الراوي : سهل بن سعد الساعدي -المصدر : صحيح مسلم .فقوله " فِيما يَبْدُو لِلنَّاسِ " إشارة إلى أن الباطن بخلاف ذلك؛ فسوءُ النية تدرك صاحبَها فتحرفه عن الهدى إلى الضلال..الألوكة.ومصادر أخرى. "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"آل عمران:8، قال ابن عثيمين -رحمه الله "وقوله"بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا" هذه الجملة لا يُراد بها الافتخار، وإنما يُراد بها التوسل بالنعم السابقة إلى النعم اللاحقة، فكأنهم يقولون: ربنا إنك مَنَنْت علينا بالهداية أولًا، فنسألك أن تمن علينا بثبوت هذه الهداية فلا تزغها". وقوله"وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"، قال السعدي -رحمه الله "أي:رحمة ومِنة عظيمة، توفقنا بها للخيرات، وتعصمنا بها من المنكرات". فسألوا ربهم الرحيم الودود ثباتًا على دينه، ورحمة يثبتهم بها، ويوفقهم بها لطاعته، ويعصمهم بها عن معصيته؛ لعلمهم أن الأمر كله بيده، وهو قريب مجيب. أي رحمة عظيمة واسعة شاملة التي تقتضي حصول نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب، وحصول الطاعة في الجوارح والأركان. فالرحمة من آثارها التوفيق، والدوام على الهدى في الدنيا، والنعيم الأبدي في الآخرة؛ ولهذا كثرة الأدعية في كتاب اللَّه لهذا المطلب الجليل.مِنْ لَدُنْكَ: جُعلت الرحمة من عنده؛ لأن تيسير الأسباب، وتكوين الهيئات منه جل وعلا تفضلاً وتكرمًا، وفيها معاني التعظيم والإجلال للَّه تعالى، وهذا من حسن دعائهم، وأدبهم مع ربهمالتي ملأت قلوبهم حبًا وتعظيمًا له. "إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ" عللوا طلبهم، وأكَّدوه بخصوصية الهبة المطلقة الكاملة للَّه تعالى، التي لايعدّها عادٌّ، ولا يحدّها حادّ، إيماناً منهم بكمال صفاته تعالى، ومن جملتها هباته تعالى؛ لأن هبات الناس بالنسبة لما أفاض اللَّه تعالى من الخيرات شيء لا يُعبأ به. لذلك قالوا"رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ"حيث استحضروا عند طلب الرحمة أحوج ما يكونون إليه، وهو يوم تكون الرحمة سببًا للفوز الأبدي، فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءهم على سبيل الإيجاز، كأنهم قالوا : وهب لنا من لدنك رحمة، وخاصة يوم تجمع الناس.التحرير والتنوير لابن عاشور، 3/ 169. توسَّلوا إلى ربهم بالإيمان ومنة اللَّه تعالى به، من الوسائل المطلوبة، فيكون هذا من تمام دعائهم.المواهب الربانية، ص 127. فاللهم يا مقلِّبَ القلوبِ، ثبِّت قلوبنا على دينك. قال النبي -صلى الله عليه وسلم "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعمَلَهُ .قِيلَ : كيفَ يَستعمِلُهُ ؟ قال : يُوفِّقُهُ لعملٍ صالِحٍ قبلَ الموْتِ ثمَّ يَقبِضُهُ عليهِ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ ، قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ"رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع. لقد جعل الشارع الحكيم علامات بينات، ومبشرات مفرحات، يستدل بها على حسن الخاتمة، أولها: النطق بشهادة التوحيد عند الموت، لحديث معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم"من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخلَ الجنَّةَ"الراوي : معاذ بن جبل - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود. ولذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلقين الميت هذه الشهادة؛ رجاء أن تكون خاتمة عمله، قال -صلى الله عليه وسلم "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله"رواه مسلم، والمراد بالموتى: المحتَضَرون المقبلون على الموت، والمراد بالتلقين أن يقول أحد الحضور للمحتَضَِر برفق: قل لا إله إلا الله، أو يقولها عند رأسه يذكره بها، فإذا قالها سكت عنه، فإذا تكلم المحتضَر بغيرها أعاد أمره بها، حتى تكون هي آخر ما يتكلم به. "لقِّنوا مَوتاكُم"، أي: قولوها لِمَن حَضرتْه نَزعاتُ الموتِ ورَدِّدوها مَعه حتَّى يَقولَها. دخَل على رجُلٍ مِن بني النَّجَّارِ يعُودُه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم: يا خالِ، قُلْ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقال: أوخَالٌ أنا أو عَمٌّ؟! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم:لا، بل خَالٌ، فقال له: قُلْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، قال: هو خَيْرٌ لي؟ قال: نَعَم."الراوي : أنس بن مالك -المحدث : الوادعي -المصدر : الصحيح المسند -الصفحة أو الرقم:31 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. كَلِمَةُ التَّوحيدِ هي الكَلِمةُ المُنْجِيَةُ من سُوءِ العاقِبَةِ، وهي شَرْطُ الإيمانِ الأوَّلُ، وسَبَبٌ للنَّجاةِ في الآخِرَةِ؛ ولذلك كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حريصًا على أنْ يُعَلِّمَها للناسِ، وهذا الحديثُ يُوضِّحُ جانِبًا من حِرْصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التَّوْحيدِ، قال أنَسٌ رضِيَ اللهُ عنه "دَخَلَ على رَجُلٍ من بني النَّجَّارِ يَعودُهُ"، أي: يَزورُهُ في مَرَضِهِ، وبنو النَّجَّارِ فَرْعٌ من أَنْصارِ الخَزْرَجِ، "فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم: يا خالُ" وذلك لأنَّ أُمَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانتْ من بني النَّجَّارِ، فهُمْ أَخْوالُهُ، "قُلْ: لا إِلَهَ إلَّا اللهُ"، أي: اِشْهَدْ للهِ بالتَّوْحيدِ، ومَعْناها لا مَعْبودَ بِحَقٍّ إلَّا اللهُ، فقال الرَّجُلُ "أَوَخالٌ أنا أَوَعَمٌّ؟"، أي: أنا بهذه الصِّفَةِ من القَرابَةِ لك من جِهَةِ أُمِّكَ أكونُ خَالًا أَمْ عَمًّا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "لا بَلْ خَالٌ، فقال له: قُلْ: لا إِلَهَ إلَّا اللهُ، قال: هو خَيرٌ لي؟ قال: نَعَمْ" وهذا من حِرْصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الناسِ حتى يَنْجُوَ من سُوءِ العاقِبَةِ، وتكونَ لهم هذه الكَلِمَةُ حُجَّةً عندَ اللهِ. وفي الحديثِ: بَيانُ فَضْلِ كَلِمَةِ التَّوْحيدِ. وفيه:كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ."الدرر. لقدْ ضرَب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أروعَ الأمثلةِ في الرَّحمةِ بخدَمِه، وإنْ كانوا مِن أهلِ الكِتابِ، والحِرصِ على هِدايتِهم إلى الإسلامِ. وفي هذا الحَديثِ يَروي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ غلامًا يهوديًّا -ويُطلَقُ الغلامُ على الصبيِّ مِن وقتِ ولادتِه إلى أن يَشِبَّ أو يُقارِبَ سِنَّ البُلوغِ- كان يخدُمُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمرِض هذا الغلامُ، فأتاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُه ويزُورُه، فقعَد عندَ رأسِه، وطلَب منه أن يُسلِمَ، فنظَر الغلامُ إلى أبيه وهو عندَه، وكأنَّه تَردَّد في الأمرِ، أو أنَّه كان مُريدًا للإسلامِ وإنَّما كان