عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 06-14-2017, 01:15 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,252
Arrow

الفصل الرابع

شُبهات والجوابُ عليها

المتن
اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات، ادَّعَى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليُلْزِم أهلَ السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال:كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟
الشرح


هذا فصلٌ مهم. يعني بعض أهل التأويل قالوا لأهل السُنة: إنكم تُنكرون علينا التأويل.فقال أهلُ السُنةِ:نعم نُنكرعليكم هذا. لأنكم تُصرفون النصوص عن ظاهرها.فقال هذا المُؤوِّلُ:أنتم أيضًا صرفتم النصوص عن ظاهرها في عدة مواضع فيلزمكم أحدُ أمرين:
-إما أن توافقونا على ماأولناه فتؤولون جميع النصوص,
-وإماأن تُداهنوا وتسكتوا عنا ونسكت عنكم.واضح ياجماعة؟مثال ذلك ادَّعوا أن أهل السُنة أوَّلوا قول الله تعالى"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا "وقالوا:إنكم لم تأخذوا بظاهرها لأن ظاهرها عندهم أن السفينة تجري في وسطِ عينِ الله.فيقول هذا هوظاهرالكلام وأهل السُنة يقولون"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا":أي تجري برؤيتنا بعيننا أي تجري ونحنُ نراها بأعيننا. ويجعلون الباء للمصاحبة وليست للظرفية. أهلُ السُنةِ والجماعة سيجيبون عن هذا.لكني ضربتُ مثلاً لبيان دعوى هؤلاءالمؤولين.طيب أيضًا يقولون:أنتم صرفتم قولَ الله-عزوجل-في الحديث القدسي"فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصِرُ به ويدَهُ التي يَبطِشُ بها ورجله التي يمشي بها"قالوا:ظاهر الحديث أن الله-عزوجل-يكون هذه الأعضاء سمعه وبصره ويده ورجله وأنتم لاتقولون بهذا.فلماذا أولتم بعض النصوص وتركتم البعض؟نُعيد مرة ًثانيةً يقول:
المتن
اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات، أدعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليلزم أهل السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال:كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟

ونحن نجيب - بعون الله - عن هذه الشبهة بجوابين مجمل، ومفصل.
أما المجمل فيتلخص في شيئين:
أحدهما:أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.
الشرح
الجواب الثاني: نقول:هب أن أهل السُنة والجماعة صرفوا بعض النصوص عن ظاهرها لكن بدليلٍ من الكتاب والسُنة إما مُتصلٍ وإما منفصلٍ. أما متصلٌ يكون في نفس الكلام مايدل على وجوب صرفه عن ظاهره وإما منفصلٌ بدليلٍ آخر.فصار الجوابُ لأهل السُنةِ من وجهين:
أولًا-أننا لانسلم أنه صرفٌ للفظ عن ظاهره كيف؟ لأن ظاهر اللفظ مايقتضيه السياق وهو يختلفُ باختلاف الأحوال. ثانيًا سلمنا أنه صرفٌ للفظِ عن ظاهره ولكنه بدليلٍ من الكتابِ والسُنةِ إما مُتصلاً وإما منفصلاً.فإذا كان بدليلٍ من الكتاب والسُنة لم يكن صرفاً له عن ظاهره إلابدليلٍ من القائل والمُتكلم.فإذا قال القائلُ أو المتكلمُ:أنا أريد بكلامي كذا وكذا فلنا الحق في أن نصرف كلامه إلى ماأراده.
الجواب الأول:أننا لانسلم أن هذا هو ظاهرُ اللفظِ مثلاً إذا قال"تجري بأعيُننا":ظاهِرُها أن السفينة في نفس العين. نقول له:لانُسلمُ بهذا لوجود دليل إما متصل أو منفصل المتصل:أن الباء في قوله"بأعيُننا" لاتدل على الظرفية وإنما هي للمصاحبة.
ثانيًا:أن نقول لايُمكن أن تكون السفينة في عين الله وهي موجودة في الأرض.أين صُنعت السفينة؟ في الأرض. أين جرت؟ في الأرض.فكيف تكون في عين الله؟ فهذا دليلُ من اللفظ.وهم يدَّعون أن أهل السُنة أوَّلوا هذه الآية. ويدلك على أن السياق يعين المعنى ؛المثال الذي ذكرناه من قبل في قوله "واسأل القرية" يرادُ بها أهل القرية. لأن توجيه السؤال إلى القرية التي هي المباني مستحيل ؛ ولايُمكن لأبناء يعقوب أن يقولوا لأبيهم اسأل القرية أي الجدران مثلاً هذا مستحيلٌ ؛لكن المراد من قوله تعالى "إنا مُهلِكواأهلَ هذه القرية"شوالمراد بالقرية؟ المباني والأرض ؛ فكلمة القرية جاءت في موضع يراد بها أهل القرية ؛وفي موضع يراد بها المباني والأماكن.

مثال آخر:نقول مثلاً:أنا لي عينٌ موقودة ٌوعينٌ مورودة ٌ؛كلمة ُعين اختلف معناها بحسب السياق.عينٌ موقودة:يعني الذهب لأن من أسماء الذهب العين كما قال الفقهاء في باب العروض:ولايُعتبرُ مااشتريت به من عينٍ أو ورقٍ. ليعينٌ مورودة:المرادُ بالعين الماء.باختلاف السياق صار للعين معنيان بحسب السياق ؛وكذلك القرية لها معنيان بحسب السياق.يعني وهذا طريقٌ جيدٌ في مسألة الردود أن نردها لوجهين الوجه الأول المجمل والوجه الثاني المُفصَّل وفائدة الرد بالمجمل أنه يكون ردًّا على كل نص أوعلى كل إيرادٍ يَرد. المفصل يكون جواباً عن ذلك الشيء المعين؛ أو دليلاً لذلك الشيء المعين إذا كنا نستدل.لكن المجمل يكون إيش عاما لكل ما يَرِدْ فمثلاً إذا قال لك قائلٌ: ماهو الدليل على أن الإنسان إذا قتل صيداً وهو مُحْرمٌ غيرَ مُتعمِدٍ فليس عليه إثمٌ ولاجزاءٌ؟ نقول:عندنا دليلٌ خاص ودليلٌ عام.الدليل الخاص"وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ" فقيَّدَهُ بالمُتعمِد.الدليل العام" وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ"ما اسم موصول عام. فنحنُ في الحقيقة إذا كنا نريد أن نرد على مسألةٍ معينة نأتي بدليلها المعين ولكن ينبغي أن نأتي بالدليل العام لأجل أن يكون الإنسان مستعِدًَّا به لكل ما يَردْ لأن الدليل الخاص تستفيد منه في هذه المسألةِ المُعينةِ فقط ولايمكن أن تستفيدَ منه في غيرها اللهم إلا عن طريق القياس الذي قد يُعارضك فيه الخَصم. لكن العام تستفيد منه أكثر.فكل ما أمكنك أن يكون لك في المسألة دليلان عام وخاص فافعل. وكل ما أمكنك أن يكون لك جواب عن شُبهةٍ تَورَدُ عامٌ وخاصٌ فافعل لأن الخاص ترد به الخصم في هذه المسألة الخاصة؛ والعام ترد به الخصم في كل مسألة يُمكن أن تَرِد عليك.فإن قلتَ:إذا كان لك دليلٌ عام أوجوابٌ عام؛ فلاحاجة َللخاص؟نقول لأ لنا حاجة للخاص لأن الخصم قد يُعارض فيدَّعي أن العموم لا يشمل هذه الصورة.فإذا أتيت بالدليلين العام والخاص ما بقي للخصم أيُّ حجة.
رد مع اقتباس