#11
|
||||
|
||||
المجـلـس الحادي عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع لا عيش إلا عيش الآخرة إسلام عمربن الخطاب رضي الله عنه 3652 - قال البخاري في صحيحه :حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا صَبَا عُمَرُ وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ قَدْ صَبَا عُمَرُ فَمَا ذَاكَ فَأَنَا لَهُ جَارٌ قَالَ فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ " صحيح البخاري - كِتَاب مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ - زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت قال لا سبيل إليك بعد أن قالها أمنت . هنا . الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3865 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية . *وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ قال : بينما هو في الدَّارِ خائفًا، إذ جاءه العاصِ بنُ وائلٍ السَّهْمِيُّ أبو عَمْرٍو، عليه حُلَّةُ حِبَرَةٍ وقَميصٌ مَكْفُوفٌ بحَرِيرٍ، وهو من بني سَهْمٍ، وهم حُلَفاؤُنا في الجاهليةِ، فقال له: ما بالُكَ؟ قال: زعَم قومُكَ أنهم سيقتُلوني إن أسلَمْتُ، قال: لا سبيلَ إليكَ، بعدَ أن قالها أمِنْتُ، فخرَج العاصِ فلَقيَ الناسَ قد سال بهمُ الوادي، فقال: أينَ تُريدون؟ فقالوا: نُريدُ هذا ابْنَ الخَطَّابِ الذي صَبَا، قال:لا سبيلَ إليه فكَرَّ الناسُ. الراوي : زيد بن عبدالله - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3864 - خلاصة حكم المحدث صحيح.الدرر السنية . * وهُم حُلفاء في الجاهِليَّةِ: مِن الحِلفِ وهو المُعاقَدةُ والمُعاهَدة على التَّعاضُدِ والتَّساعُد. والعاصِ بنُ وائلٍ السَّهْمِيُّ كان مُطاعًا في قومِه، فخَرَجَ العاصُ فلَقِيَ النَّاسَ قد سَالَ، أي: امتلَأَ بهِم الوادي، أي: وادي مَكَّةَ، فقالَ العاصُ: أين تُريدون؟ فقالوا: نُريد هذا ابنَ الخَطَّابِ عُمَرَ الَّذي صَبَأَ، أي: خَرَجَ عن دِينِ آبائِه، قالَ العاصُ: لا سَبيلَ لكُم إلَيه فكَرَّ النَّاسُ، أي: رَجَعوا. وفي هذا الحديثِ:أنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالى يَمنَعُ عَبدَه المُسلمَ بما شاءَ، ويَجعَل صونَه بيدِ عدوِّه، ويَرُدُّ عنه الأذى بمكانِ خَصمِه. *ومما يدل على زهده رضي الله عنه قبل الخلافة ما رواه البخاري في صحيحه أن عبدَاللهِ بنَ السَّعْديِّ أنه قَدِمَ على عمرَ في خلافتِه ، فقال له عمرُ: ألم أُحدَّثْ أنك تَلي من أعمالِ الناسِ أعمالا,ً فإذا أُعطيتَ العُمالَةَ كرِهتَها ؟ فقلتُ: بلى ، فقال عمرُ: ما تريدُ إلى ذلك ؟ فقلتُ: إن لي أفْراسًا وأعْبُدًا, وأنا بخيرٍ ، وأريدُ أن تكونَ عُمالتي صدقةً على المسلمين . قال عمرُ: لا تفعلْ ، فإني كنتُ أردتُ الذي أردتَ ، فكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعطيني العطاءَ ، فأقولُ: أعطِه أفقرَ إليه مني ، حتى أعطاني مرةً مالاً ، فقلتُ: أعطِه أفقرَ إليه مني، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:خُذْه ، فتموَّلَه ، وتصدَّقَ به ، فما جاءكَ من هذا المالِ وأنت غيرُ مُشْرِفٍ ولا سائلٍ فَخُذْه ، وإلا فلا تُتْبِعْه نفسكِ .الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7163 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.الدرر السنية . الشرح : قَدِمَ عبدُ اللهِ بنُ السَّعديِّ على عَمرَ بنِ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه، وقد كان ابنُ السَّعدِيِّ تولَّى لِلنَّاسِ أعمالًا، يعني: كالقضاءِ والوِلايةِ وغيرِها، وكان لا يَأخذُ على ذلك أجرًا، فقال له عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه: ما قَصدُك مِن عدَمِ أخْذِك الأجرَ على ما تقومُ به مِن أعمالٍ لِلنَّاسِ تَستحقُّ عليها الأجرَ؟ فقال ابنُ السَّعديِّ: «إنَّ لي أفراسًا وأعبُدًا, وأنا بخيرٍ، وأريدُ أن تكونَ عِمالتي صَدقةً على المسلِمين»، يعني: أنَّه له مِنَ المالِ ما يَكفيه مِنَ الأفراسِ، وهو جمْعُ فرَسٍ، والأعبُدُ، وهو جمع عَبْدٍ، فلمَّا كان له مِنَ المالِ ما يَكفيه أرادَ أنْ تكونُ عِمالتُه وما يقومُ به صدقةً على المسلمينَ، فقال له عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه: لا تَفعلْ؛ فإنِّي كنتُ أردْتُ الَّذي أردتَ، فكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطيني العَطاءَ، فأقولُ: أعْطِه أفقرَ إليه مِنِّي، حتَّى أعطاني مرَّةً مالا، فقلتُ: أعطِهْ أفقرَ إليه مِنِّي، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «خُذْهُ، فتمولَّهْ، وتصدَّقْ به»، يعني: تملَّكْ هذا المالَ الَّذي هو حقُّك ثُمَّ تصدَّقْ به على مَن شِئتَ إنْ أردتَ ذلك؛ لأنَّه إذا ملَكَ المالَ وتصدَّقَ به طيِّبةً به نفسُه كان أفضلَ مِنَ التَّصدُّقِ به قَبْلَ قبضِه؛ لأنَّ الَّذي يحصُلُ بيدِه هو أحرصُ عليه مِمَّا لم يَدخُلْ في يدِه، «فما جاءَك مِن هذا المالِ وأنتَ غيرُ مشُرفٍ ولا سائلٍ فخُذْه، وإلَّا فلا تتُبِعْه نفسَك»، يعني: إذا جاءَك المالُ وأنتَ غيرُ طامعٍ ولا سائلٍ له، فخُذْه ولا تردَّهُ، وإنْ لم يجئِ إليكَ فلا تطلبْه بَلِ اتركْه. وفي الحديث:فَضلُ عُمرَ رضِي اللهُ عنه وزُهدُه وإيثارُه وكذا ابن السَّعديِّ؛ فقدْ طابَقَ فِعلُه فِعْلَ عُمرَ. وفيه:ذمُّ التَّطلُّعِ إلى ما في أَيدي الأَغنياءِ والتشوُّفِ إلى فُضولِه وأخْذِه منهم، وأنَّها حالةٌ مذمومةٌ تدلُّ على شِدَّة الرَّغبةِ في الدُّنيا والرُّكونِ إلى التوسُّعِ فيها.الدرر السنية . |
#12
|
||||
|
||||
الثاني عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع لا عيش إلا عيش الآخرة ورع وزهد أبي بكر الصديق "كان لأبي بكرٍ غلامٌ يُخرِجُ له الخَراجَ ، وكان أبو بكرٍ يَأكُلُ مِن خَراجِه ، فجاء يومًا بشيءٍ فأكلَ منه أبو بكرٍ ، فقال له الغلامُ : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكرٍ : وما هو ؟ قال : كنتُ تَكَهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهليةِ ، وما أحسنَ الكَهانَةَ! إلا أني خدَعتُه ، فلَقِيَني فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكَلْتَ منه ، فأدخلَ أبو بكرٍ يدَه ، فقَاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِه .الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3842 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية . الشرح تقولُ عائشةُ رضي الله عنها: كان لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه غلامٌ يُخرِج له الخرَاجَ، أي: يُعطيه كلَّ يومٍ ما عيَّنه وضرَبه عليه مِن كسبِه، وكان أبو بكرٍ رضي الله عنه يأكُلُ مِن خَراجِه إذا سأَله عنه وعرَف حِلَّه، فجاء يومًا بشيءٍ مِن كسْبِه، فأكَل منه أبو بكرٍ رضي الله عنه ولم يسأَلْه، فقال له الغلامُ: تَدري ما هذا الَّذي جئتُك به وأكلتَ منه؟ فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهليَّةِ، وإنِّي ما أُحسِنُ الكِهانةَ، وهي الإخبارُ بالغيبِ مِن غيرِ طريقٍ شرعيٍّ، إلَّا أنِّي خدعتُه فلقِيني فأعطاني بذلك، أي: بمقابلة الَّذي تكهَّنْتُ له، فهذا الَّذي أكلتَ منه، فأدخَل أبو بكرٍ رضي الله عنه يدَه في فيه، أي: فمِه، فقاءَ، أي: استفرَغ كلَّ شيءٍ في بطنِه.في الحديثِ: ورَعُ أبي بكرٍ رضي الله عنه.الدرر السنية . ما نفعَني مالٌ قطُّ ، ما نفَعني مالُ أبي بَكرٍ . قالَ : فبَكى أبو بَكرٍ وقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ! هل أنا ومالي إلَّا لَكَ يا رسولَ اللَّهِ !.الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه-الصفحة أو الرقم: 77 | خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية . -3905 - قال البخاري في صحيحه :حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:" لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا: لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ وَلاَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلاَنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ - عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الخَبَطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ - غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ" الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 3905 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - انظر شرح الحديث رقم 14833 . في هذا الحديثِ تُخبرُ عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنَّها لم تَعقِلْ أَبوَيْها إلَّا وهُما يَدينانِ الدِّينَ، أي: لم تَعْرفْ أبَوَيها إلَّا وهما يَدينانِ بِدينِ الإسلامِ، ولم يَمرَّ علينا يومٌ إلَّا يَأْتينا فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرَفَيِ النَّهارِ بُكرَةً وعَشيَّةً، فلمَّا ابْتُلِيَ المسلِمونَ، أي: بِأذَى المشرِكينَ، وأذِنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِأصحابِه في الهجرةِ إلى الحبشةِ، خرَج أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه مُهاجرًا قِبَلَ الحبشةِ، أي: إلى جِهةِ الحبشةِ؛ لِيَلحقَ بِمنَ سَبقَه مِنَ المسلِمينَ، فَسارَ حتَّى إذا بَلغَ بَرْكَ الغِمادِ، وهو مَوْضِعٌ وراءَ مكَّةَ بِخَمْسِ ليالٍ، أي حوالي: 140كم بالتقدير الحالي، فَلقيَه ابنُ الدِّغنَّةِ، وهو سيِّدُ القارَةِ، وهي قَبيلةٌ مَشهورةٌ مِن بني الهُونِ، فقال: أينَ تُريدُ يا أبا بكرٍ؟ فقال أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه: أَخرَجَني قَومِي، أي: تَسبَّبوا في إخراجي، فأنا أُريدُ أنْ أَسيحَ، أي: أسيرَ في الأرضِ، فَأَعبُدَ رَبِّي؛ فقالَ ابنُ الدِّغِنَّةِ: إنَّ مِثلَكَ لا يَخرُج ولا يُخرَجُ؛ فإنَّك تَكِسبُ المعدومَ، أي: تُعطي النَّاسَ ما لا يَجدوَنه عند غيرِك، وتَصلُ الرَّحِمَ، أي: القَرابةَ، وتحملُ الكَلَّ، وهو الَّذي لا يَستقِلُّ بِأمرِه، وتَقْرِي الضَّيفَ، أي: تُهيِّئ له طعامَه ونُزُلَه، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ، أي: حوادثِه ومصائِبِه، وأنا لكَ جارٌ، أي: مُجيرٌ لك مُؤمِّنُك مِمَّنْ تَخافُهم، فارجِعْ فَاعبدْ رَبَّكَ بِبلادِك، فَارتحلَ ابنُ الدِّغِنَّةِ فَرجَعَ مع أبي بكرٍ رضِي اللهُ عنه، فَطافَ ابنُ الدِّغِنَّةِ في أشرافِ كفَّارِ قُريشٍ، أي: ساداتِهم، فقالَ لهم: إنَّ أبا بكرٍ لا يَخرُجُ مِثْلُه، ولا يُخرَج، أَتُخرِجون رَجلًا يَكْسِبُ المعدومَ، ويصلُ الرَّحمَ، ويَحملُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضَّيفَ، ويُعينُ على نَوائبِ الحقِّ؟! فَأنفذَتْ قريشٌ جِوارَ ابنِ الدِّغِنَّةِ، أي: أَمضَوْه ورَضُوا به، وآمَنوا أبا بكرٍ رضِي اللهُ عنه، أي: جَعلُوه في أمانٍ مِن شَرِّهم، وقالوا لابنِ الدِّغِنَّة: مُرْ أبا بكرٍ فَلْيعبدْ رَبَّه في دارِه، ولْيُصلِّ ولْيَقرأْ ما شاء َولا يُؤذِينا بذلك؛ إشارةً إلى ما ذُكِرَ مِنَ الصَّلاةِ والقراءةِ، ولا يَستعْلِنْ، أي: لا يَجهرْ به، فإنَّا قد خَشينا أنْ يَفتِنَ أبناءَنا ونساءَنا، أي: يُخرجَهم مِن دِينِهم إلى دِينِه، فقالَ ابنُ الدِّغِنَّةِ ذلك الَّذي شَرطَه كَفارُّ قُريشٍ لأبي بكرٍ رضِي اللهُ عنه، فَطَفِقَ، أي: فَجَعلَ أو فَبدأَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه يَعبدُ ربَّه في دارِه ولا يَستعْلِنُ باِلصَّلاةِ ولا القِراءةِ في غيرِ دارِه، ثُمَّ بَدَا، أي: ظَهرَ لأبي بكرٍ رضِي اللهُ عنه رأْيٌ في أمْرِه بِخلافِ ما كان يفعلُه، فَابتَنى مَسجِدًا بِفِناءِ دارهِ، أي: ما امتدَّ مِن جوانبِها، وهو أوَّلُ مسجدٍ بُنِيَ في الإسلامِ، وبَرزَ، أي: ظَهرَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه، فكان يُصلِّي فيه ويَقرأُ القرآنَ فَيتقصَّفُ عليه نِساءُ المشرِكينَ وأبناؤُهم، أي: يَزدَحمون عليه، ويَنظُرون إليه، وكان أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه رَجلًا بَكَّاءً، أي: كثيرَ البُكاءِ، لا يَملِكُ دَمعَه، أي: لا يَملكُ إسكاتَ عَينَيْه عَنِ البكاءِ مِن رِقَّةِ قَلبِه، وذلك حين يَقرأُ القرآنَ، فَأَفْزعَ، أي: أَخافَ ذلك أشرافَ قُريشٍ مِنَ المشركينَ؛ لِمَا يَعلَمونَ مِن رِقَّةِ قلوبِ النِّساءِ والشَّبابِ أنْ يَميلوا إلى دِينِ الإسلامِ، فأرْسَلوا إلى ابنِ الدِّغِنَّةِ فَقدِمَ عليهم فقالوا له: إنَّا كنَّا أجَرْنَا، أي: أمَّنَّا، أبا بكرٍ على أنْ يَعبدَ ربَّه في دارِه، وإنَّه جاوَزَ ذلك فَابتنَى مسجدًا بِفِناءِ دارِه وأَعلنَ الصَّلاة َوالقراءةَ وقدْ خَشِينا أنْ يَفتنَ أبناءَنا ونِساءَنا، فَائْتِه فَإنْ أَحبَّ أنْ يَقتصِرَ على أنْ يَعبُدَ ربَّه في دارِه فَعلَ وإنْ أبَى، أي: امْتنعَ، إلَّا أنْ يُعلنَ ذلك، فَسلْه أنْ يَرُدَّ إليك ذِمَّتكَ، أي: عهْدَك له؛ فإنَّا كرِهْنا أنْ نُخْفِرَك، أي: نَنقُضَ عهْدَك، ولسْنا مُقِرِّينَ لأبي بَكرٍ الاستعلانَ، أي: لا نَسكتُ على الإنكارِ عليه؛ خوفًا على نِسائِنا وأبنائِنا، فَأتى ابنُ الدِّغِنَّةِ أبا بكرٍ رضِي اللهُ عنه فقال له: قد عَلمْتَ الَّذي عقدْتُ لك عليه، فإمَّا أنْ تَقتَصِرَ على ذلك، أي: على الَّذي شرَطوه، وإمَّا أنْ تُردَّ إليَّ ذِمَّتي، أي: عهدي؛ فإنِّي لا أُحبُّ أنْ تَسمعَ العربُ أنِّي أُخْفرتُ، أي: غُدِرْتُ، في رَجلٍ عَقدْتُ له، قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي اللهُ عنه: إِنِّي أَردُّ إليكَ جِوارَك وأرْضَى بِجوارِ اللهِ، أي: بِأمانةِ اللهِ وحمايتِه، وفيه قوَّةُ يَقينِ الصِّدِّيقِ رضِي اللهُ عنه، وقد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومئذٍ بِمكَّةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قدْ أُريتُ دارَ هِجرتِكم، رأيتُ سَبَخةً، أي: أرضًا تعْلُوها الملوحةُ ولا تكادُ تُنبِتُ إلَّا بعضَ الشَّجرِ، ذاتَ نَخلٍ بَيْنَ لابَتَينِ: تَثْنيةُ لابَةٍ، وهما الحَرَّتانِ، والحَرَّةُ أرضٌ بها حجارةٌ سُودٌ، فهاجَرَ مَن هاجَرَ مِنَ المسلِمينَ قِبَلَ المدينةِ حين ذكَرَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورجَعَ إلى المدينةِ بعضُ مَن كان هاجَرَ إلى أرضِ الحَبشةِ، وتجهَّزَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه مهاجرًا، أي: طالبًا لِلهِجرةِ مِن مكَّةَ، فقالَ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: على رِسْلِك، أي: على مَهَلِك مِن غيرِ عَجلةٍ؛ فَإِنِّي أرجو أنْ يُؤذنَ لي، أي: يأذنَ اللهُ لي في الهجرةِ، فقالَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه: هلْ ترجو ذلك بأبي أنتَ، أي: مَفْدِيٌّ أنتَ بأبي، قال عليه الصَّلاة والسلام: نعم أرجو ذلك، فَحبسَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه نفْسَه، أي: مَنعَها مِنَ الهجرةِ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيصحَبَه، أي: لِيكونَ صاحبًا له في الهجرةِ، وهذا ما كان، وعلَفَ رَاحلتَينِ كانَتا عندَه ورقَ السَّمُرِ، وهو الخَبَطَ أربعةَ أشهُرٍ. وفي الحديثِ: فضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي بكر رضِي اللهُ عنه، وأنَّه كان أشبهَ الناسِ أَخلاقًا برسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. وفيه: ما كان عليه العربُ المُشرِكون مِن حِفظِ العَهدِ والجوارِ. الدرر السنية "تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"القصص: 83. خطبة لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله قال أبو الحسن: حدثنا المغيرة بن مطرف، عن شعيب بن صفوان، عن أبيه قال:خَطب عمرُ بن عبدالعزيز بخُناصرة خُطبةً لم يَخْطب بعدها حتَّى مات رحمه الله؛ حَمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس، إنكم لم تُخْلقوا عَبَثًا، ولم تُتركوا سُدًى، وإنَّ لكم معادًا يحكم الله بينكم فيه، فخاب وخَسِر مَن خَرج من رحمة الله التي وَسِعَت كلَّ شيء، وحُرم جَنَة عرضها السماواتُ والأرض. واعلموا أنَّ الأمان غدًا لمن يخاف اليوم، وباع قليلاً بكثير، وفانيًا بباقٍ، ألا تَرَوْن أنكم في أصلاب الهالكين، وسَيخلفها مِن بعدكم الباقون، حتى تُرَدُّوا إلى خير الوارثين. ثم إنِّكم في كُل يوم تشيِّعون غاديًا ورائحًا إلى الله، قد قَضى نَحْبَه، وبَلغ أجَلَه، ثم تغيِّبونه في صدْعٍ في الأرض، ثم تَدَعُونه غير مُوَسَّد ولا مُمَهَّد، قد خَلَع الأسباب، وفارق الأحباب، وواجه الحساب، غنيًّا عما تَرك، فقيرًا إلى ما قَدَّم. وايم الله، إني لأقول لكم هذِه المقالة وما أعلم عندَ أحدٍ منكم من الذنوب أكثرَ مِمَّا عندي؛ فأستغفر الله لي ولكم، وما تَبْلُغنا حاجةٌ يتَّسع لها ما عِنْدنا إلا سَدَدْناها، ولا أحدٌ مِنكم إلا وَدِدْت أنَّ يَده مع يدي ورحمي الذين يلونني، حتى يَسْتوي عيشُنا وعيشُكم. وايم الله، إني لوْ أرَدتُ غيْرَ هذا من عيش أو غضارة لكان اللسانُ به ناطقًا ذَلُولاً عالمًا بأسبابه، ولكنَّه مَضى من الله كتابٌ ناطقٌ وسُنَّةٌ عادلةٌ، دلَّ فيهما على طاعته، ونَهى عن مَعْصيته... ". ثم بَكى، فتلقَّى دُموعَ عَيْنَيْه بردائه ونَزل، فلم يعُد بعدَها على تلك الأعواد حتى قَبَضَه الله تعالى.الألوكة في رحاب عمر بن عبدالعزيز نقف - إخوة الإيمان - مع عَلَمٍ من أعلامِ الدنيا، وشامةٍ من شاماتِ الإسلام، مع عَلَمٍ أدهشَ التاريخ، وأذهلَ البَشَريَّة، إذا ذُكِر العدلُ تَلأْلأَتْ مَسَامتُه، وإذا ذُكِرَ الزُّهْد رَفْرَفَتْ رايتُه، وإذا ذكر الخوف تَأَلَّقَتْ نساكتُه، وإذا ذُكر الإصلاحُ والإصلاحيون كان هو أوَّلَهم، وحامل رايتهم؛ لقد كان بحقٍّ عَالَمًا في فرد، فأصبحَ بعد ذلك فردًا في العالَم ذاك الرجل الذي كان دعاتُه يسيحيون في الأمصار:أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كل هؤلاء. ذاك الرجل الذي كان عُمَّالُه يطوفون مملكتَه؛ يحملون الزكاة فلا يجدون من يأخذها. ذاك الرجل الذي عَمَّ في عهده الأمنُ والأمان، فهدأت الثورات، وصلح المعاش، واختفتْ مظاهرُ الظُّلم، وغابت مَعالِمُ الفِسْق، وازدانت الأرض بعدْلِه وصلاحِه وإصلاحه. إن سألتمْ عن سرِّ عظَمَةِ عمر، وندرةِ تَكرارِ شخصية عمر، فهو ذاك التَّحَوُّل العجيب في حياته؛ لقد كان ابن عبدالعزيز قبل الخلافة يعيشُ حياةَ البَذَخِ والتَّرَف، فكان يمتلك أعلى القُصُور، وتُضَمَّخ ثيابُه بأغلى العُطُور، وَيركَبُ أحسنَ المراكب، ويَلْبَسُ أبْهى الحُلل، حتى قال عن نفسه: ما لبسْتُ ثوبًا قط، فَرُئِي عليَّ، إلاَّ خُيِّلَ إليَّ أنه قد بَلِي. هذا الرجلُ المُتْرَفُ الذي بلغَ في المظهريةِ غايتَها، تَحَوَّلَ منَ النقيضِ إلى النقيض، من الغِنى الفاحش إلى الزُّهْد المعضل. لم تتغَيَّرْ حالُه بسبب موتِ قريب، ولا بفجيعةٍ لعزيز، ولا أنه قد كبر في السِّنِّ، أو اعتلَّه المرض، كلاَّ، لقد كانتْ نقطةُ التحوُّلِ في حياةِ عمر أن تولَّى الخلافة، فأصْبَحَتْ خزائنُ الدُّنيا بحذافيرها بين يديه في هذه اللَّحظة، التي تضعف فيها النُّفوس، كانت نقطة الاستقامة والتحوُّل في حياة عمر. عندها غيَّر عمر مسار حياته؛ لأنه تَيَقَّن أنَّه قد تَحمَّلَ حِملاً عظيمًا كبيرًا، فَرفَضَ أطايبَ الحياةِ ومناعمها، ولاذَ بِتَقَشُّفٍ وشَظَفٍ، لا يَكاد يُطاق. بدأ ابن عبدالعزيز خلافته بإصلاح مملكتِه، فبدأ بنفسِه، فنظَر إلى ثروتِه، فباعَ ما يملك، وردَّه في بيت المال، ثم غدا على زوجته فاطمة بنت عبدالملك. .الألوكة فاطمة زوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز بنت الخليفة والخليفة جدها ***أخت الخلائف والخليفة زوجها * حين بلغت فاطمة مبلغ النساء تزوجها ابن عمها عمر بن عبد العزيز، الذي تربى في كنف أبيها عبد الملك وتحت عنايته، وعاشت فاطمة مع زوجها عمر عيشة مترفة منعمة، فقد أضحى عمر والي المدينة، ورزقهما الله منه بابنين اثنين هما: إسحاق ويعقوب. ودامت هذه الحياة الهنيئة حتى كان عام تسع وتسعين من الهجرة حين تولى زوجها خلافة الأمة، فانقلبت حياته، وغدا – وهو الشاب الذي غُذّي من آنية الملك - إمامًا زاهدًا تثقل مسئولية الخلافة كاهله. *لما وَلِيَ الخلافة أحدث في نفسه تغييرًا شاملاً وانقلابًا خطيرًا، وظهر آثار هذا التغيير واضحة جليَّة على جميع تصرفاته، وفي مجتمعه. لقد قام منهجه التغييري على قواعدَ وأسس مستمدة ومستوحاة من شرع الله. وكان من هذه القواعد والأسس قاعدةٌ كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصيته وانطلاقته المباركة، ألا وهي الزهد في الدنيا، قاعدة التجرد المطلَق، والنزاهة في أروع صورها!.الألوكة عندما تولَّى "عمر" الخلافة نَظَرَ في بيت مال المسلمين، ثم نظر إلى ما في يده، ثم نظر إلى ما في يد أمراء بني أُميَّة، فماذا فعل ؟ بدأ بنفسه، فدعا زوجه فاطمة ابنةَ الخليفة عبدالملك بن مروان، وزوجةَ الخليفة عمر بن عبد العزيز، وأختَ الخلفاء الأربعة: الوليد، وسليمان، ويَزِيد، وهشام، هم خلفاء بحكم الوراثة، فسألها عمر سؤالاً، قال لها: اختاري يا فاطمة، قالت: أيَّ شيءٍ اختار يا أمير المؤمنين؟ قال لها: إما أن تختاري الذهب والجواهر والزُّمُرُّد ومتاع الدنيا، وإما أن تختاري عمر بن عبدالعزيز، نَعَمْ، خَيَّرَها عمر بين نفسه وبين ما تملك من زينة زُفَّتْ بها؛ لأنها بنت الخليفة. فماذا قالت فاطمة؟ هذه السيدة المسلمة التي تربَّت في مدارس الإسلام، ونهلت من مناهل القرآن، قالت بلسان اليقين، ومنطق الحق المبين: والله لا أختار عليك أحدًا يا أمير المؤمنين، هذا ذهبي، وتلك ثياب زفافي المرصَّعة بالماس والزُّمُرُّد، ثم قالت: إلى أين تريد الذهاب بها يا عمر؟ قال: سأذهب بها إلى بيت مال المسلمين؛ لتكون للفقراء والمساكين! الله أكبر، هذا هو العدل كله، وهذه هي النزاهة كلُّها، وهذا هو الزُّهد كلُّه، والإخلاص كلُّه. يا عمر، إلى أين تذهب بجواهرها وذهبها وزينتها وثياب زفافها؟ إلى أين تذهب بهذا كلِّه يا عمر؟ إلى بيت مال المسلمين؛ لتكون للفقراء والمساكين !وإذا بفاطمة تقول بلسان يَقِينها: جعلني الله وإياك - يا عمر - فِداءً لله ورسوله. وعندما مات عمر، وتولَّى الخلافة بعده "يزيد بن عبدالملك" أخو فاطمة، فقال لها: يا فاطمة، أنا أعلم أنَّ عمر أخَذَ مالك كلَّه، ووضعه في بيت المال، أتأذنين أنْ أعيدَه إليك؟ فقالت له بلسان الحقِّ: ماذا تقول يا يَزِيد؟! أتريد أن آخذَ شيئًا وضعه عمر في بيت مال المسلمين؟! فو الله الذي لا إله إلا هو، لن أطيعَهُ حيًّا وأغضبه ميِّتًا أبدًا، وما غادَرَتْ بيتَها قط بعد عمرَ، حتى وافتها المنيَّةُ - رضي الله عنها. هكذا كان عمر، وإلى كمْ عمر نحتاج من الرجال في عصرنا هذا؟! وإلى كمْ فاطمة نحتاج من النساء؟! ثم انقلب عمر بعد أن بدأ بنفسه إلى بني أُميَّة، فقطع كلَّ صلاتٍ كانوا يأخذونها وأعطياتٍ كانوا يستلمونها، نظر إلى بيت المال، فإذا اسمه بيت مال المسلمين، ليس بيتَ مال عمر، ولا بيت مال الأمراء، ولكن بيت مال المسلمين. فكلُّ مال أُخِذَ من بيت مال المسلمين فدُفِع إلى أمير، قام عليه عمر فردَّه من حيث أُخِذ، واستشاط أمراء بني أُميَّة غضبًا، فأرسلوا إليه ابنَه عبدالملك، فقالوا: يا عبدالملك، إما أن تستأذنَ لنا على أبيك، وإما أن تبلِّغه عنَّا، قال: قولوا، قالوا: أخبِره أنَّ مَن كان قبله من الأمراء يعطوننا أعطيات ويصلوننا بصلاتٍ، وأنه قد قطعها عنَّا، مُرْهُ فليردَّها علينا، وأَبْلَغَ عبدالملك أباه المقالةَ، فقال: ارْجِع إليهم، فقل لهم: إن أبي يقول: إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يومٍ عظيم، إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يوم عظيم. أرأيْتُم كيف حافظ عمر على أموال المسلمين؟ فيا أصحاب الوظائف، يا أيُّها الأُمَنَاء على المسلمين، حافظوا على أموال المسلمين كما تحافظون على أموالكم، وخذوا الدرس والعِبْرة من ابن عبدالعزيز، واجعلوا شعاركم: "إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يوم عظيم" هنا.المجلس العلمي |
#13
|
||||
|
||||
الثالث عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع لا عيش إلا عيش الآخرة تابع ورع وزهد عمر بن عبد العزيز هذا الرجلُ المُتْرَفُ الذي بلغَ في المظهريةِ غايتَها، تَحَوَّلَ منَ النقيضِ إلى النقيض، من الغِنى الفاحش إلى الزُّهْد المعضل. لم تتغَيَّرْ حالُه بسبب موتِ قريب، ولا بفجيعةٍ لعزيز، ولا أنه قد كبر في السِّنِّ، أو اعتلَّه المرض، كلاَّ، لقد كانتْ نقطةُ التحوُّلِ في حياةِ عمر أن تولَّى الخلافة، فأصْبَحَتْ خزائنُ الدُّنيا بحذافيرها بين يديه في هذه اللَّحظة، التي تضعف فيها النُّفوس، كانت نقطة الاستقامة والتحوُّل في حياة عمر. عندها غيَّر عمر مسار حياته؛ لأنه تَيَقَّن أنَّه قد تَحمَّلَ حِملاً عظيمًا كبيرًا، فَرفَضَ أطايبَ الحياةِ ومناعمها، ولاذَ بِتَقَشُّفٍ وشَظَفٍ، لا يَكاد يُطاق. بدأ ابن عبدالعزيز خلافته بإصلاح مملكتِه، فبدأ بنفسِه، فنظَر إلى ثروتِه، فباعَ ما يملك، وردَّه في بيت المال، ثم غدا على زوجته فاطمة بنت عبدالملك. .الألوكة فاطمة زوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز بنت الخليفة والخليفة جدها 000أخت الخلائف والخليفة زوجها * حين بلغت فاطمة مبلغ النساء تزوجها ابن عمها عمر بن عبد العزيز، الذي تربى في كنف أبيها عبد الملك وتحت عنايته، وعاشت فاطمة مع زوجها عمر عيشة مترفة منعمة، فقد أضحى عمر والي المدينة، ورزقهما الله منه بابنين اثنين هما: إسحاق ويعقوب. ودامت هذه الحياة الهنيئة حتى كان عام تسع وتسعين من الهجرة حين تولى زوجها خلافة الأمة، فانقلبت حياته، وغدا – وهو الشاب الذي غُذّي من آنية الملك - إمامًا زاهدًا تثقل مسئولية الخلافة كاهله. *لما وَلِيَ الخلافة أحدث في نفسه تغييرًا شاملاً وانقلابًا خطيرًا، وظهر آثار هذا التغيير واضحة جليَّة على جميع تصرفاته، وفي مجتمعه. لقد قام منهجه التغييري على قواعدَ وأسس مستمدة ومستوحاة من شرع الله. وكان من هذه القواعد والأسس قاعدةٌ كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصيته وانطلاقته المباركة، ألا وهي الزهد في الدنيا، قاعدة التجرد المطلَق، والنزاهة في أروع صورها! .الألوكة عندما تولَّى "عمر" الخلافة نَظَرَ في بيت مال المسلمين، ثم نظر إلى ما في يده، ثم نظر إلى ما في يد أمراء بني أُميَّة، فماذا فعل ؟ بدأ بنفسه، فدعا زوجه فاطمة ابنةَ الخليفة عبدالملك بن مروان، وزوجةَ الخليفة عمر بن عبد العزيز، وأختَ الخلفاء الأربعة: الوليد، وسليمان، ويَزِيد، وهشام، هم خلفاء بحكم الوراثة، فسألها عمر سؤالاً، قال لها: اختاري يا فاطمة، قالت: أيَّ شيءٍ اختار يا أمير المؤمنين؟ قال لها: إما أن تختاري الذهب والجواهر والزُّمُرُّد ومتاع الدنيا، وإما أن تختاري عمر بن عبدالعزيز، نَعَمْ، خَيَّرَها عمر بين نفسه وبين ما تملك من زينة زُفَّتْ بها؛ لأنها بنت الخليفة. فماذا قالت فاطمة؟ هذه السيدة المسلمة التي تربَّت في مدارس الإسلام، ونهلت من مناهل القرآن، قالت بلسان اليقين، ومنطق الحق المبين: والله لا أختار عليك أحدًا يا أمير المؤمنين، هذا ذهبي، وتلك ثياب زفافي المرصَّعة بالماس والزُّمُرُّد، ثم قالت: إلى أين تريد الذهاب بها يا عمر؟ قال: سأذهب بها إلى بيت مال المسلمين؛ لتكون للفقراء والمساكين! الله أكبر، هذا هو العدل كله، وهذه هي النزاهة كلُّها، وهذا هو الزُّهد كلُّه، والإخلاص كلُّه. يا عمر، إلى أين تذهب بجواهرها وذهبها وزينتها وثياب زفافها؟ إلى أين تذهب بهذا كلِّه يا عمر؟ إلى بيت مال المسلمين؛ لتكون للفقراء والمساكين !وإذا بفاطمة تقول بلسان يَقِينها: جعلني الله وإياك - يا عمر - فِداءً لله ورسوله. وعندما مات عمر، وتولَّى الخلافة بعده "يزيد بن عبدالملك" أخو فاطمة، فقال لها: يا فاطمة، أنا أعلم أنَّ عمر أخَذَ مالك كلَّه، ووضعه في بيت المال، أتأذنين أنْ أعيدَه إليك؟ فقالت له بلسان الحقِّ: ماذا تقول يا يَزِيد؟! أتريد أن آخذَ شيئًا وضعه عمر في بيت مال المسلمين؟! فو الله الذي لا إله إلا هو، لن أطيعَهُ حيًّا وأغضبه ميِّتًا أبدًا، وما غادَرَتْ بيتَها قط بعد عمرَ، حتى وافتها المنيَّةُ - رضي الله عنها. هكذا كان عمر، وإلى كمْ عمر نحتاج من الرجال في عصرنا هذا؟! وإلى كمْ فاطمة نحتاج من النساء؟! ثم انقلب عمر بعد أن بدأ بنفسه إلى بني أُميَّة، فقطع كلَّ صلاتٍ كانوا يأخذونها وأعطياتٍ كانوا يستلمونها، نظر إلى بيت المال، فإذا اسمه بيت مال المسلمين، ليس بيتَ مال عمر، ولا بيت مال الأمراء، ولكن بيت مال المسلمين. فكلُّ مال أُخِذَ من بيت مال المسلمين فدُفِع إلى أمير، قام عليه عمر فردَّه من حيث أُخِذ، واستشاط أمراء بني أُميَّة غضبًا، فأرسلوا إليه ابنَه عبدالملك، فقالوا: يا عبدالملك، إما أن تستأذنَ لنا على أبيك، وإما أن تبلِّغه عنَّا، قال: قولوا، قالوا: أخبِره أنَّ مَن كان قبله من الأمراء يعطوننا أعطيات ويصلوننا بصلاتٍ، وأنه قد قطعها عنَّا، مُرْهُ فليردَّها علينا، وأَبْلَغَ عبدالملك أباه المقالةَ، فقال: ارْجِع إليهم، فقل لهم: إن أبي يقول: إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يومٍ عظيم، إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يوم عظيم. أرأيْتُم كيف حافظ عمر على أموال المسلمين؟ فيا أصحاب الوظائف، يا أيُّها الأُمَنَاء على المسلمين، حافظوا على أموال المسلمين كما تحافظون على أموالكم، وخذوا الدرس والعِبْرة من ابن عبدالعزيز، واجعلوا شعاركم: "إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يوم عظيم" هنا.المجلس العلمي |
#14
|
||||
|
||||
الرابع عشرالزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع لا عيش إلا عيش الآخرة وأمه: هي أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.سبط عمر بن الخطاب .عمرُ بن الخطاب جدُّه لأمِّهِ. ولادته:ولد عمر بحلوان قرية بمصر و أبوه أمير عليها سنة إحدى وقيل ثلاث وستين وأما سبب تسميته بأشج بني أمية: فعن ثروان مولى عمر بن عبد العزيز قال: دخل عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى إصطبل أبيه فضربه فرس فشجه فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد. هنا . سبب وفاته رحمه الله - قيل-كان سببها السُّل ، وقيل: سببها أن مولى له سَمَّهُ في طعامٍ أو شراب ، وأعطي على ذلك ألف دينار . فحصل له بسبب ذلك مرض ، فأخبر أنه مسموم ، فقال : لقد علمت يوم سقيت السم . ثم استدعى مولاه الذي سقاه ، فقال له : ص: 715-ويحك ، ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : ألف دينار أعطيتها . فقال : هاتها . فأحضرها فوضعها في بيت المال ، ثم قال له : اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك . البداية والنهاية . دامت خلافة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- سنتين وخمسة أشهر. زهد وورع البخاري وأراد أمير بخارى أن يأتي البخاري إلى بيته ليعلّم أولاده ويُسمعهم الحديث , فامتنع البخاري وأرسل إليه : " في بيته يؤتى العلم" أي أن العلم يؤتى ولا يأتي ومن أراد العلماء فليذهب إليهم في المسجد والبيوت ، فحقد عليه وأمر بإخراجه من بخارى , فنزح إلى قرية (خرتنك) القريبة من (سمرقند) وفيها له أقارب , فأقام فيها إلى أن مات سنة 256 هـ عن 62 عاما. رحمه الله رحمة واسعة .الإسلام سؤال وجواب . كبيرُ الحفَّاظ وإمام الأئمَّة, أمير المؤمنين في الحديث, الحافظ الحفيظ الشَّهير, المميز الناقد البصير, فخر الأمة, الإمام الهمام الذي شهدت بحفظه العلماء الأثبات, واعترف بضبطه المشايخ الثّقات, حجة الإسلام وعلمه المقدم, العالم العامل الكامل أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ. وُلِدَ الإمام البخاريُّ يومَ الجمعة بعدَ الصلاة لثلاث عشرة ليلةٍ خلت من شوال سنة 194هـ بمدينة بخارى, وكان أسمرَ نحيف الجسد ليس بالطويل ولا بالقصير. بيئته العلمية وأثرها عليه البخاريُّ كما قال عنه القسطلانيُّ أحدُ شراح صحيحه: "قد ربا في حجر العلم، حتى ربا, وارتضع ثدي الفضل, فكان على هذا اللبا". فلا شكَّ أنَّ طيب أصل البخاريِّ وبيئته العلميَّة الخالصة كان له أثرٌ كبير وخطير في توجه البخاري في حياته, فأبوه إسماعيل بن إبراهيم كان من الثِّقات، سمع من مالك وحمَّاد بن زيد وابن المبارك, وأمُّه كانت من العابدات الصالحات, صاحبةَ كرامات عظيمة, فقد كفَّ بصرُ البخاريِّ وهو طفل صغير، فقامت تدعو وتُصلِّي وتبكي وتبتهل, حتى رد الله -عزَّ وجلَّ- بصر ولدها، وذلك من كمال حكمته -عزَّ وجلَّ- لما كان ينتظر هذا الصبيَّ من مستقبلٍ مبهر في سماء العلوم والمعارف. وقد مات أبوه وهو في ريعان شبابه, فنشأ البخاريُّ يتيماً في حجر أمه, وكانت أمه عاقلة صالحة فدفعت به إلى طريق العلم والحديث منذ نعومة أظافره, وقد لاحظت أمُّه أنه يمتلك حافظة فريدة, فدفعت به إلي حِلَق السَّماع وهو في سن السابعة, وقيل وهو في سن العاشرة, فكان يجلسُ إلى المعلم في الكُتَّاب حتى العصر، بعدها ينطلقُ إلي مجلس الإمام الداخليِّ من كبار محدثي بخارى، ليسمع منه الحديث ويكتبه. ظهرت أولى علامات نبوغه ونجابته المبكرة، وهو في سن الحادية عشرة عندما أصلح رواية حديثٍ لشيخه الدَّاخلي, ورجع الداخليُّ لقوله, ولما بلغ السادسة عشر كان قد حفظ كتبَ ابن المبارك ووكيع أخلاقه وعبادته من الأمور الثَّابتة في سجل علماء الأمة الربَّانيِّين, أن لن تجد أحدًا منهم مسرفًا على نفسه, أو مفرطاً في حق ربِّه, أو سيئ الأخلاق مع الناس, فعلماءُ الأمة الكبار وأئمَّتها الأعلام قد كمُل حالهم علماً وعملاً وخلقاً وديانة, والبخاريُّ على نفس الدرب يسير, فلقد كان زاهداً عابداً كريمًا سمحًا متواضعًا شديد الورع. قال ابنُ مجاهد: "ما رأيتُ بعينيَّ منذ ستين سنةً أفقهَ, ولا أورعَ ولا أزهدَ في الدنيا من محمد بن إسماعيل", فقد كان البخاريُّ يأتي عليه النهار, فلا يأكل فيه شيئاً سوى لوزتين أو ثلاثة, كان ذات مرةٍ بالبصرة فنفدت أمواله، فمكث في بيته عدة أيام لم يخرج، لأنه لم يجد ما يسترُ به بدنه, ورغم زهده ورقَّة حاله، إلا أنه كان جواداً سمحاً كثير الصَّدقة, واسعَ الصَّدر, عظيم الاحتمال, سهل الجناب, يُقابل الإساءة بالإحسان, يترك كثيراً من الحلال خشية الشُّبهة والوقوع في الحرام, والأمثلة على ذلك كثيرةٌ، ومنها: أنَّه كان في بيته ذاتَ مرَّة, فجاءت جاريتُه، وأرادت دخولَ المنزل, فعثرت على محبرة بين يديه, فقال لها كيف تمشين؟ قالت: إذا لم يكن طريق, كيف أمشي؟ فبسط يديه, وقال: اذهبي, فقد أعتقتك, فقيل له: يا أبا عبد الله, أغضبتك الجارية؟ فقال: إن كانت أغضبتني, فقد أرضيتُ نفسي بما فعلت. قال البخاريُّ يوماً لأبي معشر الضَّرير: اجعلني في حِلٍّ يا أبا معشر, فقال: من أيِّ شيءٍ؟ فقال: رويتُ حديثاً, فنظرتُ إليك وقد أعجبتَ به وأنت تُحرِّك رأسك ويديك، فتبسَّمتُ من ذلك, قال: أنتَ في حِلٍّ, يرحمُك اللهُ يا أبا عبد الله. قام يُصلِّي يومًا فلدغه زنبور سبعةَ عشر مرة, فلم يَقطع صلاته ولمَّا عوتب في ذلك، قال: كنت في سورةٍ, فأحببتُ أن أُتِمَّها, وكان يُصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة, أما في رمضان فكان له نهجُه التعبديُّ الخاص به, فقد كان يجتمع إليه أصحابه, فيُصلي بهم, ويقرأُ في كل ركعة عشرين آية, وكذلك إلى أن يختم القرآن, وكان يقرأ في السَّحر, ما بين النِّصف إلى الثُّلث من القرآن, فيختم عند السَّحر, في كلِّ ثلاث ليال, وكذلك يختمُ بالنَّهار في كل يومٍ ختمة, ويكون ختمُه عند الإفطار كلَّ ليلة، ويقول: عند كلِّ ختمةٍ دعوةٌ مستجابة. كان البخاريُّ رغم مكانته العلمية السامقة، وانشغاله الدائم بالدرس والعلم والرحلة، إلا أنه كان يشترك في أمور المسلمين العامَّة وشئونهم الهامَّة, فلقد كان يُرابط بالثُّغور وينتظم في حلقات الرِّماية, ويحملُ فوق رأسه الآجُرَّ في بناء الربط.هنا. محنته ووفاته ظل البخاريُّ ينتقل من بلد لآخر، وكلَّما حلَّ ببلد طاردته الشائعاتُ، وكتب الذُّهليُّ تلاحقه في كلِّ مكان نزل به، حتى اضطرَّ في النهاية للنزول عند أحد أقاربه ببلدة خرتنك، الواقعة بين بخارى وسمرقند، لتنالَ هذه البلدة شرفاً عظيماً بأن قضى بها الإمامُ آخر أيام حياته.. أ. شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي الكلام عن محنة البخاري يُثير في القلب شُجونًا وأحزانًا وآلامًا كثيرة؛ ذلك لأنَّ هذه المحنة بالذات ما زالت أصداؤها تتردَّد لوقتنا الحاضر، ولكن بصورة مختلفة وبأوجه جديدة، وما زالت ضروبُ هذه المحنة وأقرانها تقع كلَّ يوم وفي كل عصر وجيل، ولُبُّ هذه المحنة وأساسها الغيرة والحسد بين الأقران، فهي -كما قال البخاريُّ رحمه الله نفسه في وصيته-: "لا يسلم عالمٌ متقدِّم على أقرانه من ثلاثة أمور: طعنُ الجهلاء وملامةُ الأصدقاء وحسدُ العلماء، وهو عينُ ما جرى للبخاريِّ في محنته". وبدأت فصول محنة البخاريِّ عندما توجه إلى مدينة نيسابور، وهي من المدن الكبيرة في خراسان، فلمَّا وصل إليها خرج إليه أهلُها عن بكرة أبيهم، فلقد استقبله أربعةُ آلاف رجل رُكبانًا على الخيل سوى من ركب بغلاً أو حمارًا، وسوى الرِّجال، وخرج الوُلاة والعلماء كافة لاستقباله قبل أن يدخل المدينة بمرحلتين أو ثلاثة [قرابة المائة كيلو متر مربع] وبالغوا في إكرامه بصورةٍ لم تكن لأحد قبله ولا حتى بعده. ومن روعة الاستقبال وعظيم التقدير والاحترام الَّذي وجده البخاريُّ بنيسابور، قرَّر المقام فيها لفترةٍ طويلة واتَّخذ فيها دارًا، وأخذ علماءُ نيسابور في حضِّ طلبة العلم على السَّماع من البخاريِّ، وكان رأسُ علماء نيسابور وقتها الإمامُ محمد بن يحيى الذهلي، وكان رأسًا متبوعًا مطاعًا ليس في نيسابور وحدها بل في خراسان كلِّها، الناسُ يطيعونه أكثر من طاعتهم للخليفة والوالي، وكان الذُّهليُ ممن حض الناس على الجلوس للبخاريِّ وحضور مجالسه ودروسه، والذُّهليُّ نفسه كان ممن استفاد كثيرًا من البخاريِّ، حتى إنه كان يمشي خلف البخاريِّ في الجنائز، يسأله عن الأسامي والكُنى والعِلل، والبخاريُّ يمرُّ فيه مثل السَّهم. ومع استقرار البخاريِّ في نيسابور، أخذت مجالسُ التحديث تخلو شيئًا فشيئًا من طلاب الحديث لصالح مجلس البخاريِّ حتى ظهر الخلل في مجلس كبير علماء نيسابور محمد بن يحيى الذُّهلي نفسه، عندها تحرَّكت النوازعُ البشرية المركوزة في قلوب الأقران، فدبَّ الحسد في قلب الذُّهليِّ وتسلَّلت الغيرةُ المذمومة إلى نفسه شيئًا فشيئًا، حتى وصل الأمر به لأن يخوضَ في حقِّ البخاري ويتكلمَ فيه ويرميه بتُهمةٍ البخاريُّ بريءٌ منها، فما هذه التُّهمة يا تُرى والتي كانت سبب محنة البخاريِّ؟ هذه التهمةُ هي تهمة اللفظية، وهي تعني قول القائل: أنَّ لفظي بالقرآن مخلوق، فقد قال لأصحاب الحديث إنَّ البخاريَّ يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق، فامتحنوه في المجلس، فلما حضر الناسُ مجلس البخاريِّ، قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقولُ في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أم غير مخلوق؟ فأعرضَ عنه البخاريُّ ولم يُجبه، فأعاد الرجل السؤال ثلاث مرات، فالتفت إليه البخاريُّ، وقال: "القرآنُ كلام الله غيرُ مخلوق، وأفعال العباد مخلوقةٌ، والامتحان بدعة"، أي: إنَّ البخاريَّ قد أدرك مغزى السؤال، وعلم أنه من جنس السؤالات التي لا يُراد بها وجه الله -عزَّ وجلَّ-، وإنَّما يُراد بها امتحانُ العلماء وإثارة الفتن والفرقة بين الناس، فشغب الرجل السائل على مجلس البخاريِّ، فقام الإمام منه. بعد هذه الحادثة أخذ الذُّهليُّ في التشنيع على البخاريِّ، واتهمه بالتجهم، وقال: قد أظهر البخاريُّ قول اللَّفظيَّة واللفظيَّة عندي شرٌّ من الجهميَّة، ومَن ذهب بعد إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه، ثم تمادى الذُّهليُّ في التشنيع والهجوم على البخاريِّ، ونادى عليه في الناس ومنع طلبة الحديث من الجلوس إليه، ثم ألزم كلَّ من يحضر مجلسه ألا يجلس للبخاريِّ، فقال يومًا: ألا من قال باللفظ فلا يحلُّ له أن يحضر مجلسنا، وكان في المجلس وقتَها الإمامُ الكبيرُ مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة، فقام الاثنان من مجلس الذُّهليِّ، وهذا الأمر جعل الذُّهليَّ يزداد في هجومه على البخاري، ويصل لأعلى درجات الغلوِّ والغيرة المذمومة، إذ قال بعد حادثة خروج الإمام مسلم من مجلسه: "لا يُساكنني هذا الرجلُ [يعني البخاري] في البلد" وأخذ الجهالُ والسفهاءُ يتعرَّضون للبخاريِّ في الطريق يؤذونه بالقول والفعل، مما أُجبر معه البخاريُّ في النِّهاية لأن يخرج من البلد. وبالنظر لما قام به الذُّهليُّ بحق البخاريِّ، نجد أن الذهليَّ قد تدرج في التشنيع والهجوم على الإمام البخاريّ، للوصول لغاية محددة منذ البداية، ألا وهي إخراج البخاريِّ من نيسابور حسدًا منه على مكانة البخاريِّ العلميَّة، وحتى لا ينسحبَ بساط الرياسة العلمية منه لصالح البخاري، وهذا ما فهمه البخاريُّ منذ البداية، وقاله لتلامذته ومن سأله عن هذه النازلة، فهذا تلميذه محمد بن شاذل، يقول: "دخلتُ على البخاري لمَّا وقع فيه محمد بن يحيى، فقلت: يا أبا عبد الله، ما الحيلةُ لنا فيما بينك وبين محمد بن يحيى، كلُّ من يختلف إليك يُطرد؟ فقال البخاريُّ: كم يعتري محمد بن يحيى من الحسد في العلم، والعلمُ رزق الله يُعطيه من يشاء"، وقال أحمد بن سلمة: "دخلتُ على البخاريِّ فقلت: يا أبا عبد الله هذا رجلٌ مقبول بخراسان خصوصًا في هذه المدينة، وقد لجَّ في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يُكلمه فيه فما ترى؟ فقبض البخاريُّ على لحيته ثم قرأ"وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ"غافر: 44، اللهمَّ إنك تعلم أنِّي لم أُرد المقام بنيسابورَ أشرًا ولا بطرًا ولا طلبًا للرياسة، وقد قصدني هذا الرجل [يقصد الذُّهليّ] حسدًا لما آتاني الله لا غير، ثم قال لي: يا أحمدُ إني خارجٌ غدًا لتتخلَّصوا من حديثه لأجلي، فقال أحمد بن سلمة: فأخبرت جماعة من أصحابنا بخروج الإمام، فوالله ما شيَّعه غيري، وكنت معه حين خرج من البلد. وبالفعل خرج البخاريُّ من نيسابور، واتجه إلى مرو من أعمال خراسان؛ ليواصل رحلته العلميَّة، فإذا بالذُّهليِّ يواصل هجومه الشَّرس على البخاريِّ، حتى بعد خروجه من نيسابور، حيثُ أخذ في الكتابة لسائر بلاد ومدن خراسانَ يحذِّرهم من البخاريِّ، وأنه يتبنَّى قول اللفظيَّة، وقد آتت هذه الحملة أُكُلها السّيّء، فكلما توجه البخاريُّ إلى بلد في خراسان وجد الناس ثائرين عليه، وكُتب الذُّهليُّ في حقه تنهال على علماء المدن وأمرائها فتُوغر الصدور وتُحرِّك الشكوك وتُسيء الظنون، حتى وصلت حدَّة الحملات التشويهية ضد البخاري، لأن يقدم رجلان من أكبر علماء الرجال في الحديث، وهما أبو حاتم وأبو زُرعة لأن يقولا: "إنَّ البخاريَّ متروكٌ"، ولا يكتبانِ حديثه بسبب مسألة اللَّفظ، وسبحانَ الله! لا أدري كيف أقدم أبو حاتم وأبو زُرعة على مثل هذه المقولة؟ وكيف تجاسرا عليه؟ والبخاريُّ حامل لواء الصناعة، ومقدم أهل السنة والجماعة، والبخاريُّ أعلى منهما كعبًا في كل باب في الحديث والفقه والحفظ، قال الذَّهبيُّ في السير: "كلامُ الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لاسيما إذا لاح لك أنَّه لعداوةٍ أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمتُ أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين" وكان البخاريُّ يؤكد في كلِّ مكان أنه لم يقل إنَّ لفظه بالقرآن مخلوق، فعندما سأله الحافظُ أبو عمرو الخفاف عن هذه المسألة، فقال له: "يا أبا عمرٍو، احفظ ما أقولُ لك: مَن زعم مِن أهل نَيسابورَ وقوس والرِّي وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة، أنِّي قلت: لفظي بالقرآن مخلوقٌ فهو كذَّاب، فإني لم أقله، إلا أنِّي قلت: أفعال العباد مخلوقة"، ومعنى هذا التصريح أنَّ الذُّهليَّ الذي خاض في حقِّ البخاريِّ وشوَّه سيرته ومكانته، قد بنى حملته على البخاريّ على لازم قول البخاريِّ أنَّ الأفعال مخلوقة، فقال الذهبيُّ: إنَّ البخاري يقول: إنَّ ألفاظنا من أفعالنا وأفعالنا مخلوقة، إذًا هو يقول إن لفظي بالقرآن مخلوق، ولازمُ القول ليس بلازم، كما هو مذهب جمهور المحققين من العلماء، إلا إذا التزمه صاحب القول، أما إذا نفاه وتبرأ منه فلا يلزمه ولا يشنع عليه بسببه، قال الذَّهبيُّ: ونعوذ بالله من الهوى والمراء في الدين، وأن نُكفِّر مسلمًا موحدًا بلازم قوله وهو يفر من ذلك اللازم ويُنَزِّه ويعظم الرب، لذلك كان البخاريُّ ينفي في كلِّ موطن هذه التهمة عن نفسه ويبرأ منها. وفاته ظل البخاريُّ ينتقل من بلد لآخر، وكلَّما حلَّ ببلد طاردته الشائعاتُ، وكتب الذُّهليُّ تلاحقه في كلِّ مكان نزل به، حتى اضطرَّ في النهاية للنزول عند أحد أقاربه ببلدة خرتنك، الواقعة بين بخارى وسمرقند، لتنالَ هذه البلدة شرفاً عظيماً بأن قضى بها الإمامُ آخر أيام حياته، وقد ضاقت عليه الدنيا بما لاقاه من أهلها، وخاصة من رفقاء الدرب وأصحاب الحديث الَّذين حسدوه، وكان في شهر رمضانَ من سنة 256 هجريَّة، فقضى ليالي رمضانَ الأخيرة في القيام والدُّعاء والمناجاة والشَّكوى لربِّ الأرض والسَّموات، وكان غالبُ دعائه في تلك الليالي: "اللَّهمَّ إنَّ الأرض قد ضاقت عليَّ، فاقبضني إليك يا ربَّ العالمين". وفي ليلة الفطر من سنة 256 هجرية، صعدت الروح الطاهرة إلى بارئها بعد صلاة العشاء، فدُفن من صبيحة الفطر، وقد فاحت رائحةٌ رائعة لم يَشَمَّ الناس مثلها من قبل من قبره، ظَلَّت تفوحُ لفترة طويلة، كما ما زال علمه يفوح ويروح في كل مكان في العالم، فأين حسَّادُهُ؟ وأين الوشاة والساعون فيه؟ طواهم النسيان، وقتلتهم أحقادهم، وبقي ذكر البخاري إلي اليوم، وحتى تقوم الساعة، فهنيئًا له على ما قدَّم للأمة الإسلامية، وسلامٌ عليه إلي يوم الدين. هنا . |
#15
|
||||
|
||||
المجلس الخامس عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم تعريف الصدّيقية: "الصِّدِّيقِيَّةُ: كمال الإخلاص والانقياد والمتابعة للخبر والأمر ظاهرا وباطنًا" قال ابن القيم "فأعلى مراتب الصدق: مرتبة الصِّدِّيقِيَّةِ وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص لله عزوجل". وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان:أن يكونوا مع الصادقينَ وخَصَّ المنُعْمَ عليهم بالنبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ فقال تعالى"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"التوبة: 119، وقال تعالى"وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا "النساء 69 . .هنا . " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ "فيما أمر به فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ". الصِّدِّيقِينَأفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق "وَالشُّهَدَاءِ"القتلى في سبيل الله، "وَالصَّالِحِينَ" غير من ذكر "وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا"رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم .تفسير الجلالين. ومن يستجب لأوامر الله تعالى وهدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فأولئك الذين عَظُمَ شأنهم وقدرهم, فكانوا في صحبة مَن أنعم الله تعالى عليهم بالجنة من الأنبياء والصديقين الذين كمُل تصديقهم بما جاءت به الرسل، اعتقادًا وقولا وعملا والشهداء في سبيل الله وصالح المؤمنين, وحَسُنَ هؤلاء رفقاء في الجنة.التفسير الميسر. أنواع الصديقية: - فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها. - والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد. والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة. فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق. وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية سمي الصديق على الإطلاق والصدّيق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق. .هنا . " الصدق مع الله " وقد بَينَّ الله تعالى الصادقينَ في آيةٍ واحدةٍ ، وهي قوله عز وجل "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس" ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها"أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" البقرة/ 177 . قال ابن كثير رحمه الله : اشتملت هذه الآية الكريمة على جُمَل عظيمة ، وقواعد عميمة ، وعقيدة مستقيمة ."تفسير ابن كثير " 1 / 485 . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : "أُولَئِكَ" أي : المتصفون بما ذُكر من العقائد الحسنة ، والأعمال التي هي آثار الإيمان ، وبرهانه ونوره ، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية : فأولئك هم " الَّذِينَ صَدَقُوا" في إيمانهم ؛ لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم ، " وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" لأنهم تركوا المحظور ، وفعلوا المأمور ؛ لأن هذه الأمور مشتمِلَةٌ على كلِّ خِصالِ الخيرِ ، تضمنًا ، ولزومًا ؛ لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدِّينِ كلِّهِ ، ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية : أكبر العبادات ، ومن قام بها : كان بما سواها أقوم ، فهؤلاء هم الأبرار ، الصادقون ، المتقون . " تفسير السعدي " ص 83 . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : ومن فوائد الآية : أن ما ذُكر هو حقيقة الصدق مع الله ، ومع الخلق ؛ لقوله تعالى "أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا "؛ فصِدْقهم مع الله : حيث قاموا بهذه الاعتقادات النافعة : الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وأنهم أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وبذلوا المحبوب في هذه الجهات ، وأما صِدقهم مع الخلق: يدخل في قوله تعالى "وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا" ، وهذا من علامات الصدق ، ولهذا قال تعالى ""أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا"فصدقوا في اعتقاداتهم ، وفي معاملاتهم مع الله ، ومع الخلق " تفسير سورة البقرة " 2 / 293 ، 294 . ثانيًا: الصدق مع الله تعالى ليس شيئًا نتجمل به ، ونقنع به أنفسنا وندع العمل ، بل الصدق مع الله يكون في النية ، ويكون في العمل إذا قمنا به ، وتيسرت أسبابه ، والصادق مع ربه تعالى يبلغ بصدق نيته ما يبلغ العامل إن تعذر عليه القيام بالعمل . فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ" . رواه مسلم ( 1909 ) قال ابن القيم رحمه الله : ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربَّه في جميع أموره ، مع صدق العزيمة ، فيصدقه في عزمه ، وفي فعله ، قال تعالى : " فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ "محمد21. فسعادته في صدق العزيمة ، وصدق الفعل ، فصدق العزيمة : جمعها ، وجزمها ، وعدم التردد فيها ، بل تكون عزيمة ، لا يشوبها تردد ، ولا تلوُّم ، فإذا صدقت عزيمته : بقي عليه صدق الفعل ، وهو استفراغ الوسع ، وبذل الجهد فيه ، وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره ، وباطنه ، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة ، وصدق الفعل يمنعه من الكسل ، والفتور ، ومَن صدَق الله في جميع أموره : صنع الله له فوق ما يصنع لغيره ، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص ، وصدق التوكل ، فأصدَقُ الناس : مَن صح إخلاصُه ، وتوكله . " الفوائد " ( ص 186 ، 187 ) . ثالثًا : قد يحتار المسلم بم يبدأ ؟ وكيف يرتب أمرَهُ في يومه وليلته ؟ وهذا لا ينبغي أن يكون عائقًا أمام القاصد لفعل الخير ، من طلب العلم ، أو الدعوة إلى الله ، فمثل تلك الفوضى يمكن للمسلم أن يتخلص منها بترتيب ساعات يومه ، فيجعل الجزء الأول من نهاره لحفظ القرآن ، ويرتب باقي يومهِ بين طلبِ العلم عن طريق الأشرطة ، وقراءة الكتب ، وحضور مجالس العلمِ ، وبين أداءِ الواجباتِ التي في ذمته ، زوجًا كان أو زوجة ، عاملاً كان أو متفرغًا . والله أعلم .الإسلام سؤال وجواب ومن أمثلة الصدق مع الله قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم غار لما التجئوا إليه،فقال أحدهم"والله يا هؤلاء لا يُنْجِيكُمْ إلا الصِّدْقُ،فَليَدْعُ كُلُّ رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه...،فَفَرَّجَ الله عنهم فَخَرَجُوا". -قال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ " انطلَق ثلاثةُ رَهطٍ ممن كان قبلَكم ، حتى أوَوُا المبيتَ إلى غارٍ فدخَلوه ، فانحدَرَتْ صخرةٌ منَ الجبلِ فسَدَّتْ عليهمُ الغارَ ، فقالوا : إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرةِ إلا أن تدعوَ اللهَ بصالحِ أعمالِكم ، فقال رجلٌ منهم : اللهمَّ كان لي أبَوانِ شيخانِ كبيرانِ ، وكنتُ لا أَغبِقُ قبلَهما أهلًا ولا مالًا ، فناء بي في طلبِ شيءٍ يومًا ، فلم أرُحْ عليهما حتى ناما ، فحلَبتُ لهما غَبوقَهما فوجَدتُهما نائمَينِ ، وكرِهتُ أن أَغبِقَ قبلَهما أهلًا أو مالًا ، فلبِثتُ والقَدَحُ على يدي أنتظِرُ استيقاظَهما حتى برَق الفجرُ ، فاستيقَظا فشرِبا غَبوقَهما ، اللهمَّ إن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك ففرِّجْ عنا ما نحن فيه من هذه الصخرةِ ، فانفرَجَتْ شيئًا لا يستَطيعونَ الخروجَ ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : وقال الآخَرُ : اللهمَّ كانتْ لي بنتُ عَمٍّ كانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ ، فأرَدتُها عن نفسِها فامتنَعتْ مني ، حتى ألَمَّتْ بها سَنَةٌ منَ السنينَ ، فجاءَتْني فأعطَيتُها عشرينَ ومِائَةَ دينارٍ على أن تُخَلِّيَ بيني وبين نفسِها ، ففعَلَتْ حتى إذا قدَرتُ عليها قالتْ : لا أُحِلَّ لك أن تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقِّه ، فتحرَّجتُ منَ الوُقوعِ عليها ، فانصرَفتُ عنها وهي أحبُّ الناسِ إليَّ وترَكتُ الذهبَ الذي أعطيتُها ، اللهمَّ إن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك فافرُجْ عنا ما نحن فيه ، فانفرَجَتِ الصخرةُ غيرَ أنهم لا يستَطيعونَ الخروجَ منها ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : وقال الثالثُ : اللهمَّ إني استأجَرتُ أُجَراءَ فأعطيتُهم أجرَهم غيرَ رجلٍ واحدٍ ترَك الذي له وذهَب ، فثمَّرتُ أجرَه حتى كثُرَتْ منه الأموالُ ، فجاءني بعد حينٍ ، فقال : يا عبدَ اللهِ أَدِّ إليَّ أجري ، فقلتُ له : كلُّ ما تَرى من أجرِك ، منَ الإبلِ والبقرِ والغنمِ والرقيقِ ، فقال : يا عبدَ اللهِ لا تَستَهزِئْ بي ، فقلتُ : إني لا أستَهزِئُ بك ، فأخَذه كلَّه فاستاقَه فلم يترُكْ منه شيئًا ، اللهمَّ فإن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك فافرُجْ عنا ما نحن فيه ، فانفرَجَتِ الصخرةُ فخرَجوا يَمشونَ " . الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 2272- خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية. شرح الحديث الدُّعاءُ والتَّقرُّبُ إلى اللهِ تعالى بصالِحِ الأعمالِ سَبَبٌ لتَفْريجِ كُلِّ كَرْبٍ، وفي هذا الحديثِ يَحكِي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه "انطَلَقَ ثلاثةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكم"، أي: مِنَ الأُمَمِ السَّابقةِ، والرَّهْطُ: ما دون العَشَرَةِ مِنَ الرِّجالِ لا يكونُ فيهِمُ امْرأةٌ، "حتَّى أَوَوُا المَبيتَ إلى غارٍ فدخَلوهُ"، أي: لَجَؤوا إلى غارٍ؛ لِيَبيتوا فيه من يَوْمهم، وفي بعضِ الرِّواياتِ أنَّهم دخَلوه لِمَا كان مِنْ أَمْطارٍ، والغارُ: الكَهْفُ، "فانْحَدَرَتْ صخرةٌ مِنَ الجبلِ فسَدَّتْ عليهِمُ الغارَ"، أي: نزلَتْ من أعلى الجبلِ صخرةٌ فأغلَقَتْ مَخْرَجَ الغارِ"، أي: بابَهُ الَّذي يخرُجون منه، فَحُبِسَ الثَّلاثَةُ داخِلَ الجبلِ، "فقالوا"، أي: قال بعضُهم لبعضٍ: "إنَّه لا يُنَجِّيكُمْ من هذه الصَّخرةِ إلَّا أنْ تَدْعوا اللهَ بصالِحِ أعمالِكُمْ"، أي: تَتوسَّلوا إليه وتَدْعوهُ بما كان من عملِكُمُ الصَّالِحِ؛ حتَّى يَستجيبَ اللهُ لكم، ويَفْرِجَ تلك الصَّخرةَ، فقال رَجُلٌ منهم: "اللَّهُمَّ كان لي أَبَوانِ شَيْخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهما"، أي: لا أُقَدِّمُ عليهما في شُرْبِ العَشِيِّ، "أهلًا ولا مالًا"، كِناية عن شِدَّةِ بِرِّهِ بهما، "فَنَاءَ بي في طَلَبِ شيْءٍ يومًا"، أي: طال به الوقتُ خارجَ البيتِ؛ لِبُلوغِ بعضِ الحاجةِ، "فَلَمْ أَرُحْ عليهما حتَّى نامَا"، أي: لم يَرجِعْ إلى البيتِ حتَّى نام الأَبَوانِ، "فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُما"، أي: شَرابَهما الَّذي يَشْرَبانِهِ قَبْلَ نَوْمِهما، "فوجدْتُهما نائِمَيْنِ، وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهما أهلًا أو مالًا"، أي: وامْتَنَعَ عن أنْ يَشرَبَ أو يُشْرِبَ أَحَدًا قَبْلَهما، قال الرَّجلُ: "فَلَبِثْتُ والقَدَحُ على يَدي أَنْتَظِرُ استيقاظَهما حتَّى بَرَقَ الفجرُ"، أي: ظهَرَ ضياؤُهُ، والقَدَحُ: الوِعاءُ الذي حَلَبَ فيه، "فاستيقظَا فشرِبَا غَبوقَهما"، أي: ترَكهما نائمَيْنِ مُفَضِّلًا للسَّهَرِ في انتظارِهما على أنْ يُوقِظَهما من نومِهما حتَّى يكونَا هما المُسْتَيْقِظَيْنِ، قال الرَّجلُ: "اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فعَلْتُ ذلك ابتِغاءَ وَجهِكَ"، أي: طلبًا لِمرضاتِكَ، "ففرِّجْ عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرةِ"، أي: اجعَلْ لنا منها مَخْرَجًا، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فانفرَجَتْ شيئًا لا يَستطيعون الخُروجَ"، أي: فُتِحَ بابُ الغارِ قَدْرًا يسيرًا. قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وقال الآخَرُ: "اللَّهُمَّ كانتْ لي بِنْتُ عَمٍّ كانت أَحَبَّ النَّاسِ إليَّ، فأَرَدْتُها عن نَفْسِها"، أي: أراد أنْ يَزنيَ بها، "فامْتَنَعَتْ منِّي، حتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنينَ"، أي: نزلَتْ بها مَضَرَّةٌ جعلَتْها في حاجةٍ وفَقْرٍ، "فجاءَتْني"، أي: تطلُبُ منه المُساعَدةَ، "فأعطيْتُها عِشرينَ ومِئةَ دِينارٍ على أنْ تُخَلِّيَ بيني وبين نَفْسِها"، أي: شَرَطَ عليها أنْ تُمكِّنَهُ من نفْسِها مُقابِلَ المالِ، "ففَعَلَتْ"، أي: وافقَتْ، "حتَّى إذا قَدَرْتُ عليها"، أي: تمكَّنَ منها، واقترَبَ من جِماعِها، قالَتْ بِنْتُ عمِّهِ: "لا أُحِلُّ لك أنْ تَفُضَّ الخاتَمَ إلَّا بِحَقِّهِ"، أي: تُذَكِّرُهُ وتسألُهُ أنْ يَنتَهيَ عنها ولا يُواقِعَها، ومُرادُ قَوْلِها: لا تُزِلْ البَكارَةَ إلَّا بالزَّواجِ الَّذي أحلَّهُ اللهُ، قال الرَّجلُ: "فتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقوعِ عليها، فانصرَفْتُ عنها"، أي: تجنَّبها ولم يَزْنِ بها؛ لِمَا ذكَّرَتْهُ به من حقِّ الله فيها، قال الرَّجُلُ: "وهي أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ"، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ حُبَّهُ لها كان أَدْعى إلى الوقوعِ عليها، ومع ذلك انصرَفَ عنها، "وتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعطيْتُها"، أي: وترَكَ لها المالَ الَّذي قد أَخَذَتْهُ منه، ثمَّ قال: "اللَّهُمَّ إنْ كنتُ فعَلْتُ ذلك ابتغاءَ وَجهِكَ فافْرِجْ عنا ما نحن فيه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فانفرَجَتِ الصَّخرةُ غيرَ أنَّهم لا يَستطيعون الخُروجَ منها"، أي: زِيدَ من مِقدارِ فَتْحِ البابِ بتلك الدَّعْوةِ. قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وقال الثَّالِثُ: "اللَّهمَّ إنِّي استأجَرْتُ أُجَرَاءَ"، أي: عُمَّالًا يَعمَلونَ عِنده مُقابِلَ أَجْرٍ، "فأعطيْتُهم أجْرَهم غيرَ رجُلٍ واحدٍ ترَك الَّذي له وذَهَبَ"، أي: إلَّا عامِلًا ذهَب ولم يأخُذْ أُجْرَتَهُ، "فثَمَّرْتُ أَجْرَهُ"، أي: تاجَرَ له به، "حتَّى كَثُرَتْ منه الأموالُ"، أي: زادَ نَماءُ هذه الأُجْرةِ عِنده، "فجاءني بَعْدَ حينٍ"، أي: جاءه الأجيرُ الَّذي ترَكَ أُجرَتَهُ بعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمنِ، فقال: "يا عبدَ اللهِ، أَدِّ إليَّ أَجْري"، أي: يَطلُبُ منه أُجرتَهُ، فقال له الرَّجُلُ: "كُلُّ ما ترى من أَجرِكَ مِنَ الإبلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقيقِ"، أي: كُلُّ أنواعِ المالِ الَّتي أمامَ نَظَرِكَ هي أَجْرُكَ الَّذي تركْتَ، والرَّقيقُ: هُمُ العَبيدُ المملوكونَ، فقال الأجيرُ: "يا عبدَ اللهَ، لا تَستهزِئْ بي"! أي: يَستنكِرُ عليه ما يدَّعيهِ من أنَّ أُجْرتَهُ قد بلَغَتْ كُلَّ ذلك، فقُلْتُ: "إنِّي لا أَستهزِئُ بك، فأخَذَهُ كُلَّهُ فاستاقَهُ فَلَمْ يَترُكْ منه شيئًا"، أي: أخَذَ كُلَّ ذلك المالِ الَّذي أشار به إليه، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ الرَّجُلَ لم يَطمَعْ في شيءٍ من ذلك، ولو بِقَدْرِ ما يترُكُ له الأجيرُ من مُكافَأَةٍ له نَظيرَ فِعْلِهِ، قال الرَّجلُ: "اللَّهمَّ فإنْ كنتُ فعلْتُ ذلك ابتغاءَ وَجهِكَ فافْرِجْ عنَّا ما نحن فيه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فانْفَرَجَتِ الصَّخرةُ"، أي: فَتَمَّ لهم بتِلك الدَّعوةِ فَتْحُ الغارِ، "فخرَجوا يَمْشونَ" وفي الحديثِ: التَّوسُّلُ إلى اللهِ تعالى بالأعمالِ الصَّالحةِ. وفيه: فَضلُ الإخلاصِ. وفيه: بيانُ فضلِ بِرِّ الوالِدَيْن وفَضلِ تقديمِهما على سائِرِ الأهلِ والأقارِبِ. وفيه: فَضلُ التعفُّفِ عن الحَرامِ ومُراقبةِ اللهِ تعالى والخوفِ مِنه. وفيه: الحَثُّ على بَذْلِ الخيرِ للآخَرينَ دونَ تَلَمُّسِ أَجْرٍ منهم على ذلك، والحَذرُ مِن الطَّمَعِ . الدرر السنية. . |
#16
|
||||
|
||||
المجـلـس السادس عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه . تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم "أنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى إذا كانَ يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ ليقضيَ بينَهم وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ فأوَّلُ من يدعو بِه رجلٌ جمعَ القرآنَ ورجلٌ يقتَتِلُ في سبيلِ اللهِ ورجلٌ كثيرُ المالِ فيقولُ اللَّهُ للقارئِ ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولي قالَ بلى يا ربِّ قالَ فماذا عملتَ فيما عُلِّمتَ قالَ كنتُ أقومُ بِه آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ وتقولُ الملائِكةُ كذَبتَ ويقولُ له اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ قارئٌ فقد قيلَ ذلكَ ويؤتى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللَّهُ ألم أوسِّعْ عليكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ قالَ بلى يا ربِّ قالَ فماذا عمِلتَ فيما آتيتُك قالَ كنتُ أصلُ الرَّحمَ وأتصدَّقُ فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ وتقولُ الملائِكةُ لَه كذَبتَ ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جَوادٌ وقد قيلَ ذلكَ ويُؤتى بالَّذي قُتلَ في سبيلِ اللهِ فيقولُ اللَّهُ لَه في ماذا قُتلتَ فيقولُ أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِك فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ فيقولُ اللَّهُ لَه كذبتَ وتقولُ لَه الملائِكةُ كذبتَ ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جريءٌ فقد قيلَ ذلكَ ثمَّ ضربَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى رُكبتي فقالَ يا أبا هريرةَ أولئِك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامةِ" الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2382 | خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر . 2382 قال الترمذي :حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قال: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ،قال:أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ شُفَيًّا الْأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالُوا أَبُو هُرَيْرَةَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ " - ص 511 - " رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْعَلُ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ عَلَيَّ طَوِيلًاثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَحَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ " - ص 512 - " فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ وَحَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ النَّاسِ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"سورة هود 16 ، 17. سنن الترمذي - كِتَاب الزُّهْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يرائي يرائي الله به ومن يسمع يسمع الله به. هنا. وهنا.فينبغي للمؤمن أن يهتمَّ بالإخلاص لله في أعماله، وأن يَحْذر الرياء فإنه أخفى من دبيب النمل، وليسْتَعِن بالله على تطهير قلبه منه، وليرق نفسه بهذه الرقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها إن أُخِذَتْ بصدق نفعت صاحبها بإذن الله تعالى جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ((يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل)) فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نَتَّقِيه وهو أَخْفَى من دبيب النَّمْل يا رسول الله؟ قال-يا أيها الناسُ ! اتَّقوا هذا الشِّركَ ؛ فإنه أخفى من دبيبِ النَّملِ . فقال له من شاء اللهُ أن يقولَ : وكيف نتَّقِيه وهو أخفى من دبيبِ النَّملِ يا رسولَ اللهِ ! قال : قولوا : اللهم إنا نعوذُ بك من أن نُشرِكَ بك شيئًا نعلَمُه ، و نستغفرُك لما لا نعلمُه الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 36 | خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره - الدرر. فواجب علينا جميعًا أن نخلص العمل، ونحذر الرياء وكل ما يخل أو ينقص أجر العمل، نسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها صالحة، وأن يجعلها لوجهه خالصة. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.هنا . وكذلك قصة الأعرابي التي رواها الإمام النسائي-رحمه الله-في سننه الصغرى(1953)وصححها الشيخ الألباني-رحمه الله- عن شداد بن الهاد-رضي الله عنه "أنَّ رجلًا مِنَ الأعرابِ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فآمنَ بِهِ واتَّبعَهُ، ثمَّ قالَ: أُهاجرُ معَكَ، فأوصى بِهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بعضَ أصحابِهِ، فلمَّا كانَت غزوةٌ غَنمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ سبيًا، فقسمَ وقسمَ لَهُ، فأعطى ما قسمَ لَهُ، وَكانَ يرعى ظَهْرَهُم، فلمَّا جاءَ دفعوهُ إليهِ، فقالَ: ما هذا؟ قالوا: قَسمٌ قَسمَهُ لَكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فأخذَهُ فجاءَ بِهِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: ما هذا؟ قالَ: قَسمتُهُ لَكَ، قالَ: ما علَى هذا اتَّبعتُكَ، ولَكِنِّي اتَّبعتُكَ على أن أرمى إلى ههُنا، وأشارَ إلى حَلقِهِ بسَهْمٍ، فأموتَ فأدخلَ الجنَّةَ فقالَ: إن تَصدقِ اللَّهَ يَصدقكَ، فلبِثوا قليلًا ثمَّ نَهَضوا في قتالِ العدوِّ، فأتيَ بِهِ النَّبيُّ يحملُ قَد أصابَهُ سَهْمٌ حيثُ أشارَ، فقالَ النَّبيُّ: أَهوَ هوَ؟ قالوا: نعَم، قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ، ثمَّ كفَّنَهُ النَّبيُّ في جبَّةِ النَّبيِّ، ثمَّ قدَّمَهُ فصلَّى علَيهِ، فَكانَ فيما ظَهَرَ من صلاتِهِ: اللَّهمَّ هذا عبدُكَ خرجَ مُهاجِرًا في سبيلِكَ فقُتلَ شَهيدًا أَنا شَهيدٌ على ذلِكَ"الراوي : شداد بن الهاد الليثي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 1952 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية. شرح الحديث : كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم أكثرَ المُسلِمينَ إخلاصًا وصِدقًا مع اللهِ سبحانَه، وأحْرَصَهم على الشهادةِ في سَبيلِ اللهِ تعالى؛ لِمَا في قُلوبِهم من الإيمانِ بوعدِ اللهِ تعالى، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَرعَى حديثي الإسلامِ ويُوجِّههم إلى ما فيه الصَّلاحُ. وفي هذا الحديثِ يخبِرُ شدَّادُ بنُ الهادِ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجُلًا مِن الأعرابِ"، والأعرابُ هم سُكَّانُ الباديَةِ مِن العرَبِ، "جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فآمَن به واتَّبَعه"، أي: إنَّ هذا الرَّجُلَ قَدِم مِن الباديةِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فأَسْلَمَ وآمَنَ بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، واتَّبَعه على الهُدَى ودِينِ الحَقِّ، ثمَّ قال الرَّجلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أُهاجِرُ معَك"، أي: أَترُكُ بادِيَتي وأذهَبُ معَك إلى المدينةِ، وطلَب الرَّجُلُ هذا لِمَا عَلِمَه مِن الثَّوابِ الَّذي أعَدَّه اللهُ للمُهاجِرين، "فأوصى به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعْضَ أصحابِه"، فأَذِن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الهِجرةِ، وأمَر أصحابَه به خيرًا؛ لِيُساعِدوه ويَهتمُّوا لأمرِه؛ لِمَا رآه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الرَّجلِ مِن استِعْدادٍ للهجرةِ، وتحَمُّلِ المشاقِّ في سَبيلِ اللهِ، وقد ورَد في حديثٍ آخَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لم يأذَنْ لرَجلٍ مِن الأعرابِ بالهِجرةِ؛ وهذا محمولٌ على أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يُعامِلُ كلَّ واحدٍ بما يُناسِبُ حالَه؛ فلَعلَّه عَلِمَ أنَّه لا يتَحمَّلُ مشَقَّةَ الهِجرةِ، فلم يأذَنْ له، وأذِنَ لهذا الذي عَلِمَ أنَّه يَتحمَّلُ، "فلمَّا كانتْ غزوةٌ غَنِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سَبْيًا"، أي: فلمَّا جاءتْ غزوةٌ، وخرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للقِتالِ فيها وأصاب غَنيمةً فيها أُسارى، "فقَسَم وقسَم له، فأعْطَى ما قسَم له"، أي: قسَم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الغَنيمةَ إلى أجزاءٍ؛ لِيُعطيَ كلَّ واحدٍ نصيبَه، وقسَم للرَّجلِ حقَّه مِن الغنيمةِ، وأعطى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه نَصيبَه لِيُعْطوه له، "وكان يَرْعى ظَهْرَهم"، أي: وكان الرَّجلُ يَعمَلُ على رعْيِ الإبلِ، "فلمَّا جاء دَفَعوه إليه"، أي: فلمَّا جاء مِن رَعْيِه وعمَلِه أعطَوْه حظَّه ونَصيبَه مِن الغَنيمةِ، "فقال: ما هذا؟"، أي: سأَلهم ما هذا الَّذي أعطَيتُموني، "قالوا: قَسْمٌ قسَمه لك النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: هذا نَصيبُك وحقُّك الَّذي قسَمه لك النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الغَنيمةِ، "فأخَذه، فجاء به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: إنَّ الرَّجلَ أخَذ نَصيبَه مِن الغَنيمةِ، وأتى به النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقال: ما هذا؟"، أي: سأَل النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ما هذا؟ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "قسَمتُه لك"، أي: هذا نَصيبُك مِن الغَنائمِ الَّتي قُسِمَت، قال الرَّجلُ: "ما على هذا اتَّبعتُك"، أي: ما اتَّبعتُك، وآمنتُ بك، وهاجرتُ معَك مِن أجْلِ الحُصولِ على الغنائمِ، "ولكنِّي اتَّبعتُك على أن أُرْمى إلى هَاهنا- وأشار إلى حَلْقِه- بسَهمٍ، فأموتَ فأَدخُلَ الجنَّةَ"، أي: إنَّما اتَّبعتُك على أن أُجاهِدَ معَك، وأُقاتِلَ أعداءَ اللهِ فأُرْمَى بسَهمٍ، وأشار الرَّجلُ إلى مكانِ حَلْقِه، واستُشهِد فأُدخِلَ الجنَّةَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنْ تَصُدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ"، أي: إنْ كنتَ صادِقًا في قولِك ونيَّتِك هذه، فإنَّ اللهَ يُجازيك على هذا الصِّدْقِ ما تتَمنَّاه مِن الموتِ في سَبيلِه. قال الرَّواي: "فلَبِثوا قليلًا"، أي: مكَث النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم والصَّحابةُ مُدَّةً قليلةً، "ثمَّ نهَضوا في قِتالِ العَدوِّ"، أي: قاموا للخروجِ لقتالِ العدوِّ مُسرِعين، "فأُتي به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُحمَلُ قد أصابه سهمٌ حيث أشار"، أي: جيءَ بهذا الرَّجلِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مَحمولًا مَقتولًا بسَهمٍ في حَلْقِه، وهو المكانُ الَّذي كان يُشيرُ إليه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وتمنَّى أن يُرْمى فيه بسَهمٍ؛ لِيَكون شهيدًا ويَدخُلَ الجنَّةَ، فقال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه: "أهو هو؟!"، أي: أهو هو هذا الرَّجلُ الَّذي قال ما قال؟ "قالوا: نعَم" هو هو الرَّجلُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "صَدَق اللهَ فصَدَقه"، أي: كان فيما قال صادقًا مخلِصًا؛ ولذا صدقَه اللهُ وأنجَز له ما تَمنَّاه من الاستشهادِ في سَبيلِه. قال: "ثمَّ كفَّنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في جُبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: جعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كفَنَه الَّذي كفَّنه فيه جُبَّتَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ويَحتمِلُ أن يكونَ تَكفينُه فيه لالْتِماسِ برَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وإلَّا فإنَّ تَكفينَ الشُّهداءِ يكونُ في ثِيابِهم، "ثمَّ قدَّمه فصلَّى عليه"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وضَع جُثْمانَ الرَّجلِ قُدَّامَه، وبينَ يدَيْه؛ لِيُصلِّيَ عليه صَلاةَ الجنازةِ، "فكان فيما ظهَر مِن صَلاتِه"، أي: كان فيما ظهَر في دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في صَلاتِه: "اللَّهمَّ هذا عبدُك، خرَج مُهاجِرًا في سَبيلِك"، أي: يا ربِّ هذا عبدُك، ترَك أهْلَه ومالَه، وهاجَر ابتِغاءَ وجْهِك ومَرْضاتِك، "فقُتِل شَهيدًا"، أي: خرَج للقِتالِ فقُتِل شَهيدًا؛ "أنا شهيدٌ على ذلك"، وفي هذا فضلٌ عظيمٌ ومنقبةٌ جليلةٌ لهذا الرجُلِ رضِيَ اللهُ عنه. وقد استُدلَّ بهذا الحديثِ على مَشروعيَّةِ الصَّلاةِ على الشَّهيدِ. وفي الحديثِ: فَضلُ الصِّدقِ مع اللهِ تعالى، وأنَّه سببٌ لتحقيقِ ما يُرجَى من الخيرِ. وفيه: بيانُ شِدَّةِ عِنايةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأصحابِه، خصوصًا الغُرباءَ، حيثُ أمَرَ بعضَ أصحابِه بالقِيامِ على شأنِ هذا الأعرابيِّ؛ تهوينًا عليه مِن أمْرِ الغُربةِ، وتقويةً لدِينِه .الدرر السنية . |
#17
|
||||
|
||||
المجلس السابع عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1901 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية . وهنا الشرح يَحكي أنسٌ رضِي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعثَ بُسَيْسَةَ عَينًا، أي: جاسوسًا، ينظُرُ ما صنعَتْ عِيرُ أبي سفيانَ، أي: قافلتُه وهي الدوابُّ الَّتي تَحملُ الطَّعامَ وغيرَه، فَجاءَ ومَا في البيتِ أحدٌ غيرُ أنسٍ رضِي اللهُ عنه وغيرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فحدَّثَه الحديثَ، فَخرجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَتكلَّمَ فقالَ: إنَّ لنا "طِلْبَةً" يريدُ أنَّنا خارِجونَ لِطلبِ القَافلةِ، فَمَن كان ظهْرُه حاضرًا، أي: مركوبُه مِنَ الإبلِ والدوابِّ، فَلْيركبْ معنا فَجعلَ رجالٌ يَستأذِنُونَه في ظَهرانِهم، أي: في إحضارِ مَركوباتِهم في عُلوِ المدينةِ وهي جهةٌ قُباءٍ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا إلَّا مَن كان ظَهرُه حاضرًا، فَانطلقَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، أي: ذَهبُوا مِنَ المدينةِ حتَّى سبَقُوا المشركينَ إلى بدْرٍ، أي: نَزلُوا بدرًا قَبْلَ الكفَّارِ وجاءَ المشركونَ، أي: بعْدَ المسلمينَ وتَصافُّوا، فقال: صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يَقْدَمَنَّ أحدٌ منكم إلى شَيءٍ حتَّى أكونَ أنا دُونَه، أي: قُدَّامَه؛ فَدنَا المشركونَ، أي: اقْتَرَبُوا مِن صفوفِ المسلمينَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:قُومُوا إلى جَنَّةٍ، أي: عمَلٍ هو سببُ دُخولِها، عرْضُها السَّمواتُ والأرضُ، أي: كَعرضِ السَّماءِ والأرضِ، فقال: عُمَيْرُ بْنُ الحُمَامِ الأنصاريُّ رضِي اللهُ عنه: يا رسولَ اللهِ جَنَّةٌ عَرضُها السَّمواتُ والأرضُ فَأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعم، فقال: بَخٍ بَخٍ! وهي كلمةٌ تُقالُ عند المدْحِ وَالرِّضَا بِالشَّيءِ وتُكرَّرُ لِلمبالغةِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يَحملُكَ على قولِك: بَخٍ بَخٍ؟) قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ إلَّا رجاءَ، أي: لِطمَعِ أنْ أكونَ مِن أهلِها، أي: مِن أهلِ الجنَّةِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإنَّك مِن أهلِها، فَأخرَجَ تَمراتٍ مِن "قَرنِه"، أي: كِنانتِه، يعني: مِن جَعبَةِ نُشَّابِه، فجعل، أي: فَشرَعَ يأكلُ منهنَّ؛ تقويةً لِلبَدَنِ على الجِهادِ، ثُمَّ قال، أي: في أَثناءِ أَكْلِها: لَئِنْ أنا حَيِيتُ، أي: عِشتُ حتَّى آكُلَ تَمراتي هذه، أي: جميعَها، إنَّها لحياةٌ طويلةٌ! يعني: والأمرُ أسرَعُ من ذلك؛ شوقًا إلى الشَّهادةِ، قال فَرمَى بما كان معه مِنَ التَّمرِ، أي: طَرحَ جميعَ ما كان معه، ثُمَّ قاتَلَ حتَّى قُتِلَ في سبيلِ اللهِ. في الحديثِ: أنَّ مِن فِعلِ الصِّحابَةِ استِقتالَ الرَّجلِ نفسَه في طَلبِ الشَّهادةِ، وإنْ عَلِمَ أنَّه يُقتلُ. وفيه: المسارعةُ إلى الشَّهادةِ. وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إرسالَ العيونِ والطَّلائعِ. وفيه: كتمانُ الأحوالِ وترْكُ الإشاعةِ لِلأمورِ. وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَواطنِ الحربِ أنْ يَحَّض النَّاسَ بِتحسينِ الصِّفاتِ لِلجنَّةِ. وفيه: أنَّ زادَ القومِ كان يسيرًا. وفيه: فضْلُ عُمَيْرِ بنِ الحُمَامِ رضِي اللهُ عنه. الدرر السنية . قال ابن القيم – رحمه الله - : وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول :إن في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها : لا يدخل جنة الآخرة . وقال لي مرة :ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري ، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني ، إن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة. " الوابل الصيب " ص 67 .انتهى. هنا "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً"الأحزاب23. الدروس من غزوة أحد التي وقعت بين المسلمين والمشركين لا تنقضي لمن تأملها، كيف لا وهي دروس قدرها الله -جل وعلا- لتكون نبراسًا يستضيء به الناس بعد ذلك الزمان، وهذه من النعم الله التي منّ بها علينا أن جعل لنا سلفًا نسير على خطاهم ونقتفي آثارهم. ومن المواقف: ما حصل من قول ابن مسعود، فإنه قال: "لم أكن أرى فينا أحدًا يريد الدنيا يوم أحد حتى أنزل الله: "مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ".وبهذا يتبين للمرء أن إخلاص النية أمر شاق يحتاج إلى جهاد واستحضار جديد لكل عمل، فإذا كان اللهُ بيّن لنا أن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أراد بعمله الدنيا وهو الغنيمة وهم في المعركة التي تستدعي إخلاص النية أكثر لأنه مقبل على الموت، فما بالك بمن يكون في الأمن والسلامة. قال سفيان الثوري"جاهدت نيتي عشرين سنة فما استقامت لي". ومن المواقف التي تُستفاد أن المرءَ قد يفوتُهُ الخيرَ في بعضِ الأحيان، فعليه أن يتهيأَ للفرصةِ القادمةِ ويُعِدُّ لها النيةَ الصالحةَ الصادقةَ كما فعلَ أنسُ بنُ النَّضْرِ، غاب عِمِّي أنسُ بنُ النضرِ عن قتالِ بدرٍ ، فقال : يا رسولَ اللهِ ، غبتُ عن أولِ قتالٍ قاتلتَ المشركينَ ، لئن اللهُ أشهدني قتالَ المشركينَ ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنعُ . فلما كان يومَ أُحُدٍ ، وانكشفَ المسلمونَ ، قال : اللهمَّ إني أعتذرُ إليكَ مما صنع هؤلاءِ ، يعني أصحابَهُ ، وأبرأُ إليكَ مما صنعَ هؤلاءِ ، يعني المشركينَ . ثم تقدَّمَ فاستقبلَهُ سعدُ بنُ معاذٍ ، فقال : يا سعدُ بنَ معاذٍ الجنةُ وربِّ النضرِ ، إني أجدُ ريحها من دونِ أُحُدٍ ، قال سعدٌ : فما استطعتُ يا رسولَ اللهِ ما صنع ، قال أنسٌ : فوجدنا بهِ بضعًا وثمانينَ : ضربةً بالسيفِ أو طعنةً برمحٍ أو رميةً بسهمٍ ، ووجدناهُ قد قُتِلَ وقد مَثَّلَ به المشركونَ ، فما عرفَهُ أحدٌ إلا أختُهُ ببنانِهِ . قال أنسٌ : كنا نرى ، أو نظنُّ : أنَّ هذهِ الآيةَ نزلت فيهِ وفي أشباهِهِ " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوْا مَا عَاهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ". إلى آخرِ الآيةِ . وقال : إنَّ أختَهُ ، وهي تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ ، كَسرتْ ثنيَّةَ امرأةٍ فأمرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالقِصَاصِ ، فقال أنسٌ : يا رسولَ اللهِ ، والذي بعثكَ بالحقِّ ، لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتَهَا ، فرَضُوا بالأرْشِ وتركوا القِصَاصَ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ "إنَّ من عبادِ اللهِ من لو أقسمَ على اللهِ لأبَرَّهُ " .الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2805 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح- الدرر . شرح الحديث كان أنسُ بنُ النَّضْرِ رضِي اللهُ عنه مِمَّنْ قال الله فيهم"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ"الأحزاب: 23، فكان رضِي اللهُ عنه صادِقَ العَهدِ مع اللهِ تعالى، وقد غابَ رضِي اللهُ عنه عَن غَزوةِ بدرٍ، فجاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال له: يا رَسولَ اللهِ، غِبْتُ عَن أوَّلِ قِتالٍ قاتلْتَ المشركينَ، لَئِنِ اللهُ أَشهدَني قِتالَ المشركينَ لَيَرَيَّن اللهُ ما أصنَعُ، فلمَّا كان يومُ أُحدٍ، وانكشفَ المسلِمونَ، أي: انكشفوا لِعدُوِّهم وبدَتْ هزيمتُهم، قال: اللَّهمُّ إنِّي أعتذِرُ إليك ممَّا صَنعَ هؤلاء، يعني: أصحابَه مِن تركْهِم لِأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونزولِهم مِن على الجبلِ لِجمعِ الغنائمِ، وأبرأُ إليك ممَّا صَنعَ هؤلاء، يعني: المشركينَ مِن قتالِهم لِأهلِ الإسلامِ وإيذاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ تَقدَّمَ فاستقبلَه سعدُ بنُ معاذٍ رضِي اللهُ عنه، فقال: يا سعدُ بنَ معاذٍ الجنَّةُ، وربِّ النَّضْرِ، إنِّي أجدُ رِيحها مِن دُونِ أُحدٍ، أي:أجدُ رِيحَ الجنَّةِ وطِيبَها عندَ جبلِ أُحدٍ، قال سعدٌ رضِي اللهُ عنه: فما استطعْتُ يا رسولَ اللهِ ما صنعَ، يعني: لا أستطيعُ أنْ أفعلَ مثلَ فِعلِه مِن إقدامِه وقتالِه لِلمشركينَ، قال أنسُ بنُ مالكٍ رضِي اللهُ عنه وكانَ أنسُ بنُ النَّضرِ رضِي اللهُ عنه عمَّه: فوَجدْنا به بِضعًا وثمانين ضربةً بِالسَّيفِ أو طعنةً بِرمحٍ أو رميةً بسهمٍ، ووجدْناه قد قُتِلَ وقد مَثَّلَ به المشرِكونَ، أي: قَطَعوا مِن أعضائِه بعد موتِه، فما عرَفَه أَحدٌ إلَّا أُختُه بِبنانِه، يعني: عَرفَتْه بِطرفِ إصبَعِه، قال أنسٌ رضِي اللهُ عنه: كنَّا نَرى، أو نَظنُّ: أنَّ هذه الآيةَ نزلَتْ فيه وفي أشباهِه"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ"، وقال: إنَّ أُختَه، وهي تُسمَّى الرُّبَيِّع، كَسرتْ ثَنيَّةَ امرأةٍ، والثَّنيِّةُ هي الأسنانُ الأماميَّةُ، فأمرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالقِصاصِ، أي: بِكَسْرِ سِنِّها مثلَ ما كسرَتْ سِنَّ المرأةِ، فقالَ أنسٌ رضِي اللهُ عنه: يا رسولَ الله، والَّذي بَعثَك بِالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنيَّتُها، فَرَضوا بِالأرْشِ وتَركوا القِصاصَ، والأَرْشُ: هو العِوَضُ الماليُّ عَنِ الجنايةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسمَ على اللهِ لَأبرَّهُ»، أي: لم يَلزَمْه كفَّارةُ يمينٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالى سوف يَبَرُّ قَسَمَه؛ وذلك لِمكانتِه عندَ اللهِ.الدرر . |
#18
|
||||
|
||||
المجلس الثامن عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم طلحةُ بنُ عبيدِ اللَّهِ فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ تابع صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم طلحةُ بنُ عبيدِ اللَّهِ شرح الحديث: بعدَ غزوةِ بدرٍ الكبرى وهزيمةِ قُريشٍ هزيمةً ساحقةً، لم يَكُنْ شُغلُ قُريشٍ الشَّاغلُ إلَّا الأخْذَ بالثَّأرِ مِن المسلِمين، ثم أتَتْ قُريشٌ بعد سنَةٍ كاملةٍ تُعِدُّ خَيلَها ورَجِلَها لِحَربِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكان ذلك في غَزوةِ أحُدٍ، وكانتْ هذِه الغزوةُ مِن أشدِّ الغَزواتِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى المسلمين، وفيها قُتِلَ سَبعون رجُلًا من خيار المسلمين، منهم أسدُ اللهِ وأسدُ رسولِه حمزةُ بنُ عبدِ المُطلَّبِ، وكُسِرتْ رَباعِيَةُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم وكادَ أن يَنالَ منه المُشرِكون، وثبَت معه ثُلَّةٌ من الصَّحابةِ يُدافِعونَ عنه. وفي هذا الحَديثِ يَحكي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنهما: أنَّه "لَمَّا كان يومُ أحُدٍ"، أي: في غَزوةِ أُحدٍ- وهو جَبلٌ مَشهورٌ بالمدينةِ- وكانتْ تلك الغَزوةُ سَنةَ ثَلاثٍ مِن الهِجرةِ في شوَّالٍ، يومَ السَّبتِ لإحْدى عشْرةَ ليلةً خلَتْ مِنه، "وولَّى النَّاسُ"، أي: ولَّوْا ظُهورَهم وفَرُّوا مُنهَزِمين، "كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في ناحيةٍ"، أي: في جِهةٍ مِن مكانِ الغَزوةِ، وهُو يَصعَدُ جبَلَ أحُدٍ؛ لِيَحتميَ به مِن المشرِكين، "في اثنَيْ عشَرَ رجُلًا من الأنصارِ"، أي: معَه اثنا عشَرَ رجُلًا مِن الأوسِ أو الخزرَجِ أو مِنهُما، "وفيهم طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ" أي: هو واحِدٌ مِنهُم بدليلِ قولِه في آخِرِ الحديثِ: "فَقَاتَلَ قِتَالَ الْأَحَد عَشَر"، وطلحةُ هو ابنُ عُثمانَ بنِ عَمرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ القُرشيُّ، وهو الثَّاني عَشَرَ لكنَّه مِن المهاجِرين، وعَدَّ الكلَّ أنصاريًّا تَغلِيبًا، "فأدرَكَهم المشرِكون"، أي: لَحِق المشركون بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ومَن معَه مِن أصحابِه الاثنَي عشَرَ، "فالْتفَتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: نظَر إلى أصحابِه، "وقال: مَن للقومِ؟"، أي: مَن يَدفَعُ عنَّا القومَ، ويُقاتِلُهم لأجلِنا؟ فقال طَلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ: "أنا"، أي: أنا أقومُ أدفَعُهم عنكم وأُقاتِلُهم، "قال رسولُ اللهِ: كما أنتَ"، أي: لا تَقُمْ إليهم، وابقَ مكانَك، "فقال رجلٌ مِن الأنصارِ"، مِن الأحَدَ عشَرَ الآخَرينَ، ولم يُذكَرِ اسمُه: "أنا يا رَسولَ اللهِ"، أقومُ إليهم أقاتِلُهم وأدفَعُهم عنكم، "فقال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهذا الرَّجُلِ، "أنت فقاتِلْ"، أي: قاتِلِ المشرِكين وادفَعْهم عنَّا، فذهَب، فقاتَل المشرِكين، "حتَّى قُتِل" بصِيغةِ المجهولِ، أي: قتَله المشرِكون شَهيدًا رَضِي اللهُ عَنه، "ثمَّ الْتفَت"، أي: نظَر رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فإذا المشرِكون"، أي: لا يَزالون يُريدون أن يَلحَقوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ومَن معَه مِن أصحابِه، "فقال"، أي: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن للقومِ؟"، أي: مَن يَدفَعُ عنَّا القومَ ويُقاتِلُهم لأجلِنا؟ "فقال طلحةُ: أنا"، أي: أنا أقومُ أدفَعُهم عنَّا وأقاتِلُهم، "قال"، أي: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "كما أنتَ"، أي: لا تَقُم إليهم وابْقَ مكانَك، "فقال رجلٌ مِن الأنصارِ ولم يُذكَرِ اسمُه: "أنا" يا رَسولَ اللهِ، أقومُ إليهم أُقاتِلُهم وأدفَعُهم عنكم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهذا الرَّجلِ: "أنتَ فقاتِلْ"، أي: قاتِلِ المشركين وادفَعْهم عنَّا، فذهَب فقاتَل المشرِكين "حتَّى قُتل" بصِيغةِ المجهولِ، أي: قتَله المشرِكون شَهيدًا رَضِي اللهُ عَنه، "ثمَّ لم يزَلْ" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "يقولُ ذلك"، أي: يقولُ: مَن للقومِ؟ ويَخرُجُ إلى المشرِكين رجُلٌ مِن الأنصارِ الأحَدَ عشَرَ "فيُقاتِلُ قِتالَ مَن قبلَه"، أي: يُقاتِلُ المشركين مثلَ قتالِ الَّذي قبلَه، "حتَّى يُقتَلَ" بصيغةِ المجهولِ، أي: يَقتُلَه المشركون، فقُتِل الأحَدَ عشَرَ أنصاريًّا كلُّهم، "حتَّى بقِيَ رسولُ اللهِ وطلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ"، آخِرُ الاثنَيْ عشَرَ رجلًا الَّذين كانوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الموقفِ، "فقال رسولُ اللهِ: مَن للقومِ؟"، أي: مَن يَدفَعُ عنَّا القومَ ويُقاتِلُهم لأجلِنا؟ "فقال طلحةُ: أنا"، أي: أنا أقومُ أدفعُهم عنك وأقاتِلُهم، فقام طلحةُ بعدَما أذِن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بقتالِهم، فقاتَل طلحةُ "قِتالَ الأحَدَ عَشَرَ"، أي: مِثلَ قُوَّةِ قِتالِهم جميعًا؛ وذلك لبَسالتِه وشِدَّةِ دِفاعِه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفدائِه بنَفْسِه، ورَدِّه للمُشركِين َوحْدَه بعدَ مَقتلِ الأحدَ عَشرَ رجُلًا الذين كانوا حولَ رسولِ اللهِ، "حتَّى ضُرِبَتْ يدُه فقُطِعَت أصابعُه"، أي: ضرَب المشرِكون يدَه بالسُّيوفِ فقطَعوا أصابِعَ يدِه لَمَّا ضرَبوها بالسُّيوفِ، فقال طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ عِندَما قُطِعَت أصابعُه: "حَسِّ" وهي كلمةٌ تُقالُ عندَ الألَمِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لطلحةَ عندما قال: حَسِّ، "لو قُلتَ" بدَلَ هذه الكلمةِ: "بسمِ اللهِ"، أي: أستعينُ باللهِ تعالى، وذكَرْتَ اسمَ اللهِ، "لرفَعَتْك الملائكةُ"، أي: في السَّماءِ، "والنَّاسُ يَنظُرون" إليك حتَّى تَلِجَ بك في جوِّ السَّماءِ! "ثمَّ ردَّ اللهُ المشركين"، أي: رجَعوا خائِبين وردَّ اللهُ كيدَهم، ولم يَصِلوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بضررٍ. وفي الحديثِ: فَضلُ طلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه. وفيه: الحَثُّ على الاستعانةِ باللهِ في كلِّ وقتٍ وكلِّ ضائقةٍ، حتَّى عندَ التَّوجُّعِ. وفيه: فَضلُ الأنصارِ رَضِي اللهُ عَنهم ودِفاعُهم عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم. وفيه: أنَّ اللهَ تعالى كافِي نبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم .الدرر. *كانَ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دِرعانِ يومَ أُحُدٍ ، فنَهضَ إلى الصَّخرةِ فلم يستطِعْ فأقعدَ طلحةَ تحتَهُ ، فصعِدَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عليهِ ، حتَّى استوى على الصَّخرةِ ، فقالَ : سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ "أوجبَ طلحَةُ" الراوي : الزبير بن العوام - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 1692 - خلاصة حكم المحدث : حسن-الدرر السنية . الشرح كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم يُحِبُّون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حُبًّا شديدًا، وكان يَظهَرُ ذلك جَليًّا في المعاركِ، حيثُ كانوا يَفْدونه بأنفُسِهم، ويَجعَلون أَجسادَهم دُروعًا يَحْمون بها النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم. وفي هذا الحديثِ يَحكي الزُّبيرُ بنُ العوَّامِ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه "كان على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَومَ أحُدٍ"، أي: في غَزوةِ أُحُدٍ، "دِرْعانِ"، مُثنَّى دِرْعٍ، وهو لِباسٌ مِن حَديدٍ يُوضَعُ على الصَّدرِ والظَّهرِ؛ للوِقايةِ مِن ضرَباتِ السُّيوفِ والسِّهامِ والرِّماحِ، "فنهَض إلى صَخرةٍ فلم يَستَطِعْ"، أي: فأراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَصعَدَ على صَخرةٍ لِيُتابِعَ حرَكةَ المعركةِ، فلم يَقدِرْ على الصُّعودِ؛ لِثِقَلِ الدِّرْعَين اللَّذَين كان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَلْبَسُهما، "فأقعَد تحتَه طَلْحةَ"، أي: فجَعل طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ نفْسَه سُلَّمًا لِيَصعَدَ عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى تمَكَّن مِن الصُّعودِ على الصَّخرةِ، "فصَعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حتَّى استوى على الصَّخرةِ"، أي: بعدَما أعانَه طلحةُ بنَفسِه وجَعَل جَسَدَه سُلَّمًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: "فسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: فسَمِعَ الزُّبيرُ بنُ العوَّامِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "أوجَبَ طَلْحةُ"، أي: وجَبَت الجنَّةُ لِطَلحةَ؛ وذلك لأنَّ طَلْحةَ فدَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بنَفسِه وجعَل جسَدَه دِرعًا يَصُدُّ بها الضَّرباتِ الَّتي كانت مُوجَّهةً إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى طُعِن وجُرِح مُعظَمُ جسَدِه، ووصَلَت عَددُ الجِراحةِ فيه ما يَزيدُ على الثَّمانينَ ضَربةً، وشُلَّت يدُه رَضِي اللهُ عَنه الَّتي وقَى بها النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم. وفي الحديثِ: فَضلُ طَلْحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ ومُكافَأتِه الجنَّةَ؛ لِتَفديَتِه النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بنفسِه وجسَدِه.الدرر السنية . مواقف مشرقة لطلحة وبشرى له "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23) الأحزاب. من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى, وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وَفَّى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء, ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة, وما غيَّروا عهد الله, ولا نقضوه ولا بدَّلوه, كما غيَّر المنافقون.التفسير الميسر. -" أنَّ أَصحابَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالوا لأعرابيٍّ جاهلٍ : سَلهُ عمَّن قَضى نحبَهُ من هوَ؟ وَكانوا لا يجتَرئونَ على مسألتِهِ يوقِّرونَهُ ويَهابونَهُ ، فسألَهُ الأعرابيُّ فأعرَضَ عنهُ ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنهُ ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنهُ ، ثمَّ إنِّي اطَّلعتُ مِن بابِ المسجدِ وعليَّ ثيابٌ خضرٌ ، فَلمَّا رآني النبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ "أينَ السَّائلُ عمَّن قضى نحبَهُ ؟ قالَ الأعرابيُّ : أَنا يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ "هذا مِمَّن قضى نحبَهُ"الراوي : طلحة بن عبيدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3742 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح. - الدرر . "هذا مِمَّن قضى نحبَهُ"أي بذَلَ نفسَهُ في سبيلِ اللهِ، حتى لم يبقَ بينَهُ وبينَ الهلاكِ شيءٌ، فهو كمَن قُتِلَ وإنْ كانَ حيًّا.الألوكة . "دخلتُ على طلحةَ – تعني ابنَ عُبَيدِ اللهِ - ، فرأيتُ منه ثِقَلًا ، فقلتُ له : مالَك ؟ ! لعلك رابَك منا شيءٌ فنَعتِبُك ؟ قال : لا ، ولَنعْمَ حليلةُ المرءِ المسلمِ أنت ، ولكن اجتمعَ عندي مالٌ ، ولا أدري كيف أصنعُ به ؟ قالت : وما يَغُمُّك منه ؟ ادْعُ قومَك ، فاقسِمْه بينهم . فقال : يا غلامُ ! عليَّ بقومي . فسألتُ الخازنَ : كم قَسم ؟ قال : أربعمئةِ ألفٍ" الراوي : سعدى المرية - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب-الصفحة أو الرقم: 925 - خلاصة حكم المحدث : حسن موقوف-الدرر . وكان قتلُهُ -في موقعةِ الجَمَلِ- سنة ست وثلاثين من الهجرة في جمادى الآخرة، وله أربع وستون سنة.الألوكة فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ -مَنْ ينطلِقُ بصحيفَتِي هذِهِ إلى قَيْصَرَ ولَهُ الجنةُ ؟ فقالَ رجلٌ : وإِنْ لم يَقْبَلْ ؟ قال : وإِنْ لم يقبلْ ! فأخذ دَِحْيَةُ الكتابَ وسافَرَ بِهِ إلى أرضِ الرومِ ، فوافَقَ هِرَقْلَ وهو مقبِلٌ على بيتِ المقدِسِ يزورُهُ عَقِبَ انتصارِهِ على الفُرْسِ قرْبَى إلى اللهِ . وتناوَلَ قيصرُ الكتابَ فقرأَ فيهِ :بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ . مِنْ محمدٍ رسولِ اللهِ إلى هِرَقْلَ عظيمِ الرُّومِ ، سلامٌ علَى مَنِ اتبعَ الهدَى ، أمَّا بعدُ : فإِنَّي أدعوكَ بدعايَةِ الإسلامِ ، أسلِمْ تَسْلَمْ ، يؤتِكَ اللهُ أجرَكَ مرتَيْنِ ، فإِنْ توليتَ فإِنَّ عليكَ إثمُ الأكَّارينَ – الفلاحينَ - .و يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللهَ ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ ، فإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا : اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : فقه السيرة الصفحة أو الرقم: 355 | خلاصة حكم المحدث : صحيح من قوله وتناول قيصر إلى هنا أخرجه البخاري ومسلم-الدرر . قال الإمام مسلم في صحيحه 1773 حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ قَالَ ابْنُ رَافِعٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ-قالا -أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيهِ قَالَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ يَعْنِي عَظِيمَ الرُّومِ قَالَ وَكَانَ دَِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالُوانَعَمْ قَالَ فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟، قُلْتُ لَا، قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ قُلْتُ لَا ،قَالَ وَمَنْ يَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟قَالَ قُلْتُ لَا بَلْ يَزِيدُونَ ،قَالَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ قُلْتُ لَا.قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ نَعَمْ.قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ قُلْتُ تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ.قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا.قَالَ فَوَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ.قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ ؟قَالَ قُلْتُ لَا.قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ فَقُلْتَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهُ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَدْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمْ الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قَالَ إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغْطُ وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ قَالَ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ . صحيح مسلم بَاب كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.شرح النووي على مسلم الشرح " هِرَقْلَ"وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ ، وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ يُقَالُ لَهُ : قَيْصَرُ . قَوْلُهُ "عَنْ أَبِي سُفْيَانَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يَعْنِي الصُّلْحَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ" عَظِيمُ بُصْرَى" وَالْمُرَادُ بِعَظِيمِ بُصْرَى أَمِيرُهَا . قَوْلُهُ" وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي" قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ أَهْوَنَ فِي تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ ، لِأَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِالْكَذِبِ فِي وَجْهِهِ صَعْبَةٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ قَوْلُهُ " وَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ" هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ " لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ" وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى ، وَمَعْنَاهُ :لَتَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَارْتَكَبْتُ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ أُقْتَطَعَ دُونَهُوَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذَا ; لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ صِدْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا شَحَّ فِي الْمُلْكِ ، وَرَغِبَ فِي الرِّيَاسَةِ ، فَآثَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ هِدَايَتَهُ لَوَفَّقَهُ كَمَا وَفَّقَ النَّجَاشِيَّ وَمَا زَالَتْ عَنْهُ الرِّيَاسَةُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَوْفِيقَهُ . وْلُهُ "لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ" أَمَّاأَمِرَ أَيْ عَظُمَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ "ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ " فَقِيلَ : ........... وَقِيلَ :إِنَّ أَبَا كَبْشَةَ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ ، قَوْلُهُ " إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ" بَنُو الْأَصْفَرِ هُمُ الرُّومُ |
#19
|
||||
|
||||
المجلس التاسع عشر الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع :فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ تابع :فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ النجاشي ملك الحبشة رضي الله عنه قال في "الإصابة في تمييز الصحابة": أصحمة بن أبحر النجاشي ملك الحبشة، واسمه بالعربية عطية ، والنجاشي لقب له، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه، وكان ردءا للمسلمين، نافعا، وقصته مشهورة في المغازي، في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الإسلام، وأخرج أصحاب الصحيح قصة صلاته صلى الله عليه وسلم (عليه) صلاة الغائب من طرق. (1/205). هنا . النجاشي وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ مَلِكُ الْحَبَشَةِ . مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَلَمْ يُهَاجِرْ ، وَلَا لَهُ رُؤْيَةٌ ، فَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ وَجْهٍ ، صَاحِبٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْغَائِبِ [ ص: 429 ] وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَائِبٍ سِوَاهُ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَاتَ بَيْنَ قَوْمٍ نَصَارَى ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَانُوا مُهَاجِرِينَ عِنْدَهُ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ مُهَاجِرِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَامَ خَيْبَرَ .سير أعلام النبلاء لما تولى النجاشي الملك.. وبعد سنوات من حكمه، انتشر عدله، وذهبت سيرته الطيبة إلى كل مكان، وسمع بذلك المسلمون في مكة، فهاجروا إليه فرارًا بدينهم من أذى المشركين واضطهادهم.. لكن الكفار لم يتركوهم يهنئون في دار العدل والأمان، فأرسلوا إلى النجاشي عمرو بن العاص، وهو داهية العرب، وعبد الله بن أبي ربيعة بالهدايا العظيمة حتى يسلمهما المسلمين الذين جاءوا يحتمون به، ودخل عمرو، وعبد الله، وقدَّما الهدايا إلى النجاشي، وطلبا منه أن يسلمهما المسلمين، فرفض النجاشي ذلك إلا بعد أن يسمع الطرف الآخر. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فَدَعَاهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ ، اجْتَمَعُوا ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا كَانَ . فَلَمَّا جَاءُوهُ ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ : مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ ؟ قَالَتْ : وَكَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّا كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ; نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ . فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ . فَعَدَّدَ لَهُ أُمُورَ الْإِسْلَامِ - فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا - ص: 433- نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ فَقَالَ : هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ . انْطَلِقَا ، فَوَاللَّهِ لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا وَلَا أَكَادُ . سير أعلام النبلاء ثم رد عليهما الهدايا. وعاش المؤمنون في أمان على أرض الحبشة وحفظ لهم النجاشي حقهم. وأسلم النجاشي وشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فعن أبي موسى الأشعري: "أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ أن ننطلقَ معَ جعفرَ بنَ أبي طالبٍ إلى أرضِ النَّجاشيِّ ، قالَ فبلغَ ذلِكَ قومَنا فبعثوا عَمرَو بنَ العاصِ وعمارةَ بنَ الوليدِ وجمَعوا للنَّجاشيِّ هديةً ، فقَدِمنا وقَدِما علَى النَّجاشيِّ ، فأتَوهُ بِهَديَّتِهِ فقبِلَها وسجدوا ثمَّ قالَ لَهُ عَمرُو بنُ العاصِ: إنَّ قومًا منَّا رغِبوا عن دينِنا وَهُم في أرضِكَ . فقالَ لَهُمُ النَّجاشيُّ : في أرضي ؟ قالوا : نعم . فبعثَ إلينا فقالَ لَنا جعفرٌ: لا يتَكَلَّمُ منكُم أحدٌ أَنا خطيبُكُمُ اليومَ . قال فانتَهَينا إلى النَّجاشيِّ وَهوَ جالسٌ في مَجلسِهِ وعَمرُو بنُ العاصِ عن يمينِهِ وعمارةُ عن يسارِه ، والقسِّيسونَ والرُّهبانُ جلوسٌ سماطينِ ، وقد قال لهُ عمرو بنُ العاصِ وعمارةُ : إنَّهم لا يسجدونَ لَكَ. قال فلمَّا انتَهَينا زَبَرَنا قالَ مَن عندَهُ منَ القسِّيسينَ والرُّهبانُ : اسجدوا للملِكِ . فقالَ جعفرٌ: لا نسجدُ إلَّا للَّهِ فلمَّا انتَهَينا إلى النَّجاشيِّ قالَ : ما يمنعُكَ أن تسجُدَ ؟ قالَ : لا نسجُدَ إلَّا للَّهِ قالَ لَهُ النَّجاشيُّ : وما ذاكَ ؟ قالَ :إنَّ اللَّهَ بعثَ فينا رسولَهُ ، وَهوَ الرسولُ الَّذي بَشرَ بهِ عيسَى ابنُ مريمَ برسولٍ يأتي من بعدي اسمُهُ أحمدُ فأمرَنا أن نعبدَ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شيئًا ، ونقيمَ الصَّلاةَ ، ونُؤْتيَ الزَّكاةَ ، وأمرَنا بالمعروفِ ، ونَهانا عنِ المنكرِ. قالَ : فأعجبَ النَّجاشيَّ قولُهُ ، فلمَّا رأى ذلِكَ عَمرو بنُ العاصِ قال : أصلحَ اللَّهُ الملِكَ ، إنَّهم يخالفونَ في ابنِ مريمَ . فقالَ النَّجاشيُّ لجعفرٍ : ما يقولُ صاحبُكَ في ابنِ مريمَ ؟ قالَ :يقولُ فيهِ قَولَ اللَّهِ هوَ روحُ اللَّهِ وَكَلمتُهُ أخرجَهُ منَ البتولِ العذراءِ الَّتي لم يَقربَها بشرٌ قالَ : فتَناولَ النَّجاشيُّ عودًا منَ الأرضِ ، فقالَ : يا معشرَ القسِّيسينَ والرُّهبانَ ، ما يزيدُ ما يقولُ هؤلاءُ علَى ما تقولونَ في ابنِ مريمَ ما يزنُ هذِهِ ، مرحبًا بِكُم وبمَن جئتُمْ من عندِهِ ، فأَنا أشهدُ أنَّهُ رسولُ اللَّهِ والَّذي بشرَ بهِ عيسَى ابنُ مريمَ ، لَولا ما أَنا فيهِ منَ المُلكِ لأتَيتُهُ حتَّى أحملَ نعلَيهِ ، امكثوا في أرضي ما شئتُمْ وأمرَ لَنا بطعامٍ وَكِسوةٍ ، وقالَ : ردُّوا علَى هذَينِ هديَّتَهما . ....." الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : الوادعي | المصدر : صحيح دلائل النبوة-الصفحة أو الرقم: 104 | خلاصة حكم المحدث : صحيح . ورجاله رجال الشيخين الدرر السنية . "لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي آمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم . قالت : فخرج فقدم على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، ثم قالا لكل بطريق منهم : إنه قد صبأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليه فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهما : نعم ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له : أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه . قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم . فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك ، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليه فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . قال : فغضب النجاشي ثم قال : لا ها الله ايم الله إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم . فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم . وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني . قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول له والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم كائن في ذلك ما هو كائن فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له : أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ، و أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . قال : فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله . وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قالت : فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قالت : فقال له جعفر : نعم . فقال له النجاشي : فاقرأ علي . فقرأ عليه صدرا من كهيعص . قالت : فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم . ثم قال النجاشي : إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد . قالت أم سلمة : فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص والله لأنبئنهم غدا عيبهم عندهم ثم أستأصل به خضراءهم قالت فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا : لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا . قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد . قالت : ثم غدا عليه الغد . فقال له : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه . قالت : فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت : ولم ينزل بنا مثله ، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض : ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه ؟ قالوا : نقول والله فيه ما قال الله ، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن . فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقولون في عيسى بن مريم ؟ فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاء به نبينا . هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول . قالت : فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال : ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود . فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم والله ! اذهبوا فأنتم سيوم بأرض –والسيوم الآمنون - من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم . فما أحب أن لي دبرا ذهبا وأني آذيت رجلا منكم – والدبر بلسان الحبشة الجعل – ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه . قالت : فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار . قالت : فوالله إنا على ذلك إذ نزل به يعني من ينازعه في ملكه . قالت : فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه . قالت وسار النجاشي وبينهما عرض النيل . قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر . قالت فقال الزبير بن العوام أنا . قالت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم . قالت ودعونا الله – للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده . واستوسق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بمكة"الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية | المحدث : الوادعي | المصدر : صحيح دلائل النبوة-الصفحة أو الرقم: 96 | خلاصة حكم المحدث : حسن - الدرر السنية . * - بلغَنَا مخْرَجُ النبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ ونحنُ باليمنِ ، فخرجنا إليهِ أنا وأَخَوانِ لي أنا أصغَرُهُم ، أحدُهُما أبو بُرْدَةَ والآخرُ أبو رُهْمٍ ، إما قال : في بضعِ ، وإما قال : في ثلاثةِ وخمسينَ ، أو : اثْنَينِ وخمسينَ رجلاً في قومي ، فركِبْنا سفينةً ، فألْقَتنا سفينَتُنا إلى النجاشيِّ بالحبَشةِ ، فوافَقنا جعفرَ بنَ أبي طالبٍ ، فأقَمنا معه حتى قدِمنا جميعًا ، فوافَقنا النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ حين افتَتَحَ خيبرَ ، وكان أناسٌ مِنَ الناسِ يقولون لنا يعني لأهلِ السفينةِ : سبَقناكم بالهِجرةِ . ودَخلت أسماءُ بنتُ عُميسٍ ، وهي مِمن قدِم معنا ، على حفصةَ زوجِ النبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ زائرةً ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشيِّ فِيمَن هاجرَ ، فدخل عمرُ على حفصةَ وأسماءُ عِندَها ، فقال عمرُ حين رأى أسماءَ : مَن هذه ؟ قالت : أسماء ُبنتُ عُمَيسٍ ، قال عمرُ : آلحبشيةُ هذه ، آلبحريةُ هذه ؟ قالت أسماء ُ: نعم ، قال : سبَقناكم بالهجرةِ ، فنحن أحقُّ برسولِ اللهِ منكم ، فغضبتْ وقالت : كلاَّ واللهِ ، كنتم مع رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ يُطعمُ جائِعكُم ، ويَعظُ جاهِلَكُم ، وكنا في دارِ - أو في أرضِ - البُعَداءِ البُغَضاءِ بالحبشةِ ، وذلك في اللهِ ورسولهِ _صلى الله عليه وسلم_ ، وايمُ اللهِ لا أطْعَمُ طعامًا ولا أشربُ شرابًا ، حتى أذكرَ ما قلتُ لرسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ ونحن كنا نُؤذى ونخافُ ، وسأذكرُ ذلك للنبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ وأسألُه واللهِ ولا أكذبُ ولا أزيغُ ولا أزيدُ عليه . فلما جاء النبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ قالت : يا نبيَّ اللهِ إن عمرَ قال كذا وكذا ؟ قال : ( فما قُلتِ له . قالت : قلتُ له كذا وكذا ، قال : ( ليس بأحقَّ بي منكم ، وله ولأصحابهِ هجرةٌ واحدةُ ، ولكم أنتم - أهلَ السفينةِ - هجرتان ) . قالت : فلقد رأيتُ أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالا ، يسألونني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو بردة : قالت أسماء : رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني . الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4230 - خلاصة حكم المحدث :صحيح- الدرر. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال: مرحباً بصديقي ، أهديت إلي من بلادك شيئاً؟ قال: قلت : نعم أيها الملك ، قد أهديت لك أُدُماً كثيراً. قال: ثم قدمته إليه ، فأعجبه واشتهاه . ثم قلت: أيها الملك ، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطنيه لأقتله ، فإنه قد أصاب من أشرافنا وأعزتنا . قال: فغضب ، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره ، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها خوفا منه ثم قلت له: أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟! قال: قلت: أيها الملك ، أكذاك هو ؟ قال: ويحك يا عمرو ، أطعني واتبعه ، فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرن على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده . قال: قلت: أتبايعني له على الإسلام ؟ قال: نعم . فبسط يده ، فبايعته على الإسلام. ثم خرجت على أصحابي ، وقد حال رأيي عما كان عليه ، فكتمت أصحابي إسلامي. ثم خرجت عامدًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلامي ، فلقيت خالد بن الوليد ، وذلك قبيل الفتح ، وهو مقبل من مكة ، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام المنسم ، وان الرجل لنبي ، أذهب والله أُسْلِمُ فحتى متى؟ قال: قلت: فأنا والله ما جئت إلا للإسلام . قال: فقدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبابع ، ثم دنوت ، فقلت: يا رسول الله ، إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولا أذكر ما تأخر . قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عمرو ، بايع ، فان الإسلام يجب ما كان قبله ، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها. قال: فبايعت ، ثم انصرفت. ملتقى أهل الحديث |
#20
|
||||
|
||||
المجلس العشرون الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة تابع :فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وموته نعيش لحظات مؤثرة وعبر جمة مع عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت ،ثبتنا الله وإياكم على الحق وقد وردت قصة عجيبة في إسلامه اشتملت على فضيلة له وللنجاشي واشتملت على تاريخ إسلامه وإسلام خالد بن الوليد -رضي الله عنه- . ومن اللطائف أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- هو الصحابي الذي أسلم على يد تابعي .-أو صحابي مخضرم- على خلاف-. أخي المسلم: اكتب بعلم أو اسكت بحلم ملتقى أهل الحديث عمرو بن العاص من الصحابة الأجلاء الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد: فإن عمرو بن العاص من الصحابة الأجلاء -رضي الله عنهم- الذين توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض ، ومن الذين صحت لهم الفضائل والمناقب العديدة.وقد وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاح وبالإيمان . - "ابنا العاص مؤمنانِ : هشامٌ و عَمرو" الراوي : أبو هريرة |المحدث : الألباني |المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم: 45 |خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر . - خُذْ عليكَ ثيابَكَ ، وسلاحَكَ ، ثمَّ ائتِني . فأتيتُهُ وَهوَ يتوضَّأُ فصعَّدَ فيَّ النَّظَرِ ، ثمَّ طَأطأَهُ فقالَ : إنِّي أريدُ أن أَبعثَكَ على جَيشٍ فيسلِّمُكَ اللَّهُ ويغنِّمُكَ ، وأرغَبُ لَكَ منَ المالِ رَغبةً صالِحةً قال قُلتُ يا رسولَ اللَّهِ ، ما أسلَمتُ من أجلِ المالِ ، ولَكِنِّي أسلَمتُ رغبةً في الإسلامِ ، وأن أَكونَ معَ رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - . فقالَ :يا عَمرو ، نِعمَ المالِ الصَّالحِ للمرءِ الصَّالحِ.الراوي : عمرو بن العاص|المحدث : الوادعي|المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم: 1009 |خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر . وكانت له الجهود العظيمة في حروب الردة وفي الفتوحات الإسلامية وكان من كبار القواد في عهدي عمر وعثمان -رضي الله عنهما- . وهو فاتح مصر وغيرها من الأماكن . عمرو بن العاص في سياقة الموت حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ -وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى - قال: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ- يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ - قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، قَالَ :حَدَّثَنِي يَزِيدُ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ، قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ :يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا . قَالَ :فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ: "مَا لَكَ يَا عَمْرُو" قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ:" تَشْتَرِطُ بِمَاذَا"؟. قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ : " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي" صحيح مسلم / 1-كتاب الإيمان /54- باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج / حديث رقم :192-(121) / ص: 39 شرح الحديث بكَى عمرُو بنُ العاصِ رضي الله عنه طويلًا حين حضَره الموتُ، وحوَّل وجهَه إلى الجِدارِ، فجعَل ابنُه يقولُ: يا أبتاه، أمَا بشَّرك رسولُ الله بكذا؟ كناية عنِ المُبشَّرِ هو به، فأقبَل بوجهِه فقال: إنَّ أفضلَ ما نعُدُّ، أي: نتَّخِذُه ذُخرًا أو عُدَّةً للمَعادِ: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ. إنِّي كنتُ على أطباقٍ ثلاثٍ، أي: أحوالٍ ثلاثٍ، لقد رأيتُني وما أحدٌ أشدَّ بُغضًا لرسولِ اللهِ منِّي، ولا أَحبَّ إليَّ أنْ أكونَ قد استمكنتُ، أي: تمكَّنتُ منه فقتلتُه، فلو متُّ على تلك الحالِ لكنتُ مِن أهلِ النَّارِ، أي: مِن أصحابِها المُخلَّدينَ فيها أبدًا. فلمَّا جعَل اللهُ الإسلامَ، أي: حبَّه، في قلبي، أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذلك بعدَ الحُديبيَةِ، فقلتُ: ابسُطْ يمينَك فلِأُبايِعَكَ، أي: على اتِّباعِه ونُصرةِ الإسلامِ، فبسَط يمينَه، فقبضتُ يدي، أي: يميني؛ لأنَّها الَّتي يُبايعُ بها، فقال: ما لكَ يا عمرُو؟ قلتُ: أرَدْتُ أنْ أشترطَ، قال: تشترطُ بماذا؟ قلتُ: أن يُغفَرَ لي، قال: أمَا علِمْتَ أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قبْلَه، أي: مِن سائرِ الذُّنوبِ الَّتي أعظَمُها الكفرُ، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلها، أي: ممَّا يحدُثُ بين الإسلامِ وبينَها، وأنَّ الحجَّ يهدِمُ ما كان قبْلَه. وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ مِن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الإيمانَ لا يتمُّ إلَّا بذلك، ولا أجَلَّ، أي: أعظَمَ في عينيَّ منه، وما كنتُ أُطيقُ أنْ أملأَ عينيَّ منه؛ إجلالًا له، أي: ما كنتُ أُحدِّقُ فيه؛ تَعظيمًا لقَدْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو سُئِلتُ أنْ أصِفَه، أي: أذكُرَ صفةَ خَلقِه، ما أطَقْتُ ذلك؛ لأنَّه لا يكونُ إلَّا عن إمعانِ نظَرٍ مِن الواصفِ للَّذي يُريدُ وصْفَه؛ لأنِّي لم أكُنْ أملأُ عينيَّ منه، ولو متُّ على تلك الحالةِ العظيمةِ الشَّأنِ لرجوتُ أن أكونَ مِن أهلِ الجنَّة. ثمَّ وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، وهذا منه مزيدُ تواضُعٍ لمولاه، وإلَّا فهو مِن علماءِ الصَّحابةِ، والصَّحابةُ كلُّهم عُدولٌ، فإذا أنا متُّ فلا تصحَبْني نائحةٌ، وهي الرَّافعةُ للصَّوتِ بالبُكاءِ مع تَعدادِ الأوصافِ، ولا نارٌ؛ قيل: ذلك للتَّفاؤلِ بالنَّجاةِ منها وكراهةً لصُحبتِها للميِّتِ، وقيل: لأنَّ هذا كانَ مِن فِعل الجاهليَّةِ، أو فُعِل على وجهِ الظُّهورِ والتَّعالِي؛ فمُنِع لذلك. ثم قال: فإذا دفَنْتموني فشُنُّوا علَيَّ التُّرابَ شنًّا، أي: فصُبُّوا علَيَّ التُّرابَ قليلًا قليلًا، ثمَّ أقيموا حولَ قبْري أي: امكثُوا عِندَ قدْرَ ما تُنحَرُ جَزُورٌ ويُقسَمُ لحمُها، "والجَزُورُ" المذبوحُ مِن الإبلِ خاصَّةً، وسواءٌ كان ذكرًا أم أنثى؛ كي أستأنِسَ بكم وأنظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ ربِّي، أي: سؤال الملَكينِ. في الحديثِ: إثباتُ سُؤالِ الملَكينِ في القَبْرِ. وفيه: المُكثُ عند القَبرِ بعد الدَّفنِ نحوَ ما ذكَر؛ لِما ذكَر. وفيه: صبُّ التُّرابِ في القبرِ؛ فإنَّه لا يُقعَدُ عليه. وفيه: عِظَمُ موقعِ الإسلامِ والهجرةِ والحجِّ، وأنَّ كلَّ واحدٍ منها يهدِمُ ما كان قبْلَه مِن المعاصي. وفيه: النَّهيُ عن النِّياحةِ أو اتِّباعِ الميِّتِ بنارٍ. وفيه: هيبةُ الصَّحابةِ وإجلالُهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وفيه: تنبيهُ المُحتَضَرِ على إحسانِ ظنِّه باللهِ سبحانه وتعالى، وذِكرُ آياتِ الرَّجاءِ وأحاديثِ العفوِ عنده، وتبشيرُه بما أعَدَّه اللهُ تعالى للمُسلِمينَ، وذِكرُ حسَنِ أعمالِه عنده؛ ليحسُنَ ظنُّه باللهِ تعالى ويموتَ عليه. وفيه: أنَّ المُؤمنَ لا تفارقُه خشيةُ اللهِ، ولو عَمِل مِن الصَّالحاتِ ما عمِل.هنا . أبو الدرداء الأولى : أم الدرداء الكبرى الصحابية رضي الله عنها . وهي خَيْرَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ بِنْتُ ... ، ماتت قبل أبي الدرداء، الثانية : أم الدرداء الصغرى التابعية . وهي هُجَيْمَةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الوَصَّابِيَّةُ، مات أبو الدرداء عنها، فلم تتزوّج بعده، وترجم لها المزّي في تهذيب الكمال (8569)، وذكر أنها كانت يتيمة في حِجر أبي الدرداء، ولها ترجمة مطوّلة في تاريخ دمشق، ونقل ابن عساكر عن التاريخ الأوسط للبخاري أنها حجّت سنة إحدى وثمانين وأنها كانت فقيهة، وذكر ابن حجر في تقريب التهذيب (8728) أنها ماتت سنة إحدى وثمانين . ولأبي الدرداء من أم الدرداء الكبرى الصحابية : - ابنه بلال، روى عن أبيه أحاديث، وكان قاضيًا، ترجم له المزِّي في تهذيب الكمال (768)، وهو أسنّ من أم الدرداء الصغرى، وتوفي سنة ثلاث وتسعين، وله عقب . - ابنته الدرداء، روت عن أبيها حديثًا مرفوعًا؛ أخرجه البزار (2198 – مختصر زوائده لابن حجر)، ولها ترجمة في تاريخ يحيى بن معين (3/124/ ت : أحمد نور سيف، وتوفّيت قبل أم الدرداء الصغرى، وذكر مسلم في صحيحه (2733) أن زوجها هو صفوان بن عبد الله بن صفوان ، وهو من الرواة عن أبي الدرداء .ملتقى أهل الحديث . -آخى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بين سلمانَ وأبي الدرداءِ، فزار سلمانُ أبا الدرداءِ، فرأى أمَّ الدرداءِ متبذِّلةً، فقال لها : ما شأنُكِ ؟ قالت : أَخُوكَ أبو الدرداءِ ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداءِ، فصنع له طعامًا، فقال : كُلْ فإني صائمٌ، قال : ما أنا بآكِلٍ حتى تأكلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداءِ يقومُ، فقال : نَمْ، فنام، ثم ذهب يقومُ، فقال : نَمْ، فلما كان آخِرُ الليلِ، قال سلمانُ : قُمِ الآنَ، قال : فصَلَّيَا، فقال له سلمانُ : إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فذكر ذلك له، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( صَدَق سلمانُ ) . أبو جُحَيْفَةَ وهبٌ السُّوائيُّ، يقال : وَهْبُ الخيرِ الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة |المحدث: البخاري | المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6139 | خلاصة حكم المحدث : صحيح| انظر شرح الحديث رقم 15224 -الدرر . - قَدِمْتُ الشامَ فصَلَّيْتُ ركعتين ، ثم قُلْتُ : اللهمَّ، يَسِّرْ لي جليسًا صالحًا ، فأَتَيْتُ قومًا فجَلَسْتُ إليهم ، فإذا شيخٌ قد جاء حتى جلَسَ إلى جنبي ، قلتُ : مَن هذا ؟ قالوا : أبو الدرداءِ . فقُلْتُ : إني دعوتُ اللهَ أن يُيَسِّرَ لي جليسًا صالحًا . فيَسَّرَكَ لي . قال : ممَن أنت ؟ قلتُ : مِن أهلِ الكوفةِ ، قال : أو ليس عندَكم ابنُ أمِّ عبدٍ ، صاحبُ النعلين والوِسادِ والمِطْهَرَةِ ، وفيكم الذي أجارَه اللهُ مِن الشيطانِ - يعني: على لسانِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم - أو ليس فيكم صاحبُ سرِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي لا يَعْلَمُه أحدٌ غيرُه ، ثم قال : كيف يقرأُ عبدُ اللهِ : والليل إذا يغشى . فقَرَأْتُ عليه : والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . والذكر والأنثى . قال : واللهِ لقد أَقَرَأَنِيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن فِيه إلى فِي . الراوي : أبو الدرداء | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 3742 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 15427 . الدرر . -أنَّ رجلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ: إنَّ لفُلانٍ نَخلةً ، وأَنا أقيمُ حائطي بِها ، فأمرهُ أن يُعْطيَني حتَّى أقيمَ حائطي بِها ، فقالَ لَهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ: أعطِها إيَّاهُ بنخلةٍ في الجنَّةِ فأبى ، فأتاهُ أبو الدَّحداحِ فقالَ: بِعني نخلتَكَ بحائطي. ففعلَ ، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، إنِّي قدِ ابتَعتُ النَّخلةَ بحائطي. قالَ: فاجعَلها لَهُ ، فقد أعطيتُكَها. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ: كَم مِن عذقٍ رَداحٍ لأبي الدَّحداحِ في الجنَّةِ قالَها مرارًا. قالَ: فأتى امرأتَهُ فقالَ: يا أمَّ الدَّحداحِ اخرُجي منَ الحائطِ ، فقد بعتُهُ بنخلةٍ في الجنَّةِ. فقالَت: ربحَ البيعُ. أو كلِمةً تشبِهُها . الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الوادعي | المصدر : الصحيح المسند الصفحة أو الرقم: 26| خلاصة حكم المحدث : صحيح .الدرر . لم يفكر أبو الدحداح في البستان وما يمثله له , وما يمثله هذا التبادل من خطأ تجاري فادح بمعيار أهل الدنيا , ولكن كل معايير أهل الدنيا تسقط بشراء نخلة في الجنة , فيساومه أبو الدحداح على بستانه كاملا بكل ما فيه من نخيل وثمار وبئر محفورة وبيت للسكنى وحائط يحفظه كل ذلك في مقابل هذه النخلة ويرجوه القبول , انه لا يريد النخلة فعنده من النخيل ما يكفيه وما يزيد عليها ناتجا وثمرا , هو يريد ما وراءها , وهنا تحقق لهما العقد وربحا سويا , ربح أحدهما حائطا كبيرا بنخيله وثماره , بينما ربح الآخر موضع قدم له في الجنة ليضمن دخوله فيها , فما أعظم ربح أبي الدحداح فما أعظم ربح أبي الدحداح الذي ردده النبي صلى الله عليه وسلم مرارا كم من عذق دواح لأبي الدحداح , كم من عذق دواح لأبي الدحداح - ونأتي للموقف الأكثر دلالة ورقيا , لحظة أن يدخل أبو الدحداح على أم الدحداح طالبا منها مفارقة بيتها وبستانها وأشجارها ونخيلها , فكانت على نفس المستوى الإيماني , لم تتردد ولم تناقشه ولم تخرج وهي ممتعضة من قراراه ولم تكن عونا لنفسه عليه , بل تقبلت البيع بفرح , وأعانته على تنفيذه وشجعته قائلة ربح البيع أو ربحت البيع , فكانت مثالا مغايرا لطبيعة نساء كثيرات , لكنها من نساء الصحابة اللاتي بعن ما يملكن إرضاء لله , فهانت عليهن كل الممتلكات الدنيوية , فحالها مثل حالهن جميعا يوم أن خرجن من حليهن لتجهيز جيش تبوك , وكحال من سألن النبي صلى الله عليه وسلم عن سبل الأجر لهن حيث اعتقدن أن الرجال قد ذهبوا بكل الأجر بالجمعة والجماعة والجهاد , لم يشغلن أنفسهم بتفاهات يسمونها اليوم بحقوق المرأة , فكن يعلمن أن الإسلام قد اجزل لهن العطاء وجعلهن مساوين للرجال تماما في التكليف والأجر مع اختصاصها ببعض التخفيف لطبيعتها التي خلقها الله عليها إنهن نساء الصحابة اللاتي شاركن في الجهات يسقين المقاتلين ويداوين الجرحى بل ويقاتلن أيضا إذا حمي الوطيس واشتد الكرب , فمنن من قتلت من يحوم حول حصنهن في الأحزاب ومنهن من قتلت تسعة بعامود خيمتها ومنهن من دافعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال في أعظم ملاحم المرأة في كل العصور لم يربح أبو الدحداح وحده , بل ربح آل الدحداح جميعا , فهنيئا لهم جميعًا , فكم أعد لهم من عذق دواح في الجنة . منقول بتصرف. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|