يَخافُ مِن أبيه؛ فلذلك الْتَفَتَ إليه، فأجابه أبوه أنْ أَطِعْ أبا القاسِمِ، وتلك كُنْيةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسلَمَ الغلامُ، والإسلامُ يَقتضي النُّطقَ بالشَّهادتَينِ، وهو قولُ"أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله" كما جاء في رِوايةِ النَّسائيِّ في الكُبرَى، فخرَج النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن عندِه وهو يقولُ: الحمدُ للهِ الَّذي أنقَذَه، فخلَّصه ونجَّاه بي مِن النَّار. وفي الحَديثِ: استِخدامُ الكافرِ لخِدمةِ المسلِمِ في الأعمالِ التي تُناسِبُه، بشَرطِ أن يأمَنَ مَكْرَهم وخِداعَهم. وفيه: عِيادةُ المريضِ ولو كان كافرًا، عسى أنْ يكونَ ذلك سببًا في إسلامِه. وفيه: حُسْنُ العهدِ. وفيه: عَرْضُ الإسلامِ على الصَّبيِّ. أنَّ جَميعَ الأَقارِبِ من جِهَةِ الأُمِّ هُمْ أَخْوالٌ للمَرْءِ .الدرر. ويُنْتَبَه لهذا يا إخوان مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ، قبل بضع سنوات شخصٌ كبير السِّن عاش دهرًا طويلاً يُقرئ النَّاس القُرآن، ثُمَّ تَعِبَ عن إقراء النَّاس القرآن فَلَزِمَ المُصْحَفْ يَقْرَأ، فمات -رحمة الله عليه- ورأسُهُ في المُصحف يَنْتَظِر شُرُوق الشَّمس؛ لأنَّهُ اعتاد هذا، من عَاشْ على شيء مات عليه، ومن مَات على شيء بُعِثَ عليهِ؛ فلنحرص على مثل هذا؛ لتكُون الخاتمة مُشَرِّفَة ثانيًا: أن يختم له بعمل صالح؛ كصيام أو صدقة أو ذكر، فعن جابر -رضي الله عنه- قال" مَنْ ماتَ على شيءٍ بَعثَهُ اللهُ عليْهِ "الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع . "مَن ماتَ على شَيءٍ"، أي: مَن ماتَ على عَمَلٍ مِن الأعْمالِ طاعَةً كانتْ أو مَعصيَةً، "بَعَثَه اللهُ عليه"، أي: بَعَثَه اللهُ عزَّ وجلَّ على هذا العَمَلِ. "بيْنَا رَجُلٌ واقِفٌ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَرَفَةَ، إذْ وقَعَ عن رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ أوْ قالَ: فأقْعَصَتْهُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ أوْ قالَ: ثَوْبَيْهِ، ولَا تُحَنِّطُوهُ، ولَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ يُلَبِّي."الراوي : عبدالله بن عباس/ صحيح البخاري. "لا يُكْلَمُ أحَدٌ في سَبيلِ اللهِ، واللَّهُ أعْلَمُ بمَن يُكْلَمُ في سَبيلِهِ، إلَّا جاءَ يَومَ القِيامَةِ وجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، والرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ."الراوي : أبو هريرة- صحيح مسلم. "قَامَ فِينَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ، فَذَكَرَ الغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قالَ: لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ يقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ."الراوي : أبو هريرة- صحيح مسلم. الغُلُولَ: وهو: الخِيَانَةُ في المَغْنَمِ؛ فعَظَّمَه وعَظَّمَ أمرَه. والغُلول هو أخذ شيءٍ من المغنم لم يُقسم، يأخذه، يَغُلُّه ويختص به دون الغانمين، وهكذا مثل ذلك مَن يأخذ من بيت المال بغير حقٍّ، أو من الأمانات التي لديه بغير حقٍّ. لا أُلْفِيَنَّ أحدَكم، أي: لا أجِدَنَّ أحدَكم يأتي يومَ القِيامةِ . ومعناه: لا تعملوا عملاً أجدكم بسببه على هذه الصفة. بَعيرٌ لها رُغَاءٌ: وهو صوتُ الجملِ. لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ:لا