العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-14-2022, 01:14 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,339
Arrow

من آية 189إلى195.
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"189.
كان الكلام في الآيات السابقة في بيان حكم الصيام وذكر شهر رمضان، فناسب ذلك ذكر الأهِلَّة، لأن الصوم والإفطار مقرونان برؤية الهلال كما جاء في الحديث "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُمِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا العَدَدَ."الراوي : أبو هريرة- صحيح مسلم .
"جعل اللهُ الأهلَّةَ مواقيتَ للناسِ ، فصوموا لرؤيتِه ، وأَفطِروا لرؤيتِه ، فإن غُمَّ عليكم فعُدُّوا ثلاثين يومًا"الراوي : عبدالله بن عمر وطلق بن علي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم : 3093 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ" والسؤال الذي نحن بصدده يعالج قضية كونية. وعندما يسأل المسلمون عن قضية كونية فذلك دليل على أنهم التفتوا إلى كون الله التفاتًا شرعيًا آخر، لقد وجدوا الشمس تشرق كل يوم ولا تتغير، أما القمر الذي يظهر في الليل فهو الذي يتغير، إنه يبدأ في أول الشهر هلالًا صغيرًا ثم يكبر حتى يصبح بدرًا، وبعد ذلك يبدأ في التناقص حتى يعود إلى ما كان عليه، لقد لفت نظرهم ما يحدث للقمر ولا يحدث من الشمس، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم.
قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ : أي قل لهم يا محمد – صلى الله عليه وسلم - إن الله - تعالى - قد خلقها ليضبط بها النَّاسُ شوؤنَهم المؤقَّتة بأوقاتٍ كصومهم ، وزكاتهم ، وحجهم ، وعدة نسائهم ، ومدد حملهن ، ومدة الرضاع ، وغير ذلك مما يتعلق بأمور معاشهم . والتوقيت بالأهلة يسهل على العالِم بالحساب والجاهل به، وعلى أهل البدو والحضر.
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ:
"سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضيَ اللهُ عنه يقولُ: نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِينَا؛ كَانَتِ الأنْصَارُ إذَا حَجُّوا فَجَاؤُوا، لَمْ يَدْخُلُوا مِن قِبَلِ أبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، ولَكِنْ مِن ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَدَخَلَ مِن قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأنَّهُ عُيِّرَ بذلكَ، فَنَزَلَتْ"وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا"البقرة: 189.الراوي : البراء بن عازب - صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 1803.
الشرح:مِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنَّه لم يُنزِلِ القُرآنَ الكريمَ جُملةً واحدةً، بلْ أنْزَلَه مُفرَّقًا وَفْقَ التَّدرُّجِ الذي أرادهُ اللهُ في بِناءِ وتَربيةِ المجتمَعِ المُسلِمِ الوليدِ، ونزَلَ مُعالِجًا للعاداتِ الخاطئةِ، وما يَطرَأُ مِن مُشكِلاتٍ، وما يَستجِدُّ مِن أحداثٍ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي البَراءُ بنُ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الأنصارَ كانوا قبْلَ الإسلامِ إذا رَجَعوا مِنَ الحجِّ أو العُمرةِ لا يَدخُلونَ بُيوتَهم مِن أبوابِها، بلْ يَدخُلونَ مِن ظُهورِها -وكذلك كان يَفعَلُ كَثيرٌ مِن العرَبِ- فكانوا يَتسلَّقون جُدرانَ بُيوتِهم منَ الخَلْفِ، أو يَفتحونَ فَتحةً في الجِدارِ ويَدخُلونَ منها، وكانوا يَرَوْنَ مُخالَفَةَ ذلك عَيبًا كَبيرًا، ويَرْوَن فِعلَ ذلك هو البِرَّ والتَّقوى، فلمَّا جاء الإسلامُ دَخَلَ رجُلٌ منَ الأنصارِ مِن بابِ بَيتِه، فعَيَّروه بذلك، فأنْزَلَ اللهُ تعالَى قَولَه"وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا"البقرة: 189، فأخْبَرَهم اللهُ تعالَى أنَّ هذا العَملَ مع اعتِقادِه قُربةً، ليس مِن الخيرِ في شَيءٍ، بلْ إنَّ البِرَّ الحقيقيَّ هو أنَّ يَتَّقيَ العبدُ ربَّه عزَّ وجلَّ؛ بامتثالِ أوامرِه، واجتنابِ نَواهِيه، لا التعبُّدُ بما لم يَشْرَعْه اللهُ جلَّ وعلا؛ ولذا أمَرَ بإتيانِ البيوتِ مِن أبوابِها، كما هو الأصلُ الَّذي جَرَتْ به العادةُ؛ إذ لا دَليلَ يَمنَعُ مِن ذلك وقْتَ الإحرامِ، فتَرَكَ النَّاسُ هذه العادةَ وصاروا يَدخلونَ بُيُوتَهم مِن أبوابِها.
وفي الحديثِ: أنَّ العاداتِ لا تَجعَلُ غيرَ المَشروعِ مَشروعًا.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى إذا نَهَى عن شَيءٍ فتَح لعِبادِه مِن المأذونِ ما يَقومُ مقامَه؛ فإنَّه لَمَّا نَفى أنْ يكونَ إتيانُ البُيوتِ مِن ظُهورِها مِن البِرِّ، بيَّن ما يَقومُ مَقامَه.الدرر السنية.
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ: أمرهم سبحانه أن يلتزموا بالتَّقوى؛ بفعلهم المأمورَ، وتركِهم المنهيَّ عنه، رجاء أنْ يصِلوا بتقواهم تلك إلى الظَّفَر بما يطلُبون – الجنة: رزقنا الله وإياكم الفلاح ودخول الجنة -، والنَّجاةِ ممَّا يحذَرون- النار :أعاذنا الله وإياكم منها-.
"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"190.
بعد أن ذكر في الآية السابقة أن الأهلة مواقيت للناس في عبادتهم ومعاملاتهم ولا سيما الحج، فهو يكون في أشهر هلالية خاصة كان القتال فيها محرمًا في الجاهلية ،بَيَّنَ هنا أنه لا حرج عليكم في القتال في هذه الأشهر دفاعًا عن دينكم ولإعلاء كلمة الحق ، وتربية لمن يفتنكم عن دينكم، وينكث العهد ،لا لحظوظ النفس وشهواتها وحبّ سفك الدماء.
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ: أي ولا تعتدوا بالقتال فتبدءوهم به، ولا في القتال فتقتلوا من لا يقاتل من النساء والصبيان والشيوخ والمرضى، ولا من ألقى إليكم السلم وكفّ عن حربكم، ولا بغير ذلك من أنواع الاعتداء كالتخريب وقطع الأشجار، فإنّ الاعتداء من السيئات التي يكرهها الله تعالى، ولا سيما حين الإحرام وفي أرض الحرم وفي الأشهر الحرم.تفسير المراغي.
ومن الاعتداء, مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها, فإن ذلك لا يجوز.تفسير السعدي.
"وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ"191.
والمعنى: عليكم أيها المسلمون أن تقتلوا هؤلاء الذين أذنا لكم بقتالهم حيث وجدتموهم وظفرتم بهم، فإنهم قد بادءوكم بالعدوان، وتمنوا لكم كل شر وسوء.فهذا أمر بقتالهم، أينما وجدوا في كل وقت، وفي كل زمان قتال مدافعة، وقتال مهاجمة .
ولما كان القتال عند المسجد الحرام، يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام، أخبر تعالى أن المفسدة بالفتنة عنده بالشرك، والصد عن دينه، أشد من مفسدة القتل، فليس عليكم - أيها المسلمون - حرج في قتالهم. ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة، وهي: أنه يرتكب أخف المفسدتين، لدفع أعلاهما.
ثم استثنى من هذا العموم قتالهم في المسجد الحرام قتال مهاجمة.فقال سبحانه " وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ"أي إن من دخل منهم المسجد الحرام يكون آمنا إلا أن يقاتِل هو فيه وينتهك حرمته، فلا أمان له حينئذ. وأنه لا يجوز قتالهم في المسجد الحرام إلا أن يبدأوا بالقتال، فالبادئ هو الظالم، والمدافع غير آثم.فإنهم يُقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم، وهذا مستمر في كل وقت، حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا، فإن الله يتوب عليهم، ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله، والشرك في المسجد الحرام، وصد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده.
ولم يقل- سبحانه- فإن قاتلوكم فقاتلوهم، وإنما قال فَإِنْ قاتَلُوكُمْفَاقْتُلُوهُمْ تبشيرًا للمؤمنين بالغلبة عليهم، وإشعارًا بأن هؤلاء المشركين من الخذلان والضعف بحالة أمر الله المؤمنين معها بقتلهم لا بقتالهم فهم لضعفهم لا يحتاجون من المؤمنين إلا إلى القتل.
كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ : تذييل لما قبله. واسم الإشارة ذلك يعود إلى قتل المقاتلين أينما وجدوا.
والجزاء: ما يقع في مقابلة الإحسان أو الإساءة، فيطلق على ما يثاب به المحسن، وعلى ما يعاقب به المسيء. والمراد به في الآية العقاب.
أى: مثل هذا الجزاء العادل من القتل والردع يجازي الله الكافرين الذين قاتلوا المؤمنين وأخرجوهم من ديارهم.الوسيط.
"فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "192.
أي: فإن انتهوا عن الكفر وعن مقاتلتكم فكفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم فإن الله غفور رحيم. وكل من تاب من كفر أو معصية فشأن الله معه أن يغفر له ويرحمه. ونظير هذه الآية قوله- تعالى"قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ"الأنفال:38.
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ "193.
ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله، وأنه ليس المقصود به، سفك دماء الكفار، وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن " ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ " فيظهر دين الله تعالى، على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه، من الشرك وغيره، وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل هذا المقصود، فلا قتل ولا قتال. والدين في اللغة: العادة والطاعة ثم استعمل فيما يتعبد به الله- تعالى- سواء أكان ما تعبد به صحيحا أم باطلا.
والمراد هنا: الدين الصحيح الذي شرعه الله لعباده على لسان نبيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم ليتوصلوا به إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل. وقد تحقق ذلك – أي تحقق ظهور دين الله - بالقتال الذي دار بين المسلمين والمشركين في أكثر من عشرين غزوة قادها النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وفي أكثر من أربعين سرية بعث فيها أصحابه، وكانت ثمار هذه المعارك أن انتصر الحق وزهق الباطل. وقبل أن يلتحق النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى كان الدين الظاهر في جزيرة العرب هو دين الإسلام الذي جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ :أي: فلا قتل إلا على الذين لا ينتهون عن الكفر، فإنهم بإصرارهم على كفرهم ظالمون لأنفسهم. فمن ظلم منهم، فإنه يستحق المعاقبة، بقدر ظلمه.لأن العقوبة والعدوان إنما تكون على الظالمين تأديبا لهم، ليرجعوا عن ظلمهم وغيهم.
"الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"194.
الآية فيها بيان للحكمة في إباحة القتال في الأشهر الحرم، وإيذان بأن مراعاة حرمة الشهر الحرام إنما هي واجبة في حق من يصون حرمته، أما من هتكها فقد صار بسبب انتهاكه لحرمة الشهر الحرام محلا للقصاص والمعاقبة في الشهر وفي غيره.
وسمي الشهر الحرام لأنه يحرم فيه ما يحل في غيره من القتال ونحوه. والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.قال- تعالى"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ".التوبة :36.
قال صلى الله عليه وسلم "الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ، ..." الراوي : أبو بكرة نفيع بن الحارث -صحيح البخاري.
وقوله: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ متضمن لإقامة الحجة على الحكم السابق والحرمات: جمع حرمة، وهي ما يحفظ ويرعى ولا ينتهك.
والقصاص: المساواة. أي، وكل حرمة يجري فيها القصاص. فمن هتك أية حرمة اقتص منه بأن تهتك له حرمة.
والمراد: أن المشركين إذا أقدموا على مقاتلتكم- أيها المؤمنون- في الحرم أو في الشهر الحرام، فقاتلوهم أنتم أيضًا على سبيل القصاص والمجازاة بالمثل، حتى لا يتخذوا الأشهر الحرم ذريعة للغدر والإضرار بكم.
ثم أكد- سبحانه- هذا المعنى بقوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ.
أي: فمن اعتدى عليكم وظلمكم فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثل ما اعتدى عليكم دون حيف أو تجاوز للحد الذي أباحه الله لكم. إن الاعتداء المحظور ما كان ابتداء، أما ما كان على سبيل القصاص فهو اعتداء مأذون فيه.وسمي جزاء الاعتداء اعتداء على سبيل المشاكلة. وفي الآية إيماء إلى أن قتال الأعداء كقتال المجرمين بلا هوادة ولا تقصير، فمن يقاتل بالقذائف النارية أو بالمدافع أو بالغازات السامة يقاتل بمثلها حتى يمتنع عن الظلم والعدوان، والفتنة والاضطهاد، ويوجد الأمان والاطمئنان بين الناس.تفسير المراغي.
قال الآلوسى: واستدل الشافعي بالآية على أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به من محدد أو خنق أو حرق أو تجويع أو تغريق. حتى لو ألقاه في ماء عذب لم يلق في ماء مالح. واستدل بها أيضًا على أن من غصب شيئًا وأتلفه لزمه رد مثله، ثم إن المثل قد يكون من طريق الصورة- كما في ذوات الأمثال- وقد يكون من طريق المعنى كالقيم فيما لا مثل له .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالأمر بالتقوى والخشية منه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.أي: اتقوا الله وراقبوه في الانتصار لأنفسكم، وترك الاعتداء فيما لم يرخص لكم فيه، واعلموا أن الله مع المتقين الذين يمتثلون أمره ويجتنبون نهيه بالمعونة والتأييد، والنصر والتمكين، والغلبة لهم على أعدائهم تأييدًا لدينه وإعلاء لكلمته
.الوسيط. والمراغي.
"وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" 195.
أي أنفقوا في الجهاد ، وابذلوا المال في وسائل الدفاع عن بيضة الدين ، فاشتروا السلاح والكراع وعُدد الحرب التي لعدوكم مثلها إن لم تزيدوا عليه حتى لا يكون له الغلبة عليكم ، فالجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على ساق النفقة، فالنفقة له كالروح، لا يمكن وجوده بدونها، وفي ترك الإنفاق في سبيل الله، إبطال للجهاد، وتسليط للأعداء، وشدة تكالبهم. وإلى هذا أشار بقوله تعالى:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ: أي إنكم إن لم تبذلوا في سبيل الله وتأييد دينه كل ما تستطيعون من مال وإعداد للعدّة فقد أهلكتم أنفسكم. وكلمة " ألقى " تفيد أن هناك شيئا عاليًا وشيئًا أسفل منه، فكأن الله يقول: لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، وهل سيلقي الواحد منا نفسه إلى التهلكة، أو أن يلقي نفسه في التهلكة بين عدوه؟ لا، إن اليد المغلولة عن الإنفاق في سبيل الله هي التي تُلقي بصاحبها إلى التهلكة؛ لأنه إن امتنع عن ذلك اجترأ العدو عليه، وما دام العدو قد اجترأ على المؤمنين فسوف يفتنهم في دينهم، وإذا فتنهم في دينهم فقد هلكوا. إذن فالاستعداد للحرب أنفى للحرب، وعندما يراك العدو قويًا فهو يهابك ويتراجع عن قتالك.
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: والإحسان كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن تعبد الله ـ أي تطيع أوامره ـ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك لحديث جبريل الطويل " ....قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ،.....".صحيح البخاري.
فنهايةُ مَقامِ الإحسانِ: أنْ يَعبُدَ المؤمِنُ ربَّه كأنَّه يَراه بقلْبِه، فيكونَ مُستحضِرًا ببَصيرتِه وفِكرتِه لهذا المَقامِ، فإنْ عجَزَ عنه وشقَّ عليه انتقَلَ إلى مَقامٍ آخَرَ؛ وهو أنْ يَعبُدَ اللهَ على أنَّ اللهَ يَراهُ ويطَّلِعُ على سِرِّه وعَلانيتِه، ولا يَخفى عليه شَيءٌ مِن أمرِه. الدرر السنية.
- فالمسلم حال إنفاقه في سبيل الله يحرص أن يبلغ مقام الإحسان هذا . ودائرة الإحسان لا تقتصر على القتال فقط، للقاعدة الأصولية : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .فالأمر هنا عام، وهذا تحفيز للإحسان في كل شيء.فكل زاوية من زوايا الدين جاءت لتخدم كل جزئيات الحياة، فالإحسان إذا كان بالمال فهذا يقتضي أن يحسن الإنسان الحركة في الأرض، ويعمل عملاً يكفيه ويكفي من يعول، ثم يفيض لديه ما يحسن به.إذا لم يتوافر المال، فعليك أن تُحسن بجاهك وتشفع لغيرك، والجاه قد قومه الإسلام أي جعل له قيمة، فعلى صاحب الجاه أن يشفع بجاهه ليساعد أصحاب الحقوق في الحصول على حقوقهم، وعلى الوجيه أيضًا أن يأخذالضعيف في جواره ويحميه من عسف وظلم القوي، وعليه بجاهه أن يقيم العدل في البيئة التي يعيش فيها. ولم يشهد التاريخ أمة قوية رحيمة بالضعفاء في فتوحها كالأمة الإسلامية.
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :تذييلٌ للترغيب في الإحسان؛ لأنَّ محبة الله عبدَه غايةُ ما يطلبه الناس؛ إذ محبَّة اللهِ العبدَ سببُ الصلاحِ والخيرِ دُنيا وآخِرة، واللام للاستغراق العُرفي، والمراد المحسنون من المؤمنين.موسوعة التفسير،بالدرر السنية.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-26-2022, 09:17 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,339
Arrow

من آية 196إلى 203 .
"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" 196.
المعنى الإجمالي : الكلام فيما مضى في بيان أحكام الحج - -يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ - بعد ذكر أحكام الصيام، لأن شهوره بعد شهر الصيام، وجاء ذكر آيات القتال تابعًا لبيان أحكام الأشهر الحرم والمسجد الحرام.
وهنا عاد إلى إتمام أحكام الحج، فذكر حكم المحصر وعدم جواز الحلق قبل بلوغ الهدي محله، إلا لمن كان مريضًا أو به جروح ونحوها فإنه يحلق وعليه أن يصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة أو يتصدق بفرق على ستة مساكين - الفرق بالتحريك مكيال بالمدينة يزن ستة عشر رطلا- فإذا زال الخوف من العدوّ، فمن أتم العمرة وتحلل وبقي متمتعًا إلى زمن الحج ليحج من مكة فعليه دم، لأنه أحرم بالحج من غير الميقات، فإن لم يجد ذلك صام ثلاثة أيام في أيام الإحرام بالحج، وسبعة إذا رجع إلى بلده إلا إذا كان مسكنه وراء الميقات.تفسير المراغي.
الشرح المفصل:
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ:كانت شعيرة الحج والعمرة معروفتين عند العرب قبل الإسلام، ولكن بأفعال وبكيفية فيها الكثير من الأباطيل والأوهام، فجاءت شريعة الإسلام فوضعت لهما أفضل الأحكام، وأسمى الآداب، وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين أن يسيروا في أدائهما على الطريقة التي سار عليها فقال "رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَرْمِي علَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه."الراوي : جابر بن عبدالله - صحيح مسلم.
لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ: أي: تَعلَّموا مِنِّي واحفَظوا الأحْكامَ الَّتي أَتيْتُ بها في حَجَّتي مِنَ الأَقوالِ والأَفعالِ، فخُذوها عَنِّي واعَمَلوا بِها، وعَلِّمُوها النَّاسَ.
وقد اختلف العلماء في المقصود من الإتمام في قوله- تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، فبعضهم يرى أن المراد بإتمامهما: إقامتهما وإيجادهما وإنشاؤهما فيكون المعنى: أقيموا الحج والعمرة لله: أي أدوهما وائتوا بهما. فالأمر في «أتموا» مُنْصَب على الإنشاء والأداء.
أصحاب القول الأول: يرون أن العمرة واجبه كالحج، لأن الله- تعالى- أمر بهما معا، ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال"تابعوا بين الحج والعمرة.." .وإلى هذا القول اتجه سعيد بن جُبير، وعطاء، وسُفيان الثوري، والشافعية.
القول الثاني: يرى كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء كالأحناف والمالكية- أن المراد بإتمامهما: أن على المسلّم إذا شرع فيهما أو في أحدهما أن يتمه ويأتي به كاملًا بأركانه وواجباته، مُخلِصين لله تعالى في ذلك.
فالأمر على هذا القول منصب على الإتمام لا على أصل الأداء.
وأصحاب هذا القول يرون أن العمرة ليست واجبة كالحج لعدم قيام الدليل على وجوبها، وليس في الآية ما يفيد الوجوب، بل فيها ما يفيد وجوب الإتمام إن شرع فيهما أو في أحدهما. وفرضية الحج إنما ثبتت بقوله- تعالى" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"آل عمران 97 .
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ : بعد أن أمر الله- تعالى- عباده بأن يتموا الحج والعمرة له سبحانه، أردف ذلك ببيان ما يجب عليهم عمله فيما لو حال حائل بينهم وبين إتمامهما. والإحصار والحصر في اللغة: بمعنى الحبس والمنع والتضييق سواء أكان بسبب عدو أو مرض أو جور سلطان أو ما يشبه ذلك - على الراجح.
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : والمعنى: أتموا- أيها المؤمنون- الحج والعمرة لله متى قدرتم على ذلك، فإن أُحْصِرْتُمْ أي، مُنعتم بعد الإحرام من الوصول إلى البيت الحرام بسبب عدو أو مرض أو نحوهما، فعليكم إذا أردتم التحلل من الإحرام أن تذبحوا ما تيسر لكم من الهدي، وهو سُبْع بَدَنَة، أو سُبْع بقرة، أو شاة يذبحها المُحْصَر. وذبحها يكون في موضع الإحصار – على قول الجمهور- ولو في الحِلِّ لأنه عليه الصلاة والسلام ذبح عام الحديبية بها وهي من الحِلِ، فهي ليست من الحرم عند المحققين.
فَمَا اسْتَيْسَرَ وفي هذه الجملة الكريمة تقرير للمبادئ التي جاءت بها شريعة الإسلام تلك المبادئ التي تتوخى في كل شؤونها التيسير لا التعسير، والرفق لا التشديد قال- تعالى" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" البقرة : 185. وقال- تعالى"وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ "الحج: 78.
" وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ." ولا تتحللوا من إحرامكم بالحلق حتى تذبحوا الهدي في الموضع الذي أحصرتم فيه، فإذا تم الذبح فاحلقوا وتحللوا.
وبعد أن بين- سبحانه- أن الحلق لا يجوز للمحرم ما دام مستمرًا على إحرامه، أردف ذلك ببيان بعض الحالات التي يجوز فيها للمحرم أن يحلق رأسه مع استمراره على إحرامه فقال:
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ:أي: فمن كان منكم- أيها المحْرِمُون- مريضًا بمرض يضطر معه إلى الحلق، أو كان به أذى من رأسه كجراحة وحشرات مؤذية، إن حلق وهو على إحرامه – وإزالة الشعر، بحلق أو غيره من محظورات الإحرام - فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك. صيام ثلاثة أيام, أو صدقة على ستة مساكين أو نسك ما يجزئ في أضحية، فهو مخير، والنسك أفضل، فالصدقة، فالصيام.
يروي التابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ مَعقِلٍ " قَعَدْتُ إلى كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ في هذا المَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الكُوفَةِ- فَسَأَلْتُهُ عن "فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ"البقرة: 196، فَقالَ: حُمِلْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقَمْلُ يَتَنَاثَرُ علَى وَجْهِي، فَقالَ: ما كُنْتُ أُرَى أنَّ الجَهْدَ قدْ بَلَغَ بكَ هذا، أمَا تَجِدُ شَاةً؟ قُلتُ: لَا، قالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، أوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِن طَعَامٍ، واحْلِقْ رَأْسَكَ. فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وهْيَ لَكُمْ عَامَّةً."الراوي : كعب بن عجرة - صحيح البخاري.
وعبر- سبحانه- هنا بالفدية دون الكفارة، لأن الذي به مرض أو أذى من رأسه لم يرتكب ذنبًا أو إثمًا حتى يكفر عنه.
فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: بعد أن بين- سبحانه كيفية التحلل عند الإحصار، وكيفية التحلل الجزئى من بعض المحرمات عند المرض، عقب ذلك ببيان كيفية التحلل في حالة الأمن.
أي فإذا زال خوفكم وثبت أمنكم الذي منعكم من حجكم أو عمرتكم. فمن انتفع بالتقرب إلى الله تعالى بالعمرة وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها ، إلى وقت الانتفاع بأعمال الحج، فعليه ما استيسر من الهدي أي فعليه دم نسك ، ويأكل منه كالأضحية ويذبح يوم النحر.
والمراد بالتمتع في الآية المعنى الشرعي بأن يجمع المسلم بين العمرة والحج في عام واحد في أشهر لحج، بأن يحرم بالعمرة أولا ثم بالحج.
وسمى هذا النوع من الإحرام تمتعا، لأن المحرم به يجمع بين متعة الروح ومتعة الجسد.
لأنه يحرم بالعمرة أولا ويقوم بمناسكها وتلك متعة روحية وبعد الانتهاء من أدائها يتحلل فيجوز له أن يقرب النساء ويمس الطيب حتى يحرم بالحج وتلك متعة بدنية.
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ : أي فمن لم يجد الهدي لعدم وجوده أو عدم المال الذي يشتري به، فعليه صيام ثلاثة أيام في أيام الإحرام بالحج . ويفضل كثير من الفقهاء أن يصوم سادس ذي الحجة وسابعه وثامنه.
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ: أي:وتصوموا سبعة أيام إذا فرغتم من أعمال الحج. قال مجاهد وعطاء وإبراهيم: المعنى إذا رجعتم من منى فمن بقي بمكة صامها، ومن نهض إلى بلده صامها في الطريق.
وقال قتادة والربيع: هذه رخصة من الله تعالى، والمعنى إذا رجعتم إلى أوطانكم فلا يجب على أحد صوم السبعة إلا إذا وصل وطنه، إلا أن يتشدد أحد كما يفعل من يصوم في السفر في رمضان.تفسير ابن عطية.
ووصف العشرة بأنها كاملة، للتنويه بأن هذا الصوم طريق الكمال لأعمال الحج، وأن الحاج إذا نسي بعضها لا يكون حجه تاما حتى يصوم ما أمره الله- تعالى- به.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يجوز أن يصوم الأيام الثلاثة في أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، ويجوز أن يصومها قبل ذلك بعد إحرام العمرة، ويجوز أن يصوم هذه الأيام الثلاثة متوالية ومتفرقة، لكن لا يؤخرها عن أيام التشريق. أما السبعة الباقية فيصومها إذا رجع إلى أهله، إن شاء صامها متوالية، وإن شاء متفرقة" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" 24/ 376.
" تَمَتَّعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وأَهْدَى ........فمَن لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلى أهْلِهِ. ....." الراوي : عبد الله بن عمر -صحيح البخاري.
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" من أخَّر صيام الثلاثة أيام التي في الحج حتى انتهى حجه لغير عذر، فهل تلزمه الفدية؟ الصحيح لا تلزمه، ......وهناك من يقول تلزمه الفِدية، وهو أصلاً ما عنده فِدية، وهو أيضًا لما عُدِمَ الهدي صار الصيام واجبًا في حقه، فنقول: إنه يجب أن يكون في الحج، وإذا تأخر ولا سيما إذا كان لعذر فإنه يقضى كرمضان " انتهى من "الشرح الممتع" 7/ 180.
ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ : أي: ذلك التمتع الذي يتمتع فيه المحرم بين النُّسكين، إنما هو للشخص الذي ليس أهله من المقيمين في مكة وما حولها ،من كان دون الميقات ، ومن كان منه على مسافة لا تقصر منها الصلاة ; لأن من كان كذلك يعد حاضرا لا مسافرا.وقد شرع- سبحانه- التمتع ليكون تيسيرا ورفقا للمقيمين بعيدا عن مكة ،هذا قول الأحناف.
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ : أي واتقوا الله في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه، ومن ذلك, امتثالكم, لهذه المأمورات، واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الآية، واعلموا أن الله شديد العقاب لمن لم يخشه ولم يلتزم حدوده.
وفي هذا الأمر بالتقوى في ختام هذه الآية التي تحدثت عن الحج إشعار بأن هذه الفريضة ليست العبرة فيها بما تعمله الجوارح وإنما العبرة بما تتركه في القلوب من توبة صادقة، وصيانة للنفس عن اقتراف المحارم.
وفي قوله: وَاعْلَمُوا اهتمام بالخبر، وتحقيق لمضمونه، وترهيب من العقاب مع الترغيب بالثواب، فقد جرت عادة الناس أنهم يصلحون بالثواب والعقاب. وهذا هو الموجب للتقوى، فإن من خاف عقاب الله، انكف عما يوجب العقاب، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب، وأما من لم يخف العقاب، ولم يرج الثواب، اقتحم المحارم، وتجرأ على ترك الواجبات.




رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-26-2022, 09:23 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,339
Arrow

"الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ"197.
بعد أن ذكر سبحانه أعمال الحج وبيَّنَ ما يجب على المُحْصَرِ أن يفعله من ذبح الهدي وعدم الحلق حتى يبلغ الهدي محله، ثم ذكر حُكْم من لم يجد ذلك، أعقب هذا بذكر زمان الحج، وما يجب على من أوجب على نفسه الحج.
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ :أي لأداء فريضة الحج أشهر معلومة لدى الناس، وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة،فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج .وهذا هو المروي عن ابن عباس، وجرى عليه أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ: أي فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهن أو بالتلبية أو بسوق الهدي، لأن الحج عبادة لها تحريم وتحليل، فلا يكفي للشروع فيه مجرد النية بل لا بد من فعل به يشرع فيه. فمن أحرم به أي شرع فيه ، فالشروع فيه يصيره مثل الفرض من حيث كيفية أداؤه، ولو كان نفلًا، مثل من شرع في صلاة نافلة يلزمة أن يؤديها بأركانها وواجباتها كما يؤدي الفريضة طالما شرع ودخل في النافلة. واستدل بهذه الآية الشافعي ومن تابعه، على أنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره، ولو قيل: إن فيها دلالة لقول الجمهور، بصحة الإحرام بالحج قبل أشهره لكان قريبا، فإن قوله" فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ " دليل على أن الفرض قد يقع في الأشهر المذكورة وقد لا يقع فيها، وإلا لم يقيده.
فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ : أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج ، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصا عند النساء بحضرتهن. والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام. والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة. والمقصود من الحج، الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبرورا والمبرور، ليس له جزاء إلا الجنة، الحج المبرور: هو الذي وُفيت أحكامه، ولم يخالطه شيء من الإثم. وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنها يتغلظ المنع عنها في الحج. واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر، ولهذا قال تعالى "وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ" أي: اتركوا الأقوال والأفعال القبيحة، وسارعوا إلى الأعمال الصالحة خصوصًا في تلك الأزمنة والأمكنة المفضلة، والله- تعالى- لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهو- سبحانه- سيجازيكم على فعل الخير بما تستحقون من جزاء.
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهمَا قالَ: كانَ أهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ ولَا يَتَزَوَّدُونَ، ويقولونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى" وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"البقرة: 197.الراوي : عبدالله بن عباس - صحيح البخاري.
والمعنى: واستَعينوا على أداءِ الحجِّ بأخْذِ ما تَحتاجون إليه مِن طَعامٍ وشَرابٍ، واعْلَموا أنَّ خَيرَ ما تَستَعينون به في كلِّ شُؤونِكم هو تَقْوى اللهِ تعالَى.وفي الحديثِ: أنَّ تَرْكَ سُؤالِ النَّاسِ مِن التَّقوى.
وفيه: أنَّ التَّوكُّلَ لا يكونُ مع السُّؤالِ؛ وإنَّما التَّوكُّلُ على اللهِ تعالَى ألَّا يَستعينَ بأحَدٍ في شَيءٍ.الدرر السنية.
لما أمرهم أن يتزودوا بالزاد المادي الحقيقي الذي يغنيهم عن سؤال الناس، ويصون لهم ماء وجوههم. أمرهم وأرشدهم أيضًا إلى زاد الآخرة ، وهو استصحاب التقوى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والإكثار من العمل الصالح .
وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ: أي: أخلصوا لي يا أصحاب العقول السليمة الرزينة ، والمدارك الواعية، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول السليمة.والجملة الكريمة ليست تكرارا لسابقتها، لأن الأولى حث على التقوى وهذه حث على الإخلاص فيها.

"لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ"198.
بين- سبحانه- أن التزود بالزاد الروحي لا يتنافى مع التزود بالزاد المادي متى توافرت التقوى.
الجناح: أصله من جنح الشيء إذا مال: يقال جنحت السفينة إذا مالت إلى أحد جانبيها.والمراد بالجناح هنا الإثم والذنب، لأنه لما كان الإثم يميل بالإنسان عن الحق إلى الباطل سمي جناحًا.
والابتغاء: الطلب بشدة، والفضل: الزيادة وتكون في الخير والشر إلا أنه جرى العرف أن يعبر عن الزيادة الحسنة بالفضل وعن الزيادة القبيحة بالفضول.
أي: لا إثم ولا حرج عليكم في أن تطلبوا رزقا حلالا ومالا طيبا عن طريق التجارة أو غيرها من وسائل الكسب المشروعة في موسم الحج.فالآية الكريمة صريحة في إباحة طلب الرزق لمن هو في حاجة إلى ذلك في موسم الحج، بشرط ألا يشغله عن أداء فرائض الله.
عن أبي أُمامةَ التَّيميِّ قالَ : كنتُ رجلًا أُكرِّي في هذا الوجْهِ وَكانَ ناسٌ يقولونَ لي إنَّهُ ليسَ لَكَ حجٌّ فلقيتُ ابنَ عمرَ فقلتُ يا أبا عبدِ الرَّحمنِ إنِّي رجلٌ أُكرِّي في هذا الوجْهِ وإنَّ ناسًا يقولونَ لي إنَّهُ ليسَ لَكَ حجٌّ فقالَ ابنُ عمرَ أليسَ تُحرِمُ وتلبِّي وتطوفُ بالبيتِ وتفيضُ من عرفاتٍ وترمي الجمارَ قالَ قلتُ بلى قالَ فإنَّ لَكَ حجًّا جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فسألَهُ عن مثلِ ما سألتني عنْهُ فسَكتَ عنْهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فلم يُجبْهُ حتَّى نزلت هذِهِ الآيةُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فأرسلَ إليْهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وقرأَ عليْهِ هذِهِ الآيةَ وقالَ لَكَ حجٌّ "الراوي : أبو أمامة التيمي -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم : 1733 خلاصة حكم المحدث : صحيح .
كُنتُ رَجُلًا أَكْري في هذا الوَجْه»، أي: أُؤَجِّرُ دابَّتي في سَفَر الحَجِّ، «وكان ناسٌ يقولون لي: إنَّه ليسَ لك حَجٌّ»؛ لتوهُّمِ عدَمِ وجودِ النِّيَّةِ الخالِصة للحَجِّ؛ لأنَّه حيثُ اشتغَلَ بالكِراءِ فإنَّ سَيرَه لأجْلِ دابَّتِه لا لأعْمالِ الحَجِّ.
أي: إنَّ كِراءك لِدابَّتك مع أدائك لأعْمالِ الحَجِّ لا يُخِلُّ بِحجِّك.

قالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهمَا: كانَ ذُو المَجَازِ وعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ في الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلَامُ كَأنَّهُمْ كَرِهُوا ذلكَ، حتَّى نَزَلَتْ"لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ"البقرة: 198، في مَوَاسِمِ الحَجِّ."الراوي : عبدالله بن عباس - صحيح البخاري.
وفي هذا الأثرِ يُخبِرُ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ ذا المَجازِ وعُكاظًا كانَتَا سُوقينِ للناسِ في الجاهليَّةِ، وذو المَجازِ: بناحيةِ عَرَفةَ إلى جانِبِها، وقيل: في مِنًى، وعُكاظٌ: خلْفَ قَرْنِ المَنازل بـ(44 كم) على طَريقِ صَنعاءَ اليمنِ، فلمَّا جاء الإسلامُ كأنَّ المسلمينَ كَرِهوا التِّجارةَ في أيَّامِ الحجِّ مِثلَ المشركينَ، وخَوفًا مِن الوقوعِ في الإثمِ؛ للاشتِغالِ في أيَّامِ النُّسكِ بغَيرِ العبادةِ. حتَّى نزَلَ قولُ اللهِ تعالَى"لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ"البقرة: 198، أي: ليس عليكم إثْمٌ أنْ تَطلُبوا الرِّزقَ الحَلالَ بالتِّجارةِ وغيرِها في أثناءِ الحجِّ، عَطاءً ورِزقًا مِنه سُبحانه، وهذا تَفضُّلٌ مِن اللهِ سُبحانه عليهم.
وكان ناسٌ مِن العرَبِ في الجاهليَّةِ يَتأثَّمون أنْ يَتَّجِروا أيَّامَ الحجِّ، وإذا دَخَلَ العشْرُ كَفُّوا عن البيعِ والشِّراءِ، فلم يَقُمْ لهم سُوقٌ، ويُسَمُّون مَن يَخرُجُ بالتِّجارةِ الدَّاجَّ، ويَقولون: هؤلاء الداجُّ وليسوا بالحاجِّ، والدَّاجُّ: الأتْبَاع والأعْوانُ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ البيعِ والشِّراءِ للمُحرِمِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التِّجارةِ في أسواقِ الجاهليَّةِ والمشركينَ.الدرر السنية.
فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ :

الفاء في قوله: فَإِذَا: لتفصيل بعض ما أجمل من قبل في قوله فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ..

أَفَضْتُم:اندفعتم بكثرة متزاحمين. وذلك تشبيه لهم بالماء إذا كثر ودفع بعضه بعضًا فانتشر وسال من حافتي الوادي والإناء.

فأصل هذه الكلمة الدفع للشيء بكثرة حتى يتفرق.والمراد: خروجهم من عرفات بشيء من السرعة في تكاثر وازدحام متجهين إلى المزدلفة. وعرفات: اسم للجبل المعروف .
فأمر الحُجَّاجَ أن يذكروه سبحانه عند المزدلفة بعدَ أن يدفعوا إليها من عَرفات، وهذا الذِّكر الذي أمر الله به يدخُل فيه الصلاةُ والدعاء عندها . والتصريح باسم " عرفات " في هذه الآية للرد على قريش؛ إذ كانوا في الجاهلية يقفون في " جَمْع " وهو المزدلفة؛ لأنهم حُمْس ، فيرون أن الوقوف لا يكون خارج الحرم ، ولما كانت مزدلفة من الحرم كانوا يقفون بها ولا يرضون بالوقوف بعرفة ، لأن عرفة من الحل .

"...........وكانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِن عَرَفَاتٍ، ويُفِيضُ الحُمْسُ مِن جَمْعٍ، قالَ: وأَخْبَرَنِي أبِي، عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنَّ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ في الحُمْسِ"ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ"البقرة: 199، قالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِن جَمْعٍ، فَدُفِعُوا إلى عَرَفَاتٍ."الراوي : عائشة أم المؤمنين -صحيح البخاري .
وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ:أي: اذكروا الله تعالى كما منّ عليكم بالهداية بعد الضلال، وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون، فهذه من أكبر النعم، التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم بالقلب واللسان.


" ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"199.
الآية التي قبلها: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ، وهذه الآية : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ، فكل ذلك في الإفاضة من عرفة، الأول أعلمهم فيه بما يكون عند انتقالهم من عرفة إلى مزدلفة من الذكر عند المشعر الحرام، وهو مزدلفة، وفي الثانية: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ: فِيهِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: المُرادُ بِهِ الإفاضَةُ مِن عَرَفاتٍ. القَوْلُ الثّانِي: وهو اخْتِيارُ الضَّحّاكِ: أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ الإفاضَةُ مِنَ المُزْدَلِفَةِ إلى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلرَّمْيِ والنَّحْرِ.تفسير الرازي.
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ :فالعبد لا يستغني عن الاستغفار؛ لأنه مهما فعل، وتقرب، وعمل، وبذل وأحسن وأنفق، فإنه لا يؤدي نعمة الله عليه، لا في دينه، ولا في دنياه ، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد، في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة. وهكذا ينبغي للعبد, كلما فرغ من عبادة، أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة، ومَنَّ بها على ربه، وجَعَلَت له محلا ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت، ورد الفعل، كما أن الأول، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أُخر.تفسير السعدي.
فالمُرادُ مِنهُ الِاسْتِغْفارُ بِاللِّسانِ مَعَ التَّوْبَةِ بِالقَلْبِ، وهو أنْ يَنْدَمَ عَلى كُلِّ تَقْصِيرٍ مِنهُ في طاعَةِ اللَّهِ، ويَعْزِمَ عَلى أنْ لا يُقَصِّرَ فِيما بَعْدُ، ويَكُونَ غَرَضُهُ في ذَلِكَ تَحْصِيلَ مَرْضاةِ اللَّهِ تَعالى لا لِمَنافِعِهِ العاجِلَةِ، كَما أنَّ ذِكْرَ الشَّهادَتَيْنِ لا يَنْفَعُ إلّا والقَلْبُ حاضِرٌ مُسْتَقِرٌّ عَلى مَعْناهُما، وأمّا الِاسْتِغْفارُ بِاللِّسانِ مِن غَيْرِ حُصُولِ التَّوْبَةِ بِالقَلْبِ فَهو إلى الضَّرَرِ أقْرَبُ.تفسير الرازي.
"فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ"200.
قال ابن كثير: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم- بين مسجد منى وبين الجبل بعد فراغهم من الحج يذكرون فضائل آبائهم- فيقول الرجل منهم. كان أبي يطعم الطعام ويحمل الديات ... ليس لهم ذكر غير أفعال آبائهم فأنزل الله- تعالى- على نبيه صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية.ا.هـ.والمعنى: فإذا فرغتم من عباداتكم، وأديتم أعمال حجكم، فتوفروا على ذكر الله وطاعته كما كنتم تتوفرون على ذكر مفاخر آبائكم، بل عليكم أن تجعلوا ذكركم لله- تعالى- أشد وأكثر من ذكركم لمآثر آبائكم.
فالمقصود من الآية الكريمة الحث على ذكر الله- تعالى- والنهى عن التفاخر بالأحساب والأنساب.
وبعد أن أمر- سبحانه- الناس بذكره، بيَّنَ أنهم بالنسبة لدعائه وسؤاله فريقان، أما الفريق الأول فقد عبر عنه بقوله: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ:أي: من الناس نوع يقول في دعائه يا ربنا آتنا ما نرغبه في الدنيا فنحن لا نطلب غيرها، وهذا النوع ليس له في الآخرة من خَلاقٍ أي: ليس له نصيب وحظ من الخير.
"وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ :201.
ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين, ويفتقر إليه في مهمات دينه ودنياه. "عنْ عبْدِ العزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ قال: سَأَلَ قَتَادَةُ أَنَسًا: أَيُّ دَعْوَةٍ كانَ يَدْعُو بهَا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَكْثَرَ؟ قالَ: كانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بهَا يقولُ: اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. "قالَ: وَكانَ أَنَسٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بدَعْوَةٍ دَعَا بهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بدُعَاءٍ دَعَا بهَا فِيهِ."الراوي : عبدالعزيز بن صهيب - صحيح مسلم .
وبين- سبحانه- أن هذا النوع الثاني من الناس قد التمس من خالقه أن يقيه عذاب النار مع أن هذا الدعاء مندرج تحت حسنة الآخرة، وذلك لأن هذا النوع من الناس لقوة إيمانه، وصفاء وجدانه، وشدة خشيته من ربه يغلب الخوف على الرجاء، فهو يستصغر حسناته مهما كثرت بجانب نعم الله وفضله، ويلح في الدعاء وفي الطلب أملا في الاستجابة.
"أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ"202.
إن الإشارة تعود إلى الفريقين. أي: لكل من الفريقين نصيب من عمله على قدر ما نواه وسيجازيهم تعالى على حسب أعمالهم, وهماتهم ونياتهم, جزاء دائرا بين العدل والفضل. ويضعفه أن الله- تعالى- قد ذكر قبل ذلك عاقبة الفريق الأول بقوله: وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. وقيل اسم الإشارة " أُولَٰئِكَ " يعود إلى الفريق الثاني باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجميلة .الوسيط.
وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ : وهو سريع المحاسَبة للخَلْق يوم القيامة دون أنْ يظلِمَ أحَدًا شيئًا، ودون الحاجةِ إلى تذكُّرٍ أو تأمُّلٍ، كما أنَّه سبحانه سريعُ المجازاة لعباده.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-26-2022, 09:38 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,339
Arrow

"وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"203.
الأيام المعدودات هي أيام منى، وهي أيام التشريق الثلاثة الحاديَ عشَرَ والثَّانيَ عشَرَ والثَّالثَ عشَرَ مِن ذي الحجَّةِ، وسُمِّيَتْ بذلك لِتَشرِيقِ النَّاسِ لُحومَ الأَضاحِيِّ فيها، وهو تَقْدِيدُها ونَشْرُها في الشَّمسِ لِتَجْفيفِها، وهذه كانتْ حالَهم في زَمانِهم، وفي هذه الأيَّامِ تكونُ لُحومُ الأَضاحِيِّ والهَدْيِ مُتوفِّرةً؛. فالآية الكريمة تأمر الحجاج وغيرهم من المسلمين أن يكثروا من ذكر الله في هذه الأيام المباركة، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخرو.....
"أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. وفي رواية : زاد فيه "وذكرٍ لله"الراوي : نبيشة الخير الهذلي - صحيح مسلم.
فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَى:
يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق، ليرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة يرمي عند كل جمرة سبع حصيات. ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويترك المبيت بمنى في الليلة الثالثة ورمى يومها بعد الزوال- كما يرى الشافعية- وبعده أو قبله- كما يرى الحنفية- فلا إثم عليه في عدم مبيته بمنى في الليلة الثالثة، إذا اتقى كل منهما الله ووقف عند حدوده.
فالتقييد بالتقوى للتنبيه إلى أن العبرة في الأفعال إنما هي بتقوى القلوب وطهارتها وسلامتها.
وَاتَّقُوا اللَّهَ: اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب معاصيه ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ: واعلموا أنكم ستجمعون بعد تفرقكم وتساقون إلى خالقكم يوم القيامة فمجازيكم بأعمالكم، فمن اتقاه، وجد جزاء التقوى عنده، ومن لم يتقه, عاقبه أشد العقوبة، فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله, فلهذا حث تعالى على العلم بذلك. واختير لفظ تُحْشَرُونَ هنا دون تصيرون أو ترجعون ، لأن تحشرون أجمع لأنه يدل على المصير وعلى الرجوع مع الدلالة على أنهم يصيرون مجتمعين كلهم كما كانوا مجتمعين حين استحضار حالهم في هذا الخطاب وهو اجتماع الحج ، فلفظ تحشرون أنسب بالمقام من وجوه كثير.
وقد ختمت الآيات التي تحدثت عن فريضة الحج بهذا الختام المكون من عنصرين، أحدهما: تقوى الله.
والثاني: العلم اليقيني بالحشر، للإشعار بأنهما خلاصة التدين، وثمرة العبادات بكل أنواعها وكل طرقها، وإذا خلت أية عبادة من هذين العنصرين كانت صورة لا روح فيها.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-27-2022, 10:18 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,339
Arrow

ملخص مناسك العمرة
إذا وصل المعتمر الميقات: اغتسل ولبس وأحرم ،فإن كان السفر على متن طائرة لا تتوقف إلاَّ في جُدَّة، فيجوز له أن يلبس الإحرام في المنزل أو في المطار أو في الطائرة، وأن يُحرم بعمرة ـ وجوبًا ـ قبل أن يتجاوز الميقات المكاني المتعلق به.
الاغتسال والتطيب للرجال
لبس ثياب الإحرام
الصلاة
ينوي الإحرام ويلبي ،والإحرام نية الدخول في النسك والتلبس به ، وصفة التلبية للعمرة :«لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ عُمْرَةً»ويكمل التلبية " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنَّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ" .
ويستمر في التلبية في العمرة من الإحرام إلى أن يشرعَ في الطواف.
الطواف :والطواف يكون سبعةَ أشواطٍ، يبتدىء من الحجر الأسود وينتهي به. ولا يصحُّ الطوافُ من داخل الحِجْرِ.فيستلم الحجرَ الأسودَ بيده اليمنى...،
ويُقَبّله إن تيسّر له ذلك، فإذا وصل الركنَ اليماني استلمه إن تيسّر له بدون تقبيلٍ ،فإن لم يتيسر له فلا يزاحم ولا يشير إليه عن بعد.ويقول بين الركن اليماني والحجَر الأسود"رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاٌّخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النار "البقرة 201.
والسنةُ للرجل في طواف القدوم
الاضطباع في جميع الأشواط ،والرَّمَل في الثلاثة أشواط الأولى فقط.فإذا أتمَّ سبعةَ أشواطٍ، صلى ركعتين عند مقام إبراهيم لو تيسر.
ثم يذهب إلى زمزم فيشرب منها ويصب على رأسه.
ثم يرجع إلى الحجر الأسود ،ويقول الله أكبر ويقبله إذا تيسر .
السعي بين الصفا والمروة
التحلل: وذلك يكون بالحلق للرجل ، أو التقصير ، والتقصير للمرأة .
ملخصأعمـال الحـج
القارن والمُفرِد: يتوجهون مباشرة إلى منى يوم التروية، دونَ أن يُحرموا مرة أخرى، لأنهم مازالوا على إحرامهم.
أما المتمتع إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج ضحى من مكانه الذي أراد الحج منه ، ويفعل عند إحرامه: الآتي:
الاغتسال والتطيب للرجاللبس ثياب الإحرام
الصلاة :الصلاة قبل الإهلال.
ينوي الإحرام ويلبي بالنسك، وصفة التلبية في الحج : لبيك حجًا أو حِجَّة ، إذا كانت الحجة عن أحد يقول :لبيك حجًا عن فلان .ويكمل التلبية ويكمل التلبية " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنَّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ "وتستمر التلبية إلى رمي جمرة العقبة الكبرى .
المبيت بمِنى يوم التروية:يخرج إلى مِنى - يوم التروية الثامن من ذي الحجة-فيصلي بها: الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا منْ غيرِ جمعٍ ،والفجر .
الوقوف بعرفة:فإذا طلعت الشمس يوم عرفة - التاسع من ذي الحجة- سار من مِنى إلى عرفة فنزل بمسجد نَمِرَة في الجزء الواقع في حدود عرفة إلى الزوال- الزوال : أي زوال الشمس عن كبد السماء أي وقت الظهر- إن تيسر له وإلا فلا حرج لأن النزول بنمرة سنة . ولنتحر معرفة حدود عرفة والتأكد من الوقوف داخلها.
فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر قصرًا وجمعَ تقديمٍ ، ، بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ ،كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليطول وقت الوقوف والدعاء ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ويدعو بما أحب رافعًا يديه - تلقاء وجهه- مستقبلاً القبلة ولو كان الجبل خلفه لأن السنة استقبال القبلة لا الجبل وكان أكثر دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك الموقف العظيم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- .
ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة . ويستمر بعرفة إلى الليل أي إلى أن تغرب الشمس .
فائدة :
إذا وصل الحاج إلى عرفة قبل فجر يوم النحر- 10ذو الحجة - صحت حجته ـ وذلك عند الاضطرار ـ أما إذا وصل بعد الفجر فلا حج له . أقبِلْ على الله بكل جوارحك . فإذا غربت الشمس سار إلى المزدلفة.
الذهاب للمزدلفة والمبيت بها: فإذا غربت شمس يوم عرفة سار إلى المزدلفة.فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا - جمع تأخير- بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ.
فيبيت بمزدلفة ، فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكرًا بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام بمزدلفة - وهو الآن مكان المسجد- فوحَّدَ الله وكبره ودعا بمَا أحب حتى يُسْفِر جدًا ، وإن لم يتيسر له لذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه وجمع- أي مزدلفة- كلها موقف
الدفع إلى مِنَى- العاشر من ذي الحجة- فإذا أسفر جدًا - أي: أضاء الفجرُ إضاءةً تامَّةً- دفع قبل أن تطلع الشمس.فإذا وصل إلى مِنى ـ وذلك صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم النحر عليه الآتي :
*رمى جمرة العقبة الكبرى .
*نحر أو ذبح الهَدْي .
*حلق الرأس أو تقصيرها .
*الطواف بالكعبة - طواف الإفاضة - والسعي.
طواف الإفاضة:ويطوف مثل طواف القدوم تمامًا إلا الاضطباع والرَّمَل فهما خاصان بطواف القدوم فقط .
*ثم السعي بين الصفا والمروة
ثم يخرج إلى المسعى ليسعى، فإذا دنا من الصفا قرأ "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا "، ولا يقرؤها في غير هذا الموضع - أي في بداية السعي فقط - أبدأ بما بدأ اللهُ بهِ . ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة، فيستقبلها ويرفع يديه فيحمدَ الله ويدعو بما شاء أن يدعو- دعاء مطلق-، وَكَانَ- صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلاثًا، وَيَقُولُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ»، يُكررّ ذلك ثلاثَ مراتٍ -دعاء مسنون -، ويدعو بينها - دعاء مطلق- أي:ذكر + دعاء مطلق ،ذكر + دعاء مطلق- ذكر، ثم ينزلُ من الصفا إلى المروة ماشيًا حتى يصلَ إلى العمودِ الأخضرِ؛ فإذا وصَلَه، أسرع إسراعًا شديدًا بِقَدْرِ ما يستطيع إن تيسر له بلا أذية- الهرولة -، حتى يصلَ إلى العمودِ الأخضرِ الثاني، ثم يمشي على عادته حتى يصلَ المروةَ، فيرقَى عليها ويستقبلَ القِبلةَ، ويرفعَ يديه ويقولَ ما قاله على الصفا - الدعاء فقط دون القرآن،. ثم ينزلُ من المروة إلى الصفا يمشي في موضعِ مشيه، ويُسِرعُ في موضع إسراعه- الهرولة-، للرجال فقط على الراجح .فيرقى على الصفا، ويستقبلُ القِبلَة ويرفع يديه ويقولُ مثلَ ما سبق في أول مرة، ويقولُ في بقية سعيه ما أحب من ذكرٍ وقراءةٍ ودعاء.
العودة لمِنَى:يرجع بعد ذلك إلى مِنى حيث يقيم أيام التشريق - 11، 12، 13من ذي الحجة- وهي أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل .
فليس عليه في أيام التشريق شيء إلا أن يرمي الجمرات الثلاث ، كل يوم يبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة الكبرى التي رماها يوم النحر ، فيرمي الجمرات الثلاث إذا زالت الشمس -أي بعد أذان الظهر- في يومي -11، 12من ذي الحجة -
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر، فإن شاء تَعَجَّل ونزل من مِنى ، وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال ؛كما سبق والتأخر أفضل .ولا يجب عليه التأخر لليوم الثالث عشر إلا إذا غربت الشمس في اليوم الثاني عشر وهو بمِنى، فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد زوال اليوم الثالث عشر .
وبهذا يكون حَجُّه انتهى
طواف الوداع:فإذا أراد الحاج أن يرتحل من مكة يطوف للوداع ، يطوف بالبيت سبعة أشواط من دون سعي،.ويصلي ركعتين ثم ينصرف*الحائض والنفساء ليس عليهما وداع.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-16-2023, 06:41 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,339
Post

من آية 204 إلى آية 209.

"وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
"204.

عطف على جملة ".... فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ"البقرة : 200، لأنه ذكر هنالك حال المشركين الصرحاء الذين لاحظ لهم في الآخرة ، وقابل ذكرهم بذكر المؤمنين الذين لهم رغبة في الحسنة في الدنيا والآخرة حيث قال سبحانه وتعالى " وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "201 "أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ "202.، فانتقل هنا إلى حال آخرين ممن لَاحَظَّ لهم في الآخرة وهم متظاهرون بأنهم راغبون فيها " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" من الإعجاب بمعنى الاستحسان ،. مع مقابلة حالهم بحال المؤمنين الخالصين الذين يؤثرون الآخرة والحياة الأبدية على الحياة في الدنيا ، وهم المذكورون في قوله "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ "البقرة : 207 .
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ: أي يقرن معسول قوله، وظاهر تودده بإشهاد الله على أن ما في قلبه مطابق لما يجري على لسانه.كأن يقول: الله يشهد أني صادق فيما أقول.. إلى غير ذلك من الأقوال التي يقصد بها تأكيد قوله وصدقه فيما يدعيه ويخبر أن الله يعلم, أن ما في قلبه موافق لما نطق به, وهو كاذب في ذلك، لأنه يخالف قوله فعله. فلو كان صادقا، لتوافق القول والفعل، كحال المؤمن غير المنافق.
فكل عمل وقول له ظاهر وله باطن. ومن الجائز أن تتقن الظاهر ويستحسنه الناس وتدلس على الناس في باطنك، فإذا كان الناس لهم مع بعضهم ظاهر وباطن ،فالله يعلم ظاهر وباطن كل مخلوق.
أَلَدُّ الْخِصَامِ: شديد الخصومة أي العداوة. قال صلى الله عليه وسلم"أَبْغَضُ الرِّجالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ"الراوي : عائشة أم المؤمنين -صحيح البخاري .
والألدُّ الخَصِمُ هو المُولَعُ بِالخُصومِة -وهي النِّزاعُ والعَدَاوَةُ والمُجادَلةُ- الماهرُ فيها، والدَّائمُ فيها كذلِك.
إن هذا النوع من الناس يثير الإعجاب بحسن بيانه، ويضللهم بحلاوة لسانه، ويحلف بالأيمان المغلظة أنه لا يقول إلا الصدق، ويجادل عما يقوله بالباطل بقوة وعنف ومغالبة، فهو بعيد عن طباع المؤمنين الذين إذا قالوا صدقوا، وإذا جادلوا اتبعوا أحسن الطرق وأهداها.الوسيط.
"وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ"205.
أي: كما أنَّ مقالَه مُعْوجٌّ، واعتقاده فاسدٌ، فأفعاله كذلك سيِّئةٌ وقبيحة، فإذا خرَج وانصرف عنك هذا الذي يُعجِبُك قولُه، سار في الأرض مجتهدًا في إفسادِها، ومعنى الفساد : إتلاف ما هو نافع للناس ،فإهلاك الحرث والنسل كناية عن إتلافه لما به قوام أحوال الناس ومعيشتهم، وعن إيذائه الشديد لهم.
وقوله وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ أي لا يرضى عن الذي منه الإفساد في الأرض، ويُظْهِر للناس الكلام الحسن وهو يبطن لهم الفعل السيئ، لأنه- سبحانه- أوجد الناس ليصلحوا في الأرض لا ليفسدوا فيها. فالجملة الكريمة تحذير منه- سبحانه- للمفسدين، ووعيد لهم على خروجهم عن طاعته.
قال صلى الله عليه وسلم "إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."الراوي : أبو هريرة - صحيح مسلم.
"وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" 206.
أي وإذا وعظه واعظ بما يقتضي تذكيره بتقوى الله تعالى غضب لذلك، وأخذته العزة الملابسة للإثم والظلم وهو احتراس لأن من العزة ما هو محمود وهي العزة بالحق قال تعالى " يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّغڑ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ "المنافقون:8. فعزة اللهِ : قهره مَنْ دونه ، وعزة رسولِه : إظهار دينهِ على الأديان كلها ، وعزة المؤمنين : نصر الله إياهم على أعدائهم .
العِزَّة الحقيقيَّة.. العِزَّة في الحقِّ، وبالحقِّ، والتي يكون صاحبها عزيزًا ولو كان ضعيفًا مَظْلومًا، شامخًا ولو كان طريدًا مُستضَامًا، فتجده لا يركع إلا لله، ولا يتنازل عن شيء ممَّا أَمَره به، فهو يَعْتَزُّ بعِزَّة الله -تبارك وتعالى-، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء. فهذه هي العِزَّة بالحقِّ؛ لأنَّها اعْتِزَاز بمن يملكها، وإذعان له، وانتساب لشرعه وهديه. الدرر:موسوعة الأخلاق.
"مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..... "فاطر:10.
ومن العِزَّة ما هو مذموم وهي العزة بالإثم:
كاعْتِزَاز الكفَّار بكفرهم، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ، يقول – سبحانه""ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ "ص1: 2.
أي : إن في هذا القرآن لذكرا لمن يتذكر ، وعبرة لمن يعتبر . وإنما لم ينتفع به الكافرون ؛ لأنهم فِي عِزَّةٍ :أي : استكبار عنه وحمية ، وَشِقَاقٍ: أي : مخالفة له ومعاندة ومفارقة .تفسير ابن كثير.
أو الاعْتِزَاز بالنَّسب على جهة الفَخْر، أو الاعْتِزَاز بالوطن والمال ونحوها، كلُّ هذه مذمومة.الدرر:موسوعة الأخلاق.
فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ: أي إن النار مصيره ويكفيه عذابها جزاء له ، وستكون فراشه ومأواه ، وهي بئس المهاد وشره الذي يستقر عليه بسبب غروره وفجوره في جهنم ، والمهاد ما يُمْهد أي يُهَيَّأ لمن ينام ، وإنما سمى جهنَّمَ مهادًا تهكُمًا ، لأن العُصاة يُلْقَون فيها فتصادف جنوبهم وظهورهم .فلا راحة فيها، ولا اطمئنان لأهلها.
فبِئْسَ للذم، ويقابلها في المدح نِعْمَ.
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"207.
لَمّا وصَفَ – سبحانه وتعالى- في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ حالَ مَن يَبْذُلُ دِينَهُ لِطَلَبِ الدُّنْيا، ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ حالَ مَن يَبْذُلُ دُنْياهُ ونَفْسَهُ ومالَهُ لِطَلَبِ الدِّينِ. تفسير الرازي — فخر الدين الرازي .أ. هـ.
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ :أي: يبيعها ببذلها في طاعة الله وإعلاء كلمته، وتحقيقه أن المكلف قد بذل نفسه بمعنى أنه أطاع الله- تعالى- وحافظ على فرائضه، وجاهد في سبيله، من أجل أن ينال ثواب الله ومرضاته، فكان ما بذله من طاعات بمثابة السلعة، وكان هو بمنزلة البائع، وكان قبول الله- تعالى- منه ذلك وإثابته عليه في معنى الشراء.الوسيط.
هؤلاء هم الموفقون الذين باعوا أنفسهم وأرخصوها وبذلوها طلبًا لمرضاة الله ورجاء لثوابه، فهم بذلوا الثمن للرؤوف بالعباد، الذي من رأفته ورحمته أن وفقهم لذلك.
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ :الرؤوف من أسماء الله الحسنى.الرأفة: أشدُّ الرحمة.
فَمِن رَأْفَتِهِ أنَّهُ جَعَلَ النَّعِيمَ الدّائِمَ جَزاءً عَلى العَمَلِ القَلِيلِ المُنْقَطِعِ، ومِن رَأْفَتِهِ جَوَّزَ لَهم كَلِمَةَ الكُفْرِ إبْقاءً عَلى النَّفْسِ، ومِن رَأْفَتِهِ أنَّهُ لا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها ومِن رَأْفَتِهِ ورَحْمَتِهِ أنَّ المُصِرَّ عَلى الكُفْرِ مِائَةَ سَنَةٍ إذا تابَ ولَوْ في لَحْظَةٍ أسْقَطَ كُلَّ ذَلِكَ العِقابِ. وأعْطاهُ الثَّوابَ الدّائِمَ، ومِن رَأْفَتِهِ أنَّ النَّفْسَ لَهُ والمالَ، ثُمَّ إنَّهُ يَشْتَرِي مُلْكَهُ بِمُلْكِهِ فَضْلًا مِنهُ ورَحْمَةً وإحْسانًا. تفسير الرازي — فخر الدين الرازي .ا: هـ.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"208.
قال قتادة : قد علم اللهُ أنه سيزل زالون من الناس فتقدم في ذلك وأوعد فيه ليكون له به الحُجَّة عليهم. فبعد أن بيَّن سبحانه فيما سلف من الآيات أن الناس في الصلاح والفساد فريقان: فريق يسعى في الأرض بالفساد ويهلك الحرث والنسل، وفريق يبغي بعمله رضوان الله وطاعته - أرشدنا إلى أن شأن المؤمنين أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ، محذِّرًا إيَّاهم مِن طاعة الشَّيطانِ، ومعلِّلًا ذلك بأنَّه عدوٌّ ظاهرٌ لهم؛ فلعداوتِه يُريد أنْ يقودَهم بطاعتِهم له إلى الهلاك.فقال سبحانه:
وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ :إشعار بأن الشيطان كثيرًا ما يجر الإنسان إلى الشر خطوة فخطوة ودرجة فدرجة حتى يجعله يألفه ويقتحمه بدون تردد، وبذلك يكون ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. والعاقل من الناس هو الذي يبتعد عن كل ما هو من نزغات الشيطان ووساوسه، فإن صغير الذنوب قد يوصل إلى كبيرها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وقوله: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ :جملة تعليلية، مؤكدة للنهي ومبينة لحكمته.

" فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"209.
تفريع على النهي، وترهيب من العقاب الذي سيصيب المتبعين للشيطان.
فَإِن زَلَلْتُم: أي فإن حدتم عن صراط الله وهو المستقيم، وسرتم في طريق الشيطان ، بعد أن بيّن لكم عداوته، ونهاكم عن اتباع طرقه وخطواته، مِّن بَعْدِ مَاجَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ: البينات جمع بَيِّنَة، وهي الأدلة والمعجزات، وقامت عليكم الحُجج ،ومجيئها: ظهورها. أي: على علم ويقين.

فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :أي فاعلموا أن الله عَزِيزٌ لا يقهر ولا يعجزه الانتقام ممن زل يأخذكم أخذ عزيز مقتدر، فهو عزيز لا يغلب على أمره، الحكيم, إذا عصاه العاصي, قهره بقوته, وعذبه بمقتضى حكمته فإن من حكمته, تعذيب العصاة والجناة. فهو حكيم لا يهمل شأن خلقه، ولحكمته قد وضع تلك السنن في الخليقة.
فإن قيل: أفهذه الآية مشتملة على الوعد كما أنها مشتملة على الوعيد؟ قلنا: نعم من حيث أتبعه بقوله: حَكِيمٌ :حكيم فيما شرع لكم من دينه، وفطركم عليه، ويثيب المحسن منكم ، وحكيم فيما يفعل بكم من عقوبة على معاصيكم إياه بعد إقامة الحجة عليكم.
والآية فيها إثبات اسم العزيز واسم الحكيم لله تعالى.
العَزيز : مَأْخُوذٌ من العِزّ، وَهُوَ الشِّدَّة والقَهْر، وسُمِّي بِهِ الملك؛ لِغَلَبَتِه على أهلِ مَمْلَكَتِه "انتهى من "تاج العروس" 15/ 232 .
والعزّة التي هي من صفات الله : لها ثلاثة معان:
عزة الامتناع. بمعنى الامتناع على من يرومه من أعدائه، فلن يصل إليه كيدهم، ولن يبلغ أحد منهم ضره وأذاه.
وعزة القهر والغلبة. وهي من: عز يعُز ، بضم العين في المضارع ، يقال: عزه إذا غلبه .فهو سبحانه القاهر لأعدائه الغالب لهم، ولكنهم لا يقهرونه ولا يغلبونه .وهذا المعنى هو أكثر معاني العزة استعمالا.

وعزة القوة. بمعنى القوة والصلابة، من عز يعَز بفتحها، ومنه قولهم: أرض عَزَاز ، للصلبة الشديدة . وكلها لله تعالى على أتم وجه وأكمله.
حَكِيمٌ : والحكمة: وضع الأشياء مواضعها ، وتنزيلها منازلها " انتهى . " تفسير السعدي" ص 945. قال الطبري "الحَكِيم الذِي لَا يَدْخُلُ تَدْبِيرَه خَلَلٌ وَلَا زَلَلٌ".
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-01-2023, 10:49 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,339
Arrow

من آية 210 إلى آية 213.


"هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ "210.
بعد أن أمر الله المؤمنين بالدخول في السلّم كافة، ونهاهم عن الزلل عن طريقه المستقيم، عقب ذلك بتهديد الذين امتنعوا عن الدخول في الإسلام فقال سبحانه : هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ..... الآية.
وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب، يقول تعالى: هل ينتظر التاركون الدخول في السلم ،الساعون في الفساد في الأرض, المتبعون لخطوات الشيطان, الذين زلُّوا من بعد ما جاءتهم البينات، النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال ، يوم إتيان الرَّبِّ عزَّ وجلَّ يوم القيامة . وإتيان الله- تعالى- إنما هو بالمعنى اللائق به- سبحانه- مع تنزيهه عن مشابهة الحوادث، وتفويض علم كيفيته إليه- تعالى- هذا اليوم الذي قد حشي من الأهوال والشدائد والفظائع, ما يقلقل قلوب الظالمين, ويحق به الجزاء السيئ على المفسدين.
وذلك أن الله تعالى يطوي السماوات والأرض, وتنثر الكواكب, وتكور الشمس والقمر، فإذا جاء الله وكانت السماوات والأرض قد أظلمت، ليس هناك شمس ولا قمر ينير، ولا نجوم تضيء، كلها قد كسفت، وطمست، ولم يبق لها نور، وبقي الناس في ظلمة عظيمة ،. وتنزل الملائكة الكرام, فتحيط بالخلائق, وينزل الباري تبارك وتعالى" فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " ليفصل بين عباده بالحق. ، فإذا جاء الله أشرقت الأرض بنور ربها، قال تعالى "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ"سورة الزمر 70
فتوضع الموازين, وتنشر الدواوين, وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة, ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه.
فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ : فالغَمامُ مَعروفٌ في كَلامِ العَرَبِ - وهو السحاب الرقيق الأبيض، وما أظلك من شعاع الشمس وغيره ،سمي بذلك لأنه يغم، أي يستر ، إلَّا أنَّا لا نَدري كيفَ الْغَمَامُ الذي يَأتي اللهُ جَلَّ وعزَّ يَومَ القيامةِ في ظُلَلٍ منه؟ فنَحنُ نُؤمِنُ به، ولا نُكيِّفُ صِفَتَه. وكَذلك سائِرُ صِفاتِ اللهِ جَلَّ وعَزَّ .
أي ما ينتظر أولئك الذين أبوا الدخول في الإسلام من بعد ما جاءتهم البينات، إلا أن يأتيهم الله يوم القيامة في ظلل كائنة من الغمام الكثيف العظيم ليحاسبهم على أعمالهم .والاستفهام للإنكار والتوبيخ.
وَالْمَلَائِكَةُ : أي وإتيان الملائكة الذين لا يعلم كثرتهم إلا هو- سبحانه-، "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا"الفجر: 22.
وتنزل ملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا... القصد أن الملائكة ـ على كثرتهم وقوتهم ـ ينزلون مذعنين لأمر ربهم لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله. اهـ.
وَقُضِيَ الْأَمْرُ : أي أتم- سبحانه- أمر العباد وحسابهم فأثيب الطائع وعوقب العاصي، ولم تعد لدى العصاة فرصة للتوبة أو تدارك ما فاتهم.فيقضي الله تعالى بين عباده، ويجازي كل عامل بعمله.
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ : فجميع أمور الدنيا والآخرة تؤول إلى الله عزَّ وجلَّ وحده، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى.وحينئذ يكونُ الأمرُ قد انتهى.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به تأكيد قضاء أمره، ونفاذ حكمه، وتمام قدرته.
"سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"211.
بيَّن- سبحانه- أن كفر الكافرين ليس سببه نقصان الدليل على صحة إيمان المؤمنين،وإنما سببه الجحود والحسد وإيثار الهوى على الهدى، بدليل أن بنى إسرائيل قد آتاهم الله آيات بينات تهدي إلى الإيمان ومع ذلك كفروا بها. استمع إلى القرآن وهو يصور موقفهم بعد تهديده للكافرين في الآية السابقة فيقول: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه ليس المقصود: سل بني إسرائيل ليخبروك عن تلك الآيات فتعلمها وذلك لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان عالما بتلك الأحوال بإعلام الله- تعالى- إياه، بل المقصود منه المبالغة في الزجر عن الإعراض عن دلائل الله- تعالى-.
أي: سل هؤلاء الحاضرين أنا لما آتينا أسلافهم آيات بينات فأنكروها، لا جرم استوجبوا العقاب من الله- تعالى-، وذلك تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلوا عن آيات الله لوقعوا في العذاب كما وقع أولئك المتقدمون فيه. والمقصود من ذكر هذه الحكاية أن يعتبروا بغيرهم كأنه قيل " سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ" عن طغيانهم وجحودهم للحق بعد وضوحه فقد آتيناهم آيات كثيرة بينة ومع ذلك أعرض كثير منهم عنها.
أي سل يا محمد يهود المدينة فالمراد بهذا السؤال تقريعهم على جحودهم الحق بعد وضوح الآيات لا معرفة إجابتهم . " كَمْ آتَيْنَاهُم "أعطينا آباءهم وأسلافهم " مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ " دلالة واضحة على نبوة موسى عليه السلام مثل العصا واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها .
وقيل: معناها الدلالات التي آتاهم في التوراة والإنجيل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

" وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "
نِعْمَةَ اللَّهِ: أي: آياتُهُ ودَلائِلُهُ، وهي مِن أجَلِّ أقْسامِ نِعَمِ اللَّهِ؛ لِأنَّها أسْبابُ الهُدى والنَّجاةِ مِنَ الضَّلالَ .
ومن يبدل نعمة الله أي يغير آيات الله فإنها سبب الهدى الذي هو أجَلّ النعم، يجعلها سبب الضلالة وازدياد الرجس، أو بالتحريف والتأويل الزائغ. من بعد ما جاءته من بعد ما وصلت إليه وتمكن من معرفتها، وفيه تعريض بأنهم بدلوها بعد ما عقلوها ولذلك قيل تقديرها فبدلوها ومن يبدل ؛ فإن الله شديد العقاب فيعاقبه أشد عقوبة لأنه ارتكب أشد جريمة.
ثم ذكر طبيعة الكافرين الجاحدين فقال:
"زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ "212.
وبعد أن ذكر القرآن حال من يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته، أتبعه بذكر الأسباب التي حملت أولئك الأشقياء على البقاء في كفرهم وجحودهم فقال- تعالى" زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ... الآية.
التزيين: جعل الشيء زينا أي، شديد الحسن. فحسنت الحياة الدنيا للكافرين وأشربت محبتها في قلوبهم فتهالكوا عليها، وتهافتوا عليها تهافت الفراش على النار ،وأصبحت أكبر همهم، فهم يؤثرونها على كل شيء، وأعرضوا عن الدين حين ظنوا أن منافعها قد تفوتهم.
وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا: أي أن الذين كفروا لا يكتفون بحبهم الشديد لزينة الحياة الدنيا وشهواتها وإنما هم بجانب ذلك يسخرون من المؤمنين لزهدهم في متع الحياة، لأن الكفار يعتقدون أن ما يمضي من حياتهم في غير متعة فهو ضياع منها، وأنهم لن يبعثوا ولن يحاسبوا على ما فعلوه في دنياهم، أما المؤمنون فهم يتطلعون إلى نعيم الآخرة الذي هو أسمى وأبقى من نعيم الدنيا.
وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رد منه- سبحانه- على هؤلاء الكفار الذين يسخرون من المؤمنين، والذين يرون أنفسهم أنهم في زينتهم ولذاتهم أفضل من المؤمنين في نزاهتهم وصبرهم على بأساء الحياة وضرائها.والذين اتقوا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل سوء فوق أولئك الكافرين مكانة ومكانا يوم القيامة، لأن تقواهم قد رفعتهم إلى أعلى عليين، أما الذين كفروا فإن كفرهم قد هبط بهم إلى النار وبئس القرار.وقيدت الفوقية بيوم القيامة للتنصيص على دوامها، لأن ذلك اليوم هو مبدأ الحياة الأبدية، ولإدخال السرور والتسلية على قلوب المؤمنين حتى لا يتسرب اليأس إلى قلوبهم بسبب إيذاء الكافرين لهم في الدنيا.
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ : تذييل قصد به تشريف المؤمنين، وبيان عظم ثوابهم. أي: والله يرزق من يشاء بلا حصر وعد لما يعطيه. فهو- سبحانه- الذي يعطي ويمنع، وليس عطاؤه في الدنيا دليل رضاه عنِ المعطَى فقد يعطي الكافر وهو غير راضٍ عنه، فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر. أما عطاؤه في الآخرة فهو دليل رضاه عمن أعطاه.فالشأن كل الشأن، والتفضيل الحقيقي، في الدار الباقية، فلهذا قال تعالى"وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فيكون المتقون في أعلى الدرجات، متمتعين بأنواع النعيم والسرور, والبهجة والحبور. والكفار تحتهم في أسفل الدركات, معذبين بأنواع العذاب والإهانة, والشقاء السرمدي, الذي لا منتهى له، ففي هذه الآية تسلية للمؤمنين, ونعي على الكافرين.


"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " 213.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لَمَّا بيَّن اللهُ تعالى في الآية المتقدِّمة أنَّ سببَ إصرارِ هؤلاء الكفَّارِ على كُفرهم هو حبُّ الدُّنيا- بيَّن في هذه الآية أنَّ هذا المعنى غيرُ مختصٍّ بزمنِ نزول الآية، بل كان حاصلًا في الأزمنة المتقادمة؛ لأنَّ النَّاس كانوا أمَّةً واحدةً أي: إنَّ النَّاس كانوا مجتمعين منذ عهدِ آدمَ عليه السَّلام على دِينٍ واحد، هو دينُ الإسلام، وظلُّوا على ذلك مدَّةَ عشرةِ قرونٍ، فاختلَفوا في دِينهم حتى عبَدوا الأصنام، فبعَث الله النَّبيِّين ينهَوْن عن ذلك الكفرِ، مُبشِّرين مَن أطاعهم بالجنَّةِ، ومُنذِرين مَن عصاهم بالنَّارِ، وكان أوَّلهم نوحٌ عليه السَّلام.
وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ :أي: إنَّ اللهَ تعالى أنزَل مع النَّبيِّين عليهم السَّلام كُتبًا مِن عنده، مشتملةً على الأخبارِ الصادقة، والأوامرِ العادلة؛ أنزَلها لتفصِلَ بين النَّاس في كلِّ ما اختلَفوا فيه، فيتبيَّن لهم الحقُّ مِن الضَّلال، والصَّواب مِن الخطأ، وتُقامُ بذلك حُجَّةُ اللهِ تعالى على عبادِه.وذكر- سبحانه- الكتاب بصيغة المفرد للإشارة إلى أن كتب النبيين وإن تعددت إلا أنها في جوهرها كتاب واحد لاشتمالها على شرع واحد في أصله، وإذا كان هناك خلاف بينها ففي تفاصيل الأحكام وفروعها لا في جوهرها وأصولها.
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ:
لَمَّا ذكَر اللهُ تعالى إنزالَه الكتبَ على النَّبيِّين عليهم السَّلام، وكان هذا يقتضي اتِّفاقَ الَّذين اختلَفوا في دِينهم عليها، أخبَر تعالى أنَّهم خالَفوا مرادَ الله تعالى منها، أي: إنهم اختلَفوا في تلك الكتب المنزلة، وكان ينبغي أنْ يكونوا أَوْلى النَّاسِ بالاجتماع عليها، والتَّحاكُم إليها، وذلك مِن بعدِ ما علِموا بالأدلَّةِ القاطعات، والحُجَج الباهرات: أنَّ ما فيها هو الحقُّ، وإنَّما حمَلهم على ذلك تعدِّي بعضِهم على بعضٍ بالباطل، ووقوع النِّزاعاتِ والخصومات فيما بينهم.
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ: أي: فهدى اللهُ الذين آمنوا وصدَّقوا رسلَهُ إلى الحقِّ الذي اختلف فيه أهل الضلالة، وذلك الهدى بفضل توفيقه لهم وتيسيره لأمرهم. وأسند الهداية إليه- سبحانه- لأنه هو خالقها، ولأن قلوب العباد بيديه فهو يقلبها كيف يشاء، وهذا لا ينافي أن للعبد اختيارًا وكسبًا ،فهو إذا سار في طريق الحق رزقه الله النور المشرق الذي يهديه، وإن سار في طريق الضلالة واستحب العمى على الهدى سلب الله عنه توفيقه بسبب إيثاره الضلالة على الهداية.
وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ: تذييل قُصِدَ به بيان كمال سلطانِه، وتمام قدرتِهِ.أي: والله وحده هو الهادي من يشاء من عباده إلى طريق الحق الذي لا يضل سالكه، فليس لأحد سلطان بجوار سلطانه، ولو أراد أن يكون الناس جميعًا مهديين لكانوا، ولكن حكمته اقتضت أن يختبرهم ليتميز الخبيث من الطيب، فيجازي كلَّ فريقٍ بما يستحقه.
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 02:31 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر