العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-26-2021, 12:03 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,262
Post الزهد

الزهد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ثم أَمَّا بَعْدُ:
لابد للمسلم في هذه الحياة من وقفات يقفها مع نفسه ، يعيد فيها تقويم أموره ، ويتفكر في مصيره ، ويصحح بها مساره ، فقطار الحياة يسير بنا شئنا أم أبينا ، ولابد من وقت نتركه فيه كما تركه مَنْ سبقنا .

لقد سبقنا إلى القبور أُناس كثيرون ، لهم أحلام وطموحات مثلنا ، يُمْسون ويصبحون عليها ، وفجأة جاءهم ملك الموت ، في هذه اللحظات العصيبة ، انكشفت لهم حقيقة الوجود في الدنيا ، وأنها مرحلة من رحلة طويلة ..... رحلة العودة إلى الله . وتمنوا في هذه اللحظات أن ينصرف عنهم ملك الموت ولو للحظة يصلحونفيها ما أفسدوا .
قال تعالى " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"المؤمنون 99 - 100.
فإذا كان هذا هو حال الكثير ممن سبقنا إلى لقاء الموت فلماذا لا نعتبر بهم حتى لا نقع فيما وقعوا فيه ؟

إن من فضل الله علينا أننا مازلنا في الأمنية التي يتمناها هؤلاء في العودة إلى الدنيا ، فهل لنا أن نفعل ما يتمنون فعله لو كانوا مكاننا ؟ !
هل لنا أن نبدأ في تصحيح المسار ، ووضع الدنيا في حجمها الصحيح ، والزهد فيها ، والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة ؟ !

ولنحذر من حب الدنيا والحرص عليها، فحب الدنيا هو الذي عَمَّرَ النار بأهلها ، والزهد في الدنيا هو الذي عَمَّرَ الجنة بأهلها .
ومما يعين على الزهد فيها ، والعمل للآخرة ، ذكر الموت .
فلنتدبر أحوال الميت بعد نزع روحه ، وقد تصلبت أطرافه ، وشخص بصره ، واستسلم جسده ليد المُغَسِّل ، فلا كلام ، ولا حِراك ، ولا اعتراض ، وبعد تكفينه يُحمل على الأكتاف فيصلَّى عليه ، ثم يوضع في حفرة ضيقة من الأرض ، ويُهَال عليه التراب ، فلا منفذ يبقى للهواء ولا للضياء ، ثم بعد فترة يتحلل اللحم ويتساقط من فوق العظام ، وشيئًا فشيئًا تتحول العظام إلى تراب .
والله أعلم بحاله أمُنَعَّم أم غير ذلك ؟ !
لا فرق في هذا بين الجميل والدميم ، والشاب والهرم ، والغني والفقير .
فهي رحلة بدايتها هذه الحياة ثم الموت والقبر والنشور ..... ثم الجنة أو النار .
فالدنيا دار امتحان ، ونهاية الامتحان هي اللحظة التي قدرها الله لنهاية حياة العبد ، فيأتي ملك الموت ومِنْ ورائِهِ ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ..... يأتي ملك الموت لنزع الروح وإنهاء الوجود في قاعة الامتحان ..... في هذه اللحظات يرى العبد الملائكة لأول مرة في حياته ..... يُرْفـع الستار بين عالَم الغيب وعَالَم الشهادة وتنكشف الحقيقة :
قال تعالى "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" .سورة ق / آية : 22 .

وفي هذه اللحظات يُبَشَّر المؤمن بنجاحه في الامتحان . قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" . سورة فصلت / آية : 30 .

أما الظالم لنفسه المضيِّع للمهمة التي خُلق من أجلها فيبشر بالعذاب . قال تعالى"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ" . سورة الأنعام / آية : 93 .

في هذه اللحظات يشتد ندم الغافلين على ما فرطوا في جنب الله ، ويتمنون العودة إلى الدنيا ليصلحوا ما أفسدوه . قال تعالى "حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" .سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 .
كلا ..... لا عودة للدنيا فقد انتهت المهلة وأُغْلِقَت الصحيفة لتبدأ مرحلة جديدة ..... مرحلة الحياة البرزخية .

بعد أن استعرضنا معًا بعض ملامح رحلة العودة إلى الله ، يبقى السؤال :
* ماذا ينبغي علينا أن نقوم به قبل أن تضيع منا الفرصة ، ويُحال بيننا وبين العمل الصالح ؟
* ماذا نفعل كي لا نكون ممن يقول "يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي"الفجر :24.