أمْلِكُ لك شيئًا، قدْ أبلغتُكَ حُكمَ الله فلا عُذْرَ لك بعدَ الإبلاغِ. علَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ: وهو صوتُ الفَرَسِ دونَ الصَّهيلِ. علَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ:وهو صوتُ الشَّاةِ. علَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ :والنَّفْسُ: المَمْلوكُ الَّذي يكونُ قدْ غَلَّهُ مِنَ السَّبْيِ. على رقبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ:أي: ثِيابٌ تَضْطَرِبُ وتَتَحرَّكُ. على رقَبتِهِ صَامِتٌ: أي: مالٌ منْ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ. في الحَديثِ: النَّهْيُ عَنِ الغُلُولِ. وفيه:تَعْدِيدُ بعضِ أنواعِ الغُلولِ؛ لِيكونَ إعلامًا للنَّاسِ بها.الدرر السنية.قال تعالى"الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ"البقرة:. 275 .وقال ابن كثير رحمه الله ” أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه، وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قيامًا مُنْكَرًا. وقال ابن عباس: آكل الرِّبا يبعث يوم القيامة مجنونًا يُخنَق ” رواه ابن أبي حاتم. "لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ، يُرْفَعُ له بقَدْرِ غَدْرِهِ، ألا ولا غادِرَ أعْظَمُ غَدْرًا مِن أمِيرِ عامَّةٍ."الراوي : أبو سعيد الخدري-صحيح مسلم.الغدر هو نقض العهود. قال النووي"لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ أي: علامة يشتهر بها في الناس قال ابن بطال:لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ :وهذه مبالغة في العقوبة وشدة الشهرة والفضيحة.ويُنْتَبَه لهذا يا الأخوان مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ، قبل بضع سنوات شخصٌ كبير السِّن عاش دهراً طويلاً يُقرئ النَّاس القُرآن، ثُمَّ تَعِبَ عن إقراء النَّاس القرآن فَلَزِمَ المُصْحَفْ يَقْرَأ، فمات -رحمة الله عليه- ورأسُهُ في المُصحف يَنْتَظِر شُرُوق الشَّمس؛ لأنَّهُ اعتاد هذا، من عَاشْ على شيء مات عليه، ومن مَات على شيء بُعِثَ عليهِ؛ فلنحرص على مثل هذا؛ لتكُون الخاتمة مُشَرِّفَة وعند أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، خُتِمَ لَهُ بِه دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"صححه الألباني. ثالثًا: الشهادة في ساحات الجهاد، لقوله -تعالى" وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"آل عمران:169-170، ومن رحمة الله وفضله على هذه الأمة ما ثبت عند مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهادَةَ بصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ ماتَ علَى فِراشِهِ. ".صحيح مسلم. فمَن تَمنَّى الشَّهادةَ أَعطاه اللهُ أَجْرَ الشُّهداءِ، وإنْ لم يُصبْها، أي: في الحقيقةِ، فاللهُ تعالى يُعطيه أَجرَها بنِيَّتِه الصَّادقةِ. وفيه: أنَّ مَن نوى خَيرًا وحال بينه وبين فِعلِه حائلٌ، فإنَّه يُكتبُ له أَجرُه. " أشْهدُ على التِّسعةِ أنَّهم في الجنَّةِ ولو شَهدتُ على العاشرِ لم آثَمْ. قيلَ وَكيفَ ذلِكَ قالَ كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم بحِراءَ فقالَ "اثبت حراءُ فإنَّهُ ليسَ عليْكَ إلاَّ نبِيٌّ أو صدِّيقٌ أو شَهيدٌ " قيلَ ومن هم قالَ: رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم وأبو بَكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ وطلحةُ والزُّبيرُ وسعدٌ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ". قيلَ فمنِ العاشرُ قالَ أنا "الراوي : سعيد بن زيد-المحدث : الألباني-المصدر : صحيح أبي داود. "إنَّه ليس عليك إلَّا نبيٌّ، أو صِدِّيقٌ، أو شهيدٌ"، والمُرادُ بالصِّدِّيقِ: أبو بَكْرٍ، والشَّهيدُ مَجْموعُ مَنْ كان مَعَه مِن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهم. فمَنَ قُتِلَ مِنْهم فهو شَهيدٌ، ومَنْ مات مِنْهم - كسعدِ بن أبي وقَّاصٍ وعبدِ الرحمنِ بن عوف؛ حيثُ ماتَا على فِراشِهما- فإنَّه لم يَمُتْ إلَّا مُتمنِّيًا لأنْ يُسْتَشْهَدَ في سبيلِ اللهِ، فيُبلِّغهم اللهُ عزَّ وجلَّ مَنازِلَ الشُّهداءِ. المصدر:شرح الحديث من الدرر السنية. "ما مِن مسلمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ أو ليلةَ الجمعةِ إلَّا وقاهُ اللَّهُ فِتنةَ القبرِ"الراوي : عبدالله بن عمرو -المحدث : الألباني -المصدر :صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم : 1074 خلاصة حكم المحدث : حسن . والحديث مختلف في ثبوته. فضَّل اللهُ سُبحانَه وتعالَى بعضَ الأيَّامِ على بعضٍ، وخصَّها بفضائلَ دونَ غيرِها، ومِن ذلك يومُ الجُمُعةِ.وفي هذا الحديثِ يُبيِّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الفضْلَ الذي يثبُتُ للمُسلمِ الذي يموتُ صَباحَ يومَ الجُمُعةِ أو ليلتَه، وذلك أنَّ اللهَ تعالَى يَقيهِ "فِتنةَ القَبرِ"، قال المباركفوري في شرح الترمذي عند شرحه للحديث: أي حفظه الله من فتنة القبر أي عذابه . يُسْتَأْنَسُ بِهَا لِمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ، وَيُسْتَبْشَرُ بِهَا لِمَنْ حَسُنَتْ خَاتِمَتُهُ. وَالحَقُّ الذي لَا خِلَافَ فِيهِ هُوَ أَنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ مَعَ الإِخْلَاصِ للهِ تعالى هُوَ الذي يَنْفَعُ العَبْدَ في قَبْرِهِ، لِأَنَّ هُنَاكَ مِنَ الكُفَّارِ وَالفُسَّاقِ وَالفُجَّارِ مَنْ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَهَلْ هُمْ سُعَدَاءُ في قُبُورِهِمْ؟ إخوة الإيمان: ولا سبيل لحسن الخاتمة إلا بالعمل بالأسباب الموصلة إلى ذلك، ومنها: لزوم الاستقامة على طاعة الله -تعالى-، فمن شبّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه. ومنها: كثرة الدعاء بحسن الخاتمة، وهو دعاء الأنبياء، كما قال يوسف -عليه السلام"تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"يوسف:101. حسن اختيار الرفيق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"الرجلُ على دين خليلِه، فلينظُرْ أحدكم مَن يُخالِل". قوله"الرجل"؛ يعني الإنسان. "على دين خليله"؛ أي: على عادة صاحبه وطريقته وسيرته. "فلينظُرْ"؛ أي: فليتأمَّل وليتدبر. "مَن يُخالِل" من المخالَّة، وهي المصادقة والإخاء، فمَن رضي دينَه وخُلُقه خالَلَه، ومَن لا، تجنَّبَه؛ فإن الطباع سرَّاقة، والصُّحبة مؤثِّرة في إصلاح الحال وإفساده. قال تعالى "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"سورة الكهف آية:28.ومن أسباب حسن الخاتمة: كثرة ذكر الله، فغالبًا أن الإنسان عند ساعة الاحتضار يُكثر مما كان يُكثر منه، أو ينطق بما كان يكثر منه في حياة الدنيا. اللهم حبب إلى قلوبنا الطاعات وأعنا على فعلها وكره إلى قلوبنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا رب العالمين من الراشدين. أقول ما تسمعون، وأسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|