#5
|
||||
|
||||
![]() ثانيًا : النوع الثاني : الخلاف غير السائغ المذموم : تعريفه :
هو ما خالف نصًا من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي لا يُخْتلف فيه . * أسباب الخلاف غير السائغ المذموم : 1ـ البغي والتنافس على الدنيا ورئاستها . التنافس على الدنيا سبب البغي ، والبغي سبب الاختلاف والفُرْقة : قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ... فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تُبسطَ عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكُم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم " .صحيح البخاري . متون / ( 58 ) ـ كتاب : الجزية / ( 1 ) ـ باب : الجزية و ... / حديث رقم : 3158 / ص : 372 . وتأمل في التاريخ كيف كان قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ ظلمًا وبغيًا ومنافسة ممن قتلوه على رياسة أرادوهاوليسوا لها أهلاً ، وما جرَّه ذلك على الأمة من الفتنة التي لم تُصِب الذين ظلموا خاصة ، بل عمت الصالحين وغيرهم . العلاج : ــــ ولا علاج لذلك إلا بإخلاص النية لله سبحانه وتعالى والتنافس على الآخرة كما أمرنا الله تعالى : " لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ " .سورة الصافات / آية : 61 . وقال تعالى " خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ " . سورة المطففين / آية : 26 . فالتنافس على الآخرة لا يجلب حسدًا ولا حقدًا ولا ضغائن ولا بغيا ، وإنما يثمر حبًّا صادقًا وتآلفًا وإخاءً . ومن أعظم وأهم أسباب العلاج أن نعلم حرمة المسلم وحرمة البغي والاستطالة عليه أيًّا من كان ، فنتعامل بشرع الله مع من عاملنا به ومع من لم يعاملنا ، فما عاقبتَ مَنْ لم يتق الله فيك بمثل أن تتقي الله فيه . والحذر واجب في تناول أحوال المخالفين من الوقوع في الغيبة باسم النصيحة ، ومِن تَلَمُّس العثرات والفرح بالسقطات تحت شعار بيان الحق ، ومن خديعة الشيطان بالتنافس على المنازل والرياسات الدنيوية تحت شعار الحرص على الأمر بالمعروف .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 47 / بتصرف . 2ـ الجهل ونقص العلم وظهور البدع واختلاف المناهج . من أعظم أسباب الخلاف المذموم انتشار الجهل ونقص العلم . ولقد كان أول شرك وقع على ظهر الأرض بسبب نقص العلم بموت العلماء ، فبدأت البدع في الظهور . * فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ، صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ ، أمَّا وَدٌّ كانت لِكَلْبٍ بدومةِ الجندل ، وأما سُوَاعٌ كانت لهُذَيْلٍ ، وأما يغوثُ فكانت لِمُرَادٍ ثم لبني غُطَيْفٍ بالجرفِ عند سبأٍ (1) ، وأما يعوقُ فكانت لِهَمْدَانَ ، وأما نَسْرٌ فكانت لِحِمْيَرَ لآل ذي الكَلاع أسماءُ رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ ، فلما هلكوا أوحَى الشيطان إلى قومهم أن انصِبُوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلِسون أنصابًا وسمُّوها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تُعبدْ حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلمُ عُبدَتْ . صحيح البخاري . متون / ( 65 ) كتاب : تفسير القرآن / ( 71 ) سورة نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 596 . ( 1 ) بالجرف عند سبأٍ ---> وردت هكذا في فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 8 / ( 65 ) كتاب التفسير / ( 71 ) سورة نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 535 .وهذا هو الصواب . والخطأ ما ورد بطبعة دار ابن الهيثم [ متون ] وهو ( بالجوف عند سبإٍ ) . تعقيب : ــ إن من السهل على من يختلس درهمًا أن يسرق آلاف الدراهم ، فإن في السرقة تعديًّا لحدود الله ، وذلك شأن المبتدع تهون عليه كبار البدع ـ وربما الشرك بالله ـ إذ مبدأ التنكّب عن السنة والرضا بالبدعة ؛ سبيل إلى قبول كل ضلال وزيغ ، كما وقع الشرك في قوم نوح ، من اتخاذ أصنام لبعض الرجال الصالحين بعد موتهم ، وزين لهم الشيطان ذلك ليذكُروهم ويقتدوا بأعمالهم الطيبة ، ثم أوحى لمن بعدَهم أن يعبدوهم من دون الله سبحانه موهمًا إياهم أن آباءهم كانوا يفعلون ذلك من قبل . وصية مودِّع / العوايشة / ص : 45 . العلاج : الانتصار للسنة ومحاربة البدعة وقمعها ، ولن يتحقق ذلك إلا بنشر العلم بالكتاب والسنة على نهج أهل السنة والسلف رضوان الله عليهم . وإليك قاعدة نبوية ذهبية في مواجهة الخلاف : * فعن العرباض بن سارية ، قال : وعظنا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يومًا بعد صلاة الغداة موعظة بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإنْ عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافًا كثيرًا ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ " .سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 39 ) ـ كتاب : العلم عن رسول الله / ( 16 ) ـ باب : ما جاء في الأخذ بالسنة ... / حديث رقم : 2676 / ص : 603 . صحيح . تأمل كيف قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " عَضوا عليها بالنواجذ " فإن السنة سوف تحارب ويحاول أهل البدع نزعها من المتمسكين بها ، والواجب في علاج هذه الفُرْقَة شدة التمسك بالسنة ، والحذر من البدع . وهذه هي القاعدة النبوية الذهبية في مواجهة الاختلاف ، وهي عقيدة أهل السنة في التمسك بالسنة على طريقة السلف رضوان الله عليهم .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي... / ص : 49 / بتصرف . 3ـ ظهور رؤوس الضلال الدعاة على أبواب جهنم . وهم الذين يدعون إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة . * قال ابن ماجه في سننه : حدثنا علي بن محمد ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال :حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني بُسْرُ بن عُبيد الله ، قال : حدثني أبو إدريس الخولاني ؛ أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " يكون دعاة على أبواب جهنمَ من أجابهم إليها قذفوه فيها " ، قلتُ : يا رسول الله !صِفهم لنا . قال : " هم قوم من جِلْدَتِنَا ، يتكلمون بألسنتنا " . قلتُ : فما تأمُرُني إن أدركني ذلك ؟ . قال " فالزم جماعة المسلمين وإمامَهُم ، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، فاعتزل تلك الفِرَقَ كلَّهـ ، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يدركَك الموتُ وأنت كذلك " .سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / ( 36 ) ـ كتاب : الفتن / ( 13 ) ـ باب : العُزْلَة / حديث رقم : 3979 / ص : 657 / صحيح . العلاج : ـ نشر العلم والمنهج الصحيح ، للتمييز بين الحق والباطل 4ـ التعصب المذموم للأسماء والأشخاص وضعف الولاء على الكتاب والسنة . كثير من المسلمين اليوم يتعصب لعالم معين أو بلد معين ... ينصر على ذلك ، ويغضب على ذلك ، يتغاضى عن المخالفات التي تصدر من هذا العالم أو من هذا البلد . وقد حذرنا الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من دعوى الجاهلية ـ أي التحزب والتعصب لفئة مسلمة دون أخرى بالباطل ـ ، لما تنادى المهاجرين يا للمهاجرين ، وتنادى الأنصار يا للأنصار ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ما بال دعوى الجاهلية . دعوها فإنها منتنة " . ..... قال : سَمِعَ عمرٌو جابرَ بنَ عبدِ الله يقول : كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في غَزَاة . فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار . فقال الأنصاريُّ : يا للأنصار ! وقال المهاجريُّ : يا للمهاجرين ! .فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ما بالُ دعوى الجاهلية ؟ " . قالوا : يا رسول اللهِ ! كسَعَ رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار . فقال " دَعُوهَا . فإنها مُنْتِنَةٌ ... " . الحديث . صحيح مسلم . متون / ( 45 ) ـ كتاب : البر والصلة والآداب / ( 16 ) ـ باب : نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا / حديث رقم : 63 ـ ( 2584 ) / ص : 659 . مع أن المهاجرين والأنصار من أشرف الأسماء ، وهي من الأسماء التي سماها الله في كتابه ، وسماهم بها الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في سنته ، ومع ذلك حين صارت شعارًا ينتصر الناس له دون تبين المُحِق مِنَ المُبْطَِل ، صارت جاهلية . وهذا للأسف كثير بين الناس اليوم ، يتعصب الناس لجماعة معينة أو لعالِم معين ، أو لبلد معين ، ينصر على ذلك ، ويغضب على ذلك ، يتغاضى عن المخالفات التي تصدر من جماعته أو طائفته ، ويعظم ما يصدر من غيرهم . ولاشك أن هذه الأمراض تؤثر على القلب وإخلاصه ونصيحته لله وكتابه ولرسوله وللمؤمنين ، وتفتح باب الفتن . والانتساب إلى أسماء معينة كالانتساب إلى بلد أو عالم أو طائفة ليس بمحرم في الشرع ، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما لحظ بداية ظهور دعوى الجاهلية بين المهاجرين والأنصار لم يعالجه بتحريم الانتساب إلى هـذه الأسماء ، بل بتحذيرهم من حقيقة دعوى الجاهلية ، وهي الانتصار للأسماء دون معرفة الحق . وهذه هي التربية الواجبة التي يجب أن يتربى عليها المسلمون ، ولا يزال العلماء ينتسبون إلى بلادهم . كالمدني ، والمصري ، والخراساني ، والنووي ، والعسقلاني ، وإلى مذاهب أئمتهم : كالشافعي ، والمالكي ، ... . ولم ينكر العلماء التسمية ، ولم يحرموها حتى بعد ظهور العصبية ، بل تُحارب العصبية دون تحريم ما أحله الله . العلاج : ــــ تعميق الولاء على الكتاب والسنة ، ويتحقق ذلك بقبول الحق والمعاونة عليه ممن جاء به وعلمه كائنًا من كان ، فالرجال يُعْرَفون بالحق ، ولا يُعْرَف الحق بالرجال .فقه الخلاف فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي... / ص : 59 . * أمثلة للاختلاف غير السائغ : أولاً : الخلاف غير السائغ في الأمور الاعتقادية : ـ غلاة النفي والتعطيل في أسماء الله وصفاته وغيرهم ، المكذبين لصريح القرآن كمن يقول : لم يكلم ـ الله ـ موسى تكليمًا نفيًا لصفة الكلام ، ويقول يد الله أي قدرته خلافًا للحق ، ولم يتخذ ـ سبحانه ـ إبراهيم خليلاً . ـ غلاة القدرية الأوائل نفاة العلم الإلهي ، الذين يقولون أن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع . ـ من يعتقدون أن الشريعة الإسلامية غير صالحة ، إما مطلقًا ، أو يعتقدون أنها غير صالحة لهذا الزمان ويُفَضَّل عليها شرائع البشر الوضعية ، أو يساويها بها ، أو يجوزها ، أو يلزم الكافة بها ويحرم عليهم شرع الله تعالى. |
|
|