لنبدأ باستثمار مشاعرنا في تلك اللحظات ، بالآتي :
ـ العزم على التوبة عما مضى .
ـ العزم على الاستقامة فيما هو آت ، وسبيل ذلك استغلال النعمتين المغبون فيهما كثير من الناس " الصحة والفراغ " بالعمل الصالح .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-26-2021, 01:49 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,262
Post

ـ الحذر من تحقير شأن الذنوب وعاقبتها مهما قَلَّتْ .
فقد ورد في كتاب فوائد الفوائد لابن القيم .../ ترتيب علي حسن علي عبد الحميد / ص : 389 :
يا مغرورًا بالأمانيِّ ! لُعِنَ إِبليسُ وأُهْبِطَ من منزلِ العزِّ بتركِ سجدةٍ واحدةٍ أُمِرَ بها ، وأُخرِجَ آدمُ من الجنّةِ بلقمةٍ تناولَها ، وحُجِب القاتلُ عنها (1) بعد أنْ رآها عِيانًا بملءِ كفٍّ من دم ٍ، وأُمرَ بقتلِ الزَّاني أَشنعَ القِتْلاتِ بإِيلاجِ قَدْرِ الأُنملةِ فيما لا يَحِلُّ ، وأُمرَ بإِيساعِ الظهرِ سياطًا (2) بكلمةِ قَذْفٍ أو بقطرةٍ من مُسْكرٍ ، وأَبانَ (3) عضوًا من أعضائكَ بثلاثةِ دراهمَ ! فلا تأمنْهُ أنْ يحبسَكَ في النَّارِ بمعصيةٍ واحدةٍ . "وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا" .سورة الشمس / آية : 15 .
" دخلت امرأة النار في هرة " (4) ، " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " (5) . ا . هـ .

( 1 ) عنها : أي الجنة . ( 2 ) سياطًا : أي بالجلد .
( 3 ) أبان : قطع . ( 4 ) رواه البخاري ( 3318 ) ، ومسلم ( 2242 ) عن ابن عمر .
( 5 ) رواه البخاري ( 6478 ) ، ومسلم ( 2988 ) عن أبي هريرة .

حِكمة :
ــــ
كم جاء الثواب يسعى إليك فوقف بالباب ، فرده بوَّابُ " سوف " و " لعل " و" عسى " .
ـ الزهد في هذه الدنيا الفانية . والاعتراف بظلمنا لأنفسنا :
"قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" .سورة الأعراف: 23.هَلُمُّوا إلى ربكم ! ! !

وهذا بحث في الزهد ، لعله يعيننا على أنفسنا واجتياز الامتحان والفوز بالآخرة ، ويكون سببًا للنجاة . ولنحذر قـول الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
"نجا أوَّلُ هذِهِ الأمَّةِ باليقينِ والزهدِ ، ويَهْلِكُ آخرُها بالبخلِ والأمَلِ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 6746 - خلاصة حكم المحدث : حسن.
اللهم أعنا على أنفسنا ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا .



الزهد

تعريف الزهد :
الزهد : هو انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خيرٌ منه ، وأما العلم المُورِثُ لهذه الحال فهو العلم بكون المتروك حقيرًا بالإضافة - أي بالمقارنة- إلى المأخوذ ، فمن عرف أن ما عند الله باق ، وأن الآخرة خير وأبقى من الدنيا كما أن الجوهر خيرٌ وأبقى من الثلج ، فالدنيا كقطعة الثلج الموضوعة في الشمس لا تزال في الذوبان حتى تنتهي ، والآخرة كالجوهر غالية الثمن لا تذوب ولا تنتهي ، وبقدر اليقين بالتفاوت بين الدنيا والآخرة تقوى الرغبة في البيع .

البحر الرائق في الزهد والرقائق / ص : 187 .
قال تعالى :
"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" سورة الحديد / آية : 20 .
هذه خمسة أشياء كلها ليست بشيء : لعب ، ولهو ، وزينة ، وتفاخر بينكم ، وتكاثر في الأموال والأولاد ، مثالها :
" كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ " أعجب الكفار ، لأن الكفار هم الذين يتعلقون بالدنيا ، وتسبي - أي تأسر- عقولهم ، فهذا نبات نبت من الغيث - أي المطر - فصار الكفار يتعجبون من حُسنه ونضارته .
"ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا" أي يزول وينتهي
"وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ"
فأيهما تريد ؟ هناك عذابٌ شديد لمن آثر الحياة الدنيا على الآخرة ، وهناك مغفرة من الله ورضوان لِمَنْ آثر الآخرة على الدنيا .
والعاقل إذا قرأ القرآن وتبصر عرف قيمة الدنيا ، وأنها ليست بشيء ، وأنها مزرعة للآخرة ، فانظر ماذا زرعت فيها لآخرتك ؟ إن كنت زرعت خيرًا فأبشر بالحصاد الذي يرضيك ، وإن كان الأمر بالعكس فقد خسرت الدنيا والآخرة . نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية .

فالدنيا مهما طاب عيشها فمآلها للفناء ، وإذا لم يصحبها عمل صالح فإنها خَسَارة . ومن عمل فيها عمـلًا صالحًا صارت مزرعة له في الآخرة ، ونال السعادتين ؛ سعادة الدنيا وسعادة الآخرة .
شرح رياض الصالحين / للعثيمين / ج : 6 / ص : 9 ، 10 ، 18 ، 19 .

فالدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة -وهي - ممر ومزرعة للآخرة .
فإن قال قائل : يقال ورع ، ويقال زهد ، فأيهما أعلى ؟ وما الفرق بينهما ؟ .
فالجواب : أن الزهد أعلى من الورع ، والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضر ، والزهد ترك ما لا ينفع .
فالأشياء ثلاثة أقسام : منها ما يضر في الآخرة ، ومنها ما ينفع ، ومنها ما لا يضر ولا ينفع .
فالورع : أن يدع الإنسان ما يضره -أي يدع كل المعاصي والذنوب - في الآخرة .
والزهد : أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة ، فالذي لا ينفعه لا يأخذ به ، والذي ينفعه يأخذ به ، والذي يضره لا يأخذ به من باب أولى ، فكان الزهد أعلى حالًا من الورع ، فكل زاهد ورع ، وليس كل ورع زاهدًا .
شرح رياض الصالحين / للعثيمين / ج : 6 / ص : 12 ، 13 .
حقيقة الزهد :
الزهد في الدنيا ليس معناه تركها بالكلية ، بل معناه عدم حبها أو تعلق القلب بها ، ومعناه كذلك انصراف الرغبة عنها ، وهذا لا يتنافى مع الغنى ، ولا يتلازم مع الفقر .

سُئِل أحد الأئمة عن الرجل يكون معه ألف دينار هل يكون زاهدًا ؟

قال : نعم على شريطة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت .
فليس الزاهد مَنْ لا مال عنده ، وإنما الزاهد مَنْ لم يشغل المال قلبه وإن أوتيَ مثل ما أوتيَ قارون ، فكم من فقير مُعْدَم يملأ قلبه حبُّ الدنيا ، وكم من غني واسع الثراء لم تشغل الدنيا قلبه .
فهذا عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ كان أحد أثرياء الصحابة ، ومع ذلك لم يكن يُعرف من بين عبيده من شدة تواضعه وزهده في الدنيا .
وليس من الزهد لبس الخشن من الثياب أو أكل الغليظ من الطعام ، وترك ما أباحه الله لنا من الطيبات . فقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أزهد الناس وأقربهم إلى الله ، وكان يمزح ويداعب الأطفال ، ويتزوج النساء ، ويأكل العسل ، ويأكل اللحم إذا وجد ، ويُفْرَش له الظل ، ..... ومـا نُقِل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه امتنع عن مباح زهدًا في الدنيا ..... . هلموا إلى ربكم ... / ص : 65 / بتصرف .
فحقيقة الزهد في الدنيا أنه من أعمال القلوب ، فهو تفريغ القلب من الاشتغال بالدنيا للتفرغ لطلب الآخرة .
من هنا يتضح لنا أن الدنيا لا ينبغي أن يكون لها موضع في قلب المؤمن ، بل في يده يستخدمها في طاعة الله . هلموا إلى ربكم ..... / ص : 66 / بتصرف


علامات الزهد :

العلامة الأولى :

أن لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود ، كما قال تعالى

"لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" . سورة الحديد / آية : 23 .

العلامة الثانية :

أن يستوِي عنده ذامُّهُ ومادِحُهُ .

العلامة الثالثة :

أن يكون اطمئنانـه بالله تعالى ، والغالب على قلبه حلاوة الطاعة ، إذ لا يخلو القلب عن حلاوة المحبة ، إما محبة الدنيا ، وإما محبة الله ، وهما في القلب كالماء والهواء فـي القدح ، فالماء إذا دخل خرج الهواء ولا يجتمعان ، وكل من اطمأن بالله ، انشغل به ولم ينشغل بغيره .


درجات الزهد :
الدرجة الأولى :

أن يزهد في الدنيا وهو لها مُشْتَهٍ ، وقلبه إليها مائل ، ونفسه إليها ملتفتة ، ولكن يجاهدها ويكفها ، وهذا يسمى متزهدًا .

الدرجة الثانية :

أن يترك الدنيا طوعًا لاستحقاره إياها ، بالإضافة -أي بالمقارنة- إلى ما طمع فيه ، ولكنه يرى زهده ويلتفت إليه كالذي يترك درهمًا لأجل درهمين .

الدرجة الثالثة :

أن يزهد في الدنيا طوعًا ، ويزهد في زهده فلا يرى أنه ترك شيئًا ، فيكون كمن ترك خَذَفَة -أي حصاةٌ - وأخذ جوهرة ، ويمثل صاحب هذه الدرجة بمن منعه من الدخول على الملك كلب على بابه ، فألقى إليه لقمة من خبز فشغله بها ودخل على الملك ونال القرب منه ، فالشيطان كلب على باب الزهد ، يمنع الناس من الدخول ، مع أن الباب مفتوح ، والدنيا كلقمة فمن تركها فاز .
البحر الرائق / أحمد فريد / ص : 191 / بشيء من التصرف .

قيل : الدنيا والآخرة في القلب كَكِفَّتَي الميزان ما تَرْجَح إحداهما إلا وتَخِفّ الأخرى . البحر الرائق .

الزهد والمال :

مما لاشك فيه ، أن أهم رمز من رموز الدنيا هو " المال " ، فهو في نظر الناس الوسيلة الأكيدة لتحصيل ما يريدون تحصيله من حاجات أو ملذات ، أو شهوات ، ولقد جُبلت النفوس على حبه والشح به .

قال تعالى "وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا"سورة الفجر / آية : 20 .

وعلى عكس الكثير من شهوات الدنيا ، فإن شهوة المال لا تنطفئ أبدًا ، فكلما كثر المال وتنامى ازداد النهم تجاهه ، كالنار كلما زيد في وقودها اشتد اشتعالها .

يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثًا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على مَنْ تاب " .متفق عليه .


ومن هنا تظهر قيمة الإنفاق في سبيل الله كعلاج أكيد لحب الدنيا والتعلق بها . فحين تنفق المال فإنك بذلك تطفئ شهوته داخلك ، وكلما أكثرت من الإنفاق وداومت عليه كلما تحررت من أسر الدنيا . ولكي ننتفع بهذا " الدواء الرباني " ، علينا المداومة على الإنفاق في سبيل الله بصورة يومية ، ولو بأقل القليل ، وإن بلغ شق تمرة وكلما انشغل المسلم بشيء من الدنيا فليبادر بالإنفاق، وكلما كثرت الهموم ، وازداد الخوف من الفقر والمستقبل المجهول فعلينا بالإنفاق . هلموا إلى ربكم ..... / ص : 69 / بتصرف .


ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" ما من يوم يُصبحُ العبادُ فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعطِ منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكًا تلفًا " .
رواه البخاري ومسلم . صحيح الترغيب والترهيب ... / ج : 1 / كتاب : الصدقات /حديث رقم : 914 / ص : 545 .


ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " قال الله تعالى : ياعبدي أَنفِقْ أُنْفِقْ عليك ... " .

رواه البخاري ومسلم . صحيح الترغيب والترهيب ... / ج : 1 / كتاب : الصدقات /حديث رقم : 915 / ص : 546 .

ـ عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " ما من يومٍ طلعت شمسُه إلا وكان بجَنْبَتَيْهَا مَلَكان يناديان نداءً يسمعه ما خلق الله كلُّهم غيرُ الثقلين " يا أيها الناس هَلُمُّوا إلى ربكم ؛ فإن ما قَلَّ وكفى ، خيرٌ مما كَثُرَ وألْهى " .

رواه البيهقي من طريق الحاكم . وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب ... /ج : 1 / كتاب الصدقات / حديث رقم : 917 / ص : 547

ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " ما أُحب أنَّ لي أُحدًا ذهبًا ، أَبْقَى صبحَ ثالثةٍ وعندي منه شيءٌ ، إلا شيءٌ أُعِدُّه لِدَيْن " . رواه البزار . وقال الشيخ الألباني رحمه الله صحيح لغيره . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /كتاب : الصدقات / حديث رقم : 931 / ص : 554 .



ـ عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" أيكم مالُ وارِثه أحبُّ إليه من ماله ؟ " .قالوا : يا رسول الله ! ما منَّا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه من مال وارثه . قـال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " فإنَّ مالَه ما قدَّم (1) ، ومالَ وارثه ما أخَّر (2) " . رواه البخاري والنسائي . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / كتاب : الصدقات /حديث رقم : 920 / ص : 548 .
( 1 ) ما قدَّم: أي ما أنفقه في سبيل الله حال حياته .
( 2 ) ما أخَّر : أي تركه لورثته بعد مماته .



ـ عن طلحة بن يحيى عن جَدته سُعْدى قالت : دخلتُ يومًا على طلحة ـ تعني ابن عبيد الله ـ فرأيتُ منه ثِقلًا(1) ، فقلتُ له : مالك ؟ ! لعلك رَابَكَ (2) منا شيء فَنُعْتِبَكَ (3) ؟ قال : لا ، وَلَنِعْمَ حَليلةُ المرءِ المسلمِ أنتِ ، ولكنْ اجتمع عندي مالٌ ، ولا أدري كيف أصنع به ؟
قالت : وما يَغُمُّكَ منه ؟ ادع قومَكَ ، فاقسمه بينهم .
فقال : يا غلام ! عليَّ بقومي .
فسألتُ الخازنَ : كم قَسمَ ؟ . قال : أربعمائة ألف .

رواه الطبراني . وقال الشيخ الألباني حسن موقوف / صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /كتاب : الصدقات / حديث رقم : 925 / ص : 550

( 1 ) ثقلًا : ثَقُلَ عن حاجتي : تباطأ . والمقصود الجفاء والتجنب .

( 2 ) رابك : الريب : إساءة الظن والشك والتهمة .

( 3 ) فنعتبك : أي نعطيك العتبى ، وهو الرجوع عن الإساءة إلى ما يرضي القلب .



ـ عـن مالك الدار - اسم شخص - : أن عمر بن الخطاب ـرضي الله عنه ـ أخذ أربَعمائة دينار ، فجعلها في صُرّةٍ ، فقال للغلام : اذهب بها إلى أبي عبيدةَ بن الجرَّاحِ ، ثم تَلَهَّ في البيت ساعةً ؛ تنظر ما يصنع ؟ .
فذهب بها الغلام إليه ، فقال : يقول لك أمير المؤمنين : اجعل هذه في بعض حاجتِك .
فقال : وَصَلَهُ الله ورحمهُ ، ثم قال : تعالي يا جارية ! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان ، وبهذه الخمسة إلى فلان ، وبهذه الخمسة إلى فلان ، حتى أنفذها .
ورجع الغلامُ إلى عمرَ ، فأخْبَرَهُ ، فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل ، فقال : اذهب بها إلى معاذ بن جبل ، وتَلَهَّ في البيت ساعةً حتى تنظرَ ما يصنع ؟ .
فذهب بها إليه ، فقال : يقولُ لك أميرُ المؤمنين : اجعل هذه في بعض حاجتك .
فقال رَحِمَهُ اللهُ ووصَلَهُ ، تعالي يا جارية ! اذهبي إلى بيت فلان بكذا ، اذهبي إلى بيت فلان بكذا ، اذهبي إلى بيت فلان بكذا ، فاطَّلَعَتْ امرأةُ معاذ وقالت : نحن والله مساكينُ ؛ فأعْطِنَا ، فلم يبقَ في الخرقةِ إلا ديناران ، فدحى - أي رمى- بهما إليها ، ورجع الغلامُ إلى عمرَ فأخبره ، فَسُرَّ بذلك ، فقال : إنهم إخوة ، بعضهم من بعض .

رواه الطبراني في الكبير . قال الشيخ الألباني رحمه الله حسن موقوف . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / كتاب : الصدقات / حديث رقم : 926 / ص : 551 .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-26-2021, 06:04 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,262
Post


* قصة الملك الذي فر من الحكم :

من كتاب : صحيح القصص النبوي / الدكتور عمر سليمان عبد الله الأشقر :

هذه قصة أحد ملوك بني إسرائيل اختاره قومه لتولي الحكم والسلطان ، فدفعته مخافة الله أن يفر من قومه ، تاركًا لهم كرسي الحكم مؤثرًا عليه عبادة الله في ديار لا يُعْرَفُ فيها ، ينال قوته من عمل يده .
روى أحمد عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال :
" إن بني إسرائيلَ استخلفوا خليفةً عليهم بعد موسى فقامَ يصلي ليلةً فوق بيت المقدسِ في القمر ، فذكرَ أمورًا كان صنعها ، فتدَلّى بسببٍ (1) ، فأصبحَ السبب مُعَلقًا في المسجد ، وقد ذهب .
قال : فانطلق حتى أتى قومًا على شط البحر ، فوجدهم يضربون لَبْنًا ، أو يصنعون لَبْنًا ، فسألهم : كيف تأخذون على هذا اللّبْنِ ؟ قال : فأخبروه ، فَلَبَّنَ معهم (2) ، فكان يأكل من عمل يده ، فإذا كان حَيْنَ الصَّلاةِ قام يصلي ، فرفع ذلك العمالُ إلى دَهْقَانهم (3) ؛ أنَّ فينا رجلًا يفعلُ كذا وكذا ، فأرسلَ إليه فأبى أن يأتيه ، ثلاث مراتٍ ، ثم إِنَّه جاء يسير على دابتِهِ .
فلما رآه فر ، فاتَّبَعَهُ فسبقه ، فقال : انْظُرْنِي أكَلِّمْكَ ، قال : فقام حتى كلمه ، فأخبره خبره ، فلما أخبره أنه كان ملِكًا ، وأنه فر من رهبة ربه ، قال : إني لأظنُّنِي لاحق بك . قال : فاتبعه ، فعبدا الله ، حتى ماتا بِرُمَيْلَةِ (4) مِصْرَ . قال عبد الله : لو أني كنتُ ثَمَّ لاهتديتُ إلى قبرِهما بصفةِ رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ التي وصف لنا " .
رواه أحمد . وصححه الألباني في السلسلة ... / حديث رقم : 2833 .

( 1 ) فتدلى بسبب : السبب هنا الحبل .
( 2 ) لبَّن معهم : اشتغل بصناعة اللَّبْنِ معهم .لَبَّنَ الطِّينَ : رَبَّعَهُ وَجَعَلَهُ كَاللَّبِنَةِ.اللَّبِنُ : المضروبُ من الطِّين يُبنى به.
( 3 ) دهقانهم : رئيس القرية .
( 4 ) رميلة : تصغير رملة ، والرملة إحدى مُدن فلسطين ، وموضع بين البصرة ومكة ، وقرية بالبحرين .
ولعل المراد بالرُّمَيْلَة منطقة ذات رمل على شاطيء البحر في مصر ، أو أنها قرية ليست بذات أهمية تدعى بهذا الاسم .

قد يقال : أو لم يكن أفضل لهذين الرجلين أن يبقيا فيما كانا فيه ، ويستخدما سلطانهما في إصلاح الرعية ، ومحاربة المنكرات ، وإقرار الخيرات وتنفيذ شرع الله ؟
والجواب :
أن هذا يختلف باختلاف الأحوال ، فبعض الناس لا يقوى على أمور الحكم ، فيجد أنه لا يستطيع أن يسير على منهجٍ سواءٍ إن كان حاكمًا ، وقد يغريه الحكم بالفساد ، وقد يكون قادرًا على سياسة أمور الناس ، ولكن يمنعه من ذلك معوقات لا يستطيع تجاوزها ، كأن يكون الشر والفساد مستشريًا في البلاد التي يحكمها ، فإن أرادهم على الاستقامة فربما ثاروا وأخذتهم العزة بالإثم . أما إذا كان الحاكـم قادرًا على تسيير أمور الحكم ، ومحاربة الشر ،
وإقرار الخير ، فإن استمراره في الحكم أكثر أجرًا وثوابًا من انقطاعه للعبادة .
ويبدو أن هذين الرجلين كانا من الصنف الأول . ا . هـ

حقيقة الدنيا
* عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال :
جاءَ قومٌ إلى رسولِ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقال لهم "أَلَكُمْ طَعَامٌ ؟ قالوا : نَعَمْ قال : فَلَكُمْ شَرَابٌ ؟ قالوا : نَعَمْ قال : فَتُصَفُّونَهُ ؟ قالوا : نَعَمْ قال وتبرزونَهُ ؟ قالوا : نَعَمْ قال : فإنَّ مَعادَهُما كَمَعَادِ الدنيا ؛ يَقُومُ أحدُكُمْ إلى خلفِ بَيتِه ، فَيُمْسِكُ أنفَهُ من نَتْنِهِ .رواه الطبراني . وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب /ج : 3 / كتاب : التوبة والزهد / حديث رقم : 3241 / ص : 264 .


( 1 ) تصفونه : صفاه : أزال عنه القذى والكدرة . المعجم الوجيز / ص : 367 .
( 2 ) تبرزونه : أي يخرج مع البراز أثناء قضاء الحاجة .


* عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : نامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى حصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ فقلنا يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً فقالَ "ما لي وما للدُّنيا ، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها".الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 2377 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
وطاءً : المهاد اللين السهل . يقال هذا الفراش وطيء .
قال الشيخ العثيمين في شرح هذا الحديث :
" فالرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ليس له تطلّع إلى الدنيا ، بل كان ينفق ماله كله في سبيل الله ويعيش عيشة الفقراء .
* عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال :كُنْتُ أمْشِي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَرَّةِ المَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقالَ: يا أبَا ذَرٍّ قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ما يَسُرُّنِي أنَّ عِندِي مِثْلَ أُحُدٍ هذا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وعِندِي منه دِينَارٌ، إلَّا شيئًا أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إلَّا أنْ أقُولَ به في عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا عن يَمِينِهِ، وعَنْ شِمَالِهِ، ومِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ مَشَى فَقالَ: إنَّ الأكْثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ يَومَ القِيَامَةِ، إلَّا مَن قالَ هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا- عن يَمِينِهِ وعَنْ شِمَالِهِ ومِنْ خَلْفِهِ - وقَلِيلٌ ما هُمْ ثُمَّ قالَ لِي: مَكَانَكَ لا تَبْرَحْ حتَّى آتِيَكَ ثُمَّ انْطَلَقَ في سَوَادِ اللَّيْلِ حتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أنْ يَكونَ قدْ عَرَضَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأرَدْتُ أنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: لا تَبْرَحْ حتَّى آتِيَكَ فَلَمْ أبْرَحْ حتَّى أتَانِي، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ لقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ له، فَقالَ: وهلْ سَمِعْتَهُ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ أتَانِي، فَقالَ: مَن مَاتَ مِن أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى، وإنْ سَرَقَ."صحيح البخاري.
والمعْنى: أنَّ مَن ماتَ على التَّوحيدِ، فإنَّ مَصيرَه إلى الجنَّةِ، وإنْ نالَهُ قبْلَ ذلِك مِن العُقوبةِ ما نالَه، إلَّا أنَّه لا يُخلَّدُ في النَّارِ.الدرر.

أرْصُدُهُ : أُبقيه ولا أُنفقه في سبيل الله ، لسداد الدَّين .
إنَّ الأكْثَرِين: يعني المكثرين من الدنيا هم المقلون من الأعمال الصالحة يوم القيامة ، وذلك لأن الغالب على من كثر ماله في الدنيا أن يستغني ويتكبر ويعرض عن طاعة الله ، لأن الدنيا تلهيه ، فيكون مكثرًا في الدنيا مقلًا في الآخرة إلَّا مَن قالَ هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا :يعني : في المال وصرفه في سبيل الله عز وجل .
وهذا يدل على أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان أزهد الناس في الدنيا ، لأنه لا يريد أن يجمع المال إلا شيئًا يرصده لِدَيْن ، وقد تُوُفِّيَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لأهله .
"نَجَا أولُ هذه الأُمَّةِ بِاليَقِينِ والزُّهْدِ ، ويَهْلِكُ آخِرُ هذه الأُمَّةِ بِالبُخْلِ والأَمَلِ . " .الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 6746 - خلاصة حكم المحدث : حسن.




* عن خبابِ بنِ الأرَتِّ ـ رضي الله عنه ـ قال :
"هَاجَرْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَلْتَمِسُ وجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا علَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَن مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِن أَجْرِهِ شيئًا، منهمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ ومِنَّا مَن أَيْنَعَتْ له ثَمَرَتُهُ، فَهو يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ ما نُكَفِّنُهُ إلَّا بُرْدَةً إذَا غَطَّيْنَا بهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وإذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فأمَرَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وأَنْ نَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ".صحيح البخاري

فَوَقَعَ أَجْرُنَا علَى اللَّهِ: معناه وجوب إنجاز وعد بالشرع ، لا وجوب العقل كما تزعمه المعتزلة ، وهو نحو ما في الحديث " حق العباد على الله ..... " .

لَمْ يَأْكُلْ مِن أَجْرِهِ شيئًا : كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح وكأن المراد بالأجر ثمرته ، فليس مقصورًا على أجر الآخرة .
أي : لم يوسع عليه الدنيا ، ولم يعجل له شيء من جزاء عمله .

مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ : وهو من المهاجرين الذين هاجروا لله عز وجل ابتغاء وجه الله ، وكان شابًا مدللًا من قِبَلِ والديه في مكة ، ولما أسلم طرده أبواه لأنهما كانا كافرين ، فهاجر ـ رضي الله عنه ـ وقتل في أُحُد في السنة الثالثة من الهجرة ، فلم يمض على هجرته إلا ثلاثة أعوام أو أقل . فقتل شهيدًا وكان صاحب الراية ، ولم يكن معه شيء إلا بردة ، ثوب واحد ، إن غَطَّوْا به رأسه بدت رِجلاه ، وإن غطوا به رجليه بدا رأسه .
يَهْدِبُهَا : أي يجتنيها .
الإذْخِرِ: حشيش معروف طيب الرائحة .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-27-2021, 12:31 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,262
افتراضي


عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف :أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، أُتِيَ بطَعَامٍ وكانَ صَائِمًا، فَقالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وهو خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ في بُرْدَةٍ، إنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ، بَدَتْ رِجْلَاهُ، وإنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ - وأُرَاهُ قالَ: وقُتِلَ حَمْزَةُ وهو خَيْرٌ مِنِّي - ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا ما بُسِطَ - أَوْ قالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا ما أُعْطِينَا - وقدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ. " صحيح البخاري.

مَرَّ عليَّ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ - ونحنُ نعالجُ خُصًّا لَنا وَهَى فنحنُ نصلحُهُ. فقالَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ " ما أرَى الأمرَ إلَّا أعجَلَ من ذلِكَ " .الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم: 793 - خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين.

نعالجُ: أي نصلح .
خُصًّا: الخص : بيت من قصب .
وَهَى: ضعف واسترخى .
ما أرَى الأمرَ : أي أمر الموت .
قيل في شرح الحديث :
ما يقصد صلوات الله وسلامه عليه ، أن يمنعهم من إصلاح ذلك الخُص - البيت- ولكن يقصد أن يذكرهم بأن الآخرة هي المتاع ، وبأن الموت آتٍ لا محالة ، وبأن العاقل اللبيب هو الذي يصلحُ هنالِك قبل أن يهتم بإصلاح هذا الفاني .ولاشك أن نصيحتَهُ أيضًا تتضمنُ عدم الانشغال الزائد بالدنيا ، الذي يُلْهِي المؤمن ، ويجعل الدنيا في النهاية كأنها الهدف وكأنها الغاية ، وكأنها هي المقصودة المرادة .
الأمرَ إلَّا أعجَلَ من ذلِكَ: يعني أن الموت آتٍ لا مَحَالة ، ولابد أن تستعدوا للقاء الله عز وجل ، أي لا تُبالغوا في إصلاح دنياكم ، ولا تبالغوا في الاهتمام بها ، كما هو الحال الآن ، الناس يهتمون بالدنيا اهتمامًا مبالَغًا فيه .
الدنيا عند المؤمن لابد أن تكون بِقَدَر ، ولابد فعلًا أن تكون وسيلة ، وإذا كانت وسيلة ، قطعًا لن يهتم المؤمن بالمظاهر الكاذبة ، وبالأمور التي يُقصَدُ بها التفاخر والتباهِي ، المؤمن سيكون فعلًا قصدُه أن يستعينَ بها على " حسنة " ، هذا قدر الدنيا عنده ، أنها توصله ، هي مَعْبَر ، هي جسر ، فلن يهتم المؤمن بها في هذه الحالة إلا بما يعين منها على طاعة الله عز وجل .
وفي الحديث الصحيح "ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهَى .
هذا الحديث واضح الدلالة في أن الإنسان كلما كثُرَ انشغاله بالدنيا ، كلما كانت سببًا في إلهائِهِ وانشغاله . ا . هـ .
* عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" ما طلعَتْ شمسٌ قطُّ إلَّا بُعِثَ بجنبَتَيْها ملَكانِ ، إنَّهما ليُسمِعانِ أهلَ الأرضِ إلَّا الثَّقلَيْنِ يا أيُّها النَّاسُ ! هلمُّوا إلى ربِّكُم ، فإنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهَى وما غربَتْ شمسٌ قطُّ إلَّا وبُعِثَ بجنبَتَيْها ملَكانِ يناديانِ اللَّهمَّ عجِّلْ لمُنفِقٍ خلفًا وعجِّلْ لمُمسكٍ تلفًا ما من يومٍ طلعَتْ شمسُهُ إلَّا وكان بجنبَتَيْها ملَكانِ يناديانِ نداءً يسمعُهُ ما خلقَ اللهُ كلُّهُم غيرَ الثَّقلَيْنِ يا أيُّها النَّاسُ هلمُّوا إلى ربِّكُم إنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهَى " .رواه أحمد . صحيح الترغيب والترهيب ... / ج : 3 / حديث رقم : 3226 .
* عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال :
"يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنانِ ويَبْقَى واحِدٌ، يَتْبَعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ ويَبْقَى عَمَلُهُ.صحيح مسلم.

* عن عبد الله بن الشِّخير قال "أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قالَ: يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ، يا ابْنَ آدَمَ مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟"صحيح مسلم.
*عن أبي عسيبٍ ـ رضي الله عنه ـ قال : خرَجَ رسولُ اللَّهِ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى وآلِهِ وسلَّمَ _ ليلًا ، فمَرَّ بي ، فدعاني إليهِ ، فخرجتُ . ثمَّ مرَّ بأبي بكرٍ فدعاهُ فخرجَ إليهِ ، ثمَّ مرَّ بِعُمرَ فدعاهُ فخرجَ إليهِ ، فانطلقَ حتَّى دخلَ حائِطًا لبعضِ الأنصارِ فقالَ لصاحبِ الحائطِ : أطعِمنا بُسرًا ، فجاءَ بعِذْقٍ ، فوضعَهُ فأكلَ ، فأكلَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى وآلِهِ وسلَّمَ - وأصحابُهُ ، ثمَّ دعا بماءٍ باردٍ فشربَ فقالَ : لتُسألُنَّ عن هذا يومَ القيامةِ . قالَ : فأخذَ عمرُ العِذقَ فضربَ بهِ الأرضَ حتَّى تناثرَ البُسرُ قِبَلَ رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى وآلِهِ وسلَّمَ - ثمَّ قالَ : يا رسولَ اللَّهِ أئنَّا لمسئولونَ عن هذا يومَ القيامةِ ؟ قالَ ؟ نعَم ، إلاَّ من ثلاثٍ : خِرقةٍ كفَّ بها الرَّجلُ عورتَهُ، أو كِسرةٍ سدَّ بها جوعَهُ، أو جُحرٍ يتدخَّلُ فيهِ منَ الحرِّ والقُرِّ"الراوي : أبو عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم: 1255 - خلاصة حكم المحدث : حسن.


بُسرًا : ثمر النخـل قبل أن يُرْطِب . المعجم الوجيز / ص : 50 .
بعِذْقٍ: العذق : كل غصن له شعب .المعجم الوجيز / ص : 411 .
خِرقةٍ: حقير القماش .
كِسرةٍ : قطعة خبز .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 06:04 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر