#1
|
||||
|
||||
حكم استعمال أداة النداء (يا) في دعاء الله جل وعلا
حكم استعمال أداة النداء (يا) في دعاء الله جل وعلا الحمد لله. أولًا: جاء القرآن بتعليم العباد آداب مناجاة ودعاء رب الأرباب جل جلاله , لتقع هذه المناجاة على أحسن حال ، وليكون ذلك وسيلة لاستجابة الدعاء , ومن هذه الآداب إسقاط حرف النداء "يا" في الدعاء بما يشعر بقرب المنادَى سبحانه , بخلاف دعاء الله سبحانه لعباده فإنه غالبا ما يأتي بحرف النداء "يا" المشيرة إلى أنه سبحانه موصوف بالتعالي والاستغناء عن خلقه , جاء في " الموافقات " للشاطبي 4 / 202 " فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِـ"يَا" الْمُشِيرَةِ إِلَى بُعْدِ الْمُنَادِي لِأَنَّ صَاحِبَ النِّدَاءِ مُنَزَّهٌ عَنْ مُدَانَاةِ الْعِبَادِ ، مَوْصُوفٌ بِالتَّعَالِي عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ ، فَإِذَا قَرَّرَ نِدَاءَ الْعِبَادِ لِلرَّبِّ أَتَى بِأُمُورٍ تَسْتَدْعِي قُرْبَ الْإِجَابَةِ : مِنْهَا: إِسْقَاطُ حَرْفِ النِّدَاءِ الْمُشِيرِ إِلَى قُرْبِ الْمُنَادَى ، وَأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ الْمُنَادِيِ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ ؛ فَدَلَّ عَلَى اسْتِشْعَارِ الرَّاغِبِ هَذَا الْمَعْنَى ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا "رَبَّنَا" "رَبَّنَا" كَقَوْلِهِ" رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا "الْبَقَرَةِ: 286 , " رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا "البقرة: 127 . " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي"آل عمران: 35 . "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى"الْبَقَرَةِ: 260 " انتهى. وكون إسقاط حرف النداء من آداب الدعاء لا يعني أن استعمال حرف النداء خطأ , أو مكروه ؛ بل هي مقدرة في هذه السياقات السابقة ، والمقدر كالمذكور ، وإنما قصارى ما في الأمر : التنبيه إلى نكتة بلاغية ، في أمر أغلبي ، كما سبق من كلام الشاطبي ، وليس قاعدة مطردة في كل حال . ثانيا : جاءت السنن والآثار ، متظاهرة ، باستعمال حرف النداء في الدعاء , فمن ذلك ما أخرجه البخاري 3350: من دعاء إبراهيم ربه يوم القيامة " يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى " إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ " ، وفي حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري :4712: ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ . وفي " صحيح مسلم " 920 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ " , وأخرج مسلم (2380) أيضا من دعاء موسى عليه السلام لربه أن يدله على الخضر فقال " يَا رَبِّ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ " ، وفيه أيضا :2445: من دعاء عائشة " يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي " ، وفي سنن أبي داود 1495: عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى " , وفي " سنن الترمذي " 3524: عن أنس بن مالك، قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال" يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" ، وفي " مسند " أحمد (17143) وغيره عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَلِظُّوا بِـ" يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" . ثالثًا: ما جاء في السؤال من أن الكبير ينادي على الصغير باستخدام أداة التنبيه (يا) ولا يصح العكس: كلام غير دقيق ، بدليل ما سبق من الأحاديث , وزيادة على ذلك فقد جاء صدور الخطاب من البشر لرب العالمين باستخدام أداة النداء (يا) فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه (4487) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ " ، وفيه أيضًا (4625) " أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي " . وجاء صدور الخطاب من الصغير للكبير من البشر باستخدام أداة النداء (يا) فمن ذلك نداء يوسف لأبيه يعقوب " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ "يوسف/ 4 , ومن ذلك خطاب إخوة يوسف لأخيهم يوسف وهو عزيز مصر , " فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِين " يوسف/ 88 . رابعًا: بخصوص الدعاء بلفظ " اللهم " و " يا الله " فليس هناك فرق من حيث المعنى ؛ لأن الراجح من كلام اللغويين أن " اللهم " هي " يا الله " ولكن حُذِف من (يا الله ) أداة النداء وعُوِّض عنها ميم مشددة مفتوحة في آخر الكلمة , قال القرطبي في تفسيره (4 / 53) " قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلِ اللَّهُمَّ" : اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي تَرْكِيبِ لَفْظَةِ" اللَّهُمَّ " بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّهَا مَضْمُومَةُ الْهَاءِ مُشَدَّدَةُ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ ، وَأَنَّهَا مُنَادَى، وَقَدْ جَاءَتْ مُخَفَّفَةَ الْمِيمِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى: كَدَعْوَةٍ مِنْ أبي رباح ... يسمعها - اللهم - الْكبَارُ قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّ أَصْلَ اللَّهُمَّ : يَا أَللَّهُ ، فَلَمَّا اسْتُعْمِلَتِ الْكَلِمَةُ دُونَ حَرْفِ النِّدَاءِ الَّذِي هُوَ" يَا" ، جَعَلُوا بَدَلَهُ هَذِهِ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ ، فَجَاءُوا بِحَرْفَيْنِ ، وَهُمَا الْمِيمَانِ ، عِوَضًا مِنْ حَرْفَيْنِ وَهُمَا الْيَاءُ وَالْأَلِفُ ، وَالضَّمَّةُ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ . وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّهُمَّ : يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ ، فَحَذَفَ وَخَلَطَ الْكَلِمَتَيْنِ، وَإِنَّ الضَّمَّةَ الَّتِي فِي الْهَاءِ هِيَ الضَّمَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِي أُمّنَا ، لَمَّا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ انْتَقَلَتِ الْحَرَكَةُ. قَالَ النَّحَّاسُ : هَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْخَطَأِ الْعَظِيمِ ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ " انتهى . والأكثر في الدعاء ، مع لفظ الجلالة خاصة : استعمال ( اللهم ) ، من غير أن يذكر معها "الياء" ، قال ابن مالك في ألفيته: والأكثر اللهم بالتعويض ... وشذ يا اللهم في قريض جاء في " توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك " 2 / 1068 " وجه شذوذه أن فيه جمعا بين العِوَض والمعوَّض ، ومنه قوله : إني إذا ما حَدَثٌ ألمـَّا ... أقول يا اللهم يا اللهمّا " .انتهى . والحاصل : أنه لا حرج في الدعاء بلفظ النداء ، مع أسماء الله الحسنى كلها ، وأما لفظ الجلالة "الله" ، فله خصوصية نحوية ، كما سبق بيانه . والله أعلم . المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
__________________
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|