العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى المعتقد الصحيح > ملتقى المعتقد الصحيح

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #11  
قديم 07-08-2017, 09:22 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
Arrow

أما العامة فقد كفى تعالى جميع المخلوقات، وقام بإيجادها وإرزاقها وإمدادها وإعدادها لكلِّ ما خلقت له، وهيأ للعباد من جميع الأسباب ما يغنيهم ويقنيهم ويطعمهم ويسقيهم.
وأما كفايته وحسبه الخاص فهو كفايته للمتوكِّلين، وقيامه بإصلاح أحوال عباده المتقين. قال تعالى"وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ "الطلاق: 3. أي كافيه كلَّ أموره الدينية والدنيوية. وقال تعالى"أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ"لزمر: 36.أي: من قام بعبوديته الظاهرة والباطنة كفاه الله ما أهمَّه، وقام تعالى بمصالحه، ويسر له أموره.
قال تعالى"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا "الطلاق: 2. أي من جميع المكاره والمضايق، "وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ "الطلاق: 3 .
وإذا توكل العبد على ربه حق التوكل، بأن اعتمد بقلبه على ربه اعتمادًا قوياً كاملاً في تحصيل مصالحه ودفع مضاره، وقويت ثقته وحسن ظنه بربه حصلت له الكفاية التامة، وأتم الله له أحواله وسدَّده في أقواله وأفعاله، وكفاه همَّه وجلا غمه.
ومن معاني الحسيب أنَّه الحفيظ على عباده كلَّما عملوه، أحصاه الله ونسوه، وعلم تعالى ذلك، وميّز الله صالح العمل من فاسده، وحسنه من قبيحه، وعلم ما يستحق من الجزاء ومقداره من الثواب والعقاب. فهو في هذا المعنى بمعنى الحفيظ، وللحفيظ أيضًا معنى آخر يقارب معنى الكافي الحسيب، وهو الذي تكفل بحفظ مخلوقاته وإبقائها، "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا "فاطر: 41 . فهذا حفظ عام.
وأما الحفظ الخاص فقد قال صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك»- رواه أحمد (1/293)، والترمذي (رقم: 2516)-. . فمن حفظ أوامر الله بالامتثال ونواهيه بالاجتناب، وحفظ فرجه ولسانه وجميع أعضائه، وحفظ حدود الله فلم يتعدها، حفظه الله في دينه من الشبهات القادحة في اليقين، وحفظه من الشهوات والإرادات المناقضة لما يحبه الله ويرضاه، وحفظ عليه إيمانه "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ "البقرة: 143 ، وحفظ الله عليه دنياه، وحفظه في أولاده وأهله ومن يتصل به.

وكذلك ينقله الله من حالة أعلى من ذلك - كذا في الأصل ولعلها «إلى حالة أعلى من ذلك».، وهي أنَّه من حفظ الله وجده أمامه وتجاهه يسدِّده ويوفقه، وتحصل له معية الله الخاصة التي لا تحصل إلا لخواص الخلق.

الأول الآخر، الظاهر الباطن

قد فسَّرها صلى الله عليه وسلم بتفسير جامع واضح، حيث قال في دعاء الاستفتاح: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» - رواه مسلم (رقم: 2713). وهو في أذكار النوم-. فبيَّن معنى كلِّ اسم ونفى ما يناقضه، وهذا أعلى درجات البيان. وهنا نكتفي بهذا التفسير والبيان الذي لا يُحتاج إلى غيره.


الواسع

أي واسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها، بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة والسلطان والملك، فجميع العوالم العلوية والسفلية الظاهرة والباطنة كلُّها لله.

قال تعالى"وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "البقرة . وواسع العلم والحكمة، وعام القدرة، ونافذ المشيئة، وواسع الفضل والإحسان والرحمة، "رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا "غافر: 7 .

ومن لطائف التعبد لله باسمه الواسع، أنَّ العبد متى علم أنَّ الله واسع الفضل والعطاء وأنَّ فضلَه غير محدود بطريق معين، بل ولا بطرق معينة، بل أسباب فضله وأبواب إحسانه لا نهاية لها أنَّه لا يعلق قلبه بالأسباب، بل يعلقه بمسبِّبها، ولا يتشوش إذا انسدَّ عنه باب منها، فإنَّه يعلم أنَّ الله واسع عليم، وأنَّ طرق فضله لا تعد ولا تُحصى، وأنَّه إذا انغلق منها شيء انفتح غيره مما قد يكون خيرًا وأحسن للعبد عاقبة.
قال تعالى مشيراً إلى هذه الحال التي كثير من الناس لا يوفقون لها، "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ "النساء: 130 ، لما كانت هذه الحال وهي حال الفراق يغلب على كثير من الزوجات الحزن، ويكون أكبر داع لهذا الحزن ما تتوهمه من انقطاع رزقها من هذه الجهة التي تجري عليها، فوعد الله الجميع وبشّرهم بفتح أبواب الخير لهم، وأنَّه سيعطيهم من واسع فضله.
وكم من عبد بهذه المثابة له سبب وجهة من الجهات التي يجري عليه الرزق، فانغلقت ففتح الله له باباً أو أبواباً من الرزق والخير. وبهذا يُعْرَفُ الله ويُعْلَمُ أنَّ الأمور كلَّها منه، وأنَّه "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ "فاطر: 2 .
ومن سعته وفضله: مضاعفة الأعمال والطاعات، الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة بغير عد ولا حساب.
ومن سعته: ما احتوت عليه دار النعيم من الخيرات، والمسرَّات والأفراح واللذات المتتابعات، مما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فخير الدنيا والآخرة وألطافهما من فضله وسعته، وجميع الأسباب والطرق المفضية إلى الراحات والخيرات كلُّها من فضله وسعته.
النور الهادي الرشيد
النور من أوصافه تعالى على نوعين:
نور حسي: وهو ما اتصف به مـن النور العظيم، الذي لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ونور جلاله ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهذا النور لا يمكن التعبير عنه إلا بمثل هذه العبارة النبوية المؤدية للمعنى العظيم، وأنَّه لا تطيق المخلوقات كلُّها الثبوت لنور وجهه لو تبدَّى لها، ولولا أنَّ أهل دار القرار يعطيهم الرب حياة كاملة، ويعينهم على ذلك لَمَا تمكنوا من رؤية الرب العظيم. وجميع الأنوار [في]]- ما بين المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق. السموات العلوية كلُّها من نوره، بل نور جنات النعيم التي عرضها السموات والأرض ـ وسعتُها لا يعلمها إلا الله ـ من نوره، فنور العرش والكرسي والجنات من نوره، فضلاً عن نور الشمس والقمر والكواكب.
والنوع الثاني: نوره المعنوي وهو النور الذي نوّر قلوب أنبيائه وأصفيائه وأوليائه وملائكته، من أنوار معرفته وأنوار محبته، فإنَّ لمعرفته في قلوب أوليائه المؤمنين أنوارًا بحسب ما عرفوه من نعوت جلاله، وما اعتقدوه من صفات جماله، فكلُّ وصف من أوصافه له تأثير في قلوبهم، فإنَّ معرفة المولى أعظم المعارف كلِّها، والعلم به أجلّ العلوم، والعلم النافع كلُّه أنوار في القلوب، فكيف بهذا العلم الذي هو أفضل العلوم وأجلّها وأصلها وأساسها.
فكيف إذا انضم إلى هذا نور محبته والإنابة إليه، فهنالك تمتلئ أقطار القلب وجهاتُه من الأنوار المتنوعة وفنونِ اللذات المتشابهة في الحسن والنعيم.
فمعاني العظمة والكبراء والجلال والمجد، تملأ قلوبهم من أنوار الهيبة والتعظيم والإجلال والتكبير.
ومعاني الجمال والبر والإكرام: تملأها من أنوار المحبة والود والشوق.
ومعاني الرحمة والرأفة والجود واللطف: تملأ قلوبهم من أنوار الحب النامي على الإحسان، وأنوار الشكر والحمد بأنواعه والثناء.

ومعاني الألوهية: تملأها من أنوار التعبد، وضياء التقرُّب، وسناء التحبُّب، وإسرار التودُّد، وحرية التعلق التام بالله رغبة ورهبة، وطلباً وإنابة، وانصراف القلب عن تعلقه بالأغيار كلِّها.
ومعاني العلم والإحاطة والشهادة والقرب الخاص: تملأ قلوبهم من أنوار مراقبته، وتوصلهم إلى مقام الإحسان الذي هو أعلى المقامات كلِّها؛ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.
فكلُّ معنى ونعت من نعوت الرب يكفي في امتلاء القلب من نوره، فكيف إذا تنوّعت وتواردت على القلوب الطاهرة الزكية الذكية، وهنا يصدق على هذه القلوب القدسية انطباق هذا المثل عليها، وهو قوله"مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ِ "النور: 35. الآية.
وهذا النور المضروب هو نور الإيمان بالله، وبصفاته وآياته مثله في قلوب المؤمنين مثل هذا النور الذي جمع جميع الأوصاف التي فيها زيادة النور، وهو أعظم مثل يعرفه العباد. وقد دعا صلى الله عليه وسلم لحصول هذا النور فقال: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم اجعلني نورًا» -- رواه مسلم (رقم: 763). .
ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه، فاستنار الوجه، وانقادت الجوارح بالطاعة راغبة. وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من ارتكاب الفواحش، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» - رواه البخاري (رقم: 2475)، ومسلم (رقم: 57)-.. فأخبر أنَّ وقوع هذه الكبائر لا يكون ولا يقع مع وجود الإيمان ونوره.
والهادي الرشيد من أسمائه الحسنى هما بمعنى النور بهذا المعنى، فالله يهدي ويرشد عباده إلى مصالح دينهم ودنياهم، ويعلمهم ما لا يعلمون، ويهديهم هداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره.
فالله خلق المخلوقات فهداها الهداية العامة لمصالحها، وجعلها مهيئة لما خلقت له، وهدى هداية البيان، فأنزل الكتب وأرسل الرسل، وشرع الشرائع والأحكام، والحلال والحرام، وبيّن أصول الدين وفروعه، وعلوم الظاهر والباطن، وعلوم الأولين والآخرين، وهدى وبيّن الصراط المستقيم الموصل إلى رضوانه وثوابه، ووضّح الطرق الأخرى ليحذَرَها العباد، وهدى عباده المؤمنين هداية التوفيق للإيمان والطاعة، وهداهم إلى منازلهم في الجنة، كما هداهم في الدنيا إلى سلوك أسبابها وطرقها.
ولهذا يقول أهل الجنة حين تتم عليهم نعمة الهداية"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ "الأعراف: 43 . وقال تعالى"مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "178:الأعراف .
والهداية المطلقة التامة هي الهداية التي يسألها المؤمنون ربهم في قوله: {2 3 4 : 6! ! } أي اهدنا إليه واهدنا فيه. وفي قول الداعي: «اللهم اهدنا فيمن هديت» -- جزء من حديث «قنوت الوتر» رواه الإمام أحمد (1/200)، وغيره..
وللرشيد معنى آخر بمعنى الحكيم، فهو الرشيد في أقواله وأفعاله، وهو على صراط مستقيم فيما يشرعه لعباده من الشرائع، التي هي رشد وحكمة، وفيما يخلقه من المخلوقات ويقدره من الكائنات، الجميع رشد وحكمة، لا عبثٌ فيها ولا شيءٌ مخالف للحكمة.
الولي
ولايته تعالى وتوليه لعباده نوعان:
ولاية عامة: وهو تصريفه وتدبيره لجميع الكائنات، وتقديره على العباد ما يريده من خير وشر، ونفع وضر، وإثبات معاني الملك كلِّها لله تعالى.
والنوع الثاني في الولاية والتولي الخاص، وهذا أكثر ما يرد في الكتاب والسنّة كقوله"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ "البقرة: 257 ، "وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ "الأنفال: 40 ، "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ " محمد: 11 .
وهذا التولي الخاص يقتضي عنايته ولطفه بعباده المؤمنين، وأنَّ الله يربيهم تربية خاصة، يصلحون بها للقرب منه ومجاورته في جنات النعيم، فيوفقهم للإيمان به وبرسله، ثم يغذي هذا الإيمان في قلوبهم وينمّيه، وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ويغفر لهم في الآخرة والأولى، ويتولاهم برعايته وحفظه وكلاءته، فيحفظهم من الوقوع في المعاصي، فإنَّ وقعوا فيها بما سوّلت لهم أنفسهم الأمّارة بالسوء، وفّقهم للتوبة النصوح، فإذا تولوا ربهم تولاهم ولايةً أخصَّ من ذلك، وجعلهم من خواص خلقه بما يهيئ لهم من الأسباب الموصلة لهم إلى كلِّ خير.
قال تعالى"أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ "يونس .
فأخبر في هذه الآية عن الأسباب التي نالوا بها ولاية الله، وهي الإيمان والتقوى، والفوائد والثمرات العظيمة التي يجنونها من هذه الولاية، وهي الأمن التام وزوال ضده من الخوف والحزن، والبشارة الكاملة في
الدنيا بما يبين لهم ويبشرهم به من اللطفِ والعنايةِ والتوفيقِ للخيرات والحفظ من المخالفات، وبالثناء الحسن بين العباد، وبالرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو تُرى له، والبشارة عند الموت، وفي القبر، وفي عَرَصَات القيامة.

فهذا تنبيه جامعٌ، متوسطٌ بين الاختصار المخل والطول الممل، وفيه من التفصيلات النافعة، والنكت اللطيفة، والفوائد والفرائد ما لا تكاد تجده مجموعاً في محل واحد، ولنتبع هذا المقصد الجليل ببقية المقاصد من علوم التوحيد، فنقول: بيان الأصول التي كَثُر الكلام فيها بين السلف، وبين أهل الكلام، وهي متفرعة على أسماء الله الحسنى وصفاته، ولكن لزيادة الإيضاح نبيّن دلالة القرآن عليها بخصوصها.
القول في علو الباري، ومباينته لخلقه، واستوائه على عرشه
هذا الأصل العظيم لم يزل الصحابة والتابعون لهم بإحسان يعترفون ويعلمون علماً لا يرتابون فيه بما دلّ عليه الكتاب والسنّة من علوِّ الله تعالى، وأنَّه فوق عباده، وأنَّه على العرش استوى، وأنَّ له جميع معاني العلو: علو الذات، وعلو القدر وعظمةِ الصفات، وعلو القهر لجميع الكائنات، حتى نبغت الجهمية ومن تبعهم فأنكروا المعنى الأول، لا ببرهان عقلي، فإنَّ العقل دلّ على علو الله تعالى على خلقه بذاته دلالة فطرية واضحة، ولا ببرهان نقلي، فإنَّ جميع النصوص تنافي قولهم وتبطله وتثبت له تعالى كمال العلو من كلِّ وجه.
في القرآن «العلي» في مواضع كثيرة وفيه «الأعلى»، وذلك يدل على أنَّ علوه من لوازم ذاته وأنَّ جميع معانيه ثابتة لله تعالى.
وفيه الإخبار عن فوقيته للمخلوقات كقوله"يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ "النحل: 50 .
والإخبار بعروج الأشياء إليه وصعودها وبنزولها منه، كقوله"تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ "المعارج: 4 ، "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ "فاطر: 10 ، وكقوله"حم "1" تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ } في عدة مواضع. فيدل ذلك على علوه، وعلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
وكذلك قصة موسى وفرعون إذ قال فرعون"وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى"غافر:36،37 . وهذا ظاهر غاية الظهور أن فرعون قد أنكر ما قاله موسى صلى الله عليه وسلم من علو الله على خلقه، فقال هذه المقالة موهماً وملبساً على قومه، ولذلك كان السلف يسمون الجهمية الفرعونية لاعتقادهم نفي العلو، كما اعتقده وأنكره فرعون.
ومن ذلك: اسمه الظاهر حيث فسّره صلى الله عليه وسلم أنَّه الذي ليس فوقه شيء.
ومن ذلك: اختصاصه لبعض مخلوقاته بقربه وعِنديته، كقوله عن الملائكة"وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ "الأنبياء: 19.
وأما استواؤه على العرش فقد ذكره الله في سبعة مواضع من القرآن، مثل قوله"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه:5 فالاستواء معلوم والكيف مجهول، كما يقال مثل ذلك في بقية صفات الباري، فإنَّ الكلام فيها مثل الكلام في الذات، فكما أنَّ لله ذاتاً لا تشبهها الذوات، فله تعالى صفات لا تشبهها الصفات.
فصفة العلو لله تعالى ثابتة بالسمع والعقل كما تقدم، وصفة الاستواء ثبتت في الكتاب وتواترت بها السنّة.




رد مع اقتباس
 


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 09:34 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر